العراق الكويت: الجذور الغزو التحرير - المواقف وردود الفعل، الدولية والإقليمية والعربية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"

من معرفة المصادر

مقدمة

لم تكن أزمة الخليج، التي فجرها الغزو العراقي للكويت، في 2 أغسطس 1990، حدثاً إقليمياً محدوداً تقتصر أصداؤه على المنطقة التي وقع فيها. وما كان في الإمكان أن يبقى كذلك؛ إذ تعرضت دولة للمحو من سجلات الأمم، وانتُهك، صراحة، ميثاق الأمم المتحدة، كما مست الأزمة، منذ اللحظة الأولى، عصباً حساساً للاقتصاد العالمي، يتعلق بما أُطلق عليه، منذ عام 1973، "أمن الطاقة". ولذلك، كان من الطبيعي أن تتجاوز تأثيراتها حدود المنطقة كلها لتدخل في دائرة الاهتمام العالمي. ومن أجْل ذلك فقط، رأى العالَم فيها خطراً مباشراً، لا بدّ من ردْعه.

لقد اقترف صدام حسين، في 2 أغسطس 1990، بغزوه دولة الكويت، أخطاءً عديدة، أهمها:

  • الاستخفاف بإدارة الولايات المتحدة الأمريكية وقدرها، ورغبتها في جعل الحرب ضد العراق حربا ظافرة، بخسائر قليلة.
  • المراهنة على وساطة العرب، وعلى الدعم، الذي سيقدمه إليه الاتحاد السوفيتي. كما راهن على موقف فرنسا، آملاً المساعدة على استئناف مفاوضات حقيقية مع واشنطن، وتجاهل أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا ترغب في هذه المفاوضات.

كما أن صدام حسين لم يستطع أن يؤثر في الرأي العام الأمريكي. واتّضح ذلك من خلال تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي، في 12 يناير 1991 (بأكثرية 52 صوتاً ضد 47 صوتاً)، في مصلحة تفويض استخدام القوة إلى الرئيس بوش، لإنهاء الاحتلال العراقي للكويت. بينما وافق مجلس النواب الأمريكي على القرار الذي أصدره الرئيس بوش، (وكان يحوي صيغة قرار مجلس الأمن الرقم 678)، بأغلبية 250 صوتاً ضد 183 صوتاً[1]. وينص هذا القرار، الذي وصفه أعضاء الكونجرس بأنه إعلان للحرب، على أن الكونجرس الأمريكي، يخوّل الرئيس بوش استخدام القوات المسلحة، في تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم 678 والقرارات الأخرى، على أن يبلغ الرئيس بوش مجلسَي النواب والشيوخ، قرار استخدام القوة العسكرية، ويوضح لهما أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد استنفدت جهودها الدبلوماسية، وكذلك الحصار الاقتصادي، في إرغام صدام حسين على الانسحاب، وأن هذه الجهود لم تنجح.

لقد انتظر صدام، حتى قبْل بداية الحملة الجوية، حلاً وسطاً، لم يكن الأمريكيون مستعدون لتقديمه إليه؛ إذ كان يعتقد إمكانية تحويل الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسي، متجاهلاً المتغيرات، التي حدثت على الساحة العالمية. واتّضح ذلك، جلياً، من خلال مفاوضات وزيرَي الخارجية، الأمريكي جيمس بيكر، والعراقي طارق عزيز، في جنيف، في 9 يناير 1991، التي استغرقت ست ساعات كاملة، وأعلن الوزير الأمريكي فشلها. ولا شك أن هذا اللقاء، لم يكن سوى فرصة، تتيح لواشنطن إبلاغ العراقيين كتاباً ذا لهجة صارمة، جهد الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، ووزير خارجيته، رولان دوما، في إقناع الرئيس الأمريكي بتعديلها، ووسمها بالمرونة. لقد عرَّض صدام حسين شعبه وجيشه لأخطار جسيمة، إذ لم يدرك خطط التحالف واستخدامها القوات الجوية والمعدات الإلكترونية والأسلحة الحديثة، التي يمكن أن تكبّده خسائر رهيبة. وهو ما حدث، بالفعل، مع بدء العمليات العسكرية، في 17 يناير 1991.

أثارت حرب الخليج مشاعر متفاوتة بين شعوب العالم، تراوحت بين الحماس والغضب والخوف، خاصة في الدول المشتركة بوحدات من قواتها المسلحة في الحرب. وقد تصاعدت حدّة الغضب في الولايات المتحدة الأمريكية، بصفة خاصة، حيث خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين، في مختلف أنحائها، احتجاجاً على الحرب. بينما بدت الحماسة للحرب، في استطلاعات الرأي، في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وتزايد خوف بعض الدول، من الهجمات الإرهابية.

والواقع، أن حرب الخليج، لم تترك دولة في العالم بمنأى عن تأثيرها. فبينما استمرت المظاهرات الرافضة للحرب، في العديد من الدول، تدافع الأوروبيون نحو المحالّ التجارية، لشراء المواد الغذائية وتخزينها، خشية نفاذها. بل إن بعضهم تزود الأقنعة الواقية من الغازات والملابس الواقية من الكيماويات.

سارت الأزمة في خطَّين، التقيا في توقيت محدَّد، جوهره الاستعداد للقتال، وبدء الصراع المسلح: الخط الأول: الاستعداد العسكري في مسرح العمليات، وحشد القوات، استعداداً لبدء العمليات الهجومية الإستراتيجية، "عاصفة الصحراء". الخط الثاني: العمل السياسي، المواكب لمستوى الاستعداد العسكري. إضافة إلى عمليات التنسيق بين دول التحالف، وإعمال آليات الأمم المتحدة كل الإعمال، وإصدار القرارات المتوالية عن مجلس الأمن، ثم استخدام جميع وسائل الخداع، السياسي والإستراتيجي، في ضمان أمن الاستعدادات وسِريتها.

وفي 17 يناير 1991، اندلعت العمليات العسكرية، الرامية إلى تحرير الكويت، واستمرت حتى نهاية شهر فبراير 1991، حين انهارت القوات العراقية في مواجهة قوى التحالف. وشهدت، هذه الفترة، ردود فعل مختلفة، سواء على المستوى الدولي والإقليمي والعربي. كان أبرزها: أولاً: مواقف وردود فعل القوّتَين العظمَيَين: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. ثانياً: مواقف وردود فعل بعض دول الاتحاد الأوروبي: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا. ثالثاً: مواقف وردود فعل بعض القوى الإقليمية: إيران، تركيا، باكستان، إسرائيل. رابعاً: ردود الفعل العراقية. خامساً: مواقف بعض الدول العربية، المشاركة في قوات التحالف (المملكة العربية السعودية، مصر، سورية، المغرب). سادساً: مواقف بعض الدول العربية، المساندة للعراق (الأردن، اليمن، ليبيا، تونس). سابعاً: موقف منظمة الأمم المتحدة.


المبحث الأول: مواقف وردود فعل القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي خلال مرحلة عاصفة الصحراء

أولا: مواقف وردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

أ. الأهداف الأمريكية من الحرب

حدد الرئيس الأمريكي، جورج بوش، منذ بداية الأزمة، أهداف السياسة الأمريكية في شأن غزو العراق الكويت، بأربعة أهداف تحكم الموقف الأمريكي: (1) الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية من الكويت. (2) عودة الحكومة الشرعية في الكويت إلى السلطة. (3) ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج. (4) حماية أرواح الأمريكيين في العراق والكويت.

ونتيجة رفض العراق لجميع المبادرات السلمية، العربية والدولية، للانسحاب من الكويت، وإصراره على البقاء فيها، حتى المهلة التي حددها مجلس الأمن في قراره الرقم 678، فقد أمكن شن الحرب، بعد استنفاد جميع الفرص السلمية. ب. موقف الإدارة الأمريكية، وقرار الحرب

قبْل بدء الهجوم استدعى الرئيس بوش زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب دول (Bob Dole)، لإخباره بالهجوم الوشيك. واتصل بوب بزعيم الأقلية في مجلس النواب، روبرت ميشيل (Robert Michael)، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، جورج ميتشل (George Mitchell)، ليجتمع النواب الثلاثة، روبرت جيتس (Robert Gates)، نائب مستشار الأمن القومي، الذي أطلعهم على موجز للعمليات المقبلة. وتحدَّد موقف الإدارة الأمريكية بإعلانها بدء الحرب، من أجْل تحرير الكويت، وتنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. فقد أعلن الرئيس بوش، في خطاب إلى الأمّة، من خلال مؤتمر صحفي، بعد ساعتَين من بدء العمليات العسكرية، وبالتحديد في الساعة التاسعة مساء 16 يناير 1991 (بتوقيت واشنطن) (اُنظر وثيقة بيان الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى الشعب الأمريكي بعد بدء الحرب الجوية في يوم الخميس 17 يناير 1991) أن الهدف، هو: (1) تدمير قدرات العراق النووية والكيماوية، وكذلك مدفعيته. (2) تحرير الكويت، وعودة حكومتها الشرعية.

وأضاف الرئيس بوش: أن الجهد الدبلوماسي، قد فشل. والحصار الاقتصادي، لم ينجح. وأن الخيار الوحيد، صار إخراج صدام حسين بالقوة. وأن الأمل، أن يقنع الشعب العراقي صدام حسين بإلقاء السلاح، ومغادرة الكويت. وأن الرجاء، أن تعود القوات الأمريكية، في أسرع وقت ممكن.

كما أعلن الناطق باسم البيت الأبيض، مارلين فيتزووتر (Marlin Fitzwater) هذا الموقف، في النقاط التالية: (1) العمليات العسكرية، بما فيها الهجمات الجوية، ستستمر ضد العراق، حتى ينفِّذ قرارات مجلس الأمن، الداعية إلى تحرير الكويت. (2) "عاصفة الصحراء"، هي سابقة، بحجمها وتعقيدها. (3) التقارير الأولية، التي وصلت إلى الرئيس بوش، تفيد بنجاح العملية، في مرحلتها الأولى. إلا أنه لا يزال ثمة عمل صعب، ينتظر القوات المتحالفة، قبْل استكمال المهمة. (4) ثمة اتصالات بين الحكومتَين، الأمريكية والسوفيتية، جرت بعَيد البدء بالعمليات العسكرية. أعرب الجانب السوفيتي، خلالها، عن أسفه لانتهاء الوضع إلى اندلاع الصراع المسلح. (5) ليس أمام صدام، أي فرصة سوى الاستسلام، والتقيد بكل قرارات الأمم المتحدة، بعد ما كان لديه فرص عديدة لإنهاء المشكلة، ولكنه لم يفعل. ومع ذلك، ففي استطاعته، الآن، إنهاءها، كذلك، برمي سلاحه، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

وعقب بدء الحرب الجوية، نشطت اتصالات وزارة الخارجية الأمريكية، مع مختلف العواصم، لإطلاع الحلفاء والأصدقاء على تطورات العمليات العسكرية. ولم تظهر أي دلالة، تشير إلى إمكان اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية، بأي مبادرة دبلوماسية، تتيح للرئيس العراقي فرصة، لمراجعة موقفه، والانسحاب من الكويت.

كما قدَّم مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، توماس بيكرينج (Thomas Pickering)، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، في 17 يناير 1991، تؤكد (اُنظر وثيقة رسالة توماس بيكرينج مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي في 17 يناير 1991): (1) أن قوات التحالف بدأت عملياتها، لتحرير الكويت، وإعادة الحكومة الشرعية إليها، وإعادة السلام والأمن إلى المنطقة، بما يتماشى مع القرار الرقم 660، وقرارات مجلس الأمن اللاحقة. (2) أن الهدف، ليس تدمير العراق أو احتلاله أو تجزئته؛ وإنما الهدف، هو المَواقع، العسكرية والإستراتيجية. (3) أن استخدم العراق أسلحة، كيماوية أو بيولوجية أو نووية، سيكون إيذاناً بتصعيد خطير للصراع المسلح.

وفي الساعة السادسة وخمس دقائق، من يوم 17 يناير 1991، بتوقيت بغداد، وجّه صدام حسين نداءً إلى الشعب العراقي، يؤكد لهم، أن الله معهم في قتالهم ضد الباطل، ويناشدهم الصمود والصبر، وأن النصر في جانبهم، بإذن الله. وقال: لقد غدر الغادرون، فارتكب زميل الشيطان، بوش، جريمته الغادرة. إن الله مع المؤمنين الصابرين المجاهدين، وإنه ناصرهم، لا محالة، إن شاء الله، مع اشتداد المنازلة وصمود المؤمنين، يقترب الفرج، لينفتح أمام الأمة كلها، لتطيح بالكراسي والعروش (اُنظر وثيقة نداء من الرئيس العراقي، صدام حسين إلى الشعب العراقي يعلن بدء المنازلة صباح يوم الخميس، 17 يناير 1991).

ج. رد الفعل الأمريكي، إزاء القصف العراقي لإسرائيل

بينما كانت طائرات التحالف مستمرة في قصف المواقع العراقية، في العراق والكويت، أطلق العراق، في ليلة 17 ـ 18 يناير 1991، أول صاروخ، على إسرائيل. وكرد فعل فوري، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، مارلين فيتزووتر ، أن الرئيس بوش غاضب أشد الغضب من هجمات صواريخ أرض/ أرض، من نوع سكود، العراقية، على إسرائيل. وقال فيتزووتر: إنه عمل من أعمال الإرهاب. وليس له أهمية عسكرية. كما أن الأمريكيين والإسرائيليين، يتشاورون في إحباط هذه الهجمات.

وأمضى الرئيس بوش، ليلته في اتصالات مكثفة مع إسرائيل لإقناعها عدم الرد على القصف الصاروخي العراقي، وتعهد بأن الجهود سوف تُبذل لتحطيم منصات هذه الصواريخ، التي تُستخدم ضدها.

وفي اليوم التالي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، ديك تشيني (Dick Cheney)، أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستزوّد إسرائيل صواريخ باتريوت، وستشغلها أطقم أمريكية.

كما أكد بيت ويليامز (Pete Williams)، الناطق باسم البنتاجون، أن صواريخ باتريوت، المضادة للصواريخ، قد وصلت إلى إسرائيل، مع أطقمها، من أوروبا. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت تطلع إسرائيل على المعلومات الاستخبارية، في شأن الصواريخ العراقية.

وفي 20 يناير 1991، وصل إلى إسرائيل، نائب وزير الخارجية الأمريكي، لورانس إيجلبرجر (Lowrence Eagleburgar)، لمناقشة موقف القصف العراقي لإسرائيل، بصواريخ أرض/ أرض. فأجرى عدة مباحثات مع قادة الحكومة الإسرائيلية. وأعلن المتحدث الإسرائيلي، أن الغرض من الزيارة، هو "العمل معاً، لتحقيق التنسيق العسكري". وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق شامير، أن إيجلبرجر، يسعى لإقامة تعاون إستراتيجي[1].

أمّا الحكومة الإسرائيلية، فقد طلبت، خلال الاجتماع بين إيجلبرجر وإسحاق موداي (Yitzhak Modai)، وزير المالية الإسرائيلي ـ دعمها بمساعدات، قدرها 13 مليار دولار، خلال الخمسة أعوام التالية.

ومع استمرار قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها الدفاع عن إسرائيل، ضد العدوان العراقي. إذ امتدحت مارجريت تتويلر (Margret Tetwiler)، الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، في 23 يناير 1991، إسرائيل، لضبط النفس، الذي أبدته بعد الهجوم العراقي بالصواريخ على تل أبيب. وقالت تتويلر: (1) "إن هجوم الصواريخ العراقية، في 22 يناير، الذي تسبب بمقتل ثلاثة أشخاص، وإصابة نحو 90 فرداً آخرين بجروح ـ يثبت، مرة أخرى، أننا نتعامل مع نظام مُستعد لاستخدام جميع وسائل الإرهاب، ضد الأبرياء، تحقيقاً لأهدافه". (2) إن كلاًّ من الرئيس بوش ووزير الخارجية، بيكر، قد أعرب عن أسفه، وعميق تقديره لضبط النفس الإسرائيلي. ونودّ أن تدرك حكومة إسرائيل وشعبها، أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستواصل الوقوف إلى جانب إسرائيل، في الأيام القادمة. (3) إننا ندرك، كذلك، ونحترم رغبة إسرائيل في عدم الانجرار إلى هذا النزاع المتعمد، لتوسيع رقعة الحرب، التي سببها العدوان العراقي على الكويت. (4) إن وزير الخارجية، بيكر، على اتصال بنائبه، إيجلبرجر، الذي يرأس وفداً، أمريكياً، سياسياً وعسكرياً، إلى إسرائيل.

   أمّا فيتزووتر، فقد أعلن: أن الرئيس بوش، أعرب عن أن هجمات الصواريخ العراقية على إسرائيل، ليست إلا إرهاباً وحشياً، ضد مدنيين أبرياء (اُنظر وثيقة بيان السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، مارلين فيتزووتر في شأن هجمات صواريخ سكود العراقية، على إسرائيل يوم الأربعاء، 23 يناير 1991). كما أعرب عن ثقته بأداء الولايات المتحدة الأمريكية العسكري، في منطقة الخليج. وأن عملية "عاصفة الصحراء" مستمرة، طبقاً للخطة. وأن إطلاق صواريخ عراقية على تل أبيب، يُعَدّ مثالاً واضحاً لاستمرار عدوان العراق على جيرانه، من دون أي استفزاز سابق".

د. رد الفعل الأمريكي، إزاء خطاب الرئيس العراقي

في 20 يناير 1991، دعا الرئيس العراقي، في بيان له، وجهه عبر الإذاعة، إلى العراقيين والعرب إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية في جميع أنحاء العالم (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس العراقي، صدام حسين يدعو العرب والمؤمنين والعراقيين إلى مهاجمة مصالح دول التحالف يوم الأحد، 20 يناير 1991).

ورداً على البيان، الذي أذاعه الرئيس العراقي، الذي دعا فيه إلى شن حملة دولية، ضد المصالح الأمريكية، ومصالح الدول الحليفة، قال ديفيد دني (David Denny)، المسؤول الصحفي في وزارة الخارجية الأمريكية، للصحفيين: "إن تصريح صدام، يوضح، بجلاء، درجة دعم دولة العراق لأعمال الإرهاب الدولي. ومن ثَم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، ستستمر في تحميل صدام، شخصياً، مسؤولية الهجمات الإرهابية، الموجَّهة ضد المصالح الأمريكية، أو مصالح الدول الأخرى، المشاركة في التحالف".

وفي 22 يناير، وتخوفاً من أي عمليات إرهابية عراقية ضد المصالح البريطانية، حظرت الحكومة البريطانية على العراقيين دخول أراضيها، وقررت عدم تمديد العمل بالتأشيرات للعراقيين "لأسباب أمنية وطنية" متعلقة بالحرب في الخليج. وفي غضون شهر طردت بريطانيا 60 عراقياً وأوقفت 70 آخرون معتبرة أنهم يهددون الأمن القومي. كما أن كندا والولايات المتحدة وفرنسا واليونان اتخذت إجراءات مماثلة وسط هاجس الإرهاب الدولي. وأقدمت إيطاليا أيضاً على طرد 10 موظفين من السفارة العراقية في روما، و700 مهاجر عراقي مقيمين فيها بصفة غير رسمية.

وفي 30 يناير، شُنت 4 هجمات إرهابية في تركيا ضد المصالح التركية والأمريكية والإيطالية والبريطانية، بما في ذلك اغتيال جنرال تركي متقاعد، مما جعل عدد الهجمات على مصالح الحلفاء 77 هجمة إرهابية، على الأقل منذ بدء الحرب.

وخلال فبراير 1991، واستمرار الأعمال العسكرية لقوات التحالف ضد العراق، تزايدت الأعمال الإرهابية ضد مصالح الدول المشتركة في التحالف: (1) ففي 4 فبراير، تعرضت حافلة، في مدينة جدة، تقل عسكريين أمريكيين وسعوديين، لنيران مسلحين مجهولين[2]. أصيب في الهجوم اثنان من العسكريين الأمريكيين وحارس أمن سعودي. ويُعدُ هذا أول حادث إرهابي مسلح ضد عسكريين أمريكيين داخل المملكة العربية السعودية، منذ بداية حرب الخليج. (2) وفي 6 فبراير، فجّر مجهولان شحنة ناسفة في فرع شركة أمن أمريكية، في ليما، مما أدى إلى مصرع شخصية مهمة، في أسوأ اعتداء على المصالح الأمريكية في بيرو، منذ نشوب حرب الخليج. (3) وفي اليوم نفسه، وقع انفجار في العاصمة اليونانية، أثينا، بالقرب من موقع "سيتي بنك"، تبعه انفجاران آخران، أمام مقر الملحق العسكري الفرنسي وفرع بنك "باركليز" البريطاني. (4) وفي 8 فبراير، كشفت تحقيقات، أجرتها سلطات الأمن المصرية، أسرار مخطط إرهابي عراقي، ضد أمن مصر، يشرف عليه الرئيس العراقي وأجهزة مخابراته بالتعاون مع مجموعتي أبو نضال والجهاد الإسلامية، التي يقودها من الأردن، أسعد التميمي. ويستهدف المخطط خلق حالة من التوتر على حدود مصر الشرقية وجرها إلى اشتباكات مع إسرائيل. كما يستهدف القيام باغتيال عدد من القيادات السياسية البارزة، إضافة إلى شن عدد من الهجمات على المنشآت المهمة، منها سفارات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والكويت، في القاهرة.

ونتيجة لتزايد حوادث الإرهاب، ضد المصالح الأمريكية، ومصالح دول التحالف، قالت مارجريت تتويلر، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مؤتمر صحفي، عقد في 11 فبراير، في وزارة الخارجية الأمريكية، في شأن ارتفاع حوادث الإرهاب: "إن عدد الحوادث الإرهابية، ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف، وصل إلى مائة عمل، تقريباً، منذ اندلاع القتال في الخليج، في 16 يناير". وإن أغلبية هذه الحوادث، نجم عنها ضرر في الممتلكات، وليس إصابات مباشرة. وإن إحصائيات وزارة الخارجية الأولية، تظهر أن خمسة أشخاص قد قتلوا، وجرح خمسون آخرون، تقريباً، في حوادث إرهابية، منذ 16 يناير. ويبدو أن هذه الأعمال، قد نفّذتها "جماعات إرهابية محلية". هـ. رد الفعل الأمريكي، إزاء معاملة العراق لأسرى الحرب

في 21 يناير، أعلنت إذاعة بغداد، أن سجناء الحرب، من طياري قوات التحالف، سيوضعون في مَواقع إستراتيجية. وكرد فعل لِما أعلنته إذاعة بغداد، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، ديك تشيني : "أن كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق ملتزمتان بالاتفاقات الدولية، الخاصة بمعاملة أَسْرَى الحرب؛ وهذا التصعيد يعتبر جريمة حرب".

كما أعلن الرئيس الأمريكي، جورج بوش، "أن احتجاز رجال القوات الجوية المتحالفة، في المَواقع الإستراتيجية، واستخدامهم كدروع بشرية، لن يُغيّر من استمرار الحرب. وصدام حسين مسؤول عن مصير سجناء الحرب". وحذَّر بوش العراق، من أن المعاملة الوحشية، تُعَدّ انتهاكاً لاتفاقات، جنيف التي تحكم معاملة أَسْرَى الحرب.

وأكد فيتزووتر، تحذير الرئيس بوش، إذ أبلغ الصحفيين، أن الإجراء القانوني، المتعلق بتحميل الأشخاص المسؤولية، يتمثل في محاكمة، تختص بجرائم الحرب. وأضاف، "أن زعماء دول التحالف، ساخطون على معاملة العراق للأسرَى. وأن هذا الأسلوب العراقي، يُحدث تأثيراً معاكساً".

كما استدعى روبرت كيميت (Robert Kimit)، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، القائم بالأعمال العراقي، خليل الشاويش، "للاحتجاج بشدة" على ما ذكر عن اعتزام العراق احتجاز أسرَى الحرب، من الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الأخرى، في مَواقع عراقية، قد تشكل أهدافاً إستراتيجية للقوات المتعددة الجنسيات، التي تقاتل لتحرير الكويت.

وقالت مارجريت تتويلر (Margret Tetwiler)، الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، في بيان مكتوب، إن كيميت لم يحتجّ فقط على عزم العراق نقْل أسرَى الحرب إلى مناطق، يمكن أن تتعرض للقصف، ولكنه كرر، كذلك، احتجاجاً، سلّمه ديفيد ماك (David Mac)، نائب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وجنوبي آسيا، إلى خليل الشاويش، في20 يناير 1991، في شأن معاملة الطيارين الأمريكيين وطياري التحالف، الموجودين في العراق، كأسرَى حرب.


وفي 22 يناير، عقد مارلين فيتزووتر ، الناطق باسم البيت الأبيض، مؤتمراً صحفياً، قال فيه، إن الرئيس بوش، أوفد ريتشارد آرميتاج (Richard Armitage)[3]، إلى الأردن، كمبعوث خاص، للتشاور مع الملك حسين، وغيره من المسؤولين الأردنيين، وليبحث مع الملك، نفسه وجهات نظره، والوضع في المنطقة. وقال فيتزووتر: "إن الرئيس بوش مهتم اهتماماً خاصاً بوضع أسرى الحرب، وإن آرميتاج، سيقف على المشكلة ومدى اتساعها، ويتعرّف ما يمكن واشنطن أن تساعد عليه، فضلاً عن تحليل الملك الأردني للوضع. كما ذكر أن المبعوث الأمريكي، سيرفع تقريراً، في شأن ذلك، من طريق وزير الخارجية، بيكر، ووزير الدفاع، ديك تشيني".

و. الرئيس بوش يؤكد استمرار تنفيذ عملية "عاصفة الصحراء"، طبقاً للمخطَّط

أثناء لقاء الرئيس بوش، في 23 يناير 1991، جمعية الضباط الاحتياطيين، قال: "إننا نحرز، خطوة خطوة، تقدما باتجاه تحقيق الأهداف التي توجه رد العالم... وهي تحرير الكويت، وإعادة الاستقرار والأمن إلى الخليج". وأضاف (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس جورج بوش في احتفال جمعية ضباط الاحتياطي يوم الأربعاء، 23 يناير 1991)[4]: (1) إن الحرب، لن تكون فيتنام أخرى. وسوف نواصلها، وسوف ننتصر. (2) إن الغارات الجوية على العراق، قضت على طموحات الرئيس العراقي، ولن يستطيع إنتاج قنبلة نووية، لفترة طويلة. (3) إن إطلاق العراق صواريخ سكود، على المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لن يُثني عزم التحالف عن المضي قُدُماً، طبقاً للبرنامج المخطَّط. (4) إن صدام حسين طاغية سيُقَدَّم إلى العدالة. ز. العراق وحرق أبار النفط الكويتية، وإغراق الخليج به

بعد خمسة أيام من بدء العمليات العسكرية، ظهر واضحاً أن العراق فشل في مقاومة الهجمات الجوية المتواصلة، لطائرات التحالف ضد أهدافه العسكرية والإستراتيجية، في العراق والكويت. ولذ لجأ اعتباراً من يوم 22 يناير، في نسف وتدمير المنشآت النفطية الكويتية، خاصة في حقل الوفرة الكويتي، لتكّون سحابة من الدخان تمنع الطيران الأمريكي من مواصلة غاراته.

وفي 25 يناير، قام العراق بمحاولة أخرى، وهي إغراق مياه الخليج وشواطئه بكميات هائلة من النفط الخام تقدر بملايين البراميل من ميناء الأحمدي الكويتي، ومستودعات النفط الكويتية والعراقية الأخرى، مما هدد المنطقة بكارثة بيئية. وأعرب خبراء وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، وخبراء البيئة، عن خشيتهم من أن يقوم العراقيون بإشعال هذه الكمية الضخمة من النفط، مما يترتب عليه آثار بيئية خطيرة.

وكشفت مصادر سعودية وأمريكية، أن العراق سمح لبقعة زيت كبيرة بالانتشار في الخليج، في محاولة لتأخير مراحل "عاصفة الصحراء" التي ترمي لتحرير الكويت. على الرغم من ذلك، أعلن بعض القادة العسكريون، أن النفط المتسرب في الخليج لن يؤثر على سير العمليات العسكرية.

وبمرور الوقت، تعاظم الخطر الداهم للبقعة النفطية المتسربة في الخليج العربي، مع اتساع حجمها ساعة بعد أخرى، حيث أصبحت تغطي، بحلول يوم 26 يناير، أكثر من 620 كم2. إضافة إلى ذلك، أشعلت العراق حريق كبير في جزء من البقعة، على بعد 350 كيلومتراً من البحرين، واشتعلت النار في منصتين ومصب للنفط موجودة داخل البقعة شمالي الخليج. كما اشتعلت

ثانياً: مواقف وردود فعل الاتحاد السوفيتي، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

أ. موقف الاتحاد السوفيتي من الحرب

اتّسم السلوك السوفيتي، في حرب الخليج، بقدر من الغموض، لا يتلاءم مع ثقل الاتحاد السوفيتي ووزنه، كقوة عظمى، وعضو مهم، له حق استخدام النقض (الفيتو)، داخل مجلس الأمن. والواقع، أنه تحاشى، منذ البداية، التدخل في الحرب، بل وسعى لإيقافها. وكان له موقف مُحدَّد، وهو ضرورة الانسحاب العراقي، غير المشروط، من الكويت، وعودة حكومتها الشرعية. بل شارك في حصار بغداد، بوقف إمداداته، التسليحية والسلعية وغيرها. كما وافق على القرار الرقم 678، الصادر عن مجلس الأمن، والذي يسمح باستخدام القوة في إخراج العراق من الكويت.

لم يكن الاتحاد السوفيتي قادراً، عملياً، على منع العمل العسكري الغربي. إلاّ أنه حاول إيقاف الحرب، ولكنه لم يستطع، فعمد الانسحاب المنظم من حرب الخليج، وبأقل الخسائر. والواقع، أن السلوك السوفيتي، إزاء الأزمة، قد جسد الخيار الإستراتيجي السوفيتي، الانسحاب المنظم من صراعات الجنوب.

ب. الاتحاد السوفيتي يؤكد على ضرورة انسحاب العراق

في يوم 17 يناير 1991، مع بداية الحملة الجوية، أكد الموقف السوفيتي، ضرورة الانسحاب العراقي من الكويت، وأن العراق، وحده، هو الذي يتحمل هذه النتائج المأسوية. وقد عبَّر الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف (Mikhail Gorbachev)، عن ذلك بالقول، إن القيادة العراقية، هي المسؤولية عن "الانعطاف المأسوي"، في أزمة الخليج. وإن إعلان العراق استعداده للانسحاب من الكويت، سيكون خطوة الإنقاذ الوحيدة. وكشف أن الأمريكيين، قد أبلغوا موسكو قرارهم، في شأن الحرب، قبْل ساعة واحدة من بدئها.

كما أكد نائب وزير الخارجية السوفيتي، ألكسندر بيلونوجوف ، أن موسكو تعمل على احتواء الموقف المتفجر في الخليج، في أسرع وقت ممكن. كما رحب بيلونوجوف، بإعلان إسرائيل وتركيا وإيران، امتناعها من المشاركة في الحرب.

وفي 18 يناير 1991، بعث الرئيس السوفيتي، جورباتشوف، برسالة إلى الرئيس العراقي، صدام حسين، أكد فيها أهمية الانسحاب العراقي من الكويت، من أجل وقف العمليات العسكرية، لأن ذلك من شأنه حماية العراق من التدمير. وقال جورباتشوف:

"الرئيس القائد، صدام حسين. بعد أن أدت كل الظروف إلى الموقف المأسوي، والخطير جداً، أتوجَّه إليكم بالاقتراح التالي: هل يوافق رئيس الجمهورية العراقية، على أن يُصرح بانسحاب القوات العراقية، إذا توقفت العمليات العسكرية؟ وفي حالة مثل هذه الموافقة، سنجري الاتصال مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، في شأن هذا الموضوع، ليكون الإيقاف للعمليات العسكرية متبادلاً. وإنني إذ أقدِّم هذه المبادرة، تدفعني، قبْل كل شيء، العناية بحماية الأرواح البشرية، والرغبة في تجنيب المزيد من المعاناة والآثار المدمرة للعراق. إننا نأمل الرد، بجوابكم، في أقرب وقت ممكن" (اُنظر وثيقة رسالة الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف إلى الرئيس العراقي صدام حسين يوم الجمعة، 18 يناير 1991).

وفي 19 يناير، وكرد فعل للقصف الجوي ضد بغداد، أصدر الرئيس السوفيتي، جورباتشوف، تعليمات من أجْل إجلاء نحو 100 مواطن سوفيتي من العراق. وذكر نائب الرئيس السوفيتي، جينادي ياناييف (Gennady Yanayev)، أن عدداً قليلاً من أفراد السفارة السوفيتية، سيبقى في العراق.

وفي 21 يناير، أكدت موسكو، أن مقترحاتها تدعو إلى الانسحاب العراقي الفوري من الكويت، حتى يمكنها السعي لوقف إطلاق النار. وقد عبّرت عن ذلك، من خلال الرسائل، التي بعث الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، إلى كلٍّ من رئيس الجماعة الأوروبية ورؤساء الدول العربية وقادة بعض الدول المعنية بالأزمة، شارحاً فيها محددات المقترحات السوفيتية، الداعية إلى انسحاب العراق من الكويت، وعودة الشرعية إليها، وإيقاف إطلاق النار، من أجْل استطلاع مواقف هذه الدول، في شأن وقف حرب الخليج. وأكد الرئيس جورباتشوف في رسائله، أن قوام مبادرته: (1) إعلان الرئيس العراقي التزامه بالانسحاب الفوري من الكويت. (2) سعي موسكو، بعد ذلك، لوقف إطلاق النار.

وفي اليوم نفسه، بثت وسائل الإعلام العراقية، نص رسالة الرئيس العراقي، صدام حسين، رداً على رسالة الرئيس السوفيتي جورباتشوف، مؤكداً رفضه الانسحاب من الكويت، وقال في رسالته (اُنظر وثيقة رسالة الرئيس صدام حسين إلى الرئيس جورباتشوف رداً على رسالته التي بعث بها في 18 يناير 1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة):

"إننا، يا سيادة الرئيس، ببساطة، قد يكون تكرارها من الأمور المزعجة، عندما نقول إننا أحرار، كما ولدتنا أمهاتنا، وخلقنا الله لنكون. ولأننا أحرار، ونصرّ على أن نمتلك حريتنا، فإننا نرفض قانون الهيمنة والتسلط الأمريكي. ولسنا نحن الذين قمنا بالعدوان على أمريكا والحرب ضدها، لكي يطلب منا أن نصرح بما يظهر أمريكا، وقد لوت إرادة الصمود فينا، ونقدم لها ما يغريها بمواصلة الابتزاز والعربدة، في منطقتنا، وفي العالم، على قاعدة أن الجميع ينبغي، بل ويجب أن يخضعوا لقانون ولايتها على العالم". ج. الموقف السوفيتي من استمرار حرب الخليج

وفي 22 يناير، دعا الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورياتشوف، من أجْل بذل الجهود الدولية في إيقاف حرب الخليج. وحذر من خطر اتساع النزاع. وقال إن الاتحاد السوفيتي، يعمل مع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن، على منع اتساع نطاق القتال، وأن الاتحاد السوفيتي، قلق من الوضع الحالي في الخليج، حيث تتجه الأحداث نحو التصعيد.

وفي 23 يناير، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، فيتالي تشوركين (Vitaly Churkin)، بيان، عبّر فيه عن قلق الاتحاد السوفيتي، الشديد، للهجمات الصاروخية العراقية على إسرائيل، ومن التقارير في شأن نسف العراق آبار النفط الكويتية.

في 24 يناير 1991، أكد الاتحاد السوفيتي ضرورة إيجاد حل فوري لأزمة الخليج، من خلال تجديد المبادرات الداعية إلى ذلك، واضطلاع الأمم المتحدة بدورها في هذا الشأن، وسوق النفط. جاء ذلك في البيان، الذي أصدره مجلس الرئاسة السوفيتي، في شأن النزاع في الخليج، وقال فيه (اُنظر وثيقة البيان الصادر عن مجلس الرئاسة السوفيتي الأعلى الداعي إلى استئناف الجهود الدبلوماسية في الخليج يوم الخميس، 24 يناير 1991):

"بعد الاستماع إلى اتصالات ألكسندر بسميرتنيخ ، وزير الخارجية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، في شأن الوضع في الخليج، ومراجعة هذه الاتصالات، ومع الشعور بالأسف العميق، لأن الأزمة أخذت منحًى مأسوياً، وتحولت، في الواقع، إلى صراع ذي أبعاد واسعة، قرر مجلس الرئاسة السوفيتي الأعلى: · دعم البيان، الذي أصدره جورباتشوف، رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، حول العمليات العسكرية في الخليج. · تأكيد ضرورة قيام الحكومة بإطلاع مجلس السوفييت الأعلى، على التطورات بالخليج، بشكل منتظم . · منح لجنة الشؤون الخارجية، التابعة لمجلس السوفيت الأعلى، المسؤولية لمركزة المعلومات حول الموضوع، ونقْلها إلى نواب الشعب. · يطالب مجلس رئاسة السوفيت الأعلى، الأمم المتحدة وأمينها العام، بإلحاح، بتجديد المبادرات، الهادفة إلى حل الأزمة في الخليج".

في 25 يناير، أكد الاتحاد السوفيتي، مرة أخرى، أهمية الانسحاب العراقي من الكويت، من أجْل وقف الأعمال العسكرية في الخليج. جاء ذلك من خلال لقاء وزير الخارجية السوفيتي، ألكسندر بسميرتنيخ وفداً فلسطينياً، يضم محمود عباس، أبو مازن، وياسر عبد ربه، عضوَي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد أبلغ وزير الخارجية السوفيتية الوفد الفلسطيني، أهمية التوصل إلى "صيغة تكفل انسحاب القوات العراقية من الكويت، ووقْف الأعمال العسكرية، بحيث يكون ذلك، كمقدمة لتسوية سياسية كاملة للوضع في الخليج، ثم القيام بعمل نشيط لحل سائر مشاكل الشرق الأوسط". د. البيان الأمريكي ـ السوفيتي المشترك

أكد الاتحاد السوفيتي، ضرورة انسحاب القوات العراقية من الكويت والعمل على استقرار وسلام دائمَين، في المنطقة، بعد نهاية الحرب. جاء ذلك من خلال البيان المشترك لوزيرَي الخارجية، الأمريكي والسوفيتي، بيكر وبسميرتنيخ، في ختام اجتماعهما، في واشنطن، في 30 يناير 1991، والذي تضمن عرضاً للعراق، بقبول وقْف إطلاق النار، إذا تعهد، على نحو لا لَبْس فيه، الانسحاب، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، فوراً (اُنظر وثيقة البيان السوفيتي ـ الأمريكي المشترك الصادر عن وزيرَي الخارجية، السوفيتي بسميرتنيخ والأمريكي جيمس بيكر، خلال المحادثات، التي عقدت في واشنطن يوم الخميس، 30 يناير 1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة).

