العراق الكويت: الجذور الغزو التحرير - تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

كانت واقعة الغزو العراقي للكويت هي ذروة الحدث المأسوي، الذي مهدت له مقدمات، ونجم عنه ردود فعل وتداعيات، بلغت أَوْجها مع هبوب " عاصفة الصحراء ". وبين وقوع الحدث وهبوب العاصفة، تطورت الأحداث والأوضاع السياسية على الساحة، الدولية والإقليمية والعربية. أسفر غزو العراق الكويت واحتلاله إياها وضمها إليه، عن اختلال موازين القوى، الإقليمية والعربية والعالمية. لذا، ينبغي إلقاء الضوء على الأبعاد المختلفة للأزمة، ودوافع القوى الدولية وأهدافها، التي تحكمت في مسارها.


المبحث الأول

تطور الأوضاع على ساحة الأمم المتحدة

يستحيل فهْم تطور الأوضاع على ساحة الأمم المتحدة، وفهْم حقيقة ردود الفعل الدولية وأبعادها ودوافعها، وهي الردود التي تعاقبت لدى تناقل وكالات الأنباء العالمية خبر الغزو العراقي للكويت، فجر 2 أغسطس 1990 من دون سبْر عميق لدلالات توقيت الأزمة. فقد اندلعت الأزمة في وقت، كان النظام العالمي، الذي استقر عقب الحرب العالمية الثانية، يمر بتحولات عميقة، أثّرت في هيكل قواه وموازينها.

فمنذ وصول الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف (Mikhail Gorbachev)، إلى السلطة، عام 1985، وشروعه في تغييرات جوهرية، في هيكل النظام السوفيتي وسياساته، وفقاً لرؤيته هو إلى ضرورات المكاشفة "الجلاسنوست"، وإعادة البناء "البيروسترويكا" ـ كان من الواضح، أن النظام العالمي، بدأ يدخل مرحلة جديدة. وتتمثل أهم سمات تلك المرحلة، الممتدة منذ وصول جورباتشوف إلى السلطة، وحتى اندلاع أزمة الكويت، في قرار الاتحاد السوفيتي، تقصير خطوط علاقاته الخارجية، والبحث عن أسلوب جديد لمعالجة المشكلات الدولية وحلها على أساس "توازن المصالح"، بدلاً من "توازن القوى"، ونبذ محاولات السيطرة والهيمنة والصراع الأيديولوجي، وتلمس صيغ جديدة للتعاون الدولي، تضمن الحدّ من سباق التسلح، والتفرغ لمعالجة المشكلات الكونية. وكانت النتيجة الأساسية لهذا التوجه الجديد، بصرف النظر عن دوافعه أو أسلوب تطبيقه، هي الانحسار التدريجي للنفوذ السوفيتي عن مَواقع عدة للتركيز في مشكلات الاتحاد السوفيتي الداخلية.

وقبْل أن تندلع أزمة الخليج، كان موقف الاتحاد السوفيتي من العديد من المشكلات الإقليمية في العالم، قد تغير، كلية، بعد أن أبدى استعداده للذهاب إلى أبعد مدى ممكن، لإيجاد حل مشرِّف، ومعقول، يأخذ في حسبانه مصالح جميع الأطراف. ثم بدأ موقفه يتغير من قضايا ومشكلات أوروبا الشرقية نفسها، وهي منطقة نفوذه المباشر، وخط دفاعه الأمني الأول، إلى حدّ أنه تخلّى، نهائياً، عن أنظمة الحكم الشيوعية، الموالية له، وتركها وحيدة تحت رحمة جماهيرها الغاضبة. ولم يكن في وسْع أحد، أن يشكك في عمق التغير، الذي طرأ على سياسة الاتحاد السوفيتي، حين بدا وكأنه غير راغب في أن يحرك ساكناً، في مواجَهة اندفاع الجماهير الثائرة، في ألمانيا الشرقية، إلى تحطيم سور برلين، في 9 نوفمبر 1989، وهو اليوم الذي يكرّس، عملياً، نهاية الحرب الباردة. وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات نفسها، على الأمم المتحدة، وأسلوبها التقليدي في معالجة الأزمات الدولية.

وكانت الحرب الباردة، قد أدت إلى إصابة نظام الأمن الجماعي، كما تصوَّره واضعو ميثاق الأمم المتحدة، بالشلل التام، وحل محلّه نظام النفوذ. وفي هذا السياق، استحال على الأمم المتحدة، أن تتدخل في أي أزمة، تندلع داخل منطقة النفوذ المباشر لأيٍّ من القوّتَين العظمَيَين: مجموعة حلف وارسو، ومجموعة حلف شمال الأطلسي. فضلاً عن استحالة تدخّلها في أي أزمة، تكون إحدى القوّتَين العظمَيَين طرفاً مباشراً فيها (الأزمة الفيتنامية، الأزمة الأفغانية ... إلخ). أمّا في الأزمات الأخرى، فقد توقفت فاعلية الدور، الذي يمكن أن تضطلع به الأمم المتحدة، على عوامل كثيرة، أبرزها اتفاق موسكو وواشنطن، بصرف النظر عن اختلاف الدوافع والأسباب، على احتواء أيّ أزمة، وإفساح المجال أمام الأمم المتحدة لكي تؤدي دوراً ما. حتى في هذه الحالات، يلاحظ أن مجلس الأمن، لم يستخدم السلطات، التي يخوله إياها الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، إلاّ نادراً. فلم تفرض عقوبات اقتصادية، في تاريخ الأمم المتحدة، إلاّ في حالتَين فقط (روديسيا وجنوب أفريقيا). وكانت هذه العقوبات محدودة في نطاقها، ولم يصحبها فرض حظر، بحري أو جوي، للتأكد من التزام المجتمع الدولي بها. كما لم يلجأ مجلس الأمن إلى استخدام صلاحياته، في قمع العدوان، من خلال العمل العسكري المباشر، وفقاً للترتيبات المنصوص عليها في هذا الميثاق. ونادراً ما كانت قرارات مجلس الأمن تميل، صراحةً، وتُلمح إلى مواد الفصل السابع من الميثاق. بل اتسمت، في كثير من الأحيان، بالغموض المتعمد (القرار 242، لسنة 1967)، وهو ما كرّس العدوان، ومكّن المعتدي من الاحتفاظ بالأراضي، التي احتلها، إلى أن يتمكن من فرض التسوية وفق شروطه. وكان سلاح النقض (الفيتو)، مشهراً دائماً، من جانب أيٍّ من القوّتَين العظمَيَين، للحيلولة دون صدور أي مشروع لا يرضيها.

وما لبث هذا الأسلوب التقليدي، في معالجة الأزمات الدولية، أن بدأ يتغير تغيراً واضحاً، خلال النصف الثاني من الثمانينيات، قبْل أن تندلع أزمة الكويت. فقد هدفت "بيروسترويكا" جورباتشوف، في بُعدها الخارجي، إلى "نظام عالمي جديد"، تضطلع فيه الأمم المتحدة بدور رئيسي، في النظام الدولي، قوامه " توازن المصالح " بدلاً من "توازن القوى".

ومن هذا المنطلق، بذل الاتحاد السوفيتي قصاراه، تدليلاً على حسْن نيته، وقدم العديد من التنازلات، من جانب واحد. بل انبرى يمارس ضغوطاً مكثفة على حلفائه، لحثّهم على تبنّي مواقف أكثر مرونة، والتخلص من قدر كبير من طموحاتهم. وهكذا، أصبح للأمم المتحدة دور جديد، في مجال تنشيط البحث عن تسوية سياسية، لعدد من النزاعات الإقليمية (أفغانستان، أنجولا، كمبوديا). ومما يدل على عمق التحولات، التي طرأت على سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه "الأمم المتحدة" أنه لم يستخدم أبداً، خلال الفترة من 1986 إلى 1990، حق النقض، الذي طالما استخدمه، منذ نشأة الأمم المتحدة وحتى نهاية السبعينيات. بينما استخدمت الولايات المتحدة هذا الحق، في النصف الأخير من الثمانينيات، 24 مرة، وبريطانيا سبع مرات، وفرنسا ثلاث مرات. أمّا الصين، فلم تستخدم هذا الحق، خلال تلك الفترة. وهو ما يدل على تحوّل في سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية.

أولاً: دور الأمم المتحدة

· اضطلعت الأمم المتحدة، في أزمة الكويت، بدور، يختلف اختلافاً جذرياً عن أدوارها التقليدية، في إدارة الأزمات الدولية. وغدت، خلال الأشهر الأولى لاحتلال العراق الكويت، وكأنها هي المسرح الرئيسي لإدارة الأزمة. ويتضح ذلك مما يلي:

· أصبح مجلس الأمن، منذ اللحظات الأولى للغزو، في 2 أغسطس، وحتى 29 نوفمبر (حين صدر القرار "الرقم 678"، المتعلق بالتصريح للدول المتعاونة مع حكومة الكويت باستخدام القوة المسلحة)، في حالة انعقاد شبه دائم.

· انعقد مجلس الأمن، خلال تلك الفترة، مرتَين، على مستوى وزراء الخارجية. إحداهما برئاسة وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، والأخرى برئاسة وزير الخارجية السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه، وهو ما لم يعهده مجلس الأمن، خلال تاريخه، إلاّ مرتَين فقط.

أصدر مجلس الأمن، منذ بداية الأزمة حتى اندلاع العمليات العسكرية، (عاصفة الصحراء) اثنَي عشر قراراً، كلها ملزمة، وجميعها تشير، صراحة، إلى مواد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في سابقة، لا عهد لها بها. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات، على النحو التالي:

1. مجموعة القرارات المتعلقة بالتكييف القانوني للغزو، وبأساس تسوية الأزمة

بعد ساعات قليلة من الغزو العراقي، اتخذ مجلس الأمن (القرار 660)، الذي عَدَّ الغزو العراقي عدواناً سافراً على الكويت، وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتهديداً للسلم والأمن الدوليَّين وإخلالاً بهما. ومن ثم، دان الغزو، وطالب العراق بسحب قواته، من الفور، من دون قيد أو شرط، إلى المَواقع التي كانت فيها، في أول أغسطس. وإذا ما تحقق هذا الانسحاب، فإنه يتعين أن يعمد العراق والكويت إلى مفاوضات مكثفة، لحل خلافاتهما. كذلك، أيد القرار جميع الجهود، المبذولة في هذا الصدد، ولا سيما جهود جامعة الدول العربية.

وفي 9 أغسطس 1990، وبعد أن قرر العراق ضم الكويت، وعَدّها " المحافظة الرقم 19 " بين محافظاته، دان قرار مجلس الأمن، (الرقم 662)، هذا الضم، وعَدّه مُلغى وباطلاً، وليس له أي صلاحية قانونية. وأكد تصميم المجلس على إنهاء الاحتلال، واستعادة سيادة الكويت واستقلالها وسلامتها الإقليمية. وكذلك استعادة حكومتها الشرعية سلطتها (أُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 660 في 2 أغسطس 1990 بشأن الغزو العراقي للكويت)، (وأُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 662 في 9 أغسطس 1990).

2. مجموعة القرارات المتعلقة بالإجراءات التحفظية

أثناء الاحتلال، انتهكت الممارسات العراقية، القانون الدولي انتهاكاً صارخاً. ولم يقتصر ضررها على مصالح الشعب الكويتي، بل تجاوزها إلى مصالح وحقوق أطراف أخرى كثيرة. لذلك، اتخذ مجلس الأمن مجموعة من القرارات، تدين هذه الممارسات، وتلقي على العراق المسؤولية الكاملة عن تلك الأضرار. وانطوت، في الوقت نفسه، على إجراءات تحفّظية، تستهدف حماية الحقوق والمصالح، التي تعرضت للخطر. ويدخل في إطار هذه المجموعة من القرارات:

أ. القرار 664، الصادر في 18 أغسطس، الذي يطالب العراق بأن يسمح ويسهل، من الفور، مغادرة مواطني الدول الأخرى كلاًّ من الكويت والعراق.

ب. القرار 667، الصادر في 16 سبتمبر 1990، الذي يدين العراق بسبب أعماله العدائية ضد مقارّ وأعضاء البعثات الدبلوماسية، المعتمدة لدى الكويت، ويطالب بإطلاق المحتجزين، كرهائن، من الفور.

ج. القرار 674، الصادر في 29 أكتوبر 1990، الذي يدين ممارسات سلطات الاحتلال في الكويت، ويحمّل العراق المسؤولية عن أي خسائر أو أضرار، يلحقها احتلاله بممتلكات الدول أو الشركات أو الأفراد.

د. القرار 677، الصادر في 28 نوفمبر 1990، الذي يدين الإجراءات، التي اتخذتها سلطات الاحتلال، مستهدفة تغيير البِنية والخريطة السكانية في الكويت. ويقرر بطلان هذه الإجراءات (أُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 664 في 18 أغسطس 1990) ، (وأُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 667 في 16 سبتمبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 674 في 29 أكتوبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 677 في 28 نوفمبر 1990).

3. مجموعة القرارات المتعلقة بالعقوبات

وهي القرارات التي استهدفت ممارسة الضغوط المختلفة على العراق، لإجباره على الانسحاب من الكويت. وتشمل:

أ. القرار 661، الصادر في 6 أغسطس 1990، والمطالب بف

المبحث الثاني

مواقف المنظمات والتجمعات الدولية الأخرى

أثارت الأزمة ردود فعل واسعة النطاق، شملت العالم بأسْره إذ إنها حملت في طياتها قضايا وموضوعات عديدة، أثرت تأثيراً، مباشراً أو غير مباشر، في مصالح دول العالم كافة، من دون استثناء، وإنْ بدرجات ونتائج متفاوتة. إضافة إلى نتائجها وانعكاساتها على موازين القوى وعلى الأوضاع الإستراتيجية في العالم برمّته. من بين هذه القضايا:

إمدادات النفط وأسعاره المتزايدة. مصير البعثات، الدبلوماسية والقنصلية، في الكويت. أوضاع العاملين في الكويت والعراق. الرهائن الأجانب المحتجزين في الكويت والعراق. نتائج الحظر، الاقتصادي والعسكري، المفروض من جانب مجلس الأمن.

لذلك، لم يكن غريباً، أن تصدر بيانات عن كافة المنظمات والتجمعات الدولية، من دون استثناء، تحدد مواقف دولها الأعضاء. وعلى الرغم من التبايُن في رُؤَى هذه الدول ومواقفها، إلاّ أن بياناتها تمثل، على الأقل، المواقف المشتركة، التي تعكس الحد الأدنى من اتفاقها في وجهات النظر إذ إن كافة هذه البيانات، دانت ممارسات العراق، خلال الأزمة، المتعلقة بمعاملة البعثات، الدبلوماسية والقنصلية، والانتهاكات المختلفة لحقوق الإنسان، واحتجاز رعايا الدول الأخرى، كرهائن. كذلك، أيدت قرارات مجلس الأمن، بما فيها قرار الحظر الاقتصادي، وأعلنت التزامها بها، وطالبت بالانسحاب الفوري، غير المشروط، للقوات العراقية، إلى المَواقع، التي كانت فيها قبْل الغزو، وعودة الحكومة الشرعية إلى الكويت، والحرص على استقلالها وسلامة أراضيها.

لكن هذه البيانات، عكست، في الوقت نفسه، تفاوتاً في التقديرات والرؤى إلى الإجراءات، التي يتعين اتخاذها، لاحتواء الأزمة ومحاصرتها. كما عكست تفاوتاً في تركيز كلٍّ من هذه الدول في قضايا بعينها، رأتها ذات أهمية خاصة، بالنسبة إليها.

فالبيان، الصادر عقب اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز، في 4 أكتوبر 1990، أثناء انعقاد الدورة الخامسة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ـ أعرب عن "قلقه العميق، واهتمامه بالخطر المتزايد، الذي يمكن أن ينجم عن تصعيد الأزمة، وما يمكن أن يؤدي إليه هذا التصعيد، من احتمالات مواجَهة عسكرية، قد تكون لها عواقب وخيمة، وبعيدة المدى، ليس بالنسبة إلى المنطقة فقط، ولكن بالنسبة إلى العالَم كله". وفي محاولة من مجموعة عدم الانحياز، لبذل مساعيها الحميدة، من أجْل العثور على صيغة لتسوية سلمية للأزمة، قرر المؤتمر تكليف يوغوسلافيا، كونها رئيس الدورة، بمهمة الاضطلاع بهذه الوساطة، على أساس الالتزام بقرارات مجلس الأمن، الأرقام 660، 662، 664. كذلك، كان من اللافت حرص وزراء خارجية الحركة، على أن يتضمن هذا البيان نفسه، ربطاً من نوع ما، بين أزمة الكويت والصراع العربي ـ الإسرائيلي، حين أكدوا أن " أي حل للأزمة، يتعين أن يسهم في حثّ المجتمع الدولي على أن يقترب، بنفس القدر، من التصميم، لمعالجة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وفي القلب منه القضية الفلسطينية، من أجْل إيجاد حل دائم، وعادل، لهذه الأزمة الممتدة في الشرق الأوسط". وأكد وزير خارجية يوغوسلافيا السابقة، باسم حركة عدم الانحياز، رفض الغزو، لكونه ينافي مبادئ هذه الحركة.

أمّا البيان، الصادر عن مجلس منظمة الدول الأمريكية، في 22 أغسطس 1990، فقد كان من اللافت حرصه على استخدام تعبيرات هادئة. ووجَّه نداءً يحث على " التضامن الدولي، لمنع مزيد من تدهور الموقف في الشرق الأوسط، وللتوصل إلى حل سريع للأزمة، يتفق ومقتضيات القانون الدولي".

واستأثرت قضية "الحاجات الإنسانية الهائلة، الناجمة عن الغزو العراقي للكويت "، بحيز بارز في بيان دول الشمال الأوروبي (The Nordic States)، الصادر في 12 سبتمبر 1990. وأعرب فيه وزراء الخارجية عن رغبة حكوماتهم واستعدادها لتقديم المعونة الإنسانية إلى الدول، التي يتدفق نحوها اللاجئون. وناشدوا المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات الضرورية، لمنع حدوث كارثة على نطاق واسع. كذلك أَوْلى البيان قضايا الرهائن والبعثات، الدبلوماسية والقنصلية، القدر نفسه من الاهتمام.

كما دانت المنظمات الإقليمية، التابعة لدول العالم الثالث، الغزو العراقي للكويت. غير أنها لم يكن لها تأثير في مسار الأزمة؛ إذ اقتصرت، في الأغلب، على البيانات الصادرة عن مؤسساتها، من دون عمل إيجابي (أنظر وثيقة نص بيان وزراء خارجية الدول الإسلامية الصادر في 4 أغسطس 1990 عن اجتماعهم التاسع عشر، الذي عقد في القاهرة).

كما شارك العديد من الدول الإسلامية، منها باكستان وبنجلاديش وأفغانستان والسنغال والنيجر، في القوات العسكرية المتعددة الجنسيات، التي رابطت على الحدود السعودية ـ الكويتية.

وباستثناء السودان وموريتانيا، فقد أعلنت القارة الأفريقية، من خلال منظمة الوحدة الإفريقية، إدانتها للعدوان. ووصف رئيس المنظمة الغزو العراقي للكويت، بأنه سابقة خطيرة، في إطار السلوك الدولي. وطالب بانسحاب القوات العراقية، واستعادة الكويت سيادتها الكاملة .

كذلك، وقفت المنظمات الغربية ضد الغزو. فقررت دول الجماعة الأوروبية، في 28 أكتوبر 1990، عدم تفاوض أي من دولها، بصورة منفردة، مع العراق، لإطلاق رعاياها المحتجزين. كما دانت الدول الغربية، بصورة جماعية، الغزو العراقي للكويت. ويظهر ذلك واضحاً في القرارات، التي صدرت عن دول حلف شمال الأطلسي، والجماعة الاقتصادية الأوروبية، واتحاد دول أوروبا الغربية .

وربما كانت الجماعة الأوروبية هي أكثر المنظمات الدولية اهتماماً بالأزمة، بعد الأمم المتحدة؛ إذ توالت البيانات، الصادرة عن مؤسساتها المختلفة، على كل المستويات، طوال فترة الأزمة .

وتتابع صدور البيانات عن الجماعة الأوروبية، تأييداً لقرارات مجلس الأمن المختلفة، ومتابعة لتطورات الموقف، في ضوء تطورات الرأي العام الأوروبي، والجهود الدولية المبذولة في احتواء الموقف، وخاصة جهود مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة، في الإفراج عن الأجانب المحتجزين، كرهائن. وفي البيان، الصادر عن الاجتماع الوزاري للجنة السياسية للجماعة، الذي عقد في روما، في 7 سبتمبر 1990، أعلنت الجماعة الأوروبية اتخاذ قرار، في شأن تقديم العون المالي لكل من مصر والأردن وتركيا، وهي الدول الثلاث، التي عَدّتها الأكثر تضرراً بالأزمة، وبقرارات الحظر الاقتصادي. كما أعلنت استعدادها لتقديم مساعدات محسوسة، لمواجهة الحاجات الإنسانية العاجلة، وناشدت المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، والمصرف الدولي، والهيئات الدولية الأخرى، مثل نادي باريس، أن تتفهم حاجات هذه الدول. وأكد البيان عزم الجماعة الأوروبية على تنشيط سياساتها المتعلقة بالتعاون، السياسي والاقتصادي، مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، والإسراع في الخطوات التي بدأ اتخاذها، لكي يكون للجماعة الأوروبية سياسة متوسطية واضحة. وتلا هذا البيان بيانات في شأن قضايا بعينها، مثل التعاون العربي ـ الأوروبي، المواطنين المحتجزين، في العراق والكويت، البعثات الدبلوماسية في الكويت. كما صدر، خلال الأزمة، بيانات مشتركة، كانت الجماعة الأوروبية طرفاً فيها، منها البيان المشترك مع الاتحاد السوفيتي، في 26 سبتمبر 1990، الذي أكد فيه الجانبان عزمهما على البحث عن حلول عادلة، ودائمة، للصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وفقاً لقرارات مجلس الأمن. وأشير إلى الوضع في لبنان، وإلى رغبة الطرفَين في العمل على خفض سباق التسلح، والحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل.

أمّا البيان المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، في 2 أكتوبر 1990، فإضافة إلى تعبير الجماعة عن تضامنها مع دول المجلس، وعزمها على تحرير الكويت، والمحافظة على استقلالها، فإنه حرص على تأكيد عزم الجماعة الأوروبية على الإسراع في التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة، مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودعم التعاون في كافة الميادين، خاصة السياسية والثقافية.

وكان الغزو العراقي للكويت، هو الفرصة، التي أدت إلى سابقة في التنسيق، السياسي والعسكري، بين الدول الأعضاء في اتحاد أوروبا الغربية (The Western European Union)إذ عقد وزراء الخارجية والدفاع، في دول الاتحاد، اجتماعاً مشتركاً، في 21 أغسطس، جاء في بيانه الختامي، " تأييد الخطوات، التي اتخذتها دول الاتحاد، استجابة لطلب بعض دول الخليج، تقديم مساعدة عسكرية، بهدف إجبار العراق على سحب قواته من الكويت، من دون شروط، واستعادة الكويت سيادتها ". وعلى أثر هذا الاجتماع، عقد رؤساء أركان الحرب، في الدول أعضاء الاتحاد، اجتماعاً، في 27 أغسطس 1990، هو الأول في نوعه، في تاريخ الاتحاد، لتنسيق الإجراءات العسكرية، المتخَذة لدعم قرارَي مجلس الأمن، الرقمَين 661، 665 " ولترجمة الرغبة، الصادرة عن وزراء الخارجية والدفاع، في صورة إجراءات محددة، وواضحة، لإظهار مدى إصرار دول الاتحاد وتضامنها، في مواجهة قرار العراق غزو وضم الكويت".

والتأم، كذلك، مجلس حلف شمال الأطلسي، في 7 سبتمبر 1990، للتنسيق، السياسي والعسكري، بين خطط دوله الأعضاء نفسها، والتنسيق، كذلك، بين خطط الحلف وخطط اتحاد أوروبا الغربية. وأعربت الدول الأعضاء، في البيان الصحفي، المعلَن عقب الاجتماع، "عن التزامها الكامل بالعمل من أجْل التطبيق التام لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك التنفيذ العملي المؤثّر للعقوبات، والإسهام القائم على التضامن، في عمليات البحث عن حل".

وخلال الأزمة، عقدت منظمة "الأوبيك" سلسلة من الاجتماعات، لمواجهة ما ستسفر عنه احتمالات زيادة سعر النفط، ولإطلاق حرية الدول الأعضاء في زيادة الإنتاج. وكان أهم هذه الاجتماعات الاجتماع الذي عقد في فيينا، خلال الفترة من 26 إلى 29 أغسطس. وعقدت اجتماعات عديدة، كذلك، بين وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية، في الدول السبع، والدول العشر[1]. كما عمدت المنظمات الاقتصادية إلى نوع من التعبئة العامة لمواجهة الآثار الاقتصادية للأزمة، وتعويض الدول المتضررة، رغبة في المحافظة على التحالف المناهض للعراق، لإنجاح الحصار الاقتصادي المفروض عليه.

ويمكن القول، مع استثناء بعض المواقف الفردية، إن النظام العراقي، لم ينجح إلاّ في شيء واحد، هو تعبئة كل القوى، من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، في موقف واحد، عزّ نظيره، لإجبار العراق على سحب قواته من الأراضي الكويتية، وإعادة الشرعية إليها.

[1] الدول السبع هي: الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، اليابان، كندا، إيطاليا. إضافة إلى: بلجيكا، هولندا، السويد، وانضمت سويسرا إلى الدول العشر في عام 1994.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المبحث الثالث

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 11 أغسطس 1990

أولاً: إرسال قوات عربية إلى المملكة العربية السعودية

غداة انعقاد مؤتمر القمة العربية، أعلنت مصر، في 11 أغسطس 1990، أن وحدة عسكرية تابعة لها، غادرت إلى المملكة العربية السعودية، تنفيذاً لمقررات القمة العربية، ولتكوين "مظلة عربية لتأمين أراضي المنطقة". كما أرسلت سورية قوات إلى المملكة العربية السعودية.

وأعلنت باكستان، أنها وافقت على إرسال قوات إلى المملكة العربية السعودية، بعد زيارة مبعوث خاص للملك فهد، هو الأمير عبدالعزيز الثنيان، إلى العاصمة الباكستانية، واجتماعه إلى الرئيس الباكستاني، غلام إسحاق خان.

ثانياً: مبادرة صدام حسين، وردود الفعل

بعد يومَين من انتهاء قمة القاهرة، طرح الرئيس العراقي، صدام حسين، في 12 أغسطس 1990، مبادرة عراقية، تربط بين قضية الكويت والصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهو الربط الذي أصر عليه حتى اللحظات الأخيرة، قبْل اندلاع الحرب (أنظر وثيقة مبادرة الرئيس العراقي، صدام حسين في شأن ربط القضية الكويتية بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي 12 أغسطس 1990).

وأكدت المبادرة على النقاط التالية:

1. حل قضايا الاحتلال، أو التي صورت بأنها احتلال، في المنطقة كلها، وفق أسس ومبادئ، يضعها مجلس الأمن، وهذه القضايا هي:

أ. انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.

ب. انسحاب سورية من لبنان.

ج. الانسحاب المتبادل بين العراق وإيران.

د. وضع ترتيبات لحالة الكويت.

2. انسحاب القوات الأمريكية، والقوات الأخرى، من أراضي المملكة العربية السعودية. وتحل محلها قوات عربية، شرط أن لا يكون من بينها قوات مصرية.

3. تجميد قرارات المقاطعة والحصار ضد العراق.

4. تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، في التعامل، الاقتصادي والسياسي والعلمي، بين العراق ودول العالم.

في اليوم نفسه، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل، هذه الأفكار. بينما أعلنت إيران، في اليوم التالي، 13 أغسطس 1990، رفضها إياها. أمّا الحكومة الإسرائيلية، فوصف رئيسها، إسحاق شامير، مبادرة ربط قضية الكويت بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، التي أعلنها الرئيس العراقي، بأنها "مناورة لإضعاف التحالف الدولي القائم ضده ". وأمّا في الضفة الغربية وغزة، فقد استُقبل اقتراح الرئيس العراقي بحماسة شديدة.

وعرض السفير العراقي إلى الأمم المتحدة، عبدالأمير الأنباري، مبادرة الرئيس صدام حسين، على الدول السبع، غير المنحازة، الأعضاء في مجلس الأمن. وقال إنه يتمنى أن يتعامل المجلس مع المبادرة بجدية.

وفي موسكو، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السوفيتية، يوري جريميتسكيخ (Yuri Gremitskikh)، بأن الاتحاد السوفيتي، لا يرى واقعية في الاقتراحات الأخيرة، التي طرحها الرئيس صدام حسين،، في مبادرته، في 12 أغسطس. وأن الحكومة السوفيتية، تواصل اتصالاتها، على جميع المستويات، لإقناع العراق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

وحول رفض الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل، مبادرة الرئيس صدام حسين، أدلى طارق عزيز، في اليوم التالي، بتعقيب، جاء فيه: "إن هذا الموقف السريع، الذي اتخذته الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، من المبادرة التاريخية العادلة، التي أعلنها الرئيس القائد، صدام حسين، والتي تنطلق من مبادئ العدالة والإنصاف والمساواة في المقاييس ـ يعزِّز وعي الجماهير العربية بحقيقة المؤامرة، ويدفعها إلى مواصلة النضال الباسل، من أجْل مقاومة المخطط الإمبريالي الصهيوني، الذي يطبق، الآن، في المنطقة ... إننا نناشد الدول والشعوب والقوى الحرة في العالم، التي طالما رفضت المقاييس المزدوجة والسياسة الانتقائية، التي سعت الولايات المتحدة إلى فرضها على المنظمة الدولية والمجتمع الدولي ـ أن تدرك المغزى الحقيقي للموقف في المنطقة، والدوافع الحقيقية للقرارات، التي دفعت بها الولايات المتحدة ضد العراق، في مجلس الأمن، في الأيام الماضية. وأن تعيد النظر في المواقف، التي اتخذتها سابقاً، في إطار حملة التضليل، التي دبّرتها الولايات المتحدة، واتخاذ الموقف المنصف، الذي تحتمه مبادئ العدالة والإنصاف والمسؤولية، تجاه الأمن والسلام في العالم ...".

لقد اتكأ النظام العراقي، في مبادرته، على موطن الألم الرئيسي، في الوطن العربي. وبدا أمام الرأي العام، أن هناك حلاً جذرياً، وثورياً، مفاجئاً للمسألة الفلسطينية، يتمثل في الضغط على المصالح، الأمريكية والغربية، في الكويت والخليج. وعُدّ هذا الموقف استمراراً لخط المتشددين من الراديكاليين العرب، في الدعوة إلى القضاء على المصالح الغربية، والأمريكية منها خاصة، في الوطن العربي، رداً على الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، والإذلال المتواصل للكرامة العربية.

