العراق الكويت: الجذور الغزو التحرير - النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت

من معرفة المصادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

أظهرت عملية غزو الكويت، في 2 أغسطس 1990، سلسلة غريبة من الأحداث، على مدى سبعة أشهر، تُوجت بانتصار قوات التحالف على الجيش العراقي، وتحرير الكويت. كانت حرب الخليج هي أول اشتباك وأضخمه عقب نهاية الحرب الباردة. وكان الانتصار فيها إثباتاً لتفوّق إستراتيجية التحالف، وفاعلية التعاون الدولي، وتطوُّر التقنية. وكان انتصار التحالف انتصاراً عسكرياً كبيراً، وجيوسياسياً (Gio Politics) مهماً، سوف يؤثّر في طبيعة الصراعات، وتطوُّر العلم العسكري ونُظُم فن الحرب، في المستقبل.

وربما لا يتكرر بعض ملامح هذه الحرب، في الصراعات المقبِلة. ولكن الخبرة المكتسبة منها، تتضمن مؤشرات مهمة إلى تحديات المستقبل، والوسائل الفاعلة في مواجهتها.

وعقب كلّ حرب، يعكف الخبراء، في مختلف المجالات، على دراسة مجريات الأمور، بدءاً من أسباب التوتر وتصاعده إلى مستوى الصراع المسلح، ومروراً بدراسة العمليات القتالية وتحليلها، وتحديد نقاط القوة والضعف لكلا الجانبَين، وانتهاءً إلى استقراء النتائج والخروج بالدروس المستفادة.

وتتميز حرب تحرير الكويت، بأنها وقعت بعد انتهاء الحرب الباردة، وفي فترة تعاظمت فيها التقنية في كثير من المجالات الحيوية، كالتسليح وتطوُّر أساليب القتال وفن الحرب؛ واستخدمت مصطلحات جديدة في الفكر العسكري، مثل "السيادة المعلوماتية"؛ وبرز استخدام الفضاء، أول مرة في تاريخ الحروب، بل أصبح البُعد الرابع للحرب، جنباً إلى جنب مع الأبعاد الثلاثة الأخرى: البري والبحري والجوي.


المبحث الأول: النتائج والدروس المستفادة، على المستويين السياسي، والعسكري الإستراتيجي

أولاً: النتائج والدروس، على المستويَين، السياسي والعسكري 1. النجاح في الفصل بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات العسكرية

لم يشهد التاريخ العسكري، قبْل حرب تحرير الكويت، فصلاً تاماً بين المسؤوليات، السياسية والعسكرية، التي طالما تعارضت وتداخلت في الحروب السابقة.

ففي حرب فيتنام، مثلاً، كان تدخّل السياسيين الأمريكيين في الأمور العسكرية التفصيلية، أحد أسباب عدم نجاح كثير من العمليات العسكرية. والنتيجة النهائية لهذه الحرب، كانت انعكاساً واضحاً لهذا التدخل. وأصبحت "عقدة فيتنام" كابوساً مؤرقاً، للسياسيين والعسكريين على السواء.

كذلك، في حرب أكتوبر 1973، فعلى الرغم من رفض قائدَي الجيشَين الميدانيَّين، الثاني والثالث، مبدأ تطوير الهجوم، على أساس أن الموقف العسكري، لا يسمح بذلك، فضلاً عن أن سحب جزء كبير من الأنساق الثانية المدرعة، المتمركزة غرب القناة، للعبور إلى شرق القناة، سيخل بالتوازن العسكري للجبهة برمّتها ـ فإن القيادة السياسية تدخلت، في إطار تخفيف الضغط على الجبهة السورية، فارضة قرارها تطوير الهجوم شرقاً، في 14 أكتوبر 1973. فانتهزت إسرائيل فرصة سحب جزء كبير من القوات المصرية، المتمركزة غرب القناة، إلى شرقها؛ وشنت هجوماً مضاداً، عَبرت فيه إلى غرب قناة السويس، مُحْدِثة خللاً في الجبهة المصرية.

أما في حرب الخليج، فوِّضت القرارات العسكرية إلى القادة العسكريين. وشُكلت قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، التي أصبحت مسؤولة عن التخطيط والتنفيذ والإدارة، بتفويض من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

واستفاد العسكريون الأمريكيون ممّا سمّي قانون "جولدووتر ـ نيكولاس"[1]، وتوخّى هذا القانون تجنّب الأخطاء المرتكبة في حرب فيتنام، حيث لم يكن الجنرال وستمورلاند (Westmoreland)، القائد العام الميداني، وقتئذٍ، يسيطر على القوات الجوية، التي كانت توجِّه الضربات ضد خطوط الإمداد، وتضطلع بالقصف الإستراتيجي ضد فيتنام الشمالية. ولم يكن له، كذلك، أدنى سيطرة على العمليات البحرية، خارج المياه الإقليمية.

وسعى هذا القانون، كذلك، إلى تلافي أخطاء عسكرية قاتلة، نجمت عن تدخّل السياسيين في سير العمليات العسكرية؛ وإصدار الأوامر من رؤساء أركان الجيش والقوات، الجوية والبحرية، إلى القائد العام الميداني مباشرة، وعدم وجود أي تنسيق بين الأفرع الرئيسية؛ إضافة إلى تقييد صلاحيات رئيس هيئة الأركان المشتركة، بل تجاهله، ضمن سلسلة القيادة من الرئيس الأمريكي إلى القائد العام الميداني.

وقد حدد القانون، فضلاً عن إعادة تنظيم وزارة الدفاع الأمريكية، صلاحيات رئيس هيئة الأركان المشتركة، وصلاحيات رؤساء أركان الأفرع الرئيسية، وصلاحيات القادة الميدانيين في مسرح العمليات[2]. الدروس المستفادة من حرب فيتنام أ. ضرورة جعْل القائد الميداني، هو المسؤول الوحيد عن تخطيط المهام القتالية وتنفيذها؛ والمسيطر على كافة وحدات وتشكيلات القوات، البرية والجوية والبحرية، ومشاة البحرية، في مسرح العمليات. ب. أهمية منْح رئيس هيئة الأركان المشتركة (مستوى الولايات المتحدة الأمريكية) أو رئيس الأركان العامة (الدول الأخرى) صلاحيات، تمكّنه من: (1) التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة. (2) التقدير المستمر لقدرات العدائيات المحتملة، في مواجهة قدرات الدولة. (3) المحافظة على الاستعداد القتالي للأفرع الرئيسية والتشكيلات والوحدات، وبناء نظام للتقييم المستمر لهذا الاستعداد. (4) تطوير عقائد العمليات المشتركة. (5) اقتراح احتياجات الموازنة، التي توافق التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة. (6) رفع التقارير إلى وزير الدفاع، في شأن موقف القوات المسلحة وأوضاعها وحالتها؛ ومقترحاته لرفع مستوى استعدادها القتالي. ج. ضرورة التحديد الواضح للمسؤولية، السياسية والعسكرية؛ فتكون القيادة السياسية مسؤولة عن اتخاذ القرارات الإستراتيجية. وتتولى القيادة العسكرية مسؤولية التخطيط والإعداد والتنفيذ للقوات المسلحة، في إطار التوجيهات المحددة للدولة. على أن يُحدد من خلال هذه المسؤوليات ما ينبثق عنها من إجراءات وقواعد لازمين للتنسيق والتعاون، ومسارات الأوامر والتوجيهات والتعليمات، والتقارير والتبليغات. 2. العلاقة الوُثْقَى بين السياسة والحرب

عندما كتب المفكر الإستراتيجي كارل فون كلوزفيتز (Carl Van Clausewitz)، في أوائل القرن التاسع عشر، أن الحرب امتداد للسياسة، كان يقصد، أن الدول تلجأ إلى الأعمال العسكرية النظامية، لتحقيق أهدافها السياسية.

وقد أضيف إلى هذا الرأي إضافة جديدة، وهي أن النصر أو الهزيمة في الحرب، إنما يعتمد على النجاح أو الفشل في السياسة. وطبقاً لذلك، فإن ممارسات الرئيس العراقي، صدام حسين، لم تكن سديدة. وعلى الرغم من كثرة أخطائه العسكرية، إلا أن أخطاءه القاتلة، كانت كلها سياسية؛ إذ أخفق في إدراك الأهمية، التي يُوليها المجتمع الدولي للكويت، بل للاستقرار السياسي في منطقة الخليج. ولو أنه عكف على دراسة أزمة عام 1961، واستخلص منها العظات والعِبر، لما أقدم على عدوانه ذاك، بعد ثلاثين عاماً[3].

وسابقة أخرى، غفل عنها صدام حسين، هي نشر الولايات المتحدة الأمريكية قِطعها البحرية، لحماية ناقلات النفط الكويتية، التي كانت ترفع العلم الأمريكي، في المراحل الأخيرة للحرب العراقية ـ الإيرانية، ردّاً على مبادرة سوفيتية، لحماية تلك الناقلات؛ وهو ما يؤكد أن واشنطن لن تتردد في استخدام القوة، لضمان تدفّق النفط وتأمين حرية الملاحة البحرية، وتحقيق استقرار الأنظمة السياسية في الخليج.

هكذا، يصعب فصْل العمليات العسكرية عن الممارسات السياسية. إذ لا بدّ أن يحاط العسكريون علماً بأبعاد الموقف السياسي. وفي الوقت نفسه، لا بدّ من وقوف القيادة السياسية على القدرات العسكرية لقواتها المسلحة.

وعكْس ذلك، ما حدث قُبيل حرب يونيه 1967، حين كان الرئيس المصري، جمال عبدالناصر، يتلقى تقارير غير دقيقة، من المشير عبدالحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة، في شأن الاستعداد القتالي للقوات المسلحة المصرية، وقدرتها على تلقي الضربة الأولى الإسرائيلية. ومن الواضح، أن المشير، لم يكن مُلمّاً بالمواقف السياسية، على الصعيدَين، الإقليمي والدولي؛ إذ لم يدرك أن إسرائيل، لن تتوانى، لحظة، إذا ما سنحت لها الفرصة، في كسْر شوكة القوة العربية الوحيدة، التي يمكن أن تُشكل تحدياً لها؛ وأن ذلك العمل، سيوافق رغبة الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا، بناءً على معلومات غير كافية، ونصيحة غير شافية، راهن عبدالناصر في سيناء، وخسر الرهان.

وكذلك، لم يعِ الرئيس العراقي، عام 1990، طبيعة التفاعلات والعلاقات داخل النظام الدولي. كما لم يدرك قدرات جيشه وفاعليته والمصير الذي سيؤول إليه، عند مواجهته قوات دولة عظمى. كانت حساباته السياسية خاطئة، إذ اعتقد أن في إمكانه تجنُّب الحرب. وكانت حساباته العسكرية خاطئة، كذلك، إذ اعتقد أن في إمكانه تجنُّب الهزيمة.

الدروس المستفاد من العلاقة الوُثْقَى بين السياسة والحرب أ. أهمية الربط الوثيق بين السياسة والحرب، من خلال منهج واضح، يُحدد أسلوب التعاون بين القيادات، السياسية والعسكرية. ب. ضرورة إلمام القادة العسكريين بالموقف السياسي، الإقليمي والدولي، حتى يتسنَّى لهم تحديد الأفكار والتهديدات المحتملة وتقييمها، وتقديم المشورة الدقيقة الصادقة إلى القيادة السياسية. 3. تهيئة المسرح السياسي الدولي

حرصت القيادة الأمريكية على تهيئة المسرح السياسي الدولي، لقبول الحل العسكري. فاعتمدت المواقف التالية: أ. دعوة " الجماعة الدولية برمَتها "، منذ بداية الأزمة، إلى التصدي للعراق؛ في الوقت الذي استعرضت فيه الحكومة الأمريكية كافة الخيارات الممكنة، في ردها على ذلك العدوان. ب. إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، في 3 أغسطس 1990، في بيانها المشترك مع الاتحاد السوفيتي ، تفاصيل الحل السلمي للأزمة، بعد امتثال العراق قرارات مجلس الأمن. أما إذا عجزت تلك القرارات عن تحقيق الحل، فإن واشنطن ستتخذ خطوات إضافية، تلائم ميثاق الأمم المتحدة. وبذلك، تؤثِر الحل السياسي للأزمة؛ ولكنها تصرّ، كذلك، على عودة الوضع إلى ما كان عليه قبْل 2 أغسطس 1990. ج. تأكيد الرئيس الأمريكي، بوش، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الأول من أكتوبر 1990، " أن الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم استخدام العقوبات، لدفع حكام العراق إلى الانسحاب الفوري من الكويت، ومن دون شروط .. أريد أن أركز، كذلك، في أننا نأمل، في الأمم المتحدة، ألاّ نستعمل القوة العسكرية أبداً. وإننا نسعى إلى حل سلمي، ودبلوماسي. وأعتقد أنه بعد الانسحاب العراقي، غير المشروط من الكويت، قد تظهر فرص، لكي يحل العراق والكويت خلافاتهما حلاًّ دائماً ". د. وأكد ذلك وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بقوله: " إن العمل الفعال الوحيد، الذي يمكننا اتخاذه، الآن، هو الاستمرار في زيادة عزل العراق، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ". هـ. إعلان الرئيس بوش، في 30 أغسطس 1990، " أن التوصل، إلى تسوية أزمة الخليج، من طريق التفاوض، هو أمر صعب، بسبب رفض الرئيس العراقي مطالب الأمم المتحدة بالانسحاب من الكويت ". و. تأكيد جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية، في 29 سبتمبر 1990، تزايد الاهتمام الدولي بعمل عسكري، يجبر العراق على الانسحاب من الكويت، في حالة فشل الجهود الدبلوماسية. وتأكيده، كذلك، في 3 أكتوبر، أن المجتمع الدولي يتزايد تأييده إجراءً عسكرياً، تبيحه الأمم المتحدة، لإرغام العراق على الانسحاب من الكويت. ولكنه أضاف أن بلاده، ما زالت تفضّل الحل السياسي للأزمة. ز. حرْص الرئيس بوش، في تقريره إلى الكونجرس، في 16 يناير 1991، على القول إنه "لن تكون هناك فيتنام أخرى. وإن القوات الأمريكية، ستحظى بأكبر دعم، من العالم كله، وإنها لن تكون مقيدة".

وحدد، في تقريره، في اليوم نفسه، أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية أزمة الخليج، كما يلي: (1) الانسحاب العراقي الفوري، غير المشروط، من الكويت. (2) عودة حكومة الكويت الشرعية. (3) حماية المواطنين الأمريكيين، في الخارج. (4) تحقيق أمن منطقة الخليج واستقرارها، نظراً إلى حيويتها، بالنسبة إلى الأمن القومي الأمريكي. ح. وأوضح، في التقرير عينه، دواعي اللجوء إلى القوة ضد العراق وهي: (1) قصور العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق، على إخراج صدام حسين من الكويت. (2) عجز كافة الوسائل الدبلوماسية، وسائر الوسائل السلمية، عن إرغام العراق على امتثال قرارات مجلس الأمن. (3) إخفاق جميع المحاولات الأخرى لإجبار العراق على الانسحاب. ط. تبرير الرئيس الأمريكي، في 30 يناير 1991، استخدام القوة بقوله: "لقد عملنا جاهدين لتفادي الحرب. ولأكثر من خمسة أشهر، جرّبنا، بالاشتراك مع الجامعة العربية، والمجموعة الأوروبية، والأمم المتحدة، كلَّ سبيل دبلوماسي. وقد عمل من أجْل التوصل إلى حل للأزمة، كلُّ من الأمين العام للأمم المتحدة، بيريز دى كويلار؛ والرؤساء جورباتشوف، وميتران، وأوزال، ومبارك، وبن جديد؛ والملكَين فهد، والحسن؛ ورئيسَي الوزراء ميجور، وأندريوتي، وسواهم. وفي كل مرة، كان صدام حسين يرفض، صراحة، الدبلوماسية والسلام ". ي. تأكيد شرعية جميع الإجراءات الدولية ضد العراق، من خلال قرارات مجلس الأمن الاثني عشر، ولا سيما منها القرار الرقم 678، الذي اتخذ، بتأييد دولي، ذريعة من أجْل إخراج العراق من الكويت، باستخدام القوة. أ. نقاط القوة والضعف (1) نجاح قوات التحالف في حشد التأييد الدولي، لتنفيذ العمل العسكري. وارتكاب القيادة العراقية العديد من الأخطاء، التي أدت إلى عزلها، عالمياً وإقليمياً، بل إلى تصعيد موقف معادٍ لها. (2) تجاهل التأييد المتصاعد، الدولي والمحلي، لسياسة الرئيس بوش في معالجة الأزمة، إذ راهن صدام حسين على عدم إقدام التحالف على المواجهة العسكرية، مرتكباً واحداً من أهم أخطائه. (3) ج. نجاح التحالف الدولي في تطبيق سياسة ذات محورَين متوازيَين: (أ) السعي إلى حل دبلوماسي، لإبراز أن العراق غير جادّ في انسحابه. (ب) الإعداد لعمل عسكري. ب. الدروس المستفادة من تهيئة المسرح السياسي، نجملها في الآتي: (1) أهمية تأمين القرار الإستراتيجي، قبْل اتخاذه، بضمان حدٍّ أدنى من التأييد، الدولي والإقليمي. وهو ما افتقده قرار العراق غزو الكويت. (2) ضرورة تهيئة الرأي العام الداخلي، وإعداده لتقبّل نتائج القرار السياسي / العسكري ومساندته. وهو ما حققه الرئيس بوش، على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية. (3) ضرورة إعداد المسرح السياسي، قبْل الإقدام على قرار إستراتيجي، قد يؤدي إلى الحرب؛ وهو جزء من إدارة الأزمة. (4) أهمية إدارة الأزمة، في أربعة محاور متوازية ومتناسقة: · المحور السياسي: يضمن تأييداً دولياً، ويفرض قرارات دولية، تجبر الخصم على تنفيذها، تحت ضغوط اقتصادية، أو تلويحاً بردع عسكري. · المحور العسكري: يعتمد على حشد القوات، القادرة على تنفيذ القرار السياسي، حالة فشل التحرك الدبلوماسي. · المحور الاقتصادي: يرمي إلى فرض عقوبات ضد الخصم، ترغمه على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. · المحور الإعلامي: يتوخّى حشْد التأييد، الدولي والشعبي، لمساندة العمل العسكري، حالة فشل المحوران الآخران في تحقيق أهدافهما[4]. (5) أهمية عدم اللجوء إلى تصعيد الموقف، السياسي والعسكري، منذ اللحظة الأولى، مع اللجوء إلى الوسائل الأخرى، إلى حين اكتمال الاستعداد للعمل العسكري. 4. الإعداد للدفاع، خدمة للإستراتيجية

   لعل من أهم النتائج، التي حققتها الحرب، هي ضرورة إعداد الدولة للدفاع، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، خلال مرحلة الإعداد للصراع المسلح، على أن يخدم ذلك الإعداد تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
   وتتصدر القوات المسلحة أولويات الإعداد للدفاع، كونها الأداة الرئيسية للدفاع عن الدولة؛ فتحظى بالتنظيم والتسليح وتحديد حجمها والتدريب والتخطيط الإستراتيجي لاستخدامها، في ضوء السياسة العسكرية للدولة، النابعة من سياستها العامة.
   والمشكلة، التي واجهت دول مجلس التعاون الخليجي، عام 1990، أن حجم قواتها، وتخطيطها الإستراتيجي للدفاع[5]، لم يكونا قادَرين على مواجهة عدوان صدام. كما لم تكن قوة "درع الجزيرة"، الجناح العسكري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، قوية إلى الحدّ، الذي يمكّنها، وحدها، من ردع العراق أو التصدي له. ومن ثَم، كانت الصعوبات، التي واجهت دول المجلس، في البداية، هي مواجهة هذا التهديد، وحدها، من أجْل تحقيق أمنها الوطني.
   وتحديد حجم القوات المسلحة، القادرة على ردع التهديد، يتوقف على ذلك التهديد المحتمل. إذ إن حليف الأمس، قد ينقلب إلى عدو اليوم؛ كالعراق، الذي أغدقت عليه كافة دول مجلس التعاون دعمها، مادياً واقتصادياً وإعلامياً، أثناء حربه مع إيران، إذا به، بعد انتهاء الحرب، يتنكرها، وأمسى يهدد أمنها.
   كذلك، أكدت الأزمة سداد السياسة، التي تبنّتها المملكة العربية السعودية، في إعداد مسرح العمليات، من خلال إنشاء بنية أساسية عملاقة؛ وتشييد المدن العسكرية، في المناطق الحيوية حول المملكة؛ وإنشاء القواعد الجوية والمطارات والموانئ. وهو ما يمكنّها من مواجهة احتمالات الموقف العسكري، في شتى الاتجاهات الإستراتيجية. ولولا تلك الاستعدادات الطموح، الضخمة، والباهظة النفقة، إضافة إلى العمق الإستراتيجي للمملكة، وهو عنصر مهم وحيوي ـ لأضحى صعباً، بل مستحيلاً على القوات، العربية والإسلامية والغربية، أن تهبّ إلى مساندة المملكة؛ ولأمست هي وجيرانها الخليجيون، ضحية عدوان صدام. ولا شك أن الحشود الضخمة، من الجنود والأسلحة والمعدات والطائرات والسفن والتجهيزات، هي أعظم حشود، شهدها العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما لم يكن ليتأتى، لولا إعداد مسرح على مستوى عالٍ، داخل المملكة.
   

ناهيك أن نشاط السياسة الخارجية للمملكة، إلى إعداد الرأي العام العالمي، في مصلحة الحرب، ومن أجْل إضعاف قدرات العراق، السياسية والاقتصادية والعسكرية ـ بدأ منذ اللحظة الأولى لغزو العراق الكويت، واستمر حتى تحريرها.

كما أن حشد الطاقات الاقتصادية الوطنية، لدول مجلس التعاون، كانت الدعامة الأساسية لمواجهة العدوان، وتوفير مطالب 37 دولة، قدِّر تعداد أفرادها بنحو 750 ألف فرد، وبما معهم من المعدات والأسلحة والطائرات والسفن. وهي المطالب، التي شملت كافة الجوانب، من إيواء وغذاء ومياه ووقود ونقل وغيرها، والتي ما كان لها أن تتحقق، لولا الإعداد الجيد، خلال مرحلة إعداد الدولة للدفاع.

وعلى الرغم مما أبرزته الحروب السابقة، من أهمية إعداد الدولة للدفاع (الحرب)، فإن حرب الخليج، تميزت بإبراز العديد من الدروس المستفادة من إعداد الدولة للدفاع. أ. الدروس المستفادة من إعداد الدولة للدفاع (1) إيلاء القوات المسلحة العناية الملائمة، التي تتيح لها إمكانات، تجعلها قادرة على مواجهة مطالب الدولة، السياسية والعسكرية، وتأمين ترابها الوطني. (2) تطور النظرة إلى القوات المسلحة، بالاعتماد على النوع، قبْل الكم. والتخطيط لتحقق التطوير المنشود تخطيطاً عملياً، يستند إلى الدراسة والتحليل. (3) دراسة العدائيات المحتملة، في شتى الاتجاهات، دراسة، توفر التفوق النوعي والعددي، وتهتم بالخيارات البديلة، التي تعوض عن النقص في قوة ما، بالزيادة في قوة الأخرى، فتعوّض بزيادة القدرة النيرانية، مثلاً، عن النقص في القوة البشرية؛ أو تعوّض بالأسلحة الطويلة المدى، الدقيقة التوجيه، عن النقص في القاذفات أو حجم القوة. (4) تحديد حجم القوات المسلحة للدولة ومطالبها، من القوة البشرية والأسلحة والمعدات والمنشآت، واستخدامها في ضوء: · السياسة العسكرية للدولة، النابعة من سياستها العامة. · الإستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة، المنبثقة من الإستراتيجية الشاملة للدولة. · الأهداف العسكرية للقوات المسلحة. (5) تسخير الاقتصاد الوطني لخدمة إعداد الدولة للدفاع، بدءاً من شق الطرُق، وبناء الجسور، وحفر الأنفاق، وانتهاءً إلى إنشاء الصناعات العملاقة، التي تدعم المجهود الحربي، في حالة الحرب، وتوفير الموارد اللازمة لبناء القوات المسلحة وتطويرها. (6) توفير القوة لحماية الثروة، والقوة لا تقتصر على تكديس السلاح فقط، وإنما تتجاوزه إلى المقومات الخمسة للدولة: العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والجغرافية. (7) أفكار ليدل هارت، لا تزال صالحة، حتى اليوم، ولا سيما قوله بأهمية بناء جيش محترف، خفيف الحركة، وعالي التدريب، وهو ما تفتقده دول العالم الثالث، في الوقت الحاضر. إن التحدي الذي تواجهه هذه الدول هو بناء جيش، يستند التعيين والنقل والترقية فيه، إلى الاستحقاق؛ ويتركز على الثقة والمهارة، إضافة إلى التقاليد والأخلاق العسكرية، كالانضباط والطاعة والولاء.



[1] جولدووتر : "باري موريس جولدووتر"، سيناتور عن ولاية أريزونا، وكان ضابطاً بالقوات الجوية الأمريكية. وصل إلى رتبة اللواء، وعمل رئيساً للجنة الاستخبارات بالكونجرس، ورئيساً للجنة القوات المسلحة بالكونجرس. نيكولاس: "وليم فلاينت نيكولاس" عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية ألباما. اشترك في الحرب العالمية الثانية، حيث خدم خمس سنوات بالمسرح الأوروبي. تولى عدة مناصب إدارية، ومثل ولاية ألباما عن الحزب الديموقراطي منذ عام 1959. [2] حدد القانون العديد من صلاحيات كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة، ورؤساء أركان الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، والقادة الميدانيين وكان أبرزها: · أصبح رئيس هيئة الأركان المشتركة، المستشار العسكري لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع. · منح رئيس هيئة الأركان المشتركة صلاحية التشاور والتنسيق مع رؤساء الأركان الآخرين، والقادة الميدانيين، وفرض توجيهاته وتعليماته للتنفيذ. · أصبح لرؤساء أركان الجيش والقوات الجوية والقوات البحرية وقائد مشاة البحرية عملان في وقت واحد: أولهما، أنهم مستشارون لرئيس هيئة الأركان المشتركة ومن خلاله لوزير الدفاع. وثانيهما، مسؤوليتهم الكاملة عن تدريب قواتهم وإمداداتها لضمان جاهزيتها للقتال.