كما وافق الوزيران على السعي لاستقرار وسلام دائمَين، في المنطقة، بعد نهاية الحرب، على أساس ترتيبات أمنية فاعلة، ستكون لها أولوية لدى حكومتَيهما. كما اتفق الوزيران على تأجيل القِمة، التي كان مقرراً عقدها في فبراير 1991، إلى موعد لاحق، في النصف الأول من العام نفسه. وأكد البيان على اتفاق وجهتَي النظر، السوفيتية والأمريكية، في الحرص على التعاون على أزمة الخليج.

وقد رحَب الاتحاد السوفيتي بالبيان السوفيتي ـ الأمريكي المشترك، إذ رأى فيه الكرملين تغيّراً ملحوظاً في موقف واشنطن الرسمي من حرب الخليج، يمكنه أن يمهد الطريق أمام تعاون أكبر بين القوّتَين العظمَيَين، في المستقبل.

كما أعرب المسؤولون السوفيت، ومعلقو وسائل الإعلام الرسمية، عن الارتياح إزاء نتيجة المحادثات، التي جرت في واشنطن، بين وزير الخارجية الأمريكي، بيكر، ونظيره السوفيتي، بسميرتنيخ.

وفي حديث إلى التليفزيون السوفيتي، وصف بسميرتنيخ البيان بأنه مهم. كما وصفه بأنه أول بيان مشترك بين الدولتَين العظمَيَين، في شأن القضايا العربية ـ الإسرائيلية، منذ عام 1976. وقال بسميرتنيخ إنه حاول وبيكر، التطلع إلى مرحلة ما بعد الحرب في الكويت، للنظر في أزمة الشرق الأوسط، في إطارها الأشمل. هـ. الاتحاد السوفيتي، يحذّر من إمكانية تراجع العلاقات بالولايات المتحدة الأمريكية

في 31 يناير 1991، ومع تصاعد القتال في الخليج، حذّر الاتحاد السوفيتي، في تصريح لوزير الخارجية السوفيتي ألكسندر بسميرتنيخ، بإمكان تراجع العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الخلاف في أسلوب إيجاد حل لإيقاف إطلاق النار. وأكد أن بلاده ما زالت مركزاً في السياسة العالمية. وأن العالم ذا القطَبين قارب الانتهاء، وسيظهر مكانه عالَمُ أقطابٍ عدة. و. محاولات الاتحاد السوفيتي لإحلال السلام

في 4 فبراير 1991، أكد الاتحاد السوفيتي ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن، والتوصل إلى حل سلمي سريع لأزمة الخليج، بدلاً من الصراع المسلح. وجاء ذلك في بيان صادر عن اللجنة المركزية، قالت فيه: "إن اللجنة المركزية، إذ تعبّر عن قلقها العميق، إزاء التطورات المتصاعدة في حرب الخليج، فإنها تدعو القيادة السوفيتية إلى اتخاذ مزيد من الخطوات الضرورية، على ساحة المجتمع الدولي في الأمم المتحدة، لوقف نزيف الدم، والحيلولة دون تدمير البيئة، وتحويل الصراع العسكري إلى جهود للحل السلمي، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة".

وفي 7 فبراير، وافق الاتحاد السوفيتي، على مبادرة إيران، لإحلال السلام في منطقة الخليج. جاء ذلك عقب المباحثات، بين نائب وزير الخارجية السوفيتي، ألكسندر بيلونوجوف ، مع وزير الخارجية الإيراني، "علي أكبر ولايتي (Ali Akbar Velayati)، في طهران. وقد أعرب الجانب السوفيتي عن ترحيبه بالمبادرة الإيرانية، لإحلال السلام في منطقة الخليج. وأكد وزير الخارجية الإيراني، في ضوء ما أذاعته وكالة "تاس" السوفيتية، أن إيران، ترفض أي محاولات لتحويل الصراع إلى حرب بين المسيحيين والمسلمين. كما أكد نائب وزير الخارجية السوفيتي، أن التدمير المتعمد للمناطق السكنية في العراق، لا يطابق ما تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي. ز. توجيه نداء إلى الرئيس العراقي

وفي 9 فبراير، وجّه الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، نداءً إلى صدام حسين، دعاه فيه إلى أن يكون واقعياً. وأعلن أنه سيوفد ممثلاً شخصياً إلى بغداد، لإقناع الرئيس العراقي بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي. وقال جورباتشوف، "إن أحداث الحرب، اتخذت شكلاً مأسوياً. وإن تطوراتها، قد أثارت فزعاً في المجتمع السوفيتي، خاصة أن الحرب تدور بالقرب من حدود الاتحاد السوفيتي، وأن الضحايا تتزايد، ومن بينهم سكان مدنيون. كما دعا إلى عدم استخدام أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، وعدم تجاوز الحرب لأهدافها" (اُنظر وثيقة النص الإنجليزي بيان الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف في شأن إقناع الرئيس العراقي، بتنفيذ قرارات مجلس الأمن في 9 فبراير 1991).

ومن ناحية أخرى، كررت إذاعة بغداد موقفها المتشدد بالقول: "إن العراق، لم يطلب وقْف إطلاق النار، في الأسبوع الأول من الحرب. ولن يقبل أبداً وقْف إطلاق النار، إلا بعد تحقيق النصر الكامل".

وفي 12 فبراير، بدأ التحرك الدبلوماسي السوفيتي، من أجْل إيجاد حل لوقف إطلاق النار، ولحث العراق على الانسحاب من الكويت. فوصل إلى بغداد المبعوث السوفيتي، يفجيني بريماكوف ، حاملاً رسالة من الرئيس جورباتش

المبحث الثاني: مواقف وردود فعل بعض دول الاتحاد الأوروبي

مع بدء الحملة الجوية، في 17 يناير 1991، أكد وزراء خارجية الجماعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) (12 دولة)، المجتمعين في باريس، في جلسة استثنائية، في بيان، في شأن أزمة الخليج، "التزامهم الكامل بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط".

كما عقد المجلس الوزاري لـ "اتحاد أوروبا الغربية"، اجتماعاً طارئاً، في 17 يناير 1991، في باريس، بدعوة عاجلة من فرنسا، التي كانت تتولى رئاسته، آنئذٍ. وقال وزير الخارجية الفرنسي، رولان دوما: "إن المجتمع الدولي، عمل، بلا هوادة، مع البلدان الأوروبية، ومن بينها فرنسا، بشكل ناشط، من أجْل تأمين إحقاق الحق، وإعطاء أولوية للتنفيذ". وأضاف: "إن الرئيس صدام حسين، من خلال تعنته، وصمته حيال النداءات المتكررة، التي وجِّهت إليه، عرَّض بلده وشعبه لمأساة الحرب، وهو بذلك يتحمل، أمام التاريخ، مسؤولية خطيرة جداً". وأكد دوما، أن الحرب الدائرة، حالياً، في الخليج، ليست حرباً، يشنها الغرب ضد العالم العربي، ولا حرباً بين الشمال والجنوب ولا حرباً، تشنها الدول الغنية ضد الدول الفقيرة؛ بل إنها حرب القانون ضد من ينتهكه ويغتصبه.

ودان معظم العواصم الغربية، الهجوم الصاروخي العراقي على إسرائيل. إلا أنها شددت على ضرورة عدم دخولها الحرب، وطالبتها بضبط النفس؛ ورأت أن ذلك سيكون تعبيراً عن قوة، وليس عن ضعف. وما ذلك إلاّ محافظة على أكبر قدر من التأييد لعملية تحرير، الكويت الجارية حالياً.

أما في صدد مساهمات الاتحاد الأوروبي في حرب الخليج، فقد انتقد نورمان لاموث (Norman Lamoth)، وزير الشؤون المالية البريطانية، تفاوت النسب التي تتحملها الدول الأوروبية، من نفقات الحرب. وأشار إلى ثقل تلك النفقات على الاقتصاد البريطاني، بل كشف أن بريطانيا، أنفقت، منذ أغسطس 1990 وحتى بدء القتال، ما يقرب من بليون جنيه إسترليني، وأن الحرب تتطلب منها 55 مليون جنيه إسترليني في اليوم.

وعن علاقات الاتحاد الأوروبي بإسرائيل، فقد أعلنت الجماعة الأوروبية إلغاء كل القيود، التي سبقت أن فرضتها على إسرائيل، تقديراً لضبط النفس، الذي أبدته إزاء الهجمات الصاروخية العراقية عليها؛ وهي القيود التي كانت قد فرضت على إسرائيل، في يناير 1990، احتجاجاً على إغلاق إسرائيل الجامعات الفلسطينية في الأراضي المحتلة. كما أعلنت الجماعة، كذلك، أن التعاون مع إسرائيل، سيشمل تنفيذ 27 مشروعاً علمياً.


أولاً: مواقف وردود الفعل البريطانية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

أ. الأهداف الأمريكية من الحرب

حدد الرئيس الأمريكي، جورج بوش، منذ بداية الأزمة، أهداف السياسة الأمريكية في شأن غزو العراق الكويت، بأربعة أهداف تحكم الموقف الأمريكي: (1) الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية من الكويت. (2) عودة الحكومة الشرعية في الكويت إلى السلطة. (3) ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج. (4) حماية أرواح الأمريكيين في العراق والكويت.

ونتيجة رفض العراق لجميع المبادرات السلمية، العربية والدولية، للانسحاب من الكويت، وإصراره على البقاء فيها، حتى المهلة التي حددها مجلس الأمن في قراره الرقم 678، فقد أمكن شن الحرب، بعد استنفاد جميع الفرص السلمية.

ب. موقف الإدارة الأمريكية، وقرار الحرب

قبْل بدء الهجوم استدعى الرئيس بوش زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب دول (Bob Dole)، لإخباره بالهجوم الوشيك. واتصل بوب بزعيم الأقلية في مجلس النواب، روبرت ميشيل (Robert Michael)، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، جورج ميتشل (George Mitchell)، ليجتمع النواب الثلاثة، روبرت جيتس (Robert Gates)، نائب مستشار الأمن القومي، الذي أطلعهم على موجز للعمليات المقبلة.

وتحدَّد موقف الإدارة الأمريكية بإعلانها بدء الحرب، من أجْل تحرير الكويت، وتنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. فقد أعلن الرئيس بوش، في خطاب إلى الأمّة، من خلال مؤتمر صحفي، بعد ساعتَين من بدء العمليات العسكرية، وبالتحديد في الساعة التاسعة مساء 16 يناير 1991 (بتوقيت واشنطن) (اُنظر وثيقة بيان الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى الشعب الأمريكي بعد بدء الحرب الجوية في يوم الخميس 17 يناير 1991) أن الهدف، هو: (1) تدمير قدرات العراق النووية والكيماوية، وكذلك مدفعيته. (2) تحرير الكويت، وعودة حكومتها الشرعية.

وأضاف الرئيس بوش: أن الجهد الدبلوماسي، قد فشل. والحصار الاقتصادي، لم ينجح. وأن الخيار الوحيد، صار إخراج صدام حسين بالقوة. وأن الأمل، أن يقنع الشعب العراقي صدام حسين بإلقاء السلاح، ومغادرة الكويت. وأن الرجاء، أن تعود القوات الأمريكية، في أسرع وقت ممكن. كما أعلن الناطق باسم البيت الأبيض، مارلين فيتزووتر (Marlin Fitzwater) هذا الموقف، في النقاط التالية: (1) العمليات العسكرية، بما فيها الهجمات الجوية، ستستمر ضد العراق، حتى ينفِّذ قرارات مجلس الأمن، الداعية إلى تحرير الكويت. (2) "عاصفة الصحراء"، هي سابقة، بحجمها وتعقيدها. (3) التقارير الأولية، التي وصلت إلى الرئيس بوش، تفيد بنجاح العملية، في مرحلتها الأولى. إلا أنه لا يزال ثمة عمل صعب، ينتظر القوات المتحالفة، قبْل استكمال المهمة. (4) ثمة اتصالات بين الحكومتَين، الأمريكية والسوفيتية، جرت بعَيد البدء بالعمليات العسكرية. أعرب الجانب السوفيتي، خلالها، عن أسفه لانتهاء الوضع إلى اندلاع الصراع المسلح. (5) ليس أمام صدام، أي فرصة سوى الاستسلام، والتقيد بكل قرارات الأمم المتحدة، بعد ما كان لديه فرص عديدة لإنهاء المشكلة، ولكنه لم يفعل. ومع ذلك، ففي استطاعته، الآن، إنهاءها، كذلك، برمي سلاحه، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن. وعقب بدء الحرب الجوية، نشطت اتصالات وزارة الخارجية الأمريكية، مع مختلف العواصم، لإطلاع الحلفاء والأصدقاء على تطورات العمليات العسكرية. ولم تظهر أي دلالة، تشير إلى إمكان اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية، بأي مبادرة دبلوماسية، تتيح للرئيس العراقي فرصة، لمراجعة موقفه، والانسحاب من الكويت.

كما قدَّم مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، توماس بيكرينج (Thomas Pickering)، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، في 17 يناير 1991، تؤكد (اُنظر وثيقة رسالة توماس بيكرينج مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي في 17 يناير 1991): (1) أن قوات التحالف بدأت عملياتها، لتحرير الكويت، وإعادة الحكومة الشرعية إليها، وإعادة السلام والأمن إلى المنطقة، بما يتماشى مع القرار الرقم 660، وقرارات مجلس الأمن اللاحقة. (2) أن الهدف، ليس تدمير العراق أو احتلاله أو تجزئته؛ وإنما الهدف، هو المَواقع، العسكرية والإستراتيجية. (3) أن استخدم العراق أسلحة، كيماوية أو بيولوجية أو نووية، سيكون إيذاناً بتصعيد خطير للصراع المسلح.

وفي الساعة السادسة وخمس دقائق، من يوم 17 يناير 1991، بتوقيت بغداد، وجّه صدام حسين نداءً إلى الشعب العراقي، يؤكد لهم، أن الله معهم في قتالهم ضد الباطل، ويناشدهم الصمود والصبر، وأن النصر في جانبهم، بإذن الله. وقال: لقد غدر الغادرون، فارتكب زميل الشيطان، بوش، جريمته الغادرة. إن الله مع المؤمنين الصابرين المجاهدين، وإنه ناصرهم، لا محالة، إن شاء الله، مع اشتداد المنازلة وصمود المؤمنين، يقترب الفرج، لينفتح أمام الأمة كلها، لتطيح بالكراسي والعروش (اُنظر وثيقة نداء من الرئيس العراقي، صدام حسين إلى الشعب العراقي يعلن بدء المنازلة صباح يوم الخميس، 17 يناير 1991). ج. رد الفعل الأمريكي، إزاء القصف العراقي لإسرائيل

بينما كانت طائرات التحالف مستمرة في قصف المواقع العراقية، في العراق والكويت، أطلق العراق، في ليلة 17 ـ 18 يناير 1991، أول صاروخ، على إسرائيل. وكرد فعل فوري، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، مارلين فيتزووتر ، أن الرئيس بوش غاضب أشد الغضب من هجمات صواريخ أرض/ أرض، من نوع سكود، العراقية، على إسرائيل. وقال فيتزووتر: إنه عمل من أعمال الإرهاب. وليس له أهمية عسكرية. كما أن الأمريكيين والإسرائيليين، يتشاورون في إحباط هذه الهجمات. وأمضى الرئيس بوش، ليلته في اتصالات مكثفة مع إسرائيل لإقناعها عدم الرد على القصف الصاروخي العراقي، وتعهد بأن الجهود سوف تُبذل لتحطيم منصات هذه الصواريخ، التي تُستخدم ضدها. وفي اليوم التالي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، ديك تشيني (Dick Cheney)، أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستزوّد إسرائيل صواريخ باتريوت، وستشغلها أطقم أمريكية. كما أكد بيت ويليامز (Pete Williams)، الناطق باسم البنتاجون، أن صواريخ باتريوت، المضادة للصواريخ، قد وصلت إلى إسرائيل، مع أطقمها، من أوروبا. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت تطلع إسرائيل على المعلومات الاستخبارية، في شأن الصواريخ العراقية. وفي 20 يناير 1991، وصل إلى إسرائيل، نائب وزير الخارجية الأمريكي، لورانس إيجلبرجر (Lowrence Eagleburgar)، لمناقشة موقف القصف العراقي لإسرائيل، بصواريخ أرض/ أرض. فأجرى عدة مباحثات مع قادة الحكومة الإسرائيلية. وأعلن المتحدث الإسرائيلي، أن الغرض من الزيارة، هو "العمل معاً، لتحقيق التنسيق العسكري". وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق شامير، أن إيجلبرجر، يسعى لإقامة تعاون إستراتيجي[1]. أمّا الحكومة الإسرائيلية، فقد طلبت، خلال الاجتماع بين إيجلبرجر وإسحاق موداي (Yitzhak Modai)، وزير المالية الإسرائيلي ـ دعمها بمساعدات، قدرها 13 مليار دولار، خلال الخمسة أعوام التالية.

ومع استمرار قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها الدفاع عن إسرائيل، ضد العدوان العراقي. إذ امتدحت مارجريت تتويلر (Margret Tetwiler)، الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، في 23 يناير 1991، إسرائيل، لضبط النفس، الذي أبدته بعد الهجوم العراقي بالصواريخ على تل أبيب. وقالت تتويلر: (1) "إن هجوم الصواريخ العراقية، في 22 يناير، الذي تسبب بمقتل ثلاثة أشخاص، وإصابة نحو 90 فرداً آخرين بجروح ـ يثبت، مرة أخرى، أننا نتعامل مع نظام مُستعد لاستخدام جميع وسائل الإرهاب، ضد الأبرياء، تحقيقاً لأهدافه". (2) إن كلاًّ من الرئيس بوش ووزير الخارجية، بيكر، قد أعرب عن أسفه، وعميق تقديره لضبط النفس الإسرائيلي. ونودّ أن تدرك حكومة إسرائيل وشعبها، أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستواصل الوقوف إلى جانب إسرائيل، في الأيام القادمة. (3) إننا ندرك، كذلك، ونحترم رغبة إسرائيل في عدم الانجرار إلى هذا النزاع المتعمد، لتوسيع رقعة الحرب، التي سببها العدوان العراقي على الكويت. (4) إن وزير الخارجية، بيكر، على اتصال بنائبه، إيجلبرجر، الذي يرأس وفداً، أمريكياً، سياسياً وعسكرياً، إلى إسرائيل.

أمّا فيتزووتر، فقد أعلن: أن الرئيس بوش، أعرب عن أن هجمات الصواريخ العراقية على إسرائيل، ليست إلا إرهاباً وحشياً، ضد مدنيين أبرياء (اُنظر وثيقة بيان السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، مارلين فيتزووتر في شأن هجمات صواريخ سكود العراقية، على إسرائيل يوم الأربعاء، 23 يناير 1991). كما أعرب عن ثقته بأداء الولايات المتحدة الأمريكية العسكري، في منطقة الخليج. وأن عملية "عاصفة الصحراء" مستمرة، طبقاً للخطة. وأن إطلاق صواريخ عراقية على تل أبيب، يُعَدّ مثالاً واضحاً لاستمرار عدوان العراق على جيرانه، من دون أي استفزاز سابق". د. رد الفعل الأمريكي، إزاء خطاب الرئيس العراقي

في 20 يناير 1991، دعا الرئيس العراقي، في بيان له، وجهه عبر الإذاعة، إلى العراقيين والعرب إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية في جميع أنحاء العالم (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس العراقي، صدام حسين يدعو العرب والمؤمنين والعراقيين إلى مهاجمة مصالح دول التحالف يوم الأحد، 20 يناير 1991).

ورداً على البيان، الذي أذاعه الرئيس العراقي، الذي دعا فيه إلى شن حملة دولية، ضد المصالح الأمريكية، ومصالح الدول الحليفة، قال ديفيد دني (David Denny)، المسؤول الصحفي في وزارة الخارجية الأمريكية، للصحفيين: "إن تصريح صدام، يوضح، بجلاء، درجة دعم دولة العراق لأعمال الإرهاب الدولي. ومن ثَم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، ستستمر في تحميل صدام، شخصياً، مسؤولية الهجمات الإرهابية، الموجَّهة ضد المصالح الأمريكية، أو مصالح الدول الأخرى، المشاركة في التحالف".

وفي 22 يناير، وتخوفاً من أي عمليات إرهابية عراقية ضد المصالح البريطانية، حظرت الحكومة البريطانية على العراقيين دخول أراضيها، وقررت عدم تمديد العمل بالتأشيرات للعراقيين "لأسباب أمنية وطنية" متعلقة بالحرب في الخليج. وفي غضون شهر طردت بريطانيا 60 عراقياً وأوقفت 70 آخرون معتبرة أنهم يهددون الأمن القومي. كما أن كندا والولايات المتحدة وفرنسا واليونان اتخذت إجراءات مماثلة وسط هاجس الإرهاب الدولي. وأقدمت إيطاليا أيضاً على طرد 10 موظفين من السفارة العراقية في روما، و700 مهاجر عراقي مقيمين فيها بصفة غير رسمية. وفي 30 يناير، شُنت 4 هجمات إرهابية في تركيا ضد المصالح التركية والأمريكية والإيطالية والبريطانية، بما في ذلك اغتيال جنرال تركي متقاعد، مما جعل عدد الهجمات على مصالح الحلفاء 77 هجمة إرهابية، على الأقل منذ بدء الحرب. وخلال فبراير 1991، واستمرار الأعمال العسكرية لقوات التحالف ضد العراق، تزايدت الأعمال الإرهابية ضد مصالح الدول المشتركة في التحالف: (1) ففي 4 فبراير، تعرضت حافلة، في مدينة جدة، تقل عسكريين أمريكيين وسعوديين، لنيران مسلحين مجهولين[2]. أصيب في الهجوم اثنان من العسكريين الأمريكيين وحارس أمن سعودي. ويُعدُ هذا أول حادث إرهابي مسلح ضد عسكريين أمريكيين داخل المملكة العربية السعودية، منذ بداية حرب الخليج. (2) وفي 6 فبراير، فجّر مجهولان شحنة ناسفة في فرع شركة أمن أمريكية، في ليما، مما أدى إلى مصرع شخصية مهمة، في أسوأ اعتداء على المصالح الأمريكية في بيرو، منذ نشوب حرب الخليج. (3) وفي اليوم نفسه، وقع انفجار في العاصمة اليونانية، أثينا، بالقرب من موقع "سيتي بنك"، تبعه انفجاران آخران، أمام مقر الملحق العسكري الفرنسي وفرع بنك "باركليز" البريطاني. (4) وفي 8 فبراير، كشفت تحقيقات، أجرتها سلطات الأمن المصرية، أسرار مخطط إرهابي عراقي، ضد أمن مصر، يشرف عليه الرئيس العراقي وأجهزة مخابراته بالتعاون مع مجموعتي أبو نضال والجهاد الإسلامية، التي يقودها من الأردن، أسعد التميمي. ويستهدف المخطط خلق حالة من التوتر على حدود مصر الشرقية وجرها إلى اشتباكات مع إسرائيل. كما يستهدف القيام باغتيال عدد من القيادات السياسية البارزة، إضافة إلى شن عدد من الهجمات على المنشآت المهمة، منها سفارات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والكويت، في القاهرة. ونتيجة لتزايد حوادث الإرهاب، ضد المصالح الأمريكية، ومصالح دول التحالف، قالت مارجريت تتويلر، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مؤتمر صحفي، عقد في 11 فبراير، في وزارة الخارجية الأمريكية، في شأن ارتفاع حوادث الإرهاب: "إن عدد الحوادث الإرهابية، ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف، وصل إلى مائة عمل، تقريباً، منذ اندلاع القتال في الخليج، في 16 يناير". وإن أغلبية هذه الحوادث، نجم عنها ضرر في الممتلكات، وليس إصابات مباشرة. وإن إحصائيات وزارة الخارجية الأولية، تظهر أن خمسة أشخاص قد قتلوا، وجرح خمسون آخرون، تقريباً، في حوادث إرهابية، منذ 16 يناير. ويبدو أن هذه الأعمال، قد نفّذتها "جماعات إرهابية محلية". هـ. رد الفعل الأمريكي، إزاء معاملة العراق لأسرى الحرب في 21 يناير، أعلنت إذاعة بغداد، أن سجناء الحرب، من طياري قوات التحالف، سيوضعون في مَواقع إستراتيجية. وكرد فعل لِما أعلنته إذاعة بغداد، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، ديك تشيني : "أن كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق ملتزمتان بالاتفاقات الدولية، الخاصة بمعاملة أَسْرَى الحرب؛ وهذا التصعيد يعتبر جريمة حرب". كما أعلن الرئيس الأمريكي، جورج بوش، "أن احتجاز رجال القوات الجوية المتحالفة، في المَواقع الإستراتيجية، واستخدامهم كدروع بشرية، لن يُغيّر من استمرار الحرب. وصدام حسين مسؤول عن مصير سجناء الحرب". وحذَّر بوش العراق، من أن المعاملة الوحشية، تُعَدّ انتهاكاً لاتفاقات، جنيف التي تحكم معاملة أَسْرَى الحرب. وأكد فيتزووتر، تحذير الرئيس بوش، إذ أبلغ الصحفيين، أن الإجراء القانوني، المتعلق بتحميل الأشخاص المسؤولية، يتمثل في محاكمة، تختص بجرائم الحرب. وأضاف، "أن زعماء دول التحالف، ساخطون على معاملة العراق للأسرَى. وأن هذا الأسلوب العراقي، يُحدث تأثيراً معاكساً". كما استدعى روبرت كيميت (Robert Kimit)، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، القائم بالأعمال العراقي، خليل الشاويش، "للاحتجاج بشدة" على ما ذكر عن اعتزام العراق احتجاز أسرَى الحرب، من الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الأخرى، في مَواقع عراقية، قد تشكل أهدافاً إستراتيجية للقوات المتعددة الجنسيات، التي تقاتل لتحرير الكويت. وقالت مارجريت تتويلر (Margret Tetwiler)، الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، في بيان مكتوب، إن كيميت لم يحتجّ فقط على عزم العراق نقْل أسرَى الحرب إلى مناطق، يمكن أن تتعرض للقصف، ولكنه كرر، كذلك، احتجاجاً، سلّم

ثانياً: مواقف وردود الفعل الفرنسية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. الموقف الفرنسي العام

رأت فرنسا في غزو الكويت، اعتداء عراقياً، يثير القلاقل والاضطراب في المنطقة. ذلك على الرغم من أن العراق، كان مستورداً رئيسياً للسلاح الفرنسي، كما تقدَّر ديونه لفرنسا بنحو ثلاثين مليار فرنك فرنسي.

وانقسم الرأي العام الفرنسي، إزاء مشاركة فرنسا في عمل عسكري، في الخليج. ووفقاً لاستطلاع نظّمته مجلة "لوبوان" الفرنسية، أيّد 47% اشتراك فرنسا في عمليات حربية ضد العراق، وعارضه 43%. في حين منح 59% الرئيس الفرنسي، ميتران ثقتهم. ومع بداية الحرب، تزايدت نسبة المؤيدين للمشاركة في "عاصفة الصحراء"، وفقاً لاستطلاع، كشف أن 72% من الشعب الفرنسي، يؤيدون أسلوب الرئيس ميتران في مواجَهة الأزمة، و67%، يؤيدون العمل العسكري. كما حظيت الحرب بتغطية إعلامية واسعة، وتخلص الإعلام الفرنسي من تحفّظه التقليدي، الذي انتهجه منذ بدء الحرب.

لقد كانت آثار أزمة الخليج واضحة في فرنسا؛ فارتفاع أسعار النفط، بعد اندلاع الأزمة، أدى إلى امتعاض المواطن الفرنسي، كما تأثر الاقتصاد الفرنسي، بتوقف بيع السلاح الفرنسي للعراق، وتوقف الاستثمارات الكويتية في فرنسا. ب. أهداف فرنسا من الحرب

صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران (Francois Mitterrand)، في 31 يناير 1991، "أن الهدف الأساسي من الحرب، هو تحرير الكويت. أما بالنسبة إلى استهداف صدام حسين، فإنني أقول لا؛ ليس هناك هدف ضد أي شخص". وأعلن في محادثة تليفزيونية، "أن مهمة فرنسا، كما وضعت بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول التحالف، هي مهاجمة أهداف عراقية، في الكويت، في ضوء النهار. ولم نستبعد تنفيذ مهام في العراق".

كما قال الرئيس ميتران، في مؤتمر صحفي، في 8 فبراير 1991: "إنه لدى تحرير الكويت، فإننا سنكون قد حققنا جوهر ما نريد". وأضاف: "إنه باسم فرنسا، لا نريد أن تتحول هذه الحرب إلى حرب على الأراضي العراقية بأكملها". وكرر ميتران قوله، إن "هدف حرب الخليج، هو تحرير الكويت، وليس احتلال العراق أو تدميره".

أما رئيس وزراء فرنسا، ميشال روكار (Michelle Rocar) فقد أكد، خلال حديثه إلى إذاعة أوروبا، أنه يجب إبعاد صدام حسين عن الحكم في العراق. وأن هذا الأمر، ليس من الأهداف المعلنة؛ ولكن، يجب إبعاده، بعد غزوه إيران والكويت، وخططه لغزو السعودية.

أما وزير الدفاع الفرنسي، بيير جوكس (Pierre Joxe)[1]، فقال، في 31 يناير 1991، "إن القوات الفرنسية، تشارك في حرب الخليج، من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. وأكد أن عشرات من الدول، ساندت هذه القرارات. وفي تعليق له، في 17 فبراير 1991، على التحضير للحرب البرية، قال جوكس: "إن على دول التحالف التحضير لمرحلة الحرب البرية في الخليج، ضد القوات العراقية، من أجل تحرير الكويت". وأشار إلى أن فرنسا، تشترك بقواتها في إطار التحالف الدولي، تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة، التي تستهدف إعادة السيادة إلى الكويت.

أما رولان دوما، وزير خارجية فرنسا، فقد ذكر، في 17 يناير 1991، معلقاً على استمرار احتلال العراق الكويت، "أن الرئيس صدام، المتشبث بعناده، هو الذي يتحمل، أمام التاريخ، المسؤولية الخطيرة عن تعريض بلده وشعبه لويلات الحرب". أما عن أهداف فرنسا من الحرب، فقال دوما: "إن هدف الحرب، بالنسبة إلى فرنسا، هو تنفيذ قرارات مجلس الأمن، من دون المساس بصدام حسين ونظامه، في الوقت الحالي".

أما ميشال فوزيل (Michelle Vauzelle)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، فقد ذكر، في 19 فبراير 1991، "أن أحد الأسباب، التي دفعت فرنسا إلى الاشتراك في التحالف الدولي ضد العراق، هو رغبتها في عدم تحويل أي مؤتمر دولي للسلام، يعقد بعد الحرب، إلى معاهدة يالتا جديدة[2]. وهي تحرص على أن تكون حاضرة في أي مؤتمر، لعرض وجهة نظرها الخاصة، في شأن أفكارها في مجال العلاقات بين الشمال والجنوب والنظام العالمي الجديد؛ وذلك بحكم ارتباطها بجيرانها العرب. ج. موقف فرنسا من القصف العراقي ضد إسرائيل

أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً، في 18 يناير 1991، جاء فيه، "أن الحكومة الفرنسية، تدين، بشدة، العدوان الذي استهدف إسرائيل. وأن السلطات الفرنسية، تعرب عن تعاطفها وتضامنها مع حكومة إسرائيل وشعبها".

كما اتصل الرئيس ميتران، في 19 يناير 1991، بالرئيس الإسرائيلي، حاييم هيرتزوج (Haiem Hertzog)، وأبلغه: "أن حق إسرائيل في الأمن، يندرج في المبادئ الأساسية للسياسة الفرنسية". وأضاف ميتران، "أن فرنسا، لم تبع للعراق، في أي وقت، أسلحة غير تقليدية".

وفي تصريح له إلى التليفزيون الفرنسي، في 20 يناير 1991، قال ميتران: "إن إطلاق صواريخ عراقية على إسرائيل، استهدف إحداث فُرقة في التحالف الدولي. وإن لأي دولة حقاً في الرد، بما في ذلك إسرائيل؛ لأن الرد على العدوان، أمر لا جدال فيه". د. موقف فرنسا من معاملة العراق لأسْرى الحرب

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، في 21 يناير 1991، أن الزعماء العراقيين، سيحاسبون إذا استخدموا أسْرى القوات المتحالفة دروعاً بشرية، لدرء الهجمات. واستدعت الخارجية الفرنسية سفير العراق إلى باريس، وسلمته احتجاج فرنسا على هذا الانتهاك الصارخ لمعاهدات جنيف، في شأن حماية أسْرى الحرب. هـ. استقالة وزير الدفاع الفرنسي

كان أهم الأحداث، على الساحة الفرنسية، استقالة وزير الدفاع الفرنسي، جان بيير شيفنمان، في 29 يناير 1991، وتعيين وزير الداخلية، بيير جوكس خلفاً له. وما تلك الاستقالة إلاّ لتعارض موقف شيفنمان، ومواقف الحكومة الفرنسية، من الحرب. كما أن مناصريه، من الحزب الاشتراكي الحاكم، اتخذوا مواقف معلنة، مخالفة لسياسة الرئيس الفرنسي وحكومته. وعلت أصوات كثيرة، في الجمعية الفرنسية ومجلس الشيوخ، وآخرها في الجلسة الاستثنائية، التي انعقدت في 17 يناير 1991، مطالبة باستقالة شيفنمان، الذي اتهمته الأوساط اليهودية، وبعض مناوئيه، بأنه مؤيد للعراق. و. ردود فعل فرنسا ومواقفها من استمرار الحرب

أعلن الرئيس فرنسوا ميتران، في 7 فبراير 1991، أن هجوماً برياً، من جانب القوات المتحالفة، على القوات العراقية، أصبح أمراً حتمياً. والمعركة البرية، ستبدأ في الأيام المقبلة، وربما بعد ذلك بقليل؛ وعلى أي حال، فإنها ستحدث خلال هذا الشهر، واستطرد قائلاً: "يجب ألاّ يُستَخْدم السلاح الكيماوي؛ فنحن نملك أسلحة تقليدية، نستطيع الدفاع بها عن الحق".

أما جوكس، وزير دفاع فرنسا، فقال، في 7 فبراير 1991: "إن الأمر الوحيد، الذي يمكن أن يجعل العمليات البرية غير مفيدة، هو وقوع أحداث، سياسية أو عسكرية، تحمل العراق على تغيير موقفه". ز. ردود الفعل الفرنسية، تجاه المبادرات السلمية لإيقاف الحرب

رحبت وزارة الخارجية الفرنسية، في 5 فبراير 1991، بعرض إيران التوسط في حرب الخليج. ووصفته بأنه موقف إيجابي. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية: "إن هذه الأفكار، تبدو لنا إيجابية جداً، لأنها مبنية على عنصر أساسي، وهو انسحاب العراق من الكويت".

ورداً على خطاب الرئيس العراقي، صدام حسين، في 10 فبراير 1991، الذي تجاهل فيه أية إشارة إلى المبادرات السلمية. أكد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، في 11 فبراير، أن الخطاب، الذي ألقاه صدام حسين، في 10 فبراير، يؤكد عناده، كما يدل على أن أي تحرك دبلوماسي من أجل السلام، حالياً، هو سابق لأوانه، أو أن أوانه قد فات. وأن فرنسا حاولت، حتى 15 يناير، إيجاد حل سلمي للنزاع، ولكن جميع محاولاتها لم تلقَ أي صدى لدى الجانب العراقي. وأن القيادة العراقية، لا توجد لديها أي رغبة، من قريب أو بعيد، في الجلاء عن الكويت.

وصرح الرئيس الفرنسي، ميتران، خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني، هيلموت كول (Helmut Kohl)، في باريس، في 15 فبراير 1991، رداً على الاقتراح العراقي المشروط، لإيقاف النار، "أن الاقتراح العراقي الجديد، في خصوص وقف القتال في الخليج، يبدو دعائياً، أكثر منه تعبيراً عن رغبة حقيقية في الإذعان لقرارات الأمم المتحدة. كما أن الرئيس العراقي، أضاف بعض الشروط، التي لا يمكن تحقيقها، والتي لا تمتّ بصِلة إلى قرار مجلس الأمن، (الرقم 660).