واستند القائلون بالربط إلى عدد من الحجج، أهمها:

مع الاعتراف بمعاناة الشعب الكويتي، فإن غزو الكويت، يمثل فرصة نادرة للتعامل مع الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، من موقع القوة، فيما يتصل بالقضية الفلسطينية؛ إذ إن العرب باتوا لا يملكون كثيراً من عناصر الضغط على الموقف الأمريكي، حيال هذه القضية. لو أجمع العرب على فكرة الربط، لأمكن خلق تيار عالمي، يؤيد هذه الفكرة، ليصير من غير الممكن تجنّبها. وكانت هذه الفكرة، قد حظيت، فعلاً، ببعض القبول لدى أطراف دولية مهمة في إدارة الأزمة، ولا سيما فرنسا، التي أعلن رئيسها، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في بداية أكتوبر 1990، مبادرة تأخذ مسألة الربط في الحسبان. وليس من المعقول، أن يدفع بعض القوى الغربية إلى تنفيذ فكرة الربط، في حين يرفضها بعض العرب. لو أمكن الضغط، العربي والدولي، تطبيق فكرة الربط، على أنها قلب أي تسوية، لأصبح صعباً على الولايات المتحدة، أن تواصل رفضها الفكرة؛ إذ إنها لن تستطيع الدفاع عن موقفها، الذي يكافئ المعتدي الإسرائيلي، ويعاقب "المعتدي "العراقي. ولو أمكن تحقيق تسوية، من خلال الربط، لفاز العرب بكل ما يطمحون إليه، من تحرير فلسطين، وتحرير الكويت وإنقاذ العراق، في آنٍ معاً.

رفضت أغلبية الدول العربية مقولة الربط رفضاً تاماً، على الأقل في مواقفها المعلَنة. وقد استند رفضها إلى مبررات وحجج، أبرزها:

لا يمكن النظر إلى الكويت، كرهينة غربية، يمكن أن تقايض بها الأرض المحتلة في 5 يونيه 1967؛ ولا تغير أنقى النيات في تفسير فكرة الربط، من حقيقة العدوان العراقي، كعدوان على دولة عربية وشعب عربي. تمثل فكرة الربط دعاية، تستهدف تعبئة الرأي العام، العربي والإسلامي، وراء غزو الكويت، أكثر مما هي سعي جاد، حول مستقبل الشعب الفلسطيني. والمؤكد أنه لو قبلت الولايات المتحدة الأمريكية ضم العراق الكويت، لَما طرح العراق اصطداماً، سياسياً وعسكرياً، معها، حول حقوق الفلسطينيين. ففي سياق المداولات، بين الرئيس العراقي والسفيرة الأمريكية، ثم القائم بالأعمال الأمريكي، في العراق، أوضح الرئيس نيته في احترام المصالح الأمريكية وصيانتها، في المنطقة العربية. لا يمكن القبول برهن مصير الكويت، الواقعة في يد دولة عربية معتدية، بمصير الأرض العربية المحتلة، الواقعة في قبضة إسرائيل. فضلاً عن أن إسرائيل، لن تقبَل، حتى لو ضغطت عليها الإدارة الأمريكية بأقصى ما لديها من قوة، بالانسحاب من الأراضي المحتلة من أجل تحرير الكويت.

بيد أن استحسان أقلية من الدول العربية، لشعار الربط، كان قصير العمر. فاليمن، الذي وافق، رسمياً، على مبادرة الرئيس صدام حسين، على أثر إعلانها. وتبنّى في مبادرته، في أول سبتمبر، هذا الشعار، سرعان ما تنكّر له، فأسقطه من مبادرته، المعلَنة في 19 أكتوبر 1990[1]، ومن مشروع القرار، الذي قدّمه، مع عدد من دول عدم الانحياز، إلى مجلس الأمن، في 7 أكتوبر؛ وهو المشروع الذي رفض المجلس تمريره. كما اتخذت المبادرات الأردنية المسار عينه.

وعلى الرغم من رفض دول الخليج ومصر وسورية، رسمياً، مقولة الربط، فإنها حثّت، في مفاوضاتها مع الجانب الأمريكي، وبعض الأطراف الأوروبية، على إعلان التزامٍ ما، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أو مجموعة من الدول الغربية، أو مجلس الأمن، بتحريك القضية الفلسطينية، وتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بعد الانتهاء من أزمة الخليج، وإعلان هذا الالتزام في وقت مبكر.

وتمثّل رد الملك فهد على مبادرة الرئيس صدام حسين، بقوله: "إنها زادت الأمور تعقيداً، فضلاً عن أنها غير قابلة للتنفيذ". وشدد خادم الحرمَين الشريفَين على أن المملكة العربية السعودية، "ليست لقمة سائغة ولن تسمح لكائن، من كان، أن تمتد يده بالعدوان على شبر واحد من أراضيها. وأن المملكة العربية السعودية، كانت، وستظل دولة محبة للسلام، وتدعو له، وتطبقه في كل علاقاتها، على مستوى التعامل الدولي، إقليمياً وعربياً وإسلامياً ودولياً".

وبعد مقابلة الملك فهد وزير الداخلية الكويتي، الشيخ سالم الصباح، في جدة، يوم الإثنين، 13 أغسطس 1990، أُغلق أنبوب النفط العراقي، المارّ عبْر الأراضي السعودية، إلى البحر الأحمر، بعد أن امتلأت خزاناته، البالغة سعتها 11 مليون برميل. وغادرت ميناء "المعجز"السعودي، الناقلة العراقية، "القادسية"، من دون أن تحمل أي كمية من النفط.

ثالثاً: العقوبات الاقتصادية، وتطبيق الحظر الاقتصادي

في 13 أغسطس، أعلن السفير الكويتي إلى الأمم المتحدة، محمد عبدالله أبو الحسن، أن الكويت أبلغت مجلس الأمن، أنها طلبت، بموجب المادة (51 )، من بعض الدول، ومنها الدول الدائمة العضوية فيه، اتخاذ الإجراءات، العسكرية وغير العسكرية، الضرورية لتنفيذ القرار الرقم 661، الذي يفرض المقاطعة على العراق.

وصرح الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، بأن تحرُّك الأساطيل، لمنع العراق من تصدير منتجاته، "ليس حصاراً بحريا ً"، تفرضه الأمم المتحدة. وقال: إنني أفضّل أن تنتظر الدول المعنية صدور تقريري، قبْل اللجوء إلى المادة (51 ). أمّا ما تفعله الدول، فليس عندي موقف ضده، ما دامت الدول المعنية موافقة عليه، سواء كانت المملكة العربية السعودية أو الكويت.

وفي 14 أغسطس 1990، ناقش الرئيس جورج بوش، في اجتماعات، عقدها مع كبار مستشاريه ومساعديه وأركان إدارته، الإجراءات، التي تُتَّخذ لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تفرض عقوبات على العراق، وحصاراً شاملاً، يحُول دون تصدير نفطه، أو حصوله على الأسلحة.

وأكدت فرنسا، على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية، التزامها الكامل بالقرارات، التي يصدرها مجلس الأمن، وتضامنها مع المجتمع الدولي، على تنفيذ القرار الرقم 661، الذي ينص على فرض الحظر على التعامل، التجاري والاقتصادي، مع العراق.

وهكذا كان الحشد الأمريكي قريباً من هدفه، وأصبح واضحاً، أن الثغرة التي كانت مفتوحة أمام العراق، يجري إغلاقها وبسرعة. بينما تسارعت قرارات الحصار الاقتصادي ضد العراق، إذ انبرت قِطع الأسطول الأمريكي، تشاركها قِطع من الأسطول البريطاني، توقِف البواخر والسفن، الداخلة والخارجة من ميناء البصرة، بطلقات النار الإنذارية، وتفتشها، وتصادر حمولاتها. وكذلك ناقلات النفط.

وفي الوقت عينه، توقفت أنابيب نقْل النفط الثلاثة، التي رأى العراق أنها قادرة على حمل نفطه إلى الخليج والبحر الأبيض المتوسط. وكان خط الأنابيب، العابر لسورية، متوقفاً، منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية. وفي 7 أغسطس توقف الخط العابر لتركيا. وفي 13 أغسطس 1990، توقف، كذلك، الخط العابر للمملكة العربية السعودية. وأصبح النفط العراقي ممنوعاً منعاً باتاً من الوصول إلى الأسواق. ولم يكن العراق يتوقع، فيما يبدو، حجْب نفطه ونفط الكويت، مرة واحدة، عن الأسواق، لأن من شأن ذلك، أن يحدِث نقصاً في الطلب، تزيد معه الأسعار زيادة هائلة. ولأيام قليلة، بدا أن ما يتوقعه العراق، يوشك أن يحدُث؛ إذ توالى ارتفاع سعر برميل النفط من 12 ـ 13 دولاراً للبرميل، حتى بلغ 37 ـ 40 دولاراً. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية عمدت إلى خطة، يبدو أنها كانت جاهزة، ومعدَّة للطوارئ. فتدفقت إلى الأسواق كميات من الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي. وطلبت واشنطن إلى حلفائها، أن يحذوا حذوها.

ثم عقدت دول "الأوبيك"اجتماعاً استثنائياً، تقرر فيه عدم الالتزام بحصص الإنتاج السابقة، وإطلاق الحرية للدول المنتجة في ضخ الكمية التي تشاء. وفي غضون أيام، ارتفع إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية، من 3.5 ملايين إلى 6 ملايين، ثم إلى 8 ملايين برميل، في اليوم. وقبَيل نهاية عام 1990، كان إنتاج النفط السعودي، قد وصل إلى 10 ملايين برميل، في اليوم. وكان هذا كافياً لتعويض النقص النفطي، الناجم عن انقطاع نفط العراق والكويت معاً. وكانت قرارات تجميد الأرصدة، العراقية والكويتية، في الخارج، قد استكملت كل تفاصيلها. فأمسى العراق عاجزاً عن شراء شئ من العالم، إلى جانب عدم قدْرته على نقْل ما يشتريه أو يبيعه للعالم.

رابعاً: العراق وسياسة التهدئة مع إيران

كان الخطاب السياسي الإيراني، قبْل الغزو العراقي للكويت، قد تغيرت مفرداته؛ فبعد أن كان يتسم بالتشدد، أصبح أكثر ودية ومرونة. وقد تعززت هذه المرونة مع انفجار أزمة الخليج (الثانية)، إذ اتسم السلوك الإيراني، إبّانها، بالتمييز بين قضايا أساسية: السلام مع العراق، وإدانة الاحتلال العراقي للكويت، وبقاء القوات الأجنبية في الخليج، بعد انتهاء الأزمة، ودور إيران في الترتيبات الأمنية المستقبلية. وقد شكلت هذه القضايا محور التفاعلات الإيرانية، مع الأطراف المعنية بالأزمة.

ولم تأت الإدانة الإيرانية لغزو العراق الكويت، إلاّ بعد زيارة علي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران، إلى سورية، في 6 أغسطس 1990. وبعد مباحثات بين الجانبَين، أعلنت إيران، في بيان رسمي، رفضها قرار ضم الكويت إلى العراق. ورأت في احتلال الكويت خطراً على الخليج والشرق الأوسط والعالم الإسلامي كله. وأكدت رفضها أي تغيير في جغرافية المنطقة.

وبعد صدور البيان الإيراني، اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في 13 أغسطس 1990، وحدد موقف إيران على النحو التالي:

1. رفض الاحتلال العراقي للكويت.

2. الانسحاب الفوري، غير المشروط، للقوات العراقية من الكويت.

3. استعداد إيران للدفاع عن مصالحها، تحت أي ظروف.

وفي 15 أغسطس 1990، أعلن العراق، في رسالة، مؤرخة في 14 أغسطس، بعث بها الرئيس صدام حسين، إلى الرئيس الإيراني، على أكبر هاشمي رفسنجاني، اعترافه باتفاقية الجزائر، الموقعة مع إيران، عام 1975، موضحاً فيها، كدلالة إلى حسن النية، انسحاب القوات العراقية من أماكنها، على طول الحدود، والاقتصار على ما هو رمزي منها، مع حرس الحدود والشرطة فحسب، لتنفيذ الواجبات اليومية، في ظروف طبيعية. إضافة إلى التبادل الفوري، والشامل، لكل أسْرى الحرب المحتجزين في كل من العراق وإيران، وسيكون العراق أول المبادرين إلى ذلك. وختم صدام حسين رسالته بقوله: "وبذلك، تحقق كل ما أردتموه، وما كنتم تركزون عليه. ولم يبقَ إلاّ ترويج الوثائق، لنظل معاً، من مَوقع إشراف، بين حياة جديدة، يسودها التعاون، في ظل مبادئ الإسلام، ويحترم كلٌ منا حقوق الآخر، ونبعِد المتصيدين في الماء العكر عن شواطئنا، وربما تعاونا بما يبقي الخليج بحيرة سلام وأمان، خالية من الأساطيل الأجنبية وقوى الأجنبي، التي تتربص بنا الدوائر، بالإضافة إلى ميادين الحياة الأخرى" (أنظر وثيقة رسالة من الرئيس العراقي، صدام حسين إلى الرئيس علي هاشمي رفسنجاني في شأن السلام مع إيران، والموافقة على اتفاقية 1975 يوم الأربعاء، 15 أغسطس 1990).

وحظيت مبادرة الرئيس صدام حسين بقبول القيادة الإيرانية، التي عَدَّتها انتصاراً سياسياً لها؛ فهي تنص على تسوية النزاع حول الحدود بين البلدَين، على أساس اتفاقية الجزائر، لعام 1975، وانسحاب العراق من مساحة ألفي كيلومتر مربع، كان يحتلها، وتبادل الأسْرى بين البلدَين، أي أن قوام المبادرة العراقية، هو التسليم بكافة المطالب الإيرانية.

وقد هدفت مبادرة الرئيس صدام حسين إلى تحقيق عدة أهداف، تتلخص في الآتي:

· سحب القوات العراقية، الموجودة على الحدود مع إيران، وإرسالها إلى منطقة الكويت والحدود الجنوبية للعراق.

· تحييد إيران، ودفعها إلى عدم الاستجابة للجهود الأمريكية، الرامية إلى إحكام الحظر الاقتصادي الدولي على العراق.

· توحيد جهود إيران والعراق، في مواجهة دول الخليج، والقوات الأجنبية في المنطقة.

خامساً: أزمة الرهائن الأجانب في العراق

ازدادت المخاوف على وضع الرعايا الأجانب، في العراق والكويت. وحمّلت بريطانيا العراق، رسمياً، مسؤوليته عن تأمين حياتهم. كما استدعت الخارجية البريطانية سفير العراق إلى لندن، الدكتور عزمي شفيق الصالحي، في 14 أغسطس 1990، وأبلغته مسؤولية العراق عن حماية الأجانب. ويبلغ عدد البريطانيين في الكويت 4 آلاف بريطاني، ويقدّرون في العراق بنحو 600 بريطاني. بينما قال عبدالرازق الهاشمي، السفير العراقي إلى باريس: "إن وضع الأجانب، هو جزء من كلّ. ومرتبط بموقف بلدانهم من النزاع "، مما أثار بوادر "أزمة رهائن".

وفي 13 أغسطس 1990، قرر الرئيس جورج بوش، أن يبدأ إجازته الصيفية، في "كينيبنكبورت Kennebunkport "، على شاطئ ولاية "ماين Maine "، وقبل أن يذهب إلى مصيفه، وقّع قراراً مكتوباً، يخول وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، صلاحية المبادرة إلى أي نشاط، تراه ملائماً لإسقاط النظام في بغداد، والتخلص من صدام حسين، مشترطاً فقط أنه "إذا كان محتوماً اغتيال الرئيس العراقي، فلا بدّ أن يكون بيَد عراقية".

وأحست بغداد، أن رد الرئيس بوش على رسائلها إليه، هو مزيد من الت

المبحث الرابع

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 21 أغسطس

أولاً: جهود دبلوماسية عربية

في 21 أغسطس، وجّه الرئيس حسني مبارك نداء إلى الرئيس العراقي، صدام حسين، ناشده فيه، أن يتخذ القرار بانسحاب القوات العراقية من أرض الكويت، لكي تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه. وردّ الرئيس العراقي على هذا النداء، برسالة مفتوحة، وجّهها الرئيس حسني مبارك، وبثّها التليفزيون العراقي، مساء 23 أغسطس 1990، دعاه فيها إلى الوقوف معه (أُنظر وثيقة نداء من الرئيس حسني مبارك إلى الرئيس العراقي، صدام حسين يناشده الانسحاب من الكويت 21 أغسطس 1990) و(أُنظر وثيقة نص رسالة الرئيس صدام حسين المفتوحة رداً على نداء الرئيس حسني مبارك يوم الخميس، 23 أغسطس 1990).

وأجرى الملك حسين، يوم الخميس، 23 أغسطس 1990، محادثات، في صنعاء، مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وأذيع، رسمياً، أن العاهل الأردني والرئيس اليمني، "ناقشا التطورات الأخيرة في أزمة الخليج، وسُبُل حلها بالطرق السلمية، في إطار الأسْرة العربية، وبما يجنّب المنطقة خطر الانفجار العسكري، كذلك ". كما صرح مصدر أردني مسؤول، بأن الأردن، يرى "ضرورة اتخاذ خطوات سريعة، تعالج القضايا الأكثر خطراً، أولاً، ومن ثم، القضايا الأخرى، التي يمكن أن تتحمل الانتظار".

وفي 24 أغسطس 1990، استقبل الرئيس صدام حسين وزير خارجية الجزائر، سيد أحمد الغزالي، الذي أبلغه رسالة شفهية من الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد. وقالت وكالة الأنباء العراقية، "إن الرئيس بن جديد، عبّر، في رسالته، عن تضامن الجزائر، شعباً وقيادة، مع العراق، في معركته الشريفة ضد العدوان الإمبريالي وحلفائه، هذه المعركة التي تجسد الطموح العربي، من أجْل العزة والرفعة. وعبّر السيد القائد، صدام حسين، عن تقدير العراق موقف الإخوة في الجزائر، شعباً وقيادة. وأكد أن التضامن الكفاحي، بين أقطار الأمّة العربية والجماهير العربية، كفيل بدحر كل المخططات الإمبريالية. وأن الشعب العربي، في كل جزء من الوطن العربي، قادر على تحمّل كل ما تتطلبه المواجَهة مع الإمبريالية، مهما كانت التضحيات. وأكد الرئيس القائد ثقته العميقة بانتصار الأمّة العربية وقواها الخيّرة، في هذه المعركة الشريفة".

كما استقبل الرئيس صدام حسين في اليوم عينه، وزير خارجية دولة فلسطين، فاروق قدومي، الذي أبلغه رسالة من رئيس دولته، ياسر عرفات. وقالت وكالة الأنباء العراقية، أنها "تضمنت تأكيد تضامن فلسطين، شعباً وقيادة، مع العراق، في مواجَهة العدوان الإمبريالي. وأكد السيد ياسر عرفات، في رسالته، أن المعركة العادلة، التي يخوضها العراق ضد أعداء الأمّة، تجسد تطلع العرب إلى عهد العزة والرفعة. كما أكد أن التصدي للعدوان الإمبريالي، لا ينفصل عن النضال من أجْل القضية الفلسطينية، وتحرير فلسطين والقدس الشريف من الاحتلال الصهيوني. وعبّر السيد الرئيس القائد، صدام حسين، عن تقديره لموقف فلسطين، شعباً وقيادة، داخل الأرض المحتلة وخارجها، من المعركة الشريفة، التي يخوضها العراق ضد العدوان الإمبريالي. وأكد الرئيس صدام حسين، أن التضامن بين الأقطار العربية والجماهير العربية، كفيل بهزيمة الإمبرياليين، ودحر مخططاتهم. وأن الأمّة العربية، في كل جزء من الوطن الكبير، قادرة على فرض المعركة القومية ضد الإمبريالية، بكل ما تتطلبه من مستلزمات ودعم وتضحيات. وأضاف أن هذه المعركة، لا تنفصل عن الكفاح من أجْل تحرير فلسطين والتي يقف فيها ضد الأمّة العربية، الإمبرياليون والصهاينة، في خندق واحد. وقد كشفت، في الوقت نفسه، تآمر المتآمرين على العراق وفلسطين وعلى الأمّة العربية. وأعرب القائد عن ثقته الأكيدة بانتصار الأمّة العربية وقواها الشريفة، في هذه المعركة العادلة".

ثانياً: التصعيد العسكري الأمريكي ـ البريطاني

وفي 23 أغسطس 1990، أعلن وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، في حديث إلى التليفزيون الأمريكي، أن بلاده، سوف ترسل المزيد من القوات إلى الخليج. كما أن وزير الدفاع توم كنج (Tom King)، أعلن أن بلاده، سوف ترسل سرباً من طائرات "تورنيدو"الهجومية، الجديدة، المعدَّة لمهام القصف بعيد المدى. وكانت كل طائرات "تورنيدو"البريطانية، في المنطقة، هي من النوع الدفاعي.

وكان من مظاهر التصعيد العسكري تعبئة ما يراوح بين 40 و65 ألف جندي احتياطي أمريكي، وإرسال أربع كاسحات ألغام إلى المنطقة، ووحدات أمريكية متميزة، ونشر طائرات F-117 "ستيلث"الأمريكية.

وفي 24 أغسطس 1990، رفعت القوات الأمريكية مستوى استعداداتها، شرقي المملكة، وزادت عمليات الاستطلاع شمالي الخليج.

ثالثاً: فرض الحظر على العراق

أصدر مجلس الأمن، القرار الرقم 665، في 25 أغسطس 1990، بالسماح لبعض الدول فرض الحظر بالقوة، حتى يلتزم العراق بتنفيذ القرار الخاص في هذا الشأن، الصادر في 6 أغسطس 1990. ووافق على القرار ثلاث عشرة دولة من أصل 15 دولة، أعضاء في مجلس الأمن، وامتنع اليمن وكوبا عن التصويت، وكانت الصين والاتحاد السوفيتي من الدول المؤيدة.

ويعلق "بوب ودوورد"على قرار مجلس الأمن، بقوله: "وفي يوم السبت، 25 أغسطس 1990، أصدر مجلس الأمن قراراً، يعطي أساطيل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان، الحق في استخدام القوة في منع التجارة مع العراق. كانت هذه هي المرة الأولى، في 45 عاماً من حياة الأمم المتحدة، التي يرخص فيها لدول أعضاء فيها، وخارج مظلة قيادة الأمم المتحدة، بفرض الحصار الدولي. وكان هذا انتصاراً دبلوماسياً غير عادي للإدارة الأمريكية، بدّد قلق الرئيس جورج بوش في شأن قرار الأمم المتحدة".

وفي 24 أغسطس، أي قبْل يوم واحد من موافقة الاتحاد السوفيتي على القرار الرقم 665، الذي أباح استخدام ما يلزم من تدابير في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد العراق، أرسل جورباتشوف رسالة إلى صدام حسين، يحثّه فيها على انسحاب العراق الفوري من الكويت، والالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وإلاّ اضطر الاتحاد السوفيتي إلى التصويت إلى جانب القرار. إلاّ أن العراق لم يبالِ بالدعوة السوفيتية، مما دفع موسكو إلى الموافقة على القرار الرقم 665، ولكن بعد تعديل فقرة في مشروع القرار، تتعلق باستخدام قوة عسكرية محدودة في أغراض تطبيق الحصار الاقتصادي، لتصبح: "اللجوء إلى الإجراءات المناسبة لكل ظرف من الظروف". وعلى الرغم من أن العبارة المضافة، لم تشِر، صراحة، إلى استخدام القوة العسكرية، إلاّ أنها في سياق تطورات الأزمة، عنت هذا الأمر، من طريق غير مباشر. ويعبّر هذا عن محاولة الاتحاد السوفيتي استخدام مشروع القرار، قبْل إقراره، في تحقيق تغيير كيفي في طبيعة الأزمة، عبْر تغيير الموقف العراقي نفسه. إلاّ أن تلك المحاولة لم تنجح، بسبب تمسك العراق بموقفه وأهدافه، مما أقنع السوفيت بالسير خطوة أخرى في عملية الحشد، السياسي والعسكري، في مواجَهة العراق، والتي كانت جارية على قدم وساق بقوة الدفع، الأمريكية والبريطانية. ومن ثم، كانت موافقة السوفيت على القرار الرقم 665.

ويمكن إرجاع الإصرار السوفيتي على عدم الإشارة الصريحة إلى استخدام القوة العسكرية، إلى عدد من الأسباب، أبرزها:

1. إن توافد القوات، الغربية والأمريكية، إلى منطقة الخليج، قد أثار معارضة حادّة، داخل بعض المؤسسات السوفيتية، خاصة المؤسسة العسكرية، التي رأت أن الوجود العسكري المكثف، للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، في منطقة الخليج، القريبة من الحدود الجنوبية للبلاد، من شأنه أن يعرض للخطر المصالح الأمنية المباشرة للاتحاد السوفيتي.

2. إن الاتحاد السوفيتي، كان يرغب في تقرير مصير المسائل العسكرية، المتعلقة بالأزمة، من خلال الأمم المتحدة، وتحديداً، عبْر اللجنة العسكرية، التي تتكون من رؤساء أركان الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

3. إن القيادة السوفيتية، ترغب في مواصلة منهج سلمي لحل الأزمة.

4. إن اللغة السياسية الجديدة، التي يحرص عليها الرئيس جورباتشوف، ترفض استخدام القوة في حل المنازعات الدولية.

وإضافة إلى الأسباب السابقة، يمكن الإشارة، كذلك، إلى رغبة القيادة السوفيتية في إتاحة قدر من المناورة السياسية، يمكن استغلاله لاحقاً. ففي تلك الفترة المبكرة من الأزمة، وعلى الرغم من توافق الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، على رفض الغزو العراقي، وما ترتب عليه من نتائج، إلاّ أن الاتحاد السوفيتي، حرص على إبراز تميّزه في معالجة الأزمة، الذي تجلى في المواقف التالية:

1. التفسير الخاص للقرار الرقم 661، الذي فرض الحظر الاقتصادي على العراق. فبينما ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بريطانيا، إلى حدّ استخدام القوة في فرض الحظر الاقتصادي، رأى الاتحاد السوفيتي أن الحظر الاقتصادي، يجب ألاّ يرتبط بإجراء عسكري، بل هو راجع إلى اقتناع الدول، بإرادتها الذاتية، بالامتناع عن الدخول في معاملات، تجارية أو مالية، مع العراق. واستشهد السوفيت بكافة السوابق الدولية، في هذا الصدد. كذلك، حدد السوفيت موقفهم من الحظر الاقتصادي، على أنه لا يتضمن أنشطة المستشارين العسكريين والخبراء المدنيين، والعلاقات القنصلية، وخطوط النقل، البرية والجوية. في الوقت الذي أصرت واشنطن على أن مفهومها للحظر، هو مفهوم شامل، يتضمن كل أنواع الاتصالات مع العراق. وأدى مثل هذه الخلافات إلى تأخير صدور القرار الرقم 665، عدة أيام.

2. الموقف من استخدام القوة العسكرية، الذي آذن بالخلاف بين القوّتَين العظمَيَين، منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة. فحين أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، قوات إلى المنطقة، لحماية المملكة العربية السعودية؛ ومع بداية تكوّن حشد دولي غربي، في منطقة الخليج، وخليج عُمان، إلى جانب البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ـ حدد الاتحاد السوفيتي موقفه من إرسال قوة إلى المنطقة، على نحو مغاير للآمال الأمريكية، التي رحبت بمشاركة عسكرية سوفيتية، ولو محدودة. ورفض الموقف السوفيتي فكرة إرسال قوات عسكرية، إلاّ إذا صدر قرار، في شأن ذلك، عن مجلس الأمن، وعلى أن تخضع هذه القوات لسلطة مجلس الأمن. وربط السوفيت موقفهم بإحياء دور لجنة الأركان، التابعة للمجلس. في الوقت عينه، حذر السوفيت من تشكيل قوة متعددة الجنسيات، خارج إطار مجلس الأمن الدولي وسلطته.

3. الموقف من قرار إغلاق السفارات العاملة في الكويت. ففي حين أصرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، على عدم سحب دبلوماسييهما من الكويت؛ وعدّ أي محاولة عراقية لاستخدام القوة، ضد الدبلوماسيين الأمريكيين، تجاوزاً، يستدعي استخدام القوة المسلحة ـ اتخذ السوفيت موقفاً وسطاً، فأقروا بعدم شرعية ضم العراق الكويت، ورفضوا ما يترتب عليه من نتائج. إلاّ أنهـم وافقـوا علـى سحب بعثتهم الدبلوماسية من الكويت، محتجين لذلك بأن ظروف الاحتلال، لا تساعد البعثة على أداء مهامها.

4. أسلوب الحل الأمثل. ففي الوقت الذي أصر الاتحاد السوفيتي على مشاركة عربية في حل الأزمة، وضرورة التركيز في تفادي الانفجار الشامل في المنطقة، إذا ما استُخدمت القوة العسكرية، كانت وجهة النظر الأمريكية، تضع الخيار العسكري في مرتبة أعلى من الخيارات، السلمية والدبلوماسية الأخرى، من دون أن تستبعد تلك الخيارات استبعاداً تاماً.

وفي 26 أغسطس 1990، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، استعداده لبذل مساعيه الحميدة، من أجْل التوصل إلى حل سلمي لأزمة الخليج. ووافقت الإدارة الأمريكية على ذلك، وأيدت أي مسعى، يمكن أن يسهم في تحسين الوضع.

وفي 26 أغسطس 1990، كذلك، أجرى وزير الخارجية الفرنسي، رولان دوما (Roland Dumas)، محادثات مهمة، في موسكو، مع الرئيس ميخائيل جورباتشوف، ووزير الخارجية السوفيتية، شيفرنادزه. رحّب الجانبان، بعدها، في بيان مشترك، بقرار مجلس الأمن، الرقم 665، الذي يجيز استخدام القوة في فرض الحصار الاقتصادي على العراق. وأكد الجانبان، أن حل أزمة الخليج، يجب أن يكون على أساس الانسحاب العراقي من الكويت. وشددت موسكو على "أن أي طريق غير ذلك، يعني الكارثة ". وطالب الجانبان بوضع حدٍّ سريع "للوضع، الذي يشكل انتهاكاً فظاً للمبادئ الأساسية في العلاقات الدولية، وتطاولاً خطيراً على الأمن والسلام في العالم".

رابعاً: تصاعد المواجَهة الدبلوماسية

وفي 27 أغسطس 1990، طردت الولايات المتحدة الأمريكية 36 موظفاً في البعثة العراقية الدبلوماسية في واشنطن. وقيّدت تحركات الدبلوماسيين الآخرين العاملين فيها، وحدّت من قدرتهم على الانتقال في حدود 25 ميلاً من مبنى السفارة. وصرح ناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بأن سبب القرار، "هو الأمر العراقي، غير القانوني، بإغلاق السفارة الأمريكية في الكويت، وكذلك، احتلال العراق الكويت وضمها، ومنع الرعايا الأجانب من السفر". وبذلك، ينخفض عدد الدبلوماسيين العراقيين في واشنطن، إلى 19 شخصاً من أصل 55 شخصاً.