 كما حدد القانون مسؤوليات رئيس هيئة الأركان المشتركة، والتي تتلخص في الآتي:

· التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة الأمريكية ـ التقدير المستمر لقدرات العدائيات المحتملة في مواجهة قدرات القوات المسلحة الأمريكية. · رفع التقارير إلى وزير الدفاع مبيناً نقاط القوة والضعف في الأفرع الرئيسية المختلفة، وكيفية استخدام الموارد المتاحة أفضل استخدام. · بناء نظام للتقييم المستمر للاستعداد القتالي في الأفرع الرئيسية والتشكيلات والوحدات. · اقتراح احتياجات الموازنة التي تتفق مع التخطيط الإستراتيجي للقوات المسلحة. · تطوير عقائد العمليات المشتركة · وضع وكالات الدفاع المختلفة والأنشطة الميدانية تحت سيطرة رئيس هيئة الأركان المشتركة أو سيطرة وزير الدفاع. · حدد القانون أسلوب تدريب الضباط على تنفيذ مهامهم في العمليات المشتركة، وأسلوب الترقية إلى الرتب العليا. · جعل هذا القانون القائد العام الميداني هو المسؤول وحده عن تنفيذ المهام القتالية، وله السيطرة على جميع وحدات وتشكيلات القوات البرية والجوية والبحرية في مسرح العمليات. [3] في عام 1961: عندما هدَّد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم باحتلال الكويت، دفعت بريطانيا ـ وكانت القوة المسيطرة في الخليج آنذاك ـ بقواتها إلى المنطقة لإحباط محاولته. كان التدخل من جانب بريطانيا، ثم من جانب جامعة الدول العربية في أزمة الكويت، في ذلك الوقت، يعني أن كلاَّ من بريطانيا والدول العربية مصمَّمة على منْع العراق من بسط هيمنته على منطقة الخليج بأسْرها. [4] في ضوء التقدم التكنولوجي الكبير في نظام الاتصالات والمواصلات، أصبح الإعلام أحد القوى المؤثرة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي، ومن ثم يستطيع الإعلام من خلال الوسائل المختلفة " المسموعة ـ المقروءة ـ المرئية " من حشد قوى الرأي العام لتأييد القرار السياسي أو العسكري. [5] يعتبر التخطيط الإستراتيجي بمثابة العمود الفقري لإعداد القوات المسلحة، حيث يعني أساساً باستخدامها في الحرب وتأمينها إستراتيجياً وعملياتياً. ويشمل هذ التخطيط على خطة استخدام القوات المسلحة ككل، والأفرع الرئيسية تفصيلاً، وخطة التعبئة والفتح الإستراتيجي وبناء التجميعات الإستراتيجية والعملياتية وخطة الاستطلاع الإستراتيجي إضافة إلى خطة الخداع. [6] كانت الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على توصيل 0.9 مليون طن ميل في اليوم بكوريا "خلال الحرب الكورية"، 1.7 مليون طن ميل في النقل الجوي إلى برلين، 4.4 مليون طن ميل خلال ذروة النقل الجوي إلى إسرائيل في حرب أكتوبر1973. [7] وصل حجم القوات الأمريكية في 15 سبتمبر 1990 إلى نحو 157 ألف جندي، ومعهم 385 دبابة، 276 قطعة مدفعية، 38 قاذف صواريخ متعددة الأدلة ، 389 تاو، 1043 طائرة ذات اجنحة، 117 طائرة عمودية هجومية. وفي منتصف أكتوبر زاد حجمها ليصل إلى 589 دبابة، 456 قطعة مدفعية، 48 قاذف متعدد الأدلة، 261 طائرة عمودية هجومية، 668 طائرة عمودية انواع أخرى. أما القوات الجوية فقد وصلت إلى إجمالي 830 طائرة قتال، و1150 طائرة أنواع أخرى، كما تم فتح حاملة الطائرات جون كينيدي لتحل محل الحاملة أيزنهاور في البحر الأحمر، وحاملة الطائرات ساراتوجا لتحل محل الحاملة أندبندانس في بحر العرب. [8] قد يضم مسرح الحرب على مستوى الدولة عدد من مسارح العمليات، ويمكن أن يمتد هذا المسرح خارج حدود الدولة في ضوء سياستها العسكرية وأهدافها الإستراتيجية. [9] الفيلق السابع يضم 1200 دبابة، 1046 عربة قتال مدرعة برادلي (م ـ 2/3). أما الفيلق 18 وهو الفيلق الذي تم فتحه مع بداية الأزمة، فكان يتكون من 738 دبابة، 647 عربة قتال مدرعة (م ـ3) كما تم مضاعفة حجم قوة المشاة البحرية. كما زيدت حجم القوات البرية البريطانية والفرنسية والمصرية، حيث تم فتح القوات الإضافية قبل بدء الحملة الجوية أي قبل 17 يناير 1991 (الفرقة الأولى المدرعة البريطانية والفرقة السادسة الخفيفة الفرنسية والفرقة الرابعة المدرعة المصرية). [10] كان مقرراً أن يتم شن الهجمات بالفيلق السابع في اليوم الثاني للقتال، متزامناً مع هجوم القوات المصرية والسعودية والكويتية بالمنطقة الشمالية، وإزاء سرعة التقدم كان لا بد من ضغط الجدول الزمني الأساسي. لهذا السبب ثم تغيير توقيت الهجوم الرئيسي من الرابعة من صباح يوم 25 فبراير 1991 إلى الرابعة من عصر يوم 24 فبراير 1991، أي أن الموعد تم تقديمه أثنتى عشرة ساعة.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المبحث الثاني: النتائج والدروس المستفادة، من دور الأفرع الرئيسية للقوات

أولاً: دور القوات الجوية

يرجع الفضل الأكبر في الانتصار الحاسم، في حرب الخليج، إلى الفاعلية المؤثرة للقوات الجوية. وشكلت تلك الفاعلية مفاجآت كاملة للقيادة العراقية. وظهر ذلك في ما قاله صدام حسين، بعد أسابيع قليلة من غزو الكويت: "إن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتمد على القوة الجوية. ومن المعلوم، أن القوات الجوية، لم تكن العامل الحاسم في تاريخ الحروب"، أي أن القوات الجوية، لم تحسم معركة قط. هذا ما كان يأمله.

لقد أدت نتائج العمليات الجوية إلى إثارة تساؤلات عدة، عن دور القوات الجوية، في تحديد نتائج حروب المستقبل. إذ كانت حرب الخليج أول حرب، اضطلعت فيها القوة الجوية بدور حيوي في تحديد نتيجة المعركة، قبْل أن تبدأ الهجمات البرية. كما كانت أول حرب، تستخدم فيها تقنية متطورة بقدر كاف لتدمير أعداد كبيرة، من المدرعات وأسلحة المدفعية المتخندقة.

لقد نهضت القوات الجوية بدور حيوي، قبْل أن تبدأ الحرب البرية. فتولت تدمير أهداف عسكرية مهمة، سواء للقوات البرية العراقية، أو لوحدات الحرس الجمهوري، في داخل الكويت أو خارجها. وكذلك شل وتدمير قواعد العراق الجوية، وطائراته الجاثمة في ملاجئ، ومراكز القيادة والسيطرة ومنشآتها المحصنة. فضلاً عن العديد من الأهداف الإستراتيجية المهمة مثل مستودعات الإمداد العسكرية، ومنشآت الحرب، البيولوجية والكيماوية والنووية. كما تسببت القوة الجوية للتحالف، بهروب أكثر من 80 ألف جندي عراقي. ودمرت 1385 دبابة عراقية، و950 عربة قتال مدرعة، 1155 قطعة مدفعية. وأنزلت دماراً عنيفاً بمنشآت المفاعل النووي العراقي وثلاث منشآت إنتاج أسلحة، كيماوية وبيولوجية، و11 مستودع تخزين، إضافة إلى 60% من مراكز السيطرة الرئيسية العراقية، و70% من وسائل الاتصالات العسكرية، و152 مخزن ذخيرة، و48 سفينة بحْرية عراقية، و75% من قدرة العراق على توليد الكهرباء. كما أدت إلى انقطاع نحو 90% من الإمدادات، عن مسرح العمليات.

بدأت الحرب بحملة قصف جوي إستراتيجي. ونفّذ التحالف حوالي 42 ألف طلعة هجوم، لطائرات ذات أجنحة ثابتة. وهاجمت الطائرات البريطانية من نوع تورنيدو (Tornado)، المطارات العراقية، مستخدمة ذخائر خاصة (JP-233)، التي دمرت الممرات ولغمتها. وهاجمت الطائرات من نوع (F-16)، من القوة الجوية الأمريكية، وطائرات (FA-18)، من قوة مشاة البحرية، القواعد الجوية العراقية، ومواقع صواريخ أرض / جو، في الكويت وجنوبي العراق. أما طائرات (RPV)، الموجهة، من دون طيار فهاجمت الرادارات، التي توفر الإنذار الجوي، وتوجيه الاعتراض. وشنت أعداد كبيرة، من الطائرات العمودية الهجومية، هجوماً على وسائل الاستشعار المهمة، ومراكز القيادة، ووحدات صواريخ أرض / جو العراقية.

   لقد وجّه التحالف ضرباته الجوية، ضد ثماني فئات من الأهداف الإستراتيجية[1]. وارتفع عدد أهدافه من 295 هدفاً، في بداية الحرب الجوية، إلى نحو 535 هدفاً. وبانتهاء الحرب، كان التحالف قد نفّذ 18% من طلعاته الجوية، ضد أهداف إستراتيجية. كما أن 14% من باقي الطلعات، استخدمت في تحقيق السيطرة الجوية، و56% في دعم المعركة البرية، و12% في تنفيذ مهام أخرى.
   

إذاً، كانت القوات الجوية، بما فيها الطائرات العمودية الهجومية، عنصراً أساسياً في زيادة قدرة القوات البرية على إنجاز هجوم منُظُم، حقق معدلات تقدُّم عالية. إضافة إلى أن القوات الجوية، مكّنت القوات المشتركة، ومشاة البحرية الأمريكية، التي عُهد إليها شن هجمات مساندة، ضد معظَم القوات العراقية ـ من الوصول إلى مدينة الكويت، خلال ثلاثة أيام فقط. 1. نقاط القوة والضعف أ. بِنية قوة الهجوم الجوي

استخدم المسؤولون عن تخطيط أعمال قتال القوات الجوية، داخل التحالف، عدداً مختلفاً من المصطلحات في وصف تخطيط الهجمات الجوية وتصنيفها وتنفيذها. ومع ذلك، فقد صنفت الضربات الجوية للتحالف، في خَمس مجموعات، نفِّذت خلال 42240 طلعة: (1) هجمات جوية، مهمتها تحقيق السيادة الجوية. (2) هجمات على صواريخ سكود العراقية، وأسلحة الدمار الشامل. (3) ضربات جوية ضد أهداف إستراتيجية، مدنية وعسكرية، في العمق. (4) هجمات على القوات في مسرح العمليات الكويتي، تمهيداً للمعركة البرية. (5) ضربات جوية، لتدعيم المعركة البرية.

وحقق التحالف نجاحاً ملموساً في مهاجمة كل هذه الأهداف، خلال الحرب، فاق أي نجاح حققته قوات جوية، في حروب سابقة. ومع ذلك، أوضحت دراسات حرب الخليج، أن القوات الجوية، لم تصل إلى مستوى الأداء، الذي أعلن عنه خلال الحرب وبعدها مباشرة؛ فقد تعرّض التحالف لمشاكل عملياتية ومصاعب عديدة. ب. دور الأسلحة والتقنية الحديثة

كان للتقنية الحديثة دور حيوي في فاعلية هجوم القوات الجوية، خلال حرب الخليج، التي شهدت أكبر مزيج متطور من التقنية، فاق كل تقنية، عرفتها أي حرب جوية. ولكن، طبقاً لمفهوم الولايات المتحدة الأمريكية، فإن كثيراً من هذه التقنية، كان في مرحلة انتقالية.

وكان للتقدم التكنولوجي الفضل في دقة الهجمات، وسرعة تدمير وسائل الدفاع الجوي العراقية. فقد كانت طبيعة مسرح الصحراء ملائمة لإحكام الضربات الجوية؛ إذ في الأراضي المفتوحة، يصبح من السهل توجيه الهجمات الجوية ضد أهدافها، خاصة الأهداف المدرعة (دبابات ـ عربات مدرعة) والمدافع وغيرها. وكان من السهل، كذلك، في ظل النظام الدفاعي التقليدي العراقي[2]، تحديد الأهداف بدقة، والتعامل معها، وشل مراكز القيادة والسيطرة، وإحباط أي مناورة لاحتياطياته. ومع الظروف التي تفرضها قسوة الصحراء، أصبحت عمليات الإمداد والتموين صعبة جداً. ومن ثَم، فإن كل هذه العوامل جعلت القوات العراقية في وضع مأسوي، أمام الهجمات الجوية.

وكانت تلك الحرب فرصة لاختبار أسلحة فتاكة جديدة، مثل طائرات (F-117) ستليث (Stealth)، التي استطاعت أن توجه، بشكل مستمر، ضربات قاصمة للقوات العراقية، من دون أن تلحق بها أي إصابة، على الرغم من النيران الكثيفة، من الدفاعات الجوية، وصواريخ أرض / جو العراقية. كما أثبتت القذائف الموجهة، فاعلية ودقة عاليتَين، سواء أثناء الليل أو النهار. واستطاعت القوات الجوية، أن تعمل بالدقة نفسها، طوال 24 ساعة، مما حرم القوات العراقية فرصة التقاط الأنفاس والاستراحة، ليلاً.

لقد استخدمت طائرات التحالف الهجومية الضاربة، خليطاً من تقنيات جديدة وقديمة، وطائرات حديثة، للعمل الليلي، مثل: (A-6) & (F-15E) & (F-111) & (F-117). واستخدمت المملكة المتحدة (بريطانيا)، أول مرة، طائراتها الضاربة، من نوع تورنيدو (Tornado)، وذخائر تعطيل المطارات (JP- 233).

وكذلك، استخدمت القاذفات بعيدة المدى، المسلحة بصواريخ كروز، التقليدية، التي تطلق جواً (CALCM)، وصواريخ من نوع (ATACM). إضافة إلى استخدام طائرات الإنذار المبكر الأواكس (Awacs E-3A)، وطائرات الإمداد بالوقود، جواً، لتحقيق معدلات عالية من الطلعات، وهو ما مكّن من حشد 500 طائرة، في الجو، في وقت واحد.

إن تزويد الطائرات من نوعي (F-15E) & (F-111) مستشعرات أشعة دون الحمراء، لاستخدام قنابل موجهة بالليزر، في مهاجمة الدبابات العراقية المتخندقة كان ابتكاراً، زاد الحملة الجوية فاعلية في ضرب القوات البرية العراقية. ونفِّذ هذا الأسلوب، بنجاح، في 4 فبراير 1991؛ حتى إن طائرتَي من نوع (F-15E)، كانتا تحملان 16 صاروخاً، نجحتا في تدمير 16 دبابة. وأدى هذا النجاح السريع إلى تعميم تنفيذه؛ بل أثبت أنه أكثر صور الهجوم الجوي نجاحاً في تدمير المدرعات (Tank Killing).

كما أن تطوُّر تقنية الهجوم والقتال الجوي، للقوات المتحالفة، قد مكّنها من إصابة الأهداف بدقة متناهية، ومن ارتفاعات عالية، ومسافات بعيدة، بذخيرة دقيقة، من دون التعرض لنيران الدفاع الجوي المعادي.

كذلك، أدى امتلاكها أجهزة استشعار (Sensors) متطورة، إلى تنفيذ مهامها بكفاءة، من دون تعرّضها للإسقاط من جانب العدو. كما ازدادت قدرتها على اكتشاف الأهداف وتمييزها، وإصابتها بدقة، ثم التأكد من درجة التدمير، وذلك بفضل أجهزة المراقبة والاستشعار، في طائرات: (Awacs) &(J. Stars) & (Lantirn) & (Flir). ج. استخدام مجموعات مختلفة من الطائرات

   شكّل التحالف خليطاً من الطائرات المختلفة (مجموعات ـ Packeges)، راعى قدراتها المتفاوتة، فدعم بعضها بعضاً. وكيّف التحالف، كذلك، قدرات طائرات معينة مع أهداف محددة، أو قطاعات من أرض المعركة. واستخدم طائرات استطلاع، من أجْل القصف الدقيق.

د. الضغط المتزامن الدائم

لقد حققت القوات الجوية للتحالف القدرة على استخدام مدى واسعاً من الطائرات المختلفة للمحافظة على ضغط هجومي متزامن، فوق مسرح العمليات الكويتي، وجزء كبير من العراق. ولم يوقف الليل عمليات الضغط المستمرة، للقوات الجوية للتحالف. كما وقعت القوات الجوية العراقية الموجودة في قواعدها الخلف، تحت الضغط الشديد نفسه، مثل القوات العراقية البرية الموجودة في المواقع الأمامية. كذلك، كان تأثير الضربات الجوية للتحالف في البِنية الأساسية للاقتصاد العراقي، مماثلاً للتأثير في الأهداف العسكرية. وكان من الواضح أنه، يوماً بعد يوماً، وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة، كان للهجمات الجوية تأثير تراكمي قوي في القوات العراقية.

ومن ثَم، يمكن القول إن تأثير القوات الجوية، لا يمكن أن يقاس بعدد إجمالي الطلعات أو بتقديرات التدمير؛ وإنما يقاس بنجاح القوات الجوية للتحالف في المحافظة على ضغط متزامن، ودائم، وتراكمي، على القوات المعادية.

كما أدت الهجمات الجوية إلى إرباك "النظام العصبي المركزي" للعراق وإضعافه، من خلال مهاجمة منشآت مراكز القيادة والسيطرة ووسائل الاتصالات، التي تشمل منشآت حكومية مهمة، مثل محل إقامة الرسميين والوزراء، وملاجئ القيادة والسيطرة، ومحطات الإذاعة والتليفزيون، وخطوط الاتصال الميدانية، والكابلات المحورية، ومراكز الاتصالات، الداخلية والخارجية، ومحطات الميكروويف، وسنترالات الهاتف، ووسائل اتصالات الأقمار الصناعية.

ولم ينجح التحليل الابتدائي لتقارير ومعلومات الاستخبارات، في توفير صورة واقعية لنُظُم الاتصالات العراقية ووسائل القيادة والسيطرة؛ فقد كان هناك عاملان، أديّا إلى الحدّ من فاعلية جهد التحالف، في هذا الإطار، هما: (1) العامل الأول

أن المخططين الأمريكيين، قدروا أن العراق سيتحول إلى الاعتماد على المواصلات اللاسلكية، مع بداية الحرب. ولكنه احتفظ، عملياً، بضبط وربط شديدَين، في استخدام وسائل الاتصالات. (2) العامل الثاني

كانت الجسور الرئيسية، في قلب بغداد، تحتوي على الكابلات، التي تعبُر نهر دجلة. ولكن تأخير الهجمات، بسبب الأحوال الجوية، على بعض هذه الجسور، وقرار الجنرال باول، عدم تدمير كل الجسور بسبب خطر الدعاية المضادّة، أثّرا في مجهود القصف الجوي، واستطراداً، في كفاءة المواصلات. ويبدو، عملياً، أن الهجمات لم تفعل أكثر من تحديد قدرة كفاءة الاتصالات، وإحداث بعض الارتباكات.

نجحت قوات التحالف، طبقاً لتقديرها، في تدمير ما يقرب من 50% من معدات القتال الرئيسية العراقية، قبْل بداية المعركة البرية. ففي 23 فبراير 1991، قدرت القيادة المركزية للولايات المتحدة الأمريكية، أن العراق فقد 39% من دباباته، و32% من عرباته المدرعة، و47% من مدفعيته. وركّز القصف بصفة أساسية في قوات الحرس الجمهوري، ووصل هذا التركيز إلى ذروته، قُبَيل الهجوم البري، حين نفذت 147 هجمة جوية، ضد ثلاث فرق من الحرس الجمهوري، خلال يوم واحد. وأكدت معلومات الأسرى نتائج هذا التدمير؛ فقد ذكر أحدهم أن اللواء 52 المدرع، من الفِرقة 52 العراقية المدرعة، فَقَدَ 62 دبابة، من أصل 80 دبابة نتيجة للقصف الجوي؛ وأن اللواء الثامن المشاة الآلي، من الفِرقة الثالثة المدرعة، الذي كانت قوّته 2300 فرد ـ فَقَدَ 1000 قتيل، و250 جريحاً، و550 هارباً، وعدداً من دباباته وعرباته المدرعة.

تمكنت القوات الجوية من تحقيق السيادة الجوية المبكرة، مما جعلها قادرة على عزل ميدان القتال، من طريق قطع خطوط تموين العراق، وتجريده من أجهزة الاتصال بالقيادة أو المراقبة. كما سمح التفوق الجوي لقوات التحالف، كذلك، أن تنفذ دوريات استطلاعية، عبْر الحدود، وشن عمليات هجومية خداعية، وغارات متكررة، في الوقت الذي كانت تتمتع فيه هي نفسها بحصانة حقيقية.

كما شلت الحملة الجوية قدرات الجيش العراقي على تعرّف تحركات قوات التحالف وحشودها. وقد يسّر ذلك لقادة القوات البرية، إخفاء التحركات الضخمة لقوات الهجوم الرئيسي، اتجاه الغرب، التي تتكون من أكثر من فيلقَين، من القوات والمعدات والإمدادات، والتي حققت نجاحاً كبيراً خلال الهجوم البري.

وأدت الهجمات الجوية للتحالف إلى إضعاف القدرة القتالية للقوات العراقية على القتال، نتيجة تدمير كم كبير منها، وإضعاف معنوياتها، ودَبّ الفوضى في صفوفها؛ حتى إنها أصبحت عندما بدأت الحرب البرية، غير مقتنعة بالدفاع عن الكويت. وهو ما عناه أحد قادة فِرق التحالف، بقوله: "إن الوهن الذي أصاب الجندي العراقي، وأضعف عزيمته على القتال، كان راجعاً، في المقام الأول، إلى الحملة الجوية، التي هيأت ميدان القتال، وأعدته للهجوم البري. وعندما بدأنا الهجوم على أجنحة الجيش العراقي ومؤخرته، استسلم، في الحال. ولقد كانت هزيمة الجيش العراقي نتيجة للتعاون الدائم بين قواتنا، الجوية والبرية". هـ. القوة الجوية إحدى أدوات الحرب

خلال مرحلة التخطيط لعملية "عاصفة الصحراء"، كان المؤيدون للقوات الجوية، يأملون أن تجبر العراق حملة جوية إستراتيجية مركزة، ضد مراكزه، السياسية والاقتصادية والعسكرية، على الانسحاب من الكويت، وإنهاء التهديد، الذي يلوح به النظام العراقي في المنطقة، من دون اللجوء إلى شن حرب برية. وهذه النتائج المرجوة لم تكن أهدافاً رسمية؛ ومع ذلك، فإنها لم تتحقق. فلم ترغم الحملة الجوية صدام حسين على الانسحاب، ولم تؤدِّ، على فاعليتها العسكرية، إلى إطاحته. وهكذا، تظل الأسئلة المنطقية، عن مدى تأثير القوة الجوية في تحقيق أهداف سياسية كبيرة، من دون إجابات. و.

أمر العمليات الجوي اليومي Air Tasking Order ATO

على عكس ما كان مُتّبعاً في فيتنام، حيث كانت تعمل أربع مجموعات من القيادات الجوية، كلٌّ منها مستقلة بذاتها، فقد شهدت حرب الخليج إنشاء مجموعة مشتركة واحدة من القيادات، ذات أثر فعال، للاضطلاع بالعملية الجوية.

هذه الخطة أتاحت لجميع الطائرات، ذات الأجنحة الثابتة، الإسهام في جهد مشترك، في مسرح العمليات، بقيادة قائد القوات الجوية المشتركة (JFACC) (Joint Forces Air Component Commander)، الجنرال تشارلز هورنر (Charles Hhorner). وباستخدام قدرات الحواسب الآلية، التي لم تكن متاحة من قبْل، استطاع قائد القوات الجوية المشتركة، أن يحشد أعظم الأسلحة الملاءمة، دقة وتأثيراً، والتي أسهمت في جهد مشترك في إصابة الأهداف. ومع مقارنة نتائج قصف هذه الأهداف بنوعية الطائرات والذخيرة المستخدمة، تمكنت قيادة القوات الجوية من وضع نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" (ATO)، من أجْل التعامل مع الأهداف، التي سبق قصفها، ولم تدَّمر بعد؛ أو تلك الجديدة، التي لم تقصف بعد، مع تحديد عدد الطلعات، وتعيين الطائرات المهاجمة.

لقد خلق نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" حملة متكاملة، تخطط، بعناية فائقة، آلاف الطلعات الجوية اليومية، في مسرح العمليات، داخل العراق والكويت، وتنطلق طائراتها من قواعد متعددة، في شبه الجزيرة العربية وأسبانيا وإنجلترا وتركيا وسواها، من دون أن يحدث بينها حادث تصادم واحد في الجو؛ ومن دون أن يحدث، ولو مصادفة، إصابة أي طائرة من الطائرات الصديقة. ز. القدرة على التنسيق بين الأفرع الرئيسية

على الرغم من تعدد أهداف الحملة الجوية وتنوعها، والتي حددتها المراحل الثلاث للخطة[3]، إلا أنه أمكن التوفيق، بسهولة، بين وجهات نظر الأفرع الرئيسية للقوات، في شأن الطريقة السليمة لتحديد موقع الأهداف، وتسلسل التعامل معها.

فقد أكدت القوات الجوية، مبكراً، قدرتها على تحقيق التفوق الجوي، وتتبّع الأهداف الإستراتيجية، داخل العراق. كما أكدت القوات البحرية القضاء على تأثير التهديدات الموجهة إلى الأسطول، خاصة طائرات القتال العراقية، القادرة على مهاجمة السفن. أما القوات البرية، فقد جعلت الأولوية لقطْع خطوط تموين القوات العراقية، في مسرح العمليات الكويتي. وفرضت القيادة المركزية (Centeral Command)، منذ البداية، أولوية الهجوم على وحدات الحرس الجمهوري. يُفْهَم مما سبق الدروس المستفادة التالية: (1) أهمية التنسيق بين عمليات عدة فروع من القوات الجوية، في ميدان واحد. (2) التركيز في استخدام القوات الجوية وتحديثها، كسلاح رئيسي من أسلحة المعركة المشتركة، وليس كسلاح معاون. (3) ضرورة توحيد المسؤوليات عن وضع الخطط الملائمة وإدارتها، لنشر جميع الطائرات في مسرح العمليات، وحصرها في قائد القوات الجوية المشتركة، بما يجعل إنجاز أهداف الحملة الجوية، أقرب ما يمكن إلى الكمال والفاعلية. (4) أهمية دور القوات الجوية في حسم الحرب، وعجزها عن تحقيقه، بمفردها؛ فالتفوق الجوي، ليس في مقدوره أن يحقق أهداف الحرب والسيطرة على الأرض. لذا، لا بدّ من تعاون جميع الأفرع الرئيسية للقوات، البرية والبحرية والجوية، على إنجاز الهدف النهائي. (5) المحافظة على التفوق التقني، بما يتفق مع تطورات الصراع؛ مع ضرورة الاستفادة القصوى من النُظُم المتاحة، في التحديد الدقيق للأهداف المعادية، من أجْل دقة الهجمات، وسرعة تدمير وسائل الدفاع الجوي المعادية. (6) تدريب القوات الجوية وتنظيمها في مجموعات من المهام، كجزء من نشاطها العادي، وقت السلم. (7) الاستغلال الكامل لقدرات القوات الجوية، بما فيها قدراتها المتفوقة، للعمل على مدار 24 ساعة، وضد جميع نوعيات المعدات العسكرية، التي يمتلكها الجانب المعادي. (8) تطوير تكتيكات الهجوم الجوي، وخلق مزيج فريد من الهجوم الجوي، عالي التقنية، قادر على إسكات الدفاعات الجوية المعادية. (9) الحرص على السيادة الجوية، مع المراحل الأولى لعمليات القوات الجوية، وليس على التفوق الجوي فقط.

ثانياً: دور القوات البرية

أثبتت حرب الخليج، أن التعاون والتنسيق بين الهجمات، الجوية والبحرية والبرمائية والبرية، كانا ضروريَّين لتحقيق تفوّق هجومي كاسح، قادر على هزيمة القوات العراقية، التي تتميز بضخامة الحجم والقدرة القتالية.

ولئن أسهمت القوات الجوية إسهاماً فريداً، وضخماً، في حسم النصر، في مصلحة التحالف، فإن تعاون فاعليات الهجمات المشتركة، الجوية والبحرية والبرية، مع إسهامات من قوى أخرى مساندة ـ كان هو مفتاح النصر.

وبالمثل، كان الهجوم الجوي، هو العامل الأكبر، بلا ريب، في استسلام أكثر من 80 ألف جندي عراقي، متمركزين في المواقع المتقدمة. ولكن، ما كان لهؤلاء أن يستسلموا إلا بعد أن أجبرتهم القوات البرية للتحالف على الفرار، وتدميرها كمّاً ضخماً من معداتهم، والاستيلاء عليها. لا بل إن عدم تنفيذ الهجوم البري، كان سيتيح لصدام حسين، أن يدّعي أن جيشه لم يُقهر. ومن ثَم، دحضت هزيمة القوات العراقية على الأرض، ادعاءاته، أنه قائد العالم العربي.

لقد حقق نجاح القوات البرية العديد من النتائج الأساسية. إذ تمكنت من طرْد القوات العراقية من الكويت؛ وأمّنت مدينة الكويت ومطارها الدولي؛ وأنزلت دماراً كبيراً بقوات الحرس الجمهوري العراقي؛ وسيطرت على خطوط المواصلات الرئيسية، في مسرح العمليات الكويتي. وفعلت ذلك كله بأقل خسائر في الأرواح.

بيد أن الهجوم البري، لم يحقق نتيجة إستراتيجية أوسع، أرادها الكثيرون، بعد الحرب؛ إذ لم تفلح ثورات العراق الداخلية (الأكراد والشيعة)، وما انتابه من فوضى سياسية، في تغيير طبيعة النظام الحاكم. ولكن الهدف، الذي سعى إليه التحالف، في هجومه البري، قد تحقق؛ وهو تحرير الكويت، وتدمير الحجم الأكبر من القدرات العسكرية العراقية.