أما رولان دوما، وزير الخارجية الفرنسي، فقد ذكر، في 17 فبراير 1991، أنه "إذا كان العراق صادقاً في بيانه، في شأن تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم (660)، فإن إعلان النية لا يكفي، بعد بدء الحرب؛ وإنما يجب البدء باتخاذ الإجراءات العملية لسحب قواته، بشكل فوري ومكثف. وعندئذٍ، يمكن النظر، بجدية، إلى إعلان العراق بنِيَّته في الانسحاب". ح. فرنسا ومبادرة الرئيس السوفيتي، جورباتشوف

علق الرئيس ميتران على مبادرة الرئيس السوفيتي، جورباتشوف، قائلاً: "ليس هناك خلاف بين باريس وموسكو، في شأن الخليج. إلا أن الخطة السوفيتية، افتقرت إلى إيضاحات، بالنسبة إلى نقاط أساسية، خاصة مسألة المهلة، التي تمنحها للقوات العراقية، للانسحاب من الكويت. وإن فرنسا، هي التي كانت وراء فكرة منح القوات العراقية مهلة أسبوع، لمغادرة الكويت، التي كانت مدرجة في إنذار التحالف". وأضاف ميتران، "أن الخطة السوفيتية، كان فيها ثلاث نقاط، جعلتها غير مقبولة، بالنسبة إلى التحالف. وهي: مسألة المهلة، ومسألة وقف إطلاق النار، ومسألة طلب إلغاء قرارات الأمم المتحدة، قبْل أي مناقشة. وترى فرنسا، أن إلغاء قرارات الأمم المتحدة، هو من اختصاص مجلس الأمن، وحده؛ وأن مهلة أسبوع، كانت معقولة". ط. اشتراك القوات الفرنسية في الحرب

أكد وزير الدفاع الفرنسي، في تصريح له إلى إذاعة أوروبا الرقم (1)، في 7 فبراير 1991، "أن القوات الفرنسية ستضطلع بمهمة، في الخط الأول، إلى جانب قوات التحالف الدولي". وقال الوزير الفرنسي: "إن لدى الجيش الفرنسي القدرة على تعبئة قوة، تزيد على 10 آلاف رجل، من مختلف الأسلحة؛ مع الحفاظ، في الوقت نفسه، على قوة الردع والوجود الفرنسي وراء البحار، البالغ 130 ألف جندي. ي. نفقات القوات الفرنسية

أعلن ميشال روكار، رئيس وزراء فرنسا، في 6 فبراير 1991، أمام المجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي، "أن نفقات القوات الفرنسية في الخليج، ستراوح بين 6 و7 مليارات فرنك، أي بين مليار واحد وثلاثمائة مليون ومليار وأربعمائة مليون دولار؛ إذا انتهت الحرب خلال أسابيع"[3]. 2. مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. إعلان بدء الحرب البرية

وفي 24 فبراير 1991، وفي الساعة السابعة وتسع دقائق، بتوقيت مسرح العمليات. أعلنت إذاعة فرنسا، "أن القوات الفرنسية، اخترقت الحدود العراقية، وهي تشق طريقها داخل أراضي العراق". وفي الوقت عينه، أكد الرئيس الفرنسي، ميتران، أن هدف الحرب، هو تحرير الكويت، وليس بغداد؛ فهناك هدف واحد للحرب وليس هدفَين. والهدف ليس إطاحة صدام؛ إلا أن هزيمته العسكرية، قد تخلق علاقات جديدة، داخل العراق، تؤثر في سلطاته. وذكر ميتران، أن الفضل في ما تحقق، يعود إلى سلاح الجو، الناشط قبْل المعركة البرية؛ إذ أسهم في هبوط معنويات الجنود العراقيين، بعد قطْع خطوط اتصالهم مع قواعدهم، فأصبحوا أقل تنظيماً، على الرغم من أن قوات التحالف، لم تواجه، بعد، قوات الحرس الجمهوري. وقال ميتران: "إذا كانت القوات الفرنسية، قد دخلت العراق، فالهدف من ذلك، هو الالتفاف حول الكويت". ب. فرنسا وقرار العراق الانسحاب


أعلن بيير جوكس، وزير الدفاع الفرنسي، في 26 فبراير، خلال مقابلة مع القناة الأولى للتليفزيون الفرنسي، أن فرنسا، تنتظر أن يُعلن العراق، رسمياً، في مجلس الأمن، وأمام العالم أجمع، عن نياته السلمية، مشيراً إلى أن الحرب، ستستمر طوال فترة انتظار هذا الإعلان. وأضاف، "أن الجيش العراقي، لا يزال يلوّح بتهديده وأعماله الهجومية، ولهذا فإن الحرب مستمرة".

كما أكدت الخارجية الفرنسية، على لسان دانيال برنار، في 26 فبراير 1991، "أن فرنسا تتخذ موقفاً مواتياً لوقف إطلاق النار، في إطار الاحترام الكامل لإجمالي قرارات مجلس الأمن. وأنهـا لا تستطيع المجازفة بأي مناورة، تتسم بالمماطلة، في وقت يشترك فيه جنودها في الميدان. وأن مجلس الأمن، هو الجهة المخوّلة تلقّي المقترحات الرسمية للسلطات العراقية، في شأن الموافقة على كافة قرارات الأمم المتحدة، وذلك قبْل ترتيبات وقف إطلاق النار". ج. فرنسا وقرار الرئيس بوش إيقاف الحرب

أعلن قصر الأليزيه، في بيان له، في 28 فبراير 1991، "وقف الهجوم العسكري للتحالف الدولي ضد العراق؛ وذلك بالاتفاق مع حكومات دول التحالف الدولي". وأضاف البيان، "أن وقف المعارك، التي بدأت في 17 يناير من أجْل تحرير الكويت، سيبدأ في الساعة السادسة، صباح 28 فبراير 1991، بتوقيت باريس. وأن الإجراءات، السياسية والعسكرية، لوقف إطلاق النار، تجري، حالياً، في إطار مجلس الأمن". 3. ردود فعل الأحزاب الفرنسية ومواقفها، خلال مراحل الحرب

في 11 فبراير 1991، قال الأمين العام للتجمع من أجْل الجمهورية، آلان جوبي: "أن فرنسا سيكون لها هامش أكبر من الاستقلالية، لتقديم أفكار، ليست، بالضرورة، أفكاراً أمريكية، بعد انتهاء المرحلة العسكرية في حرب الخليج". وأضاف "أن حدوث قطيعة بين دول المغرب العربي، ولا سيما بين الجزائر وفرنسا، سيكون كارثة". وأكد "أن هدف الحرب، ليس تقطيع العراق ومحوه من الخريطة. بل يجب أن يكون للعراق دوره، فهو عنصر أساسي في التوازن الإقليمي، وكل سياسة، تهدف إلى إلغاء الواقع العراقي، ستلقى معارضتنا".

كما أكد الحزب الاشتراكي الفرنسي، الحاكم، في 24 فبراير 1991، تأييده موقف الرئيس ميتران وسياسته، بالنسبة إلى المشاركة في العمليات البرية لتحرير الكويت. وقال بيان الحزب: "إن صدام حسين، بتصلبه الانتحاري، ورفضه المتواصل تنفيذ قرارات مجلس الأمن، يتحمل مسؤولية هذه الحرب". 4. الموقف الفرنسي حيال الترتيبات الأمنية في المنطقة، بعد الحرب


صرح الرئيس الفرنسي، ميتران، إلى جريدة "السفير" الهولندية، في 28 فبراير 1991، "أن فرنسا تستعد للنهوض بكل شيء، من أجْل حل مشاكل الشرق الأوسط، وإحلال سلام دائم في هذه المنطقة، بعد الانتهاء من تحرير الكويت. وأنها ستعمل من أجْل حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، والمشكلة الفلسطينية، ومشكلة لبنان، ومراقبة بيع الأسلحة، ونزع السلاح، وإعادة توزيع الثروات، وإعادة بناء البلدان التي دمرتها الحرب". كما ذكرت مصادر الخارجية الفرنسية، أن هناك تضامناً بين واشنطن وباريس، في شأن فترة ما بعد الحرب، وضرورة تحقيق الأهداف الآتية: "كفالة أمن الخليج واستقراره، ووقف انتشار الأسلحة، وتأمين إعادة إعمار الكويت والعراق، واستئناف البحث عن المصالحة بين العرب وإسرائيل".

ثالثاً: مواقف وردود الفعل الألمانية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. الموقف الألماني العام

عكست حرب الخليج ظلالاً قوية على كل ركن داخل ألمانيا. وأخذت تؤثر في الحركة اليومية تأثيراً متصاعداً. وتساءل السياسيون الألمان، مثلهم مثل المواطن الألماني العادي، عن النهاية، التي ستؤول إليها هذه الأزمة، ومدى تأثيرها في الحياة العامة للأطراف غير المعنيين بها مباشرة.

ومنذ يوم 28 يناير 1991، أصبحت العاصمة الألمانية، بون، ساحة للدبلوماسية، من أجْل الإسهام في رسم خطط الحل السلمي، ونزع فتيل الحرب في المنطقة؛ إذ زارها وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، وأجرى فيها حواراً مع المستشار الألماني، هيلموت كول، ووزير الخارجية، هانز ديتريش جينشر (Hans Dietrich Genscher)، حرص خلاله على الحصول من الألمان على صيغة، تتضمن إعلان الحلفاء الألمان، مجدداً، تضامنهم مع سياسة الرئيس جورج بوش، في ما يتعلق بهذه الحرب. وقد برز الإعلان في نقطتَين هما: · الأولى: تأكيد المستشار الألماني، ونائبه، وزير الخارجية، إصرار بون على تحقيق انسحاب عراقي غير مشروط، من الكويت، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. · الثانية: ربط الموقف الألماني، قصداً، ببيان وزراء خارجية الجماعة الأوروبية، الصادر في لوكسمبورج، في هذا الشأن.

   كما أكدت ألمانيا، أنها تؤيد حل القضية الفلسطينية، في إطار مؤتمر دولي، بعد أن تكون الأزمة الحالية، قد وضعت أوزارها. ويقارب الموقف الألماني، إلى حدٍّ ما، موقف فرنسا، الذي أعلنه الرئيس ميتران. إذ يرى الفرنسيون إمكانية إعلان النيات الدولية مربوطة بحل جميع مشاكل الشرق الوسط، وهو ما يرفضه الأمريكيون.
   

وأوضحت الحكومة الألمانية، لوزير الخارجية الأمريكي: "أنه حرصاً على التوصل إلى حل سلمي للنزاع، فإننا لا ننصح بالاستمرار في الموقف الأمريكي، المتضمن إحراج الرئيس العراقي، وقطع الطريق أمامه". كما أوضح له القادة الألمان وجهات نظر بعض القادة والمسؤولين العرب، الذين زاروا بون، مؤخراً، والتي أجمعت على أن توجيه ضربة حاسمة ضد العراق، سيجعل الأمور، في جميع أنحاء العالم العربي، تصل إلى حالة منفلتة، يصعب معها السيطرة على الأوضاع والأمن العام. ب. المواقف وردود الفعل الألمانية، تجاه قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية

دان بيتر فوجل (Peter Vogel)، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، في 18 يناير، الهجوم الصاروخي العراقي على إسرائيل. ودعا إسرائيل إلى ضبط النفس، وألاّ تُمكِّن صدام حسين من هدفه، بتوسيع نطاق الحرب.

   وفي 23 يناير 1991، دان هيلموت كول، في مؤتمر صحفي مفاجئ، ما وصف بالعدوان العراقي، الذي تعرضت له إسرائيل. وأعلن أن وزير الخارجية، هانز ديتريش جينشر، سيزور إسرائيل، لتسليم رسالة من مستشار ألمانيا لإسحاق شامير (Yitzhak Shamir). وأضاف أنه قرر منح إسرائيل مساعدة إنسانية فورية، قيمتها 250 مليون مارك ألماني (116 مليون دولار)، إعراباً عن تضامن ألمانيا معها.
   

وفي 24 يناير وصل وزير الخارجية الألماني إلى إسرائيل، حيث اجتمع بكبار السياسيين. وزار المنطقة التي أصابها الصاروخ العراقي. وقرر طرّد 28 دبلوماسياً عراقياً من ألمانيا.

وفي 30 يناير 1991، أعلن بيتر فوجل، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أن ألمانيا، ستزود إسرائيل صواريخ باتريوت الدفاعية، ومعدات ومركبات خاصة، لرصد الأسلحة الكيماوية، لحمايتها من الهجمات العراقية. كما أكد أن بون، ستزود إسرائيل، كذلك، معدات لمكافحة آثار الأسلحة، الكيماوية والجرثومية.

وذكرت جريدة "فرانكفورتر" الألمانية، أن وفداً حكومياً إسرائيلياً، زار ألمانيا، في 28 يناير، واجتمع إلى المستشار كول، وقدم قائمة بمطالب إسرائيل من الأسلحة، اشتملت على 10 طائرات عمودية، من نوع (CH-53)، ومجموعة محركات لطائرات بوينج 707، وعدد من بطاريات صواريخ باتريوت، ذات "الأدلة" الثمانية، مع الرادار الخاص لها، و200 صاروخ هوك، و200 صاروخ ستينجر (Stinger)، وصواريخ رولان (Roland)، ومعدات تصوير، لطائرات (F-4)، ومعدات وقاية من الأسلحة الكيماوية، وعدد من المركبات المدرعة من نوع ليوبارد (Lephard)، المزودة بأسلحة مضادة للطائرات. كما قررت الحكومة الألمانية، في 31 يناير، تنظيم جسر جوي إلى إسرائيل، لأول مرة منذ نشوئها، لتزويدها بالعتاد العسكري.

وأكد جينشر في حديث إلى الإذاعة الألمانية، في 27 يناير، أن إسرائيل، تستطيع الاعتماد على مساعدة ألمانية عسكرية سريعة، في لحظة الخطر القاتل. وأضاف أن على الإسرائيليين فقط، أن يبلغونا ما يحتاجون إليه، وسوف نبحث طلبها بجدية شديدة. كما قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، في 29 يناير، إن ألمانيا، تعتزم تحمّل مسؤوليتها التاريخية الخاصة، تجاه الشعب اليهودي، بتقديم المعدات والمواد، التي يحتاج إليها في الدفاع عن نفسه. ج. رد الفعل الألماني، تجاه بيان مجلس قيادة الثورة العراقي في 15 فبراير، جاء رد ألمانيا على بيان مجلس قيادة الثورة العراقي، الذي أعلن فيه الانسحاب المشروط، من خلال مؤتمر صحفي، عقده المستشار الألماني، هيلموت كول، مع الرئيس الفرنسي، في باريس. وحدد فيه النقاط التالية: (1) العرض العراقي المشروط للانسحاب من الكويت، لا يحقق مطالب مجلس الأمن بالانسحاب الفوري، غير المشروط، من الكويت. (2) العرض العراقي بسلسلة كاملة من الشروط المسبقة للانسحاب. وكل من يدرس الشروط، يمكنه، أن يرى، بوضوح، أنه لا يوجد أي تغيير في الموقف العراقي. (3) في إمكان الرئيس العراقي إنهاء الصراع، من الفور، ويستجيب مطالب الأمم المتحدة، من دون شروط، والانسحاب من الكويت انسحاباً كاملاً. د. الموقف الألماني من نفقات الحرب

أعلنت الحكومة الألمانية، برئاسة المستشار هيلموت كول (Helmut Kohl)، أنها مستعدة لتحمّل قسط من نفقات الحرب. وكانت قد أسهمت بمبلغ مليارَين ومائتي مليون دولار في تغطية تلك النفقات. وأعلنت أنها ستقدم مساعدات بقيمة مليار ومائتي مليون دولار للبلدان الأكثر تضرراً، وهي الأردن ومصر وتركيا وإسرائيل.

كذلك وافق مجلس الوزراء الألماني، في 29 يناير، على اقتراح المستشار كول مساهمة ألمانية في نفقات الحرب، بمبلغ 5.5 مليارات دولار أمريكي، تقدم إلى الحكومة الأمريكية، خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 1991.

كما قررت الحكومة الألمانية، إعطاء بريطانيا مبلغ 690 مليون دولار، للأشهر الثلاثة الأولى من عام 1991، مساهمة في تحمّل نفقات الحرب. وأعلنت التزامها بدفع مبلغ 11 مليار دولار، قابل للزيادة، مساهمة في العمليات العسكرية في الخليج. هـ. الموقف الألماني من المساهمة العسكرية

أرسلت ألمانيا إلى تركيا، 18 طائرة مقاتلة. كما وافق مجلس الوزراء الألماني، في 29 يناير، على إرسال نظام صواريخ رولان وهوك إليها، لحمايتها، كحليف في شمال الأطلسي. إضافة إلى أن عدداً من كاسحات الألغام والسفن الألمانية، تتمركز في شرقي البحر المتوسط، وتقرر دعمها، في الأول من فبراير، بسبع عشرة سفينة إضافية، من أجْل تنفيذ مهام في مصلحة حلف الأطلسي[1].

كما أعلن المستشار كول، في الأول من فبراير، التزام ألمانيا، تجاه حلف شمال الأطلسي، بالتضامن مع أعضائه، بما في ذلك تركيا. وأكد وزير الدفاع الألماني، جيرهارد ستولتنبرج، في 5 فبراير، أن أي اعتداء على أحد أعضاء حلف الناتو، سيُعَد اعتداءً على الحلف كله. وأضاف أن مهاجمة العراق تركيا، ستكون مبرراً للحلف، بما فيه ألمانيا، للتدخل لمساعدة تركيا.

أما ديتريش جينشر، وزير الخارجية الألماني، فقد صرح إلى جريدة مينسدوتش تسايتونج، في 26 يناير، "أن ألمانيا، ستؤدي كامل الواجبات المترتبة عليها، كدولة عضو في حلف الأطلسي، وأن الحكومة الألمانية، ستقدم كل ما التزمت به داخل الحلف".

وفي 14 فبراير، قام وزير الدفاع الألماني بزيارة تركيا، حيث بحث مع الرئيس التركي تورجوت أوزال (Torgot Ozal)، ووزير الدفاع التركي، دور ألمانيا في الدفاع عن تركيا إذا هوجمت من العراق، كما زار الوزير الألماني القاعدة الجوية التي تنتشر فيها الطائرات الألمانية.

2. مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

أ. الموقف الألماني من بدء الحرب البرية

أعلن المستشار الألماني، موقف ألمانيا من الحرب البرية، في بيان، قال فيه: إن موقف ألمانيا مؤكد وثابت، في جانب حلفائها وشركائها، الذين يقاتلون لإرساء العدل، وتحرير الكويت. وأصبح متعذراً على العالم التسامح باستمرار احتلال العراق الكويت. وألمانيا تأمل أن تنتهي الحرب في القريب العاجل، من دون أن تؤدي إلى خسارة كبيرة في الأرواح. وأن الهدف من الحرب، هو خلق نظام سلمي عادل، ودائم، في الشرقَين، الأوسط والأدنى. ب. ردود الفعل الألمانية، تجاه قرار صدام حسين بالانسحاب (26 فبراير 1991)

ذكرت وزارة الخارجية الألمانية، في 26 فبراير 1991، أن إعلان الرئيس العراقي، انسحاب قواته من الكويت، ليس كافياً؛ لأنه لم يذكر امتثاله كافة قرارات مجلس الأمن الدولي. وأنه يجب حمْله على القبول غير المشروط، والمطلق، بكافة قرارات الأمم المتحدة.

أما المستشار كول، فقال، إن ألمانيا، تؤيد قرار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، في شأن مواصلة الحرب ضد العراق، على الرغم من انسحاب القوات العراقية. وإن إعلان صدام حسين الانسحاب، هي استجابة غير كاملة. وعلى العراق الالتزام بكافة الشروط، التي حددتها الأمم المتحدة، من دون أي تحفّظ. ج. الموقف الألماني من إيقاف الحرب

قال هانز ديتريش جينشر، وزير خارجية ألمانيا، في الأول من فبراير، في مقابلة إذاعية، ما يلي: (1) إنه لا يوجد مكان للدبلوماسية، في الأزمة الراهنة، في الخليج. (2) إن مبادرات السلام العربية، التي تقدمت بها دول المغرب العربي، لا يؤمل أن تنجح، الآن، لأن الرئيس العراقي، لا يهتم بإنهاء الحرب. (3) إن العمل الدبلوماسي، يمكن أن يستأنف بعد انتهاء الحرب فقط.

       أما المستشار الألماني الأسبق، فيلي برانت (Willy Brandt)، فقال، إنه من الممكن وقف إطلاق النار، في حرب الخليج، إذا أعلن العراق، بوضوح، عزمه على الانسحاب من الكويت. وإن أي دعوة إلى وقف الحرب، من دون هذا الإعلان من جانب العراق، لن تكون واقعية، ولن تحقق أي نتيجة.

3. ردود فعل الرأي العام الألماني الداخلي، الشعبي والسياسي، ومواقفه من الحرب أ. رد فعل الشعب الألماني خلال مراحل الحرب

في استطلاع للرأي، داخل ألمانيا، عارض 67% إرسال قوات إلى الخليج. ورفض 58% زيادة عدد الطائرات الألمانية في تركيا. والأقلية رأت الاكتفاء بالإسهام المالي فقط.

وفي 18 يناير، تظاهر 10 آلاف طفل، ضد الحرب في الخليج. وتظاهر، في فرانكفورت، حوالي 3500 شخص، في الميدان الرئيسي. وانضم عمال القطاع العام إلى الاحتجاج على الحرب.

وفي 20 يناير، انطلق مئات الآلاف، في مدينة كولونيا، في مسيرات جماعية، تندد بالحرب في الخليج. كما تظاهر ثلاثة آلاف شخص، في مدينة برلين، و15 ألفاً في شتوتجارت، وأربعة آلاف في دوسلدورف؛ وكلهم يطالبون بإيقاف الحرب، وينددون بتصدير ألمانيا الأسلحة إلى العراق.

وفي 22 يناير، أبلغ النازيون الجدد العراق، رغبتهم في الانضمام إلى الجيش العراقي، للمشاركة في حربه ضد الولايات المتحدة الأمريكية، الدائرة في الخليج.

وفي 26 يناير، نظم ما يقرب من 150 ألف ألماني، أكبر مسيرة مناهضة للحرب في الخليج. وطالب المتظاهرون بوقف الحرب، وتسوية النزاع بالوسائل السلمية. وأكدوا أهمية بقاء القوات الألمانية بعيداً عن الصراع، وعودة السرب الألماني، الموجود في تركيا، من الفور، إلى ألمانيا.

كما دان المتظاهرون الشركات الألمانية، التي زودت العراق السلاح. كما ينظر المراقبون بعين الاهتمام إلى تنامي حركة السلام في ألمانيا، والتطورات أو التعديلات التي ستُدخَل على الدستور الألماني، الذي يمنع إرسال قوات ألمانية، خارج نطاق النفوذ الجغرافي لحلف شمال الأطلسي. ناهيك أن أكثر من 14 ألف مواطن، رفضوا أداء الخدمة العسكرية في ألمانيا، في 5 فبراير 1991. ب. ردود فعل القوى السياسية ومواقفها من الحرب

اتَّهم الحزب الديموقراطي الاشتراكي الألماني، المعارض، تركيا، في 31 يناير، بمحاولة توريط ألمانيا في الحرب. وقال هانز جوشين فوجل (Hanz Goshen Vogel)، زعيم الحزب: "أن رغبة تركيا الواضحة في لعب دور الشرطي في الخليج، يجب مراقبتها عن كثب. وإن إرسال وحدات عسكرية ألمانية إليها، يقرّبنا من خطر التورط في أنشطة عسكرية، يمنعنا الدستور من المشاركة فيها.

أما شرودر، رئيس وزراء ولاية سكسونيا، فقد صرح، في 25 يناير، "أن إرسال القوات الألمانية إلى تركيا، يُعَدّ قراراً خاطئاً، ويجب إعادة النظر فيه. 4. الموقف الألماني حيال الترتيبات الأمنية في المنطقة، بعد الحرب

دعا المستشار الألماني، هيلموت كول، في 18 يناير، أمام البوندستاج (البرلمان)، إلى إيجاد تسوية شاملة للنزاع في الشرق الأوسط. وقال: "إن أي تسوية، يجب أن تنص على إقرار حق كل دولة في أن يعيش شعبها داخل حدود مُعترف بها، بما في ذلك إسرائيل".

   كما قال وزير الخارجية، ديتريش جينشر، في بيان له أمام البوندستاج (البرلمان)، في 31 يناير: "حينما تنتهي الحرب، فالنزاع المسلح، من المنتظر أن يُغيّر أشياء كثيرة في المنطقة. ولا بدّ من وضع أسُس نظام سلام شامل في الشرق الأوسط، يشتمل على حق إسرائيل في الوجود، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني".
   

وأكد جينشر، في 12 فبراير 1991، خلال زيارته إلى القاهرة، أن بلاده، سوف تساعد على إعادة بناء المنطقة وتنميتها، بعد انتهاء حرب الخليج. وأن ألمانيا، ترغب في التعاون مع دول المنطقة على تحقيق السلام، وإعادة بناء هذه المنطقة المهمة، وستقدم خبراتها، التي حصلت عليها، من خلال التضامن الأوروبي. وأن مصر وألمانيا، قد اتفقتا على الأسُس، التي سيُبْنَى عليها هذا التعاون.


رابعاً: مواقف وردود الفعل الإيطالية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. الموقف الإيطالي العام

جاء رد الفعل الإيطالي، منذ الغزو العراقي للكويت، شاملاً التحرك، السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي؛ إذ ترى إيطاليا، أن التحركات، يجب أن تحكمها مظلات المنظمات الإقليمية والأمم المتحدة، لإضفاء الشرعية على أي عمل، يتخذ ضد العراق. كما اهتمت السياسة الإيطالية بالتحرك لدى أكبر عدد من الدول العربية، الرافضة للغزو العراقي للكويت. وكذلك لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وعدد من الدول الأوروبية.

وفي الإطار العسكري، وافقت إيطاليا على السماح للقوات الأمريكية، المتجهة إلى منطقة الخليج، باستخدام القواعد العسكرية الإيطالية؛ وذلك في إطار مبادرة حلف شمال الأطلسي، إلى مساعدة المملكة العربية السعودية، على مواجهة التهديدات العراقية. كما شاركت إيطاليا بقوة محدودة نسبياً[1] في قوى التحالف في الخليج. كما أسهمت بمبلغ 145 مليون دولار في نفقات هذه القوى، حتى نهاية عام 1990.

أمـا الأحزاب السياسية الإيطالية، ذات الميول السياسية في البرلمان الإيطالي، فقد ظلت ترى أنه لا تزال هناك فرص أخرى، لحل أزمة الخليج سياسياً، ووقف التصعيد العسكري، وتفادي نشوب حرب في المنطقة.

وساد الأوساط في إيطاليا، حالة من الوجوم والخوف والقلق. وغرقت في موجة من الحِوار الوطني، خاصة بعد فقْد طائرة تورنيدو إيطالية، أثناء اشتراكها في مهمة جوية، داخل العراق. وأشار بعض الجرائد الإيطالية، إلى أن القوات الإيطالية، ليست مستعدة استعداداً كافياً.

كذلك، خرج مئات الآلاف من الإيطاليين، معظمهم من الطلبة، في مظاهرات للاحتجاج على الحرب، وطالبوا بعودة جنودهم. بينما واصلت أحزاب المعارضة انتقاداتها لتورط إيطاليا في الحرب. في حين واصل الرئيس الإيطالي، فرانسيسكو كوسبي، محاولاته لكسب مساندة الجماهير. وقد أثارت هذه الأزمة المخاوف من الإرهاب في إيطاليا، وحملت الإيطاليين على الاندفاع إلى شراء السلع الغذائية وتخزينها. ب. أهداف إيطاليا من الحرب

كان الهدف الإيطالي من الحرب، هو تحرير الكويت، باستخدام القوة، إذا لزم الأمر، من أجْل تحقيق السلام. وعبّر وزير الخارجية الإيطالي، جياني دى ميكليس (Du Mikilis)، عن هذا الهدف، من خلال التصريحات التالية: (1) أعلن، في 19 يناير 1991، "أن أزمة الخليج، يتجاوز معناها النفط. ولا تراجع إلى الوراء. وستُستخدم القوة، من أجْل تحقيق السلام، في المستقبل". (2) كما أعلن، في 29 يناير 1991، "أن حرب الخليج ضرورية؛ لأننا لو أخفقنا في التدخل لدى انتهاء المهلة، التي حددها مجلس الأمن، فإننا نتيح، بذلك، لصدام حسين، أن يبرهن للعالم إمكانية فرض أحكام، تُناقض قوانين المجتمع الدولي". وأكد، في 31 يناير، أن المشكلة، باتت غير مقتصرة على تحرير الكويت فحسب، بل إسقاط نظام صدام حسين، كذلك. (3) وفي 7 فبراير 1991، قال في حديث إلى مجلة "اليمامة" السعودية: "إن التحالف الدولي، اقترب من إلحاق الهزيمة، وإطاحة نظام صدام حسين. وإن الهدف من العمليات الحربية، هو تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم". ج. الموقف الإيطالي من قصف العراق إسرائيل بالصواريخ

تلخص الموقف الإيطالي في إدانة الهجمات العراقية بالصواريخ على إسرائيل، من خلال نشاط الحكومة الإيطالية: (1) أصدر مكتب رئيس الوزراء الإيطالي، جوليو أندريوتي (Julio Andreiotti)، في 19 يناير 1991، بياناً، رأى أنه لا يوجد أي مبرر عسكري للهجوم العراقي على سكان إسرائيل المدنيين. وناشد البيان إسرائيل ممارسة ضبط النفس، للمحافظة على تضامن الدول المشاركة في التحالف ضد العراق. (2) أعلنت الحكومة الإيطالية، في 26 يناير 1991، "أن إيطاليا، تشعر بالقلق البالغ، إزاء الهجمات العراقية بالصواريخ على إسرائيل". د. ردود الفعل الإيطالية، تجاه معاملة العراق لأسْرى الحرب احتجت إيطاليا، لدى العراق، على وضع الأسْرى في الأماكن العسكرية، كدروع بشرية؛ مما يخالف اتفاقية جنيف، في شأن معاملة الأسْرى. واستدعت الخارجية الإيطالية القائم بالأعمال، في السفارة العراقية في روما، في 20 يناير 1991، وأعربت له عن أملها، أن يلتزم العراق باتفاقية جنيف. هـ. ردود الفعل الإيطالية، تجاه بيان مجلس قيادة الثورة العراقي

رفضت إيطاليا بيان مجلس قيادة الثورة العراقي، في 15 فبراير 1991، الذي تمسك فيه الرئيس العراقي بعرضه المشروط للانسحاب من الكويت، ورأت أن لا جديد فيه. وقد عبرت القيادات السياسية عن هذا الموقف، من خلال التصريحَين التاليَين: (1) أعلن وزير الخارجية الإيطالي، جياني دى ميكليس، خلال زيارته باريس، في 15 فبراير 1991: يبدو لي، أن هناك أشياء جديدة مهمة، في هذا العرض. وهو علامة مهمة جداً، وإيجابية جداً. وأضاف أن الاقتراح العراقي، علي أيه حال، يجب أن يُدرس بمزيد من التفاصيل. ولكنه في اليوم التالي، أوضح أن جميع الشروط، التي وردت في تلك المقترحات، غير مقبولة. (2) أكد رئيس الوزراء الإيطالي، أندريوتي، في 16 فبراير، في ضوء البيان الصادر عن مجلس قيادة الثورة العراقي ـ ضرورة إيجاد مخرج، لحل الأزمة بالمفاوضات. وأنه بصرف النظر عن الأقوال؛ فإن المهم هو الممارسات الفعلية، وترجمة النيات، من الفور، إلى أفعال إيجابية، توافق قرارات الأمم المتحدة.

وفي لقاء رئيس الوزراء الإيطالي، جوليو أندريوتي، سفراء كلٍّ من ليبيا والمغرب وتونس والجزائر، أكد أندريوتي، "أن موقف الرئيس صدام حسين، لا يشجع على إمكان طرح مبادرات سلام جديدة. وأنه لم يُبدِ، حتى الآن، أي اهتمام بعودة السلام إلى منطقة الخليج". و. إيطاليا ومبادرة السلام السوفيتية

تشبث رد الفعل الإيطالي، إزاء مبادرة الرئيس السوفيتي، جورباتشوف، بضرورة انسحاب العراق، من دون شرط أو قيد. وقد عبّر المسؤولون الإيطاليون عن هذا الرأي، من خلال التصريحات التالية: (1) أكد رئيس الوزراء الإيطالي، أندريوتي، في 23 فبراير، في بيان أمام مجلس النواب، "أنه يتفق اتفاقاً تاماً، مع الرئيس الأمريكي، بوش، في أن صدام حسين، يجب أن ينسحب من الكويت، من دون شرط أو قيد". (2) أما وزير الخارجية، دى ميكليس، فقال: "لقد توخينا هدفاً مزدوجاً، وهو الرد البناء للتحالف على اقتراح موسكو؛ وفي الوقت عينه، الحفاظ على تماسك الحلفاء تماسكاً مطلقاً". (3) كما أوضح دى ميكليس، "أنه إذا قبل العراق بالخطة السوفيتية لإحلال السلام في الخليج، فإن الطريق إلى السلام، سيكون مفتوحاً. وأن تأييد إيطاليا للخطة السوفيتية، يتماشى مع موقف الجماعة الأوروبية. وإذا قبل العراق اقتراح الرئيس جورباتشوف، فإن الموقف سيتغير". (4) كذلك أكد وزير الخارجية الإيطالي، دى ميكليس، أن الاتحاد السوفيتي، اضطلع بدور سياسي مهم في الأزمة، وتمكن من إقناع صدام حسين بالتراجع عن عدة مواقف. لكن وقف إطلاق النار، لا يمكن أن تمليه موسكو؛ وإنما الدول المتحالفة، التي لها قوات عسكرية في الخليج. 2. مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) رد فعل إيطاليا، إزاء قرار إيقاف الحرب

أكدت إيطاليا أن هذه الحرب، كانت من أجْل حماية السلام العالمي؛ إذ أعلن الرئيس الإيطالي، فرانشيسكو كوسيجا، في 27 فبراير 1991، أن حرب تحرير الكويت، هي حرب من أجْل الكرامة الإنسانية والعدالة وحماية السلام العالمي. وأن مشاركة إيطاليا في هذه الحرب، لم يكن اختياراً سهلاً. كما أكد، في مقر الصحافة الأجنبية، في روما، "أن أزمة الخليج، قد أبرزت الحاجة إلى خلق توجُّه جديد، حيال النزاعات الدولية، وتعزيز بِنية الأمم المتحدة، للتوصل إلى تسوية النزاعات والأمور المثيرة للجدل". 4. الموقف الإيطالي حيال الترتيبات الأمنية في المنطقة، بعد الحرب

أكدت إيطاليا ضرورة حل مشكلات الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وعبّر وزير الخارجية الإيطالي، دي ميكليس، عن هذا الموقف، في 2 فبراير 1991، أثناء مقابلته الدكتور عصمت عبدالمجيد، وزير الخارجية المصري، في روما، بالقول: "إنه يجب العمل على مواجَهة أحداث ما بعد الحرب، بالمبادرات السلمية، وعلاج الوضع العربي، من خلال مؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط، الذي من شأنه أن يخلق أجواء، تساعد على حل مشكلات الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية".

المبحث الثالث: مواقف وردود فعل بعض القوى الإقليمية (إيران، تركيا، باكستان، إسرائيل)

أولاً: مواقف وردود الفعل الإيرانية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. الموقف الإيراني العام

تبنت إيران إستراتيجية تعظيم المكاسب، خلال هذه الأزمة، في تعاملها مع مختلف أطرافها. فرحبّت بالتراجع العراقي تجاهها. وأعادت علاقاتها ببغداد وزودتها ما تيسَّر من المواد، الغذائية والطبية، من دون الإخلال بالتزامها بالحصار الدولي. ذلك على الرغم من معارضتها غزو الكويت، وإصرارها على الانسحاب العراقي، وتفهّمها ظروف وجود القوات الأجنبية في المنطقة، شريطة انسحابها فور تحرير الكويت.

ولدى نشوب الحرب، أعلنت إيران الحياد؛ لكنها حافظت على قدر مُعين من التعاون مع العراق. ويدخل في هذا الإطار، قبولها لجوء أعداد من الطائرات الحربية العراقية، الهاربة من جحيم قصف قوات التحالف الدولي. والسعي إلى إيجاد حل سلمي، يتيح مخرجاً للعراق، مما جعل طهران مركزاً لحركة دبلوماسية ناشطة، بل كانت أول بلد، يزوره مسؤول عراقي، بعد نشوب الحرب، ويعود حاملاً مقترحات لوقف القتال.

ويعكس هذا الموقف الإيراني، تأثير التوازنات الجديدة، الناجمة عن أزمة حرب الخليج. فعلى الرغم من مصلحة إيران في تقليص القوة الإستراتيجية العراقية، إلا أن الإجهاز التام عليهــا، لا يخلو من أخطار على هذه المصلحة؛ إذا أدى إلى اختلال حاد في التوازن الإقليمي. فقد يترتب على ذلك توجُّه دولي نحو تقليص القوة الإيرانية نفسها، في مرحلة لاحقة، أو إيجاد مبرر لوجود عسكري أجنبي في المنطقة، أو إنشاء نظام أمن جديد، في مواجَهة إيران.

ولعل هذا ما يُفسر تحوّل الموقف الإيراني المحايد، إلى تحرك جدي لوقف القتال، بعد مرور حوالي أسبوعَين على بدئه، دُمِّر خلالهما، قدر كبير من عناصر القوة الإستراتيجية العراقية، عَدَّتْه إيران كافياً لإعادة العراق إلى حجم مقبول يحقق التوازن في المنطقة، ويحول دون اختلاله اختلالاً جوهرياً. كما انعكس الموقف الإيراني، في استمرار التراجع عن الطموحات الثورية السابقة، والتحول إلى دولة في منطقة الخليج، تبحث عن دور في النظام العالمي الجديد.

وفي هذا الإطار، لم يتمكن التيار المتشدد في إيران، من ترويج دعوته إلى مقاومة الوجود الأجنبي في الخليج، من منطلق "الثورة الإسلامية". واكتفى بالدعوة إلى الانسحاب من منطقة الخليج، فور انتهاء الحرب.

وقد أكدت إيران حيادها في تلك الحرب، من خلال المواقف التالية: (1) أكد مجلس الأمن القومي الإيراني؛ وهو أكبر هيئة لصنع السياسة الإيرانية، في 19 يناير 1991، حيدة إيران في حرب الخليج. (2) إعلان علي محمد بشارتي ، النائب الأول لوزير خارجية إيران، في 20 يناير 1991، أن حياد بلاده، يمنحها الفرصة لبذل جهودها في إنهاء الحرب المدمرة في الخليج. (3) أكد وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر ولايتي، في 20 يناير 1991، حياد بلاده. لكنه دان، في الوقت نفسه، الهجمات الجوية، التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، على أهداف غير عسكرية، في العراق. كذلك أكد معارضة طهران شن قوات تركية هجوماً على العراق، أو إحداث أي تغيير جغرافي في المنطقة، يؤدي إلى تعديل في الحدود. (4) أعلن محمد جواد لارجاني، المستشار السياسي في الخارجية الإيرانية، حيدة بلاده. وأن الطريق الوحيد إلى إقرار السلام في منطقة الخليج، مرتبط بقرار، يتخذه الأطراف المتحاربون، في شأن التخلّي عن سياسات التوسع والاغتصاب، التي ينتهجونها في المنطقة. ب. مبادرة الرئيس الإيراني السلمية

من أجل إيجاد حل سلمي لأزمة الخليج، وإيقاف الحرب، أعلن الرئيس الإيراني، هاشمي رفسنجاني، في 5 فبراير 1991، مبادرة للسلام. وكان قد قال، في 4 فبراير، إنه مُستعد للاجتماع بصدام حسين، لإجراء محادثات مباشرة، توقف الحرب في الخليج. وأبدى استعداده، كذلك، لإجراء اتصالات مباشرة مع واشنطن. وأوضح أن مبادرة السلام، يمكن أن تبدأ إذا وافق صدام حسين على هذه الفكرة. وقد حددت وزارة الخارجية الإيرانية أهداف المبادرة بما يلي: (1) عدم وقف إطلاق النار، ما دام العراق يحتل أرض الكويت. (2) انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة، فور انسحاب القوات العراقية من الكويت. (3) ضرورة الحفاظ على حدود العراق وسيادة أراضيه. (4) رفض الربط بين تسوية القضية الفلسطينية وحل أزمة الخليج.