وفي اليوم نفسه، أدلى مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، برينت سكوكروفت، بتصريح، قال فيه: "إن القوات العراقية، اقتحمت السفارة الصينية". ولكن لم يرِد تأكيد من بكين. وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية احتجاز ثلاثة أشخاص، في العراق، كانوا ضمن قافلة من أُسَر الدبلوماسيين، سُمح لهم بالمغادرة. وأكد جون كيلي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، أن القوات العراقية، اعتقلت 50 مواطناً أمريكياً، في العراق، وعشرة آخرين، في الكويت. وأن بعض هؤلاء محتجزون في محطات لتوليد الكهرباء، وفي منشآت عسكرية. وأكدت فرنسا، أنها ستطرح على مجلس الأمن مشروع قرار، في شأن "انتهاك الحصانة الدبلوماسية للسفارات". كما أعلنت وزارة الخارجية البريطانية، أن عدد المحتجزين البريطانيين، ارتفع إلى 157 شخصاً. كما احتجت طوكيو على أن السلطات العراقية سمحت بسفر 19 يابانياً، بينما نقلت 20 يابانياً آخرين، من فندق الرشيد إلى جهة غير معلومة. كما أعلنت وزارة الخارجية النرويجية، أن الجيش العراقي يحاصر السفارة النرويجية.

وردّ العراق على طرد واشنطن الدبلوماسيين العراقيين، فأعلن أنه سيطرد عدداً من الدبلوماسيين الأمريكيين من بغداد.

وأكد ميشال روكار (Michel Rocard)، رئيس وزراء فرنسا، في 27 أغسطس 1990، أن القادة الفرنسيين، لن يتخاذلوا، إذا لم يكن هناك سبيل لمواجهة الإنذار العراقي، الذي لا يطاق. وقال إن بلاده مستعدة لخوض الحرب، إذا فشلت السُّبل الأخرى، لإنهاء أزمة الخليج.

وفي الوقت عينه، أمرت الحكومة العراقية السفن العراقية، التي تحمل نفطاً أو بضائع، ألاّ تقاوم اعتراض قِطع الأسطول الأمريكي طريقها، وألاّ تتحدى الحصار البحري المفروض عليها، حالياً. كما تضمنت الأوامر خضوع مَلاّحي هذه السفن العراقية لأي تفتيش.

خامساً: إعلان الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، رسمياً

وفي يوم الثلاثاء، 28 أغسطس، أعلن العراق، أن الكويت صارت "المحافظة التاسعة عشرة "، بموجب مرسوم جمهوري، صدر في 26 أغسطس 1990، ويحمل الرقم 248، لسنة 1990، ونشر في الجرائد العراقية يوم 28 أغسطس 1990 . وأكدت وكالة الأنباء العراقية، أن الكويت باتت المحافظة التاسعة عشرة، في هيكل التقسيمات الإدارية للعراق. كما صدر مرسوم ثانٍ، يُلحِق بعض المناطق في الكويت بمحافظة البصرة العراقية. وباتت محافظة الكويت تضم أقضية كاظمة والجهراء والنداء (الأحمدي سابقاً)، ومركزها كاظمة (مدينة الكويت سابقاً). واستحدث قضاء صدامية المطلاع (كان يدعى المطلاع فقط سابقاً)، وناحية العبدلي، اللذان أُلحِقا بمحافظة البصرة. وكان العراق قد أعلن، في 8 أغسطس 1990، اندماج الكويت "دمجاً كاملاً، لا رجعة فيه"، بعد ستة أيام من الغزو (أنظر وثيقة المرسوم الجمهوري العراقي الرقم 248 بضم الكويت إلى العراق، وحسبانها المحافظة التاسعة عشرة الصادر في 26 أغسطس1990).

ومن الفور، بادر السفير محمد عبدالله أبو الحسن، المندوب الكويتي الدائم لدى الأمم المتحدة، إلى مقابلة الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، وسلّمه رسالة رسمية، من نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الكويتي، صباح الأحمد جابر الصباح، طالباً تعميمها، كوثيقة من وثائق مجلس الأمن. وتضمنت هذه الرسالة اعتراض الكويت الرسمي على ما يعمد إليه النظام العراقي، من تغيير لمعالم الكويت: "لقد تناقلت وكالات الأنباء، صباح اليوم، القرار العراقي باعتبار الكويت محافظة من محافظات العراق، وتغيير اسم دولة الكويت. وأمام هذا التطور، وعلى ضوء التحرك، الذي تعتزمون القيام به، أودّ أن أشير لمعاليكم، إلى أن هذه الخطوة العراقية دليل آخر على رفض العراق الانصياع إلى قرار مجلس الأمن، رقم 660، لسنة 1990، الذي اعتبرتموه ضمن إطار تحرككم. كما أنه دليل آخر لتحدي العراق للقرار رقم 662، لسنة 1990، الذي يعتبر إعلان ضم الكويت لاغياً وباطلاً. وأن الخطوة المذكورة، تحمل في طياتها بذور نسف مهمتكم، حتى قبل أن تقدموا عليها..." (أُنظر وثيقة رسالة الممثل الدائم للكويت لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة مرفقة برسالة من وزير خارجية الكويت 28 أغسطس 1990).

وأعرب بيريز دى كويلار عن استيائه، من توقيت إعلان العراق الكويت محافظة عراقية، وذلك قُبَيل توجُّهه إلى عمّان، للقاء وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، لقاء مباشراً. وقال: "إنني آسف، فعلاً، لاتخاذهم هذا القرار، بعد إعلاني الشروع في مهمتي".

سادساً: المبادرة الفلسطينية

وفي يوم الأربعاء، 29 أغسطس 1990، تلا نبيل رملاوي، ممثل الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في جنيف، خطاباً للرئيس، حدد فيه خمسة مبادئ، تستند إليها مبادرة منظمة التحرير الفلسطينية في تسوية الأزمة. وهي:

1. اضطلاع منظمة التحرير الفلسطينية بدور الوساطة في هذا النزاع؛ وهي ليست طرفاً فيه، كما أنها ليست مع هذا الطرف ضد ذاك.

2. حل كل المشاكل العالقة، في الشرق الأوسط، إنْ في الخليج أو الكويت أو فلسطين أو لبنان أو الجولان. وقد بدأ ذلك، بالفعل، حينما حصل الانسحاب بين إيران والعراق. وفي حال التوصل إلى حل، يمكن أن يطبق المبدأ نفسه على الوضع في فلسطين ولبنان والجولان والكويت.

3. مشكلة الوضع في الخليج، يجب أن تُحل في إطار عربي، عبر التفاوض، بالتوصل إلى حل يأخذ في الحسبان كافة جميع الأطراف ومصالحهم، ويحفظ كرامة الجميع، كما حصل في لبنان، مع اتفاقية الطائف.

4. وضع قوات دولية في الخليج تحت علَم الأمم المتحدة، وفي إطارها، من دون أي غموض.

5. وضع حدّ للعقوبات المفروضة على العراق، وتطبيقها على كل دولة، ترفض الانسحاب من الأراضي، التي تحتلها بالقوة.

سابعاً: محادثات دى كويلار وطارق عزيز

وفي يوم الجمعة، 31 أغسطس 1990، بدأ الأمين العام للأمم المتحدة، بيريز دى كويلار، ووزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، في عمّان، جلسة محادثات، وصفها دى كويلار بأنها "مهمة ومفيدة "، وأعلن أن جولة ثانية، أصبحت ضرورية لاستكمال الحوار. وأنه يأمل التوصل إلى تقدُّم، في سياق المحادثات، في إيجاد حل سلمي للنزاع. وذكرت مصادر أردنية، أن الانطباعات الأولى عن جلسة الحوار، توحي بأن هناك مرونة لدى العراق، من جهة، واحتمال تجاوب الأمم المتحدة، بطريقة إيجابية، من ناحية أخرى. وأن وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، ركز في أن مجلس الأمن، يجب أن يعطي الأولوية لضرورة منع الحرب، من خلال وقف التصعيد والحشد العسكري[1].

وصرح طارق عزيز، في الأول من سبتمبر 1990، عقب انتهاء جلسة مباحثاته الثانية مع دى كويلار، بأن جميع الرعايا الأجانب، سوف يسمح لهم بالرحيل، إذا ما استطاع الأمين العام الحصول على ضمانات بعدم تعرّض العراق لضربة عسكرية من الغرب. واكتفى دى كويلار بالقول إن مباحثاته، كانت خطوة إلى الأمام. ولكنه نفى وجود خطط فورية لديه، للذهاب إلى بغداد، مقابلة الرئيس العراقي، صدام حسين.

وتبين أن الموضوع الرئيسي، الذي يريد أن يتحدث عنه الأمين العام للأمم المتحدة، هو موضوع "الرهائن"، أو "الضيوف"الغربيين في العراق. وانتهزها طارق عزيز فرصة، فأثار جوانب الأزمة كلها. ودارت مناقشات طويلة، في التاريخ والجغرافيا وموازين القوى العسكرية، لم تصل إلى نتيجة. وحاول الوزير العراقي أن يذكّر دى كويلار بمجد الأمم المتحدة السابق، فقال له: "إن العرب جميعاً، يتذكرون الموقف المشرّف للأمم المتحدة، أثناء أزمة السويس".

وكان رد الأمين العام للمنظمة الدولية: "إن أزمة السويس، تختلف عن أزمة الخليج. كما أنني لست همرشولد". وكان يقصد داج همرشولد، سكرتير عام الأمم المتحدة، الذي قدم استقالته، يوم العدوان الثلاثي على مصر، في 29 أكتوبر 1956، احتجاجاً على قيام دولتَين من الأعضاء الدائمين في الأمم المتحدة، بمخالفة الميثاق.

وفي 2 سبتمبر 1990، أعلن بيريز دى كويلار فشل محادثاته مع وزير الخارجية العراقي، من أجْل قبول بغداد تطبيق قرارات مجلس الأمن. وعبّر عن "خيبة أمله "من موقف العراق، وقال: "كان بودّي، أن أعود إلى مجلس الأمن بتقدم حقيقي، بعد محادثات عمّان. غير أنني لا أستطيع أن أفعل ذلك، في الوقت الحاضر. إن الموقف متفجر وخطير، ولا يمكن احتمال الانتظار شهوراً أو سنوات. إن المشكلة الرئيسية، هي ضرورة انسحاب القوات العراقية من الكويت".

وعلّق عبدالله بشارة، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، على فشل محادثات دى كويلار ـ طارق عزيز، بقوله "إن العالم كان يتوقع الفشل، الذي يدل على نية المناورة والتسويف، التي لجأ إليها النظام العراقي، لعدوانه على الكويت، وتحديه السافر لكل المواثيق، الإسلامية والعربية والدولية. وإن الأُسْرة الدولية مطالبة بإثبات مصداقيتها، ضد العدوان العراقي".

كما قال وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، في مؤتمر صحفي، عقده في مسقط، إن العراقيين، أضاعوا فرصة ثمينة، هي مبادرة دى كويلار. وإنه "لا تفاوض في الانسحاب والرهائن والشرعية. وإن هذه المبادرة، لم يفهمها العراقيون. إذ كانت فرصة كبيرة لإنقاذ ماء وجههم. وإن هذه الفرصة كانت تعطي بغداد مجالاً للتسوية. وفي يدهم ما يستطيعون أن يفاوضوا فيه. ولكن هذا الوضع، سينتهي بعد فترة من تطبيق الحصار، وظهور آثاره المؤكدة في العراق".

ثامناً: المبادرة اليمنية

أعلنت اليمن، في 31 أغسطس 1990، مبادرة أخرى، لحل الأزمة في الخليج، ومنع الانفجار العسكري. ونشرت الجرائد اليمنية النقاط الرئيسية للمبادرة، التي تتلخص في:

1. انسحاب العراق من الكويت، في ضوء انسحابات شاملة لكل احتلال غير شرعي في الأراضي العربية، وذلك وفق ترتيبات متزامنة، وليس طبق تسلسل زمني لكل الاحتلالات في المنطقة.

2. إرسال قوات إلى منطقة النزاع تحت علَم الأمم المتحدة. ويمكن الدول العربية المشاركة في هذه القوات، ولكن بصفة كونها قوات دولية تابعة للأمم المتحدة.

3. انسحاب قوات التدخل في المنطقة، سواء كانت أجنبية أو عربية.

4. بدء مفاوضات مباشرة، في إطار الجامعة العربية، للوصول إلى:

5. إبرام اتفاقات في شأن الحدود، بما في ذلك الجُزُر.

6. صياغة سياسة نفطية، وتحديد مستوى كميات الإنتاج والأسعار.

تاسعاً: المبادرة الليبية

وفي يوم الأحد، الثاني من سبتمبر 1990، تحدث العقيد معمر القذافي، أمام الدورة الطارئة لمؤتمر الشعب العام، وعرض مبادرة لحل الأزمة بين العراق والكويت، تتلخص في الآتي:

1. إحلال قوات دولية، تابعة للأمم المتحدة، محل القوات العراقية، الموجودة، حالياً، في الكويت، لتطمئـن الكـويت، عقب خروج القوات العراقية منها، بأنها لن تعود إليها في وقت آخر، وحتى لا تستغل القوات، الأمريكية والأطلسية، خروج القوات العراقية من الكويت، لتدخلها بدلاً منها. ويطمئن وجود قوات تابعة للأمم المتحدة، في الكويت والمملكة العربية السعودية وإمارات الخليج الأخرى التي لا تطمئن بوجود فراغ في الكويت.

2. انسحاب القوات الأطلسية من الخليج، وفك الحصار الاقتصادي عن العراق، مع انسحاب القوات العراقية من الكويت، على أن تحل قوات، عربية وإسلامية، محل القوات الأمريكية، في السعودية.

3. تمكين العراق من جزيرة بوبيان، لكي يكون له ساحل على الخليج، مع إعادة حقل الرميلة إليه.

4. النظام الداخلي في الكويت، متروك لشعبها، الذي يجب أن يحترَم، ويقرر نظامه بنفسه.

5. وضع سياسة نفطية عربية موحَّدة، لا يجوز لأحد مخالفتها، وإلاّ تحمّل مسؤوليتها، وعُدّ ردعه مشروعاً.

6. تسوَّى، خلال ذلك، مسألة الديون والتعويضات، لكل الأطراف المتضررة.

7. عقد قِمة عربية، في الجماهيرية العظمى، لإقرار مشروع الاتحاد العربي، الذي يحل كل هذه الإشكالات، ويخلُق مجلس رئاسة عربياً اتحادياً، من رؤساء الدول العربية، ومجلساً تنفيذياً اتحادياً، من رؤساء الحكومات العربية، ومجالس متخصصة، من وزراء الزراعة والصناعة والتعليم ... إلى آخره. ويخلُق مشروعات عربية وحدوية، كمشروعات النفط والحبوب والمياه والغاز والبحث العلمي… إلى آخره.

وأكد العقيد القذافي، أن هذه المبادرة، سيكون تنفيذها تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، موضحاً أنه "إذا وافق إخوتنا على هذا الطرح، فإنه بهذه المبادرة، يتحقق سلام للعالَم وللأمّة العربية، ونستفيد منه في إخراج سياسة النفط إلى مرحلة جديدة، خالية من الاستهتار والتبذير. وذلك يُعَدّ مكسباً كبيراً، يعود الفضل فيه إلى العراق، إذا رجعنا إلى ما كنا عليه. وإن كسبنا هذا العمل، سيجعلنا نستيقظ، ولن يكون هناك لعب في النفط، ويجنّبنا المواجَهة مع قوى همجية في العالَم" (أُنظر وثيقة نص المبادرة الليبية، التي أعلنها العقيد معمر القذافي أمام الدورة الطارئة لمؤتمر الشعب العام، في شأن أزمة الخليج يوم الأحد، 2 سبتمبر 1990).

عاشراً: محاولات أخرى للملك حسين

بينما كان الرئيس الليبي، معمر القذافي، يطرح مبادرته، في ذكرى ثورة الفاتح من سبتمبر، كان الملك حسين مجتمعاً مع مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، التي لم تترك للملك فرصة، ليعرض ما جاء من أجله، وإنما بدأت، من الفور، بقولها: "لماذا تؤيد صدام حسين، وأنت تعرف أنه شرير؟". وردّ عليها الملك حسين: "إنني لا أؤيد أحداً. ولكني أحاول أن أبحث عن فرصة، لإنقاذ السلام في المنطقة". فأجابت مارجريت تاتشر، بحدّة: "ومن المسؤول؟ من البادئ؟". فقال الملك الأردني: "إنني أريد أن أتحدث معك بصراحة. إن عصر دبلوماسية مدافع الأسطول (Gun-Boot Diplomacy)، ينتمي إلى القرن التاسع عشر". وحالت مارجريت تاتشر دون استرسال الملك حسين، إذ قالت له: "اسمعني جيداً. إنك تقف وراء الطرف الخاسر. وأنا أريدك أن تعرف الحقيقة، قبْل أن يفوت الأوان".

وتوجّه الملك حسين، بعد ذلك، إلى باريس، للقاء الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، في قصر الإليزيه، في 3 سبتمبر 1990. كان الرئيس ميتران أكثر هدوءاً من الرئيس الأمريكي، ورئيسة وزراء بريطانيا. وقد استمع إلى الملك حسين بصبر، ثم قال له، "إن الأمريكيين والبريطانيين، يتحركون طبقاً لخطة واضحة أمامه ومعروفة. وهم قلقون على الإنسان والنفط. ولهذا القلق، من وجهة نظرهم، ومن وجهة نظره، كذلك، ما يبرره. وهم على استعداد للعمل العسكري، وليس يبقيهم في الانتظار، إلاّ استكمال استعدادهم. والسبيل الوحيد لإحراجهم، هو الانسحاب العراقي الفوري".

ثم سأل الرئيس ميتران: "أليس في استطاعة العرب أن يقوموا بدور؟ ثم، أين هو العنصر العربي في الأزمة؟". وشرح له الملك حسين ظرف العمل العربي، والمأزق الذي انتهى إليه مؤتمر القِمة العربي الأخير. وفي نهاية المقابلة، قال الرئيس الفرنسي: "إن فرنسا انضمت إلى التحالف، لأنها تريد أن تستعمل (المكابح) من الداخل. ولكن الشيء، الذي ينبغي أن يعرفه أصدقاؤنا العرب، هو أنه إذا لم يتمكنوا من إعطائنا موقفاً واضحاً، واحداً، فإن فرنسا، لا تستطيع أن تتحرك".

عاد الملك حسين إلى عمّان، في 6 سبتمبر 1990، يبحث عن وسيلة لتحريك العنصر العربي. وكلف شقيقه، وليّ العهد، الأمير الحسن بن طلال، برئاسة مجموعة مستشارين، تضع تصوراً لإمكانية عمل عربي، يمكن طرحه على الأطراف. وكان الاقتراح، الذي أمكن بلورته، هو أن يتوجّه عدد من الملوك والرؤساء العرب، بنداء إلى مجلس الأمن، كي يدعو كل أطراف الأزمة، ولا سيما العراق والولايات المتحدة الأمريكية، إلى تجميد خطط وإجراءات المواجَهة العسكرية وإجراءاتها، لمدة شهر، بقصد إعطاء التسوية السلمية لأزمة الخليج، فرصة، لوضع خطوط عريضة لحلها.

ثم اقترح فريق المستشارين، برئاسة الأمير الحسن، الخطوط العريضة التالية:

1. الانسحاب المتزامن للقوات العراقية من الكويت، والقوات الأجنبية من منطقة الخليج، وحلول قوات عربية محلهما.

2. رفع الحصار الاقتصادي عن العراق، مع إتمام كل خطوة من خطوات الانسحاب من الكويت.

3. يمكن أن تظل في جزيرتَي وربة وبوبيان، وفي منطقة حقل الرميلة، قوات عسكرية عراقية رمزية، إلى أن تسوَّى الأزمة تسوية نهائية.

ولم يكن أيٌّ من الأطراف مستعداً لسماع المقترحات الأردنية، فرُفِضت، من الفور. وكان التصور الأردني، آنئذٍ، أن استعداد الأطراف، قد يكون أكثر ملاءمة، بعد أن اتضح أن ثمن المواجَهة العسكرية المحتملة، قد يفوق ما يحتمله الطرفان. "فقد تبين، أن الحشد الحالي غير كافٍ لإجلاء العراق عن الكويت. وأن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى حشد أكبر، ونفقات أبهظ، يمكن أن تؤثر تأثيراً بالغاً في عجز الميزانية الأمريكية".

وكان الخطأ في التقدير الأردني، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تنبهت له مبكراً، من اللحظة الأولى لنشوب الأزمة. وفي الوقت الذي كان فيه ريتشارد تشيني يطوف في منطقة الخليج، بحثاً عن مَواقع وقواعد للقوات الأمريكية، كان وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، يطوف في المنطقة عينها، ساعياً إلى الحصول على التمويل اللازم، من خلال استجابة ما تطلبه واشنطن من الموارد المالية. كان هناك نوع من تقسيم العمل بين وزارتَي الدفاع والخارجية الأمريكيتَين: اختصت الأولى بالقوة وأدواتها، واختصت الثانية بالمال وتدبيره، وهو عصب الحرب.

حادي عشر: استقالة أمين عام جامعة الدول العربية

وفي 3 سبتمبر 1990، أعلنت الجامعة العربية، في تونس، أن الشاذلي القليبي، استقال من منصبه، كأمين عام لها. وذكرت مصادر الجامعة، أن الاستقالة جاءت احتجاجاً على قرارات قِمة القاهرة الأخيرة، التي ساندت الوجود الأمريكي في منطقة الخليج. وترددت أنباء في تونس، عن محاولة، جرت في المجلس الوزاري العربي الأخير، لتجاوز قرارات الجامعة ودستورها، والإسراع بنقل مقرها إلى القاهرة[2].

وفي يوم الأربعاء، 5 سبتمبر 1990، عمّم الأمين العام للجامعة العربية بيان استقالته من منصبه، كأمين عام. واشتملت استقالته على النقاط التالية (أُنظر وثيقة نص بيان استقالة الشاذلي القليبي، الأمين العام للجامعة العربية يوم الأربعاء، 5 سبتمير 1990):

1. التزامه الصمت منذ الثاني من أغسطس 1990.

2. عدم إخلاله بواجبه القومي.

3. إجراؤه عديداً من الاتصالات، وإصداره عديداً من الرسائل، عربياً ودولياً، سراً وعلانية.

4. أمله أن تسفر جهوده عن حلٍّ سياسي، ينقذ وحدة الصف العربي.

5. تأكده أن العمل العربي مقبِل على انقسام خطير، لمدد طويلة، وقلقه على الأمن القومي العربي من أخطار تتهدده.

6. تأكده من إصرار جهات أجنبية على استعمال القوة، والقضاء على قوة عربية، في إمكانها أن تحدّ من أطماع إسرائيل.

7. عدم انحيازه إلى أي طرف عربي، فهو يؤيد حق الكويت، في دولتها، ويقف إلى جانب المملكة في دفاعها عن أمنها، ويدافع عن العراق في تعرضه لعدوان أجنبي جماعي.

8. إقراره بتراجع قضايا عربية مهمة، في سلم الأولويات، مثل قضية الشعب الفلسطيني، وقضية لبنان.

9. إصراره على الاستقالة، لأن أمل الحل السلمي، بات سراباً.

ثاني عشر: المشروع التونسي للسلام

وفي 5 سبتمبر 1990، عرضت تونس مشروع سلام، من خمس نقاط. حمله مبعوثون تونسيون إلى بغداد وباريس وبكين. ويتلخص المشروع في الآتي:

1. انسحاب القوات العراقية من الكويت.

2. الإفراج عن الرهائن المحتجزين في العراق.

3. التزام قوات التحالف عدم مهاجمة العراق، أثناء الانسحاب.

4. احترام العراق سيادة الكويت، وقيام حكومة كويتية، تكون حرة تماماً في اختيار الوحدة مع العراق.

5. استبدال قوات عربية بالقوات، الغربية والعربية، التي نشرت في المنطقة.

ثالث عشر: العالَم ضد صدام حسين

وفي يوم الخميس، 6 سبتمبر 1990، أعلن الرئيس جورج بوش، أن الأحداث في الخليج، ما زالت تتطور، وأن أمام الولايات المتحدة الأمريكية "خيارات صعبة". وأكد أن بلاده "تقف ضد العدوان، ولن تقبَل به". وأن 22 دولة أخرى، أرسلت قواتها إلى الخليج. وأبدى ارتياحه لكون غالبية كبيرة من الدول العربية، تؤيد الجهود الأمريكية في المنطقة. وقال: "إن العالَم موحَّد من أجْل عودة الاستقرار والأمن في المنطقة. وإن المسألة، ليست كما صوّرها صدام حسين: أمريكا ضد العرب. وإنما هي العالَم ضد صدام حسين".

رابع عشر: قِمة هلسنكي

في ظل الظروف السابق الإشارة إليها، بين القوّتَين العظمَيَين، عقدت قِمة هلسنكي، في 9 سبتمبر 1990، لمناقشة أزمة الخليح، بناء على مبادرة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في المؤتمر الصحفي، الذي عقده في الأول من سبتمبر 1990.

وقد سبق القِمة تحركان مهمان. أولهما، هو محاولة أمين عام الأمم المتحدة، بيريز دى كويلار، إقناع العراق بالاستجابة لقرارات المنظمة الدولية، حين التقى طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، في العاصمة الأردنية، عمّان، يومَي 31 أغسطس والأول من سبتمبر 1990. وطغت على مباحثاتهما مسألة الإفراج عن الرعايا الغربيين، الذين احتجزهم العراق. ولم تثمر تلك المحاولة، وحمّل دى كويلار العراق مسؤولية فشلها. أمّا التحرك الثاني، فهو زيارة طارق عزيز الاتحاد السوفيتي، في 5 سبتمبر 1990، زيارة وصفت بأنها "مفاجئة ". ويبدو أنها كانت محاولة من العراق لإقناع السوفيت بتفهّم موقفه، إزاء عدم الانسحاب من الكويت. ولكنهم، أصرّوا على موقفهم، إزاء الانسحاب الكامل من الكويت، وعودتها دولة ذات سيادة.

وفي يوم الأربعاء، 5 سبتمبر 1990، وقبل انعقاد قمة هلسنكي، بعث أمير الكويت برسالتين إلى الرئيس الأمريكي، جورج بوش، والرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، يطالبهما بضرورة اتخاذ الإجراءات الحاسمة، التي من شأنها إرغام العراق المعتدي على التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي، من دون مماطلة أو تسويف. ورأى إن أي مبادرة سلمية، لعلاج الوضع المتفاقم في الخليج، أمست بلا أمل (أُنظر وثيقة نص رسالة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت إلى الرئيس الأمريكي، جورج بوش قبْل انعقاد القمة الأمريكية ـ السوفيتية، في هلسنكي يوم الأربعاء، 5 سبتمبر1990) و(وثيقة نص رسالة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت إلى الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف قبْل انعقاد القمة الأمريكية ـ السوفيتية، في هلسنكي يوم الأربعاء 5 سبتمبر1990).

وقال أمير الكويت، في رسالته إلى الرئيس الأمريكي: "ننتظر من هذا اللقاء الهام، موقفاً حاسماً، يعيد الحق إلى نصابه، ويدحر الظلم والعدوان... باتخاذ الإجراءات الحاسمة، التي من شأنها إرغام العراق المعتدي على التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن". وفي نهاية الرسالة، شكر الرئيس الأمريكي على اضطلاع بلده في مواجهة الاحتلال العراقي للكويت.

أمّا في رسالته إلى الرئيس السوفيتي، فقال أمير الكويت: "ننتظر من لقائكم التاريخي موقفاً حاسماً، يعيد الحق إلى نصابه، ويدحر قوى الظلم والعدوان. وذلك لا يكون إلا باتخاذ الإجراءات الفعالة، التي من شأنها أن ترغم العراق المعتدي، على احترام الإرادة الدولية، والتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي، دون مماطلة أو تسويف". وضمن رسالته، كذلك، تقديره لموقف الاتحاد السوفيتي، الإيجابي، والداعم لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وقال الرئيس الأمريكي، جورج بوش، عشية التوجه إلى هلسنكي، لحضور قِمة "الوقت العصيب"، التي تجمعه إلى الرئيس ميخائيل جورباتشوف: "إن الرهان كبير. وإن نجاح اللقاء، يعني وضع حجر الزاوية لنظام دولي جديد، أكثر أمناً واستقراراً".

وواكبت قِمة الزعيمَين، الأمريكي والسوفيتي، مواقف تصعيدية. إذ أعلن الرئيس صدام حسين، في رسالة مفتوحة إليهما، يوم السبت، 8 سبتمبر 1990، أنه لا جدوى من محاولة إعادة الوضع، الذي كان قبْل اجتياح القوات العراقية الكويت. وحضّهما على تذكّر واجبهما الإنساني، لتجنّب الحرب في الخليج (أُنظر وثيقة نص الرسالة المفتوحة، التي وجهها الرئيس العراقي، صدام حسين إلى كلٍّ من الرئيسَين، الأمريكي جورج بوش، والسوفيتي ميخائيل جورباتشوف قبْل انعقاد قمة هلسنكي يوم السبت، 8 سبتمبر 1990).

وأوضح الرئيس العراقي، في رسالته إليهما مراعاة النقاط التالية، قبل أن يتخذا أي قرار:

1. إن العراق لم يغز الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي.

2. إن العراق دولة تحب السلام، القائم على العدل.

3. إن الكويت جزء من العراق، فصله الاستعمار البريطاني.

4. إن قرارات مجلس الأمن الصادرة في حق العراق، تُعد من نتاج الحملة المفتعلة التي قادتها الولايات المتحدة، ولم يصدر مثلها في أحداث مشابهة، من قبل، مثل قضية شعب فلسطين وشعب الجولان.

5. أن يتخذا المواقف، التي تناسب مكانة بلديهما وثقلهما الإنساني.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المبحث الخامس

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 10 سبتمبر

أولاً: المؤتمر الإسلامي العالمي

وفي يوم الإثنين، 10 سبتمبر 1990، بدأ المؤتمر الإسلامي العالمي، المنعقد في مكة، أعماله لبحث غزو العراق الكويت. وأكد الملك فهد بن عبدالعزيز، في كلمة، وجّهها إلى المؤتمر، قائلاً: "إن الأزمة الخطيرة في الخليج، التي تنذر بانفجار رهيب في المنطقة، لها سبب واحد، هو العدوان العراقي على أرض الكويت واستقلاله ومقدراته. وإذا كان سبب الأزمة واضحاً تماماً، فإن إنهاءها واضح تماماً أيضاً، وهو إزالة السبب، بانسحاب العراق من الكويت، بلا شروط، وعودة الشرعية. وإن المملكة العربية السعودية، لم تنفرد في إدانة العدوان العراقي على الكويت، بل نهض العالَم العربي، والعالم الإسلامي، والعالم كله، بمسؤولياته، فأدان العدوان وأهله، بوضوح. وإن المملكة العربية السعودية، عندما تأكدت من أن العراق يبيّت النية للعدوان عليها، بعد أن حشد الحشود الهائلة على حدودها، فإنها تحملت مسؤوليتها، الدينية والأمنية والتاريخية، وطلبت قوات مساندة، عربية وإسلامية وصديقة. وهو حق تبيحه لها مقاصد الشريعة الإسلامية، والمواثيق والأعراف الدولية".