1. نقاط القوة والضعف

لا شك أن القوات البرية للتحالف، كانت ذات فاعلية عالية. وسجلت أرقاماً قياسية، في معدلات المناورة، والقدرة على تطويق العراقيين والضغط عليهم، مما دفعهم إلى الانسحاب السريع من أرض المعركة. وساعدها على نجاحها ميزات عدة، منها: أ. امتلاك قوات التحالف أنظمة عالية التقنية، أدت إلى زيادة الفاعلية العسكرية، ولا سيما فاعلية القوات البرية؛ وكشفت الإمكانات الجديدة لما يُسمّى "الثورة التكنولوجية العسكرية، في الحرب". وشملت هذه الثورة عدة ميادين (1) استخدام أسلحة فائقة الدقة، وأجهزة رؤية ليلية واستشعار متطورة، ودفاعات ضد صواريخ أرض / أرض الباليستية. (2) اختبار جيل امل، من الأسلحة والنُظُم الجديدة، باستخدامها، للمرة الأولى، في اشتباكات واسعة النطاق. (3) كثافة الذخائر الموجهة، عالية الدقة، التي كانت قد استخدمت، في نهاية حرب فيتنام، في تدمير الجسور في هانوي (Hanoi). ولكن استخدام كمية ضخمة منها، في حرب الخليج، مثّل مرحلة جديدة في تاريخ الحروب. (4) ازدياد فاعلية القوات البرية في ميدان القتال، الناجم عن استخدام التقنية الحديثة للأسلحة والمعدات؛ مثل دبابة (M1A1)، وطائرة أباتشي (Apache) العمودية، ونظام السيطرة النيرانية المتقدمة، ونظام تحديد المواقع، ووسائل الرؤية، الليلية والحرارية ـ في منح القوات البرية قدرة عالية على المناورة وخفة الحركة، مكنتها، غالباً، من اكتشاف القوات المعادية وتحديدها وتدميرها، قبْل أن تتمكن من الرد على النيران. (5) استخدام صواريخ باتريوت (Patriot)، للمرة الأولى، في مهمة الدفاع المضادّ للصواريخ الباليستية، التي أتاحت لصدام حسين إحراز قدر محدود من النجاح؛ وكانت الوسيلة الوحيدة، التي حقق بها هدفاً إستراتيجياً ما. ب. سرعة المناورة العالية، التي تحركت بها القوات البرية، استطاعت أن تحسم الحرب، بسرعة؛ ولكنها اقتضت تحديد مواقع تمركز وتحركات، كلٍّ من التشكيلات، الصديقة والمعادية، بدقة شديدة، لم تستلزمها المعارك، التي تتسم بمعدلات حركة بطيئة. ج. سمحت طبيعة المسرح الصحراوي، لقوات التحالف، أن تشتبك مع العراقيين، من مسافات بعيدة، قبل أن يكتشفوها أو يقصفوها. وتلك ميزة، ربما لا تتأتّى لمسارح عمليات أخرى مختلفة (جبال ـ غابات ـ مدن). د. انخفاض مستوي القوات العراقية التقني، سواء في نوعية المعدات، أو مستوى العسكريين وتدريبهم واستيعابهم للأسلحة المعاصرة. هـ. لقد أثبتت العمليات الفعلية، كفاءة المقاتل ومهارته واقتناعه بالحرب التي يخوضها، على الرغم من الظروف الصعبة، مثل: سرعة العمليات وكثافتها ـ البيئة الصحراوية القاسية ـ التهديد بشن هجمات، كيماوية وبيولوجية. كما أثبتت المستوى العالي للتدريب، الناجم عن استخدام المقلدات المتقدمة (Simulators) والتدريبات الميدانية الشاقة التي تجعل التدريب أكثر واقعية. كذلك، كان برنامج التدريب، الذي وُضع خلال المرحلة التحضيرية للحرب ـ مهماً جداً، للارتفاع بمستوى القوات، من خلال تنفيذ تدريب واقعي، وشاق، على مسرح مشابه لمسرح العمليات الصحراوي. 2. الدروس المستفادة، من خلال دور القوات البرية، في حرب الخليج أ. أهمية دور القوات البرية في حسم الصراع، مهما تعاظَم دور القوات الجوية. ب. ضرورة ابتكار نُظُم أكثر تقدماً من الأسلحة المضادّة للصواريخ الباليستية، ووسائل أكثر فاعلية في تحديد أماكن صواريخ أرض / أرض ومهاجمتها. ج. الحرص على استمرار التعاون بين الأفرع الرئيسية للقوات، البرية والبحرية والجوية، تحت قيادة موحدة. وهو أمر ليس بالجديد، ولكن الجديد هو ضرورة توفير التقنيات الحديثة والحاسبات المتقدمة، لتسهيل هذا التعاون. على أن يُتمرَّس به، من خلال التمارين والمناورات المشتركة، في مسارح مشابهة لمسرح العمليات الفعلية. د. تدريب الفرد المقاتل، في ظروف العمليات الفعلية ومسارحها، المنتظر أن يعمل فيها، أو مسارح مماثلة لها، خاصة أن التسليح المتقدم، تقنياً، يتطلب مستوى من الأفراد ذوي كفاءة خاصة ومستوى عالٍ من التدريب. هـ. تطوير أسلوب الحصول على المعلومات وأساليب التدريب، واستخدام نوعيات معينة من التسليح، وتطوير نُظُم المساندة، لتوافق السرعة العالية، التي تتصف بها أعمال قتال القوات البرية. و. الوضع في الحسبان، عند التخطيط لحروب المستقبل، إمكانية امتلاك القوات المعادية أسلحة متقدمة، ونوعيات مختلفة من أسلحة الدمار الشامل، التي قد تلجأ إلى استخدامها، إذا لم يكن تطور الحرب في مصلحتها. ز. تعزيز القوات البرية، من أجْل تحقيق تفوّق كمّي، إضافة إلى التفوق النوعي؛ لأن التفوق التقني، لا يحقق، بمفرده، الفاعلية ضد القوات المعادية. لذا، يجب أن يلازمه تفوّق كمي موازٍ، إلى حدّ ما "أي يحقق نسبة 1:1 أو1:1.5، على المستوى الإستراتيجي، ضد الخصم". وهو ما دعا القيادة الأمريكية إلى تعزيز قواتها، بنشر فيلق مدرع جديد، استُقدم من أوروبا، من أجْل تحقيق نسبة تفوّق، على المستوى الكمي. ثالثاً: دور القوات البحرية

   نهضت القوات البحرية بدور حيوي، ومهم، في العديد من المجالات؛ إذ تمكنت من فرض عقوبات الأمم المتحدة، وتنفيذ الحصار البحري ضد العراق. كما اضطلعت بدور مهم في فتح القوات البرية؛ إذ إن النقل البحري أسهم بنقل 95% من الشحنات، التي استخدمت في تسليح القوات البرية. فنقلت قيادة النقل البحري الأمريكي أكثر من 2000 دبابة، و2200 عربة قتال مدرعة، و1000 طائرة عمودية، ومئات من قِطع المدفعية ذاتية الحركة.
   وسرعان ما دُعمت القوة البحرية، الأمريكية والبريطانية، في الخليج، بمجموعة حاملة الطائرات، الأمريكية، إندبندنس (Independence)، في المحيط الهندي، ومجموعة حاملة الطائرات الأمريكية، إيزنهاور (Eisenhower)، في شرقيّ البحر المتوسط. ووُضعت الحاملتان، وأجنحتهما الجوية، في 7 أغسطس 1990، تحت سيطرة القيادة المركزية الأمريكية، وكان ذلك بداية بناء أكبر قوة بحْرية، منذ الحرب العالمية الثانية. وأثبت تمركز السفن المسبق، فاعلية في تدعيم فتح القوة البحرية، من مسافات بعيدة، إذ أبحرت أول ثلاث قِطع بحرية من قاعدة دييجو جارسيا (Digeo Garcia)، في المحيط الهندي، في 7 أغسطس 1990، لتصل خلال أيام. فالتمركز المسبق للسفن، إذاً، هو الذي سمح لقوة 16800 جندي من مشاة البحرية، من اللواء السابع، بالتوجه، جواً، إلى المملكة العربية السعودية، حيث تسلموا كل معداتهم، وأصبحوا، في 25 أغسطس 1990، جاهزين.
   

وفي ذروة " عاصفة الصحراء "، فتحت الولايات المتحدة الأمريكية ست حاملات طائرات، وما إجماليُّه 105 سفن، وفتح باقي دول التحالف أكثر من 65 سفينة، وذلك في منطقة الخليج، والمحيط الهندي، والبحر الأحمر. واشتركت القوات البحرية لكل من بريطانيا والكويت وأسبانيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، في عمليات هجومية ضد البحرية العراقية. واضطلعت دول أخرى من التحالف بتوفير الدفاع عنها، وحماية سفن الإمداد الإداري والحاملات.

ووُضعت القوات البحرية للتحالف، تحت قيادة القيادة المركزية الأمريكية، كقيادة بحرية للتحالف. ونهضت بتنفيذ المهام القتالية، والحفاظ على السيطرة البحرية، ومهاجمة القوات البحرية العراقية، وتدعيم الحملة المضادّة للألغام. كما أطلقت سفنها صواريخ كروز، دعماً للحملة الجوية، والقصف الإستراتيجي؛ بل كان لها دور كبير في خطة الخداع " عن إبرار بحري منتظر "، وما أدت إليه، من إبقاء جزء كبير من القوات البرية العراقية في مواقعها الدفاعية، على الساحل الكويتي.

ونفذت طائرات الحاملات 288 طلعة، في اليوم، خلال " عاصفة الصحراء ". وأسهمت إسهاماً رئيسياً في توفير غطاء جوي للقوات البحرية، وقوات الإبرار البحري. إضافة إلى تنفيذها عدداً كبيراً من مهام الحرب الإلكترونية للتحالف، بل شاركت 199 طائرة، من إجمالي 444 طائرة قتال بحرية، في تنفيذ العمليات الجوية الهجومية، من فوق حاملات الطائرات.

1. نقاط القوة والضعف أ. في 16 أغسطس 1990، بدأت السفن التابعة لقوات التحالف بعمليات قطْع الخطوط البحرية، تنفيذاً للقرار الدولي الرقم 661، الخاص بفرض الحصار الاقتصادي البحري على العراق. فحرمَته 60% تقريباً من وارداتها، التي كانت تصله من طريق البحر. وأدت إلى تناقص السفن التجارية، المبحرة في الخليج، وأحبطت محاولات بعضها نقْل البضائع إلى العراق؛ بل اعترضت العديد من السفن، التي كانت تحمل بضائع محظورة إلى ميناء العقبة الأردني، لشحنها، براً، إلى العراق. ب. تمكنت عمليات الحصار والاعتراض من القضاء على جميع أشكال التجارة البحرية في المواد المحظورة، داخل العراق وخارجه. ومنعت كافة أنواع المواد المهربة، بما فيها المعدات العسكرية. وأدى الحصار البحري، كذلك، إلى شَحّ المواد الغذائية والملابس، ومنتجات النفط المكررة. وانعكس هذا الوضع على الجنود داخل الميدان، حيث أصبحوا يعانون معاناة بائسة من قِلّة الطعام والماء. ج. أثبتت الحرب، أن ما أنفقته الولايات المتحدة الأمريكية على تحديث بحْريتها، خاصة ما أُنفق على زيادة الفاعلية القتالية للأسلحة والمعدات المتطورة تقنياً، مثل صواريخ توما هوك، وأجهزة الحرب الإلكترونية الحديثة ـ كان له تأثير كبير في تطوير قدرة البحرية القتالية والنيرانية. د. كان لحل مشكلة القيادة والسيطرة على وحدات البحرية للتحالف، والتخطيط لتنفيذ مهامها، تأثير كبير في تنفيذ عمليات القوات البحرية. هـ. نجحت البحرية العراقية في إرباك الملاحة وتعطيلها، في بعض ممرات الخليج؛ بل حملت القوات البحرية للتحالف على الاحتراس من النشاط إلى عمليات إبرار واسعة، بسبب كثرة الألغام العراقية، التي تقوَى على بثها جميع أنواع السفن، في أعماق متفاوتة، عميقة ومتوسطة وضحلة. و. أبرزت الألغام البحرية، التي بثّها العراق في الخليج، مدى صعوبة التعامل معها. وكان للبحرية البريطانية، التي تمتلك العديد من كاسحات الألغام البحرية، دور بارز في التخلص من خطر تلك الألغام. 2. الدروس المستفادة، من خلال دور القوات البحرية، في حرب الخليج أ. التخطيط المسبق لعمليات النقل البحري الإستراتيجي، مع تعديل الخطة، كلّما استدعت الضرورة، لتكون جاهزة للتنفيذ، خلال عدة ساعات من صدور التعليمات. وهو ما يتطلب وضع قوات في حالات استعداد قتالي ملائمة، ودائمة. ب. تدريب الوحدات والأفراد على أعمال النقل البحري الإستراتيجي، ويمكن أن يجري ذلك، خلال فترة التدريب على مهام العمليات، لتشمل التحميل والانتقال من مكان إلى آخر في وسائل النقل البحري، وتنفيذ أعمال إبرار بحري أو مهام أخرى. ج. التحديد المسبق لوحدات النقل البحري المدنية، التي يمكن تعبئتها في إطار خطة إعداد الدولة للدفاع، مع تنفيذ عمليات تدريب دورية لتلك الوحدات، توجد، بمقتضاها، في موانئ وتوقيتات محدَّدة مسبقاً. وهو ما سيحقق السرعة والكفاءة، في عمليات النقل البحري. د. التطوير والتحديث المستمران، لكاسحات الألغام؛ إذ أصبح لحرب الألغام دور مؤثر في عمليات القوات البحرية؛ ويمكن أن تستخدم، على نطاق واسع، في المستقبل، خاصة في مناطق الخليج والبحر الأحمر. هـ. التوسع في تطوير السفن الحاملة لصواريخ كروز، وزيادة أعدادها، لتضطلع، بدلاً من القوات الجوية، بدور مهم في قصف الأهداف الإستراتيجية، وتلك المدافَع عنها جيداً. و. تطوير دور الاستطلاع البحري وإمكاناته، وتدريب أفراده على أعمال استطلاع المعلومات عن حقول الألغام البحرية؛ ومراقبة واعتراض أي أنشطة معادية لتحديد الممرات وطُرُق الملاحة البحرية؛ على أن يجري التدريب بالتعاون مع القوات الجوية.

[1] شملت هذه الأهداف: " منشآت قيادة وسيطرة ووسائل اتصالات ـ منشآت قيادة ـ أسلحة ومنشآت نووية وكيماوية وبيولوجية ـ منشآت دعم عسكري مثل مواقع ذخيرة ومنشآت إدارية ـ قواعد إطلاق صواريخ بالستية أرض أرض ـ محطات توليد كهرباء ـ مصافي بترول ـ كباري حيوية وطرق سكك حديدية ". [2] الدفاعات الجوية العراقية، تُعَدّ دفاعات من الدرجة الثانية، كفاءة وتقنية واستخداماً، مما عجّل بتحقيق السيادة الجوية لقوات التحالف وسهّلها، في زمن قصير، وحافظ عليها حتى نهاية الحرب. [3] شملت الخطة على ثلاثة مراحل تتضمن تدمير الأهداف الإستراتيجية، وقطع خطوط التموين العراقية وتجهيز ميدان القتال للحملة البرية.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المبحث الثالث: النتائج والدروس المستفادة من إدارة العمليات

أولاً: معركة الأسلحة المشتركة

أكدت حرب الخليج أن المعركة الحديثة، هي معركة أسلحة مشتركة، أي معركة جميع أفرع القوات المسلحة المختلفة، برية وبحْرية وجوية وقوات دفاع جوي. إذ لا يمكن قوة واحدة، أن تحقق النصر بمفردها؛ فالقوة الجوية، وحدها، لا تستطيع أن تكسب حرباً، بل يحتاج الأمر إلى قوات برية، تحتل الأرض وتُثَبّت النصر. ومن مفاتيح النصر في الحرب الحديثة، المبادرة الأسرع إلى القدرة على القتال، والتحرك إلى مسافات أطول، والاشتباك من مسافات أبعد، وبقوة نيرانية مؤثرة؛ بينما العدو عاجز عن تحديد مواقع خصمه. فضلاً عن القدرة على القتال، على مدار الساعة، لا سيما في الليل.

وأكدت نتائج المرحلة الأولى من "عاصفة الصحراء" (الحملة الجوية)، أن قوات التحالف، استطاعت أن تحقق تفوّقاً ساحقاً، في مجالات القوة النيرانية، والسيطرة، الجوية والإلكترونية والبحرية؛ والحرب النفسية؛ وأعمال الاستخبارات والاستطلاع. واعتمدت مذهباً قتالياً، قوامه انتزاع السيطرة الجوية من الخصم، توطئة لقصف قواته وأسلحته ومعداته ومستودعاته ومراكز قيادته، قصفاً عنيفاً، وضرب خطوط إمداده؛ وشن حرب إلكترونية، لشل سيطرته في الميدان، قبْل أن تبدأ القوات البرية بمهاجمته، والتي تحرص على توجيه الضربات الكثيرة، المتفوقة، والعميقة، في كل أرجاء المسرح، في تزامن واحد، لإنزال الهزيمة الساحقة بالعدو، في أسرع وقت، وبأقلّ خسائر. ومن الطبيعي، أن يتطلب ذلك استخداماً واسعاً للقوات الخاصة والمظليين، وقوات الاقتحام الرأسي والإبرار البحري، بالتعاون مع أعمال قتال القوات، الجوية والبحرية، من أجْل إحداث الفاعلية المطلوبة لمعركة الأسلحة المشتركة. 1. نقاط القوة والضعف أ. إذا كانت الحرب الجوية، قد حققت خطوة رئيسية إلى الأمام، في تحقيق سيادة جوية، واستخدام قوات جوية هجومية، فإن معركة الأسلحة المشتركة، كانت برهاناً على قيمة كثير من المتغيرات وأهميتها، في فن العمليات. ب. زادت جوانب الضعف، في الفكرة الدفاعية العراقية، والطريقة التي طبقت بها، من ضعف قدرة العراق على إدارة حرب برية. كما أن بناء الدفاعات العراقية وتنظيمها، خلقا العديد من المشاكل. إذ بُنيت الخبرة العراقية على أساس القتال ضد إيران، من دون التفكير في كفاءتها، ضد عدو مختلف اختلافاً تاماً. 2. الدروس المستفادة أ. تخطيط العمليات القتالية، وفقاً لفنون الحرب الحديثة، من خلال معركة الأسلحة المشتركة. ب. أهمية تحسين الجوانب التالية وتطويرها: (1) قدرة القوات الجوية على تقديم " الإسناد الجوي القريب للقوات البرية ". (2) قدرة القوات البرية على خوض حرب حديثة، وسريعة. (3) التكامل بين قوات الدفاع الجوي وعناصر الدفاع الجوي، في القوات الجوية. (4) الاستعداد القتالي للقوات، وإجراءات التنسيق بين الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة. ج. التعاون بين جميع الأفرع الرئيسية، في معركة واحدة، من أجْل تحقيق النصر. إذ أثبتت الحرب، أن فرعاً، بمفرده، القوات الجوية مثلاً، لا يستطيع أن يحقق نصراً حاسماً.

ثانياً: بروز نظريات توازن جديدة

أدى استخدام أجهزة الرؤية الليلية، إلى جعل القتال الليلي مثل النهاري. وهو ما انعكس على استمرارية العمليات، على مدار الساعة، وأدى إلى تطوير كبير في أعماق المهام القتالية، فازدادت أعمال القتال، يومياً، وارتفعت معدلاته؛ وهو ما انعكس، بدوره، على معدلات استهلاك الاحتياجات الإدارية. وظهر ذلك، جلياً، خلال سير العمليات، وتحقيق معدل عالٍ من الإسناد الإداري، لم تعهده حرب سابقة.

خاض التحالف الحرب بكفاءة قتالية عالية، وجديدة. فقاتل بتكنولوجيا، يمكنها متابعة القتال، ليلاً، وفي أحوال سوء الرؤية. كما أدارت وحافظت على طلعات جوية مستمرة، ومعدلات تحركات مدرعة واسعة، ومناورة مرتفعة، إدارة ومحافظة، فاقتا نظيراتهما في حروب سابقة.

كدت حرب الخليج، على الرغم من أن تكتيكاتها وتقنياتها، لا تزال في مرحلة التطوير، أنه يمكن إعادة تشكيل القوات، لتحقق قوة نيران مشتركة، وقيادة وسيطرة، وتأميناً إدارياً، واستمراراً في تأدية مهام الاستطلاع والاستخبارات، وتحديد الأهداف وتخصيصها، بوسائل، يمكنها خلق ثورة في الحرب التقليدية.

1. نقاط القوة والضعف

كان لمعدات القتال دور كبير في زيادة قدرات قوات التحالف وإمكاناتها، في العمليات الليلية، التي أصبح مستواها يضارع مستوى العمليات النهارية. وهو ما انعكس، بوضوح، على عمق المهام ومعدلات تقدُّم القوات، وانعكس، استطراداً، على معدلات الاستهلاك، وفتح قوات الإسناد الإداري وانتقالاتها، لكي تتكيف مع السرعة العالية لتقدُّم القوات.

2. الدروس المستفادة أ. تطوير الأسلحة والمعدات، في جميع الأفرع الرئيسية، لتتكامل، فلا يتخلف فرع أو سلاح عن ملاحقة تنفيذ مهام، سمحت بها التقنية المتقدمة. ب. تطوير دور قوات الاستطلاع، لتمكينها من توفير المعلومات الحديثة عن أوضاع العدو ومناطق تمركزه، خاصة احتياطياته المدرعة، في ضوء التطورات السريعة لمعدلات سير العمليات الهجومية. وهو درس قديم، ولكن الجديد فيه، أن سرعة تطور المواقف في المعركة، يجب أن يصاحبه تطورات أخرى في اتجاه المعلومات.

ثالثاً: الاستخبارات والاستطلاع

أكدت الحرب ضرورة تخصيص موارد أكثر، وإمكانات أقدر، لدراسة قدرات الجيران وفهم نواياهم، "عرباً وغير عرب". ويلخص صن تزو (Sun Tzu) هذا الدرس، بحكمة بالغة، في قوله: "اعرف نفسك، واعرف عدوّك، يتحقق لك، في كل مائة معركة، مائة انتصار". 1. نقاط القوة أ. كادت حرب الخليج تكون حرباً بين طرفَين؛ أحدهما بصير، والآخر عَمٍ. إذ استأثر التحالف باستخبارات متطورة، واستطلاع ذا قدرات تحليل مقتدرة، ووسائل اتصالات مؤمّنة، ووسائل انتشار وافرة. وكان في مقدوره تأمين أراضيه ضد أي طيران عراقي فوقها، وضد أي إغارات. بينما كانت سماء العراق مفتوحة، واستخباراته تعاني مشاكل أساسية، زادها حدة، جمود إستراتيجيته وتكتيكاته. ب. اضطلعت الاستخبارات المتقدمة تكنولوجياً بدور حيوي، في عمليات التحالف، وزيادة فاعلية قواته والسماح له بردود فعل ضد العراق، وتحقيق المفاجأة ومعدلات تقدُّم متفوقة للعمليات، وتقليل خسائره. ج. أدت وسائل الاستطلاع الفضائية دوراً رئيسياً، في نشاط استخبارات التحالف. وشملت مجموعة من الأقمار الصناعية، تضمنت أقمار تصوير من نوع (KH-11) وأقمار لاكروس (Lacrosse) للتصوير الراداري، وأقمار استخبارات إشارة (Mentor SIGNIT)، وأقمار برنامج "الإسناد الدفاعي"، المستخدم في اكتشاف الصواريخ وتحديد مكان إطلاقها (اُنظر ملحق الأقمار الصناعية والطائرات التي استخدمت في إدارة المعركة والاستخبارات)[1]. د. استُخدمَت أنواع عديدة من طائرات الاستطلاع، مثل طائرات (Awacs E-3A) الأمريكية، المزودة معدات استطلاع إلكتروني؛ وطائرات (UR-2R) القادرة على الاستطلاع من ارتفاع عالٍ يزيد على 70 ألف قدم، وتصل سرعتها إلى 400 ميل في الساعة، ويزيد مدى عملها على 5 آلاف ميل؛ وطائرات تورنيدو (GR-1E Tornado) البريطانية؛ وطائرات الفرنسية جاجوار (Jaguar GR-1A) الفرنسية، وطائرات بوما (Puma) العمودية الفرنسية، المزودة رادارات كشف الأهداف المتحركة. هـ. أسهم أعضاء عديدون في التحالف، بقدر ملموس، في الاستخبارات البشرية، والاستطلاع الإلكتروني، والاستطلاع والتحليل. 2. نقاط الضعف

على الرغم من المعلومات الغزيرة، التي توافرت لدى قوات التحالف، من بيانات الاستخبارات والاستطلاع، والتي كانت تتجمع في مركز الاستخبارات والاتصالات والتنسيق (CCIC) للقيادة المركزية ـ إلا أن نقاط ضعف عدة، اعترت الجهود الاستخبارية، منها: أ. في الوقت الذي تلقّى فيه صانعو القرار إنذاراً، بأن العراق قد يغزو الكويت، فإنهم لم يتصرفوا بناء عليه. ومن ثَم، فشلوا في تقييم الأخطار، التي يمكن أن تشكلها قدرات العراق. ب. بالغت الاستخبارات في تقدير حجم المسرح العراقي وقدراته. إذ اعتمدت على البيانات النظرية، التي تشير إلى تشكيل القتال للمعركة، وقوة الوحدة المفترضة. ج. الافتقار إلى نظام تحديد أهداف فعال، إذ لم تتمكن دوائر الاستخبارات المختلفة من إمداد القادة، الجويين والبريين، ببيانات، تُحدد الأهداف بدقة، في الوقت الملائم. د. الافتقار إلى طريقة للتنبؤ بالخسائر المحتملة، وأدى ذلك إلى المبالغة في الأخطار المتوقعة، عند بدء عملية "عاصفة الصحراء". هـ. كانت القوات الأمريكية، هي الوحيدة، في قوات التحالف، المنُظُمة والمدربة على تقدير خسائر المعركة، على مستوى الحملة الجوية، والمعركة البرية ـ الجوية. ومع ذلك، فإن مجهودها في تقييم حجم التدمير، كان منسقاً ومنُظُماً بأسلوب ضعيف، مما أدى إلى الحدّ من كفاءته. و. فشلت الاستخبارات في التقييم السليم لخصائص صواريخ سكود، وتحديد أماكنها، في الوقت الملائم، باستخدام المصادر الجوية. وكان الخطأ الأكبر، هو التقدير الخاطئ لعدد منصاتها المتحركة؛ إذ خفي على الاستخبارات أن العراق كان قد أخفى العربات، حاملة منصات الإطلاق، فاضطرب تقديرها للعدد الإجمالي لتلك المنصات المستخفية. ز. أنذرت الاستخبارات، مبكراً، جهود العراق في تطوير أسلحة الدمار الشامل. ولكنها لم تتمكن من التحديد الدقيق لخصائص بعض تلك الجهود، ولم تستطع توفير بيانات سليمة عن أماكنها، ولم يسعها التقدير الدقيق لقدرة العراق وعزمه على استخدامها. 3. الدروس المستفادة أ. أهمية بناء الخطط العسكرية على معلومات تفصيلية، عن العدوّ وتكتيكاته، على مستوى التشكيلات والوحدات، ونُظُم الأسلحة والمعدات، التي يمتلكها. ب. أهمية استخدام النُظُم الحديثة، والمتطورة تقنياً، في مجالات الاستطلاع والاستخبارات والإنذار؛ إذ إن توفير معلومات دقيقة، في التوقيت الملائم، يعني القدرة على التخطيط الجيد، واتخاذ قرار سليم، يؤدي إلى تحقيق النصر. ج. أهمية تحديث قدرات الحرب الإلكترونية وتطويرها، في مجال الاستطلاع والتعويق، خاصة المحمولة جواً؛ مع تطوير المعدات، الرادارية واللاسلكية، لمواجهة أعمال التعويق الحديثة، سواء من الأرض أو الجو. د. أهمية الحصول على المعلومات وتحليلها بوسائل شتّى، لتأكيدها، خاصة قبْل بدء العمليات مباشرة. وقد نجح العراق في تحقيق ذلك، من خلال دفعه بعضاً من القوات الخاصة، بملابس مدنية، قبْل بدء عملية غزو الكويت بحوالي 48 ساعة، لتدقيق المعلومات وتوجيه القوات المهاجمة إلى أهدافها. هـ. أهمية العامل البشري، في الاستطلاع والمراقبة، وعدم الاعتماد كلية على وسائل الاستطلاع الإلكترونية الحديثة. كما يجب على جميع المستويات، الاعتماد على مصادرها الذاتية، في امتلاك المعلومات، قبْل اعتمادها على مصادر المستوى الأعلى. رابعاً: الإسناد الإداري

كانت حرب الخليج جنة لرجال التكتيك من قوات التحالف، ولم تكن جحيماً، على الإطلاق، لرجال الإمداد والتموين، بل كانت جنة لهم، كذلك؛ فالإمدادات وفيرة، والتموين سخيّ. فهي، بالتأكيد، الحرب الأولى في التاريخ، التي لم يفقد الجنود، خلالها، وجبة طعام واحدة! أما الجانب العراقي، فقد ثبت عدم فاعليته، وعجزه عن مواجهة قوة التحالف الهائلة، إلى درجة أن الحرب، تحولت، في النهاية، كما لو كانت تدريباً عملياً، أكثر منها حرباً حقيقية.

وما كانت الوفرة والدّعة لِتَتَحقَّقا، لولا الجهود الجبارة، التي بذلتها الدولة المضيفة، المملكة العربية السعودية، في ميدان الإمداد والتموين. ويقول الجنرال وليام جَسْ باجونيس (William Gus Pagonis)، رئيس الإمداد والتموين الأمريكي، في هذا الشأن: "كان من الممكن أن نواجه وضعاً في غاية الصعوبة، لو أن البلد المضيف كان فقيراً، أو معادياً، أو كليهما معاً".

والواقع، أنه لولا جهود المملكة، لكانت حرب الخليج أمراً مستحيلاً، أو لواجهت، على الأقل، صعوبات جّمة. إذ كان على الحلفاء الغربيين بناء محطات للطاقة، ومحطات لتحلية المياه، وقواعد جوية، وآلاف من المستلزمات الأخرى. فلكي تحصل قوات التحالف على احتياجاتها من الوقود، كان عليها تعبئة معظم الإمكانات العالمية من الناقلات. واستطاعت، بفضل المراكز الممتازة، في موانئ الجبيل وينبع والدمام وجدة، تفريغ حمولة خمس عشرة سفينة، تحمل الجنود الأمريكيين وعتادهم، كل يوم، فضلاً عن السفن الكثيرة، التي قدمت من دول أخرى. وهو رقم قياسي يعجز عن تحمّله، حتى أكثر البلدان الصناعية تقدماً. ولولا الموارد المحلية الهائلة، والبِنية الأساسية الكاملة للمملكة، لكان الأمر جحيماً لرجال الإمداد والتموين. ولعله لم يسبق لدولة مضيفة، أن قدّمت مثل هذه المساندة الهائلة، غير المحدودة، إلى قوات أجنبية، حُشدت في زمن قياسي، من أجْل القتال على أرضها.