وأعلنت الخارجية الإيرانية، أنه في حالة قبول صدام حسين بهذه المبادرة، يتوجّه الرئيس الإيراني، في رفقة عدد من الشخصيات، السياسية والإسلامية، إلى العراق، مطالباً قوات التحالف بوقف العمليات العسكرية، مع تنظيم سحب القوات الأجنبية، التي تستبدل بها قوات عربية وإسلامية. ويعقب ذلك إنشاء لجنة تحكيم عربية، لتسوية النزاع بين العراق والكويت. ثم تُوقَّع معاهدة عدم اعتداء بين العراق وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي. ج. ردود الفعل، الدولية والإقليمية، إزاء المبادرة الإيرانية (1) الولايات المتحدة الأمريكية

أعلن الرئيس جورج بوش رفضه المبادرة الإيرانية. وأبلغ الصحفيين، في واشنطن، في 6 فبراير 1991، أنه ليس هناك ما تتفاوض واشنطن في شأنه. كما أكد أن القوات الأمريكية، لن تبقى في المنطقة، بعد انتهاء الأزمة. (2) الاتحاد السوفيتي

بّر نائب وزير الخارجية السوفيتي، خلال زيارته طهران، في 7 فبراير 1991، عن موقف الاتحاد السوفيتي، حينما أكد اهتمام موسكو وتقديرها للدور الإيراني. ورحّب بعرض الرئيس الإيراني الاجتماع بصدام حسين، وتأكيده موقف إيران، الداعي إلى ضرورة انسحاب العراق من الكويت. (3) تركيا

رح الرئيس التركي، تورجوت أوزال، في 5 فبراير 1991، بأن العديد من مقترحات الرئيس رفسنجاني، تُعَدّ إيجابية، خاصة ما يتعلق بالانسحاب العراقي الشامل من الكويت. (4) الكويت

رح مبعوث الكويت الخاص، عبدالرحمن العوضي، في 7 فبراير 1991، بأن مساعي إيران إلى إنهاء حرب الخليج، تُعَدّ مساعي حقيقية وجادة. ولفت إلى وضوح إيران في مطالبتها بالانسحاب الكامل، "وإننا متفقون معها". (5) العراق

أعلن العراق رفض مقترحات السلام الإيرانية. وأوضح سعدون حمادي، نائب رئيس الوزراء العراقي، أن بغداد، رفضت مقترحات إيران، الداعية إلى ترتيب وقف إطلاق النار، والحل السلمي. وقال حمادي، في مؤتمر صحفي، عقده في العاصمة الأردنية، في 9 فبراير 1991، إن الصراع، لا يتعلق بالكويت، ولكن بالتصدي للعدوان، الذي يستهدف العراق. وأضاف أن العراق، يرحّب بحل عربي لأزمة الخليج، وأنه على استعداد للدخول في مفاوضات مباشرة، غير مشروطة، ولا تتدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد أن رفض العراق المبادرة الإيرانية، شن عليه الرئيس الإيراني، رفسنجاني، حملة عنيفة، واتَّهمه بأنه السبب لكل المشاكل، التي تشهدها منطقة الخليج، والناجمة عن غزوه دولة مستقلة. وأوضح، كذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تتحمل مسؤولية اندلاع الحرب في الخليج، لمبادرتها إلى العمليات العسكرية، على الرغم من أنه كان في الإمكان الانتظار عدة أشهر، ريثما تؤتي عمليات الحصار الاقتصادي ثمارها. د. جهود إيران الدبلوماسية في حل أزمة الخليج، مع تصاعد الحرب

حاولت إيران إيجاد حل للأزمة، ينهي القصف الجوي ضد العراق، ووقف الحرب، من خلال تحركها الدبلوماسي، كالآتي: (1) على المستوى الإسلامي

دعت إيران، في 20 يناير 1991، الدول الإسلامية، إلى عقد دورة طارئة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في طهران. وفي 22 يناير، صرح علي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران، بأن عشر دول، أعلنت، حتى الآن، استعدادها للمشاركة في دورة طارئة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في طهران، تلبية لدعوة إيران إلى بحث الحرب في الخليج، ومحاولة حل الأزمة، سلماً. إلا أن هذه الدعوة أُحبطت، لعدم اكتمال عدد الدول الإسلامية، الذي يستدعيه عقد الدورة الطارئة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. (2) على المستوى الإقليمي

أعلن الرئيس الإيراني، رفسنجاني، خلال زيارته باكستان، واجتماعه إلى نواز شريف، رئيس وزرائها، في 22 يناير 1991 ـ أنه يتعين على كلٍّ من باكستان وإيران، تعزيز جهودها، من أجْل إنهاء الحرب في الخليج، سلماً. وأكد رئيس وزراء باكستان، بدوره، تأييده للجهود، التي تبذلها إيران من أجْل عقد جلسة خاصة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. (3) على المستوى الدولي

أمست إيران، منذ 6 فبراير 1991، مركزاً من مراكز الدبلوماسية الدولية المهمة، المحيطة بحرب الخليج، بعد أن انتقل الموقف الإيراني، من الحياد السلبي إلى الحياد الناشط. فشهدت العاصمة الإيرانية نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً، في شأن الأفكار الإيرانية، المتعلقة بالتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة في الخليج. إذ وصل إليها نائب وزير الخارجية السوفيتية، ألكسندر بلونوجوف ، فضلاً عن أحمد البتموجين (Ahmed Alptemogin)، وزير خارجية تركيا.

وفي 10 فبراير 1991، أعرب علي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران، عن أسفه لعدم اجتماع كلٍّ من حركة عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي، من أجْل حل سلمي في المنطقة.

في 15 فبراير 1991، زار علي أكبر ولايتي موسكو، حيث أجرى محادثات مع الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، وعدد من المسؤولين في العاصمة السوفيتية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية السوفيتية، ألكسندر بسميرتنيخ، في شأن الموقف في منطقة الخليج. وأكد الجانبان، الإيراني والسوفيتي، الآتي: · ضرورة إنهاء حرب الخليج، بأسرع وقت ممكن، على أساس تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي. · قلقهما العميق، تجاه مجريات النزاع المسلح في الخليج. · ضرورة خلق نظام فعال للأمن الإقليمي، بعد انتهاء الأزمة، يكفل استمرار السلام والاستقرار في المنطقة. هـ. الموقف الإيراني من استمرار الحرب

سعت إيران، في كل تحركاتها السابقة، وإعلانها الحياد، إلى تحقيق مكاسب عديدة، بعد انتهاء الحرب. ولكنها في الوقت نفسه، تريد أن تُنهي هذه الحرب، بسرعة، حتى يمكن أن يكون لها دور مؤثر في الأوضاع الجديدة. وكرد فعل إزاء استمرار الحرب، اتضح الموقف الإيراني التالي: (1) في 25 يناير 1991، قال الرئيس الإيراني، رفسنجاني، في خطبته، يوم الجمعة: "لن نرسل إخواننا وأبناءنا، ليقاتلوا من أجْل العراق، لكي يصبح بلداً أقوى، وتمتد يده إلى الخليج الفارسي". ودعا العراق إلى الانسحاب من الكويت، من دون شروط. وأكد أن ذلك، هو السبيل الوحيد إلى إنهاء وجود القوات الأجنبية في المنطقة. (2) وفي 10 فبراير 1991، وفي كلمة أمام اجتماع الدبلوماسيين الأجانب، في ذكرى اندلاع الثورة الإيرانية، قال الرئيس الإيراني، رفسنجاني: "إننا نحمّل العراقيين المسؤولية، لأنهم شنوا هجوماً غير مقبول على بلد مستقل، دونما سبب بعينه، وخلقوا كل هذه المشاكل للمنطقة. وإن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، في المنطقة لا بدّ أنها تتجاوز إخراج العراق من الكويت؛ وإلا كان في استطاعة واشنطن، أن تحل أزمة الخليج بالوسائل السلمية. وإن الأمريكيين، يجب أن يخجلوا من أنفسهم، لإحلالهم الخراب بالعراق. ولن يكون هناك فائز أو غانم، بالنسبة إلى أي من الطرفَين في حرب الخليج". (3) وفي 24 فبراير1991، أعلن رفسنجاني أسفه للهجوم البري، وقال: إن أهداف القوات المتحالفة، تذهب إلى أبعد من تنفيذ قرارات مجلس الأمن. وإنه كان في إمكان بغداد، أن تتجنب حرباً برية. ومن المؤسف، كذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى تحقيق أهداف، تتجاوز الانسحاب العراقي من الكويت. (4) وفي 25 فبراير 1991، نددت الجرائد الإيرانية بالهجوم البري لقوات التحالف، على القوات العراقية. ووصفته بأنه برهان على أن واشنطن تعتزم، منذ بداية أزمة الخليج، ما هو أكثر من تحرير الكويت. وفي اليوم نفسه، أعرب وزير خارجية إيران، علي أكبر ولايتي، عن قلقه في شأن التطورات الجارية في الخليج، وأنه يجب تركيز كافة الجهود، من أجل إيجاد تسوية سريعة لهذه الحرب. (5) كما أعلن رئيس البرلمان الإيراني، علي مهدي خروبي، أن إيران، وضعت قواتها المسلحة في حالة تأهب. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، فقدت، بالفعل، صورتها، كقوة عظمى؛ وحتى إلحاقها هزيمة بالعراق، لن يجعلها هي المنتصرة. وأكد خروبي، "أنه من المحتمل، أن تكون إيران، هي الهدف التالي للقوات، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج؛ ولكن إيران مستعدة للدفاع عن نفسها". و. رد فعل إيران، إزاء لجوء الطائرات العراقية إلى أراضيها

في 26 يناير 1991، بثت إذاعة طهران، "أن سبع طائرات مقاتلة عراقية" هبطت إيران، وتحطمت إحداها واحترقت. كما أعلنت إيران، أنها ستحتجز جميع الطائرات الحربية العراقية، التي هبطت أراضيها، ريثما تنتهي حرب الخليج. ثم أعلنت، في اليوم نفسه، وصول أعداد أخرى من الطائرات العراقية، وأنها وصلت، في نهاية اليوم، إلى 24 طائرة (اُنظر جدول عدد وأنوع الطائرات العراقية التي لجأت إلى إيران أثناء حرب الخليج).

كما أكد رئيس مجلس الشورى الإيراني، مهدي خروبي، في 27 يناير 1991، أن الطيارين العراقيين، الذين هبطوا بطائراتهم إيران، لا يزالون قيد الاستجواب. وأن نياتهم، لم تُعرف بعد.

وفي 2 فبراير 1991، أعلن حسن روحاني، المتحدث باسم المجلس الأعلى القومي الإيراني، أن إيران، أدهشها تدفق طائرات حربية، عبر حدودها. وأن العراق، ربما أراد الحفاظ على طائراته، لاستخدامها في هجوم بري، بعد أن واجه التفوق التكنولوجي لطائرات القوات المتحالفة.

وفي 18 فبراير 1991، صرح الرئيس الإيراني بأن الطائرات العراقية، لجأت إلى إيران لأنها هبطت اضطراراً. ولم تكن تحمل من الوقود، إلا ما يكفيها لخمس دقائق من الطيران. وأن هذه الطائرات، ستبقى في إيران، حتى نهاية الحرب. كما أكدت إيران، أنها لن تعيد الطائرات العراقية، التي هبطت على أراضيها. وطالبت، في الوقت نفسه، برحيل قوات التحالف. ورفضت أي إجراء، من شأنه أن يؤدي إلى تقسيم العراق. ز. رد الفعل الإيراني، إزاء بيان مجلس قيادة الثورة العراقي، في شأن الانسحاب من الكويت

جاء رد الفعل الإيراني مؤيداً لعرض العراق الانسحاب من الكويت، وعُدَّ فرصة لتحقيق السلام. واتّضح ذلك، من خلال التصريحات التالية: (1) إعلان وزارة الخارجية الإيرانية، في 15 فبراير 1991، تعليقاً على بيان مجلس قيادة الثورة العراقي، أن العرض العراقي المشروط للانسحاب من الكويت، يُعد خطوة نحو السلام. (2) تصريح الرئيس الإيراني، رفسنجاني، في اليوم نفسه، بأن عرض العراق الانسحاب من الكويت، يُعد فرصة لإحلال السلام، وأن هناك دلائل على أن سُبلاً إلى حل المشكلة، تلوح في المنطقة، وأن نقطة البداية لحل الأزمة، هي إعلان العراق استعداده للانسحاب من الكويت. وأن تعاون كل الدول الإسلامية، أمر مطلوب، لكي لا تغلق النافذة التي فتحت. (3) تعليق جريدة "طهران تايمز" الإيرانية، في 16 فبراير 1991، على البيان العراقي، بقولها: يمكن الاعتقاد، أن الحرب تقترب من نهايتها، بعد إعلان بغداد، أن العراق مُستعد لانسحاب مشروط من الكويت. وإن نبأ التغيير المفاجئ، يُعد مدعاة للفرح والأمل، لجميع الذين يرغبون في السلام والأمن في المنطقة. وعلى الغرب، الآن، ألاّ يعطي صدام حسين فرصة للتراجع عن إعلانه الانسحاب. وعلى الغرب، كذلك، أن يؤكد أنه مستعد للانسحاب، من الفور. (4) إعلان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في 17 فبراير 1991، أن على الأطراف الآخرين في الحرب، العمل على اتخاذ خطوات إيجابية متبادلة، وتمهيد الأرض لتسوية سلمية، وسريعة، للحرب. ومع قبول العراق بقرار مجلس الأمن، (الرقم 660)، فقدت واشنطن وحلفاؤها، العذر في مواصلة الهجمات، الجوية والصاروخية، على العراق. 2. مواقف ردود فعل الرأي العام الإيراني الداخلي، الأحزاب الدينية والسياسية ، من الحرب أ. مواقف رجال الدين المتشددين وردود فعلهم (1) في 19 يناير 1991، ذكر آية الله خلخالي، أنه لا ينبغي ترك الشعب العراقي، وحده، في هذه المعركة؛ لأنه لو انتصرت الولايات المتحدة الأمريكية، فلن تترك المنطقة بسهولة. (2) في 21 يناير 1991، أعلن حجة الإسلام علي أكبر محتشمي، زعيم المتشددين في إيران، أمام البرلمان، أنه يجوز لبلاده المشاركة في الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وانتقد دول عدم الانحياز، لاتخاذها موقف اللامبالاة، في هذه الحرب. (3) في 22 يناير 1991، حثّت جمعية رجال الدين المتشددين، الشعب الإيراني، على الخروج إلى الشوارع، احتجاجاً على الحرب، التي وصفتها بأنها خطوة متغطرسة، لتدمير موارد المسلمين، البشرية والمادية، وترجيح كفة الميزان، في مصلحة النظام الصهيوني. (4) في 30 يناير 1991، ندد مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، بقصف القوات المتحالفة الشعب العراقي المسلم، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، أثبتت أنها مستعدة للقتال من أجْل النفط. ورأى أن ما يجري، حالياً، في العراق، سيبقى وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وأن الرئيس بوش قاتِل، يذبح شعباً بريئاً. وأن استمرار قصف القوات الأمريكية والحليفة المدن العراقية، هو جريمة فاضحة. وسأل خامنئي: أي ذنب، اقترفه سكان العراق والمزارات المقدسة، الذين تزهق أرواحهم، ويفقدون ممتلكاتهم؟ ب. موقف البرلمان الإيراني من الحرب

تقدم أكثر من نصف أعضاء البرلمان الإيراني، في 29 يناير 1991، ببيان، يدعو الحكومة إلى مناقشة خطة سلام، من خمس نقاط، لإنهاء حرب الخليج. قوامها الوقف الفوري لإطلاق النيران، ووقف الهجرة اليهودية إلى إسرائيل.

كما أعلن وزير الخارجية الإيراني، في 2 فبراير 1991، أنه قد حان الوقت لوقف القتال في الخليج، من الفور، ووضع نهاية سلمية للحرب.

ثانياً: مواقف وردود الفعل التركية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. الموقف التركي العام

ينطلق الموقف التركي من أزمة الخليج، من عدة معايير، لعل في مقدمتها، أن تركيا دولة مجاورة للمنطقة العربية، مما يجعلها تتأثر تأثراً مباشراً بتطورات الأوضاع فيها. وهو ما بدا واضحاً، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء". ومن ناحية أخرى، فإن تركيا، تُعد الجناح الجنوبي لحلف الناتو؛ ومن ثم، فلا بدّ أن يترك الموقف الغربي من الأزمة، تأثيره واضحاً في الموقف التركي. إضافة إلى سعي تركيا إلى الانضمام إلى الجماعة الأوروبية.

وقد تأثرت تركيا، سلباً، بالغزو العراقي للكويت، من جراء المقاطعة الاقتصادية للعراق، والتزامها بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، المتعلقة بالحصار الاقتصادي على العراق، لإجباره على الانسحاب من الكويت. وقد قدّرت خسائر تركيا الأولية، من مقاطعة العراق، بنحو 3.5 مليارات دولار.

وفي 4 فبراير 1991، طالبت تركيا العراق بتخفيض عدد موظفي السفارة والقنصلية، العراقيتين، في أنقرة، إلى حوالي ثلثَيهم. وقال متحدث باسم الخارجية التركية، إن أكثر من سبعين شخصاً، يعملون في كلٍّ من السفارة والقنصلية، العراقيتَين، في تركيا؛ وإن مستوى العلاقات الحالية بين البلدين، لا يستدعي ذلك. ب. الجهود التركية الدبلوماسية واتصالاتها، في حل أزمة الخليج، مع تصاعد الحرب (1) الجهود التركية ـ السوفيتية المشتركة

في أنقرة، اجتمع ألكسندر بيلونوجوف ، نائب وزير الخارجية السوفيتي، إلى وكيل وزارة الخارجية التركية، توجاي أواجيري، في 8 فبراير 1991، لبحث الوضع في منطقة الخليج، بهدف الاتفاق على الجهود، التي تستهدف وقف الحرب، على أساس تعهّد العراق بالانسحاب من الكويت، والإذعان لقرارات الأمم المتحدة.

واتفق الجانبان، السوفيتي والتركي، على ضرورة إيقاف العمليات العسكرية في الخليج، فور إعلان العراق استعداده للانسحاب من الكويت. وأكد الجانبان ضرورة وضع حدٍّ لإراقة الدماء وتدمير العراق.

كما أكد الجانب التركي حرص تركيا، على أن تبقى بعيدة عن الحرب. وأنها لن تبدأ بشن عدوان على العراق، إلا إذا قام بمهاجمتها. كما أكد الجانبان، مجدداً، أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية. (2) الجهود التركية ـ المصرية المشتركة

في 13 فبراير 1991، زار وزير خارجية تركيا القاهرة، حيث أجتمع إلى الرئيس المصري، حسني مبارك، ووزير الخارجية، عصمت عبدالمجيد. وأعرب الوزير التركي، عقب جلسة المباحثات، عن أمله أن تنتهي أزمة الخليج في أقرب وقت، وأن تنسحب القوات العراقية من الكويت، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبْل الثاني من أغسطس 1990. كما تحدث وزير الخارجية التركي عن الوضع في الخليج، عقب انتهاء العمليات العسكرية، مؤكداً ضرورة أن يعمّ الاستقرار والسلام، بأسرع وقت ممكن. (3) الجهود التركية ـ السعودية

خلال زيارة وزير الخارجية التركي المملكة العربية السعودية، في 16 فبراير 1991، أكد ضرورة أن تركز المساعي في الانسحاب العراقي الفوري من الكويت. وأن الحرب البرية، أصبحت حتمية، مع إصرار العراق على ربط قضية الكويت بأمور أخرى. ودعا بغداد إلى تطبيق جميع القرارات الدولية، المتعلقة بالأزمة. ج. الموقف التركي مع اندلاع الحرب

مع اليوم الأول من اندلاع الحرب، أعربت تركيا عن موقفها تجاه العراق. فأكد الرئيس التركي، تورجوت أوزال، في 17 يناير 1991، أن بلاده، لن تسمح لإيران وسورية، باستغلال الحرب في الخليج، للقفز على العراق. ولن تسمح، في الوقت نفسه، بظهور دولة الأكراد، في شمالي العراق، بعد انتهاء الحرب.

وفي الوقت عينه، أكد الدبلوماسيون، في أنقرة، أن القوات التركية، قد عزّزت تحصيناتها على حدود العراق الشمالية، ودفعت بعشرات الآلاف من الجنود، ولغمت الحدود، تخوفاً من أن يفتح العراق جبهة قتالية على حدودها.

وأصبح الرأي السائد في أنقرة، أن تركيا، أصبحت، عملياً، شريكاً في الحرب ضد العراق، بعد ما أُعلن أن السلطات التركية، سمحت للأمريكيين باستخدام قاعدة إنجيرليك (Insirlik) الجوية. أما الرئيس تورجوت أوزال، فقد قال، في إشارة إلى احتمال التصعيد تجاه تركيا: "إن هذا يجب ألاّ يخيفنا. فنحن لم نفعل سوى تطبيق قرارات الأمم المتحدة". وأضاف، "أن القادة العراقيين، خلقوا، بتصرفاتهم، مشاكل كبيرة للمنطقة". وحدد هذه المشاكل بالغزو العراقي للكويت، والحرب التي استمرت ثماني سنوات، ضد إيران، والمتاعب التي أثارها العراق، بسبب مياه الفرات. كما رأى أوزال، أن الإبقاء على القوة العراقية، قد يشكل خطراً على تركيا في المستقبل".

وبعد عدة أيام من بداية الحرب، وبالتحديد في 22 يناير 1991، أعلن رئيس الوزراء التركي، يلدريم أكبولت (Yildirim Akbulut)، أن بلاده، لا تشعر بالقلق من وقوع هجوم محتمل على تركيا. وأضاف، أن الرئيس العراقي، لن يجني أي مكاسب، سياسية وعسكرية، من وراء مهاجمة تركيا. وأن بلاده قد اتخذت كافة الإجراءات اللازمة، على طول الحدود، لضمان الدفاع والأمـن. ولا ينبغي أن يفهم من هذا، أن تركيا تنوي مهاجمة العراق، إلا إذا تعرضت للعدوان".

وأكد الرئيس التركي، في اليوم التالي، أنه لا ينبغي التخوف من الحرب؛ فهي ضرورية، أحياناً، إذا أردنا أن نبني مستقبلاً أفضل. كما ذكر أن الطائرات والقوات التركية، لا تشارك في العمليات، التي تنفّذها القوات الأمريكية، انطلاقاً من قاعدة إنجيرليك الجوية. كما لا توجد أي طائرات حربية إسرائيلية، رابضة بالقواعد الجوية التركية.

وفي الوقت نفسه، توالت تصريحات المسؤولين في الحكومة التركية، في شأن الحرب الدائرة، مؤكدين موقفهم الثابت منها، وعدم اشتراكهم في أي هجوم على العراق، إلاّ إذا بدأ العراق بذلك.

وردّاً على التحذير، الذي وجّهه طارق عزيز إلى تركيا، في 21 يناير 1991، ردّ وزير الخارجية التركي، أحمد البتموجين (Ahmed Alptemogin)، في 26 يناير 1991، قائلاً: "إن تركيا، ليس لها موقف معادٍ تجاه العراق. وإن رسالة عزيز، تمثل تحليلاً خاطئاً لموقف أنقرة من الأزمة". كما حمّل الحكومة العراقية المسؤولية الكاملة عن الوضع الحالي، مؤكداً استعداد تركيا للعمل من أجل إحلال السلام في المنطقة. وتمنى أن يحافظ الشعب العراقي على وحدته.

وفي الأول من فبراير 1991، أكد رئيس الوزراء التركي، يلدريم أكبولت، أمام البرلمان التركي، "أن الحرب الدائرة في الخليج، ليست حرباً بين المسلمين والمسيحيين، كما يزعم الرئيس العراقي، الذي تسبب بإشعال الحرب بين المسلمين أنفسهم". وأكد أن تركيا، لن تشارك في هذه الحرب، إلاّ في حالة تعرّضها لهجوم عراقي". د. الموقف التركي، وردود الفعل، تجاه المبادرات السلمية المطروحة

رحّبت تركيا بكافة المبادرات، التي طرحت في المنطقة، لإيجاد حل سلمي، وتفادي الهجوم البري لتحرير الكويت. (1) المبادرة الباكستانية

أعرب الرئيس التركي، أوزال، في 25 يناير 1991، لرئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، خلال زيارته أنقرة، حاملاً مبادرة إسلامية، في شأن إنهاء حرب الخليج. كما أعرب عن تأييده أي مساعٍ سلمية. وألقى الرئيس التركي باللوم على العراق وقيادته، التي رفضت كافة مبادرات السلام، وجعلت الخيار العسكري أمراً لا مفر منه. (2) المبادرة الإيرانية

صرح الرئيس التركي، أوزال، في 6 فبراير 1991، بأنه يؤيد المبادرة الإيرانية لإنهاء حرب الخليج، شرط أن يوافق العراق على الانسحاب من الكويت، وإعادة الحكومة الشرعية إليها.

وفي 7 فبراير 1991، وخلال زيارة وزير الخارجية التركي طهران، أكد أن الجانبَين، التركي والإيراني، متفقان على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، بأسرع وقت ممكن. كما أعرب الطرفان عن رغبتَهما في أن يبدأ العراق بسحب قواته من الكويت، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، كخطوة لتحقيق السلام في المنطقة. (3) المبادرة السوفيتية

في 20 فبراير 1991، صرح الرئيس التركي بأن خطة السلام السوفيتية، من أجل إنهاء حرب الخليج، تعكس رغبة الاتحاد السوفيتي في ألاّ تحقق واشنطن نصراً عسكرياً مطلقاً. وأضاف إن وجود رغبة في إنهاء الحرب، هو نتيجة الوعي، أن العمليات العسكرية البرية، من جانب القوات المتحالفة، سوف تنتهي بسقوط نظام الحكم العراقي، والنجاح العسكري الكامل للقوات الأمريكية. وأشار أوزال إلى أن النظام العراقي الحاكم، يريد أن يحظى بتأييد الاتحاد السوفيتي، حتى يقيم أي نوع من التوازن في المنطقة، مشيراً إلى أن ذلك لن يحدث؛ لأنه سيكون نصراً عسكرياً لواشنطن وهزيمة سياسية لها، في آن معاً. هـ. ردود الفعل التركية، تجاه استمرار الحملة الجوية، أو تجاه الاشتراك في الحرب

أكدت تركيا أنها، كعضو في حلف شمال الأطلسي، ستسمح باستخدام قواعدها، التي يمكن منها تنفيذ القرارات الدولية، بإجبار العراق على الانسحاب من الكويت. جاء ذلك في تصريحات الرئيس التركي، تورجوت أوزال، إلى جريدة "دي تسايت" الألمانية، في 21 فبراير 1991، والتي تضمنت: (1) ليس لتركيا أي مطامع إقليمية في أجزاء من العراق. ولا نريد سنتيمتراً واحداً من أراضيه، ولن يعاد رسم الخرائط، بعد الحرب . (2) سيدفع تركيا إلى دخول الحرب سببان فقط. أولهما، إنشاء دولة كردية. والآخر، يتمثل في أن تحاول دولة ما غزو شمالي العراق. (3) تنطلق القوات الجوية الأمريكية من تركيا، في هجماتها على العراق، طبقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي؛ وليست تركيا معتدية، ولكن العراق، هو المعتدي. (4) تخوّل المادة الثالثة من قرار مجلس الأمن، الرقم 678، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تقديم المساعدات إلى القوات الدولية، التي تعمل على طرد العراق من الكويت. ولهذا، فقد سمحت تركيا للقوات الأمريكية باستعمال قاعدة إنجرليك الجوية التركية، في قصف المواقع العراقية. (5) تُحشد القوات التركية على الحدود مع العراق، بعد أن حشد العراق ثماني فِرق عسكرية على هذه الحدود.

أكدت تركيا عدم اشتراكها في الحرب، في تعليق لجريدة "حجون ايدن" التركية، في 28 يناير 1991، قالت فيه: إن خسارة العراق، أصبحت مؤكدة. وتدخّل تركيا في الحرب، سيؤدي، استطراداً، إلى تدخّل كلٍّ من إيران وسورية، وقد يتسبب ذلك بوقوف هاتَين الدولتَين إلى جانب العراق.

ذكر وزير شؤون الدولة التركي، كارامان إينان ، لجريدة "الفيجارو"، في 31 يناير 1991، أن الحرب في الخليج، تستهدف تحرير الكويت، وليس احتلال العراق. وأضاف أنه يجب ألاّ يكون تحرير الكويت، وسيلة لخلق وضع في العراق، يخلّ بالتوازن في المنطقة. وأعلن أنه سيكون لتركيا مقعد في المفاوضات، بعد الحرب، إذا ما أريد للنزاعات في المنطقة، أن تنتهي بتسوية دائمة.

كذلك ذكر الرئيس التركي لجريدة "الدراسات" التركية، في 4 فبراير1991، أن بلاده، ستلجأ إلى الحرب، كملاذ أخير، إذا تعرضت أراضيها لهجوم عراقي. وأن تركيا وقفت مع دول الحلفاء، انطلاقاً من وعودها والتزامها؛ إذ لم يكن ممكناً، أن تبقى بلاده على الحياد في أزمة الخليج. واستطرد قائلاً: "إنه كان عليها، إما أن تلتزم بالحصار، الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على العراق، أو تُعلن رفضها هذه القرارات".

وفي حديث إلى التليفزيون اليوناني، في 4 فبراير 1991 قال أوزال: إن تركيا، لن تفتح جبهة ثانية، ضد العراق، ما لم تتعرض لهجوم من جانبه. وقد تستخدم قواتها الجوية، وليس البرية، ضد العراق، في حالة وقوع هجوم عراقي، بصواريخ سكود، عليها. وإن بلاده، ليس لها أي طموحات إقليمية في العراق، خاصة أن النفط، فقَد دوره المهم.

كما ذكرت جريدة "جمهوريات" التركية، في 8 فبراير 1991، أن تركيا، تعمل على تعزيز الدفاع، على طول حدودها مع العراق. وأن جزءاً من الجيش التركي، البالغ قوامه 800 ألف جندي، يتحرك صوب الحدود مع العراق. وقوافل الدبابات ووحدات المدفعية، التي تتحرك من وسط تركيا، ستنتشر في ثلاث مناطق على الحدود. كما ذكرت الجريدة أنه على الرغم من تأكيد الرئيس التركي، تورجوت أوزال، أن تركيا، لن تفتح هذه الجبهة، إلا أن هذا الاحتمال، ليس بمستبعَد، بالنسبة إلى أنقرة.

وقال وزير شؤون الدولة التركي، كارامان إينان، في 13 فبراير 1991، للقناة الرابعة للتليفزيون البريطاني: إن مساهمات تركيا في حرب تحرير الكويت، أدت إلى تحييد تسعة ألوية عراقية، تواجه الحدود التركية، ولا تشارك في القتال. وهذه أكبر مساهمة، يمكن أن تقدمها دولة في حرب. و. ردود الفعل الاقتصادية، في تركيا

تركيا من الدول التي تضررت كثيراً من الحرب. ومن ثم، قررت الجماعة الأوروبية منحها قرضاً، قيمته ما يوازي 345 مليون دولار، كتعويض ممّا تكبدته من أضرار، نجمت من حرب الخليج. وذكر تصريح الجماعة الأوروبية، أن هذا القرض معفى من الفائدة، ويُستَوَفى على مدى عشر سنوات، ويشتمل على تصدير معدات غير عسكرية، وقِطع غيار، وموادّ صناعية أخرى. إضافة إلى ذلك، فإن أعضاء الجماعة الأوروبية، التزموا بتقديم ما قيمته 196 مليون دولار، في صورة اتفاقات ثنائية مع تركيا.

كما أعلنت السفارة الأمريكية، في أنقرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية، منحت تركيا مساعدة إضافية، مقدارها 83 مليون دولار، مما يزيد المساعدة المقدمة إليها، على 630 مليون دولار، معظمها في شكل منح. وذكرت إذاعة صوت أمريكا، في 27 فبراير 1991، أن وزارة الخارجية الأمريكية، تسعى إلى زيادة المساعدات الخارجية لتركيا، خلال السنة المالية القادمة. وأنها طلبت من الكونجرس 703 ملايين دولار، كمساعدة لتركيا، بزيادة على قيمة المساعدات الحالية قدرها 150 مليون دولار.

وفي 16 فبراير 1991، أوضحت وكالة أنباء "الأناضول" التركية، أن الحكومة التركية، تلقّت مساعدات، قيمتها ما يوازي مليار واحد ومئة مليون دولار من المملكة العربية السعودية، في شكل نفط، و300 مليون دولار منحة من الكويت، و100 مليون دولار منحة من دولة الإمارات العربية المتحدة، و300 مليون دولار من اليابان، و 10 ملايين دولار من ألمانيا، و84 مليون دولار من فرنسا.

وقدَّر المصرف الدولي خسائر تركيا، الناجمة عن فرض العقوبات على العراق، بنحو 7 مليارات دولار، خلال عام، بدءاً من 2 أغسطس 1990.

كذلك تضررت حركة الادخار المصرفي، في تركيا؛ إذ سحب الموْدعون ملياراً واحداً وأربعمائة مليون دولار، من المصارف، خلال الفترة من 9 إلى 18 يناير 1991. كما تضرر القطاع السياحي التركي تضرراً كبيراً؛ إذ أُغلقت 6 فنادق، وألغت 14 شركة جوية رحلاتها إلى تركيا، بعد اندلاع الحرب، وخسرت شركة الخطوط التركية 76.6 مليون دولار. 2. مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. ردود فعل تركيا ومواقفها، بعد بدء الحرب البرية

أكد رئيس الوزراء التركي، يلدريم أكبولت، في 24 فبراير 1991، على أثر بدء الحرب البرية، أن تركيا، لن تهاجم العراق، إذا لم تتعرض لهجوم. وهذا تأكيد للموقف، الذي اتخذته أنقرة، منذ بدء حرب الخليج.

وفي 26 فبراير 1991، ذكرت جريدة "حريت" التركية، أن الرئيس أوزال، منع، في اللحظة الأخيرة، الطائرات الحربية الأمريكية، التي تقلع من قاعدة إنجرليك التركية، من قصف خطوط أنابيب النفط العراقية ـ التركية.

كما أكد وزير الخارجية التركي، في 25 فبراير 1991، أن القيادة العراقية، هي، الوحيدة، المسؤولة عن بدء الحرب البرية. وأنها لم تقدِّر الفرصة الأخيرة، التي مُنِحَتْها لوقف حرب الخليج. وتأمل تركيا، أن تنتهي الحرب بطرد العراقيين من الكويت، بأقلّ قدر ممكن من الخسائر. أمّا بقاء صدام حسين في السلطة، فهو أمر متروك للشعب العراقي. ب. تركيا وقرار الرئيس بوش إيقاف الحرب

رحّب الرئيس التركي، أوزال، في 28 فبراير 1991، بوقف إطلاق النار، ووصفه بأنه خطوة كبيرة في اتجاه السلام. وأكد أن دول الشرق الأوسط، يجب أن تعمل لتجنُّب تكرار مثل هذه الأزمة. وأن تركيا، هي من القوة، حتى إنه يمكنها أن تقدّم أي إسهام في التعاون والسلام في المنطقة. 3. ردود الفعل الداخلية في تركيا

في 26 يناير 1991، فرضت الحكومة التركية حظراً على الاضطرابات والتظاهرات، لمدة شهر. وأفادت وكالة الأناضول، شبه الرسمية، أن الحكومة، اتخذت هذا القرار لأسباب أمنية. وجاء هذا القرار في وقت، ترددت فيه التوقعات، لدى الأقلية الكردية، في شمالي العراق، في شأن إمكان منحها شكلاً من أشكال الحكم الذاتي، بعد انتهاء الحرب، مما يشجع الأكراد في تركيا، على تطلعات مشابهة. وعلى الرغم من هذا الحظر، إلاّ أن هجومَين بالقنابل، وقَعا في 26 يناير 1991، في أضنة، جنوبي تركيا، ضد قنصلية الولايات المتحدة الأمريكية، والجمعية الثقافية التركية ـ الأمريكية، واقتصر على أضرار مادية فقط. كما أن بعض المواجهات، حدثت بين قوات الأمن التركية والمتظاهرين، وأدت إلى إصابة ثمانية أشخاص بجروح، واعتقال أربعين شخصاً. 4. التصور التركي حيال الترتيبات الأمنية في المنطقة، بعد الحرب

قبل بدء الحرب البرية، وفي 5 فبراير 1991، أعلن الرئيس التركي، أوزال، أهمية رسم خريطة كونفيدرالية جديدة، لعراق ما بعد الحرب، بافتراض أنها انتهت بهزيمة العراق. وهو أمر، كما ذكر، أوزال، لا يدع مجالاً للشك فيه[1].

في 28 فبراير 1991، وبعد توقف الحرب، صرح رئيس الوزراء التركي، يلدريم أكبولت، عبر التليفزيون التركي، قائلاً: إن تركيا، تقترح إنشاء منطقة اقتصادية في الشرق الأوسط، للحفاظ على سلام ثابت في المنطقة. وإنه لا يمكن إرساء سلام ثابت فيها بوساطة إجراءات أمنية فحسب، بل ينبغي دعمه بوساطة تعاون اقتصادي واسع، بين جميع دول المنطقة". أما الرئيس أوزال، فقد أكد أهمية تحقيق السلام في المنطقة، الذي يعتمد، أساساً، على التعاون بين دولها.

وفي الأول من مارس 1991، ذكرت جريدة "الديلي نيوز" التركية، أنه بعد انتهاء عملية "عاصفة الصحراء"، أصبح الهدف الرئيسي، هو إنشاء نظام جديد للشرق الأوسط، قوامه خلْق جو من السلام والثقة المتبادلة، بين دول المنطقة.

وفي 2 مارس 1991، ذكرت إذاعة طهران، أن الرئيس التركي، تورجوت أوزال، أجرى محادثات هاتفية مع الرئيس الإيراني، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في شأن آخر تطورات الأزمة في الخليج. وقد أبرز الرئيس الإيراني، في هذه المحادثة، ضرورة محافظة الدول المطلة على الخليج، على أمن المنطقة، بفضل التعاون بينهما.


ثالثاً: مواقف وردود الفعل الباكستانية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. المبادرة الباكستانية للسلام

زار رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، بعض العواصم، العربية والإسلامية، بهدف تجميع وجهات النظر في الأزمة، نظراً إلى الدور، الذي يمكن باكستان أن تؤدّيه في حلها، كدولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. وصرح مسؤول باكستاني، في الوفد المرافق لرئيس الوزراء، أن بلاده تسعى إلى طرح مبادرة متكاملة، بعد أن تستمع إلى وجهات النظر المختلفة، مؤكداً أن اتصالات، أُجريت مع الجانب العراقي. وقال إن باكستان، ستطرح هذه المبادرة، باسم العالم الإسلامي، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، بالتعاون مع الدول الراغبة في السلام، وفي طليعتها دول حركة عدم الانحياز.