كما وجّه أمير الكويت كلمة إلى المؤتمر، قائلاً: "إن ما حدث، هو سطوٌ همجي مسلح على دولة الكويت؛ ولم يكن، بأي حال من الأحوال، نزاعاً بين دولتَين على جزء من الأرض. لقد كان هذا قدر الكويت، التي كانت تتطلع، دائماً، إلى التعاون البناء مع الدول الإسلامية؛ فهي أول من طالب بإنشاء محكمة العدل الإسلامية، لحل النزاعات التي تنشأ بين الدول الإسلامية. وكان لها الفضل في حل كثير من الخلافات بين الدول، العربية والإسلامية، انطلاقاً من إيمانها الراسخ بضرورة تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية، بالوسائل السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وهو ما نصت عليه رسالة الإسلام ومبادئ ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي" (أُنظر وثيقة نص كلمة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت إلى المؤتمر الإسلامي العالمي المنعقد في مكة المكرمة، لبحث الأوضاع في الخليج العربي يوم الإثنين 10 سبتمبر 1990).

وأصدر المؤتمر الإسلامي العالمي، الذي عقد في مكة، في الفترة من 10 إلى 12 سبتمبر 1990، وثيقة، أكد فيها أن شريعة الإسلام، تتسع للإجراء الذي اتخذته السعودية، بطلب قوات، إسلامية وأجنبية، لمساندة قواتها الدفاعية على مواجَهة عدوان وشيك من القوات العراقية. وطالبت الوثيقة بانسحاب العراق من الكويت، لأن وجود قواته هناك منكر، يأباه الإسلام (اُنظر وثيقة نص وثيقة المؤتمر الإسلامي العالمي بمكة المكرمة المنعقد في مكة المكرمة يوم الأربعاء، 12 سبتمبر1990).

ثانياً: عودة العلاقات الدبلوماسية بين العراق وإيران

في 9 سبتمبر 1990، زار وزير الخارجية العراقي طهران، طالباً المساعدة وإمدادات غذائية، لمواجهة الحصار الدولي. وطلب من المسؤولين الإيرانيين التعاون مع العراق على مواجَهة اتفاق هلسنكي بين الرئيسَين الأمريكي والسوفيتي. فبدأت إيران بإرسال مواد، غذائية وطبية. وأكدت وكالات الأنباء وجود مباحثات عراقية ـ إيرانية، تتعلق بحل مشكلة عجز العراق عن تصدير نفطه، من طريق استخدام خط أنابيب النفط الإيراني إلى جزيرة "خرج"، ومنها إلى ميناء التصدير الإيراني في الخليج.

وأكمل الوزير العراقي زيارته طهران، بمقابلة الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني، والاتفاق معه على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي قطعت عام 1987، أي بعد سبع سنوات من بداية تحارُبهما.

وفي 12 سبتمبر 1990، أصدر مرشد الثورة في إيران، علي خامنئي، فتوى، تَعُدّ محاربة الأمريكيين في الخليج جهاداً في سبيل الله. وأكد أن الشعوب الإسلامية، لن تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء نظام، أمني ودفاعي، في المنطقة. وأشار إلى احتمال حدوث هجمات انتحارية على القوات الأمريكية في الخليج.

وقال علي خامنئي، وسط هتاف الجمهور، الذي ضم مجموعة من أبناء "شهداء الثورة الإيرانية": "إنه مما يبعث على الدهشة، أن الأمريكيين لا يعون الدروس!. لقد شاهدوا كيف يمكن أن يكون وجودهم معرضاً للخطر. فهل نسوا كيف أن حفنة من الشبان المؤمنين، تمكنوا، وحدهم، من اجتياحهم وطردهم من لبنان؟. إننا نعارض، بقوة، وجود أمريكا في المنطقة، وسياستها الجشعة الصفيقة".

ثالثاً: مبادرة صدام حسين النفطية

وفي يوم الإثنين، 10 سبتمبر 1990، طرح الرئيس صدام حسين، مبادرة جديدة، لتخفيف الأعباء عن دول العالم الثالث، التي تضرر اقتصادها، بسبب المواجَهة في الخليج. وقال إن العراق مستعد لأن يزود هذه الدول النفط العراقي، مجاناً. واشترط أن تقدِّم الدول المحتاجة طلباً، تحدد فيه الكمية المطلوبة، وأنواع النفط، وأن تتعهد بعدم إعادة بيعه. كما طلب منها أن تقدِّم وسيلة الشحن، لأن بلاده لا تستطيع، بسبب الحصار، إرسال النفط إلى طالبيه (أُنظر وثيقة المبادرة النفطية التي أعلنها الرئيس العراقي، صدام حسين، إلى العالم الثالث يوم الإثنين، 10 سبتمبر 1990).

رابعاً: طلب سحب الخبراء السوفيت

لم تكد قِمة هلسنكي تنهي أعمالها، حتى دعت لجنة الشؤون الدولية في برلمان جمهورية روسيا الاتحادية، في 11 سبتمبر 1990، مجلس السوفيت الأعلى (البرلمان)، إلى سحب الخبراء العسكريين السوفيت من العراق، وإنهاء العمل بمعاهدة التعاون والصداقة، الموقعة معه، عام 1972. وقد أبرزت تلك الدعوة أمرَين. أولهما، محاولة الضغط على العراق، من خلال التلويح بسحب الخبراء العسكريين. وثانيهما، أن هناك فريقاً، داخل الاتحاد السوفيتي، يتجه إلى اتخاذ خطوات حادّة، في مواجَهة العراق، في محاولة للتعبير عن الامتعاض من عدم استجابة بغداد للتوجهات السلمية السوفيتية لحل الأزمة، بعيداً عن استخدام الحل العسكري.

خامساً: رسائل إلى الشعبَين، العراقي والأمريكي

وشهد النصف الثاني من شهر سبتمبر 1990 تبادل رسائل، بين الرئيسَين بوش وصدام. رسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، إلى الشعب العراقي، في 12 سبتمبر 1990، بثها التليفزيون العراقي، يوم الأحد، 16 سبتمبر 1990. وردّ الرئيس العراقي برسالة مماثلة إلى الشعب الأمريكي، بثها التليفزيون الأمريكي، يوم السبت، 22 سبتمبر 1990.

وعرض الرئيس بوش، في رسالته، إلى الشعب العراقي، النقاط التالية (أُنظر وثيقة الترجمة العربية لرسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش التي وجّهها إلى العراقيين، عبْر التليفزيون العراقي يوم الأحد، 16 سبتمبر 1990) و(والنص الإنجليزي للوثيقة):

1. إن الهدف من رسالته، ليس تبادل الاتهامات، أو تصعيد حرب الكلمات، إنما هو شرح موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تجاه احتلال العراق للكويت.

2. لا يوجد خلاف بين الشعبين، الأمريكي والعراقي، ولكن الخلاف الأساسي هو معاداة الولايات المتحدة للغزو نفسه.

3. إن المجتمع الدولي، والأمة العربية، دانتا الغزو، منذ لحظته الأولى، وأرسلت 27 دولة قواتها إلى دول الخليج دفاعاً عنها. ويقف العراق، الآن، وحيداً معزولاً.

4. إن شعب العراق تحمل حرب ثماني سنوات طويلة، ضد إيران، ودفع ثمنها، من رفاهيته وتنميته.

5. إن القيادة العراقية أخطأت الحسابات، للمرة الثانية، ويواجه الشعب العراقي المأساة، التي لا دخل له فيها.

6. إن هناك أكاذيب، يجب ألاّ تنطلي على الشعب العراقي:

أ. قيل إن القوات العراقية دُعيت لدخول الكويت،وهذا ليس صحيحاً.

ب. قيل إن الأزمة صراع عراقي ـ أمريكي، وهذا ليس صحيحاً.

ج. قيل إن احتلال الكويت سوف يفيد الدول الفقيرة في العالم، وهذا ليس صحيحاً.

7. إن الولايات المتحدة ساعدت العراق، في الماضي، مساعدة تكلفت مليارات الدولارات، وما كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية، لتنتهي، من دون المساندة الأمريكية، في الأمم المتحدة.

8. إن الاحتلال العراقي للكويت، سيجلب على الشعب العراقي، ويلات في جميع المجالات.

9. إن احتجاز الرهائن لن يؤثر في قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ القرارات الملائمة.

10. القيادة العراقية لا تقدر قوة القوات المتحالفة. وأنه ليس هناك أي احتمال لفوز عراقي.

11. إن الحرب ليست حتمية، وما زالت هناك فرصة لإنهاء الأزمة بالوسائل السلمية. ولن يسمح العالم لهذا العدوان أن يستمر.

أمّا رسالة صدام حسين إلى الشعب الأمريكي فقد اشتملت على عدة نقاط، تتلخص في الآتي (أنظر وثيقة نص رسالة الرئيس العراقي، صدام حسين التي وجهها إلى الأمريكيين، عبْر التليفزيون الأمريكي رداً على رسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش يوم السبت، 22 سبتمبر 1990):

1. لم يكن الرئيس الأمريكي دقيقاً في قوله، إن الإدارة الأمريكية، ليست على خلاف مع شعب العراق. والدليل على ذلك أنه هو نفسه، قد اشترك في مؤامرة إيران ـ جيت، أو إيران كونترا، ضد العراق، عام 1986.

2. ارتفعت الأصوات بالدعوة إلى مقاطعة العراق، اقتصادياً وتقنياً وعلمياً، في الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، قبْل أن تظهر الأزمة الحالية في الخليج. وإن بعض إجراءات المقاطعة للعراق، قد اتُّخذت قبْل 2 أغسطس 1990.

3. صدر أكثر من 160 قراراً عن مجلس الأمن، و400 قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، ضد قرارات مجلس الأمن أكثر من 80 مرة، معظمها حول القضية الفلسطينية. ومع ذلك، لم يطبَّق على إسرائيل مثل الحصار الحالي على العراق، ولم يُتخذ مثل هذه الإجراءات ضد إسرائيل، حينما أعلنت، رسمياً ضم أراضٍ ومدن عربية إلى كيانها، بصورة نهائية.

4. إن إجراءات حشد الجيوش في المنطقة، وفرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية، سبقت أي إجراء رسمي من الهيئات الدولية.

5. ن الكويت هي الجزء الجنوبي من العراق، وقد اقتطعته بريطانيا، عام 1912، في أجواء الإعداد للحرب العالمية الأولى. وأصبحت مشيخة الكويت تحت الحماية البريطانية. وإن كل حكومات العراق، لم تعترف أبداً بهذا الإجراء اعترافاً دستورياً. وذكر ثلاث حوادث ليؤكد هذه الحقيقة:

أ. في عام 1938، عندما قرر المجلس التشريعي الكويتي، لمرتَين متتاليتَين، انضمام الكويت إلى العراق، لكونها جزءاً منه.

ب. وفي عام 1958، عندما طالب نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، آنذاك، بإعادة الكويت المجتزأ إلى العراق.

ج. وفي عام 1961، عندما منحت بريطانيا الكويت صفة الدولة المستقلة، عارض العراق ذلك، وأصدر رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، قراراً دستورياً، يُلحِق الكويت بالعراق.

6. إن حكومة الكويت، عمدت إلى توسيع أرض مشيختها، حتى وصلت إلى المطلاع. ثم ازدادت توسعاً، بضم عشرات الكيلومترات، بين عامَي 1963 والعام 1968. ثم توسعت في الأرض، مرة أخرى، وبدأت تستغل حقول النفط، جنوبي العراق، لتحفر فيها آباراً إضافية.

7. إن الرئيس صدام طرح، في 12 أغسطس 1990، مبادرة، تضمنت حلولاً لكل قضايا المنطقة، بما يحقق السلام الشامل، والدائم. ولكن الرئيس جورج بوش رفضها.

8. إن الإدارة الأمريكية، تضع الشعب الأمريكي كله في حرج شديد، وعلى حافة هاوية سحيقة، كما تضع الإنسانية جمعاء.

واختتم صدام حسين رسالته إلى الشعب الأمريكي، قائلاً: "وها أنا قد قلت كلمتي، نيابة عن القيادة في العراق، ونيابة عن كل الخيِّرين المؤمنين، من العرب والمسلمين. والله الموفق. والله أكبر".

سادساً: تصريح يؤدي إلى الاستقالة

وفي خضم الدبلوماسية الدولية، وحشد القوات الأمريكية في الخليج، لاستكمال عملية درع الصحراء، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"الأمريكية، في 16 سبتمبر 1990، تصريحاً للجنرال "مايكل دوجان Michael J. Dugan"، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، يفشي فيها أسرار عسكرية بالغة الخطورة تكشف خطة الهجوم الجوي للتحالف لضرب العراق، إذا ما اندلعت الحرب. إذ قال: "إن الخيار الأفضل في حالة اندلاع الصراع هو الإغارة على بغداد بالقنابل، على أن يكون الهدف الرئيسي هو صدام حسين وأسرته، وأن القوات الجوية الأمريكية سوف تعتمد على قاذفاتها ومقاتلاتها لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت، وأن أهدافها تشمل: الدفاعات الجوية، ومواقع الصواريخ، والمصانع، ومحطات الكهرباء، والطرق والجسور، والسكك الحديدية".

وفي 17 سبتمبر، وفور سماع وزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني، هذا النبأ التي تناقلته وكالات الأنباء، قرر من الفور، بعد موافقة الرئيس الأمريكي، إقالة الجنرال "مايكل دوجان"، بسبب إفشاءه خطة الهجوم الجوي الأمريكي في تصريحاته الخاصة، بعزم الولايات المتحدة قصف بغداد. وقد خلفه في هذا المنصب الجنرال "ميريل ماك بيك".

سابعاً: المساعي العربية الجديدة

وفي 18 سبتمبر 1990، بدأت مساعٍ عربية جديدة، لعقد قِمة رباعية، في الجزائر، خلال 24 ساعة، يحضرها الملك حسين، والملك الحسن الثاني، والرئيس الشاذلي بن جديد، والرئيس ياسر عرفات. وأفادت مصادر أردنية، أن اللقاء يأتي حصيلة للجهود الدبلوماسية الهادئة، التي بذلها الملك حسين والملك الحسن الثاني، وسلسلة الاتصالات التي اضطلع بها مبعوثون، أردنيون ومغاربة، في الأيام الأخيرة.

وأكد مضر بدران، رئيس الوزراء الأردني، في مقابلات صحفية، أنه اتضح للأردن بعد ما أُفشلت محاولاته، في البداية، لعقد قِمة مصغرة، في جدة ـ أن المطلوب، هو تنفيذ مخطط عربي لإنزال القوات الأجنبية، وليس انسحاب العراق من الكويت. وبيّن رئيس الوزراء الأردني، "أن الولايات المتحدة، باشرت في تنفيذ عملية "درع الصحراء"في الخليج، فور نشوب الأزمة، حيث وصلت القوات الأمريكية إلى منتصف الطريق، قبْل أن تأخذ موافقة المملكة العربية السعودية على العملية، في الوقت الذي تأكدنا فيه، أنه لم تكن للعراق أي نوايا عدوانية، ضد السعودية أو دول الخليج العربي".

وفي يوم الأربعاء، 19 سبتمبر 1990، وصل إلى الرباط الملك حسين، والرئيس الشاذلي بن جديد، وكان في استقبالهما الملك الحسن الثاني، وذلك تمهيداً لعقد قِمة ثلاثية، تحاول حل أزمة الخليج، وتبحث عن إمكانية عرض الأفكار على قِمة عربية، تعقد قريباً. وكان مقرراً أن يشارك رئيس الدولة الفلسطينية، ياسر عرفات، إلاّ أنه توجّه إلى صنعاء. ورجحت مصادر دبلوماسية، أن يتداول الزعماء الثلاثة مقترحات لتكريس حل عربي للأزمة، ينطلق من تحقيق انسحاب، عراقي وأجنبي، متزامن من المنطقة، لتجنّب خطر اندلاع الحرب.

وقد عقد الزعماء الثلاثة اجتماعاً، قرروا فيه أنه لا بدّ من إجراء محاولة أخرى. واتفقوا على أن يذهب الملك حسين، نيابة عنهم، إلى بغداد، لمقابلة الرئيس صدام حسين، والتحدث إليه برأيهم. وعاد الملك حسين إلى عمّان. ثم رأى أن يكتب إلى الرئيس صدام حسين بما انتهى إليه الرأي، في قِمة الرباط. بدأ الملك حسين باستعراض خلفية الأزمة ومسارها، ثم قال في خطابه: "وبناء على هذا الفهم والتحليل، الذي شاطرني إياه جلالة الملك الحسن الثاني، وسيادة الرئيس الشاذلي بن جديد؛ وعلى ضوء تطور الأزمة، ووعينا الكامل على مضاعفاتها ومكتنفاتها، التي ذكرت؛ ومن منطق حرصنا الأكيد على المحافظة على سلامة العراق وما يمثّل ـ فقد كُلفت من قِبلهم بطرح السؤال التالي على سيادتكم، كبداية لجهد عربي جماعي مخلص، وكلنا أمل ورجاء بالتكرم بالإجابة السريعة علينا: ما هي طلبات العراق المحددة، والمعقولة، والمقبولة، من دولة الكويت، سواء بالنسبة إلى حدوده معها، وحاجته إلى ممر حر للمياه العميقة في الخليج، أو بالنسبة للديون والتعويضات المالية عن نفط حقل الرميلة، أو غير ذلك إن وجد؟ وبمعنى آخر: ما هي الطلبات العراقية، بحدودها المعقولة، والواقعية، والتي يمكن أن تلقى قبولاً لدى القادة العرب، كي أتبناها، مع جلالة الملك الحسن الثاني، والرئيس الشاذلي بن جديد، ونتحرك بها، لإقناع الطرف المعني بها، والقادة العرب الآخرين، سعياً للتوصل إلى حل عربي للمشكلة، قبْل فوات الأوان؟".

ثم أضاف الملك حسين عبارة، ظنّها مؤثرة في بغداد: "إنني لا أريد أن أصل إلى لحظة، أجد فيها نفسي مضطراً أن أقف أمام العالَم، وأقول إنه ليست هناك فرصة لحل عربي".

وحين وصل خطاب الملك حسين، إلى بغداد، كان مجلس قيادة الثورة منعقداً في سلسلة اجتماعات، خصصها لبحث مستجدات الأزمة، أدت إلى اقتناعه بأن الأزمة، تجاوزت كونها قضية بين العراق والكويت، وأن الطرف الآخر، في مواجهة العراق، قد أصبح الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الحل العربي بات غير مطروح، على الأقل في الوقت الحاضر. وإذا كان هناك أمل عربي للعراق، في هذا الوقت، فهو ما أسماه بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة "حركة الجماهير العربية "؛ فهي التي تستطيع أن تضغط على حكوماتها، لتتخذ مواقف جديدة، يمكن أن تؤثر في مسار الأزمة.

ويبدو أنه من هذا المنطق، اتخذ مجلس قيادة الثورة العراقي، في سلسلة جلساته، التي عقدها خلال الفترة من 20 إلى 23 سبتمبر 1990، سياسة، تنزع إلى توسيع رقعة المواجَهة. فأصدر بياناً، باسمه وباسم قيادة حزب "البعث "العراقي، يهدد، في حالة ضرب العراق، بالردّ على ذلك بقصف صاروخي شامل لكل منشآت النفط في الخليج، وليس في المملكة العربية السعودية فقط، بل بقصف أهداف في إسرائيل. وكان ذلك تصعيداً جديداً في الموقف، أمست معه مسألة نفط الخليج برمّته، هدفاً رئيسياً مباشراً في المعركة. وكذلك باتت إسرائيل فيها طرفاً رئيسياً مباشراً، ولعلها كانت كذلك، منذ البداية.

وفي 29 سبتمبر 1990، وصل وزير خارجية العراق، طارق عزيز، إلى عمّان، حاملاً رداً من الرئيس صدام حسين. ولم يكن الرد المكتوب هو الرسالة الحقيقية للملك؛ وإنما كان الأهم ما دار بين الاثنين من حديث، في قصر "الندوة"، في عمّان. وتشير دلائل كثيرة إلى أن وزير الخارجية العراقي، تحدث إلى الملك بمجمل ما توصلت إليه اجتماعات مجلس قيادة الثورة وقيادة حزب "البعث"، من قناعات. وأهمها أن الدول العربية، في الوقت الحاضر، ليست هي التي تملك زمام الموقف. واستطراداً، فإن البحث عن حل عربي، لا فائدة فيه، الآن، لأسباب كثيرة، أولها وآخرها، أن الأمر خرج من أيديها، منذ ساعات الأزمة الأولى، وأنه إذا أتيحت فرصة للحل، فلا بدّ أن تكون من مصدر آخر.

ثامناً: لقاء كويتي ـ أمريكي في واشنطن

استقبل الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في يوم الجمعة، 28 سبتمبر 1990، أمير الكويت، الذي كان يزور الولايات المتحدة الأمريكية، للمرة الأولى، وانضم إليهما مستشار الأمن القومي، سكوكروفت، في الاجتماع، الذي استغرق ساعة. وعلى الرغم من أن الأمير لم يطلب، مباشرة، التدخل العسكري لتحرير بلاده، إلاّ أن سكوكروفت، حَدَسَ أن هذه هي رسالته المستترة. واصطحب الرئيس بوش أمير الكويت، بعد ذلك، للقاء أعضاء حكومته، ثم تناول الغداء معهم، في جناحه في البيت الأبيض. وبعد الظهر، التقى الأمير، على حدَة، تشيني، وزير الدفاع، وكولين باول، رئيس الأركان.

واشتملت كلمة الرئيس بوش خلال لقائه أمير الكويت، على النقاط التالية (أنظر وثيقة نص كلمة الرئيس الأمريكي، جورج بوش أثناء لقائه أمير الكويت، في واشنطن في 28 سبتمبر 1990):

1. الترحيب بأمير الكويت.

2. استعراض نتائج العدوان العراقي، من نهب وسلب، وسجن، وترهيب الشعب الكويتي، حتى القتل. ومحو دولة ذات سيادة.

3. تأكيد تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على إنهاء العدوان، واستعادة الكويت حريتها، وضمان استقرار منطقة الخليج وأمنها.

4. الإشادة بدور حكومة الكويت وشعبها، وبطولة المقاومة الكويتية.

5. التطلع إلى زيارة الكويت، بعد تحريرها.

وردّ أمير الكويت، على كلمة الرئيس بوش، بكلمة اشتملت على النقاط التالية (أنظر وثيقة نص كلمة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت أثناء لقائه الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في واشنطن في 28 سبتمبر1990):

1. توجيه الشكر إلى الرئيس بوش والشعب الأمريكي.

2. التطلع إلى وضع حد للعدوان المسلح كأداة من أدوات السياسة الخارجية لأي دولة.

3. الأمل في إنهاء الاحتلال العراقي، وتحقيق العدل والإنصاف.

4. التطلع إلى استقبال الرئيس بوش على أرض الكويت المحررة.

وفيما بعد، قال الرئيس جورج بوش، إن الوقت ليس في مصلحة الكويت. فهي، بالتأكيد، لن تبقى، كبلد، إذا انتظروا إلى أن تؤتي العقوبات ثمارها. وبيّن كلٌّ من تشيني وباول، أن لقاء الأمير والرئيس بوش، وقصص التدمير الذي لحق بالكويت، التي تؤكدها تقارير الاستخبارات، قد تركوا أثراً ملموساً في الرئيس، الذي حمله انفعاله على القول: سيفشل العراق، وستبقى الكويت.

تاسعاً: تصاعد الأزمة، والأبواب الموصدة

وبنهاية شهر سبتمبر 1990، كانت القيادة العراقية قد اقتنعت بأن خيوط الأزمة، قد أفلتت من يد الدول العربية، لتمسك بها الولايات المتحدة الأمريكية، وتنسج منها ما خططت له. وكانت بغداد تتابع ما يجري حولها، مستشعرة أن أبواب الحل، تنغلق باباً بعد باب.

الباب العربي أصبح مغلقاً إغلاقاً تاماً؛ فالدول الفاعلة، في العالم العربي، اتخذت موقفها، مبكراً، ولم تكن، من وجهة نظر العراق، محايدة. والولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح بفتحه، مهما كانت الأسباب.

وباب الأمم المتحدة مغلق، كذلك؛ ولم يكن العراق يتوقع ريحاً مواتية من الأمم المتحدة، ولكنه كان يظن أن الآراء، سوف تتوزع بما لا يسمح بصدور قرارات حاسمة. وكانت المفاجأة، أن واشنطن، سيطرت سيطرة تامة على أجواء الأمم المتحدة وضبطتها، وتلاحقت قراراتها، وكلها تدين العراق أو تحاصره، على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخها.

والباب السوفيتي، كذلك، كان مغلقاً؛ فإضافة إلى المواقف الأولية من الأزمة، تبيّن لطارق عزيز، أثناء زيارته موسكو، في 5 سبتمبر 1990، أن إدوارد شيفرنادزه، وزير الخارجية السوفيتي، ينتهج النهج نفسه، الذي ينتهجه نظيره الأمريكي، جيمس بيكر. كانت بغداد تعرف، من مصادرها في العاصمة السوفيتية، أن هناك قلقاً شديداً في أوساط العسكريين السوفيت، الذين ضايقهم أن تنزل قوات أمريكية، بهذه الكثافة، في الخليج، وأن يتبدى استعدادها لعمليات عسكرية، في ساحة قريبة، إلى هذه الدرجة، من حدود الجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفيتي، ومعظم سكانها من المسلمين. كما كانت لهجة شيفرنادزه، باردة كالصقيع، ولم يكن يريد أن يسمع أو يناقش، إلاّ قضية واحدة، هي قضية الانسحاب بلا شروط. وحين حاول طارق عزيز، أن يلفت الاتحاد السوفيتي إلى أنه يغامر باستثمارات وأرصدة سياسية، وفّرها لنفسه، خلال أربعين سنة، في العالم العربي ـ كان ردّ شيفرنادزه: "إن الاتحاد السوفيتي، يتّبع، الآن، منهجاً جديداً في التفكير، يراعي مصالحه أولاً".

والباب الألماني ـ الياباني، كان، هو الآخر مغلقاً. وكان العراق يحسب أن حاجة ألمانيا واليابان إلى النفط، مع نزعتهما إلى الاستقلال، ولو بقدر، عن السياسية الأمريكية، يمكن أن يكونا ثغرة مفتوحة له في الجدار الغربي. لكن البلدَين كليهما، قدّرا، منذ البداية، أن هناك تصادماً كبيراً قادماً، وأن مفاتيح النفط، لسنوات متصلة، سوف تكون في يد واشنطن، أو في متناولها. وأن العراق لن يستطيع الاحتفاظ بالكويت، ومن ثم، فلن يكون تحت تصرفه إلاّ نفطه، وحده، على افتراض أنه ظل، بعد التصادم الكبير، تحت تصرفه.

أمّا الباب الفرنسي، فهو موارب؛ إذ إن فرنسا، تظهر استعدادها للحركة، إذا ظنت مقدماً أن قرار الانسحاب في يدها. وفي الوقت عينه، فإنها ليست على استعداد لأن تقدِّم ضماناً لِما بعد الانسحاب، خصوصاً ما يمكن أن تطلبه الولايات المتحدة الأمريكية، زيادة على الانسحاب وما بعده.

والباب الأمريكي، من زاوية الكونجرس، كان ينغلق درجة بعد درجة. وكانت بغداد تقيس على تجربة حرب فيتنام، ومعارضة الكونجرس والرأي العام، لاستمرارها، والضيق بوجهها اللاإنساني، وبما اقتضته من تضحيات بالدماء والأرواح. وربما شجع بغداد تصريحات بعض أعضاء الكونجرس. ومنها، على سبيل المثال، تصريح السناتور وليام كوهين: "إ ن الكويتيين، يريدون منّا، أن نحارب من أجْلهم، إلى آخر جندي أمريكي". وقد يكون ما شجعها، كذلك، بعض مقالات في الجرائد، أو مظاهرات في بعض الميادين. وكانت تلك كلها ظواهر مجتمع يعبر كلٌّ فيه عن نفسه، كما يحلو له، من دون أن يمثّل الاتجاه الغالب، في الكونجرس أو في الرأي العام.

ولقد وصل الحرص على البحث عن باب مفتوح، إلى حدّ أن بغداد، طرقت الباب الإيراني نفسه، على الرغم مما جرى بين البلدَين، في عقد الثمانينات. وأعلن الرئيس صدام حسين استجابته، من طرف واحد، لكل طلبات إيران. كما بعث العراق إلى طهران برُسُل على مستوى عالٍ، بينهم وزير الخارجية، طارق عزيز. وأبدى الإيرانيون استعداداً للتعامل مع الموقف بمرونة؛ والمرونة، بطبيعتها، موقف، يحاول استغلال كل المواقف، ويرسم حركته وفق تقلباتها.


ولم تكن التطورات، السابقة مباشرة على قمة هلسنكي، إيجابية، بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي ودوره الذي رسمه لنفسه، في تشجيع الحل السلمي، بسبب عدم استجابة العراق للجهود الدولية، بما فيها الجهود السوفيتية نفسها، فضلاً عن المناخ الدولي، المعبأ كراهية ضد العراق، بسبب مسألة احتجاز الرعايا الأجانب، وإعلان استخدامهم كدروع بشرية. ومع ذلك، فقد حاول الاتحاد السوفيتي استثمار حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى التنسيق السياسي معه، للخروج بنتائج، تدعم أسلوبه، الداعي إلى استمرار الجهود السلمية، وإرجاء البت الفوري لمسألة استخدام القوة العسكرية ضد العراق، فضلاً عن محاولة الربط، غير المباشر، بين قضيتَي احتلال العراق الكويت وتسوية القضية الفلسطينية.

لقد آتت الجهود الدبلوماسية الدائبة، التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، وجاراه فيها وزير الخارجية السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه، ثمارها، بالحفاظ على تشجيع الاتحاد السوفيتي لجهود التحالف، في قِمة هلسنكي، التي عقدت في 9 سبتمبر 1990؛ إذ أُعلن، ضمناً، اتفاق الرئيسين، جورج بوش وميخائيل جورباتشوف، على حل وسط، يواصل، بموجبه، مبعوث الاتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط السفير يفجيني بريماكوف (Yevegeny – Primacov)، اتصاله بالرئيس العراقي، صدام حسين، مقابل تأييد جورباتشوف، أو على الأقل عدم معارضته، لأي أعمال عسكرية، تعمد إليها الولايات المتحدة الأمريكية.

وجاء البيان المشترك لِقِمة هلسنكي، مؤيداً للتسوية السلمية، ومؤكداً أنه في حالة فشل الحلول الدبلوماسية، فإن الطرفَين على استعداد للنظر في اتخاذ مبادرات أخرى، بما يتماشى وميثاق الأمم المتحدة. وقد اشتمل البيان على الآتي (أُنظر وثيقة نص البيان الأمريكي ـ السوفيتي المشترك الصادر عن قمة هلنسكي في شأن أزمة الكويت يوم الأحد 9 سبتمبر 1990):

1. قناعتهما، بأن العدوان العراقـي، لا يحتَمَل.