وما من قائد عسكري إلاّ ويدرك أن الجيش لا يمكن أن يقاتل دون إمدادات تصله بالقدر المناسب، وفي الوقت والمكان المحددين أيضاً. لذلك، فقد أكدت حرب الخليج أهمية الإسناد الإداري، فكانت، حقاً، حرب رجال "الإمداد والتموين"، خاصة إذا عرفنا أن عملية "درع الصحراء"، استغرقت ستة أشهر، ودامت الحملة الجوية لعملية "عاصفة الصحراء" 38 يوماً، بينما استغرقت حربها البرية 100 ساعة. أمّا عملية "وداع الصحراء"، وهي عملية مغادرة القوات الشقيقة والصديقة للمملكة، فاستغرقت فترة من سبعة إلى ثمانية أشهر. وهكذا، نرى أن بضعة أسابيع من القتال تطلبت جهود سنة ونيف من رجال الإمداد والتموين.

لا يمكن، إذاً، التخطيط للعمليات العسكرية أو تنفيذها من دون نظام للإمداد والتموين، يكون فعالاً، قبْل المعركة وبَعدها، فضلاً عن كفاءته، خلالها. فلا بدّ لكل دولة مُعرّضة لخطر خارجي، من الاحتفاظ بمخزون احتياطي من الاحتياجات. وعلى القيادة العسكرية العليا، أن تبقَى على صلة وثيقة بالقطاعات الاقتصادية المدنية، لتتمكن من تحديث معلوماتها في شأن المخزون من الموارد الوطنية المتاحة. وبصفة عامة، لا بدّ من إعداد الدولة بأسْرها للدفاع، بما فيها من جوانب، سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية. 1. نقاط القوة والضعف أ. تُعَد حرب الخليج فريدة في نوعها. وعمليات الإمداد والتموين، التي أُنجزت خلالها، ربما لا تكون مقياساً لما يمكن إنجازه، في الصراعات المستقبلية، ولا مؤشراً إلى معدلات استهلاكها، ونسب خسائرها؛ فبسبب الوفرة في جميع الأصناف، كان معدل الاستهلاك مرتفعاً ارتفاعاً ملحوظاً في مواد الإعاشة[2]، والمياه والذخيرة والوقود. فكميات الوقود والذخيرة، التي استهلكت في الحملة الجوية، التي استمرت 38 يوماً، يعجز عن تصورها الخيال. وفي المقابل، كانت الخسائر في صفوف قوات التحالف، والتي تقدر بنحو 0.04%، منخفضة انخفاضاً مذهلاً؛ لأن العراقيين انهاروا سريعاً، فاستسلموا أو فروا. فلا يمكن، لذلك السبب، استخلاص نتائج واقعية من تلك المعدلات والنّسب، يمكن التعويل عليها في التخطيط المستقبلي. ب. كان للبنية الأساسية الحديثة للمملكة العربية السعودية، أثناء هذه الأزمة، بما في ذلك المطارات، والقواعد الجوية، والموانئ، والمدن العسكرية، ومصافي النفط، ومحطات التحلية، وما إلى ذلك ـ دور حيوي؛ فكانت إحدى دعائم النصر الرئيسية. ج. كان إعداد مسرح العمليات، بكل ما يحتاج إليه، من أعمال هندسية ونقْل وصيانة وجوانب اقتصادية أخرى ـ من أهم القضايا، التي رصد لها كافة الإمكانات. د. نفذ التخطيط لفتح العناصر الإدارية وانتقالاتها، بما يوافق طبيعة المهمة وحجمها، سواء في مرحلة فتح القوات، أو أثناء الهجوم. وعلى الرغم من المعدلات السريعة لهجوم قوات الضربة الرئيسية، من الغرب، فقد تمكنت قوات الإمداد والتموين من التكيّف مع تلك المعدلات، ومع طبيعة المسرح. ومن ثَم، مكّنت القوات من تحقيق مهامها، بنجاح. هـ. أحرزت عمليات تموين القوات، أثناء أزمة الخليج، نجاحاً إدارياً باهراً، من خلال تجنيد جيش من المتعهدين الفرعيين (من الباطن)، داخل المملكة العربية السعودية. و. اضطلاع قطاع النفط في المملكة، عبْر إدارة الصناعات النفطية وتشغيلها، بدور مهم في توفير احتياجات القوات إلى الوقود، خلال الحرب وبعدها، من خلال ناقلاته (صهاريجه)، التي تجاوز عددها 2500 ناقلة. ز. تمكّن المملكة من إمداد قوات التحالف بأكثر من ألف ناقلة. كما أن الحاملات، التي نقلت الجنود، نفذت أكثر من 3 آلاف رحلة. ح. افتقاد القوات العراقية قوات تأمين فنية فاعلة، فضلاً عن تأثير فترة الحظر في معدلات الإصلاح والصيانة، الناجم عن النقص الحادّ في قطع الغيار. ط. تأثير الضربات الجوية للتحالف، في الإمداد الإداري المنظم للقوات العراقية، في مسرح العمليات. وهـو ما أثر تأثيراً شديداً في قوة الدفاعات العراقية وثباتها نتيجة انخفاض الروح المعنوية. 2. الدروس المستفادة أ. أهمية التجهيز المسبق لمسرح العمليات المنتظر وإعداده بكل ما يحتاج إليه، من أعمال هندسية ونقْل وصيانة، وجوانب اقتصادية أخرى، بما يلائم طبيعة العمليات وحجم القوات المنتظر عملها فيه. ب. أهمية التخطيط المسبق للترتيبات الإدارية الطارئة، لتوافق متطلبات المعركة المقبِلة وفي مسرح العمليات المنتظر (أو على الاتجاه الإستراتيجي الأكثر تهديداً، داخل الدولة). ج. أهمية تنسيق إعداد الدولة للدفاع، في مجال المشروعات الصناعية والهندسية المدنية، بما يوافق المطالب العسكرية، ويخدم العمليات العسكرية المقبِلة. د. أهمية إنشاء بِنية أساسية (مطارات ـ موانئ ـ طرق ـ جسور ـ مدن عسكرية ـ وسائل اتصالات ـ مشروعات مياه ـ مشروعات كهرباء)، تكون قادرة على تلبية المطالب العسكرية، وتخدم، كأسبقية أولى، اتجاهات التهديد الرئيسية. هـ. أهمية التخطيط لفتح الوحدات الإدارية والفنية، ومناورتها، بما يوافق معدلات التقدم العالية لمعركة الأسلحة المشتركة الحديثة[3]، مع توفير المعدات ووسائل النقل اللازمة لذلك. وإزاء تأثير الإمداد الإداري في نجاح العمليات العسكرية، يتحتم اشتراك الوحدات الإدارية (أفراداً ومعدات)، في مشروعات ومناورات، مع الوحدات المدرعة ووحدات المشاة الآلية .. بما يؤدي إلى تكاملها.

[1] استخدمت العديد من أقمار التجسس منها أقمار أمريكية لها فرعين من القدرات المختلفة وهناك أقمار لاكروس للتصوير الراداري والتي تستطيع المرور مرتين يومياً فوق العراق، وهناك منصات الاستطلاع اللاسلكي كما استخدم أيضاً قمر صناعي لبرنامج الدعم العسكري ويستخدم تلسكوبات أشعة دون الحمراء. [2] الإعاشة: هي الصنف الأول من أصناف التمويل، وتشمل: الخبز واللحوم والفواكه والخضروات والبيض والأرز والسكر..الخ من المواد الغذائية الأخرى. [3] تم نقل 300 ألف جالون وقود لصالح الفرقة 24 مشاة آلي فقط يوم ي2 عمليات (25 فبراير 1991).


المبحث الرابع: النتائج والدروس المستفادة في تطبيق مبادئ الحرب، ومجالات أخرى

أولاً: النتائج والدروس المستفادة، وتطبيق مبادئ الحرب 1. مبدأ الخداع

يعتمد الخداع الناجح على إستراتيجية شاملة، ومتكاملة، ومتناسقة، على المستويات، الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية. وقد نجحت قوات التحالف في خداعها، من خلال عمليتَين ناجحتَين، فاجأتا القيادة العراقية وأربكتاها: أُوْلاهما: المفاجأة الجوية

كان الهجوم الجوي، بالحس الإستراتيجي، متوقعاً تماماً، لأنه يوافق الموعد النهائي، الذي حددته الأمم المتحدة؛ وعلى الرغم من ذلك، فقد فوجئ به العراق. فقد تطلبت عملية الخداع تخطيطاً دقيقاً للعمليات الجوية، أثناء مرحلة "درع الصحراء"، والتي جعلت العراقيين، يعتادون النشاط الجوي المكثف لعمليات معيّنة، مثل تزوّد الوقود، على طول الحدود السعودية. ونتيجة لذلك، فإن النشاط الجوي المكثف، فوق المملكة، أول ليلة من "عاصفة الصحراء"، لم يحمل العراقيين على الظن، أن ثمة هجوم وشيك. ثانيتهما: خطة الهجوم البري

أصابت خطة الهجوم البري لقوات التحالف، القوات العراقية، بالاضطراب والحيرة. فقد جرت تدريبات برمائية على الإنزال إلى البر، إلى جانب الأنشطة الأخرى، اللازمة للتجهيز لذلك "مثل إزالة الألغام، المحتمل وجودها في المناطق القريبة". وكان الغرض من هذه التدريبات، إيهام العراقيين بأن الهجوم من الساحل، هو جزء من خطة التحالف.

وقيّد وجود قوة برمائية، من قوات مشاة البحرية، بالقرب من ساحل الكويت ست فِرق عراقية، كانت ترابط فيه، إذ توهمت هجوماً برمائياً. وإمعاناً في التضليل، بادر بعض قِطع البحرية من قوات التحالف إلى عمليات خداعية، خارج الساحل، في اليوم السابق على بدء الحرب البرية. واستناداً إلى الوثائق التي استولت عليها قوات التحالف، والمقابلات مع أَسْرى الحرب العراقيين، ودراسة الأوضاع الدفاعية على طول الساحل، اتَّضح أن الجيش العراقي، كان يعتقد، أن مشاة البحرية، كانوا يعتزمون الهجوم على الشاطئ، بالقرب من مدينة الكويت.

كذلك، حالت السيادة الجوية للتحالف دون تمكن العراق من رصد تحركات الفيلق 18 المحمول جواً، والفيلق 7، على الرغم من تحرّكهما مئات الكيلومترات، إلى الغرب من مناطق حشدهما، جنوب الكويت. كما كانت وسائل الخداع، عبْر وسائل الاتصال، تظهر أن الفيلقَين لا يزالان في مواقعهما الأساسية، بينما هما قد تأهّبا للهجوم، غرب الكويت. وهو ما أدى إلى تراخي العراقيين، وأفسد عليهم استعدادهم لصد الضربة الرئيسية لقوات التحالف، التي التفّت عليهم، لتطويقهم، في مسرح العمليات الكويتي، وطردهم منها.

أما العراقيون، فقد حققوا بعض النجاح، في عمليات الخداع والإخفاء والتمويه، منها:

براعة القوات العراقية في بناء الأهداف الهيكلية، للصواريخ والطائرات والدبابات، وبعض المعدات الأخرى، التي ضَلّلت قاذفات التحالف، في بعض الأحيان، وجعلتها تقصف أهدافاً وهمية قصفاً مكثفاً. وأسهمت الأهداف الهيكلية، المصنوعة من الخشب والورق المقوى، بدور كبير في حماية الأهداف الحقيقية من التدمير، وبخاصة قواذف الصواريخ سكود المتحركة.

نجاح الرئيس العراقي في مفاجأة العالم كله، باحتلال دولة الكويت، بدلاً من احتلال بعض الجزر الصغيرة، المواجهة لميناء أم قصر. أ. نقاط القوة

أبرزت حرب الخليج، أن المفاجأة، تسهُل تحقيقها على مَن يمتلك الاستطلاع والاستخبارات والتغطية بالمستشعرات، وعلى من يستطيع دمج تكتيكاته بالتكنولوجيا الحديثة. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية معرفة تكتيكات الوحدات المعادية؛ وتحسين القدرات على اكتشاف؛ وتطوير إمكانات تحليل المعلومات ومعالجتها، من أجْل التغلب على إستراتيجيات الخداع المعادية. (2) أهمية العمل على تحسين الإمكانات الفنية، للتمييز بين الأهداف الهيكلية والأهداف الحقيقية. (3) أهمية الاستفادة بكل إمكانات التقنية الحديثة، وقدرات وسائل الاستطلاع والاستخبارات عند التخطيط لعمليات الخداع. 2. مبدأ الحشد

أدت حرب الخليج إلى إبراز مبدأ مهم، وهو الحشد، على الرغم من أنه مبدأ قديم قِدم التاريخ العسكري. لكن تنظيم حشد أكبر جسر، جوي وبحري، لنقل نحو ثلاثة أرباع مليون جندي، وعدة آلاف من الدبابات والعربات المدرعة والمدافع، وأطنان من مواد الإعاشة والذخائر والمعدات، من القارة الأمريكية وقواعد المحيط الهادي وأوروبا وآسيا وأفريقيا، إلى المملكة العربية السعودية، داخل مسرح عمليات محدود، من دون أي اختناق أو حوادث أو مصاعب، وخلالها في توقيتات قياسية، مع تأمين وصولهم وفتحهم على قطاعات عملهم ـ يُعَدّ من مآثر تلك الحرب. وتُبرز أهمية مبدأ الحشد المتدرج، لتأمين العمليات الدفاعية، ثم التحول إلى العمليات الهجومية. أ. نقاط القوة (1) نجاح قوات التحالف في عملية نقل جوي، خلال فترة الذروة، بلغ معدلها 17 مليون طن ميل / يوم ). وهو أعلى معدل عرفته الحروب، حتى الآن. إذ اضطلعت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ مهام نقل جوي إلى المسرح، بلغ إجماليها 22064 طلعة. (2) نهوض النقل الجوي بدور جديد في دعم فتح القوات، على مسافات بعيدة (Power Projection). (3) علو معدل الحشد السريع، خلال المرحلة التحضيرية للحرب. إذ تمكنت القوات البحرية، من حشد أكثر من 80% من القِطع البحرية، خلال 45 يوماً من بداية الأزمة. كما استُخدم حجم كبير من سفن الشحن الإستراتيجية، أسهم في أكبر عملية نقْل بحري إستراتيجي للقوات، في زمن، ومسرح محدودَين. (4) الحشد الجوي، من نوعيات متقدمة من الطائرات، وبحجم كبير، يمكن أن يؤدي إلى حسم الحرب، بل التأثير في ميزان القوى داخل المسرح، لا بل العمل على إنجاح القوات البرية في مهمتها، بعد إنزال القصف الجوي بالعدو خسائر كبيرة. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية مبدأ الحشد، على الرغم من قِدَمِه، في تغيير التوازن الإستراتيجي، على مستوى المسرح. (2) أهمية التدرج في حشد القوات، بما يوافق مطالب العمليات، وبخاصة مطالب تحقيق التوازن العسكري، في مسرح العمليات. 3. المبادأة

لا مراء في أهمية امتلاك المبادأة، مع استمرار المحافظة عليها، طوال مراحل تنفيذ العملية الإستراتيجية. وهو ما نجحت فيه القوات المشتركة في تحقيق هذه المبادأة والمحافظة عليها، مما أدى إلى شلل القيادة والقوات العراقيتَين وفقدانهما القدرة على الحركة، اللذَين انعكس على ردود فِعلهما الضعيفة، التي لم تحقق أي نتائج إستراتيجية.

وإذا شَقّت المحافظة على المبادأة، تغيرت طبيعة الحرب وسيرها، وتقلبت نتائجها؛ وهو ما شهدته الجبهة المصرية ـ الإسرائيلية بعد 16 أكتوبر 1973. الدروس المستفادة أ. امتلاك المبادأة والاحتفاظ بها، من بداية العمليات حتى نهايتها، مع عدم السماح للجانب الآخر بامتلاكها، في أي مرحلة من مراحل القتال. ب. الضغط على الجانب المعادي، باستخدام كل الإمكانات (البرية ـ البحرية ـ الجوية) المتيسرة في مسرح العمليات، وعلى مدار الساعة، ليلاً ونهاراً، وعدم السماح له بردّ فعل، يحقق من ورائه أي نجاحات. 4. التعاون

   شهدت حرب الخليج تجميعاً قتالياً، من 37 دولة، استطاعت أن تتعاون تعاوناً، لم يسبق في تاريخ الحروب الحديثة، من أجْل تحقيق أكبر وأسرع نصر عسكري في التاريخ.

أ. نقاط القوة (1) تنسيق المهام بين القوات، البرية والجوية. (2) تنسيق أعمال قتال القوات الجوية، على مستوى المسرح، من خلال توحيد القيادة، والتعاون والتنسيق المشترك. (3) تنسيق أعمال الحصار البحري، بوساطة عدد من الدول والسفن، في إطار تعاون شامل بين الدول المشاركة في الحصار، وبأسلوب دقيق، وتقسيم المسرح إلى قطاعات مسؤولية. ب. الدروس المستفادة (1) استخدام ضباط الاتصال، وأطقم المعاونة الجوية، من أجْل تنسيق التعاون، على مستوى المسرح. (2) التعاون والتنسيق بين القيادات والقوات، بما يمكّن قيادات التحالف من السيطرة على القوات، على اختلاف الأساليب القتالية وأنواع المعدات. (3) تحديد علامات التعارف وإشاراته، وتنسيقهما. ثانياً: نتائج ودروس مستفادة، في مجالات أخرى 1. الثورة التقنية العسكرية

أظهرت حرب الخليج الإمكانات الجديدة لِما يسمَّى "الثورة التكنولوجية العسكرية في الحرب". فتكنولوجيا الأسلحة، كانت عاملاً حاسماً في تحديد نتائج الحرب. وكان أكثرها تطوراً، هو أشدها تأثيراً، مثل طائرة (F-117)، المقاتلة القاذفة؛ وصواريخ كروز؛ والذخائر الموجهة الدقيقة، وهو جيل الأسلحة، التي يمكن توجيهها إلى الهدف أثناء طيرانها. ثم ظهر الجيل الثاني، وهو الأسلحة الذكية، التي تمكن من إطلاق الذخائر في الاتجاه الصحيح، وتلتقط الأهداف المرئية، ثم تختار الهدف الملائم، وأفضل وسيلة للتعامل معه.

كذلك، كان أداء العديد من المعدات، واحتفاظها بقدراتها القتالية، في ظل بيئة صحراوية قاسية، وخلال فترات طويلة إنجازاً كبيراً. كما أن الطائرات المحملة بأجهزة إلكترونية حساسة، انتشرت على امتداد الجبهة، وأنجزت عملياتها بجدارة ملائمة.

كما كان للتقنية المتقدمة أثر شديد، في تحسين فاعلية العديد من العوامل الرئيسية للحملة الجوية، وأولها دقة الضربات الجوية وإحكام تسديدها، اللذان أدّيا، مع التجديد والابتكار، إلى اكتشاف مواقع الدبابات العراقية المتخندقة، والمستخفية استخفاءً تاماً. كذلك كان للدقة والإحكام أثرهما في ازدياد سلامة الطيار، وذلك بتقليل الطلعات المطلوبة لقصف أحد الأهداف. كما سمحت التقنية بتسديد أغلبية الضربات الجوية من ارتفاعات، تزيد على 12 ألف قدم.

كذلك حالت التقنية المتقدمة دون إصابة الطائرات، فأطالت مدة صلاحيتها، وأتاحت لها الاضطلاع بمعدلات عالية من الطلعات الجوية، التي أتاحت، بدورها، للقوة الدافعة التدميرية للحملة الجوية، أن تحدث نتائج طيبة.

وساعدت التقنية العالية على استمرار صلاحية الطائرات، بطرق ثلاث: · الطريقة الأولى: تزويد الطائرات أجهزة لإبطال مفعول الدفاعات الجوية العراقية. فالطائرة المزودة مثل هذا الجهاز، كان لها أثر غريب في شبكة الدفاع الجوي العراقية المتكاملة. · الطريقة الثانية: تمكين طائرة (F-117)، المقاتلة، من التسلل، الذي قلّل من تعرّضها للسقوط. ولذلك كانت هي الوحيدة، التي استخدمت ضد الأهداف في بغداد، التي يتولى الدفاع عنها دفاع جوي مكثف. وعلى الرغم من اضطلاع هذه المقاتلة بما يفوق 1200 طلعة جوية، ضد أقوى الأهداف مناعة، فإنها لم تُمْنَ بأي خسائر. · الطريقة الثالثة: إطلاق صواريخ كروز، من السفن أو من طائرات (B-52)، على أهداف ذات أهمية إستراتيجية، أو ذات حصانة منيعة. وهو ما لفت المخططين إلى بُعد جديد للمقدرة الحربية؛ إذ إن دقتها وتحقيقها سلامة الطيران، جعلاها فاعلة ضد الأهداف الحصينة، خلال ساعات النهار. لذلك، فإن أكثر من 80% من صواريخ توما هوك (كروز)، نفّذت مهامها في وضح النهار. أ. نقاط القوة في استخدام أنظمة عالية التقنية (1) شملت الثورة التقنية عدة ميادين، في مجالات الأسلحة والمعدات والذخيرة، ولجميع الأفرع الرئيسية (البريْة ـ البحرية ـ الجوية). وأكدت التطور في مجالات عديدة، مثل تطوير نقل المعلومات، التي أصبحت مألوفة في حياتنا اليومية. (2) عززت التقنية العالية فاعلية عوامل رئيسية للحملة البرية منها سرعة التحرك في المناورة، والاشتباك من مسافة بعيدة، والملاحة الدقيقة المتقنة، والقدرة على الرؤية الليلية. وما المقدرة العالية، التي تميزت بها القوات البرية الأمريكية، على النهوض بحملة برية سريعة، طوال مائة ساعة متواصلة، إلا حصيلة التدريب والمعدات المتميزة، وتطور المبادئ، التي أتاحت للتشكيلات، أن تقطع مسافة مائة كيلومتر، في الأربع والعشرين ساعة الأولى. (3) عززت التقنية العالية مقدرة القوات البرية على الاشتباك من مسافة بعيدة. وهو ما أتاح لها تنفيذ عملياتها، في أمان، وبفاعلية. (4) ساعد نظام التخزين الشامل (Global Positioning System)، على جعل اجتياز الصحراء عملاً دقيقاً. إذ زوّد الجيش بمعلومات ملاحية دقيقة، تتعلق بتخزين الاحتياجات والمعدات في أماكن معينة، للانتفاع بها خلال الحرب. وذكر العديد من القادة العسكريين والمحللين، أن مناورة الخطاف الأيسر (Left Hook)، كان من المستحيل تنفيذها، لولا نظام التخزين الشامل (G.P.S)، الذي هيّأ لوحدات المدفعية تنفيذ أعمال المساحة تنفيذاً دقيقاً، وسهّل إعادة تموين الوحدات والتشكيلات، ورسْم خرائط لميدان القتال. (5) أتاحت التقنية العالية لأجهزة الرؤية الليلية، استمرارية أعمال القتال، ليلاً ونهاراً. وهو ما أدى إلى وضع القوات العراقية تحت ضغط كبير. ب. الدروس المستفادة من استخدام أنظمة عالية التقنية (1) أهمية تطوير الأسلحة والمعدات، بكافة تخصصاتها، في الاتجاهات التالية: · زيادة المدى، حتى يمكنها الاشتباك مع العدو من مسافات بعيدة. · زيادة القدرة التدميرية. · دِقة التوجيه. · تزويدها الأجهزة الحرارية، التي تستطيع تحديد الأهداف بدِقة. (2) ابتكار أنواع أكثر تقدماً من الصواريخ الباليستية، المضادّة لصواريخ أرض / أرض (نُظُم الدفاع المضادّ للصواريخ). (3) أهمية تطوير نُظُم الأسلحة لتكون قادرة على القتال، الليلي والنهاري، باستخدام وسائل أجهزة الرؤية الليلية، للقتال الليلي. (4) أهمية تزويد التشكيلات والوحدات نظام التخزين الشامل (Global Positioning System)، من أجْل تعزيز قدرتها على المناورة داخل الأراضي الصحراوية المتسعة، التي تفتقد المعالم الطبيعية. (5) ضرورة تطوير الصناعات العسكرية، بما يوافق تقنية العصر، تعزيزاً للقوات المسلحة بأحدث المعدات والنُظُم والأسلحة، وتلاحم التطوير، المدني والعسكري، في مجال الاتصالات والمعلومات. (6) أهمية تطويع التقنية الحديثة لتنفيذ المهام، أو الحصول على المعلومات، أو التخطيط، وتقليل الزمن بين الحدث ووصول المعلومة (Zero Time). (7) أهمية التطوير في مجال استخدام صواريخ كروز، حتى يمكن تحقيق المفاجأة، من دون تعرّض القوات الجوية لخسائر كبيرة. 2. المعلومات تحقق السيادة في المعركة

   أولى الفكر العسكري اهتمامه المعلومات، منذ القِدم؛ فأكد صن تزو (Sun Tzu)، في القرن الثالث قبل الميلاد، الحقائق التالية:

أ. اعرف عدوك، واعرف نفسك، يتحقق لك، في كل مائة معركة، مائة انتصار. ب. إذا لم تعرف عدوك، وعرفت نفسك، فإن فرصتَي الكسب والخسارة متساويتان. ج. إذا لم تعرف عدوك، ولم تعرف نفسك، فإنك خاسر، لا محالة.

وازدادت أهمية المعلومات، في ضوء التقنية الحديثة، لتصبح إحدى الركائز الأساسية لتحقيق النصر. لقد بات التفوق في الحرب، لا يعتمد فقط على امتلاك الكم الأكبر من الموارد، وحشد العديد من الوحدات، واستخدام التقنية الأفضل في ميدان المعركة؛ وإنما اعتمد إلى جانبها، كذلك، على المعلومات الآنية (الفورية) عن مسرح العمليات.

والمعلومات تعني ضرورة الإلمام بتكتيكات القوات المعادية. وقد أدى عدم الإلمام الصحيح ببعض هذه التكتيكات، تضخيم حجم القوات العراقية في مسرح العمليات، وعدم تدمير صواريخ سكود، في الوقت الملائم، ونذكر مثالين على ذلك: الأول: وهو تضخيم حجم القوات العراقية. تقدر مساحة الكويت بنحو 820 17 كم2، والمعلوم أن الفِرقة تنتشر على مساحة 225كم2، ويراوح الفاصل، عادة، بين فِرقتَين متجاورتين، بين 5 و10 كم، أي أن مساحة الفاصل بين أي فرقتين راوح بين 75 و150كم2. وكانت تقارير الاستخبارات، تشير إلى أن عدد الفِرق العراقية في مسرح العمليات الكويتي، يقدر بنحو 45 فِرقة، منها 25 فِرقة داخل الكويت، أي أنها تحتل مساحة قدرها 9375كم2. فهل من المنطق أن الفِرق العراقية، كانت تحتل أكثر من نصف مساحة الكويت؟ الثاني: وهو عدم تدمير صواريخ سكود في الوقت الملائم، إذ أدى الجهل بالتكتيكات التفصيلية لوحدات صواريخ سكود، إلى صعوبة اصطياد قواذفها المتحركة. فأفادت المعلومات التي تيسرت للأمريكيين، أن القاذف، يخلي موقع الإطلاق في 30 دقيقة؛ وهو رقم غير دقيق، في حين أن ذلك، لا يستغرق إلا سبع دقائق فقط. ولدى ضبط الوقت، ازدادت قدرة التحالف على تدمير القواذف، قبْل إخلائها مواقع الإطلاق.