وتضمنت المبادرة، التي قدّمها رئيس الوزراء الباكستاني، عدة نقاط. هي: أ. إعلان وقف إطلاق النار، بناءً على تصريح واضح من العراق، بالالتزام بانسحاب قواته من الكويت. ب. انسحاب كل القوات الأجنبية من الخليج، بعد وقف إطلاق النار مباشرة، تاركة ترتيبات الأمن في رعاية دول المنطقة. ج. عقد جلسة طارئة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لبحث كافة أبعاد الوضع في الخليج. د. نشر قوات إسلامية، في منطقة الخليج. هـ. تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ليس في شأن الكويت، وحدها، بل اتساعه، ليشمل، بالروح والقوة أنفسهما، مشكلة كشمير وقضية فلسطين. و. ريثما يُعلَن وقف إطلاق النار، يجب الإعلان، أن الأماكن المقدسة، في المملكة العربية السعودية والعراق، هي مناطق آمنة، تجنّباً لتدنيسها. 2. الجهود الباكستانية الدبلوماسية واتصالاتها، في حل أزمة الخليج، مع تصاعد الحرب

جال رئيس وزراء باكستان، نواز شريف، في عدد من الدول، لمناقشة مبادرته مع زعمائها. في الجزائر (11 يناير 1991): أوضح نواز شريف، أنه ناقش المبادرة المكونة من ست نقاط مع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد من أجل إيجاد حل سلمي، في الخليج.

وفي مصر (25 ـ 27 يناير 1991): أدلى رئيس الوزراء الباكستاني، قبل مغادرة القاهرة، في 27 يناير 1991، بتصريحات مهمة، أوضح من خلالها، أن هناك رغبة قوية لدى كلا الجانبَين، في إيجاد حل لتلك الأزمة، مما يؤكد أن هناك إمكانية لإيجاد حل لها؛ ولكن في الوقت عينه، لا يمكن أن يأتي الحل على حساب المبادئ الأساسية.

في تونس (10 فبراير 1991): أوضح نواز شريف، أن زيارته تهدف إلى بحث إمكانية التوصل إلى حل لهذه الأزمة، ومواصلة المساعي من أجل إيقاف المعارك. وأنه يسعى إلى عقد اجتماع، في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، يضم قادة البلدان الإسلامية كافة.

كما زار رئيس الوزراء الباكستاني، كذلك، كلاًّ من إيران وتركيا وسورية والأردن والمملكة العربية السعودية وليبيا. وعقب عودته إلى باكستان، في 28 يناير 1991، قال، في مؤتمر صحفي، إن أهم نتائج رحلته إلى هذه الدول، يتلخص فيما يلي: أ. إنه من غير المتوقع، أن تسفر جهود السلام عن حل سريع للأزمة. ب. إن باكستان، تشعر بالقلق، لتعرض الإخوة المسلمين، في الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية، للقنابل والصواريخ. وأنها ستبذل كل الجهود في وقف الحرب. ج. إن جميع الدول، التي زارها، بما فيها الأردن، ترى أن تحرير الكويت، هو الموضوع الأساسي. د. إن باكستان، تأمل أن ينعقد مؤتمر لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، في أقرب وقت ممكن. هـ. إن جهود التسوية، في إطار المؤتمر الإسلامي، سوف تتعرض لصعوبات، إذ إن جهود حركة عدم الانحياز، ومبادرة المغرب العربي، ومحاولات عقد اجتماع لمجلس الأمن، قد باءت جميعاً بالفشل. و. إن هدف مهمته، هو إنقاذ الأمة الإسلامية من التمزق والدمار. ز. إنه إذا تدخلت إسرائيل في الحرب، فإن باكستان، سوف تقف إلى جانب الدول الإسلامية. ح. إن باكستان قادرة على الدفاع عن نفسها، ولن تكون الهدف التالي، بعد العراق أو إيران.


رابعاً: مواقف وردود الفعل الإسرائيلية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. الموقف الإسرائيلي العام

حققت إسرائيل، من جراء أزمة الخليج، العديد من المكاسب، على الصُّعُد، السياسية والعسكرية والاقتصادية[1]. فضلاً عن تحسّن صورتها، وتزايد تقاربها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ أخذت أجهزة الإعلام الأمريكية، تردد نغمة معادية للعرب.

كما استفادت إسرائيل، عسكرياً، من خلال استجابة واشنطن جميع مطالبها العسكرية، خاصة بعد قصفها بالصواريخ العراقية، من أجل تعزيز الدفاعات الإسرائيلية في مواجَهة العراق.

وأثرت أزمة الخليج تأثيراً إيجابياً في الاقتصاد الإسرائيلي، في عدة محاور، أهمها جذب الأسواق الإسرائيلية المزيد من الاستثمارات، الغربية والأوروبية، في ضوء الآثار المترتبة على الأزمة، والتي جعلت المستثمر الغربي، يحجم عن اللجوء إلى الأسواق العربية، لافتقارها إلى الثقة والأمان، خلال الأزمة.

كذلك تدفقت أعداد المهاجرين إلى إسرائيل، بعد الأزمة، فقدِّروا بنحو 18.824 مهاجراً، منهم 17.484 مهاجراً من الاتحاد السوفيتي('جريدة ` دافار ` الإسرائيلية، الصادرة في 3 سبتمبر 1990.').

ب. موقف إسرائيل من عملية "عاصفة الصحراء"

مع بدء حملة "عاصفة الصحراء"، أشاد بها إسحاق شامير (Yitzhak Shamir)، رئيس الوزراء الإسرائيلي. كما أشاد بقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأعرب عن أمله، أن تنجح هذه العملية. ج. ردود الفعل الإسرائيلية الرسمية، بعد قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية

بعد يومَين من حرب الخليج، على أثر قصف العراق تل أبيب بالصواريخ، أصبحت الحكومة الإسرائيلية في موقف صعب، لفقدها الحرية في اتخاذ قرار الرد. وأكد المحللون، والخبراء في الشؤون العسكرية، أن القدرة على الرد متوافرة، ولا توجد مشكلة في الإمكانات، خصوصاً مع التطور المذهل للتكنولوجيا الحربية. إلا أن المشكلة الأساسية، تمكن في اتخاذ القرار، من دون أن تُخلف العملية ذيولاً سلبية. وكان هناك خياران: إما الرد من الفور وتلقائياً، أو تدريجاً وتباعاً. ولكن، كان هناك العامل الأمريكي، الذي يرفض الرد الإسرائيلي.

وأشار بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين، في تصريح إلى جريدة "ها آرتس". إن الرد على الهجوم العراقي، يجب أن تحدده معايير شتى، من بينها عدد الضحايا، واستمرار العدوان في المستقبل، ونوع الأسلحة المستخدمة. ورأى بعضهم أن التصرف الأمثل، هو التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، في صدد هذا الموقف.

وخلال زيارة وزير الخارجية الألماني، هانز ديتريش جينشر، إلى إسرائيل، في 24 يناير 1991، ردّد المتظاهرون الإسرائيليون: "إنها فضيحة، أن تكون ألمانيا، ساعدت هتلر الجديد". وردّ جينشر، خلال مؤتمر صحفي، في القدس: "يمكنكم الاعتماد على ألمانيا، وعلى الألمان". وأشار إلى أنه لم يأت إلى إسرائيل، لمحاولة "التعويض" عن التحفظ، الذي التزمت به بون، منذ اندلاع النزاع في الخليج. وذكر أن بلاده، ستشدد العقوبات على الشركات، التي ستحاول الالتفاف على الحظر المفروض على العراق. وأكد جينشر أن في إمكان إسرائيل، أن تعتمد على ألمانيا الموحَّدة.

أما وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد أبرزت، في 27 يناير 1991، نتائج استطلاع الرأي العام، الذي أجراه الجيش الإسرائيلي. وخلاصته أن 90 في المائة من الإسرائيليين، يؤيدون سياسة الحكومة القاضية بضبط النفس. أما الناطق الإعلامي لوزارة الدفاع، داني نافه، فقد صرح بأن تقديرات الاستخبارات، في شأن احتمال لجوء العراق إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، لا تزال هي نفسها. كما أوضح معلق الشؤون العسكرية، في الإذاعة الإسرائيلية، أن العراق، يمتلك قنابل كيماوية، وقذائف مدفعية كيماوية؛ ويحتمل امتلاكه رؤوساً كيماوية لصواريخ سكود، ذات المدى القصير، وليس لصواريخ سكود المطوَّرة، ولا صواريخ الحسين.

وأكد زير الدفاع الإسرائيلي موشي أرينز (Moshe Arens)، في 26 يناير 1991، أن إسرائيل، تواصل دراسة السبُل، الكفيلة بالتصدي لخطر الصواريخ العراقية. وفي اليوم التالي، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية، وقررت مواصلة سياسة "ضبط النفس"، وعدم الرد على الهجمات الصاروخية العراقية. وخلال الاجتماع، عرض وزير الخارجية، ديفيد ليفي (David Levi)، ردود الفعل، الأمريكية والأوروبية، المتعاطفة مع الموقف الإسرائيلي، القاضي بضبط النفس، وعدم الدخول في الحرب.

وأكد جميع الوزراء الإسرائيليين، أن للحكومة موقفاً موحداً، يلتف جميع الوزراء حوله، وحول رئيس الحكومة، إسحاق شامير. ولخّص الجنرال دان شمرون (Dan Shomron)، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الوضع، قائلاً: إن تراثنا العسكري، يحملنا على الردّ من الفور؛ وعلى نقل المعركة إلى معسكر العدو. ولكن، علينا، هذه المرة، إتِّباع إستراتيجية أخرى؛ لأننا لسنا وحدنا في النزاع.

وفي تل أبيب، أكد الرئيس الإسرائيلي، حاييم هيرتزوج، في 25 يناير 1991، أن الهجمات العراقية بصواريخ سكود، قد حققت مصالح إسرائيل، موضحاً أنها قد ضمنت لإسرائيل، أن تكون صاحبة صوت مسموع، عند تسوية الأوضاع في المنطقة، بعد انتهاء حرب الخليج. وقال إن إسرائيل، بدأت تتمتع، حالياً، بتقدير العالم واحترامه، بسبب التزامها ضبط النفس؛ وهي أشياء لا تُقدَّر بمال.

من ناحية أخرى، سلّم المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة، يورام إيدور، رسالة إلى سكرتير عام المنظمة الدولية، في 30 يناير 1991، حدد فيها قائمة الخسائر الإسرائيلية، من جراء القصف الصاروخي العراقي[2]. وطالبت إسرائيل في رسالتها جميع أعضاء المجتمع الدولي، بإدانة الهجوم العراقي على الشعب الإسرائيلي، ومطالبة العراق بوقف هذه الهجمات، من الفور. وفي بون، سلّمت إسرائيل قائمة للحكومة الألمانية، تشتمل على مطالب إسرائيل من الأسلحة والمعدات، لمواجهة الهجمات العراقية. ومنها صواريخ باتريوت، المضادّة للصواريخ؛ وصواريخ هوك، المضادّة للطائرات؛ ومصفحات نوكس، لاكتشاف الغازات السامة؛ وتجهيزات للحماية من هذه الغازات؛ ووسائل للوقاية، وأجهزة إنذار.

وفي 21 يناير 1991، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي أرينز، أن خطر الصواريخ العراقية، لا يزال قائماً، على الرغم من وجود صواريخ باتريوت الدفاعية، التي أرسلتها الولايات المتحدة الأمريكية، مع أطقمها من الفنيين، للتصدي لهجمات الصواريخ العراقية. كما أعلن أرينز، أن سلاح الجوي الإسرائيلي، في حالة تأهب قصوى، على مدى الأربع والعشرين ساعة، لمواجهة أي هجوم عراقي جديد على إسرائيل واحتياطاً لأي احتمالات طارئة، خلال الحرب.

وفي 22 يناير 1991، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، ديفيد ليفي، أن الطائرات الإسرائيلية، لم تشارك في الغارات الجوية على العراق، إلى جانب طائرات التحالف. وأعلن أن إسرائيل، لن تنتظر حتى يقصفها العراق بالصواريخ الكيماوية، بل إن لها الحق في الدفاع عن نفسها، كدولة مستقلة.

د. ردود فعل وسائل الإعلام الإسرائيلي، بعد قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية (1) بعض الجرائد الإسرائيلية (أ) ذكرت جريدة "دافار" الإسرائيلية، في عددها الصادر في 18 يناير 1991: إن جيش الدفاع الإسرائيلي، طلب إلى السكان في إسرائيل، ضرورة التوجه إلى الغرف المغلقة، التي أعدّها في جميع المنازل، وارتداء الأقنعة الواقية من الغازات، والاستماع إلى التوجيهات، التي توْرِدها الإذاعة والتليفزيون، وذلك لمواجهة خطر الصواريخ العراقية".

المبحث الرابع ردود الفعل العراقية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

في الساعة السادسة وخمس دقائق، من يوم 17 يناير 1991، بتوقيت بغداد، وجّه صدام حسين نداءً إلى الشعب العراقي، يؤكد لهم، أن الله معهم في قتالهم ضد الباطل، ويناشدهم الصمود والصبر، وأن النصر في جانبهم، بإذن الله. وقال: لقد غدر الغادرون، فارتكب زميل الشيطان، بوش، جريمته الغادرة. إن الله مع المؤمنين الصابرين المجاهدين، وإنه ناصرهم، لا محالة، إن شاء الله، مع اشتداد المنازلة وصمود المؤمنين، يقترب الفرج، لينفتح أمام الأمة كلها، لتطيح بالكراسي والعروش (اُنظر وثيقة نداء من الرئيس العراقي، صدام حسين إلى الشعب العراقي يعلن بدء المنازلة صباح يوم الخميس، 17 يناير 1991).

وأصدر العراق تعميماً إلى بعثاته إلى الدول الإسلامية كافة، حدّد لهم فيه خطوط التحرك على الساحة السياسية، وأهمها (اُنظر وثيقة تعميم صادر عن وزارة الخارجية العراقية إلى سفرائها، وبعثاتها الدبلوماسية في الدول الإسلامية في شأن تحديد أسلوب التحرك السياسي العراقي، خلال هذه الفترة صادر في يوم السبت، 19 يناير 1991) : · الاتصال الفوري بالقوى السياسية، والاتحادات الشعبية الإسلامية، والشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية، ولحشد قواها، وإقحامها في المعركة. · شن حملة واسعة، لفضح أهداف العدوان الأمريكي، المتحالف مع العدو الصهيوني، من طريق وسائل الإعلام الصديقة. · التحريض على ضرب ركائز النفوذ الأجنبي، والتركيز في أن جوهر المنازلة الكبرى، هو من أجل عزَّة الإسلام والمسلمين، وتحرير فلسطين. · استثمار أجواء الحماسة الشعبية العارمة، في دفع عملية التطوع للقتال إلى جانب العراق وشعبه وجيشه وقائده المظفر، وتعزيز الجانب النفسي لدى الجماهير الإسلامية.

وفي 19 يناير 1991، أصدرت القيادة العراقية البيان الرقم 9، أوضحت فيه استمرار المنازلة الكبرى في أمّ المعارك، بين الأبطال المجاهدين من شعب العراق وقواته المسلحة، وبين الغدر والكفر، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وأكد البيان قصف طائرات العدوان الأهداف المدنية والسكانية (اُنظر وثيقة البيان الرقم (9) الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية الساعة 2000، يوم السبت، 19 يناير 1991).

وفي 20 يناير 1991، وجَّه صدام حسين رسالة إلى الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، ردّاً على الرسالة التي تلقاها منه (اُنظر وثيقة رسالة الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف إلى الرئيس العراقي صدام حسين يوم الجمعة، 18 يناير 1991) ، في 18 يناير 1991، أكد فيها، "أن العراق، لم يقم بالعدوان على أمريكا، أو الحرب ضدها. وأنها تحاول مواصلة الابتزاز والعربدة، في منطقتنا، بل وتحاول، أيضاً، إخضاع الجميع لقانون ولايتها. وقد حاول العراق، جاهداً، إظهار نواياه الإنسانية، تجاه تحقيق الأمن والاستقرار في العالم، من خلال مبادراتنا، في الثاني عشر من أغسطس 1990، وإن بوش، هو الذي رفضها، دون أن يكلف نفسه بقراءتها" (اُنظر وثيقة شهادة وزير الخارجية الأمريكية، جيمس بيكر أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الكونجرس) في 6 فبراير 1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة).

وفي مساء 20 يناير 1991، وجَّه صدام حسين نداءً إلى الشعب العراقي، من إذاعة بغداد، أكد فيه صمود الشعب العراقي وقواته المسلحة، في مواجهة العدوان. وقال إن العراق لم يستخدم في المعركة سوى جزء ضئيل من قواته. ودعا العراقيين والعرب إلى الجهاد، ومهاجمة مصالح الدول المتحالفة، في كل مكان. كذلك دعا إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، في جميع أنحاء العالم. وتعهد أن تكون الحرب طويلة، موضحاً أن القوات البرية العراقية، لم تستخدم بعد في المعركة، ولم يشترك في العمليات سوى جزء ضئيل من القوات الجوية (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس العراقي، صدام حسين يدعو العرب والمؤمنين والعراقيين إلى مهاجمة مصالح دول التحالف يوم الأحد، 20 يناير 1991) . أ. قصف العراق المدن الإسرائيلية

كان هناك اعتقاد عراقي، أن إسرائيل، سترد، مباشرة على قصف مدنها بصواريخ أرض/أرض، العراقية، مما يؤدي إلى تخلِّي بعض الدول العربية، مثل مصر وسورية عن قوات التحالف. ولكن التدخل الأمريكي، لتحييد إسرائيل، أفشل المخطط العراقي. ب. العراق ومعاملته لأسْرى الحرب

في إطار رد فعل إعلامي عراقي، إزاء استمرار القصف الجوي على الأهداف الإستراتيجية العراقية، عرض التليفزيون العراقي مجموعة من الطيارين الأسْرى، تضم أمريكيين وإيطاليين وكويتيين.

وفي 21 يناير، قالت إذاعة بغداد، إن الطيارين الأسْرى، سيوضَعون في أماكن إستراتيجية، داخل العراق؛ وهو ما حمل العديد من الدول على إدانته، وعده مخالفاً للقانون الدولي. ج. التهديد الكيماوي العراقي، من خلال حديث صدام حسين مع شبكة CNN

أجرى بيتر أرنيت حديثاً تليفزيونياً، مع الرئيس العراقي، صدام حسين، في 28 يناير 1991، استمر ساعتَين، وأكد فيه الرئيس العراقي، بمنتهى الثقة: أنه لا يتوقع، ولو بنسبة واحد في المليون، أن تُرغمه القوات المتحالفة على الانسحاب من الكويت.

وأكد أن الحرب البرية، ستكون صعبة، لو فكرت الجيوش المعتدية في الهجوم على الرجال الموجودين في المحافظة العراقية التاسعة عشرة (الكويت). كما ذكر الرئيس العراقي، رداً على سؤال عن استخدام الأسلحة الكيماوية، أن العراق، سيستخدم الأسلحة، التي تتكافأ مع ما يُستخدم ضدنا، للدفاع عن أرضنا. وأكد أن الصراع الدائر، هو معركة بين الكفر والإيمان، وإن صواريخ أرض/أرض (سكود)، يمكن أن تكون من النوع الكيماوي أو النووي، طبقاً للموقف. وعن لجوء الطائرات العراقية إلى إيران، قال: إنه يحترم قرار إيران إبقاء الطائرات العراقية لديها، حتى نهاية الحرب.

وقد علق مارلين فيتزووتر، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، على هذا الحديث، بالقول: "إن أكثر مجالات هذه المقابلة إثارة للقلق، هي ادعاءات الزعيم العراقي، أنه سوف يستعمل أسلحة، كيماوية وجرثومية ونووية؛ مما يبرهن، مرة أخرى، على الطبيعة غير الأخلاقية لمجهوده في هذه الحرب. وبالنسبة إلينا فإن الحقيقة الوحيدة، التي تبرز من هذه المقابلة، هي أنه يجب إيقافه عند حدِّه". وكرر فيتزووتر اعتقاد الولايات المتحدة الأمريكية، أن هناك رجلاً قادراً على استعمال أو مستعد لاستعمال أسلحة الدمار الشامل، ويفخر بإمكانية استعمالها. د. الحملة الإعلامية العراقية، للتأثير في العالم العربي

في 30 يناير 1991، بدأ التضليل الإعلامي يشكل جزءاً حيوياً من مجهود العراق، الرامي إلى هزيمة قوات التحالف، التي تواجهه في حرب الخليج. وذلك من خلال نشر تقارير كاذبة، تفيد بأن جنوداً إسرائيليين، متسترين بزي جنود أمريكيين، يخوضون القتال ضد العراق؛ وأن الطائرات الإسرائيلية، تشارك في الهجمات الجوية على الأماكن المقدسة، داخل العراق.

وتعليقاً على هذه الحملة الإعلامية، نَفَت المملكة العربية السعودية، رسمياً، قدوم أي طائرات إسرائيلية إليها. كما نفى السفير الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، زولمان شوفال، أن تكون إسرائيل قد قصفت العراق. أمّا وزارة الخارجية التركية، فقد وصفت الادعاء بوجود طائرات إسرائيلية في تركيا، بأنه جزء من حملة تضليل خطيرة.

وفي 30 يناير 1991، كذلك، أوضحت جريدة "الثورة" العراقية، أن محاولات إخراج العراق من الكويت، بالقوة، سيعني شن حرب إسلامية مقدسة، وشن الهجمات الفدائية على الأهداف الأمريكية، في جميع أنحاء العالم. هـ. الهجوم العراقي على مدينة الخفجي السعودية

في ليلة 29 ـ 30 يناير 1991، شنت قوة عراقية هجوماً في اتجاه مدينة الخفجي السعودية، على الطريق الرئيسي للكويت، غرب الساحل. وتمكنت من السيطرة على المدينة.

واستمرت المعارك الضارية بين القوة العراقية، التي احتلت المدينة، وبين القوات السعودية ـ القطرية المشتركة، وبمساندة من طائرات التحالف. وبعد قتال استمر 36 ساعة، وبالتحديد بعد ظهر يوم 31 يناير، تمكنت القوات السعودية من تحرير مدينة الخفجي، بعد أن كبدت القوة العراقية المعتدية خسائر كبيرة في الأفراد والأسلحة والمعدات، وأسر أعداد كبيرة من الجنود العراقيين.

وذكرت وكالات الأنباء، أن الهجوم العراقي على مدينة الخفجي، يعكس يأس الرئيس العراقي من الخروج من المأزق، الذي وضع نفسه فيه، الأمر الذي يدفعه إلى تنفيذ عمليات عسكرية، يتكبّد فيها خسائر فادحة.

وفي 31 يناير 1991، صدر عن العراق، بلاغ عسكري رسمي، يفيد بأن القوات العراقية، استطاعت، البارحة، أن تحبط هجوماً مضادّاً، شنته قوات التحالف على الخفجي، وأن تكبّدها عدداً من الأسرى والقتلى، بينهم جنود أمريكيون، ذكوراً وإناثاً. و. العراق يلوث مياه الخليج

في 25 يناير 1991، بدأ العراق في إغراق مياه الخليج بكميات هائلة من النفط الخام تقدر بملايين البراميل من ميناء الأحمدي الكويتي، ومستودعات النفط الكويتية والعراقية الأخرى، مما هدد المنطقة بكارثة بيئية مروعة. وذلك، كرد فعل على استمرار القصف الجوي لقوات التحالف، وفي إطار إحداث التوتر تجاه دول التحالف، ولا سيما دول مجلس التعاون، بادر العراق إلى إجراءات عديدة لتدمير البيئة، منها: (1) ضخ النفط في شمالي الخليج، وإشعال النار فيه. (2) إغراق خمس ناقلات محملة بالنفط، كانت راسية في ميناء الأحمدي الكويتي. (3) إشعال النار في خزانات الوقود وآبار حقل الوفرة، لإثارة سُحُب دخان، تعوق الطيران الأمريكي عن مواصلة الغارات الجوية. ز. العراق يقطع علاقاته الدبلوماسية ببعض الدول

قرّر العراق، بدءاً من 6 فبراير 1991، قطع علاقاته الدبلوماسية بكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية ومصر. كما دعا الدول الإسلامية إلى قطع علاقاتها بدول العدوان من حلف شمال الأطلسي وحلفائها من العرب (اُنظر وثيقة بيان الخارجية العراقية في شأن قطع العلاقات مع دول التحالف يوم الأربعاء، 6 فبراير 1991) . ح. ردود الفعل العراقية، حيال قصف المنشآت المدنية

مع القصف الجوي المستمر للعراق، وظهور الضغط النفسي على الشعب العراقي، بدأت وسائل الإعلام العراقية تتخذ أسلوباً للدعاية، قوامه أن طائرات التحالف، تتعمد قصف المناطق المدنية والمواقع الثقافية والمستشفيات والأماكن المقدسة، في العراق، بما في ذلك الأماكن المقدسة في النجف وكربلاء. وتتلقّف هذه الدعاية وسائل الإعلام المتعاطفة، في اليمن والجزائر وتونس والأردن. ولا يتردد في بثها كلٌّ من باكستان والمغرب وموريتانيا وبنجلاديش، وغيرها من الدول الإسلامية.

وفي يوم الأحد، 10 فبراير 1991، وجّه الرئيس العراقي كلمة إلى الشعب العراقي والأمة العربية، قال فيها: "إن كل يوم، بل وكل ساعة تمر، منذ بدء الحصار ضد جمع الطليعة المؤمنة في العراق، هو يوم وساعة هزيمة لجمع الكفر والظلم والطغيان". وتعهد بإنهاء إمبراطورية واشنطن، وتجاهل أي إشارة إلى المبادرات السلمية. وأشاد بمقاومة العراق الغارات الجوية، المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع (اُنظر وثيقة كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين التي أعلن فيها استعداده "لإنهاء إمبراطورية أمريكا" يوم الأحد، 10 فبراير 1991).

وفي اليوم نفسه، أكد سعدون حمادي، عضو مجلس قيادة الثورة، نائب رئيس الوزراء العراقي، في مؤتمر صحفي، عقده في عمّان، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، يركزون في تدمير المنشآت، المدنية والاقتصادية، والأحياء السكنية. ودعا رجال الإعلام والصحافة، العربية والعالمية، إلى زيارة العراق، ليشاهدوا بأنفسهم حقيقة هذا العدوان ضد المدنيين. وقال إن آلاف المدنيين، قد قتلوا بسبب سياسة العدوان، التي تتبعها قوى التحالف. وأكد حمادي أن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الاستعمارية، تسعى إلى تدمير العراق، والسيطرة على النفط. كما أنها استخدمت كل الوسائل، من أجْل إفشال أي حل عربي. وتناول حمادي الوضع العربي الراهن، ودعا إلى حشد طاقات الشعوب العربية، في هذه المعركة المصيرية للأمة العربية والإسلامية. كما دعا الدول العربية إلى مقاطعة دول العدوان، سياسياً واقتصادياً، كاحتجاج على هذا العدوان، الذي تتعرض له الأمة العربية.

وفي 11 فبراير 1991، بعث طارق عزيز برسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة، أوضح فيها نتائج القصف الجوي لدول التحالف، ضد المدنيين من شعب العراق، في محافظات بغداد وبابل وواسط والمثنى والنجف والقادسية وأربيل ونينوى والأنبار والبصرة والناميم وذي قار، وضد السدود ومنشآت الري (اُنظر وثيقة رسالة وزير الخارجية، نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز، التوضيحية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بغداد، يوم الإثنين، 11 فبراير 1991). ط. المبادرات العراقية، والتحرك السوفيتي

هدف لقاء المبعوث السوفيتي، يفجيني بريماكوف، صدام حسين، في 12 فبراير 1991، إلى إيجاد حل سريع، من خلال انسحاب عراقي من الكويت، وإيقاف الحرب، تسفر عنه مبادرة سوفيتية، يوافق عليها العراق.

وأوضح بريماكوف تفاصيل هذا اللقاء، بالقول: "لقد استهل صدام حسين حديثه، بتوجيه اللوم إلى الاتحاد السوفيتي". فسارع بريماكوف إلى القول: "أريد الانفراد بك". وفي خلوتهما، أكد المبعوث السوفيتي للرئيس العراقي، أن الأمريكيين يميلون، بكل حزم، إلى بدء عملية برية واسعة الأبعاد، تدمَّر خلالها حشود القوات العراقية في الكويت. ثم استطرد بريماكوف قائلاً: "لقد اقترحت على صدام حسين، إعلان سحب القوات من الكويت، على أن يُحدد فيه أقرب المواعيد للانسحاب، الذي يجب أن يكون تاماً وأكيداً".

وأكد الرئيس العراقي للمبعوث السوفيتي، النقاط التالية: (1) العراق دعا، دائماً، إلى معالجة الأوضاع في المنطقة، ومنها الوضع في منطقة الخليج العربي، من طريق الحوار، بالوسائل السياسية والسلمية، وموقف العراق ثابت في هذا الشأن، فهو مستعد، دائماً، للعمل من أجل الوصول إلى حل سلمي، عادل، ومشرّف، لكل قضايا المنطقة، بما يؤمّن حقوق العراق، وحقوق الأمة العربية، خاصة في فلسطين، ويتضمن كرامة الأمة العربية وإرادتها الحرة واستقلالها. (2) العراق يتعرض، الآن، لعدوان انتقامي تدميري، تشنه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وهو يستهدف قتْل أبناء شعب العراق، وتدمير البنية التحتية المدنية والممتلكات، الاقتصادية والثقافية والعلمية، والمراكز الدينية. (3) جرائم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، ارتُكبت تحت شعار القرار 678، الصادر عن مجلس الأمن، الذي شارك الاتحاد السوفيتي في إقراره. لذلك، فإن موسكو تتحمل مسؤولية، قانونية وسياسية وأخلاقية، إزاء هذه المسألة. (4) المطلوب، الآن، هو العمل الحاسم، لإيقاف هذه الجرائم الوحشية. (5) العراق مستعد للتعاون مع الاتحاد السوفيتي، وغيره من الدول، على البحث عن التسوية السياسية السلمية، العادلة.

ويذكر بريماكوف في مذكراته، "أن الرئيس العراقي، لم يرد على ندائي، الداعي إلى الرد إيجابياً. حتى الإجابة المقتضبة، في شأن الانسحاب، لم تكن مؤكدة". ي. مبادرة العراق من أجْل وقف إطلاق النار

   أعلن مجلس قيادة الثورة العراقي، في 15 فبراير 1991، من خلال إذاعة بغداد، بياناً، أظهر فيه استعداده للانسحاب المشروط، مع ربطه بقضايا أخرى في المنطقة.
   

كما أعلن استعداده لتطبيق قرار مجلس الأمن، الرقم 660، عام 1990، بهدف التوصل إلى حل سلمي مُشرّف، ومقبول، بما في ذلك مبدأ الانسحاب. وطالب البيان بوقف إطلاق النار، وإلغاء بقية قرارات مجلس الأمن اللاحقة، المتعلقة بفرض المقاطعة والحظر، وسحب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى قواتها من الخليج. كما أشار البيان إلى ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة (اُنظر وثيقة بيان مجلس قيادة الثورة العراقي في شأن مبادرة الانسحاب من الكويت الصادر في 15 فبراير 1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة). ك. طارق عزيز في موسكو، لمناقشة خطة السلام السوفيتية

هدفت الخطة السوفيتية، التي حملها طارق عزيز إلى العراق، بعد مناقشتها مع المسؤولين السوفيت، في موسكو، في 17 فبراير 1991، وعلى رأسهم الرئيس جورباتشوف ـ إلى ما يلي: (1) الانسحاب العراقي غير المشروط من الكويت، طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، الرقم 660. (2) توفير ضمانات محددة، تتعلق بمستقبل النظام في العراق ووحدة أراضيه، ورفع العقوبات الاقتصادية عنه. ل. الخسائر العراقية، الناجمة عن القصف الجوي

نشرت إحدى الجرائد الإيرانية، في 18 فبراير 1991، بياناً صادراً عن نائب وزير الخارجية الإيرانية، علي أحمد بشارتي، جاء فيه، أن نائب رئيس الوزراء العراقي، سعدون حمادي، قال له، في الأسبوع الماضي، إن العراق، خسر أكثر من 20 ألف قتيل، وستين ألف جريح، خلال الأيام الستة والعشرين الأولى من الحرب. م. استخدام الأسلحة الكيماوية

قال السفير العراقي إلى الأمم المتحدة، عبدالأمير الأنباري: "إن العراق يعتبر الأسلحة الكيماوية، أسلحة موازية للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وإنه يحتفظ بحق استخدام الأسلحة الكيماوية، إذا ما استُخدم أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل". 2. مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. ردود الفعل العراقي تجاه الهجوم البري لقوات التحالف

في 22 فبراير 1991، ورداً على تصريح الرئيس بوش، أدلى الناطق باسم مجلس قيادة الثورة في العراق، بالبيان الرقم 58: "إننا نريد السلام، لا احتراماً لبوش، ولا خشية من قوّته الغاشمة. وإننا ندعو مجلس الأمن لتشكيل لجنة محايدة، للتعرف على مستوى التدمير، الذي لحق بالاقتصاد العراقي" (اُنظر وثيقة البيان الرقم (58) الصادر عن القيادة العامة للقوات العراقية المسلحة يوم الجمعة، 22 فبراير 1991).

وفي 23 فبراير 1991(اُنظر وثيقة البيان الرقم (59) الصادر عن القيادة العامة للقوات العراقية المسلحة يوم السبت، 23 فبراير 1991)، أصدرت القيادة العراقية بيانها الرقم 59، شرحت فيه مجمل أعمال القتال التي جرت خلال 24 ساعة، والتي كشفت أن قوات التحالف، بدأت بدفع قواتها إلى الهجوم، بعد ظهر 23 فبراير 1991؛ وأن القوات العراقية تهيمن على الموقف، من أجل هزيمة المعتدين.

وفي 24 فبراير 1991، وجّه صدام حسين كلمة إلى أبناء شعب العراق (اُنظر وثيقة كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين يوم الهجوم الشامل على العراق يوم الأحد، 24 فبراير 1991)، حضهم فيها على قتال الأعداء، دفاعاً عن الكرامة والمجد، وأن النصر سيكون للجيش العراقي، وسيعرفون أن الشعب العراقي العظيم، وقواته المسلحة الباسلة، ليسوا مثلما يظنون أو يتصورون.

وقال: "إنه في الوقت الذي تقرر انعقاد مجلس الأمن الدولي، للنظر في المبادرة السوفيتية السلمية، التي أيدناها، غدر الغادر بوش الخاسئ، من أجل فعل الجريمة والعدوان".

وفي 26 فبراير 1991، أبلغ العراق مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، رسمياً، أنه مستعد للانسحاب من الكويت. ولكن غالبية أعضاء المجلس، الخمسة عشر، رأوا أن العرض يفتقر إلى المتطلبات الأساسية لإنهاء الأعمال العسكرية. وأكد المندوب الأمريكي، توماس بيكرينج ، الحاجة إلى إعلان العراق قبوله بقرارات المجلس الاثني عشر. وقال المندوب العراقي، عبدالأمير الأنباري، إنه أبلغ المجلس انسحاباً عراقياً من الأراضي الكويتية.

وفي 26 فبراير، كذلك، أعلن صدام حسين، من خلال خطاب إلى الشعب العراقي، بثته وسائل الإعلام العراقية، أن القوات المسلحة العراقية، بدأت بالانسحاب من الكويت، بعد أن قاتلت جيوش ثلاثين دولة. وبدأ خطابه بعرض الأحداث، التي أدت إلى اتخاذ قرار الانسحاب. وقال موجِّهاً كلامه إلى العراقيين والعراقيات: "حتى الكويت، التي هي جزء من بلدكم، اقتُطعت منه في السابق، وشاءت الظروف، اليوم، لتبقى على الحال الذي ستكون عليه، بعد انسحاب قواتها المجاهدة منها، والذي أساءكم أن يحصل هذا ـ حتى هذه الكويت، التي استذكرنا في يوم النداء، يوم تقرر أن يكون بوابتها إحدى البوابات الرئيسية لردع المؤامرة، والدفاع في وجْه المتآمرين، اليوم، جعلت ظروف خاصة جيش العراق ينسحب من جراء الملابسات، ومنها عدوان 30 دولة مجتمعة وحصارها. وسيذكر الجميع أن أبواب القسطنطينية، لم تُفتح أمام المسلمين في أول محاولة جهادية" (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس العراقي صدام حسين الذي أعلن فيه الانسحاب من الكويت في 26 فبراير1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة).

وفي 27 فبراير 1991، صدر تصريح لناطق عسكري عراقي، يفيد أنه على الرغم من إعلان العراق الانسحاب من الكويت، والبدء به، إلا أن الطيران المعادي، شن سلسلة من الغارات الجوية، يومَي 26 و27 فبراير 1991، على القوات المسلحة، والأهداف السكانية والمدنية، استشهد وجرح، خلالها، عدد من أبناء الشعب البررة، بينهم النساء والأطفال.

وفي اليوم نفسه، وجّه وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن بالموافقة على القرار الرقم 660، عام 1990، وكذلك امتثال العراق للقرار 662 الرقم، عام 1990، والقرار الرقم 674، عام (1990)، و(661) (1990)، و(665) (1990)، و(670) (1990)، قد زالت، وبزوالها، ينتهي مفعول تلك القرارات. 3. الوضع الداخلي في العراق، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

ذكر المراسلون، الذين عايشوا اليومين الأولين من الحرب، في بغداد، أن العراقيين، بدوا، في أول الأمر، مستعدين لخوض ما أسماه صدام "أمّ المعارك". غير أن ليلة كاملة من القصف، هزت هذه الثقة. كما أكد معظم العائدين من العراق، أن بغداد، أصبحت في ظلام دامس، بعد أن تحولت إلى مدينة أشباح. وذكر بعضهم، أن السلطات العراقية، بدأت توزّع الكمامات الواقية على سكان بغداد، كما أن الشعب العراقي، طفق يخزن السلع الغذائية. وأن العاصمة العراقية، تواجه انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وكذلك الخطوط الهاتفية، فتحولت إلى مدينة "مشلولة"، تنتشر جثث القتلى في شوارعها، وتكتظ مستشفياتها بالجرحى والمصابين.