2. تأكيد البيان المشترك لوزيرَي خارجية البلدين، في 3 أغسطس 1990، وتأييد قرارات مجلس الأمن. ودعوة حكومة العراق إلى الانسحاب، غير المشروط، من الكويت، وعودة حكومة الكويت الشرعية، وإطلاق جميع الرهائن المحتجزين في العراق والكويت.

3. دعوة الجماعة الدولية، بأسرها، إلى الالتزام بالعقوبات، التي قررتها الأمم المتحدة.

4. تفضيل حل الأزمة حلاً سلمياً. وإذا لم يتيسر، تتخذ خطوات إضافية، تتسق مع ميثاق الأمم المتحدة.

5. العمل، مع دول المنطقة وخارجها، على تطوير بنيان أمن إقليمي، وإجراءات لإحلال السلام والاستقرار. وحل جميع النزاعات المتبقية في الشرق الأوسط والخليج.

ويمكن القول إن بيان قِمة هلسنكي، أكد قدراً كبيراً من الاتفاق بين القوّتيَن العظمَيَين، في تلك الفترة، ليس إزاء أزمة العدوان العراقي على الكويت فقط، وإنما إزاء قضايا أخرى جوهرية في المنطقة، كذلك. وفيما يتعلق بالعدوان العراقي، فقد أظهر البيان ما يمكن وصفه بتأكيد مبدأ عدم مكافأة العدوان، وعدم السماح بابتلاع دولةٍ كبيرة دولةً صغيرة. وفي الوقت عينه، العمل على حل الأزمة حلاًّ سلمياً. إلاّ أنه في حالة الفشل، فإن الطرفَين، سيجدان أنفسهما مضطرَين إلى النظر في ما وصفاه بأنه إجراءات أخرى، وهي عبارة عنت، ضمناً، اللجوء إلى حل عسكري، وإباحة استخدام القوة المسلحة في إنهاء العدوان العراقي.

وعُدّت هذه الصيغة انتصاراً للرؤية السوفيتية، المنادية، آنئذٍ، بضرورة استخدام كافة وسائل التسوية السياسية، والعمل على استنفادها، قبْل التفكير في اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية. ولقد وضح في البيان نوع من الربط الزمني المتعاقب، بين إنهاء العدوان العراقي والعمل على حل القضايا الأخرى في المنطقة. وهو ربط يختلف مضمونه عمّا دعا إليه العراق، آنذاك، من ضرورة حل القضايا في المنطقة، بطريقة الحل المتزامن، مع إعطائه أولوية للأقْدم زمناً من المشاكل والقضايا. وقد جاء هذا الربط المتعاقب حتى على الرغم من التفسير الأمريكي الخاص، الذي نفى أي علاقة لِما ورَد في بيان هلسنكي بأي توجهات مستقبلية، لحل القضايا الشائكة في المنطقة، ومن بينها القضية الفلسطينية.

أوضحت المبادئ، الواردة في بيان هلسنكي، حاجة القوّتَين إلى إيجاد القواسم المشتركة، في موقفيهما إزاء الأزمة في الخليج، وسياستيهما المستقبلية في المنطقة العربية. كما كشفت عن الرغبة الأمريكية في استمرار التشاور والتنسيق مع الاتحاد السوفيتي، لكونه حجر الزاوية في عملية الحشد الدولي، السياسي ـ والعسكري، ضد العراق. كذلك يمكن أن تُعَدّ قِمة هلسنكي واحداً من الرموز الدالة على التغيرات الأساسية، التي أسفر عنها انتهاء الحرب الباردة، واختفاء المظاهر التقليدية للصراع بين القوّتَين العظمَيَين. ولئن ركزت قِمة هلسنكي في عملية احتواء العدوان العراقي على الكويت، فإنها تضمنت موضوعات أخرى، منها كيفية التغلب على المصاعب الاقتصادية، التي يواجهها الاتحاد السوفيتي. وثمة تحليلات، ربطت بين حاجة موسكو إلى الدعم الاقتصادي الغربي، ولا سيما الأمريكي، وبين استمرار تأييدها الموقف الأمريكي، والتعاون المشترك على إنهاء حالة الاحتلال للكويت.

[1] كان من المفروض أن يجري لقاء بيريز دي كويلار وطارق عزيز في نيويورك، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت منح تأشيرة دخول لنائب رئيس الوزراء ووزير خارجية العراق، وأبدى دي كويلار استعداده للقاء طارق عزيز في أي مكان غير بغداد. ووقع الاختيار على عمّان.

[2] تجدر الإشارة إلى أن الشاذلي القليبي (64 عاماً في ذلك الوقت) تولى منصب الأمين العام للجامعة العربية منذ يونيه 1979 عندما نقل مقرها من القاهرة إلى تونس.

المبحث السادس

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 1 أكتوبر

أولاً : المحاولة السوفيتية للحل السلمي، وبداية مرحلة جديدة

ومع بداية شهر أكتوبر 1990، وتداعي جوانب سلبية عديدة لاحتلال العراق الكويت، خاصة الانقسام العربي، وفشل محاولات الوساطة العربية، وتدهور أحوال الرعايا الأجانب، في كلٍّ من العراق والكويت، ولجوء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، إلى تدعيم وجودها العسكري في المنطقة، وتصاعد اللهجة الدولية باستخدام القوة المسلحة ضد العراق ـ وجد الاتحاد السوفيتي نفسه في مأزق، خاصة أن العراق، بدا مصرّاً على موقفه، الرافض الانسحاب من الكويت. لذلك، عمد إلى مسعى جديد. إذ أحس الرئيس ميخائيل جورباتشوف، بأن العراق قد يكون مستعداً للانسحاب إذا تأتّى له بعض الضمانات المقبولة. فضلاً عن استشعاره القلق من سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه الأزمة كلها، الذي ينتاب بعض القادة العسكريين السوفيت، وقد سمع بنفسه أصوات النقد، التي توجَّه إلى وزير الخارجية، إدوارد شيفرنادزه، متهمة سياسته حيال الأزمة بالتأثر إلى أبعد حدّ بآراء جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي. فقرر جورباتشوف، كما ظهر من تصرفاته، أن ينقل الاختصاص بالأزمة، من وزارة الخارجية إلى مكتبه مباشرة. وكان قراره إرسال ممثل خاص له، لمقابلة الرئيس صدام حسين، في بغداد، ومقابلة بقية أطراف الأزمة، من العرب والأوروبيين والأمريكان، على السواء. ووقع اختياره على يفجيني بريماكوف[1] عضو المجلس الرئاسي لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، الذي يَعُدّه من أصدقائه ومساعديه المقرَّبين.

وقصر بريماكوف جولته، التي شملت العراق والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وفرنسا ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية، على هدفَين أساسيَّين، هما: العمل على إبقاء الحل السياسي، كأساس للتسوية، مع تأكيد الموقف السوفيتي، الرافض لاحتلال الكويت. والثاني، هو بحث مشاكل الرعايا السوفيت، العاملين في العراق، والبالغ عددهم 7830 شخص.

وفي مساء 4 أكتوبر 1990، وصل بريماكوف إلى العاصمة العراقية، وكان قد طلب من ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، أن يسبقه إليها، تمهيداً لمهمته. وبالفعل، وصل عرفات إلى بغداد، قبْل وصول بريماكوف إليها بيوم واحد.

وفي اليوم التالي، توجه بريماكوف إلى لقاء الرئيس صدام حسين، حيث سلّمه رسالة الزعيم السوفيتي، جورباتشوف، التي قال فيها: "آمل أن يساعد التبادل الصريح للآراء معكم، على إيجاد الحلول المقبولة، التي ستمكن من التخلص من الخطر المخيم على المنطقة. وأنا على ثقة من أن هذه الفرصة، ستكون مستغلَّة على أتم وجْه، لكي نخرج بإحدى أشد الأزمات، التي نشبت مؤخراً، إلى طريق التسوية السياسية. وأودّ أن أؤكد، أننا نَعُدّ تسوية كهذه، دافعاً حقيقياً لحل المعضلات الساخنة الأخرى، في هذه المنطقة، وفي المرتبة الأولى القضية الفلسطينية" (أُنظر وثيقة الترجمة العربية لنص رسالة الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف إلى الرئيس العراقي، صدام حسين المؤرخة في 2 أكتوبر 1990 والتي حملها مبعوث الرئيس السوفيتي، يفجيني بريماكوف، إلى العراق في 5 أكتوبر 1990).

وبعد أن قرأ الرئيس صدام حسين رسالة جورباتشوف، بدأت المباحثات مع بريماكوف، الذي أوضح للرئيس العراقي، أن الموقف خطير، وسوف يزداد خطراً، إذا لم يبادر العراق إلى الانسحاب من الكويت، سريعاً. وحاول إقناع الرئيس بالاستجابة لحل سلمي، جوهره الانسحاب التام من الكويت، ثم حل باقي القضايا الأخرى، من تعويضات ورسم حدود، وإنهاء الوجود الأجنبي في منطقة الخليج، أو حل القضايا الأخرى في المنطقة، وفق مراحل زمنية متتالية.

وردّ الرئيس العراقي، صدام حسين، بقوله: "إنك تطلب مني، أن أعلن الانسحاب. وكأن هذه الكلمة هي الكلمة السحرية، التي يمكن أن تحل كل المشاكل، دفعة واحدة. وأنا لن أقول هذه الكلمة، بهذه البساطة. حتى لو انسحبنا من الكويت، فإن ذلك لن يكون كافياً، لجعل الأمريكان يشعرون بالرضا. وأنتم، ليست لديكم ضمانات تقدمونها لنا، ضد أي هجوم أمريكي. لنفترض أنني أصدرت الأمر بالانسحاب. ما الذي يمكن أن تعطوه للعراق من ضمانات؟ ". ثم وجّه إلى المبعوث السوفيتي، بريماكوف، ثلاثة أسئلة محدَّدة:

1. ما هي الضمانات، التي يمكن أن تقدموها من أجْل العراق وأمنه؟

2. ما هي الضمانات، التي يمكن أن تقدموها، من أجْل النظام في العراق؟

3. ما هي الضمانات، التي يمكن أن تقدموها، من أجْل تسوية إقليمية لقضايا المنطقة؟

وردّ بريماكوف "إنني أخشى من ربط عضوي بين الانسحاب والضمانات، مما يجعل الرئيس الأمريكي، جورج بوش، يفسر طلب الضمانات، وكأنه شروط مسبقة للانسحاب. وأخشى، كذلك، من إثارة موضوع الضمانات، الآن، حتى لا يفسرها الغرب، باعتبارها خدعة، يقصد بها العراق أن يدخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة؛ وهو أمر أعلن الرئيس بوش رفضه له. كما أن الكونجرس والرأي العام، سوف يمنعانه من القبول به، على افتراض أنه كان مستعداً لذلك".

ووضح الرئيس العراقي للمبعوث السوفيتي، أن المشكلة تتلخص في أن الأمريكيين مصممون على تدمير العراق. وعلق بريماكوف على ذلك بقوله: "لنفترض أن ذلك هدفهم، فعلاً. فإن انسحاباً عراقياً من الكويت، سوف يقيّد الرئيس بوش، لأنه سيجعل الولايات المتحدة في وضع من يُقبِل على الحرب، من دون سبب". وعلق صدام حسين، بأنه يشك في ذلك.

وانتقل بريماكوف إلى هدف الزيارة الثاني، وهو بحث مشاكل الرعايا السوفيت، والتصريح لـ 7830 خبيراً سوفيتياً، من العسكريين والمدنيين[2] بالسفر إلى بلادهم. ووافق الرئيس صدام حسين على التصريح بسفر السوفيت من العراق، بمعدل 1500 شخص، كل شهر، ورأى في الإلحاح على إعادتهم إلى الاتحاد السوفيتي، دليلاً آخر على أنه حتى الرئيس جورباتشوف، ليس مطمئناً، في قرارة نفسه، إلى النيات الأمريكية.

وهكذا، فإن الجولة الأولى للمبعوث السوفيتي، لم تنجح في إقناع العراق بالحل السلمي، والانسحاب من الكويت. وعلى الرغم من ذلك، لم يفقد الاتحاد السوفيتي حماسته للحل السلمي، ولضرورة استنفاد كافة السُبُل قبْل اتخاذ قرار يبيح الحل العسكري. وهو ما أكده بريماكوف، في واشنطن، في 19 أكتوبر 1990.

ففي 19 أكتوبر 1990، استقبل الرئيس الأمريكي، المبعوث السوفيتي، وعقد اجتماع بينهما، استغرق ساعة ونصف الساعة، أعلن بعده مارلين فيتزووتر، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن الرئيس بوش اجتمع مع بريماكوف، لتقديم معلومات عن اجتماعه بالرئيس العراقي، الذي تم في 5 أكتوبر من الشهر الحالي، وأن الرئيس بوش تحدث عن الجهود الدولية قائلاً: "إن التركيز يجب أن ينصب على العقوبات الاقتصادية، وعلى الدبلوماسية من أجل تأمين الانسحاب السلمي للعراق من الكويت. وأن المجموعة الدولية مستعدة لدرس خيارات بديلة في حال فشل الجهود الراهنة. وإن بوش شدّد على أن لا اهتمام لدى الولايات المتحدة، والمجموعة الدولية بأي حل جزئي للعدوان الصارخ، الذي نفذه العراق ضد الكويت. كما أكد أن على العراق الانسحاب من دون شروط". وأشار فيتزووتر، في نهاية حديثه عن ما تم في اللقاء، أن بوش أبدى معارضته لأي ربط بين أزمة الخليج وأي قضية أخرى.

وبعد فشل جهود بريماكوف، في واشنطن ولندن، توجه إلى روما، حيث صرح بأن الرئيس العراقي، صدام حسين، مستعد للتفاوض في التوصل إلى تسوية سياسية لأزمة الخليج، شرط ألا يُصدر الغرب إنذارات نهائية، أو يهدد بعمل عسكري ضد العراق.

وبعد ذلك، عاد بريماكوف إلى بغداد، في 28 أكتوبر 1990، ليلتقي الرئيس صدام حسين، مرة أخرى، قائلاً: "إن الصقور، يتغلبون على الحمائم، في الولايات المتحدة، وفي أوروبا". وردّ الرئيس العراقي، قائلاً: "وأنا أيضاً، عندي صقور وحمائم".

ثم عقد بريماكوف، اجتماعاً، مع الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، الموجود في بغداد. وفي ضوء هذا الاجتماع، أدلى وزير الخارجية السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه، بتصريح، قال فيه: "إن هناك أملاً بالتوصل إلى حل سلمي، بشرط انسحاب العراق من الكويت؛ فلا مجال لحل وسط. إن مهمة بريماكوف ليست الأمل الأخير، ولكن من الصعب التكهن بالطريقة، التي سيتم بها الخروج من هذه الأزمة...".

وفي ضوء جهود بريماكوف، في بغداد، فاجأ المندوب السوفيتي في الأمم المتحدة، السفير يولي فورونتسوف (Yuli Vorontsov) ، مجلس الأمن، وقبْل انعقاده بدقائق، لإصدار قرار ضد العراق (القرار الرقم 674) ـ بطلب التأجيل على التصويت إلى يوم الإثنين، 29 أكتوبر 1990، بدل يوم الأحد، 28 أكتوبر.

وألقى المندوب السوفيتي، يولي فورونتسوف، كلمة، في مجلس الأمن، قال فيها: "إن آمالنا عظيمة في نجاح مهمة بريماكوف، في بغداد. وإن الاتحاد السوفيتي، يستثني الخيار العسكري، علماً بأنه سبق أن ترك جميع الخيارات مفتوحة، لقمع العدوان، كما جاء على لسان وزير الخارجية، شيفرنادزه، قبل شهر تقريباً. إننا نعارض ما يسمّى الحل العسكري للأزمة في الخليج. وإذا كانت هناك أدنى درجات الفرص للتسوية السلمية، فعلينا استغلالها كاملة". ووصف الأزمة في الخليج، بأنها "أزمة دولية خطيرة جداً"، سببها "الإجراءات غير الشرعية، التي قام بها العراق". وأشار إلى قلق الاتحاد السوفيتي، الجدي، على مصير الرعايا السوفيت، في العراق، وطالب بوقف الإجراءات العراقية، غير الشرعية. ثم أكد أن بلاده، تدعم مشروع القرار، المطروح في المجلس، وستصوت إلى جانبه. ووصف المشروع بأنه "يحتوي على جرعة قوية لعزم مجلس الأمن على القيام بكل ما هو ممكن، لمنع التوجه نحو إجراء عسكري". وحض على استمرار "نشاط الدول"، من داخل المنطقة وخارجها، في "بحثها عن الحل السلمي".

وأوضح السفير السوفيتي، عقب انتهاء الجلسة، أن طلب التأجيل، جاء من بريماكوف نفسه. كما قال السفير العراقي، عبدالأمير الأنباري، إنه يأمل أنباءً مشجعة من بغداد، وكذلك من أوروبا، حيث يجتمع الرئيسان، ميخائيل جورباتشوف وفرنسوا ميتران. ولوحظ أن السفيرَين، فورونتسوف والأنباري، غادرا قاعة المجلس، متعمدَين مواجَهة الصحافة معاً.

ووافق أعضاء المجلس على التأجيل، بعد ما أمضوا ثلاثة أيام في صياغة مشروع قرار ضد العراق، استعجلت الولايات المتحدة الأمريكية تبنِّيه. إلاّ أن السفيرَين، الأمريكي والبريطاني، لم يخفيا قلقهما من أن يؤدي التأجيل إلى انقسام في صفوف الدول الخمس، الدائمة العضوية في المجلس.

وهكذا حاول الاتحاد السوفيتي، في 28 أكتوبر 1990، وللمرة الثانية، استغلال عملية التصويت على القرار الرقم 674، الذي كانت الدول الخمس الكبرى، قد وافقت على مشروعه، في 18 أكتوبر 1990. وهو القرار المتعلق بالإفراج عن جميع رعايا الدول الثالثة المحتجزين في العراق والكويت، وتحميل العراق أي خسائر أو أضرار أو إصابات قد تنشأ في الكويت، أو أي دول أخرى، لإقناعه بالتجاوب مع الحلول السلمية. وهكذا، لم تستطع رحلة بريماكوف الثانية، إلى بغداد، ومحادثاته المكثفة مع الرئيس صدام حسين، كسابقتها، تغيير الموقف العراقي[3].

لقد أثبت فشل المحادثات، أن الظروف ليست مهيأة لحل سلمي، جوهره انسحاب العراق من الكويت، بإرادته الحرة. الأمر الذي تلاه مباشرة التصويت على القرار الدولي الرقم 674، بعد تأجيل لمدة 24 ساعة.

وعاد بريماكوف يلح على الرئيس صدام حسين في إعلان انسحاب فوري، وتنفيذه فعلاً. ورد صدام حسين بأن "أي انسحاب، دون ضمانات، سوف يكون انتحاراً. فالانسحاب العراقي من الكويت، يجب أن يتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من السعودية، ومع رفع الحصار عن العراق، ومع اتفاق على مخرج، يصل العراق بالبحر".

وبعد انتهاء زيارة بريماكوف إلى العراق، توجّه إلى باريس، لمقابلة الرئيس ميخائيل جورباتشوف، الذي كان، في ذلك الأسبوع (الأخير من أكتوبر)، موجوداً في فرنسا، لمحادثات مع الرئيس ميتران. واستمع جورباتشوف، باهتمام، إلى نتائج زيارات بريماكوف وملاحظاته. وبعد تشاور مع الرئيس فرنسوا ميتران، أعلن الرئيس السوفيتي، في 29 أكتوبر 1990، أثناء زيارته فرنسا، أن الوقت قد يكون ملائماً لدور عربي في الأزمة، يسهل للرئيس العراقي فرصة الانسحاب من الكويت، ثم أضاف جورباتشوف، أن الانسحاب العراقي، غير المشروط، من الكويت، لا بديل منه، كمقدمة لحل شامل للأزمة.

كان هدف جورباتشوف، في الدرجة الأولى، كما ظهر وقتئذٍ، منع نشوب حرب على نطاق واسع، في الشرق الأوسط، بالقرب من الاتحاد السوفيتي. وربما تصور أن ذلك قد يُحدث آثاراً، ربما تكون خطيرة، في قيادات القوات المسلحة. لم يكن جورباتشوف مشغولاً بالحرب نفسها، وإنما بآثارها المحتملة في الجيش السوفيتي.

إن فشل المحاولة السوفيتية الثانية لم يكن يعني، من وجهة النظر السوفيتية، أن الحل السلمي، أصبح غير ممكن، بل عنى ضرورة البحث عن صيغ أخرى للحل السلمي. وفي هذا الإطار، يمكن فهْم عدم إشارة السوفيت، صراحة، إلى فشل زيارة بريماكوف الثانية، ودعوة الرئيس السوفيتي، جورباتشوف، الدول العربية إلى الاضطلاع بدور فعال في حل الأزمة.

ثانياً: الخريطة العراقية الجديدة

وفي خلال المحاولات السوفيتية إيجاد حل سلمي للأزمة، أوردت وكالة "رويتر"، يوم الثلاثاء، 16 أكتوبر 1990، نبأ حول خريطة جديدة للعراق، وضعها العراقيون، ووُزِّعت نسخ منها على السفارات العراقية، وأمكن الوكالة الاطلاع عليها. وتُظهر الخريطة الإدارية الكويت المحتلة، بوصفها المحافظة العراقية الرقم 19، وقد اقتُطع منها 40 في المائة من الأراضي، تقدّر مساحتها بنحو 7 آلاف كم2 تقريباً، وضمت إلى محافظة البصرة العراقية. كما تُظهر شريطاً، يوسع الحدود الإدارية للبصرة، أطلق عليه اسم "صدامية المطلاع"، على اسم الرئيس العراقي صدام حسين. وتَظهر في الخريطة، بوضوح، جزيرتا بوبيان ووربة.

ونقلت وكالة "رويتر"عن محللين لشؤون الشرق الأوسط، قولهم، إن هذه الخريطة، يمكن أن تكون مفتاحاً للطريقة، التي سيساوم بها الرئيس صدام، على الرغم من أن العراقيين، يؤكدون أن الكويت كلها، هي جزء من العراق. وقال أحد هؤلاء المحللين، وهو فيليب روبنز، من المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، في لندن: "من المقصود، أن صدام حسين، يحدد وضعاً للحدّ الأقصى، وآخر للحدّ الأدنى. والحدّ الأقصى، هو الكويت كلها. أمّا الحدّ الأدنى، فهو النصف الشمالي، إلى جانب الجزر وحقول النفط". وربطت "رويتر"بين نشر الخريطة، وما تردد من أنباء من أن العراق "قد يكون مستعداً للتفاوض، بشأن الانسحاب، بصيغة تحفظ ماء الوجه".

ثالثاً: تصاعد قضية الرهائن

طوال شهر أكتوبر 1990، كانت بغداد مجالاً مفتوحاً، لكثير من ساسة العالَم وشخصياته. قصدوا إليها، ليحصلوا على الحرية لمواطنيهم المحتجزين، "رهائن"، أو "ضيوفاً"، على حدّ التعبير العراقي. وربما أراد العراق، أن يبلغ صوته العالم، ممثلاً في عدد من الشخصيات الدولية، وأن يحسِّن صورته، وسط حصار دعائي، أمسك بخناقه في كل محفل دولي، وعلى كل شاشة تليفزيون، وعلى صدر أي جريدة. وفي الوقت عينه، فإن تلك الشخصيات الدولية، رغبت في الاقتراب من وهج أزمة، شدت انتباه كل القارات وشعوبها.

كان بين الذين قصدوا إلى بغداد، كورت فالدهايم رئيس جمهورية النمسا، والأمين العام السابق للأمم المتحدة، وفيلي برانت (Willy Brandt)، مستشار ألمانيا الغربية الأسبق، وياسوهيرو ناكاسوني (Yasuhiro Nakassone)، رئيس وزراء اليابان الأسبق، وإدوارد هيث، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وغيرهم كثير. وإلى جانب ما بذله هؤلاء الساسة من جهد في إطلاق أعداد كبيرة من مواطنيهم، فقد كانت رواياتهم، عمّا رأوه وقالوه وسمعوه، في بغداد، مصادر مهمة، في رسم صورة كاملة لتفكير القيادة العراقية، في فترة من أشد فترات الأزمة خطراً.

ففي يوم الأحد، 21 أكتوبر 1990، استقبل الرئيس صدام حسين رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، إدوارد هيث. وكانت النتائج الأولية للقاء، أن الرئيس العراقي سمح بسفر عدد من البريطانيين المحتجَزين في العراق. وقال هيث، إن الرئيس صدام بحث معه أزمة الخليج. وكان تأكيده "على العمل الدبلوماسي قوياً جداً. وما يريده هو نظام مستقر، في الشرق الأوسط، بوجه عام". وأضاف هيث: "بصراحة شديدة، لا أعتقد أن جهوداً كافية، تبذل على الساحة الدبلوماسية". وفي يوم الأربعاء، 24 أكتوبر 1990، عقب عودته من بغداد، قال "إن العراقيين، لا يريدون الحرب. ولكنهم يقولون إنهم سيقاتلون حتى الموت، إذا هوجموا".

وفي 26 أكتوبر 1990، أعلن بيان عراقي ـ بلغاري، عقب زيارة نائب رئيس بلغاريا إلى بغداد، أن الرئيس صدام حسين، قرر الإفراج عن البلغار المحتجَزين في العراق، وعددهم 690 شخصاً.

وفي 27 أكتوبر 1990، أعلن أنريك بارون كريسبو، رئيس البرلمان الأوروبي، أنه رفض الدعوة، التي وجّهها إليه رئيس البرلمان العراقي، سعدي مهدي صالح، لزيارة العراق. وعلّل رفضه قبول هذه الدعوة بالقول: "إن أي إمكانية لقيام حوار أو تعاون بين البرلمانَين، الأوروبي والعراقي، غير ممكنة، في هذه الآونة، ما دامت بغداد تحتجز رهائن أوروبيين، وآخرين من جنسيات مختلفة، ضد رغبتهم وإرادتهم، وما دام العراق يتمادى، أيضاً، في احتلال وضم الأراضي الكويتية". وأكد البرلمان الأوروبي، "أنه لا يمكن إعادة الحوار والتعاون البناء بين البرلمانَين، الأوروبي والعراقي، إلاّ بتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي". وكان المستشار الأسبق لألمانيا الغربية، فيلي برانت، الرئيس السابق للاشتراكية الدولية (1976 ـ 1992)، قد رفض دعوة مماثلة، وجّهتها إليه السلطات العراقية، لزيارة بغداد، والعودة بعدد من المحتجَزين الألمان. وقد نصح له المستشار هيلموت كول (Helmut Kohl) بعدم قبول هذه الدعوة، "التي تمثل دخولاً في اللعبة الجديدة، التي تريد بغداد تمريرها، هذه الأيام، والقائمة على إطلاق عدد من الرهائن الغربيين، بصفة انتقائية، بهدف إحداث شروخ داخل تماسك الجبهة الدولية، التي تقاطع العراق". وذلك، حتى تذعن بغداد للإجماع الدولي، وتسحب قواتها العسكرية من الكويت، من دون قيد أو شرط.

وفي 28 أكتوبر 1990، أعلن رئيس وزراء إيطاليا، جوليو أندريوتي (Julio Andreiotti)، أن القِمة الأوروبية، التي انعقدت في روما، أكملت أعمالها، وناقشت وأقرت "وثائق مهمة جداً، تتعلق بأزمة الخليج والشرق الأوسط". وأعلن: "إن الجماعة الأوروبية، تؤكد، مجدداً، دعم جهود الأمم المتحدة. وأن قرارات مجلس الأمن، يجب أن تحترم من قِبل العراق. وأن الجهود متجهة نحو إيجاد حل سلمي، وسياسي، للأزمة، وإعادة السيادة للكويت، وأن استخدام القوة العسكرية، يجب أن يكون الخطوة الأخيرة، إذا لم تنسحب القوات العراقية من الكويت، ولم تنجح العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق".

وأقرّ المجلس الأوروبي وثيقة شديدة اللهجة، تتعلق بقضية الرعايا الأجانب، في العراق والكويت، جاء فيها: "إن المجلس يدين العراق، لاحتجازه الأجانب، كرهائن، ووضْع بعضهم في المرافق الإستراتيجية العراقية. ويذكّر المجلس العراق بالالتزامات الدولية، ويعتبر الحكومة العراقية مسؤولة مسؤولية كاملة عن سلامة الرهائن. وتؤكد دول المجموعة، مجدداً، التضامن الكامل فيما بينها، للسماح بإطلاق جميع الأجانب، المحتجَزين في العراق والكويت. وتدين استخدامهم لغرض وحيد، غير مُجدٍ، يهدف منه العراق إلى تفريق الجماعة الأوروبية. وتدين دول الجماعة، من دون تحفّظ، هذه المناورة، التي تنتهك أبسط المبادئ الإنسانية، والتي ليس من شأنها، سوى تعقيد احتمالات حل الأزمة. وتؤكد الجماعة عزمها على عدم إرسال ممثلين حكوميين، على أي مستوى، لإجراء محادثات مع العراق، لإطلاق الرهائن، وتشدِّد على امتناع الآخرين عن القيام بذلك. وتطالب دول الجماعة مجلس الأمن بمواصلة جهوده لإطلاق جميع الرهائن، فوراً، وتدعم الأمين العام للأمم المتحدة، في إرسال ممثل خاص، لتحقيق ذلك. وكلفت رئاسة المجلس الأوروبي، تسليم هذه الوثيقة إلى العراق".

ورأى أندريوتي، "أن احتجاز الرهائن الغربيين، يضر العراق كثيراً، لأنه يخلق، في الغرب، عداءً له". وأكد أن الوثيقة، ستسلم إلى الأمين العام، وإلى الحكومة العراقية، "بالطرق الدبلوماسية"، مستبعداً أن يزور العراق مبعوث للجماعة الأوروبية. واتهم العراق بأنه "حاول شق الموقف الأوروبي الموحَّد". ووصف الموقف الفرنسي، بأنه "معقول"، مشيراً إلى أنه "لم تجرِ أي محادثات مباشرة بين باريس وبغداد، في شأن قضية الرهائن". ولاحظ أن الوجود العسكري الفرنسي، في الخليج، "يؤكد مصداقية موقف فرنسا".

وكان روبرت تينر، مستشار الرئيس الأمريكي بوش، لاستطلاعات الرأي، قد تحدث، مراراً، مع الرئيس بوش عن السياسة الأمريكية في الخليج، خلال شهر أكتوبر 1990. وقال تينر أنه يعتقد أن الإدارة، توجِّه رسائل أكثر مما ينبغي، وأنها تفتقر إلى التركيز. واقترح أن يعود بوش إلى الأساسيات، التي ذكرها في أغسطس. وكانت الرسالتان الأكثر جاذبية، هما محاربة العدوان، وحماية أرواح الأمريكيين، بمن فيهم أكثر من 900 أمريكي، رهائن في العراق والكويت. وكان نحو 100 منهم، قد نقلوا إلى المواقع الإستراتيجية، العسكرية والصناعية، العراقية، ليكونوا "درعاً بشرياً"دون أي هجوم أمريكي.