أهمية المعلومات العسكرية الدقيقة (التقارير)، التي تُرفع إلى القيادة السياسية، مبيّنة كفاءة القوات المسلحة وقدرتها، حتى تتمكن هذه القيادة من اتخاذ القرار السياسي الصحيح، وتحديد أهدافها السياسية والإستراتيجية، طبقاً لكفاءة قواتها المسلحة، وتَوَافُق هذه الأهداف مع القدرات والإمكانات المتاحة. ففي الدول التي تحكمها دكتاتورية، ترفع التقارير، عادة إلى القيادة السياسية، لتصور لها القوات المسلحة في أفضل صورة من القوة العسكرية، وأنها قادرة على التصدي لجميع التهديدات. وقد تقتنع القيادة السياسية بذلك، عندما ترى تلك القوات في استعراضات واحتفالات عسكرية، علماً أن هذه الاستعراضات، لا تخيف، ولا تخدع الدول، التي تقيس القدرة العسكرية بمقاييس ومعايير محددة. يُملي مما سبق الدروس المستفادة التالية: أ. الحرص على امتلاك أكبر قدر من المعلومات وتحليلها، في الزمان والمكان الملائمَين. ب. تحقيق التفوق في المعلومات، على الجانب المعادي، من أجْل مضاعفة القدرة القتالية. ج. الإلمام بتكتيكات الوحدات والتشكيلات المعادية، من أجْل وضع تقدير موقف سليم، واتخاذ القرار الأمثل. د. تعاون أجهزة الاستخبارات، وتعاضد أنواعها المختلفة على حيازة معلومات دقيقة عن القوات المعادية وتكتيكاتها. هـ. تحري الأمانة في رفع التقارير إلى القيادة الأعلى، حرصاً على دقة قراراتها الحيوية، التي قد تؤثر في مصير الدولة. 3. نجاح فاعلية المنظومة الثلاثية ( القيادة ـ الانضباط ـ التدريب )

أثبتت حرب الخليج أهمية التفاعل بين عوامل ثلاثة، لتحقيق النصر، وهي القيادة والانضباط والتدريب؛ وأهمها القيادة. وكانت الضرورة تقضي ببقاء قوات التحالف فترة، تتعرّف، خلالها، على أرض المعركة، وتتدرب فوق مسرحها، بعد أن تحددت القطاعات بين القوات، وإعطاء الوقت اللازم للتعارف والتعاون والتنسيق، بما يحقق لها النصر، بأقلّ خسارة. أ. نقاط القوة والضعف (1) تميُّز قوات التحالف بمستوى عالٍ من الكفاءة والتأثير والاستعداد القتالي. (2) استخدام أساليب التدريب الحربية الحديثة، مثل ميادين التدريب المتطورة والمحاكيات، زاد مستوى الكفاءة القتالية للقوات. وأدى تدريب الطيارين، في ظروف مشابهة للحرب الحقيقية، إلى الارتفاع بمستواهم. (3) المسارعة إلى مواجهة المعتدي؛ والتخطيط العسكري الملائم لظروف المسرح؛ فضلاً عن طبيعة القوات العراقية وإمكاناتها ونقاط قوّتها وضعفها ـ كل أولئك أسهم في تحقيق النصر. ب. الدروس المستفادة (1) الارتفاع بمستوى تدريب القوات، حتى تكون قادرة على تنفيذ ما يخطط لها، خلال مراحل القتال المختلفة. كما أن الارتفاع بمستوى تدريب الجنود، يبعث في نفوسهم الثقة، ويحفزهم على تحقيق الهدف، الذي يؤمنون به. (2) تدريب القوات في أرض مشابهة لمسارح العمليات المحتملة. وقد عزّز تدريب قوات التحالف، خلال المرحلة التحضيرية، وفي غضون خمسة أشهر ـ إلمامها بالمسرح، وإتقانها مهام العمليات المنتظرة. كذلك، كان لتدريب قوات الاحتياطي (التعبئة)، خلال فترة إعداد القوات، أثر مهم في تحسين مهاراتها الأساسية، فنفّذت مهامها القتالية بكفاءة. (3) دور القيادة في بناء الثقة لدى القوات، من خلال: · إعداد القوات إعداداً جيداً والارتفاع بمعنوياتها. · الإقناع بعدالة القضية. 4. الفضاء ودوره كقوة رابعة

   ازدادت الحرب بُعداً جديداً، فباتت رباعية الأبعاد: البري والبحري والجوي والفضائي. لقد حسم المعركة بُعدها الرابع، وهو الفضاء، لسببَين:

أ. استطلاع الأقمار الصناعية، والأشكال الأخرى للكشف والمراقبة وتحديد الأهداف، زاد الكفاءة القتالية زيادة عالية. ب. استخدام نُظُم القيادة والسيطرة، وأنظمة الذخائر الدقيقة التوجيه والأسلحة المتسللة.

   إن قدرات حرب الفضاء للولايات المتحدة الأمريكية، أثّرت في كلٍّ من العمليات الجوية، والعمليات البرية ـ الجوية. وأكدت أن التحالف، يمكنه تحقيق المفاجأة، وتنفيذ معدل عالٍ، وعمليات مشتركة، خلال المرحلة البرية ـ الجوية من الحملة. كانت أقمار الاتصالات العالية الكثافة، حيوية لتنسيق عمليات التحالف، خلال " درع الصحراء "، بالإضافة إلى فتح القوات الأمريكية، على مسافات بعيدة، وتحرُّك الإمدادات من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأجزاء أخرى من العالم.
   

وبادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توفير كل نُظُم الأقمار الصناعية، التي استخدمت لتحقيق وسيلة تبادلية للاتصالات العملياتية الواسعة للتحالف. وفي ذروة "عاصفة الصحراء"، فتحت 118 نهاية اتصالات أقمار صناعية (GMF)، في المسرح، و12 نهاية أقمار صناعية تجارية، و61 وصلة (Tri-Tac)، لبرنامج الاتصالات المشتركة.

كما كان لنظام الاتصالات العسكرية، بالأقمار الصناعية، أهمية، على الرغم من أن نظام اتصالات الأقمار (MILSAR)، لم يفتح، ولم يكن قد أُعيد تحويله من منطقة التركيز في الحرب الباردة، إلى العمل في مناطق الحروب التقليدية. فاضطلعت الأقمار الصناعية (DSCS)، بتوفير حوالي 75% من الربط داخل مسرح العمليات، خلال "عاصفة الصحراء"، وعالجت عمليات تبادل معلومات الاستخبارات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبثّ "أمر العمليات الجوي اليومي" (ATO)، ووسائل الاتصالات بالأقمار المتحركة، خلال المعركة البرية ـ الجوية.

كان هناك نظامان أدّيا دوراً مهماً في إمداد التحالف بقدرة إضافية للقيادة والسيطرة، والاتصالات والاستخبارات، والحاسبات وإدارة المعركة (C4I/BM)[1]، وتأمين التنسيق، بمعدلات عالية، لعمليات القتال: أ. برنامج القمر الصناعي العسكري المترولوجي (Meteorological) (للأرصاد الجوية وليس عسكري)

كانت حرب الخليج أول حرب، تُستخدم فيها أقمار صناعية متطورة، لرصد الأحوال الجوية، التي يساعد تنبؤها على تخطيط الضربات الجوية وتنفيذها؛ ويُسمح للقوات البرية، أن تستفيد، إلى أقصى حدٍّ ممكن، من نُظُم الرؤية الليلة. ب. نظام تحديد المحل الكوني نافستار (NAVSTAR)

القدرة على تحديد الهدف وتدميره، على مسافات بعيدة، والقتال ليلاً، وفي الأحوال الجوية السيئة، وسرعة التحرك عبْر أرض وعرة، والملاحقة الدقيقة ـ هي عوامل حيوية في حرب الصحراء. ولذا، كان لنظام تحديد المحل الكوني (نافستار)، دور حيوي في قدرة قوات التحالف على تحديد أماكنها، بدِقة، وفي وقت قصير نسبياً، من دون أن تتأثر بمدى وضوح الرؤية ولا تضاريس الأرض. وقد أظهرت التدريبات، أن نظام تعيين المحل والملاحة (GBS)، الكونيَّين ساعد على تحرير الوحدات البرية للتحالف من الارتباط بالطرُق، وتطوير معدل عملياتها تطويراً كبيراً. ج. نقاط القوة

إن امتلاك قوات التحالف لأنواع متقدمة، من الأقمار الصناعية، مكّنها من الحصول على " معلومات دقيقة عن الأهداف العراقية، ونتائج قصفها؛ ومن الإنذار بإطلاق الصواريخ العراقية، والمساعدة على التوجيه الملاحي، وتحديد المحل. د. الدروس المستفادة (1) الأقمار الصناعية ضرورة أساسية للقوات، من أجْل الحصول على المعلومات وتوصيلها، من الفور، أو لتحقيق السيطرة على القوات. (2) تزويد القوات أجهزة استقبال (GBS)، تجعلها قادرة على تحديد أماكنها، في وقت قصير نسبياً.

[1] Command Control Communications Computers Intelligence and Battle Management


المبحث الخامس: النتائج والدروس المستفادة على المستوى العملياتي للقوات البرية

أولاً: تطبيق عقيدة (أسلوب) الحرب البرية ـ الجوية

على أثر انتهاء، الحملة الجوية، المرحلة التمهيدية لعملية "عاصفة الصحراء"، كانت القوات المشتركة قد حققت تفوقاً ساحقاً، في مجالات القوة النيرانية، والسيطرة الجوية والبحرية والإلكترونية، والحرب النفسية، والاستخبارات والاستطلاع؛ فضلاً عن تفوّقها في عقيدة القتال، الذي اعتمدته خطة "عاصفة الصحراء".

وقد عُهد بالضربة الرئيسية في العملية البرية، إلى الفيلقَين الأمريكيين 7 و18، والفِرقة البريطانية الأولى، والفِرقة الفرنسية السادسة الخفيفة؛ لاعتناق تلك القوات عقيدة قتالية واحدة، هو عقيدة حلف شمال الأطلسي في الحرب البرية ـ الجوية، والذي كان الجنرال برنارد روجرز، رئيس الأركان الأمريكي الأسبق، والقائد الأسبق لقوات حلف شمال الأطلسي، قد اعتمده، عام 1979، بعد دراسات عميقة، وتجارب مضنية، أسهمت فيها صروح البحث والتطوير في المعسكر الغربي، ومراكزه التدريبية، ومعاهده العلمية، مستلهمة الدروس والخبرات، المستفادة من مسارح الحرب العالمية الثانية، وحروب كوريا وفيتنام والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية.

وقوام هذه العقيدة القتالية، هي المسارعة إلى انتزاع السيطرة الجوية من الخصم، توطئة لقصف قواته وأسلحته ومعداته ومستودعاته ومراكز سيطرته قصفاً عنيفاً. وضرب خطوط إمداده. وشن حرب إلكترونية ضارية، تشل سيطرته في الميدان، قبْل البدء بمهاجمته بالقوات البرية، التي تحرص على توجيه الضربات المتفوقة، والعميقة، والمتزامنة، في كل أرجاء المسرح لإيقاع الهزيمة الساحقة بالعدو، في أسرع وقت، وبأقل خسائر. ومن الطبيعي، أن يتطلب ذلك استخداماً واسعاً للقوات الخاصة والمظليين، وقوات الاقتحام الرأسي والإبرار البحري.

اقتضت الضربة الرئيسية، من جهة الغرب، وفقاً لهذه العقيدة، التوغل العميق، والسريع، في أرض العراق، حتى البصرة، وتطويق القوات العراقية، المتمركزة حول الحدود، الكويتية والسعودية، من أجْل عزْل جبهة القتال عن قلب الدولة.

وفي المنطقتَين، الشرقية والشمالية، تولت القوات، العربية ومشاة البحرية الأمريكية[1]، مهاجمة الدفاعات العراقية، على امتداد حدود الكويت الجنوبية وسواحلها، سعياً إلى تحريرها.

وبعد مفاجأة قصف الأهداف العراقية المنتخبة، في 17 يناير، بالقنابل والصواريخ والدانات الكثيفة، والمُحكمة التسديد، أمكن القوات المشتركة أن تسحق القوة الجوية العراقية، في بضعة أيام، وتُجبر أفضل طائراتها وأحدثها، على اللجوء إلى مطارات إيران، لتنجو من هلاك محقق؛ فسلَّمت، بذلك، خصمها السيادة الجوية المطلقة.

وقوّض ذلك القصف الكثيف، الذي قدِّر إجماليّ طلعاته بنحو 108 ألف طلعة، بمعدل طلعتَين كل دقيقة، بِنية العراق الأساسية، إذ دمّر 325 منشأة صناعية، و7 معامل تكرير نفط، و500 مؤسسة، حربية وتكميلية، وأغلب محطات الطاقة والمياه والصرف الصحي، ومعظم الجسور المهمة، ومراكز الاتصالات.

ولم يكن القطاع العسكري أوفر حظاً؛ إذ فقد، بدوره، جزءاً كبيراً من أسلحته الرئيسية (الدبابات ـ العربات المدرعة ـ المدافع)، ومنصات صواريخه، أرض / أرض، وأرض / جو، وحوالي 60% من طائراته، و 90% من سفنه الحربية، فضلاً عن اضطرار ما بقي منها سليماً إلى الانسحاب من الحرب. كما أزال القصف الجوي كل المستودعات، الكيماوية والبيولوجية، والمفاعلات النووية، وشلّ شبكات السيطرة الميدانية، ودمّر طُرُق المناورة والإعاشة ومحاورهما؛ فتدهورت معدلات الإمداد بالأغذية والمؤن والذخائر، إلى أقل من 1: 100 من كميات الاستهلاك اليومي العادي (اُنظر جدول حجم القوات العراقية المدمرة، في مسرح العمليات الكويتي، خلال الحرب البرية).

وحَدّ من مناورة القوات العراقية، تدمير الطرُق والجسور، ونفاذ الوقود، وسيطرة التحالف الجوية. وبذلك، فقدت قوات العراق البرية، أهم عنصر من عناصر بناء الدفاع، وهو القدرة على تحقيق المناورة وخفة الحركة، من أجْل توجيه الضربات والهجمات المضادّة. وتحولت الوحدات المدرعة إلى الدفاع[2]، ولم تنفّذ، خلال الحرب البرية، سوى هجمة مضادّة واحدة، ضد وحدات مشاة البحرية، التي استطاعت أن تصدّها. وأصبحت الوحدات المدرعة، ووحدات المدفعية، صيداً سهلاً لصواريخ قوات التحالف؛ فانهارت معنوياتها، وفقدت عزمها على مواصلة القتال، الذي أصبح غير متكافئ. 1. الضربة الرئيسية

اندفعت القوات، الأمريكية والبريطانية والفرنسية، على امتداد وادي الباطن، في اتجاه مدينتَي البصرة والناصرية، لتعزل مسرح عمليات الكويت وجنوبي العراق، عن قلب الدولة العراقية، محاولة تطويق الدفاعات العراقية، وقطْع خط الرجعة على كافة القوات العراقية المتمركزة جنوب البصرة. وعاونت أعمال هذه القوات، على امتداد المسرح وفي عمقه، عمليات الإبرار الجوي والاقتحام الرأسي، الرامية إلى إرباك دفاع الخصم وشل حركة احتياطياته، ومنعها من التدخل في المعركة. كما كلفت بالاستيلاء على الأهداف المهمة والحاكمة، تطبيقاً لعقيدة الحرب البرية ـ الجوي، مما عجّل بانهيار الدفاعات العراقية. 2. نقاط القوة والضعف أ. تطبيق عقيدة المعركة البرية ـ الجوية، من خلال تنفيذ المناورة والخداع، وضرب المراكز الإستراتيجية للعدو، وتحقيق عدة اختراقات، في آن واحد، واستخدام حاسم للقوات، بالالتفاف والتطويق، وتضمين المناورة استخدام قوة النيران. فتحقق، بذلك، أركان العقيدة القتالية الأمريكية، الأربعة: المبادأة (Initiative) وخفة الحركة (Agility) والعمق (Depth)، والتزامن (Synchronization). ب. تجنّبت تكتيكات المعركة البرية ـ الجوية معارك الاستنزاف البرية (كما حدث في الحرب العراقية - الإيرانية). وعمدت إلى الهجوم على نقاط ضعف العدو، ونقاط تعرّضه، واستمرار العمليات، على مدار الساعة، والاستفادة من كافة القدرات القتالية. والهجوم، أساساً، على الأنساق الثانية والاحتياطيات، وتوجيه الضربات إليها من الأجناب، بالالتفاف والتطويق العميقين. ج. إن النجاح في المناورة، والمحافظة على معدلات عالية للعمليات، لم يتحقق إلا بعد حرب استنزاف جوية مكثفة، وأخرى برية، نفذّتها قوات مدربة تدريباً عالياً، وتستخدم تكنولوجيا متقدمة، ضد القوات العراقية، التي تتبنّى عقيدة الدفاع الثابت. فضلاً عن أن قوات التحالف، الأمريكية والبريطانية والفرنسية، " التي تقاتل ضمن حلف شمال الأطلسي .. كانت تبني عقيدتها على أساس مواجهة قوات حلف وارسو، التي تمتلك التفوق العددي، والعديد من القدرات العسكرية المتطورة. زد أن قوات التحالف، كان لها احتراف متميز. كما توافر لها الوقت، لتحقيق معدلات عالية من الاستعداد والكفاءة القتالية، في مواجهة قوات عراقية، تضم عدداً وافراً من المجندين، بمستوى تدريبي فقير، وقيادة ضعيفة. د. برهان المعركة البرية ـ الجوية على قِيمة كثير من المتغيرات في فن العمليات. هـ. نجاح قوات التحالف في استكمال حركة مناورة واسعة، إلى الغرب. إذ كان على الفيلقَين، السابع والثامن عشر، المكلفَين بتوجيه الضربة الرئيسية، في عمق الأراضي العراقية، وفي إطار عملية الخداع ـ أن ينتظرا نجاح القوة الجوية في تحقيق السيطرة الجوية، قبل أن يبدءا التحرك إلى مواقع الهجوم، في أقصى الغرب من حفر الباطن[3]. وقد أدى تأخير التحرك إلى تضليل الجانب العراقي عن طبيعة التحركات. و. التعاون والتنسيق، بين القوات المدرعة وقوات المشاة الآلية، والنيران غير المباشرة، وقوات الاقتحام الرأسي، وقدرتها على سرعة التحرك؛ على الرغم من أن دبابات (M1 A1)، وعربات برادلي المدرعة (M-2/M-3)، كانت تُستخدم للمرة الأولى، أو بأساليب جديدة. وقد أثبتت المعارك، أن قتال الأسلحة المشتركة، قد يتطلب، مستقبلاً، تغييرات في نُظُم القيادة والسيطرة، والاستخبارات، والحاسبات الآلية، والتدريب، والتكتيكات. ز. مرونة القوات الجوية، التابعة للفيلق الثامن عشر، وفاعليتها، سواء في تأمين فتح القوات أو المعاونة الجوية القريبة. ومع ذلك، فإن أمر العمليات الجوي اليومي (ATO)، لم يسمح بالاستقلال الكامل لنُظُم، مثل طائرات (AH-64) العمودية. كما لم تكن الطائرات العمودية الهجومية، قد دُعمت بوسائل بيانات تحديد الأهداف، التي لَمّا توضع، بعدُ، في الخدمة. ح. استخدام التحالف طائرات ذات أجنحة ثابتة، لدعم قواته البرية المتقدمة. واقتداره على إدارة معركة فاعلة على مستوى مسرح العمليات. ط. فاعلية الاندماج الجوي ـ البري، وتعزيزه بالقدرة على الملاحة الدقيقة، ليلاً، أو في أحوال عدم وضوح الرؤية؛ وتمكينه من تحديد الأهداف بدقة. وامتلاك ذخائر أكثر ذكاءً، وطائرات أقدر على المعاونة القريبة، طوال المعركة، وأشد دِقة في اصطياد الدبابات المعادية. فضلاً عن توافر نُظُم قيادة وسيطرة (C41/BM)، موحدة ومنسقة. ي. تميّز حرب الخليج بأكبر تجمعات أسلحة مدرعة في التاريخ العسكري، حقّقت مجموعة من الأرقام القياسية، بالنسبة إلى التحركات المدرعة المتواصلة. وأظهرت قِيمة المدرعات المتطورة، في الاشتباكات مع الدبابات والأسلحة المضادّة للدبابات. وقدمت نُظُم إدارة نيران وأجهزة رؤية حرارية، استطاعت أن تغيّر معدلات الاشتباك تغييراً كبيراً، وأدت إلى تحديد مسافات الاشتباك بدقة، والقدرة على تحديد مدرعات العدو وتدميرها، على مسافات طويلة، وفي ظروف رؤية سيئة. ك. كما مكّن تشكيلات المشاة الآلية للتحالف، تفوّقها في نُظُم الرؤية والتنشين وتقدير المسافة، من الاشتباك مع قوات المشاة العراقية، على مسافات بعيدة؛ فلم يطاولها معظم الأسلحة العراقية، بل أمكنها الالتفاف حولها، والقضاء عليها، بسهولة. وساعدها على ذلك، مستوى تدريب عالٍ، وإمكانات متطورة من التسليح؛ كان لأجهزة الرؤية الحرارية، وتقدير المسافة، وتفوّق قوة النيران فيها دور مهم في مواجهة قوات عراقية، افتقرت إلى أسلحة مضادّة للدبابات، ونُظُم رؤية وتنشين بعيدة المدى، تستطيع أن تحقق اشتباكاً فعالاً مع تشكيلات المشاة الآلية للتحالف. ل. حاجة القوات الخفيفة إلى ضرورة جعلها أكثر قدرة على القتال، وزيادة قدراتها بالأسلحة المضادّة للدروع؛ بتزويدها أسلحة إضافية، بل يجب أن يتوافر لها عناصر مدرعة، وتزويد عرباتها أجهزة رؤية حرارية ونُظُم تحديد المحل (GPS). م. نجاح التعاون بين الدبابات وعربات القتال المدرعة، في تدمير المدرعات أو المشاة الآلية العراقية، مثل نجاح دبابات الفوج الثاني المدرع، من نوع (M1 A1)، بالتعاون مع عربات برادلي (M-3)، خلال معركة (73 شرقاً)، في خلق ثغرة بين الفِرقة 12 المدرعة وفِرقة توكلنا على الله العراقيتَين. ن. فشل القيادة العراقية في تقييم التأثير، الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي، لقوات التحالف الجوية. وعجزها عن فهْم معنى تكنولوجيات الحرب البرية وقدراتها المتفوقة. وقصر نظرتها إلى الحرب على زاوية خبراتها في الحرب ضد إيران، واستخدام أساليب الدفاع الثابتة؛ مما أدى إلى سرعة انهيارها. 3. الدروس المستفادة أ. أهمية تطبيق إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، من خلال تحاشي الاصطدام، قبْل إرهاق العدو بالضربات الجوية. ب. الالتفاف والتطويق والاختراق السريع، للتعجيل بانهيار الدفاعات المعادية. وأكدت أهمية ذلك أعمال قتال الفيلقَين، السابع والثامن عشر. ج. أهمية استكمال عمليات فتح القوات المدرعة، والمشاة الآلية، في موعد، يسبق الهجوم مباشرة، مع السِّرّية الكاملة في تنفيذ هذه المناورة، من أجْل تحقيق المفاجأة. وتُعَدّ مناورة الفيلقين، السابع والثامن عشر، إلى مسافات، تراوح بين 150 و260 ميلاً، لاتخاذ مواقع بدء الهجوم، خير دليل على ذلك؛ وذلك، يتطلب، في الوقت نفسه، إعداد المسرح إعداداً هندسياً وإدارياً، قبْل بدء تنفيذ المناورة. د. أهمية التحديد الدقيق والسليم لقدرات العدو ونُظُم دفاعاته؛ لأن التقييم السليم، سيؤدي إلى نجاح القوات المهاجمة في تنفيذ مهامها[4]. فضلاً عن وصول المعلومات، في الوقت الملائم، إلى القادة الميدانيين في أرض المعركة. هـ. أهمية التدريب العملي، من خلال تنفيذ برامج تدريبية شاملة، على عمليات، وأرض مماثلتَين للمهمة، التي ستضطلع بها القوات، قبل بدء المعركة البرية ـ جوية، بوقت كافٍ، مع ضرورة توفير الدعم الملائم، ليوائم دور كل تشكيل في هذه العملية. و. أهمية التفاعل بين مختلف أسلحة القوات المشاركة في المعركة البرية ـ الجوية، من أجْل تحقيق نتائج فاعلة، ترفع مستوى التعاون والأداء المشترك. ز. أهمية تطوير التعاون بين أجهزة الاستخبارات والعمليات، تمهيداً لتنسيق أفضل، في تحديد طبيعة العدائيات وحجمها، على مستوى مسرح العمليات، وتحقيق الفاعلية لنُظُم وأسلحة القتال المستخدمة، التي تؤدي إلى إحداث التدمير الملائم في قوات العدو. ح. أهمية الاندماج الكامل بين مهام عمليات الطائرات، ذات الأجنحة الثابتة، وتلك العمودية، واللَّتين تتبعان لفرعَين مختلفَين، تذليلاً للمشاكل المتعلقة بتخصيص القوات، وتحديد الأهداف، وتقييم التدمير. ط. ضرورة إيجاد حلول جديدة ومتطورة، لمشاكل أسلوب التعارف، تجنباً لإصابة القوات الصديقة. ي. أهمية دعم القوات الخفيفة بالعناصر المدرعة، والصواريخ المضادّة للدبابات، التي تمكّنها من قتال عدوّ رئيسي، إذا اضطرت إلى ذلك. ك. أهمية التوسع في عمليات الإبرار الجوي، بمجموعات قتال كبيرة، من أجْل تحقيق عدة أهداف، خلال الاختراق العميق، مثل: (1) إرباك العدوّ بوجود قوات خلف خطوطه الدفاعية. (2) تأمين التشكيلات المدرعة، أثناء تقدُّمها إلى تحقيق أهدافها. (3) تحقيق معدل عالٍ من الهجوم. (4) إغلاق محاور انسحاب القوات المعادية. ل. أهمية التوسع في استخدام عناصر الاستطلاع الأرضي، وعمليات الاستطلاع خلف الخطوط، من أجْل توفير المعلومات اللازمة للقوات المهاجمة. م. ضرورة دراسة الأرض جيداً، وتوفير الخرائط، التي توضح معالمها، وبشبكة إحداثيات ملائمة؛ لأن ذلك من شأنه تحقيق ضربات سريعة، وذات فاعلية، ضد القوات المدافعة. ن. ضرورة التنسيق الكامل بين الهجمات، البرية والجوية والبحرية والبرمائية؛ إذ من شأنه، أن يحقق هجوماً كاسحاً للقوات، في إطار تعاونها الشامل. ثانياً: القتال المتواصل، على مدار الساعة ليلاً ونهاراً وفي جميع الأحوال الجوية

تمكّنت قوات التحالف من القتال، ليلاً، بكفاءة عالية، وعلى مدى، لا تطاوله الأسلحة العراقية. وأبرز مثال على ذلك، عدم قدرة الدبابات العراقية من نوع (T-72)، على الصمود أمام الدبابات الأمريكية من نوع (M1 A1).

توافرت أجهزة ملاحية دقيقة (GPS)، مكّنت قوات التحالف من تحديد مواقع الوحدات الصديقة، ومواقع العدو؛ فتحركت عبْر الصحراء بسهولة ودِقة.

توافرت الإمكانات لإصابة الأهداف، على مسافات أبعد من مدى البصر؛ وظهر ذلك جلياً، في نتائج القصف، الجوي والبحري والبري.

أضفت حرب الخليج شرعية على معظم التغييرات، التي حدثت في تطور التكتيكات والتدريبات، واستخدام القوات خلال معارك القوات المدرعة. إذ كانت القوات قادرة على استغلال خفة حركة مدرعاتها، لتحقيق معدلات قياسية في التقدم، مع استغلال نُظُم الرؤية الليلية المتطورة، ومدى المدافع وأجهزة التوازن الآلية، وأجهزة إدارة النيران، لتحقيق ميزة حاسمة على أفضل القوات العراقية إعداداً وتسليحاً، وهي قوات الحرس الجمهوري. وكشفت نتائج اشتباكات المشاة الآلية، أن عربة القتال المدرعة الأمريكية، برادلي، وفرت ميزات مهمة على قوات عراقية مزودة بعربات قتال مدرعة (BMP)؛ وأن خفة الحركة المتفوقة، وقوة النيران، والوقاية، التي تميزت بها عربة برادلي، جعلتها متفوقة، إلى حد بعيد، حتى على أحدث العربات الأمريكية، من نوع (M-113 A1)، في القتال. 1. نقاط القوة والضعف أ. حققت أجهزة الرؤية الحرارية، ونُظُم إدارة النيران، للقوات المشتركة، ميزة حاسمة في اكتشاف الأهداف، وإلى تغيير معدَّل الاشتباك ومداه تغييراً كبيراً على القوات العراقية، التي لا يبدو أنها درِّبت أو نُظِّمت للقتال، في أحوال سوء الرؤية، أو الاشتباك على مدى أطول من 1500م. ب. تأتي لقوات التحالف خمسة أشهر ونصف، لتعديل مدرعاتها. فزوِّدت الدبابات الأمريكية من نوع (M1 A1) ألواح تدريع إضافية. وأدت هذه الخطوات إلى تحسين الوقاية من النيران، والقدرة على البقاء (Survivability) والقتل (Lethality). كذلك زوِّدت الدبابات (M-60) دروع رد فعل متطورة، كما أضيفت قمصان مدرعة جانبية، إلى دبابات تشالنجر البريطانية وعربات (Warrior) المدرعة. ج. تهيّأ للقوات الوقت الكافي، لتبني تقنيات صيانة وإصلاح جديدة، لمواجهة مشاكل الرمال الناعمة والحرارة، في الصحراء. د. أدى استخدام ذخائر عالية التقنية، إلى زيادة حجم الخسائر في القوات العراقية، وقلَّتها في قوات التحالف. 2. الدروس المستفادة أ. أهمية تحقيق التفوق التكنولوجي للقوات البرية، لتستطيع إصابة الهدف، من الطلقة الأولى، خلال القتال، الليلي أو النهاري. ب. أهمية الارتفاع بمستوى تدريب الفرد ومعدَّل أدائه، ليستطيع أن يواصل المعدل العالي لأداء المعركة، واستخدام المعدات ذات التقنية المتقدمة، والارتفاع بمستوى كفاءتها القتالية. ج. أهمية تبنّي تكتيكات حديثة، واستخدامات غير تقليدية للمعدات والأسلحة، بما يسمح بارتفاع مستوى أداء الفرد والوحدة والمعدة، على مدار الساعة (ليلاً ونهاراً). د. تطوير أجهزة الرؤية بأنواع حديثة، مثل النوع الحراري، وأجهزة إدارة النيران، باستخدام الحواسب للدبابات والعربات المدرعة، حتى تتوافر لها القدرة على تحقيق التفوق على المدرعات المعادية؛ لأن ذلك، من شأنه أن يزيد من قدرتها على القتال، الليلي والنهاري، ويعطيها ميزة: "اكتشِف، قبْل العدو. وأطلق، قبْله" (See First - Shoot First).