ومع إطالة أمد الحرب، واستمرار الحصار الاقتصادي العالمي على العراق، أكدت التقارير الواردة من بغداد، تَردّي الحالة المعيشية للمواطنين العراقيين إلى أقلّ مستوى لها. وأن شبح المجاعة، يُهدد البلاد. كما أخذت أسواق المواد الغذائية تبيع أنواعاً منها، كانت مقصورة، في السابق، على الدواب والماشية. كذلك أكدت التقارير، أن المواطنين العراقيين، يرفضون أداء الخدمة العسكرية، وأن عدداً كبيراً منهم، قد هجروا المدن، هرباً من المسؤولين العراقيين، الذين يسعون إلى إقحامهم في معركة خاسرة.

أما الجيش العراقي، فقال، في صدده، الجنرال نورمان شوارتزكوف، قائد القوات الأمريكية في الخليج، في 30 يناير 1991: لدينا بعض المعلومات، غير المؤكدة، تشير إلى فاعلية ما نفّذناه؛ إذ وصلتنا تقارير عديدة، من الكويت، مفادها أن الجنود العراقيين يستعطون المدنيين الكويتيين الطعام، وغالباً ما يسرقونه منهم. كما أخبرنا الأسرى العراقيون، أنهم كانوا يتلقون وجبة طعام واحدة فقط، في اليوم، تتكون من طبق من الأرز أو الفاصوليا. ولم تكن لديهم مياه للاغتسال، كما كان يعاني العديد منهم تقترح أجسادهم.

وجاء في تقرير، أُذيع من "صوت أمريكا"، في 3 فبراير1991، أنه على الرغم من قصْر القصف الجوي على الأهداف العسكرية دون غيرها، إلا أن بغداد، تتحول، الآن، إلى شيء يشبه مدينة الأشباح. كما أصبحت تفتقر إلى مياه الشرب والمواد الغذائية، والأدوية نادرة الوجود، وأغلق معظم المحالّ أبوابها. وعن الجنود العراقيين، قال التقرير: "لقد أخذ الطعام والماء ينفد لدى هؤلاء الجنود. كما أن فرص إعادة تموينهم تتلاشى، شيئاً فشيئاً، كل يوم؛ إذ تعمد القاذفات التابعة للتحالف، بصورة منتظمة، إلى تدمير خطوط الاتصال الحيوية بمراكز تموينهم في العراق. وأصبحت تمزق حياة هؤلاء الجنود، يومياً، أصوات الانفجارات الرهيبة". ومع ذلك كله، يقول صدام حسين: "إن الجيش العراقي، هو القلب لقوّته العسكرية، ويحض جنوده على القتال، ويتباهى ببحر الدماء، التي ستسيل حينما عندما يبدأ القتال البري".

المبحث الخامس: مواقف بعض الدول العربية المشاركة في قوات التحالف (المملكة العربية السعودية ـ مصر ـ سورية ـ المغرب) خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"

الموقف العربي العام

انشغل العالم العربي، منذ 17 يناير 1991، بتطور الموقف العسكري، بعد بدء معركة تحرير الكويت. وأكد خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز، أن ما يجري، يمثّل "سيف الحق وصوته الداعي إلى رفع الظلم، وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح. كما أنه يمثّل القرارات الدولية". في حين دعت القاهرة بغداد إلى سحب قواتها، من الفور، من الكويت، "لتجنّب المزيد من الدمار". وأعلنت دمشق استعدادها للدفاع عن المملكة العربية السعودية؛ وأكدت أن وحدة أراضي العراق قضية مقدسة.

كما نشطت الاتصالات والتحركات العربية، مع استمرار العمليات الحربية في الخليج. ودعت الجزائر الأمم المتحدة إلى العمل على وقف الحرب. وناشد اليمن الدول الخمس الكبرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التدخل لوضع حدّ لإراقة الدماء. بينما حذّر العقيد معمر القذافي، مجدداً، اندلاع حرب عالمية ثالثة. كما طلب الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، من الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، التدخل لوقف الهجوم على العراق.

كذلك نشطت وسائل الإعلام، في معظم الدول العربية، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسورية، إلى بثّ الأنباء، وحملت جرائدها العناوين، التي تتحدث عن نتائج القصف الجوي المركز ضد التجمعات العراقية، وعدد طائرات قوات التحالف وأنواعها، التي شاركت في الحملة الجوية، والخسائر التي تكبدتها القوات العراقية.

ومن الواضح، أن العالم العربي، انقسم فريقَين، خلال عملية "عاصفة الصحراء". وأوضح مثال على ذلك، مطالبة بعض الدول العربية بعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن، لمناقشة الأوضاع في الخليج؛ بينما طالب بعضها الآخر بانسحاب العراق، أولاً. إذ طلب سبعة سفراء عرب، يمثّلون دول المغرب العربي والسودان واليمن، عقد جلسة علنية لمجلس الأمن، لبحث الأوضاع الخطيرة في الخليج. بينما طالب سبعة سفراء عرب آخرون، بعدم عقد الجلسة؛ مما عكس مدى الانقسام العربي في مجلس الأمن، في شأن وقف إطلاق النار مؤقتاً، لتحقيق انسحاب عراقي بالجهود الدبلوماسية. وقال السفير المصري إلى الأمم المتحدة، عمرو موسى، تعليقاً على المبادرة المغاربية، التي يدعمها السودان: "إننا نختلف وهذا المنطق. وننطلق من أن المشكلة، بدأت باحتلال الكويت. والحل يجب أن يبدأ بالانسحاب من الكويت. ونحن لن نتخلى أبداً عن هذا المبدأ. وأكد أن مصر ضد تدمير العراق. وحمّل الحكومة العراقية مسؤولية هذه الأحداث".

أما دول مجلس التعاون الخليجي، فقد وضُح رد فعلها، من خلال اجتماعات وزراء الخارجية والمالية والإعلام فيها، التي عقدت في قصر المؤتمرات، في الرياض، في 26 يناير 1991، بهدف تقييم الوضع في منطقة الخليج، وكيفية التعامل الأمثل معه، بالصورة التي تخدم دول المجلس الست. وتمثّل رد فعلها في ما يلي: 1. على الصعيد السياسي

أكد وزراء الخارجية، أن أي مساعٍ، تبذلها بعض الجهات، يجب أن تُسخّر لإقناع النظام العراقي بسحب قواته من دولة الكويت، وعودة الشرعية إليها، امتثالاً لقرارات مجلس الأمن؛ وأن أي أفكار أو خطوات، يجب أن تركز في هذا الموضوع، قبْل البحث في وسائل لوقف النار.

كما صدر بيان صحفي عن المجلس الوزاري الخليجي، أن المجلس، جدّد إيمانه بأن عملية تحرير الكويت، تجري في إطار قرار مجلس الأمن، الرقم 678، مُعبراً عن إرادة المجتمع الدولي، من أجْل تحقيق الأهداف، التي جاءت في كل قرارات مجلس الأمن، في شأن غزو العراق لدولة الكويت، والنتائج الوحشية لهذا الغزو. وأضاف البيان: "وبإيمان راسخ بحتمية تحرير الكويت، وبعدالة دول مجلس التعاون، وبتقدير كامل للمجتمع الدولي، الذي تصدى للعدوان، واتخذ خطوات تاريخية لإزالته ـ يتطلع المجلس الوزاري إلى اكتمال تحرير الكويت، داعياً الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يحمي الأبرياء، ويبعِد شرور آثام النظام العراقي عنهم".

كما أكد عبدالله يعقوب بشارة، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، لإذاعة لندن، في 28 يناير 1991، "أن الانسحاب العراقي من الكويت، هو المدخل الوحيد لوقف إطلاق النار في الخليج، مشيـراً إلى أن ذلك، هو موقف مبدئي لدول المجلس وقال إن دول المجلس. ترفض أي مبـادرة لا تفي بالمطلوب وتستهدف فقط وقف العمليات العسكرية، دون الإشارة إلى قضية تحرير الكويت". ونفى بشارة، أن يكون الهدف من عملية "عاصفة الصحراء"، هو تدمير العراق. 2. على الصعيد الإعلامي

اتفق وزراء إعلام الدول الخليجية الست، على ضرورة "اعتماد إستراتيجية إعلامية، تستند، في منطلقاتها، إلى الحقيقة المجردة، بعيداً عن التهويل، وإطلاع الرأي العام، العربي والعالمي، على ما يدور من أحداث، أولاً بأول". 3. على الصعيد المالي

أكد وزير المال والاقتصاد السعودي، محمد أبا الخيل، أن الموضوع الرئيسي، الذي ناقشه وزراء المال لدول المجلس الخليجي، هو ما قرره مجلس القِمة الخليجي، في اجتماعه، في الدوحة، إنشاء برنامج لدعم التنمية في الدول العربية[1]. كما بحث المجلس تطورات العمل الاقتصادي بين دول المجلس، واتخذت خطوات عدة لتحديد مجالات التطور، وكيفية تحقيقه. كما بحث، في الوقت نفسه، خطة إعادة تعمير الكويت، فور انتهاء الحرب.

وفي إطار مواجهة الكارثة البيئية، التي أحدثها صدام حسين، بتسريب النفط في الخليج، واشتعال جزء من بقعة الزيت العائمة فيه ـ أعلنت دول الخليج حالة التأهب، لمواجهة نتائج الكارثة البيئية وآثارها، بعد أن اتسع حجم البقعة النفطية، ليبلغ طولها 50 كم، وعرضها 11 كم. بينما استمر تدفق النفط من حقل الأحمدي في الكويت، إلى مياه الخليج، بمعدل مائة ألف برميل، يومياً. وعدّ المسؤولون هذه العملية عملية "إرهاب بيئية"، موجَّهة ضد المجتمع الدولي.

واستكمالاً للموقف العربي، لا بدّ من تعرّف مواقف بعض الدول العربية، سواء منها المشاركة في قوات التحالف، مثل المملكة العربية السعودية ومصر وسورية والمغرب؛ أو تلك المؤيدة لصدام حسين، مثل الأردن واليمن وليبيا وتونس.


أولاً: مواقف وردود فعل المملكة العربية السعودية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. موقف المملكة العام

تضطلع المملكة العربية السعودية بدور ناشط، في ما يتعلق بشبه الجزيرة العربية. وهي بالنسبة إلى مجلس التعاون الخليجي، تمثّل الدولة القائدة، لتمتعها بالعديد من الميزات، بحكم الحجم والموقع وعدد السكان والقوة الاقتصادية. وقد سعت المملكة، في هذا الإطار، إلى النهوض بدور الدولة القائدة والدولة النموذج معاً، حتى أصبحت سياستها، هي المحور الذي تشكلت حوله سياسة مجلس التعاون الخليجي، خلال هذه الفترة.

وفي ظل هذه الأزمة، يمكن القول إن السياسة السعودية، توخّت تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: · الهدف الأول: الانسحاب العراقي الكامل من الكويت. · الهدف الثاني: عودة الحكومة الكويتية إلى الحكم، لكونها تستند، كما سائر النظُم الخليجية، إلى مصدر واحد للشرعية. · الهدف الثالث: السعي لوضع الأُسس الكفيلة بعدم تكرار مثل هذا التهديد، في المستقبل .

   ومن الواضح، أن الموقف الثابت للمملكة، لم يتغير خلال مراحل الأزمة، وقوامه:

أ. تأكيد الانسحاب الفوري للقوات العراقية من جميع الأراضي الكويتية، من دون قيد أو شرط . وعودة السلطة الشرعية، المتمثلة في حكومة الكويت. واستطراداً، عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبْل 2 أغسطس 1990. ب. انسحاب جميع الحشود العراقية المرابطة على حدود المملكة، مع ضمان عدم تكرار اعتداء حاكم العراق على أي دولة عربية خليجية أخرى.

وفي المجال العربي، نشطت المملكة العربية السعودية، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، إلى زيادة التعاون العسكري والتنسيق، مع كل من القاهرة ودمشق.

ومنذ البداية، شاركت القوات الجوية السعودية، وعدد من الطائرات الكويتية والبحرينية والقطرية والإماراتية، في الحملة الجوية ضد العراق، بتدمير الأهداف العراقية المهمة، داخل الكويت وشماليها، مركزة في قوات الحرس الجمهوري، ومراكز القيادة والسيطرة. 2. موقف ورد فعل المملكة مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

في 17 يناير 1991، ومع بدء الحملة الجوية ضد العراق، وجّه الملك فهد بن عبدالعزيز، خلال اجتماعه بمجلس الوزراء، كلمة، قال فيها: "لقد شاءت إرادة الله، أن يمعن حاكم العراق، صدام حسين، في إصراره على رفض كل القرارات، العربية والإسلامية، العادلة، وقرارات مجلس الأمن، التي تمثل الشرعية الدولية. وبالتالي، عمل على إحباط كل الجهود المكثفة المتواصلة، التي بذلها قادة العالم وزعماؤه، من أجْل إنقاذ الموقف، وتجنيب المنطقة العربية ويلات الحرب، التي أبى صدام حسين إلاّ أن يثيرها، برفضه القاطع سحب قواته من دولة الكويت، التي غزاها فجر يوم الخميس، الثاني من أغسطس 1990. وحدث ما كان آنذاك، من قتل وتشريد، وانتهاك للحرمات والأعراض، ونهب للثروات. ولا شك في أن العالم، كان يتابع معنا كل النداءات والمناشدات، التي تواصلت منذ الاحتلال، وحتى يوم الأربعاء، 16 يناير 1991، أملاً بأن يستجيب صدام حسين لكل المناشدات والمحاولات، ويذعن لصوت الحق ونداء الضمير". وأضاف الملك فهد، قائلاً: "إن، العمليات العسكرية، التي بدأت فجر اليوم، لتحرير الكويت، إنما تمثل سيف الحق وصوته، الداعي إلى رفع الظلم، وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح. كما أنها تمثل القرارات الدولية. ولقد سبق لي أن ناشدت الرئيس صدام حسين، في أكثر من موقع ومناسبة، أن يفيء إلى أمر الله، فيحقن الدماء، ويصون أرواح الأبرياء. لكنه أبى واستكبر، وطغى وتجبّر، وصمّ الآذان، ورفض الإذعان إلى نداء الحق والعدل والسلام. ولهذا، كان لا بدّ من تخطيط الأمور، وتنفيذ القرارات القاضية بتحرير الكويت. ونسأل الله أن يكتب النصر لجنده، حيث قال ـ جلّ وعلا ـ: ]وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[.

كما أعلنت الخارجية السعودية، في 17 يناير 1991، "أن عملية تحرير الكويت، بدأت في الساعة الثانية وخمسين دقيقة، فجر السابع عشر من يناير 1991، وذلك إنفاذاً للقرارات، العربية والإسلامية، وقرارات مجلس الأمن، القاضية بضرورة انسحاب القوات العراقية الغازية من الأراضي الكويتية، من دون قيد أو شرط، وعودة الشرعية إلى البلاد. وحيث إن كل الجهود والمبادرات والنداءات، التي بذلت ووجِّهت إلى حاكم العراق، صدام حسين، حتى اللحظة الأخيرة من الموعد المحدد لانسحاب القوات العراقية من الكويت، وهو الخامس عشر من يناير الجاري، وما أعقب ذلك حتى فجر أمس ـ قد فشلت".

وفي 19 يناير، أكدت المملكة العربية السعودية، أنها استخدمت كل السبُل، لدفع العراق إلى الانسحاب من الكويت، ولكنه رفض. كما أكد الملك فهد بن عبدالعزيز، "أنه لم يكن بُدٌّ من قتال الرئيس صدام حسين، بعدما استُنفِدت كل وسائل الحكمة والتعقل، في دفعه إلى الانسحاب من الكويت".

وقال خادم الحرمَين: "ليس من شرع الله قتل الأبرياء من المسلمين، من أهل الكويت بدعوى تحرير فلسطين، واستعادة المسجد الأقصى". وشدّد على أن قضية فلسطين، واستعادة ثالث الحرمَين الشريفَين، وهي شغلنا الشاغل، وقضيتنا الأساسية".

وأكدت المملكة العربية السعودية، أن الهدف من الحرب، هو تطبيق القرارات، التي تطالب بانسحاب العراق من الكويت، وعودة الشرعية الكويتية إلى الحكم. جاء ذلك في بيان أصدره الملك فهد بن عبدالعزيز، ونقلته وكالة الأنباء السعودية، في 21 يناير 1991، قال فيه: "إن العمليات العسكرية، التي تنفذ اليوم، كانت النتيجة التي لا مفرّ منها، للإجماع الدولي على تحرير الكويت، وتطبيق القرارات، العربية والإسلامية والدولية، التي تطالب بانسحاب العراق من الكويت، وعودة الشرعية الكويتية إلى الحكم". ثم انسحاب القوات التابعة لصدام حسين، التي نشرها على طول الحدود مع المملكة العربية السعودية. وهذا الأمر، هو السبب الرئيسي وراء دعوة المملكة للقوات، العربية والإسلامية، الشقيقة، والقوات الصديقة، لمساندة القوات السعودية على مهمتها في الدفاع عن المملكة ومؤسساتها الحيوية. أ. ردود فعل المملكة، تجاه قصف المدن بالصواريخ العراقية

وفي 23 يناير، وعلى أثر استمرار سقوط الصواريخ سكود العراقية، على الرياض، أكدت المملكة العربية السعودية أن ذلك لن يؤثر في الحياة العادية، داخل المملكة. كما لن يؤثر في إنتاج النفط السعودي، الذي يناهز 8 ملايين برميل، يومياً. كما أوضحت المصادر السعودية: "أن مغادرة عدد قليل من الأجانب السعودية، لا يُثير قلق الحكومة"، ولا يعوق استمرار نشاطها العادي.

أما الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، فقد علق على سقوط صواريخ عراقية على المملكة، في وقت لاحق، وخلال تفقّده بعض المواطنين، الذين أصيبوا بجروح من جراء القصف، ونُقلوا إلى المستشفيات، إذ قال: "إن صواريخ المعتدي، لا يمكن أن تهز المملكة، لأننا على حق؛ والذي على حق، لا يهمه أي شيء آخر، إلا رضى الله، قبل كل شيء". ب. أهداف المملكة من الحرب

في 24 يناير 1991، أكدت المملكة العربية السعودية استمرار أهدافها الداعية إلى تحرير الكويت. إذ أعلن الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع والطيران في المملكة العربية السعودية، "أن هدف القوات السعودية، وقوات الدول، العربية والإسلامية والصديقة، الموجودة على أراضي المملكة، هو تحرير الكويت، وإعادة الحق والشرعية إلى أهلها الأصليين. هذا هو هدفنا، ولن نحيد عنه أبداً".

وأكدت، كذلك، حقها في الدفاع عن النفس، ضد جرائم حاكم العراق، موجَّهة حديثها إلى وسائل الإعلام في بعض الدول العربية. جاء ذلك في بيان صدر في جدة، ونشرته وكالة الأنباء السعودية، في 26 يناير، قالت فيه: "من المؤسف أن تصر بعض وسائل الإعلام المأجورة، في بعض العواصم العربية، على مواصلة الحملات الإعلامية ضد المملكة العربية السعودية، وضد من ساندها من الدول الشقيقة والصديقة في واجب الدفاع عن النفس ضد جرائم حاكم العراق، الذي أجمع العالم على ضرورة كبح جماحه، وردعه عن طغيانه وعدوانه على دولة عربية مسلمة، آمنة، اجتاحها غدراً".

وسأل البيان: "هل من تفسير، يقبله العقل والمنطق، لهذا الانحراف، الذي يمارسه إعلام الأردن والجزائر وتونس وغيرها؟ ولماذا يحاول إعلام هذه الدول خداع شعوبها باختلاق الحجج الواهية والإدعاءات الباطلة؟".

وأكدت المملكة العربية السعودية ضرورة انسحاب العراق من الكويت، من دون قيد أو شرط، وعودة حكومة الكويت الشرعية. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي، عقده الملك فهد مع الرئيس المصري، حسني مبارك، في 30 يناير 1991، خلال زيارة الرئيس الرياض، حيث دعا خادم الحرمَين الشريفَين الرئيس صدام حسين إلى الانسحاب من الكويت، من الفور، ومن دون قيد أو شرط، وإعادة حكومة الكويت الشرعية. ورأى أن ذلك سيكون خطوة لإنقاذ الشعب العراقي من معاناة الحرب، التي تطاوله، بسبب إقدام العراق على احتلال الكويت. وأكد الملك فهد، أن ما حدث للكويت، كان يستهدف اجتياح جزء من المملكة العربية السعودية، أو أجزاء أخرى من دول الخليج. وأشار الملك إلى أنه لم يصدق، في البداية، أن العراق هو الذي غزا الكويت، وقال لقد تحمّلنا العبء الأكبر في تأسيس الجيش العراقي وتدعيمه، حتى لا يتعرض العراق لخطر الاجتياح الإيراني. ودعا الملك فهد الرئيس العراقي إلى الانسحاب. وأمل أن يكون قد أدرك القوة التي يواجهها، وأن الأمر قد حسم.

وقال الملك فهد، في توديع الرئيس حسني مبارك: "إن العالم كله، يقف بجانب الحق والشرعية، وعودة الكويت إلى أهلها". وأشار إلى أنه نصح للرئيس صدام حسين بعدم التورط في حرب مع إيران، عام 1980. وأضاف أن المملكة العربية السعودية، ترى في إيران دولة إسلامية مجاورة، وأن العلاقات الطيبة بها، سوف تعود في الوقت المناسب.

وقال الملك: "إننا، الآن، أمام مطلب دولي، أعطى العراق فرصة كافية للانسحاب، من دون قتال. وهذا منطق العقلاء. فلماذا لم يأخذ به صدام حسين؟ ولماذا لا يأخذ به، الآن أو غداً، وينسحب من الكويت، من دون شروط، ويكفي شعبه وجيشه معاناه ويلات الحرب؟". ج. ردود فعل المملكة، إزاء تحرير مدينة الخفجي (31 يناير 1991)

بعد أن تمكنت قوة عراقية من احتلال مدينة الخفجي. وبعد قتال استمر 36 ساعة، وبالتحديد بعد ظهر يوم 31 يناير، تمكنت القوات السعودية من تحرير مدينة الخفجي، بعد أن كبدت القوة العراقية المعتدية خسائر كبيرة في الأفراد والأسلحة والمعدات، وأسر أعداد كبيرة من الجنود العراقيين.

وأكدت المملكة العربية السعودية، أن محاولة القوات العراقية لاحتلال مدينة الخفجي، هي تأكيد للأطماع العراقية في أراضي المملكة، وتتعارض مع تأكيدات صدام حسين، أنه لا يهدف إلى احتلال المملكة العربية السعودية.

كما أعلن الفريق الركن خالد بن سلطان، "أن القوات العراقية فقدت 90 في المائة من قواتها المهاجمة، في الخفجي. كما وصف الهجوم العراقي بأنه عملية انتحارية".

وفي يوم 2 فبراير 1991، أعلن المتحدث العسكري باسم قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، نتائج خسائر معركة الخفجي، وهي: أن القوات السعودية أحدثت خسائر فادحة في القوة العراقية، بلغت 30 قتيلاً، 37 جريحاً، 429 أسيراً. كما تم الاستيلاء على معدات ما يعادل كتيبة مشاة وكتيبة دبابات. وقد كان من الواضح أن عملية الخفجي كان يهدف منها صدام حسين رفع الروح المعنوية لقواته، حتى لو كان ذلك ببريق انتصار وقتي انقلب في نهايته إلى هزيمة منكرة لقواته"[1]. د. رد فعل المملكة، تجاه ما سببه العراق من تلوث للبيئة

كرد فعل إزاء تلوث بيئة الخليج بالنفط، طالب المسؤولون السعوديون، في 4 فبراير 1991، بإعلان منطقة الخليج، منطقة كارثة عالمية، بسبب الدمار الناتج من التلوث ببقعة النفط الهائلة، التي تعمد العراق تسريبها في الخليج، من أجْل إعاقة العمليات العسكرية. وقال الأمير عبدالله بن فيصل، رئيس الهيئة الملكية للجبيل: "إن السعودية في حاجة إلى كل مساعدة ممكنة، لمكافحة هذه البقعة". وقال بيان لوازرة الصحة السعودية، إن المشكلة المترتبة على هذه البقعة، هي مشكلة ضخمة، وتحتاج إلى مجهود كبير للقضاء عليها". هـ. معاملة أسرى الحرب

أعلن قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، أن عدد الأسْرى العراقيين، منذ بداية الحرب، بلغ 936 أسيراً، علماً بأن عددهم يتزايد، يومياً. كما أشار إلى أن السلطات السعودية، تعاملهم وفق أفضل ما تنص عليه اتفاقية جنيف، فضلاً عمّا تمليه عليها مبادئ الإسلام.

وكشف النقاب عن وجود "فِرقة إعدام"، بين القوات العراقية المرابطة في الجبهة، مهمتها إطلاق النار على كل جندي، يحاول الانضمام إلى القوات الحليفة. وأضاف، "أن الجنود العراقيين، الذين يستسلمون لنا، يفعلون ذلك، لأنهم لا يؤمنون بما يفعلون على الجبهة، وليس لأنهم يريدون التهرب من القتال".

وقال إن عدداً كبيراً منهم، قد سلّموا أنفسهم؛ لأنهم لا يؤمنون بما يقاتلون من أجْله، أو لأن القتال أجهدهم، بعد ثماني سنوات من الحرب ضد إيران. وأشار إلى أن أسْرى الحرب العراقيين، سوف يعاملون وفقاً لاتفاقات جنيف، التي تنص على معاملة الأسرى معاملة إنسانية.

وإزاء تصرفات القيادة العراقية، السيئة، حيال المدنيين الكويتيين وأسرى الحرب من قوات التحالف، صرح الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، في مؤتمر صحفي، في 25 فبراير 1991، في الرياض، قال: "إن القوات العراقية، تقوم بقتل الرجال، واغتصاب النساء. وتحاول إجبار الجنود العراقيين الشبان، على قتل الأطفال الكويتيين". وأضاف: "ونأمل أن نوقف ذلك، قريباً جداً". وأكد الفريق خالد بن سلطان، أن العراقيين، الذين شاركوا في الجرائم العديدة، ضد المدنيين الأبرياء في الكويت، سوف يتحملون المسؤولية، أمام محكمة عدل دولية. وسوف يعاملون كمجرمي حرب. و. موقف المملكة من استمرار الحرب

أوضح الفريق الركن خالد بن سلطان: أن حرب تحرير الكويت، تسير وفق المخطط الموضوع. وأنها أعطت نتائج جيدة، حتى الآن؛ فقوات التحالف، تسيطر على الأجواء تماماً، وقد نفّذت أكثر من 45 ألف طلعة.

وتجنّب الفريق الركن خالد بن سلطان الكشف عن موعد محدد، أو تقريبي، للهجوم البري المنتظر على القوات العراقية في الكويت، منوهاً بأن هذا القرار، ستمليه المعطيات العسكرية، في الدرجة الأولى. كما أكد، "أن حرب تحرير الكويت، ستنتهي في الكويت، وليس في بغداد".

وفي حديثه عن مستقبل العراق، بعد الحرب، قال: "إن المملكة، ستعمل على إعادة العراق إلى الأسْرة الدولية. أما شكل الحكم العراقي، فهو مسؤولية الشعب العراقي، قبْل غيره".

ورداً على ما ذكره بعض وسائل الإعلام، في صدد تجاوز قوات التحالف قرارات الأمم المتحدة، في عملياتها ضد العراق، قال الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس الوزراء، وزير الدفاع والطيران السعودي: "إن الذين تجاوزوا الحدود، هم الذين احتلوا بلداً عربياً، أو ساهموا في ذلك، أو ساعدوا على ذلك".

وأكدت المملكة العربية السعودية استمرار تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم 678، حتى انسحاب العراق من الكويت. جاء ذلك في كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز، في 11 فبراير، خلال اجتماع لمجلس الوزراء السعودي، إذ قال: "إن المملكة العربية السعودية، تُصر على مواصلة تنفيذ القرار 678، حتى انسحاب العراق من الكويت، وعودة حكومتها الشرعية إليها، وسحب الحشود العراقية من خطوط المواجَهة على الحدود السعودية". ز. رد فعل المملكة، إزاء بيان مجلس قيادة الثورة العراقي في شأن الانسحاب

رفضت المملكة العربية السعودية، في إطار دول مجلس التعاون الخليجي، خلال اجتماع، عقد في القاهرة، في 15 فبراير 1991، بيان مجلس قيادة الثورة العراقي، المتعلق بالانسحاب. ورأت أنه يتضمن شروطاً غير مقبولة، جملة وتفصيلاً.

وفي اليوم التالي، أكدت المملكة رفضها إياه، بنصّه الذي بثّته إذاعة بغداد. وقال ناطق باسم الحكومة السعودية: "إنه في الوقت الذي أبدى النظام العراقي فيه استعداده للتعامل مع قرار مجلس الأمن، الرقم 660، فإنه خالف مضمون القرار، الذي ينص، صراحة، على ضرورة الانسحاب من الكويت، دون قيد أو شرط". ح. موقف المملكة من خطة السلام السوفيتية، لإنهاء الحرب

رفضت المملكة العربية السعودية، المقترحات السوفيتية، في شأن الانسحاب العراقي. إذ أصدرت الحكومة السعودية بياناً، في 23 فبراير 1991، قالت فيه: "بعد الاطلاع على التصريح، الذي أدلى به الرئيس جورج بوش، بعد تسلُّمه المقترحات السوفيتية، رسمياً، والبيان الذي صدر عن المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، عن تلك المقترحات، فإن حكومة المملكة، تودّ أن تؤكد اتفاق وجهة نظرها مع ما ورَد فيهما". 3. موقف ورد فعل المملكة مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

أكدت المملكة العربية السعودية، أن الكوارث، التي تعيشها منطقة الخليج، هي ناجمة عن احتلال العراق الكويت. وجاء ذلك خلال اجتماع لمجلس الوزراء السعودي، في 25 فبراير 1991، في الرياض، حيث هاجم الملك فهد، مواقف بعض قادة الدول العربية، الذين تجاهلوا الأسباب الحقيقة المؤدية إلى كل هذه الكوارث والمآسي، التي تعيشها منطقة الخليج العربي. وأشار الملك إلى الجرائم المتلاحقة، التي ارتكبها حاكم العراق في حق الأمة العربية، وحق البشرية والقيم الاجتماعية. وأعرب عن استغرابه الشديد لتجاهل تشريد شعب بأسْره واحتلال دولة عربية مستقلة، تدين بالإسلام، وتتمتع بعضوية الجامعة العربية وكافة المنظمات الدولية.

وأشار الملك إلى الموقف السعودي من قضايا الأمة العربية المصيرية، في الماضي والحاضر، وما بذلته المملكة من جهود متواصلة، لحل الخلافات الناشئة بين قيادات الدول الشقيقة، ورأب الصدع، وتقريب وجهات النظر بينها، انطلاقاً من حرص المملكة الدائم على تحقيق تضامن، يصون كرامة هذه الأمة، ويحافظ على حقوقها، ويضمن الوصول إلى حلول عادلة لكل قضاياها، بدءاً من القضية الفلسطينية ومطالبها الشرعية.

كما أكدت المملكة العربية السعودية، أن الأطماع العراقية، لم تقتصر عليها وعلى الكويت، بل تخطتهما إلى سورية والأردن ولبنان وغيرها، بل السيطرة على منطقة الخليج برمّتها، بما فيها مواردها النفطية. وجاء ذلك في كلمة، ألقاها الملك فهد بن عبدالعزيز، في 27 فبراير 1991، خلال لقائه الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، وليّ عهد الكويت، إذ قال: "نتمنى أن يأتي إلى حكم العراق قيادة، تتمسك بالعقيدة الإسلامية، واحترام إخوانها العرب. ذلك أن السعودية والكويت، قدّمتا المساعدات إلى العراق، في حربه ضد إيران، ولم تبخلا عليه بالإمكانات المتاحة. وإن الأطماع العراقية، لم تقتصر على الكويت والسعودية، بل تخطتهما إلى سورية والأردن ولبنان وغيرها". وأكد أن المملكة العربية السعودية، تريد علاقات متساوية بإيران، واستطرد قائلاً: "لم نوجّه شيئاً ضد إيران نهائياً، وكان التركيز على أن يبقى العراق". 4. تصور المملكة حيال الترتيبات الأمنية في المنطقة، بعد الحرب

أكدت المملكة العربية السعودية، أن الترتيبات الأمنية في الخليج، هي أمر يهم، بالأساس، دول المنطقة خاصة، والدول العربية عامة. ففي إطار التنسيق بين المملكة العربية السعودية ومصر، أثناء زيارة الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، إلى القاهرة، في 6 فبراير 1991، قال الأمير الفيصل، إن الترتيبات الأمنية، أمر يهم، أساساً، وقبْل كل شيء، المنطقة خاصة، والدول العربية عامة. ومنظورها سيتحدد في الوقت الملائم، وأكد أن المملكة العربية السعودية، لم تحصل على شيء، بالنسبة إلى المبادرة الإيرانية.

وعلق وزير الخارجية المصري، الدكتور عصمت عبدالمجيد، قائلاً: "إن التعاون المصري ـ السعودي ـ السوري، يُعتبر ركيزة أساسية، بالنسبة للتحرك في المرحلة المقبلة".

وعن الترتيبات الأمنية في المنطقة، بعد الحرب، قال الأمير سلطان: "إن دول الخليج أعلم وأدرى بأمنها. لكن هذا لا يعني عدم التعاون مع إخواننا العرب والمسلمين، وكل صديق، إذا اقتضت الحاجة ذلك"[2].

وفي 8 فبراير 1991، أعلن الفريق الركن خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، في مؤتمر صحفي، عقده في الرياض، أن حرب الخليج، ستنتهي بتحرير الكويت. وأنه لا نية لدى قواته في دخول العراق أو غيره. كما أكد أن القوات الأمريكية، ستنسحب من المنطقة، بعد تحرير الكويت. وأن مستقبل المنطقة، سوف يخطط له قادتها.

ثانياً: مواقف وردود الفعل المصرية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

يتركز الموقف المصري في متابعة مواقف القوى السياسية الرئيسية، على الساحة المصرية، من القضايا الأربع الآتية: · اندلاع الحرب. · الربط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية. · تجاوز تحرير الكويت إلى تدمير العراق. · العلاقات بين مصر وبعض الدول المؤيدة للعراق. 1. موقف مصر والقوى السياسية الداخلية من اندلاع الحرب

مع اندلاع العمليات العسكرية لـ "عاصفة الصحراء"، أثارت القوى السياسية، على الساحة المصرية، باستثناء حزب الوفد، فضلاً عن القيادة السياسية الحاكمة، أن محاولات التسوية السلمية لأزمة الخليج، التي فجرها الغزو العراقي للكويت واحتلالها، ومحاولة ضمها إلى العراق بالقوة المسلحة، لم تأخذ الفرصة الكاملة والملائمة، قبَيل بدء العمليات العسكرية ضد العراق، من قِبل الائتلاف الدولي المناوئ له. وهي تعزو ذلك إلى محاولة الولايات المتحدة الأمريكية العمل على استعجال الحرب، وبدء علميات عسكرية واسعة النطاق ضده، بغية تدمير قوّته العسكرية والقضاء عليها.

واستنكر البيان الصادر عن جماعة الإخوان المسلمين، الحرب ضد العراق، بعد ثلاثة أيام من اندلاعها، وطالب بوقفها الفوري. وحذا حذوه البيان الثاني لتجمّع النقابات المهنية، الصادر في 20 يناير 1991، وهو المعروف باسم "ذو اللاءات الثلاث": لا لاحتلال الكويت، لا للحرب في الخليج، لا لتدمير قدرات العراق. كذلك هاجم الحرب كلٌّ من حزبَي العمل والتجمّع، كطريق لحل مشكلة الخليج، وطالبا بضرورة الوقف الفوري للعمليات العسكرية. ففي مؤتمر صحفي، عقدته جماعة الإخوان المسلمين وحزب العمل الاشتراكي وحزب التجمّع، إضافة إلى مجموعة من الأحزاب الصغيرة الأخرى، طالبت فيه بالوقف الفوري لإطلاق النار، بعد اندلاع العمليات العسكرية، بغية إعطاء محاولات التسوية السلمية للصراع الدائر في الخليج، مزيداً من الفرص، وإنهاء الأزمة بين العراق والكويت من غير طريق الحرب[1].

ومن هذا المنطلق، توجّه وفد شعبي، يمثل الأحزاب والقوى، إضافة إلى ممثلي بعض النقابات المهنية، إلى قصر رئاسة الجمهورية، في عابدين، للمطالبة بوقف ما أسموه العدوان الأمريكي ـ الصهيوني على العراق، وإعطاء الجهود السلمية فرصاً أكثر ووقتاً أرحب.

وبعد مرور عدة أيام على اندلاع حرب الخليج، بدأ كثير من المصريين يتساءلون عن نهايتها. وفي شوارع القاهرة الرئيسية، شهدت المقاهي والأندية اجتماعات شبه يومية، للرواد الذين يتابعون أخبار الحرب، ويتداولون أسئلة كثيرة، في مقدمتها "معنى صمود العراق، حتى الآن؟". والشيء الثابت، هو أن شعور رجل الشارع المصري، لم يتغير عمّا كان عليه في بداية الأزمة.

أما الموقف الرسمي للحكومة، فتمسك بالمقولة السائدة بين أعضاء الائتلاف المعادي للعراق، إنه لا يمكن وقف القتال، إلا بإعلان العراق، رسمياً، نيته في الانسحاب، وبدئه من الفور. إلا أن حزب العمل، أثار ما يفيد أن ضمان وقف إطلاق النار في الحروب السابقة، كحرب عام 1967، وحرب عام 1973، لم يكن أبداً معلقاً على وعد بالانسحاب من الدولة المعتدية. ومن ثَم، فليس هناك أي مبرر، من وجهة نظر حزب العمل، لفرض شرط الانسحاب على العراق.

جاء رد الحكومة على ما أثاره بعض القوى والجماعات المعارضة، أنها ـ أي الحكومة ـ لم تقصر في السعي مع الأطراف الأخرى، إلى إيجاد حل سلمي عربي للأزمة، من خلال العديد من الأساليب. منها سفر الرئيس حسني مبارك إلى العراق، إضافة إلى كلٍّ من المملكة العربية السعودية والكويت، مع البدايات الأولى لنشوب الأزمة، وقبْل تفجرها وتفاقمها، في محاولة منه لاحتواء الأزمة، داخل البيت العربي.

وبعد أقل من أسبوع من الغزو، دعت القيادة السياسية المصرية إلى عقد مؤتمر قِمة عربية طارئة، في القاهرة، في محاولة لاحتواء مزيد من التداعيات. إضافة إلى النداءات العديدة التي وجّهها النظام المصري إلى القيادة العراقية، منذ وقوع الغزو، حتى اندلاع العمليات العسكرية، والتي بلغت في مجملها 26 نِداءً.