وظل مستشار الأمن القومي، سكوكروفت، شهوراً، يشعر بالقلق؛ لأن جيمس بيكر، وزير الخارجية، لا يؤيد السياسة الأمريكية في الخليج. كان بيكر يشعر أن أساس هذه السياسة، ليس راسخاً؛ فمحنة الأمير الكويتي وشعبه، والعدوان، والنفط، ليست مقنعة للشعب الأمريكي. وقد أوضحت استطلاعات الرأي، أن الشاغل الرئيسي للناس، كان الرهائن الأمريكيين، في العراق والكويت. وحث جيمس بيكر على تحويل التركيز في السياسة الأمريكية في الخليج، إلى قضية الرهائن، فتلك هي القضية

المبحث السابع

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 23 أكتوبر

أولاً: اجتماع الملك حسين وفرانسوا ميتران

راود الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، وهو يوشك أن يقابل الملك حسيناً، في باريس إمكانية حل، تضطلع فيه بلاده بدور رئيسي. وكمبادرة حسن نية، وتمهيداً للقاء ميتران ـ حسين، أعلنت بغداد، في 23 أكتوبر 1990، قراراً، يفرج عن كل الرهائن الفرنسيين، الذين لا يزالون في العراق .

وفي 5 نوفمبر 1990، التقى الملك حسين الرئيس الفرنسي، ميتران، في قصر "الإليزيه"، في باريس، حيث تناولا بالبحث أزمة الخليج. ووضح الرئيس الفرنسي للملك الأردني نقاطاً مهمة، تتلخص في الآتي:

1. الأمريكيون لن يقبلوا التفاوض، في إطار الأزمة، كما هي الآن.

2. لا بدّ من تغيير إطار الأزمة.

3. لدى الأمريكيين سببان كافيان لشن الحرب. وهما: احتلال الكويت ـ واحتجاز الرهائن.

4. العراق يطلب ضمانات لانسحاب قواته. والولايات المتحدة الأمريكية، ترفض الضمانات، لأنها تراها نوعاً من الشروط المسبقة.

5. العراق يفرج، الآن، عن الرهائن، على دفعات. والأفضل هو الإفراج عنهم، مرة واحدة. وذلك سوف يؤدي إلى تلبية نصف المطالب المعلَنة للرئيس جورج بوش.

ورد الملك حسين بأنه يتفهم وجهة نظر الرئيس الفرنسي. وهو يدرك التعقيدات المحيطة بموضوع الرهائن، وقد ناقش العراقيين فيه كثيراً، وأحس، أخيراً، أنهم على استعداد لخطوة جريئة، تحل مشكلة الرهائن، مرة واحدة، لكنهم يطلبون تأكيداً لعدم الاعتداء على مرافقهم الاقتصادية ومنشآتهم الحيوية، داخل العراق، وإنهم يقبَلون مثل هذا التأكيد من خمس دول كبرى (فرنسا والاتحاد السوفيتي والصين وألمانيا واليابان)، أو من اثنتين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ولتكونا فرنسا والاتحاد السوفيتي، أو فرنسا والصين.

ووضح ميتران للملك حسين، أن مثل هذا الاقتراح، لا يحل شيئاً؛ لأن الأمريكيين، سيرون ذلك "شرطاً مسبقاً"، وسيرفضونه من أول لحظة. كما وضح ميتران، أن للأزمة جانبَين: احتلال الكويت، واحتجاز الرهائن. وأن الخلاص من أحدهما، يعني حل خمسين في المائة من الأزمة. وهذا سوف يخلق مناخاً مختلفاً. ولا شك أن مواجَهة خمسين في المائة من أي أزمة، هي أقلّ صعوبة من مواجهتها كاملة مائة في المائة.

وأعرب الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفرنسية، أوبير مدرين، بأن الرئيس فرنسوا ميتران، أكد للعاهل الأردني، مرة أخرى، أن الحل الوحيد، هو تطبيق العراق الكامل لمقررات الأمم المتحدة.

ثانياً: اجتماع مجلس قيادة الثورة العراقي

وفي 10 نوفمبر 1990، اجتمع مجلس قيادة الثورة في العراق، وناقش تفاصيل اجتماع الملك حسين مع الرئيس فرنسوا ميتران. وكان هناك رأيان، داخل المجلس: رأي يرى أن الإفراج عن الرهائن، سوف يزيل أحد أسباب الحماية، المتاحة، حالياً، لبعض الأهداف العراقية. ورأي آخر يرى أن الخلاص من موضوع الرهائن، هو أجدى الآن، وقد يحقق غرضاً.

وانتهت مناقشات مجلس قيادة الثورة العراقي، بترْك الرأي النهائي للرئيس صدام حسين، الذي أعلن، في 18 نوفمبر 1990، أن العراق على استعداد لإطلاق كافة الرهائن، في مقابل بعض الضمانات. بل إنه يفكر في برنامج للإفراج عنهم، من دون انتظار ضمانات، ابتداء من يوم عيد الميلاد (25 ديسمبر) وعلى مدى ثلاثة أشهر، تمتد إلى 25 مارس 1991. وكان ذلك معناه أن عملية الإفراج عن الرهائن، يراد بها تغطية الفترة الحرجة، السابقة على حلول شهر رمضان.

ثالثاً: الدعو إلى قِمة عربية استثنائية

وفي 11 نوفمبر 1990، دعا الملك الحسن الثاني الدول العربية، إلى قِمة استثنائية، لإتاحة فرصة أخيرة للحل في الخليج، على أساس القرارات، التي اتخذتها الأُسْرة الدولية. وقال: "إنه من المستحيل، أن يمحو العراق، بجرة قلم، الدولة الكويتية، ليجعل منها إحدى محافظاته. كما أنه من المستحيل، أن يفقد الشعب الكويتي، بين ليلة وضحاها، هويته، ليصبح عراقياً". وقال الملك الحسن الثاني، موجِّهاً حديثه إلى قادة الدول العربية: "لنجتمع ونَرَ أي قرارات يمكن أن نتخذها، انطلاقاً من الضمانات الدولية، ليعطى كل طرف حقه، وتعود الكويت كما كانت، ويصبح العراق عضواً راضياً مَرْضياً، في أُسْرتنا العربية وأمّتنا الإسلامية".

وأضاف ملك المغرب: "إن القِمة العربية المقترحة، تهدف إلى إيجاد أرضية عربية شاملة، لتصفية الأجواء، وإيجاد الحل للمشكل القائم الآن، وللقضية العربية المصيرية، ألاَ وهي تحرير الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشريف".

وبثت وكالة الأنباء العراقية بياناً رسمياً، صدر عقب مناقشة الاقتراح المغربي، في اجتماع مشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطْرية للحزب الحاكم، ترأسه الرئيس صدام حسين. وتضمن تحفّظ العراق من عقد القِمة؛ "لأن الجماهير العربية، ستشتبه بأنها ستار لهجوم أمريكي ـ صهيوني على العراق، وأنها قد تعمّق الخلافات العربية". "وإن العراق يفضل إجراء مشاورات موسّعة، مع الأطراف ذات الصلة بالموضوعات الأساسية، تسبق القِمة. وإنه يجب عدم انعقادها تحت وطأة التهديدات العسكرية الأمريكية. وأن يحسب، عند عقد أي مؤتمر لهذا الغرض، المكان والظرف، اللذان يستطيع فيهما الرئيس صدام حسين، حضور مثل هذا المؤتمر، والمساهمة فيه...".

وفي أول رد فعل رسمي سعودي، على دعوة الملك الحسن الثاني، قال وزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل: "إن أي لقاءات عربية، لن تكون مثمرة، ما لم يعلن العراق موافقته على قرار القِمة العربية الطارئة، في القاهرة، والقرارات الدولية، التي تدعو إلى انسحاب القوات العراقية، وعودة الشرعية الكويتية، وعودة الأمور إلى نصابها قبْل الثاني من أغسطس 1990. وإذا التزم العراق هذه القرارات، فإن هذه اللقاءات، ستكون مثمرة...".

وفي 15 نوفمبر 1990، وبعد زيارة الرئيس حسني مبارك سورية، صدر بيان مصري ـ سوري، جاء فيه: "إن دعوة الملك الحسن الثاني إلى قِمة عربية استثنائية، لاقت من الرئيسَين، مبارك والأسد، عناية خاصة. ولكن إزاء ما صدر مباشرة من بغداد، في بيان، تضمن شكوكاً في مقاصد الدعوة المغربية، ووضع شروط مسبقة، تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، عقد هذه القِمة، وما أعقب هذا البيان من تصريحات لمسؤولين عراقيين، أكدوا فيها تمسك القيادة العراقية بموقفها الرافض للانسحاب من الكويت ـ عبّر الرئيسان عن أسفهما لإجهاض العراق أي حل سياسي، يهدف إلى إعادة الأوضاع في الكويت إلى ما كانت قبْل الثاني من أغسطس 1990. ويؤكدان، في الوقت نفسه، تصميمهما على الاستمرار في التشاور بينهما، ومع الأشقاء العرب، للحفاظ على المصالح العليا للأمّة العربية ووحدتها...".

رابعاً: المطالبة بتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية

ومع تصاعد الأزمة، بدأ التشدد الأمريكي بالظهور. وأصبح الانسحاب العراقي من الكويت، لا يمثل نهاية المطاف، ولكن ظهر اتجاه في الكونجرس الأمريكي، يطالب بضرورة تدمير أسلحة العراق الكيماوية وبرامجه النووية. فقد رأى ثلاثة أعضاء ديموقراطيين في الكونجرس الأمريكي، هم: جون مورثا، وستيفن سولارز، وألن مولوهان،، كانوا يزورون القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية، أنه يتعين على واشنطن عدم الاكتفاء بالمطالبة بانسحاب قوات الرئيس صدام حسين من الكويت، بل عليها المطالبة، كذلك، بتدمير "أسلحة الدمار الشامل، التي يمتلكها".

وأكد النواب الديموقراطيون الثلاثة أن على القوات المتحالفة في الخليج، شن هجوم على العراق، في غضون شهر. غير أنهم رأوا، في المقابل، ضرورة إعطاء العقوبات الاقتصادية الدولية، مزيداً من الوقت، حتى تؤتي ثمارها، "لأنها تساهم في زيادة الضغوط الدولية على صدام حسين". وطلب النواب الثلاثة من الإدارة الأمريكية، الحصول على موافقة الكونجرس والأمم المتحدة، قبْل شن أي هجوم على العراق. ورأى سولارز، "أنه ما لم يجبر صدام حسين على التخلي عن أسلحته الكيماوية، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيفشلون، حتى إنْ سحب قواته من الكويت، وسيكون هذا انتصاراً باهظ الثمن". وأضاف أنه إذا كان شن حرب أمراً ضرورياً، للقضاء على آلة الحرب العراقية، فإن "من المستحسن، أن يحدث هذا الآن، في الوقت الذي يعاني فيه صدام ضعفاً نسبياً، ونتمتع نحن بقوة نسبية، قبْل أن يتمكن من السيطرة التامة على أسلحة الدمار الشامل".

وفي لندن، قالت رئيسة الوزراء البريطانية، مارجريت تاتشر، "إنه لن يكون مسموحاً للعراق بالاحتفاظ بقوات عسكرية ضخمة". "وإن المرء، لا يمكنه السماح ببقاء رادع القوة، في يد شخص، ليس لديه أي وازع أخلاقي".

خامساً: التصعيد السياسي، وقرار استخدام "الوسائل الضرورية"

وبدءاً من 8 نوفمبر 1990، سارت سياسة إدارة الرئيس جورج بوش، في الخليج العربي، وفق النهج الأمريكي التقليدي، وهو اتِّباع مسارَين، في وقت واحد. وهو أن واشنطن، أعدت للحرب بينما كانت تسعى، في الوقت نفسه، إلى تسوية سلمية، ولو بفتور. فقد عملت، الولايات المتحدة الأمريكية، منذ ذلك الوقت، على زيادة تعزيز قواتها إلى شبه الجزيرة العربية، ممّا هيأ للرئيس خياراً عسكرياً قابلاً للتنفيذ، بينما كانت الدبلوماسية الهجومية، تزيد الضغط الدولي على صدام حسين، وتبقي على تماسك الائتلاف المناهض للعراق.

وعلى الرغم من أن التقارير الدورية، في شأن عدم رغبة حلفاء واشنطن في القتال، أو توقهم إلى عقد صفقة، خفية، مع صدام حسين، فإنه ما إن قرر بوش حل المسألة الكويتية، باستخدام القوة ضد صدام حسين، حتى زاد تأييد الائتلاف. وفي لندن، صرح وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، للصحفيين، بأن "الطريقة الحاسمة، التي ربما يمكن أن تحقق انسحاباً سلمياً، هي الجمع بين العقوبات، التي تسبب نقصاً في السلع الضرورية، وبين العمل على أن يدرك صدام، أنه إذا لم يتوجّه نحو السلام، فسوف يتم إرغامه على الخروج من الكويت".

وفي الأسبوع الأول من نوفمبر 1990، كان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، يطوف بعدد من العواصم العربية، ممهداً لزيارة الرئيس جورج بوش المرتقبة إلى هذه العواصم، منتهزاً حلول عيد الشكر، في الأسبوع الأخير من نوفمبر، ليقضي هذا اليوم، المهم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، مع القوات الأمريكية المحتشدة في الصحراء. وكان جيمس بيكر يحمل مشروع قرار، بحثته الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، يفوض المجلس، بمقتضاه، بعض أعضائه وأعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، استخدام القوة ضد العراق.

وفي خصوص مشروع القرار، الذي يطرح على مجلس الأمن، في شأن التفويض للحرب، فإن جيمس بيكر، لم يجد أي صعوبة في موافقة دول المنطقة عليه. وطبقاً لروايته، كان معظم مَن قابَلهم، يستعجلون بدء العمليات العسكرية، ومنهم من أظهر قلقه من المناقشات الدائرة في الكونجرس، ومن آراء، ترددت خلالها، أوحت بفتور التصميم الأمريكي على الحرب.

وفي 14 نوفمبر 1990، اجتمع الرئيس بوش إلى قادة الكونجرس، من كلا حزبَيه. ودعا إلى الوحدة، وأكد أنه لم يقرر، بعد، خوض الحرب، قائلاً: "إنني لم أقم باجتياز نهر روبيكون". وأخرج تقريراً في شأن التغطية العراقية للأنباء، وقرأ بصوت عالٍ بعض العناوين، التي تبيّن أن ما يعرض على صدام، هو صورة الشقاق في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان قصد الرئيس واضحاً: أن هذه هي، بالتحديد، الرسالة، التي قد تجعل صدام حسين، يعتقد أنه يستطيع البقاء في الكويت. كما أخرج نسخة من الدستور، من نسخ الجيب، وقرأ من المادة الثانية، في القسم الثاني: "الرئيس هو القائد الأعلى... ". وقال إنه يريد من القادة أن يدعوا إلى عقد جلسة، إذا كان مضموناً حصوله على أغلبية كبيرة في مصلحته. وقال الزعماء الديموقراطيون، عندئذٍ، إنهم لن يدعوا الكونجرس إلى جلسة طارئة، لمناقشة الحشد في الخليج، لكنهم سيعقدون جلسات استماع.

وعشية جولة الرئيس جورج بوش (16 نوفمبر 1990) في أوروبا والشرق الأوسط، أَعلَن "أن زيادة عدد القوات في منطقة الخليج، لا تعني تخلِّيه عن آمال التوصل إلى حل سلمي للأزمة، فإن الساعة تدق، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، لجهة حدود الوقت المتاح أمام الرئيس العراقي، للانسحاب من الكويت، قبْل الاضطرار إلى استخدام الخيار العسكري... ". وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، غير مستعدين لتقديم أي تنازلات، في شأن المبادئ، التي حدَّدها وتبنّاها مجلس الأمن الدولي، في قراراته العشرة، التي اتخذها منذ اندلاع الأزمة.

ولقي قرار إدارة الرئيس جورج بوش، انتهاج خط أكثر تشدداً، تجاه العراق، تأييد الأمم المتحدة. ومن أجْل زيادة الضغط على صدام حسين، وتمهيداً للجوء محتمل إلى استخدام السلاح، على السواء، بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون، في أواخر شهر نوفمبر، استطلاع رأي أعضاء مجلس الأمن، في شأن إمكانية إصدار قرار، يحدد موعداً نهائياً للانسحاب العراقي، ويسمح باستخدام القوة في تحرير الكويت. وتكهن مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية، بينهم وزير الدفاع، ديك تشيني، علناً، بأن العراق يوشك أن ينتج سلاحاً نووياً، الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من فرصة حل دبلوماسي. وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك، عن القلق من تأثير الاحتلال العراقي، داخل الكويت. فمنذ وقت مبكر (أغسطس 1990)، كان المخططون العسكريون الأمريكيون، يتابعون، بقلق، الترحيل الجماعي للكويتيين من بلادهم[1] والطرد الإجباري والاختفاء والموت لآلاف آخرين، وتحرُّك عراقيين وفلسطينيين إلى داخل الكويت. وإذا استمر هذا التدفق، من الخـارج، بلا عائق، فإن تركيبتها الديموجرافية، سوف تتغير، إلى الدرجة التي لن يكون فيها هناك أمة، ينبغي تحريرها. إضافة إلى إنه سيتيح لصدام حسين إجراء استفتاء عام، والفوز فيه.

واستجاب مجلس الأمن الدولي فإصدار قرارَين إضافيَّين. ففي 28 نوفمبر 1990، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 677، الذي يدين "محاولات العراق لتغيير التركيبة الديموجرافية لسكان الكويت، ولتدمير السجلات المدنية، المحفوظة لدى الحكومة الشرعية للكويت"الرقم 678، إلاّ أن الصين، امتنعت عن التصويت عليه.

وعن سبب امتناع الصين عن التصويت على قرار مجلس الأمن الرقم 678، قال وزير الخارجية الصيني، كيان كيشين (Qian Qichen)، أنه امتنع عن التصويت على القرار،"إنه يخالف موقف الحكومة الصينية الثابت، وهو بذل كل شيء لإيجاد حل سلمي". و"أنه ما زال يعتقد أن المجتمع الدولي يجب أن يُبقي على الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، ويعززها ضد العراق ... وما دامت هناك بارقة أمل في الحفاظ على السلام، فإن الجهود يجب أن تنصب على ذلك".

وأهم النقاط التي وردت في القرار الرقم 678، هي:

1. الطلب من العراق، الامتثال الكامل للقرار الرقم 660، وكافة القرارات اللاحقة.

2. تخويل الدول الأعضاء التعاون مع حكومة الكويت، إذا لم يمتثل العراق إلى كل قرارات المجلس السابقة، قبل 15 يناير 1991، على استخدام كل "الوسائل الضرورية"، لضمان تنفيذ القرارات.

3. الطلب إلى كل الدول، تقديم الدعم الملائم للأعمال، التي تمكِّن من تنفيذ النقطة الثانية من هذا القرار.

كان القرار تفويضاً لاستعمال كل الوسائل الضرورية، بغير استثناء، للقوة. وكان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، يريد أن ينص القرار على التفويض لاستعمال القوة صراحة، لكن إدوارد شيفرنادزه، وزير الخارجية السوفيتي، ألح على تعبير "كل الوسائل الضرورية". وقال لجيمس بيكر، أثناء الحوار بينهما: "أنت وأنا نفهم ما تعنيه هذه العبارة. وأكثر من ذلك، لا داعي له". وتابع شيفرنادزه كلامه، قائلاً: "بعد تجربتنا في أفغانستان، لا نستطيع أن نقنع الشعب السوفيتي باستخدام القوة. ولا بدّ من العثور على طريقة أخرى، طريقة غير مباشرة ـ تعبيراً ملطفاً ـ فالسوفيت يمكن أن يؤيدوا فكرة القوة، لكن القرار نفسه، ينبغي أن يكون مبهماً".

واستطرد شيفرنادزه، قائلاً: "إن الولايات المتحدة، تعرف ما هي كل الوسائل الضرورية، فلا تحرجونا. ولا تضغطوا علينا. ولا تبالغوا". وأعلن أن المسألة، بالنسبة إلى السوفيت، ليست مسألة أخلاقية، وإنما هي مسألة عملية؛ فالاتحاد السوفيتي، لا يستطيع أن يذهب إلى الأمم المتحدة، ويصوت مع الحرب، التي لا تزال تعني للشعب السوفيتي مأزقه في أفغانستان".

وأوضح جيمس بيكر، إن الولايات المتحدة الأمريكية، تريد تجنّب أي لَبْس؛ إذ إن السياسة الأمريكية إزاء الخليج شديدة التقلب في الداخل، وإدارة الرئيس بوش، لا تريد جدالاً داخلياً في معنى قرار الأمم المتحدة. غير أن شيفرنادزه لم يبالِ بإيضاح بيكر. وأخيراً، أذعن الوزير الأمريكي، واتفقا على عبارة "كل الوسائل الضرورية "، التي تبيح التحالف استخدامها، لإخراج قوات صدام من الكويت، إذا لم يكن قد سحبها في الموعد، الذي حدده القرار، 15 يناير 1991.

وعلق جيمس بيكر، قائلاً: "إنه سيكون الرئيس المؤقت لمجلس الأمن، أثناء التصويت. وإنه سيتحدث بعد التصويت، ويصف القرار بأنه تصريح، لا لَبْس فيه، باستخدام"القوة "، بحيث تصبح عبارته جزءاً دائماً من المحضر. وإذا لم يعترض أحد، فسيكون هذا هو تفسير "كل الوسائل الضرورية". ووافقه شيفرنادزه.

وكان أمام وزير الخارجية السوفيتية مشكلة أخرى؛ فهو يريد للقرار، أن يتضمن صيغة، وضعها الرئيس جورباتشوف، وتقرر أن الأسابيع الستة، السابقة على موعد 15 يناير، هي فترة توقّف، لإثبات حُسن النية. وكان جورباتشوف يعتز بهذه الصيغة؛ فهو يريد لفترة الخمسة والأربعين يوماً، أن تكون فرصة حقيقية للعمل الدبلوماسي. ويعتزم الزعيم السوفيتي استغلال العلاقات الثنائية، العراقية ـ السوفيتية، في السعي إلى حل سلمي. وهو يَعُدّ هذه العبارة غير قابلة للتفاوض، وشرطاً دبلوماسياً، لا غنى عنه، ومن دونها، لا يستطيع السوفيت، أن يؤيدوا القرار. ووافق جيمس بيكر.

وكان رأي وزير خارجية فرنسا، رولان دوما، على قرار مجلس الأمن، الرقم 678، هو ضرورة استغلال فترة الستة أسابيع، التي أعطاها مجلس الأمن مهلة للعراق، ينفذ، خلالها، مجمل قرارات المجلس، قبْل أن يحل استحقاق القرار الرقم 678. وأنه يستطيع أن يرى دوراً لأوروبا. كما أنه يستطيع أن يرى دوراً للأمين العام للأمم المتحدة. وربما كان هناك وسيلة للتوفيق بين الدورَين.

وأحدث صدور قرار مجلس الأمن، الرقم 678، هزة عنيفة في بغداد. فقد كانت العاصمة العراقية قادرة على أن تتصور تدخلاً أمريكياً عسكرياً ضدها، تسكت عنه الأمم المتحدة، ولكنها لم تتصور أن يجيء هذا التدخل، بموافقة صريحة من الاتحاد السوفيتي، الذي أيد مشروع القرار، وموافقة ضمنية من الصين، التي امتنعت عن التصويت عليه. وكان اعتراضها، بوصفها أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، الذين يملكون حق النقض ( الفيتو )، كفيلاً بإسقاطه.

سادساً: مبادرة الرئيس جورج بوش، في 30 نوفمبر 1990

وفي الساعة الحادية عشرة، من يوم 30 نوفمبر 1990، ظهر الرئيس بوش على شاشات التليفزيون، حيث قرأ بياناً من عشرين فقرة، في شأن السياسة الأمريكية في الخليج، عدّد فيه كل الخطوات التي اتخذها (أنظر وثيقة النص الإنجليزي لبيان الرئيس الأمريكي، جورج بوش في 30 نوفمبر 1990 في شأن دعوة وزير خارجية العراق، طارق عزيز، للمجيء إلى واشنطن). ومضى بوش يقول: "رغبة مني في إعطاء السلام فرصة إضافية، سأوجِّه دعوة إلى وزير خارجية العراق، طارق عزيز، للمجيء إلى واشنطن، في وقت مناسب للطرفَين، في القسم الأخير من الأسبوع، الذي يبدأ بالعاشر من ديسمبر 1990، للاجتماع إليّ. وسأدعو سفراء عدد من الدول، شركائنا في التحالف في الخليج، للانضمام إليّ في هذا الاجتماع. وسأطلب من الوزير جيمس بيكر الذهاب إلى بغداد، للقاء صدام حسين. وسأقترح على الرئيس العراقي، أن يستقبل وزير الخارجية، في وقت مناسب للطرفَين، في الفترة بين 15 ديسمبر 1990 و15 يناير 1991". وأكـد استعداده واستعـداد وزيـر خارجيته "للبحث في كل جوانب أزمة الخليج، في إطار ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة". لكنه أوضح أنه لا يقترح، بذلك، إجراء محادثات، لن تؤدي إلى أقلّ من الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت، وإعادة حكومتها الشرعية، وإطلاق جميع الرهائن؛ وإنما يسعى إلى بذل كل الجهود، من أجْل التوصل إلى حل، دبلوماسي وسياسي، للأزمة.

لقد كان هدف المبادرة الأمريكية الحقيقي، يتركز في قصر تفاعلات الأزمة، خلال مهلة الأسابيع الستة، التي منحها مجلس الأمن للعراق، داخل إطار أمريكي، لا تتعداه، ولا يتدخل فيها طرف آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية. وكان لها، إضافة إلى ذلك، أهداف فرعية:

1. إقناع كتل برلمانية في مجلسَي الكونجرس، الشيوخ والنواب، وكذلك الرأي العام، بأن الرئيس بوش بذل كل ما في وسعه لحل الأزمة.

2. مخاطبة الرأي العام العربي.

3. التأثير في حالة العراق النفسية، وترجحها بين تشاؤم وتفاؤل، يصدع تماسكه.

سابعاً: لقاء الرئيس بوش قيادات الكونجرس

وبعد أن أعلن الرئيس بوش مبادرته الجديدة، التقى، في وقت لاحق، من يوم 30 نوفمبر 1990، قيادات الكونجرس. وحضر هذا الاجتماع مع الرئيس الأمريكي، كل من دان كويل وجيمس بيكر وبرينت سكوكروفت ووريتشارد تشيني وجون سنونو. وقال بوش: "لقد نجح وزير الخارجية، بيكر، في دفع الأمم المتحدة إلى السير في الركب. وهو يعرف الصعوبة المقترنة باستخدام القوة. إن الجمع بين زيادة نشرنا للقوات، وقرار الأمم المتحدة، هو الذي يتيح أفضل فرصة، للتوصل إلى حل سلمي للقضية ". وأضاف: "أعرف أن هناك خلافات حول هذه المائدة، ومع رؤساء الأركان السابقين. لكنني أريد أن أبيّن لكم، أنه ليست لدي أفكار مستترة ". وقال إن إمكانية الأسلحة النووية العراقية خطر حقيقي، وأنه لن يخطئ جانب الحذر. وأشار الرئيس بوش إلى قلقه، في شأن النفط وآثار زيادة نفقات الطاقة، على نطاق العالم. واستطرد قائلاً، إن بيكر، سيذهب إلى بغداد. وسيأتي طارق عزيز إلى واشنطن. وليست هذه اجتماعات للتوصل إلى أرضية مشتركة، ولإنقاذ ماء وجْه صدام حسين؛ فهو لا يستحق ذلك. وإنه يأمل أن تصل الرسالة إلى صدام، بأن الغاية ليست الوصول إلى حل وسط، فالحل الوسط، سيؤدي، بالتأكيد، إلى اختفاء التحالف.

وأثنى توماس فولي (Thomas Foley)، رئيس مجلس النواب، على الإدارة، لانفتاحها وصراحتها. وقال إن على الرئيس بوش، أن يستشير الكونجرس الجديد، في يناير 1991، وأنه يعتقد، أن الحلفاء سيؤيدون استمرار العقوبات الاقتصادية، لمدة سنة. ثم قال فولي: "إذا قررتم، بعد 15 يناير 1991، أن تخوضوا الحرب، فسيكون عليكم أن تأتوا إلى الكونجرس". وكان السناتور جورج ميتشل (Georg Mitchell) قاطعاً في هذه النقطة: إن قرار الكونجرس ضروري، ولازم، دستورياً.

وقال السناتور سام نون (Sam Nunn)، إن هناك أرضية مشتركة، "فلا بدّ أن يخرج العراق من الكويت. والسؤال هو: بحرب أم بدون حرب؟ وهناك فرق بين تصويت الأمم المتحدة، وبين ذهاب رجالنا إلى الموت. وثانياً، فإن الوقت في مصلحتنا... فالإستراتيجية تعمل... إنها تعمل، ونحن نكسب".

واستشهد السناتور كوهين (Cohen) بعبارة لمارك توين، يقول فيها إن الإنسان سيقاتل دفاعاً عن بيته، ولكنه قد يفكر مرتَين، قبْل الدفاع عن فندق. "وحتى الآن، فإن الشعب الأمريكي، ليس مقتنعاً بأن الكويت بيتنا، أو أن المملكة العربية السعودية بيتنا، وإنما هما، بالأحرى، أشبه بفندق. فلماذا نحن على استعداد لأن نموت من أجل الكويتيين الآن؟". وتوجّه كوهين إلى بوش، قائلاً: إن علينا أن نجيب عن هذا السؤال إجابة مُرضية.

والسؤال الثاني هو أي نوع من الحرب ستكون هذه الحرب؟ ففكرة أننا سنستخدم قواتنا البرية على نحو ما، لكي تدخل وتنتزع العراقيين بعيداً عن الكويت لا تولد إلاّ صور من الشبان والشابات يتكدسون، في منطقة ضيقة، كالأكوام من الخشب أو الحطب. وقال بوش: "إننا لا نريد فيتنام أخرى وستكون الإمدادات والتموين مختلفة"، وليست هذه فيتنام، ولن تكون هذه ورطة طويلة.

ثامناً: قبول العراق مبادرة الرئيس الأمريكي

أكد بيان، صدر في بغداد عن مجلس قيادة الثورة، قبول العراق المبادرة، التي عرضها الرئيس بوش. وجاء في البيان الفقرات التالية:

1. إن سعي العراق، في كل الأحوال، سيكون، كما كان دائماً، إجراء حوار جدي، بعمق، وليس لقاءات شكلية، كما يريدها الرئيس الأمريكي، ليتخذها ذريعة أمام الرأي العام الأمريكي، والكونجرس، والرأي العام العالمي، والمجتمع الدولي.

2. إننا نقبَل فكرة الدعوة واللقاء. وعندما نتسلم الدعوة، بصورة رسمية، سيتفق المعنيون في العراق مع المعنيين في الولايات المتحدة، على أوقات الزيارات المتبادلة وترتيباتها العملية، بما يلائم الطرفَين.