ثالثاً: المعدَّل غير المسبوق، للعمليات والإسناد القتالي

أحدثت التقنية العالية تغييراً كبيراً في المعارك الحربية، تمثّل في طبيعة الأسلحة، والخطط الحربية المتطورة، ونُظُم المعلومات، التي اقتضتها الحرب الحديثة، المتسارعة الأداء، وستزداد الحاجة إلى المعلومات، ما استمرت عملية تطوير الأسلحة. كما أن السرعة العالية، التي تتحرك بها القوات البرية، تجعلها في حاجة إلى أن تتعرّف مواقع تمركز التشكيلات، الصديقة والمعادية، وتحركاتها، بدِقة شديدة، أكثر من حاجتها إليها في المعارك البطيئة الحركة.

وهذه السرعة في العمليات وكثافتها العالية، نجمتا عن ارتفاع مستوى التدريب والانضباط والروح المعنوية. وشهدت حرب الخليج بقدرة القادة على تحسين خططهم، وابتكار وسائل جديدة، ووضعها موضع التنفيذ.

كما أن النجاح في تحقيق معدَّل عالٍ، من العمليات والإسناد القتالي، لم يتحقق في أي حرب سابقة، إلا نتيجة إستراتيجية التحالف في إدارة حرب نفسية واسعة النطاق، ضد القوات العراقية، أسفرت عن تأثير شديد في عدد كبير من الجنود، الذين تركوا مواقعهم، ولاذوا بالفرار، أو سلّموا أنفسهم، من دون أي مقاومة، أثناء الهجوم البري؛ مما أدى إلى التعجيل بانهيار الدفاعات العراقية.

وكذلك، أتاحت المرونة في التخطيط، مواجهة الأحداث والمواقف الطارئة، والسريعة، والتعامل معها بما يوافقها؛ بل وفّرت، كذلك، احتياطيات قادرة على التدخل، لمواجهة أي أحداث مفاجئة. 1. نقاط القوة والضعف أ. القوات التي أنجزت دورها على الوجه الأكمل، في " عاصفة الصحراء " وبمعدلات عالية، استغرق إعدادها وتطويرها سنوات عديدة، لكي يتأتّى لها ذلك. ب. التقنية المتقدمة، المستخدمة في هذه الحرب، ظهرت في صورة معدلات عالية للقتال وسير العمليات ليلاً ونهاراً. إذ تساوت الأعمال القتالية للوحدات ليلاً، بأسلوب القتال نفسه نهاراً. ج. افتقاد التوازن بين قدرات الأسلحة المتماثلة، المستخدمة في فروع الجيش المختلفة، جعل تكاملها صعباً، وأضعف قدرتها على تنفيذ عمليات قتالية. 2. الدروس المستفادة أ. أهمية إعداد القوات وتدريبها على مهام العمليات المنتظرة، مما يحقق معدلات عالية أثناء تقدمها وقتالها وإنجاز مهامها. ب. أهمية تدريب القوات، على مسرح العمليات الفعلي، أو على آخر يشابه مسرح العمليات المنتظر، مع زيادة حجم مشروعات التدريب المشترك وعددها. ج. ضرورة استخدام أنواع جديدة من الأسلحة المتطورة، خاصة أسلحة المدرعات والمشاة الآلية والمدفعيات، بما يحقق للقوات قدرات عالية، في أسلوب تنفيذ المهام، ونتائج المعركة. د. أهمية تطوير الأساليب والوسائل المستخدمة في الاستطلاع، من أجْل ملاحقة سرعة تطور المواقف، والقدرة على توصيل المعلومات إلى جميع المستويات، في الوقت الملائم. هـ. ضرورة توفير الدعم الملائم للقوات، من الأسلحة المعاونة، حتى تستطيع أن تؤدي دورها، على أكمل وجه، خلال مراحل القتال المختلفة. و. أهمية تطوير أساليب وتنظيم ومعدات القيادة والسيطرة، لتستطيع أن تواكب المعدلات العالية للعمليات. ز. ضرورة التوسع في استخدام عناصر الحرب الإلكترونية، من أجْل إحباط الإجراءات المضادّة للعدوّ، وإضعاف قدراته على الاستمرار في القتال، أو في السيطرة على قواته.

رابعاً: دور القوة البشرية والتدريب في رفع المستوى القتالي

الاستعداد القتالي والعوامل البشرية والتدريب، هي دروس، لا يمكن إغفالها، على الرغم من أنها ليست بجديدة، في مجال فن الحرب. فالنتائج التفصيلية للقتال البري، تشير، إلى أن أهميتها، في صنع انتصار قوات التحالف، لا تقلّ عن أهمية التكتيك والتكنولوجيا.

ما كان للمعركة البرية، أن تتميز بالسرعة والحزم، لو لم تكن القوات على درجة عالية من الاستعداد القتالي، ومستوى التدريب، ساعدت عليهما العديد من المشروعات التدريبية المشتركة.

إجراء العديد من المشروعات التدريبية، إبّان وجود القوات في مسرح العمليات السعودي، ساعد على الارتفاع بمستوى أدائها، بل نهوضها بأعمال الوقاية من الحرب، الكيماوية والبيولوجية، والتدريب على اختراق الموانع والدفاعات. إذ قلّلت تلك المشروعات من المشاكل والمصاعب، التي قد تواجهها القوات البرية، خلال القتال (لتضاريس الطبيعية ـ إجراءات الصيانة والإصلاح ـ التأمين الإداري). 1. نقاط القوة أ. نشاط القوات إلى التدريبات، التي تلائم طبيعة الحرب المقبِلة. واشتمل نشاطها على: (1) خليط متوازن، من المناورة ورماية المدفعية وتدريب القيادات. (2) التدريب على ظروف الميدان، وتحت ظروف معركة واقعية. (3) الأسلحة المشتركة والعمليات المشتركة. (4) استخدام فعال لتكنولوجيا جديدة، وأسلحة جديدة؛ مع افتراض مواقف، توضح المشاكل، التي يمكن مواجهتها، مثل عمليات الإصلاح والصيانة. (5) التدريب على عمليات التأمين، الإداري والفني. (6) الاستعداد للحرب الكيماوية. (7) تأكيد اللياقة البدنية، لتوائم معدلات العمليات. ب. ارتفاع المستوى تدريب ونوعية الفرد المقاتل من القوات المشتركة، في العمليات البرية، في حين اضمحلت معنويات الفرد العراقي، بسبب عنف القصف الجوي، والحملة النفسية العاتية. 2. الدروس المستفادة أ. أهمية اختيار الفرد وإعداده جيداً، ليلائم: (1) مستوى التقنية العالية، التي يتعامل معها. (2) معدلات القتال العالية، والسريعة، التي سيواجهها خلال القتال الفعلي. (3) اللياقة البدنية العالية، التي تمكّنه من القدرة على الصمود، في ظروف صعبة، على مدار الساعة، ولعدة أيام متواصلة. (4) وهو ما يستدعي تعديل نُظُم التجنيد والتعبئة. ب. أهمية الارتفاع بمستوى التدريب القتالي للأفراد، وتدريب القادة، من خلال مشروعات مراكز القيادة، مع مراعاة: (1) أن يكون التدريب فوق أرض مشابهة لمسرح العمليات الفعلي. (2) أن يكون التدريب في ظروف صعبة، تماثل ظروف الحرب الفعلية. (3) أن ينسَّق، خلال التدريب، بين الأسلحة المشتركة، حتى يمكن أن يبرز دور كل فرع، وأسلوب التعاون بين الأفرع المختلفة، وتختبر فيه كل عناصر العمليات العسكرية. ج. ضرورة أن يكون هناك توازن بين وعاء القوة البشرية والنوعية المنتقاة، لتلائم نوعية التدريب وفاعليته. د. استخدام الحاسبات وشبكات المحاكاة (المقلدات)، على ألاّ تكون بديلاً من المشروعات التدريبية الكبيرة المستوى؛ فهي لا يمكن أن تكون بديلاً من نوعية القوة البشرية ودرجة الاستعداد.

خامساً: تعديل الخطة الهجومية، أثناء إدارة العمليات

التسلسل في تنفيذ الهجمات البرية تسلسلاً مفاجئاً، ودقيقاً، من أجْل إرباك العراقيين. فكان على الفِرقة الفرنسية السادسة المدرعة الخفيفة، والفِرقتَين الأمريكيتين، 82 المحمولة جواً و101 الاقتحام الجوي، من الفيلق الثامن عشر، الهجوم في اتجاه نهر الفرات الأدنى، في الساعة 0400، من اليوم الأول للهجوم، بهدف حماية الجانب الأيسر لقوات التحالف، ومنع أي تدعيمات من القوات العراقية في اتجاه الغرب، ثم منع انسحاب القوات العراقية من الكويت، شمالاً، داخل الأراضي العراقية. 1. نقاط القوة أ. كان التدريب، ونجاح الهجوم على الحرس الجمهوري، والقدرة على قطْع طريق انسحاب القوات العراقية، شمالاً، من الكويت ـ هي العوامل المهمة في نجاح قوات التحالف، وتحقيق النصر. لذا، استخدمت خطة الهجوم الفيلق الثامن عشر والفيلق السابع، في قطع طُرُق الانسحاب على القوات العراقية وحصرها وتدميرها. ب. قدَّرت الخطة، أن معظم القوات العراقية ستصمد وتقاتل، وأن انسحابها سيكون بطيئاً، نسبياً، وإجبارياً، نتيجة المعركة. ولكن في اللحظة التي بدأت فيها القوات العراقية بالانسحاب مذعورة من الكويت، كان لا بدّ من تعديل الخطة، من أجْل الإسراع في تحقيق الهدف الأساسي. ج. اعتمدت الخطة، في تدمير قوات الحرس الجمهوري، على افتراض أنها ستقاوم، ولن ترتد إلى الشمال الشرقي، قبْل أن يصل إليها الفيلق الثامن عشر والفيلق السابع. وكان هذا يعني، أن القوات العراقية، في الجنوب، ستنجح في التمسك بمواقعها؛ ولكنها سرعان ما انهارت. د. افترضت الخطة، أن القوة الجوية، قادرة على إقفال طُرُق الانسحاب، شمالاً، إذا كانت الأحوال الجوية والرؤية مواتيتَين.

ولكن سرعة انهيار القوات العراقية وانسحابها، بعد النجاحات الابتدائية للتحالف، أديّا إلى طلب قائدَي الفيلقَين تعديل الجدول الزمني للهجوم، في الإسراع في دفع قواتهما، من أجْل تحقيق الأهداف المخططة، لمنع القوات العراقية من الانسحاب، ثم تدميرها. وأصبح الفيلقان في صراع مع الوقت، خاصة الفيلق السابع، الذي كانت قواته في الاحتياطي، صباح اليوم التالي للهجوم. وقد نجحا في تنفيذ أطول وأسرع تقدم مدرع، في التاريخ.

لم تخلُ التعديلات على الخطة من المعوقات (نقاط الضعف)، أبرزها: أ. أدت الأمطار، والعواصف الرملية، والدخان المتصاعد من آبار النفط المحترقة، في صباح يوم الهجوم البري، إلى الحدّ من الرؤية. ومن ثَم، فقد حدّت من الاعتراض الجوي لقوات التحالف، ومن قدرات القوات الجوية على تقديم المعاونة القريبة، ومن إمكانية تحرّك عربات الإمداد، ذات العَجَل. ب. إن قوات الفيلق السابع والفيلق الثامن عشر، لم تستطع أن تغلق طريق انسحاب القوات العراقية من مسرح العمليات الكويتي، إلى البصرة، في الوقت الملائم، فاستطاع جزء كبير منها الانسحاب. ج. قرار إيقاف الحرب، كان قد اتُّخذ، من دون تنفيذ الاقتحام الجوي، لإغلاق المخارج شمال البصرة؛ والمعروف أنه كان قراراً سياسياً، وليس عسكرياً.

ولكن النتيجة، أن الإسراع، في تنفيذ الخطة، قد غيّر كثيراً من النتائج، التي كانت ستسفر عنها الخطة، لو تُركت لمعدلاتها السابقة، وأهمها: (1) إن الإسراع في تقدم الفِرقة الأولى المشاة الآلية، من الفيلق السابع، واختراق العمق العراقي، صباح اليوم الثاني للهجوم، باستخدام 241 دبابة (M1 A1)، وأكثر من مائة عربة برادلي المدرعة، على مواجهة ستة كيلومترات ـ أدّيا إلى نجاح هجومها، في غضون ساعتين فقط، بعد أن كان مخططاً له 18 ساعة. إذ استطاعت أن تهزم الفِرقتَين العراقيتَين 26 و48، وتأسر 5 آلاف جندي عراقي منهما. وقد ساعد هذا النجاح على زيادة سرعة هجوم التحالف. (2) تمكّن الفِرقة 101 اقتحام جوي، من إجبار وحدات عراقية كثيرة على الاستسلام، بإغلاقها مخارج البصرة، في 28 فبراير 1991. (3) إن مسارعة قائد الفيلق السابع إلى دفع آلاي الفرسان الثاني المدرع، وإتباعه بالفِرقة الأولى المدرعة، للإسراع في تطوير الهجوم ـ أدت إلى تدمير فِرقة حمورابي المدرعة العراقية تدميراً شاملاً. 2. أسباب انهيار القوات العراقية: أ. فقدانها وسائل اتصالاتها، لمعرفة الموقف. ب. قصورها عن تمييز الهجمات الرئيسية، من تلك الثانوية. ج. إمكان تعرُّضها، فجأة، لهجمات الطائرات العمودية، من دون إنذار. د. إمكانية التعرض لهجوم مجموعات قتال متفوقة، وأطقم مدربة تدريباً عالياً، والقتال على مسافات، تزيد على ألف متر. 3. الدروس المستفادة أ. أهمية ترك الحرية للقائد الميداني، أن يتخذ القرارات الملائمة، طبقاً لما يُمليه عليه الموقف في ميدان المعركة. ب. أهمية تعديل التخطيط، خلال إدارة العملية، ليلائم ظروف الموقف القتالي، وبما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المحددة في الخطة. ج. تشكيل مفارز مدرعة (تماثل تنظيم الفوج الأول، والفوج الثاني الفرسان المدرع)، من أجْل الاندفاع والضغط على العدو، لتمهد الطريق أمام اندفاع القوة الرئيسية لتطوير الهجوم، على أن يتأتى لهذه المفارز الدعم الملائم، من المهندسين والمدفعية والاستطلاع. د. أهمية دور القوات الجوية في تقديم المساندة القريبة للقوات المهاجمة، وفي قطْع الطرُق، أمام القوات المنسحبة. هـ. أهمية استغلال الليل في الاندفاع وتطوير الهجوم، وبما يحقق المفاجأة، ويربك القوات المعادية المدافعة. و. الإسراع في دفع الإمدادات الإدارية، خاصة الوقود للوحدات المدرعة، ومن شأن ذلك أن يزيد معدلات تقدم القوات. سادساً: وسائل الاتصالات والقيادة والسيطرة

توافرت لقوات التحالف نُظُم قيادة وسيطرة واتصالات، وحاسبات (C4I/BM) حديثة. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، اكتشفت أن العائلة القديمة من أجهزة اللاسلكي (URC-12)، التي تمتلكها القوات البرية، تفتقر إلى المرونة والفاعلية والمدى، والقدرة على العمل في أحوال جوية سيئة؛ إلا أنها أوفر خبرة باستخدام النُظُم اللاسلكية الرقمية المحمولة جواً، وهي نُظُم خفيفة الوزن، نسبياً. يقدَّر وزنها بنحو 20 رطلاً. ولها حيّز تردد يراوح بين 30 ألفاً و87895 ميجا هيرتز (MH-2). ويبلغ عدد قنواتها 2320 قناة. ويصل مداها إلى 35 كم. وتعمل بطارياتها 1250 ساعة.

أبرزت الحرب، أن التطوير الذي طرأ على أجهزة الاتصال، لم يكن كافياً لاحتياجات الفيلقَين، السابع والثامن عشر، كما أبرزت الحاجة إلى مراجعة قدرات الاتصالات التكتيكية، للجيش الأمريكي ومشاة البحرية. الدروس المستفادة 1. أهمية تطوير نُظُم الاتصالات، على المستويَين، العملياتي والتكتيكي، بحيث يكون كامل الاندماج، وقادراً على الفتح السريع، في مصلحة المعركة البرية ـ الجوية. 2. أهمية استخدام وصلات الأقمار الصناعية، لتفادي المسافات التقليدية، وطبيعة الأرض، ومشاكل الأحوال الجوية، التي تؤثّر في نظام الاتصالات داخل المسرح. 3. ضرورة استخدام مدى واسع جداً من الترددات، لتلافي المشاكل الخاصة ببيانات الاتصالات، وإعطاء الترددات العسكرية مجالاً واسعاً. 4. دعم العمليات البرية ـ الجوية، بوسائل اتصالات، تعتمد على وسائل اتصالات متمركزة في الفضاء، أو محمولة جواً، وذلك من أجْل خلق نظام اتصالات فعال، والتي تتطلبها عمليات الفتح السريع؛ وتوفّر نظام قيادة وسيطرة واتصالات واستخبارات وحاسبات، يواكب المعدلات العالية للحرب. 5. أهمية التحول إلى نُظُم اتصالات رقمية مؤمنة، حديثة، بعيدة المدى، لتدعيم العمليات البرية ـ الجوية العالية المعدل. 6. ضرورة إعادة التفكير في بناء نُظُم القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والحاسبات وإدارة المعركة (C4I/BM)، في ضوء الحاجة إلى استخدام أقمار صناعية قليلة النفقات، ومكونات نظام رخيص. سابعاً: الإسناد، الإداري والفني 1. نقاط القوة أ. أسهم الإسناد الإداري، على مستوى التشكيلات الميدانية، في تأمين عمليات الإمداد والتموين للقوات، سواء خلال مرحلة الفتح العملياتي للهجوم، أو أثناء الهجوم نفسه. ب. حافظ التأمين الفني على استمرار تقديم المعاونة، من إصلاح وصيانة للمعدات، خاصة الدبابات والعربات المدرعة والمعدات الإلكترونية الدقيقة، خلال مراحل التقدم والفتح للقتال، على الرغم من سوء الأحوال الجوية (المطر ـ العواصف الرملية). ج. زاد التدريب العالي لأطقم التأمين الفني، للقوات الجوية، عدد الطلعات الممكنة؛ ووفّر استمرار تقديم الإسناد النيراني الجوي القريب للقوات. 2. الدروس المستفادة أ. التخطيط الإداري الجيد، عامل حاسم في نجاح العمليات. فقد تهيأت كل الإمكانات للتشكيلات والوحدات، في الوقت الملائم، ولم يعوزها أي نوع من أنواع الإمدادات الإدارية، طوال مراحل القتال المختلفة. ب. أهمية توفير نظام صيانة متطور، في حروب الصحراء، يلائم بيئتها القاسية (الرمال ـ درجات الحرارة المرتفعة). ج. ضرورة دفع أقسام إسناد إداري متقدم، تخرج من القواعد الميدانية الرئيسية، من أجْل تقديم الإسناد الإداري المتواصل، على مدار الساعة (ليلاً نهاراً)، وبما يوافق مهام العمليات، فتسير العمليات، جنباً إلى جنب، مع عمليات الإمداد.

[1] اشتركت وحدات مشاة الأسطول الأمريكية مع القوات العربية في هذا الاتجاه. [2] احتلت القوات العراقية دفاعاتها في ثلاثة أنساق متتالية فيما بين الحدود المشتركة مع الكويت والسعودية وحتى جنوب البصرة. وقد استند النطاق الأمامي على مانع قوي من الخنادق وحقول الألغام والموانع الخرسانية والمصائد البترولية. وإلى الخلف منه وفي العمق القريب بين مدينة الكويت شرقاً ووادي الباطن غرباً، امتدت خنادق النطاق الثاني وموانعه القوية، ثم النطاق الثالث وبنفس درجة التجهيز، إلى الجنوب مباشرة من مدينة البصرة. [3] تمت تحركات الفيلق 7، الفيلق 18 بين 17 يناير إلى 24 فبراير خلال فترة الحملة الجوية. وتحرك الفيلق 18 حوالي 260 ميلاً إلى الغرب وتحرك الفيلق السابع حوالي 150 ميلاً وكانت العربات تتحرك عادة بفاصل 15 ثانية. وقامت الطائرات سي ـ 130 بتوفير نقل جوي مكثف للمسرح إلى مواقع جديدة بالقرب من رفحا، وكانت الطائرات سي - 130 تطير على ارتفاعات منخفضة لتقليل احتمال اكتشاف العراق لها، ومن ثم تقوم بأي عمل يعرقل الحملة الجوية الجارية. وكان معدل الإقلاع والهبوط للطائرات سي ـ 130 هو طائرة كل سبع دقائق، 24 ساعة في اليوم لمدة 13 يوماً. [4] يقول الجنرال ويليام كايس قائد الفرقة الثانية مشاة اسطول: "أن أكبر خطأ إرتكبته مخابراتنا كان في إظهار صدام حسين وقواته بأنها وحش لا وجود له"


المبحث السادس: النتائج والدروس المستفادة على المستوى العملياتي للقوات البحرية والجوية

أولاً: القوات البحرية 1. العديد من أسلحة القتال البحرية، تؤكد نجاحها

في الوقت، الذي اضطلعت فيه القوة البحرية بتطبيق عقوبات الأمم المتحدة، والحصار، منذ اندلاع أزمة الخليج، فإنها، كانت تضطلع، كذلك، بالمعاونة على أعمال القتال، خلال "عاصفة الصحراء". وعلى الرغم من أن التحالف، فتح قوة بحْرية، خلال حرب الخليج، فاقت ما فتح، خلال الحرب العالمية الثانية، فإن تلك الحرب، اشتملت على عدة اختبارات لقدرات فريدة للقوات البحرية.

ونهض بعض أنواع القطع البحرية، مثل حاملات الطائرات، وسفن السطح (البوارج والمدمرات)، وكاسحات الألغام ـ بدور مهم في هذه الحرب. ومن الصعب تقييم دور القوة البحرية في الاصطدامات، التي تشمل أعمال سطح رئيسية، ومواجهات صواريخ سطح / جو، وعمليات إبرار بحري فعلية، بسبب ضعف القوة البحرية العراقية، وخروجها من المعركة مبكراً. فالحملة ضد القوة البحرية العراقية، كانت تحدِّياً محدوداً؛ لأن تلك البحرية، كانت صغيرة إلى حدٍّ كبير، حتى إن التحالف، لم يستخدم قدراته البرمائية في القتال. أ. نقاط القوة والضعف، في دور بعض أنواع القطع البحرية (1) حاملات الطائرات

لا تتأتّى حاملات الطائرات إلا للدول، العظمى أو الكبرى. واستطراداً، فإن التحليل لن يكون درساً للتقييم، بل سيقتصر على استخدام تلك الدول حاملاتها، كالآتي: (أ) نهضت طائرات كلٍّ من البحرية الأمريكية ومشاة البحرية، بما يفوق طلعات أكبر قوّتين جويتَين لقوات التحالف، مجتمعتين، بل ونفذت ما إجماليه 30% من كل طلعات الولايات المتحدة الأمريكية، و25 % من طلعات التحالف. إذ اضطلعت طائرات البحرية الأمريكية بـ 18303 طلعات جوية، بحلول نهاية " عاصفة الصحراء "؛ وطائرات مشاة البحرية بـ 10683 طلعة خلال "عاصفة الصحراء". (ب) وأسهمت طائرات البحرية الأمريكية بـ 288 طلعة، في اليوم الأول من "عاصفة الصحراء". وشاركت في توفير غطاء جوي للقوات البحرية، وقوات الإبرار البحري. وأطلقت 80% من صواريخ هارم (Harm)، خلال "عاصفة الصحراء"، كما نفذت عدداً كبيراً من مهام الحرب الإلكترونية. (ج) وأدت سيادة القوة الجوية المتمركزة، براً، إلى الحدّ من مرونة القوة الجوية لحاملات الطائرات؛ على الرغم من أن العكس، كان من الممكن أن يحدث، لو أن الحرب بدأت في أغسطس 1990، حينما كانت القوة الجوية لحاملات الطائرات، هي السائدة. وقد أسفر ذلك عن تغييرات رئيسية، في نُظُم القيادة والسيطرة للبحرية، وفي تركيزها في العملية المشتركة ضمن قيادة وسيطرة القوات الجوية المشتركة (JFACC)، وفي نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" (ATO). واحتاجت سفن القيادة للقوات البحرية وحاملات طائراتها، إلى تطوير نظام القيادة والسيطرة، لمواجهة عمليات عالية الكثافة، مثل "عاصفة الصحراء". واحتاجت البحرية إلى نظام مبرمج، للمعاونة على تنفيذ نظام (ATO) وتخطيط المهمات الجوية، يكون مماثلاً لنُظُم حاسب الإدارة للقوات الجوية (CAFMS) Computer Assisted Force Management Systems. (د) كذلك، افتقرت طائرات القوات البحرية ومشاة البحرية إلى الضرب الدقيق الملائم، والقدرة على العمل ليلاً. وهو ما حدا القوات البحرية الأمريكية على السعي إلى شراء طائرات من نوعَي (F-18A Hornet & F18E/F). (2) سفن السطح وصواريخها سطح / أرض بعيدة المدى

قدمت البحرية الأمريكية نوعَين جديدَين من صواريخ سطح / أرض البعيدة المدى، القادرة على حل بعض مشاكل القوات الجوية الضاربة، البعيدة المدى. فصواريخ توماهوك (Tomahawk Cruise) أو (TALCM)، والصواريخ الهجومية بعيدة المدى (Standoff Land Attack Missile) (SLAM)، أثبتت فاعلية كبيرة، في حرب الخليج. وقد أطلقت القوات البحرية 288 صاروخ توماهوك كروز، من بارجتَين، وتسعة طرادات وخمس مدمرات وغواصتَين نوويتَين؛ أُطلق منها 100 صاروخ، في القصف الابتدائي على العراق.

وعلى الرغم من المشاكل، التي تعرضت صواريخ توماهوك أو (TALCM) وصواريخ (SLAM) الهجومية بعيدة المدى، فإنها أظهرت أن القوات البحرية، يمكنها استخدام صواريخ في مهاجمة أهداف برية، على مسافات بعيدة، مع تحقيق درجة عالية من الاختفاء والمناعة. فصاروخ توماهوك (كروز)[1] (Tomahawk(ACM-109)، على وجه الخصوص، أثبت أنه قادر على الضرب في عمق دفاعات القوات المعادية، وإصابة أهدافه، مع أقلّ احتمال لتدمير مصاحب، من دون المخاطرة بحياة طيار، أو الحاجة إلى تشكيل مجموعة ضاربة معقدة من الطائرات.

وقد استخدمت صواريخ توماهوك في ضرب مختلف الأهداف، خلال الحرب، مثل: مراكز القيادة والسيطرة، منشآت الأسلحة، الكيماوية البيولوجية والنووية، مواقع صواريخ أرض / جو، مواقع الرادارات منخفضة التردد، ذات القدرات العالية على الكشف ضد طائرات (F-117A). (3) كاسحات الألغام

كان لكاسحات الألغام البريطانية دور مهم في حرب الخليج، بسبب المشاكل، التي واجهت الولايات المتحدة الأمريكية، في التعامل مع الألغام العراقية. وعلى الرغم من تطوير البحرية الأمريكية قدراتها، نتيجة لحرب الألغام ضد إيران عامَي 1987 و1988، إلا أنها كانت محدودة، خلال حرب الخليج. وتنوعت قدرات الولايات المتحدة الأمريكية على حرب الألغام، فاشتملت على: "وسائل سطح مضادّة للألغام ـ وسائل جوية ـ متفجرات للتخلص من الألغام ـ استخدام قوات خاصة". وكانت قدرات السطح محدودة. كما كانت التكنولوجيا الأساسية، المتوافرة لديها، والمستخدمة في الإجراءات المضادّة للألغام، محدودة، كذلك. وهذا ما حمل وزير البحرية الأمريكية، بعد الحرب، على إعلان عن برنامجه لتطوير كاسحات الألغام. ب. الدروس المستفادة (1) استمرار دور حاملات الطائرات في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية، في المستقبل، خاصة في مناطق الأحداث الطارئة. وتطوير قدرات تلك الحاملات وأنواعها، لتكون قادرة على معاونة العمليات العسكرية البرية، في بعض المناطق الساخنة من العالم. (2) المحافظة على كفاءة وسائل الإبرار البحري واستعدادها لتنفيذ العمليات الطارئة. فلقد برهنت حرب الخليج، أن قوات الإبرار البحري، يمكن أن تكون ذات أهمية غير عادية، حتى إذا لم تدعُ الحاجة إلى استخدامها. وقد يبرز، في المستقبل، مواقف عديدة، تستخدم فيها قوات الإبرار البحري بكثافة كبيرة، سواء في منطقة الخليج أو غيرها من المناطق. (3) ضرورة إجراء تحسين كاسحات الألغام البحرية، حتى تزيد من قدرات القوات البحرية على التعامل مع الألغام البحرية؛ والتي يمكن أن تستخدم، بكثافة، في المستقبل، في منطقة الخليج أو مناطق مماثلة، مثل (البحر الأحمر ـ البحر الأبيض المتوسط ـ بعض المناطق المطلة على البحار، في جنوبي شرقي آسيا). (4) استخدام سفن السطح، الحاملة لصواريخ سطح / أرض بعيدة المدى، ضد الأهداف البعيدة والحصينة، تفادياً لخسائر الطائرات. ومن ثَم، يمكن أن يكون لتلك السفن دور مهم، في المستقبل، في تحمّل جزء كبير من عبء القوات الجوية، بل إن النتائج الدقيقة الناجمة عن استخدام تلك الصواريخ، شجعت، فيما بعد، على توسيع نطاق استخدامها في أزمات لاحقة مع العراق. 2. نجاح فاعلية حرب الألغام في الخليج

سببت الألغام البحرية، التي بثّها العراق في مياه الخليج، العديد من التهديدات لقوات التحالف البحرية؛ فعوّقت الملاحة، وأرغمت قوات التحالف على التفكير، مَلِياً، قبْل الإقدام على تنفيذ أي عملية إبرار بحري، على سواحل الكويت، تجنباً لخسائر كبيرة، ستسبّبها حقول الألغام العراقية الكثيفة، أمام تلك السواحل.