السلام، إذاً، لا يمكن أن ينبني، من وجهة نظر الحكومة المصرية، ومعها بعض الأحزاب السياسية، التي أيدت اللجوء إلى الحرب، لتحقيق الشرعية الدولية ـ إلا على الانسحاب العراقي من الكويت؛ وإن استنفاد الطرق السلمية، يرجع، من وجهة نظرهما، إلى تشدد العراق، وعدم امتثاله الشرعية الدولية وقرارات المنظمة الدولية.

وفي 24 يناير 1991، حدد الرئيس المصري، حسني مبارك، في خطاب له، أمام اجتماع مشترك لمجلسَي الشعب والشورى، عدّه "شهادة أمام التاريخ" ـ ما يمكن تسميته سيناريو لوقف حرب الخليج، وإنهاء الأزمة برمّتها، إذ قال: "لا مفر، أولاً، من الانسحاب العراقي من الكويت، وفقاً لقرارات قِمة القاهرة، ومجلس الأمن رقم (660)، وتوفير الغطاء العربي للانسحاب العراقي. ثم تبدأ مرحلة التشاور، بالتنسيق مع الأطراف المعنية، للتوصل إلى صيغة، تحفظ للعراق كرامته، وتضمن عيشه في أمان". وقال: "إن الرؤية المصرية لإنهاء الأزمة، تقوم على أساس الحفاظ على العراق والكويت، على حد سواء. والوقت لا يزال متاحاً للرئيس العراقي، لأن يوقف هذه الكارثة. إلاّ أن حاكم العراق، يؤْثِر التضحية بشعبه وجيشه، على التراجع، من أجْل زعامة زائفة" (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس محمد حسني مبارك في اجتماع مشترك لمجلسَي الشعب والشورى يوم الخميس، 24 يناير 1991 تناول فيه أحداث الخليج منذ بداية الأزمة وحتى الغزو العراقي للكويت).

باختصار، يمكن القول، إن هناك انقساماً، في صدد ما إذا كانت قد استنفدت كافة الطرق السلمية الممكنة لحل الأزمة، قبْل اللجوء إلى الحرب، كبديل لا غنى عنه؛ إذ رأى فريق أن التذرع بتعنت العراق وتشدده، يغفل جانباً مهماً في عنصر الزمن. وأن الحصار الاقتصادي، الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق، لإجباره على الانسحاب من الكويت، كان في إمكانه أن يضيق الخناق عليه تضييقاً، لا يمكنه معه الإفلات منه بأي عمل عسكري؛ إذ إن ذلك لا يعدو أن يكون، في رأي هذا الفريق، ضرباً من إقدام العراق على عملية انتحارية. ومن ثَم، فإن الحصار الاقتصادي، كان يمكن أن يخفف من حدّة تشدد بغداد، ويحملها على إبداء بعض المرونة، وتقديم التنازلات.

ويدلل هذا الفريق على ذلك، بأن العراق، قد قدَّم تنازلات من قبْل، في قضايا أساسية، وهو الأمر الذي حدث فيما يتعلق بالصراع العراقي ـ الإيراني؛ إذ قدَّم تنازلات كبيرة لإيران، بعد أيام قليلة من اجتياحه الكويت. معنى ذلك، أنه لو تُرك وقت كافٍ للحصار الاقتصادي، الذي فرض بالفعل على العراق، بقرار من الأمم المتحدة، لكان ثمة احتمال كبير، أن يُحدث آثاره في الموقف العراقي. ويرى أصحاب وجهة النظر هذه، أنه لا بأس من إعطاء العراق مؤشرات واضحة، في شأن مطالبه تجاه الكويت، قبْل الغزو، من دون أن يمس ذلك بالسيادة الكويتية. إضافة إلى إعطائه بعض الضمانات المستقبلية، بعدم تعرّض قواته لأي ضربة، من أي نوع، بعد انسحابه. وهو الأمر الذي يتطلب، من وجهة نظرهم، إعمال مبدأ الانسحاب المتزامن للقوات العراقية من الكويت، والقوات الأجنبية من المنطقة.

إلا أن أصحاب الرأي الآخر، يرون أن النظام العراقي، قد أُعطي، بالفعل، فترة كافية من أجْل تسوية الأزمة، سلماً، بينه وبين الكويت. ومن ثَم، فإن أي حل سلمي، شرطه الأول لديهم (تعقّل) النظام العراقي الحاكم. بعبارة أخرى، لا يعدو الحل، من وجهة نظر هؤلاء، أن يكون تعاملاً مع مشكلة، ذات طرفَين: العراق والكويت. وإزاء اختفاء أحد طرفَي المشكلة، بابتلاع الآخر له، من خلال الغزو، فإن بداية أي محاولة للحل أو التسوية السلمية، بالنسبة إليهم، تشترط، أولاً وقبْل أي شيء، إحياء الطرف الآخر؛ ولا يكون ذلك، إلا بعودة الأمور إلى نصابها، أي عودة الشرعية إلى دولة الكويت، حتى يمكن المسؤولين فيها أن يجروا حواراً سلمياً مع المسؤولين العراقيين. إلا أنهم يشككون في إمكانية تحقيق ذلك بالوسائل السلمية، على أساس أن الحل السلمي، يتطلب وجود تنظيم عربي، له من السلطان والهيبة، ما يمكّنه من أن يفرض على الجميع الرضوخ لما يتفق عليه. ولو كان الأمر كذلك، لما فشلت تلك المساعي المكثفة، التي جرت في الفترة السابقة على وقوع الأزمة؛ ومن ثَم، ما كان للأزمة أن تحدث، أصلاً، ولا للحرب أن تندلع. 2. الربط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية

أُثير موضوع الربط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية، حينما أعلن الرئيس العراقي، صدام حسين، مبادرته، بعد نحو عشرة أيام من غزو قواته دولة الكويت. كان من أهم ما دعا إليه العراق في هذه المبادرة، هي فكرة الانسحاب المتزامن للعراق من الكويت، وإسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة.

سارع بعض القوى السياسية، على الساحة المصرية، ولا سيما الإخوان المسلمين، منذ اللحظات الأولى، إلى الترحيب بالمبادرة العراقية، وبفكرة الربط بين الصراع في الخليج والمسألة الفلسطينية؛ ورأت هذه القوى أن الشرعية الدولية، التي يُدافَع عنها في الخليج، هي مُتجاهَلة تجاهلاً تاماً، في فلسطين. ومن هذا المنطلق، كان النظر إلى أزمة الخليج وقضية الكويت، على أنها يمكن أن تطرح مقياساً، يجري على أساسه معالجة شتى أزمات المنطقة.

ورأى بعض المحللين أن إعمال مقاييس مختلفة، في ما يتعلق بقضية الكويت والقضية الفلسطينية، يترتب عليه صعوبة عزل صدام حسين، واستطراداً، صعوبة رد العدوان في الخليج. وتساءلوا عن أسباب التمييز، وعدم الربط بين قضيتَين، هما من وجهة نظرهم، غير مختلفتَين؟ وحجتهم في ذلك، اتخاذ مجلس الأمن، في صدد أزمة الخليج الثانية، وحدها، وخلال فترة زمنية، لا تتجاوز أربعة أشهر، تمتد من وقوع الغزو، في 2 أغسطس 1990، حتى صدور قرار مجلس الأمن، الذي صرح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق، في 29 نوفمبر 1990 ـ اثني عشر قراراً؛ وهي أعلى نسبة قرارات، اتخذها المجلس، طوال تاريخه، منذ نشأة المنظمة الدولية، حيال أزمة واحدة. فضلاً عن أنه في غضون هذه الأشهر الأربعة، اجتمع مجلس الأمن مرتَين، على مستوى وزراء الخارجية. وهو ما يوضح مدى الجدية، التي عالج بها المجلس أزمة الخليج، الناجمة عن الغزو العراقي للكويت؛ إذ لم يجتمع، طوال تاريخه، على مستوى وزراء الخارجية، سوى مرتَين فقط، على الرغم من كثرة القضايا والأزمات التي واجهها.

وهو ما ينمّ على أن القانون الدولي، لا يطبق بكيفية واحدة، على أعضاء الأسْرة الدولية؛ إذ إنه يدين الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، بينما يقف مكتوف اليدين، أمام العديد من القضايا الدولية، المرتبطة بالمبدأ عينه.

والقائلون بالربط بين الأزمتَين، يرون أن كلتَيهما تتعلق باعتداء على الشرعية الدولية. ويعللون موقفهم بأن القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد سارعت إلى إرسال حشودها العسكرية الضخمة إلى الخليج، تحت شعار الدفاع عن الشرعية الدولية، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة المسلحة؛ وهو ما يثير، من الفور، السؤال عن الشرعية الدولية المنتهكة، من قِبل إسرائيل، في الأراضي العربية المحتلة، منذ يونيه 1967. بل يرى هؤلاء، أن رفع شعار الشرعية الدولية، لربط القضيتَين، هو مهم وضروري، وإن كان غير كافٍ، بمفرده. ويرون أنه إن لم يكن هناك ارتباط، فعلى القوى العربية أن تخلقه، على أساس أنه فرصة لتغيير النمط السائد في علاقات العرب بالقوى الغربية، أو في العلاقات بين الشمال والجنوب، ولكون زمن الأزمة، هو أفضل الأزمنة لإعادة فتح الملفات القديمة، وطرح مختلف قضايا المنطقة، ومعالجتها دفعة واحدة، أي أن أزمة الخليج وحربه الثانية، بالنسبة إليهم، يمكن أن تكونا سبيلاً إلى "تحريك للماء الراكد في الشرق الأوسط". والحقيقة، التي يجب التنويه بها، هو أن هذا الربط، قد أثار الكثير من القلق، في الدوائر الرسمية الإسرائيلية.

وإحقاقاً للحق، فإن أنصار وجهة النظر السابقة، لم يروا في الضغط على الغرب بديلاً من الضغوط على العراق، من أجْل إنهاء احتلاله الكويت، وانسحابه من أراضيها، بل رفضوا الغزو العراقي، وجرموا احتلال الكويت بالقوة المسلحة. ومن هذا المنطلق، كانت نظرتهم إلى موقف القوى السياسية، الرافضة لعملية الربط بين القضيتَين، وعلى رأسها القيادة السياسية، على أنه يمثل خطأً سياسياً؛ فإذا صحّ لديها، أن العراق كان يناور بفكرة الربط هذه، وأنه لم يكن يقصد بمبادرة الانسحاب من الكويت، فإن الصحيح، كذلك، من وجهة نظرها، أن ثمة ارتباطاً بين القضيتَين.

أما القيادة السياسية المصرية، فقد رفضت الربط بين احتلال الكويت وحل القضية الفلسطينية. ورأت فيه مراوغة، تضر بالقضية الفلسطينية، وتمييعاً لقضية الكويت. ودعمت وجهة نظرها، في هذا الصدد، بأنه لم يكن للرئيس العراقي، من قبْل، دور في القضية الفلسطينية.

وعلى سبيل المثال، ذكر الرئيس المصري، حسني مبارك، في خطاب له، أمام مجلسَي الشعب والشورى، في 24 يناير 1991، أن دعوة الرئيس صدام حسين، إلى حل قضية فلسطين، كشرط للحديث عن الانسحاب، هو "خداع مفضوح، لمجرد إثارة المشاعر، وتضليل الرأي العام". وقال: "أين كان العراق، في قضية فلسطين، عام 1948 وحتى اليوم؟ وماذا كان دوره في حرب 1956، 1967، 1973؟ وماذا فعل حين دمرت إسرائيل المفاعل العراقي، عام 1981؟". وأضاف: "صدام لم يذكر فلسطين بحرف واحد، طوال اتصالاتنا، حتى بعد الغزو بعشرة أيام".

كما علق الدكتور أسامة الباز، مدير مكتب الرئيس حسني مبارك للشؤون السياسية، على عملية الربط، بقوله: "هذه الحرب التعيسة ـ يقصد حرب الخليج ـ جعلتنا لا نعول في حل مشكلة على مشكلة أخرى، أو مشروطة بحل مشكلة أخرى، فذلك سيعقد الأمور، خاصة أمام تعنّت إسرائيل".

كذلك أكد السفير عمرو موسى، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، آنذاك، أنه: "لا توجد أي صِلة بين القضيتَين".

أمّا الدكتور بطرس بطرس غالي، وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية، آنذاك، فرأى "أن ربط أزمة الخليج بالقضية الفلسطينية، لا يستند إلى أُسُس قانونية موضوعية".

ورأى بعض الساسة، أن عملية الربط بين القضايا المختلفة، يشوّه الحقائق، ويجعل من الصعب معالجة أي منها. بل رأوا في فكرة الربط، التي أثارها الرئيس العراقي في مبادرته، أنها لا تعدو أن تكون شبه اعتراف بأن عدوانه على الكويت واحتلالها، يتدنى إلى مستوى الاحتلال الصهيوني لبعض الأراضي العربية، على أثر عدوان 1967. وعليه، فهُم يعتقدون، أن الربط بين القضيتَين، على النحو الذي جاء في المبادرة، هو في مصلحة إسرائيل ومن يساندونها. 3. تجاوز تحرير الكويت إلى تدمير العراق

مع انتهاء المهلة، التي حددها مجلس الأمن للمساعي السلمية، في 15 يناير 1991، اندلعت العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي ضد العراق

ثالثاً: مواقف وردود الفعل السورية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. الموقف السوري العام

طالما رأت سورية، أن النظام العراقي، افتعل هذه الأزمة، ويريد بها إرهاق الوطن العربي، وتبديد طاقاته، في معارك، تثير الفُرقة على الساحة العربية، إضافة إلى ما كان قد بدده، في الحرب ضد إيران، من طاقات مالية وبشرية هائلة، للعراق وللأمة العربية، كان يمكن وضعها في مواجهة العدو الإسرائيلي. لذلك، كانت مشاركة سورية في إرسال قواتها إلى منطقة الخليج، استجابة لأشقائها، كي يؤدي واجبها القومي تجاههم.

وكانت الرؤية السورية، تتلخص في أنه لن يستطيع أحد استدراج الأمة العربية نحو الهاوية، ونحو الانتحار، من دون داعٍ، بخاصة حاكم بغداد، الذي تكشفت أكاذيبه للشعب العراقي كله، وللشعب العربي. كما أن العروض الكاذبة للنظام العراقي، تستهدف تضليل العرب، وستر جريمة غزوه الكويت، تحت لافتات تحرير فلسطين. ولكن العرب لن تنطلي عليهم هذه الأوهام؛ لأن من يرغب في إعادة حقوق الشعب الفلسطيني، لا يعمد تشريد الشعب العربي، ولا يطعن التضامن العربي في ظهره. 2. موقف ورد الفعل السوري مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات) أ. أهداف المشاركة السورية في الحرب

أكدت سورية، أن القوات السورية الموجودة في الخليج، هي للدفاع عن المملكة العربية السعودية، وتعمل تحت قيادتها، تنفيذاً للقرارات، العربية والدولية.

واتّضح ذلك من خلال المواقف التالية للمسؤولين السوريين: (1) قال محمد سلمان، وزير الإعلام السوري، في مقابلة مع إذاعة مونت كارلو، في 23 يناير 1991: "إن هناك قراراً لمجلس الأمن الدولي، يسمح للطرف المعتدى عليه والدول الأخرى، أن تزيل العدوان. وإن سورية ملتزمة بقرارات القمة العربية، وبقرارات مجلس الأمن الدولي". (2) قال فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، في مؤتمر صحفي في دمشق، في 7 فبراير 1991: "إن القوات السورية موجودة، الآن، في السعودية، للدفاع عنها. وهي تحت القيادة السعودية، وتحت قيادة الملك فهد. وإن اللجنة السعودية ـ السورية المشتركة، سوف تجتمع في دمشق، بعد عشرة أيام. وإن وقف اطلاق النار على ساحة العمليات العسكرية، بين العراق ودول التحالف الدولي، لن يتم إلاّ بعد انسحاب العراق الكامل، وغير المشروط، من الكويت. (3) أدلى العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري، بحديث إلى جريدة "النجم الأحمر"، الناطقة بلسان وزارة الدفاع السوفيتية، في 8 فبراير 1991، جاء فيه: "إن الهدف الوحيد للقوات السورية، ضمن قوات التحالف، هو الدفاع عن السعودية، حيث توجد الأماكن المقدسة الإسلامية". ب. رد الفعل السوري، إزاء القصف العراقي لإسرائيل

تعليقاً على قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية، رفضت سورية مبدأ توسيع رقعة الحرب، بإقحام إسرائيل في الأزمة. وأكدت أن هدف القصف، قد أفاد إسرائيل فائدة كبرى، ستؤثر تأثيراً واضحاً في توازن هذه المنطقة. واتضح الموقف السوري، من خلال ردود الفعل للمسؤولين السوريين، ووسائل الإعلام السورية: (1) ردود فعل بعض المسؤولين السوريين

قال وزير الدفاع السوري لجريدة "الثورة"، في 21 يناير 1991: "إن الرئيس العراقي، أعطى المبرر لإسرائيل، بهجومه الوهمي عليها لشن هجوم غير وهمي عليه؛ وربما هذا هو الهدفّ".

وقال محمد سلمان، وزير الإعلام السوري، في 23 يناير 1991: "إنه ليس لإسرائيل الحق في الرد على الهجمات الصاروخية. فالجميع يعرفون، أن إسرائيل في حالة حرب مع الأمة العربية، وأن إسرائيل معتدية، تحتل أراضي عربية. وبالتالي، فإن إسرائيل ليس لها الحق في أن تستغل أي شيء، كذريعة؛ فهي تمارس العدوان، كل يوم". واستطرد قائلاً: "إنه ما كان ينبغي لبغداد، أن تتصرف، وحدها، في اتخاذ قرار بشأن مهاجمة إسرائيل. وما كان يجب عليها غزو الكويت".

كما قال محمد سلمان، في حديث إلى جريدة "الديار" اللبنانية، في 19 يناير 1991: "إن اطلاق عدد من الصواريخ على إسرائيل، لا يهدف إلى تحرير فلسطين، بل إلى جرّ العرب إلى مذبحة كبرى، وتقديم المبررات لإسرائيل، لتكديس المزيد من السلاح في ترسانتها الحربية، وممارسة الابتزاز، السياسي والمالي.

أما عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوري، فقال، في 28 يناير 1991: إن سورية تعي وتدرك أهداف لعبة النظام العراقي، لجرها إلى الحرب، وتوسيع نطاقها. وأوضح أن دمشق، لن تُجرَّ إلى هذه الحرب، التي يقصد منها النظام العراقي، التغطية على جريمة احتلال الكويت.

وفي تعليق آخر له، في 10 فبراير 1991، قال: "إن الصواريخ، التي أطلقها النظام العراقي، قد حققت لإسرائيل كل ما كانت تسعى إليه، من دعم بالسلاح والمال".

وأكد فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، في حديث إلى جريدة "لوموند" الفرنسية، في 7 فبراير 1991، "أن الفرحة التي يشعر بها العرب، عند اطلاق صواريخ سكود العراقية على إسرائيل، ستتبدد، وسيحل محلها شعور بالإحباط والحزن المرير، عندما سيتبيَّن لهم، بمرور الوقت، ومع بعض التفكير والتعقل، أن العراق قد أسدى خدمة لإسرائيل، بأن حولها إلى ضحية". (2) ردود فعل بعض الجرائد ووكالات الأنباء السورية

أجمعت الجرائد السورية، ومنها جريدة الثورة"، "أن صدام حسين، حاول توسيع رقعة الحرب، بقصف إسرائيل بالصواريخ. وليس غريباً، ولا مفاجئاً، أن يحاول صدام حسين أن يُعيد خلط الأوراق في المنطقة، ويتابع ممارسة أبشع أنواع التضليل المفضوح، التي دأب عليها، ليس منذ حربه المجنونة ضد إيران فحسب، بل التي تابعها إبّان غزوه للكويت".

كما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية، أن النظام العراقي، لا يستطيع أن يخدع العرب، بتوجيه بضعة صواريخ إلى فلسطين المحتلة؛ لأن هذه اللعبة، لن تحرر أرضاً، ولن تُعيد شعباً مشرداً، ولكنها سوف توسع نطاق الحرب، وتستدرج الدول العربية إلى الحرب، وتخدم بذلك مصالح العدو الإسرائيلي. ج. ردود الفعل السورية، إزاء لجوء طائرات عراقية إلى إيران

قال وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، في مؤتمر صحفي، في نادي المراسلين، في لندن، في 7 فبراير 1991: "إن إيران، لن تفرج عن الطائرات العراقية، إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها". د. ردود فعل بعض المسؤولين السوريين، وحزب البعث، خلال الحرب (1) ردود فعل بعض المسؤولين السوريين

أكد معظم ردود الفعل السورية هدفاً مُحدداً، وهو دعوة العراق إلى الانسحاب، وعدم الجمع بين أزمة الخليج والصراع العربي ـ الإسرائيلي.

فقد أكد محمد سلمان، وزير الإعلام السوري، في 24 يناير 1991: "أن القرار في موضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي، هو قرار عربي، وليس من حق أي بلد عربي الانفراد بأي عمل يتعلق بهذه القضية". وأضاف الوزير السوري، "أنه إذا كانت الحكومة العراقية جادة في أن يكون لها دور في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فقد كان عليها تجنّب غزو الكويت، والمساهمة في الجهود، التي كانت تبذل لإزالة الخلافات العربية، لتحقيق تضامن عربي".

وأعلنت وزارة الأوقاف السورية، في بيان لها، في 20 يناير 1991، "أن لجوء الرئيس العراقي إلى اتخاذ الشعارات الإسلامية، كمسوغ لفعلته التي يدعيها على أساس ديني، ما هو إلا محاولة مفضوحة، يستنكرها ديننا الحنيف، جرّ من خلالها العراق وجيشه وشعبه، إلى أتون حرب ظالمة، أصابت الأمة العربية والإسلامية، بأفدح الأخطار والويلات".

بعث عبد القادر قدورة، رئيس مجلس الشعب السوري، برسالة إلى رئيس مجلس النواب الأردني، في 22 يناير 1991، تقول: "إن سورية لا تستطيع أن تقبَل مبدأ الاجتياح والضم؛ فهي دولة تواجه الاحتلال والضم، من قِبل العدو الإسرائيلي. وإذا كانت الحكومة العراقية جادة في مواجَهة العدو الإسرائيلي، كما تدّعي، فهل تكون الجدية بوضع الجيش العراقي في الكويت، وتوجيه بضعة صواريخ إلى فلسطين، تجني منها إسرائيل ثماراً، من تكديس المزيد من السلاح في ترسانتها الحربية، وممارسة الابتزاز، السياسي والمالي والمعنوي، على دول العالم؟".

كما اتهمت سورية الأردن، بمحاولة دفعها إلى الطريق، الذي دفعت إليه صدام، ليخلو لعمّان جو التلاعب بمستقبل القضية الفلسطينية، مع بعض الدجالين، الذين شاركوا الأردن بدفع العراق إلى الهاوية.

قال الدكتور محمد زهير مشارقة، نائب الرئيس السوري، في مقال، نشرته جريدة "البعث" السوريـة، في 3 فبراير 1991: إن الحرب المدمرة في الخليج، دخلت أسبوعها الثالـث، بينما لا يزال طاغية بغداد رافضاً لكل نداءات السلام، ضارباً عرض الحائط بكل القِيم، العربية والإسلامية والإنسانية، التي يحلو له، أحياناً، التشدق بها. وإن طاغية بغداد، لو كان معنياً بقضية فلسطين، لما بدّد إمكانات، عسكرية واقتصادية وبشرية، للعراق وإيران، في حرب لم تخدم سوى مصالح أعداء الأمة العربية؛ ولما غدر بشعب الكويت، واستباح حرمات بلد مسالم".

علق عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوري، في 11 فبراير 1991، على استمرار احتلال العراق الكويت، وعدم انسحابه حتى الآن، قائلاً: "إن صدام حسين، ارتكب جريمة احتلال الكويت، ضارباً عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية. وإن ضم الكويت للعراق، بالقوة، يعطي المبرر لإسرائيل لمواصلة نهجها العدواني، والتوسع ضد الشعب الفلسطيني".

وقال وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، عقب لقائه وزير الخارجية اليوناني، في العاصمة السورية، دمشق، في 26 يناير 1991: "إن ما يجري، حالياً، هو حرب في الخليج، وليس نزاعاً عربياً ـ إسرائيلياً".

ورداً على ما أثير من ادعاء أن الحرب، تدور، الآن، بين المسلمين وغير المسلمين"، قال محمد سلمان، وزير الإعلام السوري، لمراسلي عدد من الجرائد الأوروبية، في 27 يناير 1991: "إن الحرب الدائرة في الخليج، هي بين العراق ومجلس الأمن، وليست بين المسلمين وغير المسلمين، مشيراً إلى أن القوات العسكرية، هي التي تنفّذ الآن قرارات الأمم المتحدة. وإن الجامعة العربية، لن تستطيع القيام بأي دور في حل الأزمة الراهنة، ما لم يُغيّر العراق موقفه، وينسحب من الكويت". (2) ردود فعل حزب "البعث"

في حفلة افتتاح المؤتمر العام السابع، للاتحاد العام للجمعيات الحِرفية، في سورية، في 23 يناير 1991، ندد رشيد اختريني، عضو القيادة القُطرية لحزب "البعث" السوري، بالنظام العراقي. وقال: "إن النظام العراقي، يواصل تعنّته واستهتاره بكل القوانين والمواثيق الدولية ومواصلته في حربه، التي تعتبر أخطر حرب وقعت في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث حجم القوات وجنسياتها ونوعية العتاد والأسلحة المستخدمة، وحجم الدمار والضحايا البشرية التي تخلفها هذه الحرب. وإن هذا النظام، من خلال افتعاله لهذه الحرب، أراد إنهاك الوطن العربي وتبديد طاقاته، ومن أجل إثارة الفرقة على الساحة العربية".

هـ. ردود الفعل السورية، إزاء وحدة الأراضي العراقية

أكدت سورية على لسان مسؤوليها، في 17 يناير 1991، أهمية وحدة الأراضي العراقية، وعدم تقسيم العراق. وأعلنت استغرابها الشديد لما نسبته الجرائد التركية، الصادرة في 17 يناير 1991، إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التركيَّين، في شأن وجود أطماع خارجية لدى بعض الدول، في اقتطاع أجزاء من العراق، خلال الحرب أو بعدها. ذكرت بأن شعب العراق، كما يعرف الجميع، هو، بالنسبة إليها، شعب شقيق، وأن وحدة أراضي العراق، هي قضية مقدسة لديها، لا تقبل المساس بها، من قِبل أي جهة، وفي أي ظرف من الظروف. كما أكد نائب الرئيس السوري، عبدالحليم خدام، أن سورية وإيران متفقتان على ضرورة منع تقسيم العراق. و. ردود الفعل السورية، إزاء بعض المبادرات السلمية

أكدت سورية أهمية الاستفادة من المبادرات، الداعية إلى الانسحاب العراقي من الكويت، وأهمية اتخاذ موقف جدي من تنفيذ الانسحاب. جاء ذلك من خلال ردود الفعل والتصريحات التالية: (1) ردود الفعل من البيان الأمريكي ـ السوفيتي

ذكرت جريدة "الثورة" السورية، في الأول من فبراير 1991، "أن البيان الأمريكي ـ السوفيتي، حول حرب الخليج، يشكل مبادرة عقلانية، وموضوعية". ودعت العراق إلى الاستفادة من هذه الفرصة. وذكرت أن ما جاء في البيان المشترك، "يمكن أن يفتح الطريق، وسط دمار الحرب، أمام التسوية من جديد، وبالتالي، إنقاذ العراق". (2) ردود الفعل من بيان مجلس قيادة الثورة العراقي

شككت دمشق في نيات الرئيس العراقي، صدام حسين، في الانسحاب من الكويت. وقالت إذاعة دمشق، التي تعبّر عن الموقف السوري الرسمي، في 16 فبراير 1991: "إن البيان العراقي أبعد ما يكون من الجدية. وطغت عليه السلبية. وهو أشبه بورقة ابتزاز، يلوح بها صدام حسين، من خلال إمساكه بالكويت، كرهينة للمساومة". وأبرزت الإذاعة، أن صدام حسين، لا ينوي الانسحاب من الكويت، ضارباً عرض الحائط بكل النداءات والمبادرات، العربية والدولية، وغير مبالٍ بكل ما حل ويحل بالعراق، من كوارث ومصائب وويلات. ولا يهمه ما يجرّه مسعاه لتحقيق تلك الطموحات الشريرة، من عواقب على الشعب العراقي، وعلى الأمة العربية. ز. ردود الفعل السوري، على المستويَين، الشعبي والإعلامي

مع بداية الحملة الجوية، ساد الهدوء العاصمة السورية، دمشق. وحرص الشعب السوري على الاستماع إلى أخبار الهجوم على العراق، تتنازعهم العواطف والمخاوف، في جو يسوده الحزن والخوف. كما شهدت الأسواق السورية كساداً كبيراً، على الرغم من استمرار الحياة الطبيعية، في المدارس والجامعات ومؤسسات الدولة.

كما طالبت الجرائد السورية جيش العراق وشعبه، بالتحرك لإسقاط النظام الحاكم، برئاسة صدام حسين، الذي جرّ على شعبه ويلات لا تُغتفر. كما قدّم إلى إسرائيل، خلال أقلّ من أسبوعَين، خدمات وامتيازات، كانت ستحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيقها. 3. أهداف وردود الفعل السورية، إزاء الترتيبات الأمنية، بعد الحرب

تحددت الأهداف السورية من ترتيبات أمن ما بعد الحرب، بالآتي: · إيجاد حل شامل لمشكلة الشرق الأوسط. · إيجاد تسوية عادلة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، من خلال تنفيذ القرارات الدولية. · وجوب اعتماد أمن الخليج، أساساً، على دول الخليج نفسها.

وعبّرت ردود الفعل التالية، عن هذه الأهداف: · تصريح وزير الدفاع السوري، العماد مصطفى طلاس، في 21 يناير 1991، لصحيفة "الثورة" السورية، قال فيه: "إن مواجَهة إسرائيل، ستظل قراراً سورياً، بتضامن عربي فعال. · تصريح رئيس البرلمان السوري إلى وكالة الأنباء السورية، في 23 يناير 1991، ذكر فيه، "أن سورية، ستبقى ملتزمة بصيانة المصالح القومية العربية، والنهوض بمسؤولياتها، اليوم، مثلما فعلت في الماضي، وستفعل ذلك في المستقبل". · إعلان وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع، في تصريح صحفي، في 26 يناير 1991، "أن حل أزمة الخليج، يجب أن يؤدي إلى حل النزاع في الشرق الأوسط". · تأكيد وزير الإعلام السوري، في تصريح إلى عدد من الجرائد الغربية، في 27 يناير 1991، أن بلاده "تؤيد عقد مؤتمر دولي للسلام، وإيجاد تسوية عادلة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، على أساس قرارات الأمم المتحدة. ولكنها ليست مع عقد مؤتمر دولي، يبحث كل قضايا المنطقة، لعدم وجود رابط بينها". · دعوة وزير الخارجية السوري، من خلال مؤتمر صحفي، في لندن، في 7 فبراير 1991 ـ "المجتمع الدولي، إلى ضرورة العمل من أجْل حل شامل للموقف بصورة عامة، في الشرق الأوسط". وأضاف، "أن أي حل شامل لقضية الشرق الأوسط، لا بدّ وأن يشمل تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، المتعلقة بالموقف في الشرق الأوسط، وعقد المؤتمر الدولي للسلام في المنطقة، وانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة". · كما قال وزير خارجية سورية، لدى استقباله وزير خارجية تركيا، في 11 فبراير 1991: "إن دول الخليج فقط، هي التي يجب أن تشكل النظام الأمني في المنطقة، بعد انتهاء حرب الخليج". · وقال الوزير الشرع، في لقائه وزير الخارجية التركي، في 12 فبراير 1991، "إن تركيا وسورية، اتفقتا على أن وحدة الأراضي العراقية، يجب ألاّ تتأثر نتيجة لحرب الخليج. وإن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، يجب أن يصبح محل تركيز النشاط الدبلوماسي، فور انتهاء الحرب. وإن هناك اختلافاً بين النظام العراقي والشعب العراقي، الذي يُعدّ ضحية للسياسة المغامرة لقيادته السياسية". · تأكيد وزير الدفاع السوري، العماد مصطفى طلاس، في حديث إلى جريدة "النمر الأحمر" السوفيتية، في 8 فبراير 1991، "أنه ينبغي، بعد انتهاء الحرب في الخليج، عقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط، بمشاركة الاتحاد السوفيتي والبلدان المعنية الأخرى، تحت رعاية الأمم المتحدة".


رابعاً: مواقف وردود الفعل المغربية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. الموقف المغربي العام

أكد المغرب أهمية وقف الحرب في الخليج، واستعادة العراق والكويت مكانتها بين الأمة العربية. إذ أصدرت وزارة الإعلام المغربية بياناً، في 19 يناير 1991، جاء فيه، أن الوقت لا يزال سانحاً للرجوع إلى الحق، ووضع حدّ للحرب. وأن الحكومة المغربية، تراقب عن كثب الموقف في الخليج. وأن الرباط تأمل أن تنتصر الحكمة، في أقرب وقت، على لغة السلاح والدمار، وأن يستعيد العراق والكويت مكانتهما بين الأمة. 2. التحرك المغربي، في شأن الحرب أ. التحرك الداخلي

أيدت الحكومة المغربية الإضراب العام في المغرب تأييداً، يُعبّر عن تعاطف المغرب مع ضحايا الشعب العراقي. وأكد سفير المغرب إلى أسبانيا، أن تأييد الحكومة المغربية هذا الإضراب، لم يكن المقصود به تأييد صدام حسين، وإنما تعاطفها مع ضحايا الحرب من الشعب العراقي. ب. التحرك العربي

في اتصال هاتفي، في 20 يناير 1991، بحث الملك الحسن الثاني مع العقيد معمر القذافي، سُبُل إيجاد حل للمشكلة في الخليج، وإيقاف الحرب.

تأكيد المغرب أن قواته في المملكة العربية السعودية، هي من أجْل الدفاع عن أراضي دولة شقيقة، ولا تخضع لقوات التحالف. جاء ذلك في بيان، صدر في 4ا فبراير 1991، تعقيباً، على دعوة نائب رئيس الوزراء العراقي، أثناء زيارته المغرب، إلى سحب القوات المغربية من الخليج.

دعا العاهل المغربي، في خطاب له، في الأول من فبراير، الرئيس العراقي، إلى الرد الإيجابي على البيان الأمريكي ـ السوفيتي. وقال مخاطباً صدام حسين: "إن المفتاح بيدك". ج. التحرك الدولي

حاول المغرب، على الصعيد الدولي، تطويق الأزمة، ووقف الحرب، وإيجاد سُبُل سلمية لحل المشكلة. وطلب، بالاشتراك مع بقية دول الاتحاد المغاربي، من مجلس الأمن، التدخل لحل الأزمة بالوسائل السلمية. 3. الرؤية المغربية إلى حرب الخليج

أكد المغرب أن قواته في المملكة العربية السعودية، هي للدفاع عنها ضد أي عدوان عراقي محتمل، وأنه لن يتم سحب هذه القوات. إذ أعلن الملك الحسن الثاني، في خطاب له، ألقاه في الأول من فبراير، التزامه بالوقوف مع المملكة العربية السعودية. وقال إنه لن يسمح لأحد بالتدخل في موضوع الجيش. وأكد أن الجنود المغاربة، أُرسلوا إلى بلد نحبّه ويحبنا، وهم لدى ملك نحبّه ويحبنا. ودعا العراق إلى الانسحاب من الكويت، حتى تنتهي الأزمة وتقف الحرب. 4. موقف المغرب من المبادرات السلمية

أيد المغرب البيان الأمريكي ـ السوفيتي، الذي صدر في 30 يناير 1991، في واشنطن. وعلق الملك الحسن الثاني، قائلاً: "إنه إيجابي للغاية. وإنه خطوة كبيرة، تقطعها الدولتان العظميان. وإنه فرصة ثمينة للانسحاب، وإيقاف عملية الحرب".

كما وافق المغرب على المبادرة العراقية، في شأن الانسحاب المشروط من الكويت. إذ قال الملك الحسن الثاني، في اجتماع لمجلس الوزراء المغربي: "إن العرض العراقي خطوة إيجابية، على الطريق إلى سلام عادل في المنطقة. وإن التسوية السلمية، يجب أن تكون دائمة، وتقوم على أساس المحافظة على كرامة الشعب العراقي، لا إذلاله، ومراعاة سلامة أراضيه".

المبحث السادس: موقف بعض الدول العربية المساندة للعراق (الأردن ـ اليمن ـ ليبيا ـ تونس) خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"

أولاً: مواقف وردود فعل المملكة الأردنية الهاشمية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. الموقف الأردني العام

اتّسم الموقف الأردني من حرب الخليج، بالانحياز الواضح إلى جانب العراق. وارتكز على مبدأَين أساسيَّين، أولهما، أن الحرب من جانب التحالف، هي حرب ظالمة، الهدف الأساسي منها تدمير العراق، وتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط. والمبدأ الثاني، هو الربط بين مشكلة الخليج ومشكلة الشرق الأوسط، وأن الحل يجب أن يقوم على عدم الفصل بينهما. 2. رد فعل الأردن، إزاء بدء عملية "عاصفة الصحراء" أ. على المستوى الرسمي

على المستوى الرسمي، صرح ناطق أردني رسمي، بأن الأردن، قيادة وحكومة وشعباً، يستنكر ما وقع في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس، 17 يناير 1991. وأكد أن عمّان، تعمل للحل السلمي، إلا أن محاولاتها المتكررة، اصطدمت بالعراقيل.

كما أعلنت الحكومة الأردنية فتح نقطة الرويشد، قرب الحدود مع العراق، التي كانت قد أغلقتها، قبْل أسبوع؛ وذلك بعد استجابة الهيئات الدولية طلب الأردن، تقديم مساعدات وتسهيلات لنقل النازحين إلى بلادهم، واستضافتهم، وترحيلهم. كذلك، أعلنت المصادر الأردنية إغلاق مجال الأردن الجوي ومطاره المدني، في وجْه الملاحة الجوية، في ضوء التحركات العسكرية في المنطقة.

أما الملك حسين، فبادر إلى محادثات هاتفية، مع عدد من القادة العرب، تناولت الحرب في الخليج. فاتصل بنظيره المغربي، الملك الحسن الثاني، والرؤساء. اليمني علي عبدالله صالح، والجزائري الشاذلي بن جديد، والموريتاني معاوية ولد سيد أحمد طايع، والتونسي زين العابدين بن علي، والسوداني الفريق عمر حسن البشير، والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي.