3. إن العراق سيسعى إلى متابعة أية نافذة حوار وتوسيعها، بدلاً من لغة التهديد والوعيد.

4. إن المبادئ، الواردة في مبادرة الرئيس صدام حسين، في 12 أغسطس 1990، هي "دليلنا في كل حوار جدي مع الولايات المتحدة، وتبقى فلسطين وأراضي العرب الأخرى المحتلة، في مقدمة القضايا، التي نتناولها في أي حوار.

5. إن الدعوة إلى اللقاء، تضمنت فكرة غير واضحة، هي وأغراضها، (أي دعوة الرئيس الأمريكي لعدد من سفراء الدول، لحضور اللقاء بينه وبين وزير خارجية العراق).

6. إذا ما رأى الجانب الأمريكي، أنها ضرورية (أي حضور عدد من السفراء)، فإن العراق سيدعو، من جانبه، إلى حضور ممثلين لدول وأطراف ذات صِلة بالالتزامات والقضايا المعلقة في المنطقة العربية، لحضور اللقاءات التي تجرى بينه وبين الإدارة الأمريكية، سواء في واشنطن أو بغداد.

تاسعاً: ردود الأفعال الدولية والعربية لمبادرة الرئيس الأمريكي

كانت مبادرة الرئيس بوش مفاجأة غير متوقعة، حتى للدول المشاركة في التحالف مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الدول العربية، ودول الخليج نفسها. وقد أحيطت القاهرة علماً بالمبادرة الأمريكية، في الدقيقة عينها، التي كان فيها الرئيس الأمريكي يعلنها أمام شبكات التليفزيون. أمّا المملكة العربية السعودية، فكانت تعلم بالمبادرة، قبْل إعلانها بعشر دقائق. وكذلك حكومة الكويت في المنفى، الموجودة، آنئذٍ، في الطائف. وروي أن أمير الكويت، ظن، في بادئ الأمر، وهو يسمع النبأ؛ أنها بداية عملية تفاوضية متفق عليها. ولم يعلم بعض الدول العربية الأخرى بالمبادرة، إلاّ بعد مرور ساعات من إعلانها رسمياً. غير أن الدول، التي علمت مسبقاً بالمبادرة ولو قبْل عشر دقائق من إعلانها، لم تتلقَّ أي تفاصيل، تجعل المبادرة مفهومة، ومن ثَم، مقبولة، بالنسبة إليها. وساد الارتباك عدداً من العواصم العربية، إذ عاود بعضها شكوك قديمة في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ منهج سياسي صارم، لا يخضع لتقلبات غير مفهومة للآخرين، سواء كان باعثها أمريكياً داخلياً، أو حسابات أخرى، غير مرئية لبقية الناس.

وفي 30 نوفمبر 1990، كان وزير خارجية فرنسا، رولان دوما، مدعوّاً إلى العشاء في بيت المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير بيار لوي بلان. وكان بين ضيوف العشاء عدد من وزراء الخارجية، الذين حضروا جلسة التصويت على القرار، وعدد من المندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة. وكان الحديث يدور حول القرار والملابسات المحيطة به، والمناقشات التي دارت حوله. وخلال الحوار، دخل المستشار الصحفي للوفد الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة، يحمل ورقة، قدّمها إلى السفير الفرنسي، بيار لوي بلان، الذي قرأها، ثم ناولها، عبْر المائدة، إلى وزير الخارجية الفرنسي. وقرأها الوزير، فاحتقن وجهه، وعلا صوته قائلاً: "إن هذا تخريب". ثم بدأ يحكي لبقية المدعوين، حول مائدة العشاء، أن الرئيس جورج بوش، أعلن، للتو، مبادرة أمريكية، تقترح أن يزور طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، واشنطن، حيث يجتمع إليه. ثم يزور وزير خارجيته، جيمس بيكر، بغداد، حيث يجتمع إلى الرئيس صدام حسين. وأن الهدف من ذلك، طبقاً لِما قاله الرئيس الأمريكي، هو المشي ميلاً إضافياً آخر، من أجْل تحقيق السلام.

وكان تعليق وزير الخارجية الفرنسي، أن هذه مناورة، يقصد بها الرئيس الأمريكي، أن يواصل احتكار إدارة الأزمة، وأن يصد آخرين عن بذل جهودهم. ثم علق رولان دوما، قائلاً: "لا يمكن أن يكون جادّاً"، وكان يقصد الرئيس الأمريكي، جورج بوش.

وبعد عودة وزير الخارجية الفرنسي إلى باريس، نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية، قوله: "إن مبادرة الرئيس بوش جاءت في الوقت المناسب، وفي الاتجاه الذي ترغب فيه فرنسا.

ورحب بيريز دى كويلار، الأمين العام للأمم المتحدة، بمبادرة الرئيس بوش، وعبر عن اقتناعه بأن الاتصالات لو حدثت بالفعل بين واشنطن وبغداد "فإننا سنتجه حقاً نحو حل سلمي للمشكلة". وتمنى النجاح للإدارة الأمريكية.

ولم يكن ترحيب الاتحاد السوفيتي بمبادرة بوش أقل ترحيباً من أمين عام الأمم المتحدة، إذ أصدرت وزارة الخارجية السوفيتية بياناً رحبت فيه بمبادرة الرئيس بوش، وعدّتها تجسيداً عملياً للتفاهم الأمريكي ـ السوفيتي، في شأن أفضلية حل الأزمة سلمياً. وأوضحت أن الجهود الدبلوماسية، الثنائية أو المتعددة، يجب أن تكون هادفة إلى ضمان تنفيذ العراق، بالكامل وبلا شروط، قرارات مجلس الأمن، من دون أي مكافأة للمعتدي ....

وفي ألمانيا، رحب المستشار الألماني، هيلموت كول، بمبادرة الرئيس الأمريكي واعتبر أن الكرة باتت الآن في ملعب بغداد، التي يمكنها تسوية النزاع في الخليج سلمياً.

وعلى الجانب العربي، أجرى الرئيس بوش، فور إعلان مبادرته، اتصالات هاتفية مع عدد من قادة الدول المتحالفة، من بينهم الملك فهد بن عبدالعزيز، والرئيس حسني مبارك، والشيخ جابر الأحمد الصباح. وتحدث معهم حول ما يتعلق بالمبادرة التي طرحها، وأهدافها . ورحبت هذه الدول بالمبادرة، وتمنوا أن تجد حلاً سلمياً للمشكلة.

وفي معرض الترحيب، قال الشيخ سعد العبدالله الصباح، ولي العهد ورئيس حكومة الكويت، في الطائف، "إن المبادرة اتسمت بالحكمة والعمق وبعد النظر والجرأة والشجاعة، ونحن نرحب بها ونتمنى للرئيس بوش التوفيق في جهوده ومساعيه". ونفي الشيخ سعد وجود أي تنسيق مسبق بين حكومة الولايات المتحدة والكويت، في شأن هذه المبادرة.

وفي المملكة العربية السعودية، أدلى مصدر سعودي مسؤول، إلى وكالة الأنباء السعودية الرسمية، بتصريح جاء فيه: "إن حكومة المملكة العربية السعودية لا ترى أي تناقض بين ما أعلنه فخامة الرئيس جورج بوش، في شأن إيفاد وزير الخارجية الأمريكية إلى بغداد، واستقبال وزير الخارجية العراقية في واشنطن، وبين قرارات القمة العربية الأخيرة في القاهرة، وقرارات منظمة المؤتمر الإسلامي، وقرارات مجلس الأمن، إذ إنها كلها تدعو إلى انسحاب شامل، وغير مشروط، للقوات العراقية من دولة الكويت الشقيقة، وعودة الشرعية في الكويت بقيادة سمو أمير الكويت، الشيخ جابر الأحمد الصباح، والإفراج عن الرهائن الأجانب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، بإزالة الحشود والتهديدات العراقية ضد المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، والمنطقة كلها.

وفي القاهرة، قال الدكتور بطرس بطرس غالي، وزير الدولة للشؤون الخارجية المصرية: "أعلنت مصر دائماً تأييدها للحل السلمي، وفي كل الأحوال ما يجري الآن (بين العراق والولايات المتحدة) ليس إلاّ اتصالات، وليس محادثات بالمعنى الكامل للكلمة". و"إن مصر مستعدة للقيام بدورها إذا رغب الطرفان في ذلك".

وأعلنت وزارة الخارجية السورية "أن مبادرة الرئيس بوش مناسبة ما دامت تهدف إلى تجنب حرب في الخليج، وتحقيق الانسحاب العراقي التام من الكويت، وعودة حكومتها إليها، تنفيذاً للقرارات العربية والدولية".

وفي تونس، استدعى ياسر عرفات كبار مساعديه، لصياغة رسالة سرية إلى صدام حسين، أرسلت عن طريق السفارة العراقية. كانت الرسالة تحتوي على ثلاث نقاط رئيسية، هي:

1. أن يقبَل صدام حسين بالعرض الأمريكي، قبْل أي محادثات مع واشنطن.

2. أن يطلق كافة الرهائن الأجانب.

3. أن ينسحب العراق من الكويت.

كما أشارت الرسالة إلى أن الملك فهداً، سوف يسمح للعراق بالاحتفاظ بجزيرتَي وربة وبوبيان وبحقول النفط في الرميلة؛ وإن لم يكن هناك ما يوضح سبب اعتقاد عرفات بأن الملك فهداً، قد قبِل أو سيقبَل بذلك[2]. وبعد ذلك، طار ياسر عرفات إلى عمّان، للحصول على مساعدة الملك حسين على تلك المبادرة. بينما طار أبو أياد إلى اليمن، لتأمين دعم الحكومة اليمنية.

عاشراً: اجتماع عربي مهم، في بغداد

لعل مبادرة الرئيس جورج بوش، التي طرحها في 30 نوفمبر 1990، كانت هي السبب، الذي دعا عدداً من الزعماء العرب، المؤيدين للعراق، إلى التوجه، سريعاً، إلى بغداد. فقد قصد إليها الملك حسين، ولحق به ياسر عرفات، وعلي سالم البيض، نائب رئيس جمهورية اليمن، حيث اجتمعوا إلى الرئيس صدام حسين، في 4 ديسمبر 1990، لمدة خمس ساعات.

وجرى في هذا الاجتماع مشاورات، في شأن الوضع في الخليج، في ضوء بدء الحوار العراقي ـ الأمريكي. ودعا المجتمعون إلى ضرورة بدء الحوار العربي ـ العربي. وحضّوا المجتمع الدولي على الاستفادة من التطور الإيجابي للموقف، لدعم الاتجاه نحو تحقيق الحل الشامل، والعادل، في المنطقة. وربما يعزز السلام العالمي والاتجاه الدولي نحو حل المشاكل الدولية، عن طريق الحوار. وضرورة العمل، على الصعيدين، العربي والدولي، من أجْل تحقيق سلام شامل، ودائم، في المنطقة، أساسه الشرعية الدولية، وفقاً لمعايير ومبادئ واحدة.

ويمكن تبيّن اتجاه مداولات الزعماء العرب الأربعة، من قراءة بيان، صدر عن مجلس قيادة الثورة العراقي، في اليوم التالي (5 ديسمبر 1990). فقد بدأ البيان مستشهداً بالآية القرآنية: ]وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله[ w (سورة الأنفال: الآية 61). ثم أعلن "أنه تقرر، استجابة لمبادرة الرئيس الأمريكي، بفتح باب المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة ـ الإفراج عن جميع الرهائن الغربيين، المحتجَزين في بغداد، على أن يتم التنفيذ خلال أسبوعين، بحيث يتمكن الرهائن من حضور احتفالات عيد الميلاد مع أُسَرهم، في بيوتهم وأوطانهم".

كما أرسل الملك حسين، من الفور، رسالة إلى الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، قال فيها: "إن العراق، بقرار الإفراج عن الرهائن، مرة واحدة، ومن دون شروط ـ قام بتنفيذ المرحلة الأولى من خطته (التي ناقشها، من قبْل، مع الملك حسين في باريس يوم 5 نوفمبر) لحل الأزمة. والآن، فإن الوقت مناسب لبذل كل الجهود، لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة". ورد الرئيس ميتران بما معناه، "أنه طلب إلى طائرة الكونكورد الرئاسية، أن تكون على استعداد، في أي وقت، لتحمله إلى حيث تتطلب الظروف وجوده، بما في ذلك بغداد ذاتها، عندما يتأكد أن الأوراق في يده كافية".

ويبدو أن بغداد، أرادت أن تقدم تنازلاً آخر، لإظهار حُسن النية؛ ولعلها مضت فيه بطلب من الزعماء العرب، المجتمعين في بغداد، فأعلنت أنها "تفهم الربط بين القضايا المتعددة في الشرق الأوسط، والذي جاء في مبادرة الرئيس صدام حسين، يوم 12 أغسطس ـ على أنه ربط سياسي، وليس ربطاً بتواريخ الأيام". وكان مفهوم ذلك، أن بغداد على استعداد لحل مشكلة الانسحاب من الكويت، أولاً، وبعد ذلك، وليس بالتزامن معه، يُعمَل على حل بقية النزاعات الإقليمية.

حادي عشر: أزمة المواعيد، بين بغداد وواشنطن

وفي 9 ديسمبر 1990، بدأت مسألة المواعيد، المتعلقة بزيارة الحوار العراقي ـ الأمريكي، تتحول إلى أزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكية، أنه على استعداد للذهاب إلى بغداد، في الفترة من 20 ديسمبر 1990 إلى 3 يناير 1991، وأن الإدارة الأمريكية جادّة في الاجتماع، الذي سيعقده مع الرئيس صدام حسين، وتَعُدّه مهماً، مشيراً إلى أن اقتراح العراق عقد الاجتماع في 12 يناير 1991، لا يظهر جدية، من جانب بغداد، خصوصاً أن هذا التاريخ يسبق، بأيام قليلة، 15 يناير 1991، الموعد النهائي، الذي حدَّده مجلس الأمن، للانسحاب العراقي، مجيزاً، بعده، استخدام القوة لفرض هذا الانسحاب. وأن واشنطن غير مستعدة، لتكون طرفاً في عملية إحباط موعد 15 يناير 1991، خصوصاً أننا نتحدث عن خروج العراق من الكويت، وهو أمر لن يتمكنوا (أي العراقيون) من تنفيذه في يومَين.

وأبدى الجنرال برينت سكوكروفت، مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي، قلقه من رفض العراق المواعيد الأربعة[3]التي اقترحتها واشنطن، لاجتماع الرئيس جورج بوش وطارق عزيز، والرئيس صدام حسين وجيمس بيكر. وقال: "إن ذلك يُظهر أنهم لا يزالون (العراقيون) يلعبون، ويحاولون استغلال الوضع لمصلحتهم، وغير جادّين في التحدث إلينا. وأن تاريخ 12 يناير 1991، الذي اقترحه العراق غير صالح، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، اقترحت الثالث من ذلك الشهر موعداً أقصى لعقد الاجتماع". ورفض سكوكروفت أن يقول إن الخلاف في تحديد موعد للاجتماع، سيشكل عقبة تهدد المحادثات .

وأعرب مندوب العراق لدى الأمم المتحدة، الدكتور عبدالأمير الأنباري، في مقابلة تليفزيونية، عن اعتقاده، أن مسألة تحديد تاريخ لمحادثات بيكر في بغداد، هي مسألة هامشية. وأوضح أن في الإمكان التوصل إلى اتفاق على موعد آخر. كما أنه لم يسقِط إمكان عقد الاجتماع في 3 يناير 1991.

وفي 10 ديسمبر 1990، نصح الرئيس الأسبق، جيمي كارتر، المسؤولين الأمريكيين، بإظهار المرونة في محادثاتهم المقبلة مع العراقيين. وقال: "إن اللقاءات، التي ستخصص فقط لإبلاغ الإنذار النهائي، لن تكون مثمرة، وستؤدي، على الأرجح، إلى الحرب. وإنه لا بدّ من إعطاء العراق شيئاً، كأن تُلغى ديونه، أو يُعطى قطعة أرض. كذلك لا يعقل أن تكون الاجتماعات من دون تفاوض".

كما حذر الرئيس كارتر، من الحرب، قائلاً: "على الولايات المتحدة أن تحاول التوصل إلى حل وسط، لا إلى المواجَهة، حين تجري محادثات مع الرئيس العراقي. إن الرئيس جورج بوش، سينتهك الدستور الأمريكي، إذا أصدر أمراً ببدء بعمليات عسكرية، من دون الحصول على موافقة الكونجرس. وإذا لم يكن الكونجرس قادراً على العمل، بالصورة الملائمة، في هذه الأزمة الخطيرة، حينما نوقشت العوامل على نطاق واسع، وصارت مفهومة ـ فإن زعماءنا، الذين أسسوا نظامنا، يكونون قد أضاعوا كلماتهم الثمينة".

ووقت أن كان الرئيس الأمريكي الأسبق يحذر إدارة الرئيس جورج بوش وينصح لها بضرورة التوصل إلى حل وسط، لا إلى المواجهة، أدلى الرئيس الأمريكي، في 21 ديسمبر 1990، بتصريح، أفصح فيه عن نياته، كاملة وقاطعة، في موضوعَين مهمَّين هما:

· موضوع الرهائن: إذ قال "إنه مع ترحيبه بإطلاق سراح الرهائن، فإن الإفراج عنهم، لم يفعل شيئاً، إلاّ أنه صحح جريمة ارتكبها العراق حين احتجزهم، في المقام الأول. وإن الإفراج عن الرهائن، أزاح عن ضميره عبئاً معنوياً ثقيلاًً".

· موضوع احتلال الكويت: قال "إن انسحاب العراق من الكويت، ليس كافياً لحل الأزمة. وإنما يتحتم، لحلها، أن يتم نزع قوة العراق العسكرية، وإزالة مصانع وقواعد صواريخه، وكافة منشآته النووية. وكذلك يتعين على العراق، أن يدفع تعويضات كاملة عن كل الأضرار، التي لحقت بجميع الأطراف في المنطقة".

ثاني عشر: المبادرة الأمريكية، قبْل نهاية المهلة المحددة

وفي 3 يناير، أعلن الرئيس جورج بوش مبادرة جديدة (أثناء حفلة أداء اليمين للسفير الأمريكي الجديد إلى الكويت، إدوارد شكيب غنيم)، تستهدف عقد اجتماع بين وزيرَي الخارجية، جيمس بيكر وطارق عزيز، في جنيف، بين 7 و9 يناير 1991. وأعرب عن أمله أن يردّ العراق ردّاً إيجابياً عليها. وأكد أنه "مع حلول موعد 15 يناير 1991، نقترب أكثر فأكثر من إعادة السيادة للكويت، سواء كان ذلك سلماً أو بالحرب. لكن سيادة الكويت ستعود".

وفي 4 يناير 1991، أعلن العراق موافقته على الاقتراح الأمريكي، عقد اجتماع بين وزيرَي خارجية البلدين، في جنيف، في 9 يناير.


[1] في يوم 9 نوفمبر 1990، ذكرت وكالة الإعلام الكويتية، أن نحو 300 ألف كويتي عبروا الحدود إلى المملكة العربية السعودية منذ الغزو العراقي للكويت.

[2] نشرت محطة تليفزيون (ABC) الأمريكية، في يوم 7 ديسمبر 1990، أن المملكة العربية السعودية وافقت على أن تتنازل الكويت عن جزيرتي وربه وبوبيان والممر الذي يعطي العراق منفذاً إلى البحر وحقل بترول الرميلة مقابل انسحاب العراق الكامل من الكويت. وقد نفي وزير الإعلام السعودي هذه الأنباء، يوم 8 ديسمبر 1990، وأكد عدم صحة ما أذيع جملة وتفصيلاً وأن موقف السعودية من الأزمة واضح وثابت وقائم على ضرورة الانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية لها. كما أعلن وزير العدل الكويتي أنه لا مفاوضات مع العراق قبل الانسحاب الكامل من الكويت.

[3] اقترحت واشنطن أربعة تواريخ، هي 20، أو 21، أو 22 ديمسبر 1990، موعداً لاجتماع وزير خارجية العراق إلى الرئيس الأمريكي في واشنطن، وتاريخ 3 يناير 1991، موعداً لاجتماع الرئيس العراقي إلى وزير الخارجية الأمريكي، في بغداد.

المبحث الثامن

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 8 يناير 1991

أولاً: اجتماع جنيف

وفي يوم الثلاثاء، 8 يناير 1991، أعلن الرئيس جورج بوش، أنه لم يرسل وزير خارجيته إلى جنيف لتقديم تنازلات، أو لعرض حلول وسط، بل إن الهدف من الاجتماع، هو إعطاء صدام حسين فرصة، قد تكون الأخيرة، لحل الأزمة بالوسائل السلمية، قبْل حلول الموعد النهائي، الذي حدَّده مجلس الأمن، بعد أسبوع. ووجّه كلامه إلى دول التحالف، قائلاً: "إننا ندخل المرحلة الأكثر خطورة من هذه الأزمة. إن العراق يصل، في الأيام المقبلة، إلى الموعد النهائي، الذي يؤكد حدود صبر العالم المتمدن. وإن موعد 15 يناير، ليس موعداً لبدء النزاع المسلح؛ وإنما هو موعد نهائي، لكي يختار صدام حسين السلام على الحرب". وقال، بعد استقباله وزير خارجية ألمانيا، هانز ديتريش جينشر: "من المهم ألاّ نرسل إشارات متباينة، وأن نفعل ما في وسعنا، لإقناع صدام حسين، بأن المجتمع الدولي جادّ في نياته".

وفي يوم الأربعاء، 9 يناير 1991، جلس طارق عزيز وجيمس بيكر، وجهاً لوجه، حول مائدة اجتماعات، في إحدى قاعات فندق "الإنتركونتننتال"، في جنيف. وبدأ الاجتماع، الذي كان العالم كله يتطلع إليه، من خلال ثلاث جلسات، استغرقت 6 ساعات كاملة (أُنظر وثيقة نص المحضر العراقي لمحادثات وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر مع وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز في جنيف يوم الأربعاء، 9 يناير 1990).

الجلسة الأولى

بيكر: هذا اجتماع مهم جداّ. فنحن نجتمع كممثلَين لدولتَين ذاتَي سيادة. إن الغرض من هذا الاجتماع، ليس ضغط بعضنا على بعض، بأي صفة. ولكن يجب أن لا يكون مفاجئاً لكم، أني لست هنا لإعادة التفاوض في شأن قرارات المجتمع الدولي، التي صدرت عن مجلس الأمن. ولكن أنا هنا لكي أتصل بكم؛ وهذا لا يشمل الحديث فقط، بل الإنصات، كذلك. ولذا، فإني لست راغباً في الحديث فحسب، بل في الإنصات كذلك. وآمل أن يكون لديكم الرغبة عينها، الإنصات إلى جانب الحديث. وسأبدأ بالطريقة، التي تفضّلونها، إمّا أن تبدأوا، إذا فضّلتم، أو أكون أنا البادئ، ولكن، قبْل أن تبدأوا، أودّ أن أسلّمكم رسالة من الرئيس بوش إلى الرئيس صدام حسين. وهذه نسخة من الرسالة لكم.

طارق عزيز: شكراً، سيادة الوزير. إنني أرغب، فعلاً، في أن يكون هذا اللقاء لقاءً مثمراً. وأعتقد أن السبيل إلى ذلك، هو أن ينصت بعضنا إلى بعض. أنا أعرف موقفكم. وأعرف أن بيننا خلافات كبيرة. ولكني، كما قلت، مستعد للإنصات لكم، كما أرحب باستعدادكم للإنصات لما أقول. أمّا بالنسبة إلى الرسالة، التي سلّمتني إياها، فاسمح لي، أولاً، أن أقرأها.

بيكر: تفضّلوا؛ ولهذا السبب قدَّمتها إليكم، وستسلّم نسخة من الترجمة العربية، إلى سفيركم في واشنطن[1].

وفضّ طارق عزيز الظرف، وبدأ يقرأ المظروف. وكانت الرسالة تتلخص في الآتي (أنظر وثيقة نص رسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش إلى الرئيس العراقي صدام حسين في 5 يناير 1991 وأذاعها البيت الأبيض مساء السبت، 12 يناير 1991)، (والنص الإنجليزي للوثيقة):

· نقف، اليوم، على شفا حرب بين العراق والعالَم، بسبب غزو الكويت.

· لا يئد هذه الحرب إلاّ امتثال العراق الكامل، وغير المشروط، لقرار مجلس الأمن، الرقم 678.

· اتحد المجتمع الدولي على دعوة العراق إلى الانسحاب من أراضي الكويت كلها، من دون شرط، ومن دون أي تأخير. وعبّر عن ذلك، في ما لا يقلّ عن 12 قراراً لمجلس الأمن.

· لن يكون هناك مكافأة للعدوان، ولن يكون ثمة مفاوضات.

· إن لم تنسحب القوات العراقية من الكويت، من دون شروط، فسيخسر العراق ما هو أكثر من الكويت. والقضية، هنا، ليست مستقبل الكويت؛ فهي ستتحرر؛ وحكومتها ستعود، وإنما هو مستقبل العراق. ودونك الخيار.

· لا يغرنّك (يقول بوش لصدام) تنوّع الآراء؛ فهذه هي الديموقراطية الأمريكية. وعليك أن تبعِد عن ذهنك أي إغراء كهذا؛ إذ يجب التفريق بين التنوع والانقسام.

· إذا اندلعت الحرب، فسيكون وبالها أشد عليك وعلى بلدك (الخطاب لصدام) منه على سائر أطرافها. وإنني أؤكد لك، أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تقبل باستخدام أسلحة، كيماوية أو بيولوجية، أو مساندة أي نوع من الأعمال الإرهابية، أو تدمير حقول النفط الكويتية ومنشآتها. وسيطالب الشعب الأمريكي بأقوى ردّ ممكن على مثل هذه الأعمال. وستدفع أنت وبلدك، ثمناً رهيباً، إذا أصدرتَ الأوامر بتنفيذ بأعمال شنيعة، من هذا النوع.

وبعد أن قرأ طارق عزيز الرسالة، قال مخاطباً وزير الخارجية الأمريكي: "سيادة الوزير، في بدء حديثكم، قلتم إن هدف الاجتماع، ليس ضغط بعضنا على بعض. وقد قرأتُ رسالة الرئيس جورج بوش إلى رئيسي، وهي مملوءة بعبارات التهديد. كما أن لغتها غير مألوفة في التخاطب بين رؤساء الدول. لذلك، فإني أعتذر عن تسلُّمها. وفي إمكانكم أن تنشروها عبْر وسائل الإعلام. وسنردّ عليها بوسائلنا". و"إنني أرجو ألاّ يعطل ذلك اجتماعنا، لأننا نرغب، فعلاً، في أن نتحدث؛ فنحن لم نتحدث منذ بدء هذه الأزمة. كما هو معروف، فإن شعبَينا مقبِلان على مواجَهة. ومن المفيد، قبْل الشروع في مثل هذه المواجَهة، أن نستكشف كل الإمكانات، التي يمكن أن تبني تفاهماً بين بلدَينا. لذلك، فإني لا أستطيع أن أقبَل لغة رسالة الرئيس بوش، مع أنه ذكر أنه لا يقصد التهديد، وإنما الإبلاغ. أنا أفضل أن يبلغ بعضنا بعضاً موقفه بأسلوب متحضر، يعبّر عن الاحترام المتبادل. وإذا وفقنا الله للوصول إلى تفاهم، فهذا أمر جيد. وإذا لم نوفَّق؛ وهذا ما لا نتمناه، فعندئذ، كلٌّ يعرف طريقه. حول بدء العمل، أرغب في الاستماع إلى الوزير بيكر، أولاً".

وتحدث بيكر، وقال: "أولاً، أرجو أن أكون واضحاً. إني لا أرى في هذه الرسالة لغة غير متحضرة. ثانياً، من الضروري جداً، أن يفهم بعضنا بعضاً، وأن الهدف من هذه الرسالة، أن نجعل ما نقوله منذ أشهر عديدة واضحاً جداً. كما تُظهر الرسالة، أن المجتمع الدولي جاد جداً في فرض القرارات الاثني عشر، الصادرة عن مجلس الأمن. لا أستطيع أن أجبرك على أخذ هذه الرسالة، ولن أحاول.

وتلخص حديث جيمس بيكر، بعد ذلك، في الآتي:

· لا نستطيع أن نناقش أحكام قرارات مجلس الأمن، ولا أن نعيد التفاوض فيها.

· سنغلق سفارتنا في بغداد، في 12 يناير 1991. ونحن نريد أن نخرج الدبلوماسيين الخمسة، الباقين فيها، وأن تسحبوا كل دبلوماسييكم من واشنطن.

· لا يزال هناك فرصة لحل سلمي، شريطة الانسحاب من الكويت، من دون قيد أو شرط.

· ستكون العواقب مدمرة للعراق المعزول، لو استخدمت القوة العسكرية. وإنني أقول إن المقصود، ليس التهديد، بل الإبلاغ.

· إذا بدأ الصراع، فإنه سيكون ضخماً، ولن يكون فيتنام أخرى.

· إذا استُعملت الأسلحة، الكيماوية أو البيولوجية، ضد قواتنا، فإن الشعب الأمريكي، سيطالب بالثأر. ولدى استخدام مثل هذه الأسلحة، فإن هدفنا لن يكون تحرير الكويت فقط، وإنما إطاحة النظام الحالي. وإن أي شخص مسؤول عن استخدام هذه الأسلحة، سيكون عرضة للمساءلة، في المستقبل.

· ستدمر الحرب كل شيء، كافحتم من أجْل بنائه، في العراق.

· لا تسيئوا تفسير الأحداث الكثيرة، التي تسمعونها عن مجتمعنا الديموقراطي.

· لن تُهاجَموا، إذا استجبتم لقرارات مجلس الأمن. لن نهجم على بلدكم أو قواتكم، وذلك في حالة وجود استجابة كاملة للقرارات. وفي هذه الحالة، لن نحتفظ بقوات عسكرية كبيرة، في الخليج.

· نؤيد فكرة حل الخلافات بين العراق والكويت، سلماً، بعد الانسحاب، كما يدعو إلى ذلك القرار الرقم 660.

ردّ طارق عزيز على نظيره الأمريكي، فقال: "أنتم قلتم إن كل هذا، بدأ في 2 أغسطس 1990. لكن لدينا وجهة نظر مختلفة. ويسعدني أن تتاح لي الفرصة، لأشرح لك ولزملائك وجهة نظرنا". وانبرى طارق عزيز يلخص وجهة النظر العراقية في ما يلي:

· نحن نعرف الحرب وتكاليفها. والشعب العراقي يحبنا، ويحب قيادته ويؤيدها، وهذه حقيقة. وإذا نشبت الحرب بيننا وبينكم، فإننا نحن الذين سننتصر. أقول هذا من دون غرور. والحرب لا تخيف العراق.

· إن قواتنا كانت قوة لحفظ التوازن، ولحماية أمن المنطقة واستقرارها.