ويكمن خطر الألغام في: · استمرار فاعليتها لمدة طويلة، قد تصل إلى بضع سنوات. · استخدام الألغام البحرية في العمليات، الهجومية والدفاعية، إذ يمكن بثّها في أعماق، كبيرة ومتوسطة وضحلة، فتهدد كل أنواع القِطع البحرية. · سهولة بثّ الألغام، بوساطة كل أنواع السفن. أ. نقاط القوة والضعف (1) يُعَدّ الخليج مثالياً لحرب الألغام؛ لأن عمقه قَلّمَا يزيد على مائة قدم. لذلك، كانت الألغام في القاع، في مدى وسائل استشعارها ووسائل إطلاقها. وصممت لتبقى في القاع، مع إمكان السيطرة عليها، من بُعد، لتبقى غاطسة تحت الماء. وهي ألغام يصعب تطهيرها. وقد نجح العراق في استخدام الألغام البحرية، في حرب الخليج، وكان في مقدوره بثُّها، بوساطة زوارق صغيرة ومساعدة، وباستخدام كاسحات ألغام وسفن إبرار، بل استخدام طائرات عمودية من نوع سوبر فريلون. (2) واجهت البحرية الأمريكية مشاكل ملموسة، في التعامل مع تهديد الألغام العراقية؛ لأنها كانت منُظُمة تنظيماً، لم يراعِ إلا التعامل مع حرب أوروبية، يتحمل فيها حلفاء واشنطن، في حلف شمال الأطلسي العبء الرئيسي من الإجراءات المضادّة للألغام. كما لم تكن كاسحات الألغام الأمريكية، قادرة على الاعتماد على نفسها، في الفتح، أساساً، نتيجة لِقدَمها. (3) أدت حرب الألغام وكثافتها في سواحل الكويت، إلى التردد، في أي عمليات إبرار بحري، تفادياً للخسائر الكبيرة. ولم تتأتَّ عملية الإبرار البحري، إلا في إطار خداعي، أي أنها لم تنفذ، ولكن استُغل الإيحاء بتنفيذها، في إطار خطة الخداع ضد العراق. (4) لقد أثبتت حربا الخليج الأولى والثانية أهمية الألغام ودورها في التأثير في الملاحة داخل الخليج. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية تطوير كاسحات الألغام لتلاحق التقدم والتحديث في أنواع الألغام البحرية وكثافتها، خاصة إذا ازداد دورها في حروب المستقبل. (2) أهمية تشكيل مجموعات خاصة للتعامل مع الألغام، مع تحديد مهمة كل مجموعة ودورها، في مسرح العمليات البحري، على أن تُنسّق أدوارها بما لا يؤدي إلى حدوث أي ثغرة أو خلل في أداء مهامها. (3) أهمية أعمال الاستطلاع، البحري والجوي، في توفير المعلومات عن حقول الألغام البحرية، علاوة على مراقبة أي أنشطة معادية لتلغيم المياه الدولية، واعتراضها وإحباطها. (4) ضرورة تطوير الإجراءات المضادّة للألغام، بما يؤدي إلى فاعلية دور البحرية، في المستقبل، في مواجهة حرب الألغام. 3. عمليات النقل البحري

كان لحشد إمكانات ضخمة، من وسائل النقل البحري، دور مهم في نقْل نحو نصف مليون جندي أمريكي، مع معداتهم.

وأدت القوات البحرية الأمريكية دوراً حيوياً، في فتح القوات البرية الأمريكية، على مسافات بعيدة. فاضطلع النقل البحري بنقل 95% من الشحنات، التي استخدمت لتسليح القوات البرية الأمريكية وإمدادها. أ. نقاط القوة (1) التمركز المسبق لعدد من السفن الأمريكية (A.P.S) (Afloat Prepositioning Ship)، وعليها أسلحة ووقود واحتياجات للجيش والقوة الجوية. وفتح 13 سفينة (M.P.S) (Maritime PrepositioningShip)، من قاعدة دييجو جارسيا وجوام والمحيط الأطلسي، تحمل معدات واحتياجات لثلاثة ألوية من مشاة البحرية. (2) استخدام البحرية الأمريكية 8 سفن (SL-7) السريعة، إضافة إلى 41 سفينة، من قوة الاحتياطي الجاهزة (Ready Reserve Force)؛ أمكنها نقْل 75% من الشحنات العسكرية الأمريكية، التي نفذتها وحدات النقل البحري الأمريكية، والمقدَّرة بأكثر من 2000 دبابة، و2200 عربة قتال مدرعة، و1000 طائرة عمودية، ومئات من قِطع المدفعية ذاتية الحركة، ومئات الطائرات، وآلاف الأطنان من الذخائر والمعدات العسكرية الأخرى. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية التخطيط المسبق لعمليات النقل البحري، مع تعديلها، كلما استدعت الضرورة، لتكون جاهزة للتنفيذ، خلال عدة ساعات من صدور الإنذار، على أن يخطط تخطيطاً مسبقاً لوضع حالات الاستعداد الملائمة، القادرة على تنفيذ المهام الطارئة. (2) أهمية الاستفادة من تعبئة إمكانات النقل البحري المدني، ووضع خطة تعبئة تفصيلية له، وأن يتدرَّب عليها تدريباً مسبقاً، وأن تتواجد القطع البحرية، المخصصة، في التوقيت والمكان المحددان بالخطة، بما يحقق السرعة في عمليات النقل وفتح القوات. (3) ضرورة زيادة حجم سفن الشحن، خاصة تلك المجهزة للفتح مباشرة (سفن النقل السريعة)، من دون الحاجة إلى تجهيز مسبق لرافعات (أوناش) أو معدات، في الموانئ. وقد ثبت، من خلال عمليات النقل، كفاءة السفن السريعة من نوع (SL-7)، التي تستطيع نقْل المعدات الثقيلة وإنزالها، آلياً، على أرصفة الموانئ، من دون استخدام الرافعات. وكذلك سفن الشحن من نوع (سيان)، التي يمكنها تحميل الدبابات والعربات المدرعة، وإنزالها على شاطئ غير مجهز. (4) ضرورة التدريب، من وقت إلى آخر، على عمليات التحميل والتفريغ، للأفراد والمعدات، المخطط نقْلهم، في حالات الأزمات، لمواجهة مواقف محددة.

ثانياً: القوات الجوية 1. نجاح نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" (Air Tasking Order) (ATO)

نجح نظام "أمر العمليات الجوي اليومي"، باستخدام قدرات الكمبيوتر، في تنفيذ حملة جوية متكاملة، من خلال خطة متكاملة، تمكنت من تخطيط آلاف الطلعات الجوية اليومية، في مسرح العمليات، حققت بنجاح أهدافها التي رسمت لها. أ. نقاط القوة والضعف (1) خلق نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" حملة متكاملة، خططت، بعناية فائقة، آلاف الطلعات الجوية اليومية، في مسرح العمليات، داخل العراق والكويت. وانطلقت طائراتها من قواعد جوية، داخل دول مجلس التعاون، ومن حاملات الطائرات، في الخليج العربي والبحر الأحمر. (2) على الرغم من تنوع الطلعات، وتعدد الدول المشاركة فيها، وتعدد تبعيتها، سواء للقوة الجوية، أو للبحرية، أو للجيش، أو لمشاة البحرية، فإنه لم يحدث حادث تصادم واحد بينها، ولم تصب أي من الطائرات الصديقة، ولو مصادفة. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية توحيد المسؤولية والسلطة، في يد القائد العام، وتفويضها إلى قائد القوات الجوية المشتركة بهذه الصلاحية، مما يجعل إنجاز أهداف الضربات الجوية، أقرب إلى الكمال والفاعلية. (2) أهمية التنسيق بين عمليات أفرع القوات الجوية، لأسلحة قتال مختلفة، في مسرح واحد (قوات جوية ـ قوات جوية تابعة للبحرية ـ قوات جوية تابعة لمشاة البحرية ـ طيران الجيش). والتنسيق، كذلك، بين القوات الجوية المشاركة، المختلفة الجنسيات، حؤولاً دون أي خلل أو ازدواج، في تنفيذ المهام، فضلاً عن الحيلولة دون إصابة أي طائرة من الطائرات الصديقة. (3) أهمية توحيد وسائل السيطرة والتعاون بين القوات الجوية، التابعة للأفرع الرئيسية للقوات المختلفة، يؤدي إلى تعريف مهمة كل فرع، فيحُول دون حدوث أي خطأ أو إرباك أو تأخير. ناهيك من أحدية القيادة، التي تخطط لنظام "أمر العمليات الجوي اليومي"، وتبلغه إلى الجميع، في وقت واحد. 2. أساليب تنفيذ الضربات الجوية الحديثة

كانت الحملة الجوية، هي أضخم أنواع عمليات القوات الجوية في التاريخ. ففي اليوم الأول نفِّذت 1300 طلعة جوية، في 14 ساعة فقط؛ بينما في حرب فيتنام، نفَّذ الطيران الأمريكي حوالي 3050 طلعة، في أسبوع كامل، خلال سبتمبر 1965. وألقت طائرات التحالف في اليوم الأول 2232 طناً من المواد المتفجرة، بمعدل، يفوق المعدل اليومي لإطلاق جميع القنابل والمقذوفات وأنواعها، البرية والجوية والبحرية، في حرب فيتنام.

كما طبقت الحملة الجوية بأسلوب حديث، يتفق مع تطور تكنولوجيا التسلح والإدارة، نظرية قديمة، هي نظرية جبليو دوهيت، الإيطالي (1869 ـ 1930)، و جنرال الجو الأمريكي وليام ميتشل (1879 ـ 1936). وقوامها نقطتان: · إن الطائرة هي أداة الهجوم، ذات الإمكانات، التي يصعب إيجاد دفاع مؤثر ضدها، في المستقبل. · إن الروح المعنوية للقوات المعادية، يمكن تحطيمها بالقصف الجوي المتواصل.

   ولتحقيق هذه النظرية، لا بدّ من وجود عوامل مساعدة، من أهمها:

· التعامل مع القوات الجوية المعادية، من خلال تدمير قواعدها، وليس من خلال معارك جوية. · أن يشمل القصف الجوي الأهداف، التي تؤثر في تخطيط القوات المسلحة واستخدامها واستمرارها في القتال. أ. نقاط القوة (1) أعمت الحملة الجوية وسائل الاستخبارات والاستطلاع العراقية، فأفقدتها القدرة على معرفة أوضاع قوات التحالف وتحركاتها ونواياها. (2) يسرت الحملة الجوية للقوات البرية، القدرة على إخفاء التحركات الضخمة، التي شملت أكثر من فيلقَين، من القوات والمعدات والإمدادات، تمهيداً لعملية اختراق عميقة في الأراضي العراقية، أطلق عليها اسم الخطاف الأيسر (Left Hook)، والتي حققت نجاحاً كبيراً. (3) نجاح الحملة الجوية في النَّيل من قدرة الجيش العراقي، وإضعاف إدارته على القتال، وهو أمر أدى إلى إضعاف معنوياتها، وإيقاع الفوضى بين صفوفها. (4) الدقة في التعامل مع الأهداف العراقية، وفي تحقيق نتائج ملموسة، نتيجة استخدام نوعيات متقدمة، تكنولوجياً، من الذخائر والأسلحة (الذخائر الموجهة بالليزر ـ الذخائر الذكية). ب. الدروس المستفادة (1) عزل القوات العسكرية عن القاعدة الخلفية، لما لها من تأثير كبير في إمداد القوات باحتياجاتها، وبالتالي التقليل من قدراتها على الصمود والتأثير في معنوياتها. (2) استخدام الذخائر والأسلحة المتقدمة، تقنياً، التي تستطيع أن تؤدي المهمة المحددة لها، بنجاح، مثل: استخدام طائرات تورنيدو (Tornado)، نوعاً خاصاً من الذخائر، من أجْل تدمير دشم الطائرات العراقية، أدى إلى انسحابها من المعركة، سواء بتدميرها أو هروبها إلى إيران. (3) أهمية إحراز التفوق الجوي المبكر، في مسرح العمليات، من أجْل عزل ميدان القتال، وقطْع خطوط مواصلات العدوّ. (4) أهمية دور القوات الجوية في إضعاف قدرات الجانب المعادي، من خلال قصفات وضربات متتالية، تستمر لعدة أيام، تسهيلاً لهجوم القوات البرية المنظم، وتحقيقها معدلات تقدم عالية. (5) ضرورة التنسيق والتكامل بين الأنواع المختلفة من الطائرات، في العملية الجوية الهجومية (الطائرات القاذفة ـ الطائرات المقاتلة ـ طائرات الحرب الإلكترونية ـ طائرات تزويد الوقود ـ طائرات الإنذار والسيطرة ...). (6) أهمية التوسع في استخدام الطائرات العمودية، والطائرات (A-10) في عمليات الإسناد الجوي القريب للعمليات البرية. (7) أهمية الاعتماد على الطائرات الحديثة، ذات التقنية العالية، مثل طائرات (F-117A)، في مهاجمة مراكز إنذار الدفاع الجوي، من أجْل فتح الثغرات في منظومة الدفاع الجوي. واستخدام طائرات الإنذار المبكر والاستطلاع، مثل طائرات الأواكس (Awacs E-3)، لما لها من تأثير كبير في إدارة أعمال قتال القوات الجوية. (8) ضرورة التنسيق الكامل بين القوات، الجوية والبرية، من أجْل إخفاء وتأمين الفتح العملياتي (التعبوي) لتشكيلات ووحدات القوات البرية، وتأمين تحركاتها للفتح للهجوم. 3. المساندة الجوية الهجومية

   كان للمساندة الجوية الفاعلة القريبة، لقوات المنطقتَين، الشرقية والشمالية، المهاجمة على المحور الساحلي ومحور حفر الباطن ـ أهمية كبيرة في دعم قدرة التشكيلات والوحدات على سرعة اختراق الدفاعات العراقية، وشل قدرة الاحتياطيات العراقية على المبادرة إلى الهجمات المضادّة. وانعكس ذلك انعكاساً واضحاً على المعدل العالي لوصول القوات، خلال ثلاثة أيام، إلى مدينة الكويت وتحريرها. وهو معدل، ما كان له أن يتحقق، من دون مساندة فاعلة من القوات الجوية.

أ. نقاط القوة (1) نجحت المساندة الجوية القريبة، لمصلحة القوات البرية، في شل الفاعلية القتالية للوحدات العراقية، وعجزها عن المناورة بالاحتياطيات المدرعة للمبادرة إلى الهجمات والضربات المضادّة. مما أدى إلى تجميد النظام الدفاعي العراقي وتحويله إلى دفاع ثابت، وعجّل انهياره، بعد تلاشي فاعليته، وافتقاده نقاط القوة، التي يستند إليها أي نظام دفاعي. (2) أدى التنسيق الكامل، خلال المرحلة التحضيرية، بين القوات، البرية والجوية، مع تعيين ضباط اتصال من القوات الجوية، للعمل مع التشكيلات الميدانية ـ إلى نجاح التعاون بينهما نجاحاً واضحاً، طوال أيام الحرب البرية. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية التعاون والتنسيق، بين القوات، الجوية والبرية، من أجْل تحقيق نجاح حاسم في المعركة، وشل قدرة القوات المعادية على المناورة باحتياطياتها، للمبادرة إلى الهجمات المضادّة. (2) أهمية السعي إلى السيادة الجوية، في وقت مبكر؛ لأن ذلك من شأنه، أن يحرم القوى المعادية الحصول على معلومات استطلاع، عن أوضاع التشكيلات وتحركاتها واتجاهات عملها ونواياها. (3) ضرورة استخدام أنواع من الطائرات ذات الفاعلية العالية، في المساندة الجوية، ليلاً، مثل طائرة (A-10)، المزوّدة أجهزة أشعة تحت الحمراء، والمركبة على صواريخ مافريك (Maverick)؛ مع إمكان استخدامها ضد مواقع الدفاع الجوي، وضد منصات الصواريخ أرض / أرض الباليستية. (4) أهمية استخدام الطائرات العمودية المسلحة، في المعركة العميقة، من أجْل قتال احتياطيات العدوّ وأنساقه الثانية المدرعة. والتوسع في استخدام الطائرات الموجهة من دون طيار، لجمع معلومات استطلاع مدققة، وسريعة. 4. الطفرة في مهام القوات الجوية

   أدت التقنية المتقدمة إلى تحسين واضح في فاعلية العديد من العناصر الرئيسية للقوات الجوية، مثل الدقة، والإحكام في تسديد الهجمات الجوية. فقد كان أداء الأسلحة الدقيقة، هو الدعامة الرئيسية في تنفيذ ضربات الحملة الجوية. وكفل الأداء المتقن الاختيار، كذلك، بين ضرب الأهداف، لتعطيلها أو تعويقها فقط، أو تدميرها. كما أن الذخائر المتقنة التصويب، كانت تدمّر الأهداف المحصنة بالصلب المقوى، التي كان من المعتقد، قبْل ذلك، أنها لا تتأثر بأي نوع من القصف الجوي.

أ. نقاط القوة والضعف (1) كان للتقدم التكنولوجي الفضل الكبير، في دِقة الهجمات، وسرعة تدمير وسائل الدفاع الجوي العراقية. (2) أدى التفوق الكبير للقوات الجوية للتحالف، إلى وضع القوات الجوية العراقية أمام مسألة صعبة. ففضلت الهرب إلى إيران، على المواجهة؛ وهو أمر حرم القوات العراقية عاملاً مهماً ورئيسياً في المعركة، وهو القوات الجوية، فافتقرت القوات البرية إلى غطائها الجوي. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية استمرار التقنية الحديثة في صناعة طائرات، يُعجِز الرادار اكتشافها، من أجْل تقليل تعرّض الأسراب الجوية لوسائل الدفاع الجوي المعادي، مع توفير الفرصة لتدمير هذه الوسائل. (2) ضرورة استخدام وسائل وذخائر عالية الدقة (الذخائر الذكية)، من أجْل شل وإرباك القيادات داخل مسرح العمليات، وشل قدرتها على السيطرة، وتعويق عمليات الإسناد الإداري، واستخدام نُظُم الخمد (SEAD)، من أجْل التأثير في منظومة الدفاع الجوي المعادية. (3) ضرورة استخدام القوات الجوية التقنية المتقدمة من أجْل توفير معلومات استطلاع دقيقة، وسريعة، تساعد على اتخاذ القرارات، طبقاً لتطور المواقف، وردود فعل الجانب المعادي. (4) أهمية التعاون بين مختلف أنواع الطائرات. واستخدام التقنية العالية الدقة، من أجْل تحقيق المهام القتالية المتنوعة، لتشكيلات ووحدات القوات الجوية. 5. دور الحرب الإلكترونية في تنفيذ القوات الجوية لضرباتها

أسهمت الحرب الإلكترونية في تعمية قوة العراق الجوية ودفاعاته الجوية ـ البرية. وقد تداخلت مع سلسلة مكثفة من الضربات الجوية، ضد وسائل الاستشعار العراقية، ومنشآت القيادة والسيطرة، نفذتها طائرات (F-4G)، وتورنيدو وغيرهما من الطائرات التي استخدمت صواريخ مضادة للإشعاع. إضافة إلى نشاط طائرات استطلاع واستخبارات خاصة (مجموعات خلف الخطوط) لمراقبة وسائل اتصالات العراق ونشاطه الراداري. وتوصيف وسائل البثّ، وتحديد أماكنها.

وقد أتاحت تلك التعمية لطائرات القيادة والسيطرة والاتصالات، المحمولة جواً (ABCCC)، والأواكس، وكذلك الطائرات المزودة صواريخ مضادّة للإشعاع، توجيه وسائل البثّ، عن بعد. أ. نقاط القوة (1) أدت الطائرات المتخصصة بالحرب الإلكترونية، دوراً رئيسياً في الحرب، من أجْل الحصول على السيادة الجوية؛ فشاركت بنحو 3000 مهمة، إلى جانب آلاف الطلعات، التي نفَّذتها طائرات أخرى، تحمل نُظُماً إلكترونية. (2) دعمت الطائرات الموجهة، من دون طيار، مهمة الحرب الإلكترونية، بخداع الرادارات، وتوفير خداع تكتيكي، وخلق ارتباك، بإطلاق أهداف كاذبة. (3) نجحت طائرات الحرب الإلكترونية، في عرقلة وسائل اتصالات القيادة والسيطرة العراقية، سواء يدوياً أو آلياً. وأمكنها مسح مستمر، لمدة 24 ساعة، لوسائل الاتصالات العراقية، طيلة 44 يوماً. كما نجحت في تعويق وسائل اتصالات أرض المعركة، والصواريخ أرض / جو، والقوات الجوية التكتيكية. (4) تمكنت طائرات الحرب الإلكترونية من توفير المعلومات عن نشاط الجانب العراقي، الجوي والبري، وتحديد أماكنه، وخواص نشاطه اللاسلكي والراداري. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية تعميم نُظُم الحرب الإلكترونية الحديثة، التي اقتصر استخدامها على بعض أنواع من الطائرات؛ إذ أصبحت من الأركان الضرورية للحرب الحديثة. (2) ضرورة تحقيق السيطرة الإلكترونية، في المسرح البري، والتي أصبحت لا تقلّ في تحقيق السيطرة الجوية أهمية، بل هي أحد أعمدتها الأساسية، ولا سيما بعد نجاح الحرب الإلكترونية في مسح مسرح العمليات، إلكترونياً، والتشويش على أجهزة الخصم اللاسلكية، والتدخل في شبكات السيطرة الميدانية، وتعطيل البثّ الراداري، وتعمية أجهزة التوجيه. (3) أهمية إعطاء الحرب الإلكترونية الثقل الملائم، وحسابها ضمن مُضاعِفات القدرة القتالية (Combat Power Multipliers)، عند إجراء المقارنات. 6. الإخفاء والتمويه في مواجهة التفوق الجوي

نجحت القوات العراقية في تحقيق معدل عالٍ، من الإخفاء والتمويه، لتشتيت الضربات الجوية لقوات التحالف، من خلال: أ. استخدام أسلحة ومعدات هيكلية. ب. تجهيز مواقع هيكلية عديدة. ج. إعادة النشاط إلى بعض المواقع المدمرة. د. تضليل طائرات التحالف وخداعها، ووضْع معدات سبق تدميرها. الدروس المستفادة (1) ابتداع أساليب الإخفاء والتمويه والخداع، من أجْل الحدّ من تأثير الضربات والهجمات الجوية. (2) الإخفاء والخداع، يقللان حجم الخسائر، في الأسلحة والمعدات، في مقابل الضربات والهجمات الجوية[2].

[1] الطراز الذي استخدم في حرب الخليج كان صاروخ هجوم بري أطلق من سفن سطح / سطح وغواصات وله رأس حربية 1000 رطل بمدى حوالي 700 ميل بحري ووزنه 3200 رطل وطوله 20.5 قدم وقطره 21 بوصة، وسرعته من 0.5 - 0.75 ماخ. ويمكن للصاروخ أن يطير على طريق اقتراب عال أو منخفض إلى نقطة يبدأ عندها الطيران باستخدام توجيه تتبع طبيعة الأرض (أي على إرتفاع محدد من سطح الأرض متفادياً أي هيئات أو عائق). * وطراز توما هوك للهجوم البري يستخدم نظامين توجيه للملاحة بمقارنة صور برية رقمية مخزنة مع نقط أرضية حقيقية على طول خط المرور. ويتم توقيع خط مروره فوق سطح الأرض مسبقاً قبل المهمة بواسطة المخططين بالمسرح الذين يستخدمون في ذلك بيانات من وكالة الخرائط العسكرية. [2] أبسط مثال على ذلك، القصف الجوي الإسرائيلي المستمر خلال حرب الاستنزاف والذي استمر لنحو ثلاث سنوات، ولم يحدث نتائج مؤثرة في القوات المصرية في ضوء عمليات الإخفاء والتمويه وإنشاء العديد من المواقع الهيكلية واستخدام طرق غير نمطية في خداع الجانب الإسرائيلي.


المبحث السابع: النتائج والدروس المستفادة على المستوى العملياتي لقوات الدفاع الجوي والصواريخ أرض/أرض

أولاً: قوات الدفاع الجوي 1. تقنية أسلحة الجو الحديثة في مواجهة منظومة الدفاع الجوي الحديثة

كانت الدفاعات الجوية للقوات العراقية البرية، قد نُظمت بعد الغارة الإسرائيلية على مفاعل أوزيراك في يونيه 1981. وحُصِّنت المناطق، الإستراتيجية والصناعية، خاصة في بغداد بشبكة من الرادارات وصواريخ أرض/ جو والمدفعية المضادّة للطائرات. وكان مركز عمليات الدفاع الجوي، في بغداد، يسيطر على الدفاعات الجوية العراقية، ويتبع له خمسة مراكز قطاعات عمليات، يسيطر كل منها على عمليات الدفاع الجوي في منطقة جغرافية محددة من العراق.

وركز العراق دفاعاته الجوية حول بغداد والبصرة، والأهداف الحيوية، العسكرية والإستراتيجية. وأدى ذلك إلى ترك كثير من النقاط من دون دفاعات، خاصة في جنوبي البلاد. وعانى ذلك النظام خطأ أساسياً، هو أن مراكز إدارة العمليات للقطاعات، لم تتمكن من الاتصال بعضها ببعض لدى تدمير مركز قيادة الدفاع الجوي الرئيسي عن الدولة (ADOC) وتعطيله. ومن ثَم، تمكّن طيران التحالف من مهاجمة قطاعات معزول بعضها عن بعض، فتفوق عليها، بل فتح فيها ثغرة، أمكن استخدامها في مهاجمة كل مسرح الدولة.

أضف إلى ذلك، أن العراق أنشأ نظام دفاع جوي (Inter-Netted)، ذا دعائم زائدة (Red Undant)، ومكون من طبقات (Layered)، ويشمل عدة أنواع، من الرادارات ومراكز القيادة والسيطرة، المحصنة تحت الأرض، وصواريخ أرض / جو، ومدفعية مضادّة للطائرات. ومع ذلك كان هناك ضعف في المواصلات، وفي معالجة البيانات.

وكان لدى العراق، ما يراوح بين 137 و 154 موقع صواريخ متوسطة أرض / جو، منتشرة داخل مسرح عمليات العراق؛ وما بين 20 و 21 موقعاً في مسرح عمليات الكويت، و18 منشأة تأمين فني لصواريخ أرض / جو. وكانت مواقع الدفاع الجوي للصواريخ المتوسطة، تمثل تهديداً لقوة جوية حديثة. وقد أعلن العراق، أنه عدّل صاروخ (SAM-2)، ليستخدم نظام توجيه بالأشعة تحت الحمراء؛ فضلاً عن نظام التوجيه العادي. ولكن، لم يعلم إن كان قد استخدمه فعلاً.

وشمل نظام الدفاع الجوي العراقي، ما يراوح بين 25 و 50 بطارية صواريخ (SAM-3)، تتكون من 140 وحدة إطلاق؛ وما بين 36 و 55 بطارية صواريخ (SAM-6)، تضم أكثر من 100 وحدة إطلاق؛ وما بين 20 و 30 بطارية صواريخ (SAM-2)، قوامها نحو 140 وحدة إطلاق. إضافة إلى نحو 20 بطارية صواريخ (SAM-8)، تضم ما يراوح بين 30 و 40 وحدة إطلاق؛ وما بين 50 و 60 صاروخ رولاند (Rolands). فضلاً عن 972 موقع مدفعية مضادّة للطائرات، تضم 2404 مدافع ثابتة، و6100 مدفع متحرك. إضافة إلى مدافع مضادّة للطائرات من عيارَي 14.5 مم، 12.7 مم؛ ولكنها كانت عاجزة عن الاشتباك مع الأهداف العالية الارتفاع، لافتقارها إلى الدِّقة والمدى.

كذلك، اشتمل نظام الدفاع الجوي العراقي على ما بين 60 و 100 موقع صواريخ (SAM-9)؛ وبعض مواقع (SAM-13) ؛ والمنتشرة في أنحاء مسرح العمليات الكويتي.

وعلى الرغم من كثافة هذه المنظومة، فإن العديد، من وحدات صواريخ أرض / جو، والمدفعية المضادّة للطائرات، ومراكز القيادة والسيطرة في النظام العراقي، كانت درجة استعدادها منخفضة، ومستوى احترافها ضعيفاً. فلقد بقيت نُظُم الاستشعار وإدارة المعركة العراقية، فقيرة. وفشلت في التدريب على التعامل مع اختراق تقليدي، تعمد إليه طائرات هجومية متقدمة. كما أن العراق، كان غير قادر على المحافظة على نُظُم السيطرة والإنذار (C4I)[1]، التي تعمل 24 ساعة في اليوم. أ. نقاط الضعف، في بناء النظام الدفاعي الجوي العراقي (1) لم يفتح العراق نُظُم صواريخ أرض / جو، بعيدة المدى، بفاعلية، لتغطية قواته في مسرح العمليات الكويتي؛ مما عرّضها للهجمات الجوية، من مسافات خارج مدى نُظُم دفاعها الجوي، قصيرة المدى. (2) كانت نُظُم صواريخ الدفاع الجوي، بعيدة المدى، مركزة حول المنشآت الحيوية العراقية، والمناطق الحضرية، تركيزاً سهّل تحديدها ومهاجمتها. (3) اعتمد العراق على نُظُم تسليح سوفيتية، ونُظُم قيادة وسيطرة فرنسية، في إدماج دفاعاته الصاروخية، أرض/ جو. ولكن الاندماج، لم يحقق إلا نجاحاً واستعداداً محدودَين. (4) كانت نُظُم الدفاع الجوي العراقية المنفردة، معرضة لإجراءات الحرب الإلكترونية، والصواريخ المضادّة للإشعاع الراداري، والهجوم الجوي المباشر، من قِبل قوات التحالف. (5) عانت القوات الجوية العراقية، عدة نقاط ضعف، في القتال الجوي، مثل انخفاض مستوى التدريب، والافتقار إلى نُظُم إدارة المعركة الجوية الفاعلة، ومحدودية الرؤية البصرية المحدودة. كما كانت تعتمد على أسلوب التوجيه من الأرض، الأمر الذي جعل المقاتلات العراقية، معرّضة للخطر، نتيجة مهاجمة الرادارات العراقية ومراكز القيادة. (6) كانت قدرات طائرات الدفاع الجوي العراقية السوفيتية الصنع، محدودة، في مجالَي الحرب الإلكترونية والرادار، مقارنة بالمستويات الغربية. وكانت نُظُم الطائرات العراقية معرّضة للتعويق. ب. نقاط القوة للتحالف (1) لم تستطع منظومة الدفاع الجوي العراقية، مواجهة الطائرات الحديثة لقوات التحالف، التي تفُوقها، تقنياً، في مجالات: التسليح؛ ومستوى تدريب الطيارين؛ والمعدات الإلكترونية، ذات النُظُم المعقدة للتعويق، لإحباط عمل الرادارات والصواريخ، ونُظُم التوجيه الحديثة؛ والذخائر الذكية. (2) امتلكت قوات التحالف أنواعاً حديثة من الطائرات، تستطيع إحداث ثغرة في نظام الإنذار للدفاع الجوي، من دون التعرّض للتدمير، مثل طائرات (F-117). (3) حازت قوات التحالف 3 آلاف نظام، لتعويق الرادارات والإجراءات المضادّة. (4) زُوِّدت الطائرات العمودية معدات المحافظة على البقاء (Survivability Equipment)، وهو نظام تشويش متطور، يعمل بالأشعة دون الحمراء. ج. الدروس المستفادة (1) أهمية إعادة النظر في بناء منظومة الدفاع الجوي عن الدولة عامة، ومسرح العمليات خاصة، بإدخال آلية السيطرة، وبناء نظام الإنذار والاستطلاع وإدارة النيران على الارتفاعات المختلفة (العالية ـ المتوسطة ـ المنخفضة)، بناءً، يلائم تطورات نُظُم الطائرات، والقتال الجوي الحديث. (2) ضرورة الاعتماد، في بناء الدفاع الجوي، على المقاتلات ووسائل الدفاع الجوي الحديثة، وليس على الأخيرة فقط، إذ كان لانسحاب الطيران العراقي، مبكراً، من المعركة أثره الكبير في إضعاف وسائل الدفاع الجوي العراقية. (3) أهمية الاهتمام بنظام الاستشعار، وإدارة المعركة، والارتفاع بمستوى نُظُم الحرب الإلكترونية، لتكون قادرة على مواجهة نُظُم الخمد والتعويق. (4) ضرورة دعم منظومة الدفاع الجوي بتقنية متقدمة، من المعدات المضادّة، الأكثر تطوراً، والقادرة على مقاومة الصواريخ المضادّة للإشعاع. (5) ضرورة توفر النُظُم، التي تستطيع أن تواجه استخدام الطائرات الموجهة، من دون طيار، والمبرمجة للعمل كأهداف خداعية؛ وذلك حتى يمكن تجنّب فتح الرادارات، مبكراً، وتلافي تعريضها للصواريخ المضادّة للإشعاع. فقد أثبت استخدام الطائرات الموجهة من دون طيار[2]، فاعلية مرتفعة في حرب الخليج. وكذلك، نجحت قوات التحالف في استخدام أهداف خداعية، تمثل الطائرة المقاتلة. وأطلقت القوات الأمريكية عدداً كبيراً من الأهداف الخداعية التكتيكية (TALD)، خلال المراحل الأولى من الهجوم الجوي. وأدى ذلك إلى إرباك نظام الدفاع الجوي العراقي، الذي حَسِب كل هدف خداعي هو طائرةً مقتربة. وقد أدى ذلك إلى إطلاق العراقيين عدداً من الصواريخ، من دون داع، وتشغيل راداراتهم، فأمكن تحديدها بسهولة، ومهاجمتها بالصواريخ المضادّة للإشعاع. (6) ضرورة توفير نُظُم حديثة لمواجهة صواريخ جو / أرض، من نوع هارم (Harm)، أو الأسلحة الدقيقة، بعيدة المدى، والقادرة على تحديد الأهداف وقصفها، واللذَين يستطيعان تدمير موقع أي رادار، بل كل ما يقع في نطاقه، تدميراً تاماً، ولا يجدي إبطال تشغيل الرادار، لتضليل صاروخ هارم الموجَّه إليه، والذي يصرّ على الوصول إلى هدفه. (7) ضرورة الاحتفاظ باحتياطي كبير لوسائل الدفاع الجوي، لمواجهة المعدل العالي في خسائر وحداته. (8) أهمية التجهيز الجيّد، والمسبق، لمسرح العمليات. فالتحصينات والتجهيزات الهندسية، لوسائل الدفاع الجوي، وأعمال الإخفاء والخداع التي لجأت إليها القوات العراقية، ساعدت على تقليل حجم الخسائر، في الأسلحة والمعدات والأفراد، بالمقارنة مع عدد الطلعات الجوية للتحالف. (9) عدم الاعتماد، في الدفاع عن بعض الأهداف، مثل المطارات، على الدفاع الجوي المنخفض؛ إذ يمكن الطيران إصابتها على ارتفاعات متوسطة، خارج مدى وسائل ذلك الدفاع. (10) أهمية تطوير نُظُم ووسائل الدفاع الجوي، قصير المدى، في مواجهة التقنية العالية، التي استطاعت أن تُحدد نقاط الضعف في تلك الوسائل، لتوفير الإمكانات المضادّة الملائمة (سواء وسائل أو تكتيكات). 2. الحرب الإلكترونية وقدرتها ضد وسائل الدفاع الجوي ومراكز القيادة

أثبتت الحرب الإلكترونية قدرتها على إرباك وسائل الدفاع الجوي ومراكز القيادة والسيطرة، وسرعة تحقيق السيادة الجوية. كما أنها ساعدت على تحقيق المفاجآت، العملياتية والتكتيكية. أ. نقاط القوة (1) أسهمت قدرات التحالف، في الحرب الإلكترونية، بدور حيوي في تحقيق سيادته الجوية. ونهضت الطائرات المتخصصة، بالدور الرئيسي في هذه الحرب. وقد نفّذ التحالف حوالي 3 آلاف مهمة في هذا المجال، إلى جانب آلاف الطلعات بطائرات مجهزة بنُظُم أو مستودعات حرب إلكترونية. (2) عملت طائرات (EC-135)، بالتعاون مع طائرات أواكس، ومحطات أرضية، كمنصة لجميع المعلومات الإلكترونية، فوفّرت معرفة دقيقة عن نشاط العدوّ، الجوي والبري، وحدّدت خواص نشاطه، اللاسلكي والراداري وأماكنه. (3) تأتّى لقوات التحالف القدرة على إرباك وسائل الاتصالات والقيادة والسيطرة، وصواريخ أرض / جو، والمدفعية المضادّة للطائرات وتعويقها جميعاً. (4) امتلكت قوات التحالف طائرات موجهة، من دون طيار، لتدعيم مهمة الحرب الإلكترونية، وخداع الرادارات، وتوفير خداع تكتيكي، وخلق ارتباك بإطلاق أهداف خداعية. ب. الدروس المستفادة (1) أهمية التوسع في استخدام معدات التعويق الإلكترونية، للحدّ من تأثير النشاط الإلكتروني المعادي. (2) ضرورة استخدام وسائل اتصالات بديلة، ومعدات حديثة، يصعب التشويش عليها، حتى تستمر السيطرة على القوات، مع بناء مراكز قيادة، تكون مجهزة هندسياً لمواجهة أي نوع من الذخائر أو القنابل؛ فقد أدى تدمير مراكز القيادة والسيطرة العراقية أو تعطيلها، إلى فقدان السيطرة على القوات، والعجز عن الحصول على معلومات عن الجانب الآخر. (3) أهمية استخدام قدرات آلية القيادة والسيطرة، والاتصالات، والاستطلاع، والحاسبات، مع نُظُم الدفاع الجوي الحديثة. ثانياً: استخدام الصواريخ أرض / أرض 1. استخدام العراق للصواريخ أرض / أرض (سكود)

   نجح العراق في استخدام صواريخ أرض / أرض[3]. ولكن نجاحه كان محدوداً؛ إذ كانت رؤوس صواريخه رؤوساً تقليدية، تفتقر إلى الدقة والتأثير. ولم يستخدم أسلحة تدمير شامل، على الرغم من امتلاكه أعداداً ضخمة من الأسلحة الكيماوية. أمّا قدراته البيولوجية، فكانت غير مؤكدة، إذ لم تُجرَّب. كما لم يكن قد توصل، بعد، إلى أسلحة نووية. بيد أنه عمد إلى تطوير صواريخ أرض / أرض، لزيادة مداها. وتقدِّر المصادر الإسرائيلية، أن أقصى مدى لصاروخ الحسين، أح د الصواريخ العراقية المطورة[4]، يناهز 600 كم.
   

وتشير المصادر إلى أن العراق فتح ما بين 12 و 18 موقعاً لصواريخ العباس، في ثلاثة مناطق إطلاق ثابتة، في مارس 1990، في جنوبيّه وغربيّه وشماليّه. وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة، شملت المواقع 28 قاذفاً ثابتاً، في غربي العراق، ومواقع ثابتة أخرى بالقرب من تليل وبغداد والدورة. وقد دفع بناء هذه المواقع الثابتة، الاستخبارات الأمريكية، والمخططين الجويين للتحالف، إلى التركيز فيها، كأهداف رئيسية. كما عمد العراق، في أواخر عام 1990، أو في أوائل يناير 1991، إلى إعادة فتح صواريخ سكود، مجهزة بالوقود، في مواقع، يمكن منها إطلاق رشقات من تلك الصواريخ، في بداية هجوم التحالف.

انتشرت وحدات الصواريخ المتحركة العراقية، في مواقع إطلاق على مساحات كبيرة، مما جعلها أهدافاً صعبة جداً. وقد سمح العدد الكبير لمواقع، سبق تحديدها ومسحها، بخلق مناطق إطلاق منتشرة[5]، كما أن ناقلات صواريخ من نوع (TEL)، وعربات الدعم، كان من الصعب تمييزها عن العربات العادية، من دون استطلاع مكثّف. وبرعت القوات العراقية في إخفاء تلك العربات، من خلال وضعها داخل الأنفاق أو في مبانٍ، وأنشأت مواقع هيكلية خداعية كثيرة.

كان تأثير القصف العراقي، بصواريخ سكود، تأثيراً نفسياً. أما تأثيره التدميري، فكان محدوداً، نسبياً[6].

حقق استمرار هجمات صواريخ سكود ضد إسرائيل، مكانة كبيرة لصدام حسين، في بعض أجزاء العالم العربي. وأربك خطة الهجوم الجوي للتحالف. وخلّف خطراً آخر، وهو احتمال انقسام التحالف، إذا دخلت إسرائيل الحرب.

أدت تجربة استخدام الصواريخ العراقية، إلى اتجاه المملكة العربية السعودية إلى محاولة امتلاكها صواريخ أرض / أرض؛ وسعيها إلى امتلاك صواريخ بعيدة المدى. إذ أثبت استخدام تلك الصواريخ، في حرب الخليج، إمكانية التغلب على كثير من ميزات الغرب، في الدفاع الجوي. أ. نقاط القوة في صواريخ سكود

حددت الاستخبارات الأمريكية العديد من منشآت دعم صواريخ سكود وإنتاجها، ومعظم مواقع إطلاقها الثابتة. ولكنها لم تتمكن، قبْل 17 يناير 1991، من تحديد خواصّها الرئيسية، ومناطق الإطلاق أو التجميع أو التحضيرات، خاصة مناطق الإطلاق التي مُسِحت مسبقاً، وأمكن إخفاء قواذف الصواريخ المتحركة فيها، حتى أصبح تحديد أماكنها مُحيراً، وذلك للآتي: (1) افترض المسؤولون عن تحديد الأهداف، في الاستخبارات الأمريكية والتحالف، أن العراق سيعتمد على خبرة الإطلاق السوفيتية، أو خبرة حلف وارسو، والتي نص على احتلال الموقع والتجهيز، ثم الإطلاق ثم إخلاء الموقع، في زمن قدره 40 ـ 90 دقيقة. وعملياً، فتح العراق صواريخه في مواقع سابقة التجهيز، وقامت بتحضير القاذف للإطلاق خلال دقائق قليلة، حيث تقوم بإطلاق الصواريخ على أهداف مساحية، ثم تخلي الموقع بسرعة. كانت العملية بين إطلاق الصاروخ وإخلاء الموقع يتم خلال من 7 ـ 10 دقائق، بينما يحتاج قمر الإنذار الأمريكي المداري إلى دقيقتين لإرسال بيانات الإطلاق. وهذا يعني أن لدى التحالف 5 ـ 8 دقائق لقصف مواقع الإطلاق قبل مغادرة القواذف لها. وهذا بدوره يعني أن القاذفات المقاتلة للتحالف لابد أن تكون في الجو على بعد لا يزيد على 50 ـ 100 كيلومتراً من مواقع الإطلاق التي تم تحديدها، انتظاراً لإشارة الإنذار حتى تكون أمامها فرصة كافية للوصول إلى مواقع الإطلاق لتمييز القواذف وتدميرها قبل هروبها إلى مخابئها. (2) لقد سيطر العراق سيطرة جيدة على البثّ اللاسلكي والراداري، لتجنّب ترددات احتلال المواقع والإطلاق، التي يمكن الدوريات الجوية التقاطها، فتكتشف الموقع، وتضربه بسرعة. ومن غير الواضح أن جهود الاستطلاع اللاسلكي والإلكتروني باستخدام نظام الكشف ساند كراب Tencar Sandcrabs وغيرها من وسائل الكشف، اكتشفت إطلاق الصواريخ سكود، بدقة يعتمد عليها. (3) كان نظام الاستطلاع بالأقمار الصناعية العسكرية "برنامج الإسناد الدفاعي (DSP) (Defense Support Program)، كان مصمماً، أساساً، للإنذار أو للضربات النووية المضادّة، ولتحديد مواقع الوحدات الصاروخية الثابتة، وليس لاصطياد قواذف صواريخ متحركة ذات رؤوس تقليدية. ولكن البيانات، عن مكان الإطلاق، التي وفّرتها أقمار (DSP)، لم تكن دقيقة دقة، تسمح للطائرات بتحديد الهدف. (4) أثبتت التجربة أن أطقم طائرات (F-15E)، لم تتمكن من تمييز قواذف صواريخ سكود، نهاراً، ما لم تكن أماكنها معروفة بدِقة، حتى لو كان القاذف في منطقة صغيرة. (5) أنشأ العراق أهدافاً خداعية، في مناطق الإطلاق. وتعمد زيادة حركة عربات من أنواع أخرى، في منطقة الإطلاق، إمعاناً في المخادعة. (6) زعمت القوات المتحالفة، أنها حققت إصابات ناهزت 30% من قوة صواريخ سكود العراقية الكلية المحتملة؛ إلا أنه لا يوجد أي دليل على ذلك. ومن المحتمل، أنها قللت من معدل إطلاقها. ويبدو أن الهجمات الجوية للتحالف، قد منعت إمداد القواذف المتحركة بتلك الصواريخ، وأجبرت بعضها على التحرك قريباً من مستودعات الصواريخ، وحدّت من تكرار الإطلاق من المناطق نفسها. ب. الدروس المستفادة من أعمال قتال الصواريخ أرض / أرض، سكود (1) أهمية الحاجة إلى إيجاد طرق أفضل، لتحديد القواذف المتحركة لصواريخ أرض / أرض وتدميرها. (2) ضرورة توفير الدفاعات المضادّة لصواريخ أرض / أرض وتطويرها. (3) أهمية إطلاق الصواريخ بنظام الرشقات أو (الحشد) وليس بنظام إطلاق صواريخ فردية، إذ إن تأثيرها نفسي فقط، وليس مادياً. ولكنه يتزايد، ويتفاقم خطرها، إذا استخدمت رؤوس، كيماوية أو بيولوجية، وليس تقليدية[7]. (4) أهمية التحليل الدقيق للأماكن، التي يمكن لوحدات الصواريخ أرض / أرض أن تحتلها. وهو يتطلب: · دراسة طبيعة الأرض دراسة جيدة. · دراسة طرق ومحاور التحرك للاحتلال والإخلاء. · دراسة أسلوب استخدام الصواريخ ومداها (الاحتلال ـ الإعداد والإطلاق والإخلاء، أسلوب مناورتها). 2. الباتريوت والحرب المضادّة للصواريخ

كانت فاعلية صواريخ باتريوت في تدمير صواريخ سكود، هي إحدى صور الجدل في استنباط دروس حرب الخليج. فسارع مؤيدوه إلى الثناء عليه، على أساس تقارير المستخدمين زاعمين أنه اعترض معظم صواريخ سكود العراقية، التي أُطلقت على إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وحملت تلك المزاعم الرئيس بوش على القول: "إن باتريوت كان دليلاً إيجابياً، على أن نُظُم الدفاع الصاروخية، قد عملت جيداً". كما أصدر الجيش منشوراً، زعم فيه، أن باتريوت نجح في اعتراض 45 صاروخاً، من كل 47 صاروخ سكود.

وخلال الأشهر اللاحقة، اتَّهم بعض النقاد المتخصصين باتريوت، بأنه كان عديم الفاعلية. وأصدروا دراسات، تشير إلى أنه لم يصب أياً من رؤوس سكود؛ بل رأى بعضهم أنه ربما أعان باتريوت ندّه سكود على التدمير، الذي أحدثه في إسرائيل، إذ تساقطت أجزاؤه بالقرب من تل أبيب.

كان من المتوقع، بالنسبة إلى نظام، دُفع بسرعة، إلى أداء دور جديد، أن يعاني بعض المصاعب. فقد أحدث فتح باتريوت في المملكة العربية السعودية، مشاكل في القدرة على تحقيق استعداد قتالي كامل. إذ استغرق تذليل المتاعب في مصافي الهواء، الناجمة عن غبار الرمال الدقيقة في منطقة الخليج، أشهراً من الجهد المنظم والاختبارات والتجارب والتعديلات، لجعل الوحدات كاملة الاستعداد ضد الصواريخ الباليستية. بيد أن المشاكل لم تنتهِ. فتعرّض نظام (PAC-2)، الخاص ببناء الصواريخ، لتغيير برامجه، مرتين، خلال عمليتَي "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء"، بل خضع لإعادة برمجة كثيفة، لتصحيح خطأ في المدى.
   

واجه نظام باتريوت (PAC-2)، صعاباً فنية، في اعتراضه صواريخ سكود الأساسي، الذي يرتفع، في انطلاقه، إلى أقصي نقطة في خط مروره العالي نسبياً، ليعود فينقض في سرعة، تراوح 1600 و 1800 متر / ثانية. أما صاروخ سكود المعدَّل، فيبلغ مسافة أبعد، وتزداد سرعة انقضاضه، فتراوح بين 2000 و 2200 متر / ثانية. ويعيبه أنه أقل اتزاناً، في صعوده وانقضاضه، من نسخته الأصلية؛ فضلاً عن معاناته ضعفاً في لِحام محرك الصاروخ المعدَّل. وعلى الرغم من سِرِّيَّة خواصّ باتريوت، فإنه يستطيع اعتراض سكود الأساسي، ولا يفسد عليه انقضاضه إلا التأخير، ولو جزء من ألف من الثانية[8].

بيد أن تجزؤ صاروخ سكود، في انقضاضه، وانتشار أجزائه، في هويانها، عن الرأس الحربي، سلبا صاروخ باتريوت قدرته على اعتراض هدفه، إذ أصبحت أجزاء سكود أمامه أهدافاً عدة متفاوتة الاتجاه والسرعة، بينما هو مُعَدّ للتعامل مع هدف واحد.

واضطرت أطقم باتريوت إلى إطلاق ما بين 3 و 6 صواريخ، على أجزاء صاروخ سكود، مما يهدد بنفاد صواريخ باتريوت (PAC-2). وما لبثت أن اهتدت إلى الاستفادة من قدرة رادار باتريوت على تمييز الرأس الحربي نفسه؛ لأنه يطير بسرعة أعلى، وفي خط المرور نفسه، الذي يتوقعه الرادار. أ. نقاط الضعف في الصاروخ باتريوت (1) لم يكن نظام باتريوت يتمتع بالكفاءة المطلوبة. (2) عندما بدأت الحرب، لم يكن باتريوت مصمماً لتوفير حماية المراكز السكانية الواسعة، ولا للتعامل مع الصواريخ الباليستية، من نوع سكود. واكتشف ذلك فقط، بعد أن بدأت الحرب، مما جعل المهمة أكثر صعوبة. فلم يكن في برنامج باتريوت ما يمكّن من تنفيذ هذه المهمة، أو التعامل مع مناورات السرعات العالية، الحادّة جداً، لصواريخ سكود. ب. الدروس المستفادة من استخدام الباتريوت (1) أهمية بناء نُظُم دفاع مضادّة للصواريخ، تتعامل مع الصواريخ ذات خطوط المرور، العالية والمتوسطة والمنخفضة، حتى تستطيع أن تدمر الصواريخ الباليستية على خط مرورها. وتسعى إسرائيل، حالياً، إلى بناء نظام دفاع عن منطقة، من خلال بناء نظام الصواريخ المضادّة لصواريخ السهم (Arrow)، يتعاون مع نُظُم الصواريخ الأخرى المضادّة للصواريخ، مثل باتريوت، لإحداث نوع من التكامل في بناء منظومة الصواريخ المضادّة للصواريخ؛ ويكون قادراً على مواجهة تهديدات صاروخية، من دول المنطقة. (2) ضرورة توفير المدى الملائم لصواريخ الاعتراض في نقطة، يمكنها فيها منع أجزاء الصاروخ والرؤوس المدمرة، من السقوط فوق مناطق آهلة بالسكان[9]. (3) أهمية توفير نوع من الرادار القادر على اكتشاف الصاروخ الباليستي، على مسافات، تسمح بتوجيه الصواريخ؛ وأن يتضمن برامج مصممة للتعامل مع مشكلة التمييز، بين الرأس المدمر وأجزاء الصاروخ المتناثرة. (4) عدم بناء نظام الصواريخ المضادّة للصواريخ، للدفاع عن هدف مُحدد؛ إنما يجب أن يُبنى في منظومة متكاملة، للدفاع عن منطقة، تستطيع أن تغطي كافة الاتجاهات المعرضة؛ وأن يتوافر لديها العمق والتغطية. (5) جعْل بناء النظام المضاد للصواريخ، ذا قدرة على الدفاع ضد رشقة كبيرة من الصواريخ المزودة رؤوساً نووية، أو أسلحة كيماوية أو بيولوجية.

[1] (Command Control Communications Computers and Intelligence) [2] الطائرة الموجهة من دون طيار عن بعد، يصل طولها ثلاثة أمتار وتطير بسرعة 300 ـ 350 ميل بحري / ساعة لمدة حوالي 450 ميلاً بحرياً، وتستخدم أجهزة استطالة رادارية خاصة، حتى يعتقد أنها طائرات قتال، ويمكن أن تطير في مسار مبرمج، ولكنها تحتاج لمعاونة عامل التوجيه. * واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً نظاماً جديداً أُطلق عليه ADM-141، وهو هدف خداعي تكتيكي يطلق من الجو، ويمكن للطائرة إطلاق حتى ثمانية أهداف خداعية TALD (Tactical Air-Launched Decoy)، ولهذه الأهداف رادار إيجابي وسلبي ليحاكي طائرة مقاتلة مقتربة. [3] كانت الصواريخ سكود هي السلاح الوحيد في ترسانة صدام حسين التي سببت إزعاجاً كبيراً لقوات التحالف وهي صواريخ باليستية أرض أرض تستخدم أساساً ضد الأهداف المساحية. وكانت العراق قد نجحت في اختبار أول طراز معدل من الصواريخ سكود-ب، أُطلق عليه اسم الحسين في أغسطس 1987، كما اختبرت العراق رؤوساً كيماوية لصواريخ سكود التقليدية. وعندما قامت الحرب كانت العراق تبحث عن نظام صاروخي أكثر تطوراً، وانفقت مليارات الدولارات فيما بين عام 1980 ـ 1990، كما قامت بإنشاء مصانع تطوير وإنتاج أسلحة الدمار الشامل تقوم بحملها وتوصيلها. ومولت العراق أعمال بحث وتطوير الصواريخ وقامت بإنشاء مراكز بحثية لهذا الغرض. ولكن الصواريخ التي طورتها العراق لم تكن بالدقة نتيجة لزيادة مدى الصاروخ سكود ـ ب، وهذا يفسر أسباب فشل كثير من الصواريخ سكود التي زيدت مدياتها، والتي تم إطلاقها على إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وفي 14 ديسمبر 1989 أعلنت العراق أنها طورت صاروخاً جديداً أَطلقت عليه اسم تموز ـ 1، وزعمت أنها جربت الصاروخ مرتين، وأن الإطلاق وصل إلى حوالي 1500 كيلومتراً. ولكن الواقع يثبت أن العراق لم يكن قد أتم التجربة، ولكنه كان لا يزال رهن التطوير عندما بدأت الحرب. وفي 15 اكتوبر 1990، أعلن صدام حسين أن العراق طورت صاروخاً جديداً يمكنه ضرب إسرائيل. ويعتقد بعض الخبراء، أن صدام كان يتحدث عن تعديلات الصاروخ عدنان ـ 2، ولكنه لم يستخدم هذا الصاروخ ضد إسرائيل ولم يكتشف وجود صاروخ جديد بالمرة وعندما بدأت حرب الخليج كان لدى العراق 1000 صاروخ سكود من كل الطرازات تشمل عدة مئات من صواريخ الحسين والعباس. وتم فتح هذه الصواريخ في تشكيلات بحجم لواء كل من 3 ـ 4 فوج، وكان لها قيادة بالقرب من طليل شمال بغداد. [4] من الأنواع التي طورتها العراق الصاروخ الحسين ـ العباس ـ تموز وتصل مداياتها على التوالي 600كم، 860كم، 1200 ـ 1500كم. [5] بمجرد بدء الحرب استخدمت العراق وحدات الإطلاق المتحركة في كل من الأجزاء الغربية والجنوبية من العراق لضرب أهداف في إسرائيل والمملكة العربية السعودية ـ وقد أطلقت العراق أول صاروخين سكود ضد إسرائيل في آخر نهار 17 يناير، وحدث أول إطلاق ضد المملكة العربية السعودية في 18 يناير 1991. وقد سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل، كما قامت بحملة لصيد الـ "سكود" وبكثافة عالية بواسطة الطائرات القاذفة المقاتلة. [6] كان التأثير الوحيد الخطير لضربات (سكود) العراقية على معسكر للقوات الأمريكية بالقرب من الظهران بالمملكة العربية السعودية يوم 25 فبراير 1991. [7] لم تستطع العراق استخدام رؤوس كيماوية أو بيولوجية ضد قوات التحالف بالرغم من هزيمتها عسكرياً ولكن التهديد الذي أعلنته قوات التحالف باستخدام وسائل أقصى تأثيراً منع القيادة السياسية في العراق من اتخاذ قرار يؤدي إلى استخدام قوات التحالف لأسلحة الدمار الشامل، كما أن إسرائيل هددت باستخدام وسائل ردع أقوى في حالة تعرضها إلى هجمات كيماوية أو بيولوجية من قبل العراق. [8] وهذه السرعات مبالغ فيها [9] قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل بإدخال تحسينات عديدة على الباتريوت ليحل الصاروخ PAC-3 محل الصاروخ PAC-2، كما قامت بإدخال بعض الرادارات المطورة وأصبح هذا النظام ذي قدرة على اعتراض صواريخ أسرع.