· حكام الكويت السابقون، أوصلوا العراق إلى حافة الانهيار الاقتصادي. وفي قمة بغداد، تحدث الرئيس صدام حسين مع كل القادة العرب، بحضور الملك فهد، وجابر، وزايد. وقال إن ما يعمد إليه بعض الدول، من إغراق السوق بالنفط، هو حرب ضد العراق.

· العراق لا يدعو إلى التفاوض في قرارات مجلس الأمن. ليست هذه هي المسألة الأساسية، وإنما المسألة الأساسية، هل نعمل معاً، نحن والآخرون في المنطقة وفي العالم؟ هل نعمل من أجْل سلام شامل، ودائم، وعادل، في كل المنطقة، لكي تعيش كل شعوبها بأمن وسلام واستقرار، أو لا؟

· العراق يربط انسحابه من الكويت بتنفيذ كل قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية. وإذا كنتم مستعدين للعمل من أجْل أن يستتب السلام والعدالة والاستقرار والأمن، في كل المنطقة، فستجدوننا في مقدمة المتعاونين معكم.

الجلسة الثانية

في بدايتها، علق طارق عزيز على حديث جيمس بيكر في الجلسة الأولى. ثم قال:

· "الآن، نحن مستعدون للبحث في إطار البحث للتسوية الشاملة للأوضاع في المنطقة. نحن مستعدون لتصفية كل أسلحة الدمار الشامل، النووية والكيماوية والبيولوجية، في المنطقة. وحول المخاوف والشكوك والادعاءات حول إمكانيات العراق النووية، نحن بلد موقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومنشآتنا المتواضعة جداً، تخضع للتفتيش المستمر. لكن حليفتكم، إسرائيل، التي لا تثيرون أي ضجة حول امتلاكها للسلاح النووي، وليست موقِّعة على هذه الاتفاقية، وترفض التوقيع عليها، وترفض الزيارة والتحقيق في منشآتها" (أُنظر وثيقة نص المحضر العراقي لمحادثات وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر مع وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز في جنيف يوم الأربعاء، 9 يناير 1990).

· "إذاً، عندما نتحدث عن المعايير المزدوجة، فنحن لدينا أساس قوي لذلك، أساس ملموس. يبدو لنا أن موقف الولايات المتحدة، هو أن إسرائيل تستطيع أن تمتلك ما تريد من أسلحة، ولكن يحرم على العرب، أن يملكوا أي أسلحة، حتى للدفاع. هذا هو موقفنا من موضوع أسلحة الدمار الشامل. إنه موقف واضح، ومسؤول، وعادل. إذا امتلك الناس الذين يهددوننا أسلحة، فمن حقنا أن نمتلك أسلحة. ولكن إذا كانت هناك ترتيبات مضمونة، وعلى قاعدة التعامل بالمثل، لإزالة مثل هذه الأسلحة، فنحن مستعدون. أنت أخذت هذا التعهد مني، الآن، بشكل لا لَبْس فيه. ولكنك لا تستطيع أن تأخذ ما يشبهه من وزير خارجية إسرائيل، أو من رئيس وزرائها".

· "إننا ننظر إلى قرارات مجلس الأمن، على أنها قرارات أمريكية ضد العراق. وأحد الأدلة على أنها قرارات أمريكية ضد العراق، أننا نجلس هنا، اليوم. إن الحوار لا يجري بيني وبين الأمين العام للأمم المتحدة، ولا بيني وبين وزير خارجية أثيوبيا وساحل العاج ورومانيا! تحولت هذه المواجَهة إلى مواجَهة بين أمريكا، من جهة، والعراق، من جهة أخرى. نعم، أنتم لديكم حلفاء، ونحن، أيضاً، لدينا حلفاء. يمكن أن حلفاءنا، لا يبدون على السطح، مثل حلفائكم، أي دول يمكن ذكر أسمائها، وذلك بسبب الظروف المعقدة في المنطقة العربية. ولكننا لسنا بعيدين عن شعبنا، أقصد الأمّة العربية. العديد من العرب إلى جانبنا. وإذا حصلت مواجَهة بيننا، سيكون لكم حلفاؤكم، وسيكون لنا حلفاؤنا".

· "نحن لا نعتبر أنفسنا أعداء للولايات المتحدة. مشكلتنا مع الولايات المتحدة، هي إسرائيل، وتأثركم بالسياسة الإسرائيلية. هذه هي المشكلة معكم، قبْل وبعْد 2 أغسطس. لو عالجنا هذه المسألة، بشكل جدي، وشمولي، وعلى قاعدة المشروعية الدولية، وعلى قاعدة العدل والإنصاف ـ فكثير من الخلافات بيننا، سنتغلب عليها، ولن نجد أنفسنا في وضع المواجَهة. ستجدني في واشنطن، أبحث معك قضايا التعاون، الاقتصادي والثقافي، وكذلك أجدك في بغداد، لنفس الهدف".

واستمر الحديث بين طارق عزيز وجيمس بيكر بين أخذٍ وردّ، حتى وصل إلى نقطة قال فيها طارق عزيز: "إننا نفهم سياستكم كما نراها الآن. إنكم تمارسون معنا، بالضبط، ما فعلتموه من قبْل مع الرئيس جمال عبدالناصر، سنة 1967".

الجلسة الثالثة

تحدث طارق عزيز، موضحاً أن العراق، أعلن، في 2 أغسطس 1990، أنه سيبدأ عملية انسحاب. وردّ عليه بيكر، موضحاً أن الانسحاب من الكويت، لم يتحقق.

ثم قال بيكر: "أرجوك، ألاّ تجعلوا قادتكم العسكريين يقنعونكم بأن الإستراتيجية، التي استخدمت ضد إيران، ستنجح هنا، وأنا أقصد المجتمع الدولي. إنكم، في الحقيقة، ستواجِهون قوة مختلفة تماماً. نحن سمعنا تصريحاتكم. إنه لو جرى هنا صراع جدي، ستكون هناك إصابات كثيرة. ولكن، في اعتقادنا، أن هذا لن يحدث" (أُنظر وثيقة نص المحضر العراقي محادثات وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر مع وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز في جنيف يوم الأربعاء، 9 يناير 1990).

وفي نهاية الجلسة، قال جيمس بيكر: "إنني لا أقترح عملاً خاصاً، في هذا الصدد، لاستجابتكم لقرارات الأمم المتحدة. أنا كنت أوضح فقط موقف الولايات المتحدة".

وردّ طارق عزيز: "ولكن، هذا ما نسمعه من مصادر مختلفة، منذ حصلت الأحداث الأخيرة". واستطرد قائلاً: "إننا لن نعترف بالقرار الأخير لمجلس الأمن، وكذلك القرارات الأخرى، لأنها ظالمة، ومجحفة، وصدرت، كأحكام غيابية، ضد بلد مستقل، هو العراق. لذلك، فالتعامل مع هذا التاريخ (يقصد 15 يناير 1991)، هو أمر متروك لكم، وأقول لك، بالنسبة لنا، الأمر لم يتغير. أنا قلت لكم، منذ بداية الأحداث، ونحن نتوقع العمل العسكري، وقبْل صدور القرار الأخير من مجلس الأمن". ثم اختتم طارق عزيز حديثه، قائلاً: "أنا مسرور، أن هذا اللقاء قد تم. صحيح أن الخلافات عميقة بيننا، ولكننا استطعنا تبادل وجهات النظر. ولو حصل هذا في وقت مبكر، ربما كنا حصلنا على نتائج أفضل. والآن، أنتم تضعون موعداً نهائياً. إن العمل، السياسي والدبلوماسي، له قواعده، ويجب أن تشعر الأطراف، التي تقبِل على العمل السياسي، بأنها ليست مهددة وموضوعة تحت مطرقة، ولكي تفكر، بشكل بناء، تفكيراً من النوع، الذي يفتح آفاق المستقبل، وليس باتخاذ قرارات تحت الضغط. هذا لم يكن سلاماً، هذا استسلام. ونحن لن نقبَل الاستسلام. وشرحت لك الأسباب الجوهرية، التي تدفعنا إلى هذا. نحن نريد سلاماً شاملاً، ودائماً، سلاماً قائماً على العدل والإنصاف والمشروعية الدولية. هذه هي رغبتنا المخلصة".

وطال الحديث على هذا النحو، لنهار كامل؛ لأن الرسالة الحقيقية في هذا الاجتماع، تركزت كلها في الساعة الأولى منه. أمّا بقية النهار، فقد استغرقتها ثلاث جلسات، اقتصرت على مناقشات وحجج، طالما سمعت من قبْل. وفي الغالب، فإن جيمس بيكر لم يكن لديه مانع من أن تطول الاجتماعات، حتى يوحي للعالَم، بأنه بذل جهده في مفاوضات جادّة، ولكن عناد العراق، حال دون وصولها إلى نتيجة.

ومع تعدد الجلسات، توجس بعض العواصم العربية، أن يكون الاجتماع قد تحول إلى مفاوضات، وأن تكون هذه المفاوضات قابلة للتحول إلى نتائج، خصوصاً أن أنباء كثيرة، رددها الرئيس بوش نفسه توقعت أن يقرر العراق الانسحاب، في اللحظة الأخيرة، خالقاً واقعاً جديداً، يحتاج التكيّف معه إلى طرق اقتراب أخرى. وكان ذلك، بالفعل، ما توقعه تقرير رسمي، قدَّمه وليام وبستر، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

وازداد توجس بعض العرب، حينما أعلن، في الساعة السابعة، من مساء 9 يناير، بتوقيت جنيف، أن الوزيرَين، الأمريكي والعراقي، سيعقدان مؤتمراً صحفياً، في قاعة المؤتمرات، في فندق "الإنتركونتننتال". وما لبثوا أن تنفسوا الصعداء، حينما ظهر جيمس بيكر، في قاعة المؤتمرات، وحده، ليبدأ كلامه قائلاً: "إنه سوف يتحدث بما عنده، أولاً. وبعده، سوف يتحدث طارق عزيز".

وبدأ بيكر كلامه، أمام أكثر من أربعمائة من رجال الإعلام، قائلاً: "تحدثت، للتو، مع الرئيس بوش. وأعطيته تقريراً كاملاً عن اجتماعنا، اليوم. وقلت له إن الوزير طارق عزيز وأنا، قد فرغنا من حوار دبلوماسي جدي، وطويل، بهدف الوصول إلى حل سياسي للأزمة في الخليج. إنني قابلت الوزير طارق عزيز، اليوم، ليس للتفاوض، لأن ذلك ليس في مقدورنا، كما أوضحت له؛ فقرارات مجلس الأمن ليست قابلة للتفاوض. إننا اجتمعنا، اليوم، بقصد الاتصال، وليس بقصد التفاوض. والاتصال معناه أن نسمع ونتكلم، وقد فعلنا ذلك. وكانت الرسالة التي نقلتها من الرئيس بوش، ومن شركائنا في التحالف، أن العراق، يجب أن يمتثل لقرارات الأمم المتحدة، وينسحب من الكويت، وإلاّ فإنه سوف يطرد منها بالقوة. وإنني لآسف، أن أقول لكم، أيها السيدات والسادة، إنني لم أسمع، اليوم، شيئاً، يدل على مرونة في موقف العراق، ولا على استعداد للامتثال لقرارات مجلس الأمن".

وبعد ذلك، غادر جيمس بيكر القاعة، ليدخلها طارق عزيز، الذي قال: "إنه جاء إلى هذا الاجتماع بقلب وعقل مفتوحَين وبنيّة صادقة. وإنه كان يتمنى أن يقع هذا الاتصال المباشر، بين الولايات المتحدة والعراق، في مرحلة مبكرة من الأزمة. فإن كل الفرص، التي كانت متاحة، أهدرت، فرصة بعد فرصة، حتى التقينا، هنا، في اللحظة الأخيرة". ثم قال: "إذا ما قررت الولايات المتحدة الاعتداء على العراق، فإن العراق لن يستغرب، فهو يسمع التهديد، كل يوم. وقد قلت للوزير بيكر إننا سندافع عن بلادنا، بكل قوة. وإن الشعب العراقي شعب شجاع، وإن الأمّة العربية، لن تقبَل إخضاع شعبها في العراق وكسر إرادته، لأن إرادته جزء من إرادتها".

وبعد انتهاء لقاء جنيف، توجَّه جيمس بيكر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المملكة العربية السعودية، للقاء الملك فهد. فبمقتضى الاتفاق السري بين واشنطن والرياض، لا بدّ من الحصول على إذن من الملك فهد، قبل الشروع في أي عملية عسكرية هجومية، قد تشن من بلاده. وقد طلب جيمس بيكر، الآن، هذا الإذن، ووافق الملك فهد، سريعاً، طالباً فحسب أن يتلقّى إيذاناً مسبقاً فحسب بالحرب، قبْل بدئها.

ووعد بيكر بأنه سيُبلغ هو نفسه الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة إلى واشنطن، قبْل أي هجوم. واتفقا على ضرورة وضع ترتيبات اتصال، شديدة الحذر، بين الأمير بندر، في واشنطن، والملك فهد، في الرياض. وحتى لا ينشغلا بنقل الرسائل، أو العثور على هواتف آمنة، اتفق الملك والأمير السفير على استخدام اسم رمزي، هو سليمان؛ وهو اسم أحد موظفي الأُسرة المالكة، حينما كان الأمير بندر طفلاً. فإذا ذكر بندر اسم سليمان، في مكالمة مع الملك فهد، فإن هذا يعني الحرب.

لقد أظهر الرئيس جورج بوش قدراً من المرونة، حينما وافق على لقاء وزير خارجيته وزير خارجية العراق، في حين كان يناقش، في الكونجرس، موضوع الحرب. ووافقت الإدارة الأمريكية، كحل وسط، على إيفاد جيمس بيكر إلى جنيف، في سويسرا، للقاء طارق عزيز. والغرض الوحيد، الذي حققته محادثات جنيف، هو أنها أثبتت، بشكل واضح، تشدّد كلٍّ من العراق والولايات المتحدة الأمريكية.

وبانتهاء محادثات جنيف، وجهت الإدارة الأمريكية كل اهتمامها إلى المناقشة، التي توشك أن تبدأ، في الكونجرس، حول الأزمة. وعلى مدى يومَين، دعا أعضاء من مجلسَي الشيوخ والنواب زملاءهم لتأييد أو رفض مشروع قرار، يمنح الرئيس سلطة استخدام القوات المسلحة للولايات المتحدة الأمريكية، في تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم 678. وكان العديد من الكلمات مقنعاً ومجدياً، كما كان العديد منها غير مقنع. غير أنه في يوم السبت، 12 يناير 1991، وافق الكونجرس، بمجلسَيه، على قرار مشترك، يخول الإدارة التنفيذية السلطة، التي تعتقد الإدارة أنها تملكها بالفعل. وجاءت نتيجة التصويت في مصلحة القرار 52 ضد 47، في مجلس الشيوخ، و250 ضد 183 في مجلس النواب[2]. وبذلك، منح الكونجرس الرئيس بوش التصريح بدخول الحرب. وتضمن القرار صيغة قرار الأمم المتحدة، في شأن "كل الوسائل الضرورية"، لكنه يرخص بشكل محدَّد "باستخدام القوة العسكرية".

ويمكن القول، في هذا الوقت، إن مسرح العمليات، قد أُجيد إعداده، سياسياً وعسكرياً. وحاز الرئيس الأمريكي تصديقاً من الكونجرس، لا يقيد حركته، بل قوى مركزه أمام العالم، وأمام الشعب الأمريكي. وإن العد التنازلي لبدء العمليات العسكرية، قد بدأ.

ثانياً: لقاء بيريز دى كويلار وصدام حسين

وفي 9 يناير 1991[3]وبعد فشل محادثات جنيف، اتصل الرئيس بوش، هاتفياً، من كامب ديفيد، بالأمين العام للأمم المتحدة وطلب منه الذهاب إلى بغداد، ولو لساعات، يقابل، خلالها، صدام حسين. وحاول دى كويلار أن يعتذر عن أداء المهمة، لعدة أسباب، أبرزها:

· إن الوقت تأخر، وإن العراقيين لن يأخذوا مهمته مأخذ الجدّ، وأغلب الظن، أنهم سيرونها نوعاً من "سد الخانات"، يستهدف إحداث أثر نفسي في العالَم، لا أكثر ولا أقلّ، وهو ما يسيء إلى هيبة الأمين العام للأمم المتحدة.

· إنه إذا كان لا بدّ أن يذهب، فهو يفضّل أن يكون ممثلاً لمجلس الأمن، وهو ما يتطلب دعوة هذا المجلس. وهنا قاطعه بوش بقوله، إنه تحت أي ظرف من الظروف، لا ينبغي دعوة مجلس الأمن؛ إذ إنه قد أصدر قراره، ودعوته، مرة أخرى، إلى إصدار تحذير، في اللحظة الأخيرة، لا يحل شيئاً، وإنما قد يعطل كل شيء.

· إنه مقيد باجتماع في أوروبا. ولا بدّ أن يكون هناك، يوم الإثنين، 14 يناير 1991.

ولم يكن الرئيس بوش على استعداد لقبول أعذار دى كويلار. وقد عرض الأمين العام أن يبعث ممثلاً شخصياً له إلى بغداد، ليذكرها بأن المهلة، التي حددها مجلس الأمن، قاربت يومها الأخير. إلاّ أن الرئيس الأمريكي، أصرّ، قائلاً: "إنه يريده أن يذهب إلى بغداد، ولو ساعة واحدة، ثم يتوجه منها إلى أوروبا"؛ إذ إن ذهاب الأمين العام للأمم المتحدة، شخصياً، وفي الدقيقة الأخيرة، سيجعل العالَم كله، يحس "مأسوية الموقف".

وكانت بغداد في دهشة من رسالة، جاءتها على غير انتظار، بعث بها الأمين العام للأمم المتحدة، يطلب موعداً عاجلاً مع الرئيس صدام حسين. وبعد ظهر السبت، 12 يناير 1990، وصل الأمين العام للأمم المتحدة إلى بغداد، في محاولة أخيرة لإقناع الرئيس صدام حسين بتنفيذ القرارات الدولية قبل انتهاء المهلة التي حددها مجلس الأمن في 15 يناير 1991. وأدلى بيريز دى كويلار في مطار بغداد بتصريح جاء فيه: "جئت بحسن النية والرغبة في التوصل إلى حل سلمي، لكنني مقتنع أيضاً بأنني أتيت برغبة المجتمع الدولي في حل سلمي". وأضاف أنه لا يعرف إلى متى سيبقى في بغداد.

ومساء يوم الأحد، 13 يناير 1991، كان دى كويلار جالساً وجهاً لوجه أمام الرئيس العراقي، ودار حوار بين الاثنين استمر وقتاً طويلاً، قال، خلاله، دى كويلار للرئيس صدام:

· "إنكم قدَّمتم خدمة عظيمة للقضية الفلسطينية، لأنكم وضعتم مستقبل الفلسطينيين على خريطة العالم. وحتى الرئيس بوش، حين قابلته، يوم السبت[4] اتفق معي على أن القضية الفلسطينية، تحتاج إلى حل. وأنا لست رجلاً ساذجاً، لأتصور أننا نستطيع أن نحل هذه المشكلة، الليلة. وكل ما أريده هو أن تعطيني شيئاً، أستطيع أن أبني عليه موقفاً، يزيل التوتر، وأن أحرم دعاة الحرب فرصة، يظنونها مواتية. وهذا هو كل ما عندي".

· "إنه يملك "دعم الاتحاد السوفيتي بالكامل"، كما عبر عنه الرئيس جورباتشوف، في 11 يناير 1991، وإنه التقى كلاًّ من الرئيس الفرنسي ووزير خارجية يوغوسلافيا، في 11 يناير 1991، في باريس، وكذلك عاهل الأردن، الملك حسين، مساء ذلك اليوم. إلاّ أن الأمين العام، من دون أن يكون في حوزته أي تفويض من مجلس الأمن، أو من التحالف، أو من الولايات المتحدة الأمريكية، فلن يستطيع أن يضمن للعراق أكثر من أنه لن يُهَاجم، إذا ما التزم بقرارات مجلس الأمن. كما أنه ليس في إمكانه أكثر من اقتراح خطط عامة، في شأن تقرير الكويت مصيرها، بما قد يزيل نظام حكم آل الصباح؛ وهو ما تعترض عليه واشنطن ولندن، بشدة، وتقديم الوعود بطرح القضية الفلسطينية للنقاش، في وقت لاحق.

بعد ذلك، مضى الرئيس صدام حسين في حديث طويل عن الأزمة، وصل فيه إلى القول:

· "إن العراق قدَّم مبادرات كثيرة لحل الأزمة، وكان على استعداد لقبول مبادرات كثيرة من غيره. ولكن الرئيس الأمريكي، كان يرفض كل واحدة منها، بعد ساعة من صدورها".

· "إن قرارات مجلس الأمن، في حقيقتها، قرارات أمريكية؛ ونحن في عصر أمريكي، والولايات المتحدة تحصل على ما تريده هي، وليس ما يريده مجلس الأمن".

· "إننا لا نستطيع أن نقول كلمة الانسحاب، في هذه اللحظة، بينما الجيوش الأمريكية تواجهنا، والحرب قد تقع في ظرف ساعات. وإذا قلت شيئاً عن انسحاب عراقي، دون أن يكون في مقابله شيء عن انسحاب أمريكي، فإن كل ما أكون قد حققته، في هذه الساعة، هو أن أعطي للأمريكان فرصة، لخلق بلبلة نفسية، تمكنهم من الانتصار علينا".

وقال بيريز دى كويلار، وهو يستأذن، وينهض قائماً: "إنني لم آخذ منكم شيئاً". وردّ عليه الرئيس صدام حسين قائلاً: "لو أنك راجعت حديثنا، وفكرت فيه، لوجدت أنك أخذت أشياء كثيرة". وردّ عليه دى كويلار: "إنني أشعر أن السيف خرج من غمده. والسيف مشهر على رأس العالَم، وليس على رأسي فقط".

خيمت أجواء الحرب على عواصم العالم مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده مجلس الأمن لانسحاب القوات العراقية من الكويت، بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، بيريز دى كويلار فشل مهمته في إقناع الرئيس العراقي بتنفيذ القرارات الدولية. وفي غياب أية مؤشرات إلى استجابة العراق لهذه القرارات، وضعت قوات التحالف الدولية في الخليج في حالة تأهب لساعة الصفر.

ثالثاً: محاولات الفرصة الأخيرة

وفي 14 يناير 1991، وفي محاولة عربية أخيرة، أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، مبادرة سلام يمنية، نقلتها إلى بغداد بعثة ضمت نائب الرئيس اليمني، حيدر أبو بكر العطاس. تشمل المبادرة على النقاط الست التالية:

1. تنسحب القوات العراقية من الكويت.

2. تحل قوات عربية ودولية في المنطقة المتنازع عليها بين العراق والكويت تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة.

3. تنسحب القوات الأجنبية الموجودة في المنطقة بمجرد قبول العراق لمبدأ الانسحاب من الكويت.

4. يلتزم مجلس الأمن الدولي بتنفيذ قراراته في شأن النزاع العربي ـ الإسرائيلي، من خلال، التعجيل بعقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط.

5. تتعهد الدول التي لها قوات بمنطقة الخليج والجزيرة العربية بعدم استخدام القوة ضد العراق.

6. ينتهي الحصار الاقتصادي المفروض على العراق بمجرد قبول أطراف النزاع لهذه المقترحات.

وفي الوقت نفسه، أعلن البيت الأبيض مساندته التامة لكل خطط وجهود السلام الأخيرة لإنهاء الأزمة "لكنه لا ينصح أي شخص بالتوجه إلى بغداد بعد 15 يناير الجاري.

وفي 15 يناير 1991، وقبل انتهاء المهلة بساعات، حاولت فرنسا بذل جهد أخير، في صورة مبادرة قدمتها إلى مجلس الأمن ترتكز على:

· إعلان العراق، من دون تأخير، عزمه على الانسحاب من الكويت استناداً إلى جدول زمني، مبرمج ومباشر، على أن يبدأ سريعاً ومكثفاً، من الفور.

· يتم ربط الأزمة العراقية ـ الكويتية مع النزاع العربي ـ الإسرائيلي، في وقت لاحق، وفي الوقت المناسب، بعد تنفيذ العراق كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالكويت.

وعلى الرغم من تأييد بعض الدول الغربية، ومن بينها ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا، للمبادرة الفرنسية، إلاّ أن وزير الخارجية الفرنسي، رولان دوما، أعلن أنه لم يصدر أي مؤشر ملموس عن العراق لقبوله المبادرة، قبل 12 ساعة من انتهاء المهلة.

رابعاً: ساعة بدء العمليات

في مساء 25 ديسمبر 1990، سُئل الجنرال نورمان شوارتزكوف عن الموعد، الذي يوصي به، بعد انتهاء موعد قرار مجلس الأمن، وهو 15 يناير 1991. فحدَّد الساعة الثالثة، من صباح 17 يناير، أي الساعة السابعة، مساء 16 يناير، بتوقيت واشنطن، أي بعد 19 ساعة فقط من انقضاء موعد الأمم المتحدة؛ فستكون هذه ليلة غير مقمرة، وهذا عامل حاسم، بالنسبة إلى قاذفات الشبح المقاتلة، من نوع (F-117 A). التي لن تُرى بالعين المجردة، إضافة إلى أن هذه الطائرات مجهزة للعمل من دون أن تلتقطها شاشات أجهزة الرادار العراقية. إضافة إلى أن الأرصاد الجوية، تشير إلى أن الجو سيكون صافياً. وقال القائد الأمريكي، إنه حين يبدأ الهجوم، سيغيّر اسم العملية من "درع الصحراء"إلى "عاصفة الصحراء".

وبادر كولين باول إلى إعادة صياغة الأمر التحذيري، المؤلَّف من صفحتَين، طالباً أن يكون شوارتزكوف جاهزاً لبدء "عاصفة الصحراء"، الساعة الثالثة، من صباح 17 يناير. وأرسل الأمر، باليد، إلى عدد من المسؤولين في البنتاجون، لمراجعته. ثم أُعدَّت صورة نهائية، ترسَل حين يعطي الرئيس جورج بوش تصريحه النهائي.

وفي الساعة العاشرة والنصف، من صباح الثلاثاء، 15 يناير 1991، اجتمع الرئيس الأمريكي جورج بوش، بمجلسه الداخلي: دان كويل وجيمس بيكر وريتشارد تشيني وبرينت سكوكروفت وكولين باول وجون سنونو وروبرت جيتس. وكان أمام الرئيس بوش مشروع توجيه الأمن القومي، السري جداً، الذي يتألف من صفحتَين.

وكان المشروع قد عُدِّل، ليتضمن شرطَين. فأصبح، الآن، يصرح بتنفيذ عملية "عاصفة الصحراء":

1. ألاّ يكون هناك تقدم دبلوماسي، في اللحظة الأخيرة.

2. وأن يكون الكونجرس قد أحيط علماً به إحاطة سليمة.

وعرض التوجيه، أساساً، حجج الإدارة لشن الهجوم سريعاً، عقب التاريخ المحدَّد. وذكرت أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، هي دفع العراق إلى ترْك الكويت. وأن كل الوسائل السلمية، بما فيها الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية وقرارات الأمم المتحدة، قد فشلت في إقناع العراق بالانسحاب، وأن الانتظار قد يكون مدمراً للمصالح الأمريكية، لأن العراق يواصل إرسال قوات إضافية إلى مسرح العمليات في الكويت، ويواصل نهبها واضطهاد شعبها، ولا بدّ من مهاجمة الجيش العراقي، دفاعاً عن القوات الأمريكية وقوات التحالف. كما أوصى التوجيه بتقليل الخسائر والأضرار المدنية في العراق، إلى أدنى حد، مع حماية القوات الصديقة، وضرورة حماية الأماكن الإسلامية المقدسة. ووقع الرئيس بوش التوجيه، الذي تُرك، عمداً، من دون تأريخ، على أن يضاف التاريخ والموعد، عند استيفاء الشرطَين. وصرح بوش لتشيني بتوقيع أمر تنفيذي رسمي، وإرساله إلى شوارتزكوف، في اليوم نفسه.

وفي صباح 16 يناير 1991، استدعى جيمس بيكر السفير السعودي إلى واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، إلى وزارة الخارجية، ليخبره بأن العملية ستبدأ تلك الليلة، السابعة مساء هنا، الثالثة صباحاً، في المملكة العربية السعودية. ومن الفور، اتصل الأمير بندر، بعد انتهاء مقابلته بيكر، بالملك فهد. وأخذا يتحدثان بضع لحظات. ثم قال السفير، وكأنه تذكر الأمر، للتو: "إن صديقنا القديم سليمان، سيصل في الساعة الثالثة صباحاً. وهو مريض، وسأقوم بنقله، وسيصل إلى هناك، في الثالثة صباحاً". فعرف الملك فهد ساعة الصفر. وهكذا، بدأت "عاصفة الصحراء".

[1] يذكر محمد حسنين هيكل "أن وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، أخرج مظروفاً، من ملف كان يحمله معه، ثم قال إن الرئيس جورج بوش طلب أن أسلمك هذا الخطاب لكي تسلمه بدورك إلى رئيسك. وتناول طارق عزيز المظروف، وأراد أن يضعه أمه على المائدة، ولكن جيمس بيكر طلب إليه أن يقرأه. وقال طارق عزيز: فهمت أن الخطاب موجه من رئيسك إلى رئيسي، فهل يحق لي أن أقرأه؟ وقال بيكر بصوت حول قدر ما يستطيع أن يجعل نبراته محايدة "إنني أقترح أن تقرأه لأن ما سوف نتحدث عنه اليوم متصل بما فيه".

[2] ذكر هيكل أن النسبة في مجلس النواب كانت 250 ضد 130.

[3] يقول محمد حسنين هيكل في كتابه، "حرب الخليج ـ أوهام القوة والنصر"، ص523. أن هذا اللقاء تم في 12 يناير في حين تذكر "موسوعة حرب الخليج ـ اليوميات ، الوثائق ، الحقائق"، ج 1، ص 299، أن دي كويلار وصل إلى بغداد، بعد ظهر يوم 12 يناير، قادما من عمّان، التي وصلها مساء 11 يناير، وأجرى مباحثات مع الملك حسين فور وصوله. ويقول جون كوولي، في كتابه، "الحصاد ـ حرب أمريكا الطويلة في الشرق الأوسط"، ص 367، أن دي كويلار التقى كلاً من الرئيس الفرنسي ووزير خارجية يوغسلافيا، في 11 يناير 1991، في باريس، وكذلك عاهل الأردن، الملك حسين مساء ذلك اليوم، في عمّان.

[4] المقصود هو يوم السبت، 5 يناير 1991، حيث طلب الرئيس الأمريكي، جورج بوش، من الأمين العام للأمم المتحدة، بيريز دي كويلار، في لقاء تم بينهما في كامب ديفيد، أن يقوم بزيارة منطقة الخليج، ولكن دي كويلار طلب تأجيل الزيارة إلى ما بعد انتهاء محادثات جنيف بين جيمس بيكر، وطارق عزيز المزمع عقدها في 9 يناير 1991، حتى لا يعكر أجواء المحادثات.