كذلك، عمد الملك حسين إلى زيارة بعض العواصم الأوروبية، للغرض عينه. ولكنه اعترف بأن محاولاته الرامية إلى وقف إطلاق النار في حرب الخليج، لم تُحرز تقدماً. وعلى مستوى الهيئات السياسية، عقد مجلس الأعيان الأردني، في 21 يناير 1991، جلسة طارئة، برئاسة أحمد اللوزي، رئيس المجلس لبحث تطورات اندلاع الحرب في الخليج. وطالب المجلس في بيان، أصدره عقب الجلسة، بضرورة إيقاف الحرب، وإتاحة الفرصة لبذل جهود جديدة في التوصل إلى حل سلمي، يجنّب المنطقة المزيد من الكوارث.

كما أكد مفتي المملكة الأردنية الهاشمية: "أن العدوان، الذي تشنه قوى الكفر ضد العراق العربي المسلم، ما هو إلا حلقة من حلقات العداء الصليبي ـ اليهودي الحاقد". وهاجم كل ما صدر من فتاوي تبيح الهجمة الاستعمارية المجرمة. وقال: "إن كل ما صدر، ما هو إلا قلب للحقائق، وتحريف لكلام الله، وقلب لأحكام الدين". ب. على المستوى الشعبي

جاء رد الفعل الشعبي الأردني مسانداً للعراق، ومندداً بالهجمات الأمريكية عليه. إذ شهدت الشوارع الأردنية بعض المظاهرات، المنددة باعتداءات قوى التحالف، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والمستنكرة القصف الأمريكي ضد الأهداف المدنية، والتي راح ضحيتها الأطفال والنساء. ونددت، كذلك، بالدول المشاركة في هذا الهجوم. 3. ردود الفعل من خلال تصريحات المسؤولين في الأردن

أكد الأردن من خلال تصريحات بعض مسؤوليه، أهمية وقف إطلاق النار، وتحقيق السلام، وحل مشاكل الحدود بين الكويت والعراق بالوسائل السلمية.

فقال وليّ عهد الأردن، الأمير حسن، في حديث إلى شبكة (CNN)، في 22 يناير 1991، إنه يشك في أن الرئيس العراقي سيستسلم، ويرفع الراية البيضاء، على الرغم من القصف الجوي المكثف. ويشك، كذلك، في إمكانية التوصل إلى تسوية، من طريق المفاوضات. وفي حديث، أذاعه برنامج "واجهة الأمة" الأمريكي، حثّ الأمير حسن مجلس الأمن، على الموافقة على وقف إطلاق النار، لإتاحة الفرصة لإعادة تقييم الصراع، الذي التزم فيه الأردن، رسمياً، بموقف الحياد، غير أنه احتفظ بعلاقاته الوثيقة بالعراق.

كما صرح وزير الإعلام الأردني، إبراهيم عز الدين، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، في 23 يناير 1991، بأن الأردن، لم ينحز إلى معسكر الحلفاء. وقد يكون عدم انحيازه هذا، من البداية، هو الذي يدعو دائماً إلى القول، إنه منحاز إلى معسكر ضد معسكر آخر. وأضاف أن الأردن منحاز إلى معسكر السلام، وأنه طالب، منذ البداية، بالشرعية الدولية. ولكنه طالب، كذلك، بحل مشاكل الحدود بين العراق والكويت، من طريق التفاوض وليس القوة.

وأكد عبدالله صالح، سفير الأردن إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن بلاده تسعى للحفاظ على العلاقات القائمة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع دول العالم. وأن خطاب الملك حسين، الذي وجّهه إلى الأمة الإسلامية والعربية، يُعد تعبيراً عمّا يدور في ذهنه من مخاوف، في ما يتعلق بمستقبل المنطقة؛ وليس المقصود به خلق فجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي. 4. ردود فعل الأردن، ومواقفه من استمرار الحرب

أوضح الأردن، أن توسيع نطاق الصراع، لإقحام إسرائيل فيه، من شأنه أن يُعرّض أمن الأردن للخطر. ومن ثَم، يتطلب الأمر العمل الجاد، من أجْل وقف النار. وإنه لا يجوز لأي دولة في العالم، أن تنصّب نفسها محل مجلس الأمن.

وأكد الأردن هذه المواقف، من خلال ردود الفعل التالية: أ. قال السفير الأردني إلى فرنسا، عواد الخالدي، إن بلاده، ستحاول منع الطائرات الإسرائيلية من المرور في مجالها الجوي، في طريقها لضرب العراق. وأضاف أن الأردن، لن يَعُدّ مرور هذه الطائرات في مجاله الجوي، إعلان حرب؛ وإنما مسألة تتعلق بالسيادة. ب. قال الأمير حسن، ولي عهد الأردن، خلال جولته في مخيم النازحين، قرب الحدود العراقية: "أخشى أن يتسع نطاق القتال، بما يضع الأردن في وضع قلق للغاية. وإن الأردن، يحاول، منذ عدة أشهر، أن يوضح، أنه مُعرض للخطر في موقعه الجغرافي، وأن أراضيه، قد تتحول إلى ساحة للقتال. وقد تشمل الحرب مزيداً من أعمال العنف في الضفة الغربية، فيؤدي ذلك، بدوره، إلى طرد آلاف الفلسطينيين من الأردن". ج. أعلن الأردن، أن مدنيين أردنيين، قُتِلوا في العراق، قرب الحدود الأردنية، في هجمات، شنتها القوات المتحالفة، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. وقال وزير الخارجية الأردني، طاهر المصري، في البرلمان، إنه أبلغ سفراء الدول الخمس، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، احتجاجه على القصف المتعمّد للمدنيين وسيارات الصهاريج. د. وفي 2 فبراير 1991، دانت أوساط أردنية تصريحات لوزارة الخارجية الأمريكية، رأت استيراد عمّان النفط العراقي، انتهاكاً لقرار المقاطعة الاقتصادية للعراق؛ في إشارة إلى قصف طائرات أمريكية لصهاريج أردنية. وأكد مسؤول أردني، أن لجنة المقاطعة، التابعة لمجلس الأمن، سمحت لبلاده باستيراد النفط العراقي، الذي تُدفَع، من خلاله، ديون عراقية مستحقة لعمّان. واستغرب المسؤول قصف الشاحنات الأردنية، الذي أسفر عن مصرع خمسة أردنيين من دون سابق إنذار، ومن دون أن تعلن واشنطن، سلفاً، موقفها المعارض لاستيراد عمّان النفط العراقي، والمستمر منذ خمسة أشهر. هـ. في 6 فبراير 1991، اتَّهم الملك حسين، في خطاب له، بثّه التليفزيون الأردني، القوات المتحالفة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ـ بقتل النساء والأطفال، ومحاولة تدمير البنْية الأساسية للعراق. ودعا إلى عمل فوري، وجادّ، لوقف النار، تمهيداً لإجراء حوار عراقي ـ أمريكي، وآخر عربي ـ عربي. كما انتقد الدول العربية، المشاركة في التحالف المناهض للعراق (اُنظر وثيقة كلمة الملك حسين إلى الشعب الأردني يوم 6 فبراير 1991). و. قال وزير الإعلام الأردني: "إن الأردن، لن يذعن للضغوط الأمريكية، ويغير سياسته بشأن حرب الخليج، على الرغم من الانتقادات الحادة، من جانب الرئيس جورج بوش". ز. وفي مقابلة مع شبكة (ABC) الأمريكية، في 10 فبراير 1991، قال الملك حسين، إن العلاقات بين بلده والولايات المتحدة الأمريكية، لا تقوم على اعتبارات مادية؛ في إشارة إلى تلويح واشنطن بقطع مساعدتها عن عمّان. وأضاف: "إننا نواجه صعوبات هائلة، بسبب هذه الحرب. ولكننا، سنتغلب عليها". 5. الرؤية الأردنية إلى حرب الخليج

أكد الأردن، أن رؤيته إلى الحرب تقوم، بالأساس، على: أ. حَيدة الأردن، في هذه الحرب. ب. العراق ليس أمامه سوى القتال، حتى نهاية الحرب. ج. العراق سيصمد إلى النهاية. والصراع لن يكون قصيراً.

ووضح ذلك من خلال تصريحات المسؤولين الأردنيين، التي يمكن تلخيصها في الآتي: · تصريح الجنرال أبو نوار، رئيس الأركان الأردني، الذي قال فيه: "إن الحرب لن تكون حرباً خاطفة وفق رغبة الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنها ستدوم شهوراً عديدة، كما وعد الرئيس العراقي، صدام حسين". وأضاف أن صدام حسين، قد أوفى بكل وعوده، حتى الآن. فلقد عمد، أولاً، إلى استيعاب الضربة الأولى. وكانت الصحوة الثانية، بمهاجمة إسرائيل. وإستراتيجية العراق واضحة؛ إذ يستهدف صدام حسين نشر الحرب، لتشمل حوض البحر الأبيض المتوسط، وليس الشرق الأوسط فقط. ومن الممكن أن يحقق هذا الهدف. · تصريح وليّ عهد الأردن، في 3 فبراير 1991، في حديث، أذاعه برنامج "واجهة الأمة" الأمريكي: "أن الرئيس العراقي، صدام حسين، ليس أمامه من خيار، سوى القتال حتى النهاية. وأن العالم العربي، سيعتبره بمثابة شهيد، وليس مهزوماً. · قال وليّ عهد الأردن، لجريدة "الجارديان" البريطانية، في 12 فبراير 1991: "إن الأردن، يحافظ على الحياد في حرب الخليج، رغم الاتهامات الموجَّهة ضده. وإن المطالب الإقليمية العراقية، إزاء الكويت، ليست عديمة الأساس. 6. ردود الفعل الأردنية، إزاء الحظر المفروض على العراق

شدد رئيس وزراء الأردن، مضر بدران، في 4 فبراير 1991، "على أنه لا يجوز لأي دولة في العالم، مهما بلغت قوّتها، أن تُنصّب نفسها محل مجلس الأمن، مشيراً بذلك إلى انتقادات الولايات المتحدة الأمريكية للأردن، بسبب استيراده النفط العراقي. وأضاف أنه دافع عن استيراد بلاده النفط من العراق. وأن هناك مذكرة رسمية، في الأمم المتحدة، في شأن، توقف الأردن عن استيراد النفط من العراق، إذا وجد البديل. 7. المملكة الأردنية الهاشمية ورؤيتها إلى طريقة إنهاء الحرب

أكد الأردن المواقف التالية، لإنهاء الحرب: · حل الأزمة بالحِوار الدبلوماسي. · تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن، في شأن الخليج وفلسطين. · وقف الحرب، يجب أن يأتي من الجانبَين، وليس من جانب العراق فقط.

وفي إطار المحددات السابقة، جاءت التصريحات التالية: أ. دعوة الملك حسين، في مؤتمر صحفي، عقده في 19 يناير 1991، إلى وقف القتال في الخليج، والسعي، من خلال الحِوار والدبلوماسية الهادفة، إلى حل أزمة الخليج، بطريقة مُرضية لكل الأطراف. ب. وفي 13 فبراير 1991، قال الملك حسين، في حديثه أمام ممثلي وسائل الإعلام الألمانية: إننا نحتاج إلى بضعة أيام من الهدوء، لإتاحة الفرصة أمام وقف هذا الجنون، في مراحله الأولى. وأضاف أنه ينبغي تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن، في شأن الخليج، بما فيها تلك التي تنطبق على الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين والضفة الغربية وقطاع غزة، وأراضٍ من سورية ولبنان. ج. أما وليّ عهد الأردن، فقد قال، في مقابلة مع جريدة ألمانية، في 4 فبراير 1991: "إنه من غير الواقعي، أن نطالب الرئيس صدام حسين بالانسحاب من الكويت، وبالإعلان، من جانب واحد، عن وقف إطلاق النار. وإذا ما كان العرض الوحيد، الذي يُقدم إلى العراق، يعني الاستسلام، فلست أرى مخرجاً آخر لهذا السيناريو، سوى استمرار الحرب حتى نهايتها". 8. ردود الفعل الأردنية، في شأن ترتيبات ما بعد الحرب

أكد الأردن أهمية المصالحة، وإنشاء علاقات عربية ـ عربية جديدة، وقوية. جاء ذلك في تصريح للملك حسين، في الأول من مارس 1991، عقب وقف القتال في الخليج. حيث قال فيه: "إن الستار قد أُسدل على الفصل الأخير من مأساة أزمة الخليج. وإن تباشير فجر جديد، تلوح في الأفق. لذلك، فلنتوكل على الله، ويعقد الجميع النية الصادقة على المصالحة والتفاهم والتقارب، لقطع دابر الريب والشك، وكل أسباب النزاع، لتأسيس علاقات عربية ـ عربية قوية.


ثانياً: مواقف وردود فعل اليمن، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. الموقف اليمني العام

اتصف الموقف اليمني، في حرب الخليج، بالتحيز إلى جانب النظام العراقي. وقد برهن على ذلك الوجه اليمني السياسي، إبّان الحرب، وتصريحات القيادة السياسية اليمنية، وكبار المسؤولين اليمنيين. فقد قال الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح: "إن إجبار العراق على الانسحاب من الكويت، هو ذريعة لتدمير العراق الشقيق". كما وصف حيدر أبو بكر العطاس، رئيس الوزراء اليمني، حرب تحرير الكويت، بأنها عدوان غاشم. وقال الدكتور عبدالكريم الإرياني، وزير الخارجية اليمني: "إن اليمن، يميل للرأي الداعي إلى أن الحل الشمولي، هو الحل الأفضل للجميع، والمخرج الوحيد للأزمة الراهنة".

وناشد اليمن الدول الخمس، الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والرأي العام، التدخل، سريعاً، من أجل وضع حدّ لإراقة الدماء في الخليج. ودعا المجلس الرئاسي اليمني، الذي عقد اجتماعاً، برئاسة الفريق علي عبدالله صالح، أطراف النزاع إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لتسوية أزمة الخليج، سلماً. كما صدر بيان مشترك عن مجلسَي الرئاسة والوزراء اليمنيَّين، تضمن مطالبة الجمهورية اليمنية المجتمع الدولي، والدول الخمس، الدائمة العضوية في مجلس الأمن خاصة، أن تضع حدّاً للنزف والدمار، وأن تتحمل مسؤولياتها الكاملة، في شأن إيجاد سلام دائم، وشامل، في منطقة الشرق الأوسط. 2. ردود الفعل اليمنية إزاء الحرب

أكد اليمن، أن هذه الحرب، ما هي إلا ذريعة لتدمير العراق. وأن هناك عدم اقتناع من الدول الغربية بإيجاد حل سلمي، لإنهاء الأزمة، وإيقاف الحرب.

وفي هذا الإطار، جاءت التصريحات والمواقف التالية من المسؤولين اليمنيين: أ. اتَّهم الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، القوات المتحالفة في حرب الخليج، باستخدام قرار مجلس الأمن ذريعة لتدمير بلد عربي. واستطرد قائلاً، إن إجبار العراق على الخروج من الكويت، أصبح ذريعة لإلحاق الدمار الشامل به. وأمل أن يستعيد جميع الأطراف توازنهم النفسي، وأن يستجيبوا دعوات السلام. ب. وأعرب الرئيس اليمني، عن استياء اليمن وانزعاجه من العدوان، الذي يتعرض له العراق، والذي يمثل تجاوزاً خطيراً لقرار مجلس الأمن، الرقم 678، والذي يعكس النيات المبيَّتة ضد العراق، لتدمير قدْرته، العلمية والتنموية. ج. أما عبدالكريم الإرياني، وزير الخارجية اليمني، فقد قال للإذاعة اليمنية: إن الدول المسيطرة على مجلس الأمن الدولي، ليست علي استعداد، حتى الآن، للتحرك من أجْل وقف إطلاق النار في الخليج، مشيراً إلى أن تصريح الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، بأن أي مبادرة سلمية، لن تكـون مقبولة، ما لم تأتِ من صدام حسين ـ يُعد أكبر دليل على أن نية تدمير العراق الشقيق، لا تزال قائمة. وأن الحلف غير المقدس، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لا يزال غير مقتنع بأي مبادرات سلمية، سواء ما تقدم به اليمن من مقترحات، في شأن وقف الحرب، أو أي مبادرات أخرى، لا تنسجم مع رغبته. 3. الرؤية اليمنية إلى حرب الخليج

انعكست ردود الفعل اليمنية على الساحة، الداخلية والعربية والدولية، في إطار المحددات التالية: أ. حَيدة اليمن في هذه الحرب. ب. مواصلة جهودها، من أجْل تحقيق السلام. ج. ضرورة تعاون الدول، الإسلامية والعربية، من أجْل وقف الحرب. د. مجلس الأمن، هو المسؤول عن تنفيذ القرار الرقم 678، وليس دولة بعينها.

وجاءت الرؤية اليمنية، على المستويات المختلفة، انعكاساً للتصريحات التالية: أ. على المستوى الداخلي

أكد الدكتور عبدالكريم الإرياني، وزير الخارجية اليمني، بجريدة "29 سبتمبر"، في 18 يناير، "أن بلاده لن تكون طرفاً في الحرب، التي اندلعت في الخليج. وأنها ستواصل جهودها، من أجل تحقيق السلام. ب. على المستوى العربي

في اتصال هاتفي مع الرئيس المصري، حسني مبارك، قال الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، إنه يأسف لما حدث لسفارة مصر في صنعاء، من إهانات واعتداءات، وجّهها بعض الجرائد الحكومية.

كما صرح مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، في حديث إلى الإذاعة الأردنية، في 17 فبراير 1991، بأنه يأمل ألاّ يكون هناك اندفاع متعجل، نحو تصعيد عسكري؛ فالحرب البرية، سوف تسفر عن خسائر هائلة. وأضاف أنه يأمل أن يتعاون جميع الأطراف في العالم العربي، على وقف هذا التدهور؛ لأن الحل العسكري، سيؤدي إلى كارثة إقليمية مؤكدة. ج. على المستوى الدولي

أكد الرئيس اليمني، في 30 يناير 1991، استمرار جهود بلاده، لإيقاف الحرب، وحل قضايا الخلاف العراقي ـ الكويتي، سلماً. وقال إن مبعوثين، سيحملون رسائل من القيادة اليمنية، إلى العديد من الدول الصديقة، في إطار الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة.

كما بعث الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، برسالة، في الأول من فبراير 1991، إلى الرئيس التركي، تورجوت أوزال، تتعلق بالوضع السيئ في الخليج. وصرح المبعوث اليمني، بأن تركيا، بصفتها دولة إسلامية، يمكن أن تؤدي دوراً، في إنهاء الحرب في الخليج.

وقال عبدالله الأشكل، مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، لإذاعة لندن، في الأول من فبراير 1991، إن مجلس الأمن، لن يستجيب طلب اليمن ودول المغرب العربي، بعقده اجتماعاً، لمناقشة الوضع الخطير في الخليج. وقال إنه اضطر، إزاء ذلك، إلى إثارة الموضوع خلال اجتماع رسمي للمجلس، فوعد رئيسه باستجابة طلبه، في الوقت الملائم. وأوضح المندوب اليمني، أنه ليس هناك تأييد كبير، بين أعضاء مجلس الأمن، لعقد هذا الاجتماع. وأضاف أنه من الضروري مواصلة البحث عن حل سلمي لهذه الأزمة. وأن الحديث عن السلام يجب ألاّ يتوقف، حتى خلال الصراع العسكري.

كما قال عبدالله الأشكل، في حديث آخر لإذاعة لندن، في 15 فبراير، إن على مجلس الأمن، أن يتخذ موقفاً، إزاء إعلان العراق الموافقة على قرار المجلس، الرقم 660، وأن يناقش الوسائل، التي سيواجه بها هذه الحالة، في الاجتماع، الذي سيُعقد في 15 فبراير. وقال إن مشروعات قرارات المجلس، لإيقاف إطلاق النار، قد تطرح، لكي تجري عملية المفاوضات من أجْل الانسحاب، ثم تنفيذه.

وفي حديث له، في 17 فبراير 1991، إلى الإذاعة الأردنية، قال الأشكل: "إننا نأمل، أن يتعاون الجميع، ولا سيما أعضاء مجلس الأمن الدولي؛ لأن مجلس الأمن الدولي، وحده، هو الطرف المسؤول عن تنفيذ القرار الرقم 678، وليس أي دولة بعينها، سواء كانت عضواً دائماً أو غير دائم. 4. ردود فعل اليمن إزاء قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية

أكد اليمن ضرورة عدم توسيع نطاق الصراع، بإقحام إسرائيل فيه؛ لأن ذلك من شأنه أن يغيّر الموقف، على المستويَين، السياسي والعسكري. إذ أعلن الدكتور عبدالكريم الإرياني، وزير خارجية اليمن، لجريدة "29 سبتمبر"، في 18 يناير 1991، أن بلاده لن تكون طرفاً في الحرب، التي اندلعت في الخليج. وأنها ستواصل جهودها من أجل السلام. وأن الأوراق، السياسية والعسكرية، في المنطقة، ستختلط. وأن المعادلات ستتغير، لو تدخلت إسرائيل في الحرب الدائرة. كما أوضح أن تدخّلها في الصراع، قد يغيّر الأوراق، السياسية والعسكرية. 5. موقف اليمن من المبادرة العراقية (بيان مجلس قيادة الثورة العراقي)

رحّب اليمن بالمبادرة العراقية، الصادرة عن مجلس قيادة الثورة العراقي، في شأن الانسحاب المشروط من الكويت. فأصدر مجلس الرئاسة بالجمهورية اليمنية بياناً، في 16 فبراير1991، رحّب فيه باستعداد العراق للالتزام بقرار مجلس الأمن، الرقم 660، مقابل التزام دول التحالف بوقف إطلاق النار، وسحب قواتها من المنطقة. وطلب مجلس الرئاسة اليمني، من مجلس الأمن، إصدار قرار عاجل، في شأن الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية.

كما رحّب عبدالله الأشكل، مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، بإعلان العراق الموافقة على قرار مجلس الأمن، الرقم 660. وقال في تصريح، بثته إذاعة لندن، في 15 فبراير 1991، إن الإعلان العراقي، يُعَدّ تطوراً مهماً في الأزمة، يعكس نفسه على أعمال مجلس الأمن.


ثالثاً: مواقف وردود فعل الجماهيرية الليبية، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. ردود الفعل الليبية، إزاء حرب الخليج أ. على المستوى الرسمي

أكدت ليبيا أهمية وقف الحرب في الخليج، من أجل الحفاظ على السلم العالمي. فبعد ساعات قليلة من اندلاع الحرب، وجّه الرئيس الليبي، مُعمر القذافي، في 17 يناير، برقية عاجلة إلى بيريز دى كويلار، الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى رئيس مجلس الأمن الدولي جاء فيها: "إن الغارات الجوية على العراق، يجب أن تتوقف، وأن تقتصر العمليات العسكرية على أراضي الكويت، وحدها. وإن الواجب والمسؤولية الدولية، يحتمان بذل الجهود، لكي لا تتعدى العملية استرجاع الكويت؛ وهو ما نصت عليه، بالتحديد، قرارات مجلس الأمن. ويجب ألاّ تتعدى العمليات العسكرية حدود الكويت؛ وأن تتوقف الغارات الجوية على العراق، من أجْل الحفاظ على السلم العالمي، وتجنيب شعب العراق نتائج أعمال غير مسؤول عنها، ومنعاً لاتساع رقعة الحرب. وعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أن يتحملا مسؤولياتهما، لكي لا يُستغل الموقف في تحقيق أهداف خاصة".

كما دعا العقيد القذافي إلى إنهاء صراع الخليج، من الفور، قائلاً إنه قد يسمم العلاقات بين العرب والأمريكيين، وربما أدى إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. وأضاف في تصريح إلى شبكة تليفزيون (CNN) الأمريكية، أنه يخشى من انعكاسات العواقب الخطيرة للصراع، على العرب والأمريكيين، في المستقبل. وأن الكويت، يجب أن يحررها الشعب الكويتي، وليس من حق القوات الأجنبية التدخل في هذه المنطقة. كما دعا القذافي دولاً، مثل تركيا، إلى الكف عن دق طبول الحرب. ب. على المستوى الداخلي

عبّر الشارع الليبي عن رأيه، من خلال عدة مظاهرات، طافت شوارع العاصمة الليبية، مطالبة بوقف الحرب. ففي 19 يناير 1991، قاد العقيد الليبي، معمر القذافي، مظاهرة ضخمة، جابت شوارع طرابلس، كما اشترك نحو مليون متدرب على السلاح، في مظاهرات، عمّت مدن الجماهيرية الليبية وقراها. وطالبت المظاهرات بالتوقف عن قصف بغداد، وضرورة إيقاف الحرب، من الفور، والسماح للشعب الكويتي بتقرير مصيره، واستفتاء الشعوب في تقرير مصيرها. ونادت المظاهرات بالسلام.

وأكد العقيد الليبي، خلال لقائه شباب الجامعات الليبية، في الأول من فبراير 1991، أن العراق، كان يتهيّأ لاحتلال الكويت، منذ عشر سنوات. وأن الرئيس العراقي، استغل مليارات الدولارات، التي أغدقتها عليه دول الخليج، خلال حربه ضد إيران، من أجْل تحقيق هدف احتلال الكويت. وقال إن إسرائيل، الآن، أقوى من العرب. ولكن الوحدة العربية، والقوة الاقتصادية، كفيلتان بجعل العرب قادرين على تحرير فلسطين. وأشار القذافي إلى أن العراق، وضع مخططاً، ويريد أن يقحم العرب فيه، من دون استشارة أو مناقشة، في الوقت الذي لم يُعِدّ العرب فيه أنفسهم لهذه الحرب. ج. على المستوى العربي

توخّى التحرك الليبي، على المستوى العربي، تحقيق الأهداف التالية: (1) الوقف السريع لحرب الخليج. (2) التحرك العربي في مجلس الأمن تحركاً جماعياً، من أجْل إتاحة الفرصة للحل السلمي. (3) انسحاب القوات الأجنبية من الخليج.

وعبَّرت ردود الفعل عن هذه الأهداف، من خلال الآتي: (1) في 20 يناير 1991، بعث الزعيم الليبي، معمر القذافي، برسائل إلى الملوك والرؤساء العرب، تتعلق بضرورة العمل المشترك، والسريع، لوقف الحرب في الخليج. واقترح في رسالته، التي نقلها الرائد عبدالسلام جلود، خلال استقباله السفراء العرب المعتمدين لدى ليبيا، على الملوك والرؤساء العرب، أن تكون مخاطبة مجلس الأمن مخاطبة جماعية، أو من قِبَلْ من يوافق على هذه المبادرة، بتبنّي مجلس الأمن وقف الحرب، من الفور، وإعطاء الفرصة للحل السياسي. (2) وفي 13 فبراير 1991، بحث العقيد القذافي مع الرئيس المصري، حسني مبارك، في القاهرة، مضمون الأفكار العراقية الجديدة، التي أبلغه إياها المسؤول العراقي، سعدون حمادي، أثناء اجتماعه إليه، في طرابلس. وتضمنت هذه الأفكار عدة نقاط، تشمل: وقف الاعتداء الأمريكي على الأراضي العراقية، وانسحاب جميع القوات الأجنبية من المنطقة، وإحلال قوات عربية من دول المغرب العربي محل هذه القوات، وطرح الحلول، من خلال إطار عربي. د. على المستوى الإسلامي

رفضت ليبيا وجود طائرات قتال، من بعض دول حلف شمال الأطلسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في قواعد تركية، بالقرب من الحدود العراقية. وطالبت بانسحاب هذه الطائرات، والتزام تركيا الحياد. إذ دعا العقيد معمر القذافي، في 30 يناير 1991، الشعب التركي، إلى تنظيم مظاهرات احتجاج على استخدام طائرات حلف شمال الأطلسي أراضي تركيا. وقال في حديثه إلى جريدة "حجون ايدن" التركية، إنه يطلب من الشعب التركي إخراج بلاده من هذا الحلف، وتوطيد علاقاته بالعرب والاتحاد السوفيتي؛ إذ إن أمن تركيا مرتبط بجارها الاتحاد السوفيتي. وأضاف أن تركيا، ارتكبت خطأً جسيماً، على جميع المستويات، سواء بالنسبة إلى السلام العالمي أو علاقاتها بالأمة العربية، وذلك حينما فتحت أراضيها لطائرات حلف شمال الأطلسي. وأضاف أن الحكومة التركية، تتحمل مسؤولية تدمير مصالحها في ليبيا. وأن أزمة الكويت قضية عربية، وليس من حق تركيا التدخل فيها، أو السماح باستخدام أراضيها، كجبهة جديدة. 2. ردود الفعل الليبية، إزاء طبيعة حرب الخليج

أكدت ليبيا أهمية انحصار الحرب داخل حدود الكويت، وألاّ يكون الهدف، هو تدمير العراق. كما أكدت أهمية انسحاب العراق من الكويت، وعدم تصعيد الحرب، لتتسع في مناطق أخرى. اتضح ذلك من خلال تصريحات المسؤولين الليبيين التالية: أ. أعلنت القيادة الليبية، أن مهمة قوات التحالف، يجب أن تنحصر داخل أراضي الكويت، لاسترجاعها. ويجب ألا تتعدى العمليات العسكرية حدودها، بغية تجنيب شعب العراق نتائج أعمال، هو غير مسؤول عنها؛ وهو ما نصت عليه قرارات مجلس الأمن. ويجب ألاّ يستغل الموقف في تحقيق أهداف خاصة. كما أكد العقيد الليبي أهمية عدم بقاء القوات المتحالفة في المنطقة أو عدم مواصلتها القتال، بعد تحرير الكويت. ب. كما قال العقيد القذافي لمحطة التليفزيون البريطاني المستقلة، في 27 يناير 1991: "إنني أُعارض استمرار احتلال صدام حسين للكويت. ولكنني أُعارض، أيضاً، هذا التحالف الدولي وهذا العدوان على أُناس أبرياء". ج. وفي حديث مع شبكة (ABC) الأمريكية، في الأول من فبراير 1991، قال الزعيم الليبي، إنه يعتقد أن الحرب في الخليج، ستمتد إلى حدود الاتحاد السوفيتي وإيران. وإن هذا سيثير مشاعر الدول الإسلامية، بل يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. وأعلن أنه لا يرى سبباً لهذه الحرب. 3. ردود الفعل الليبية، إزاء المبادرات السلمية

رحّبت ليبيا بجميع المبادرات السلمية، سواء بيان مجلس قيادة الثورة العراق، أو مبادرة السلام السوفيتية، التي تستهدف وقف الحرب، والانسحاب العراقي من الكويت، وانسحاب القوات الأجنبية من المنطقة. وانعكست ردود الفعل الليبية في التصريحات التالية: أ. إزاء المبادرة العراقية، الصادرة عن مجلس قيادة الثورة العراقي، في شأن الانسحاب المشروط من الكويت، رحّب العقيد الليبي، في 15 يناير 1991، بعرض العراق الانسحاب من الكويت. إلا أنه حذّر من أن العراق، قد يبقى في الكويت، حتى يتأكد أن القوات الأجنبية، لن تأخذ مكان القوات العراقية. وقال الزعيم الليبي: إنني أرحب بأي مبادرة سلام. وأشعر بالراحة، لأن الجهود الليبية، قد أقنعت العراق بالانسحاب من الكويت، وبذلك يمكن الشعب الكويتي أن يقرر مصيره. ب. وإزاء المبادرة السوفيتية، قال العقيد القذافي، في مقابلة مع شبكة (CNN) الإخبارية: "يجب علينا العودة، ثانية، لمجلس الأمن الدولي. وللمجلس أن يقرر الوسيلة الأمثل لمعالجة المشكلة، بما فيها أسلوب انسحاب القوات العراقية". وأضاف أنه يؤيد خطة السلام السوفيتية، التي تنص على انسحاب عراقي، بعد وقف إطلاق النار. وأكد أن تفاصيل الانسحاب العراقي، يجب أن يقررها مجلس الأمن، وحده، وليس الرئيس بوش. ج. كما أعلن الرائد عبدالسلام جلود لجريدة "السفير" اللبنانية، "أن الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب بصفة عامة، لا يهتمان بالكويت أو العراق، بل كل ما يهمهما، هو مصالحهما، الاقتصادية والإستراتيجية. وإننا ندعو الاتحاد السوفيتي إلى إدراك أهمية مصالحه في المنطقة، قبْل فوات الأوان". 4. ردود الفعل الليبية، إزاء المساعدات العسكرية لإسرائيل

أكدت ليبيا أهمية ألاّ تتطور الحرب في اتجاه، يؤدي إلى دعم إسرائيل عسكرياً، بما يُخل بالتوازن العسكري في المنطقة. حيث بعث العقيد معمر القذافي، بصفته رئيساً لاتحاد دول المغرب العربي، برسالة إلى مجلس الأمن، في 12 فبراير1991، حذّره فيها من استغلال حرب الخليج، لجعل الدعم، المالي والعسكري، يتدفقان إلى إسرائيل، مما يخل بالتوازن بينهما وبين العرب، مما يُعَدّ في حد ذاته إخلالاً بالسلم، ويؤكد التمييز، بسبب الجنس واللغة والدين، بين الإسرائيليين اليهود والعرب المسلمين.


رابعاً: مواقف وردود فعل تونس، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

1. ردود الفعل التونسية، إزاء حرب الخليج

في 18 يناير 1991، عقب نشوب الحرب، دعت تونس، من خلال بيان صادر عن مجلس الوزراء التونسي ـ مجلس الأمن إلى اتخاذ الإجراءات الفورية الحازمة، لوضع حدّ للقتال الدائر في الخليج، وفض النزاع بالوسائل السلمية، وفق مقتضيات الشرعية الدولية. وأعرب البيان عن استياء تونس العميق من اندلاع الحرب. وأشار إلى نداءاتها ومساعيها المكثفة، منذ اندلاع الأزمة، من أجل انسحاب القوات العراقية، وحل أصل النزاع بالوسائل السلمية، في الإطار العربي، وتجنُّب تدويل القضية وتعقيدها.

واتجهت ردود الفعل التونسية، عقب نشوب الحرب، في إطار المحددات التالية: أ. الإيقاف الفوري للحرب. ب. حل المشكلة بالوسائل السلمية. ج. عدم تحول الحرب إلى هدف آخر، وهو تدمير العراق. د. تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. هـ. تحرك عربي جماعي، لوقف الحرب. 2. ردود الفعل التونسية، على المستويَين، الخارجي والداخلي أ. على المستوى العربي

في 26 يناير 1991، دعا الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، الدول العربية والإسلامية، إلى حض مجلس الأمن على الاجتماع، للمطالبة بوقف القتال في الخليج، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، لمعالجة قضايا المنطقة معالجة شاملة. وقال الرئيس التونسي في خطابه إلى الشعب: "إن الوضع بلغ حدّاً لا يطاق. وأياً كان موقفنا من أصل النزاع، فإننا لا نقبل بما وصلت إليه الأمور". وأشار إلى أن الموقف التونسي، كان معارضاً لاستخدام القوة، من أي جانب، لفرض الحلول. وجميع القضايا، مهْما تعقدت، يمكن أن تحل بالوسائل السلمية. وإذا غاب التعقل عن جهة، فيجب ألاّ يغيب عن المجموعة الدولية.

وأبدى الرئيس التونسي أسفه لتفويت فرص السلام. وانتقد التطورات الأخيرة، التي تتنافى وقِيم السلام، ومبادئ منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، المنوط به السهر على الأمن العالمي. وأوضح أنه من سوء التقدير، معاقبة الشعب العراقي. وأن الدول المتحالفة، أخطأت في مسارعتها إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن، مشيراً إلى أن القرار نص على تحرير الكويت، وليس على تدمير العراق. وأكد الرئيس التونسي، أن دول الاتحاد المغاربي، تبذل مساعيها في الأمم المتحدة، من أجْل وضع حدّ للحرب، في أقرب وقت ممكن. ودعا التونسيين إلى الهدوء، والمحافظة على أمن الأجانب المقيمين بالبلد. ب. على المستوى الدولي

ضمن المساعي التونسية لوقف الحرب، وجّهت وزارة الخارجية التونسية، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، في الأول من فبراير 1991. أوضحت فيها أن العمليات العسكرية في الخليج، تأخذ منعرجاً خطيراً. وقال وزير خارجية تونس، في رسالته: "إن مجلس الأمن، لا يزال قادراً على اتخاذ قرار بوقف الحرب، ما دام ذلك ممكناً، وإن تونس، إذ تؤكد، مجدداً، على الطلب، الذي تقدمت به، بالاشتراك مع بلدان المغرب العربي الأخرى ـ فإنها تناشد مجلس الأمن اتخاذ هذا القرار، تجنّباً لكارثة وخيمة العواقب". ج. على المستوى الشعبي

تواصلت المظاهرات والمسيرات الشعبية، في أنحاء البلاد، داعية إلى وقف الحرب، ومنددة بالعدوان الوحشي، الذي يتعرض له الشعب العراقي. وكانت كبراها، تلك التي نظمها الاتحاد العام التونسي للعمل، في 20 يناير، في مناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لتأسيسه، والتي أعرب، خلالها، المتظاهرون عن استنكارهم لما أسموه بالعدوان الأطلسي، مطالبين الأنظمة العربية بتحمل المسؤولية. ونددت المظاهرات بصمت بعض الأنظمة العربية، واصفة إياها بالتخاذل. وكانت ترفع الإعلام، العراقية والفلسطينية.

كما أعلن عضو المكتب التنفيذي للاتحاد، أن الهيئة قرّرت دعوة الدبلوماسيين العراقيين، المطرودين من فرنسا، إلى الإقامة بتونس، ومقاطعة السفن والطائرات، التابعة للبلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية. 3. ردود الفعل التونسية، إزاء طبيعة الحرب

شددت تونس على ألا تتحول الحرب عن هدفها، وهو تحرير الكويت، نحو أهداف أخرى، لتدمير العراق وشعبه. وعبّرت التصريحات التونسية عن ذلك في الآتي: أ. تصريح وزير خارجية تونس، البيب بولعراس، في 23 يناير 1991: "إن ما يجري، في الوقت الحاضر، في الخليج، ليس حرباً لتحرير الكويت؛ وإنما هي حرب لتدمير العراق، وإرهاب شعبه، وتحطيم كلي لقدراته الاقتصادية وبنْيته الأساسية وإمكانياته الصناعية". ب. اتهام وزير الخارجية التونسي، في 6 فبراير 1991، القوات المتحالفة في حرب الخليج، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بإساءة استخدام التفويض، الذي منحتها إياه الأمم المتحدة، لطرد العراق من الكويت. وقال في حديث، أدلى به إلى إذاعة فرنسا الدولية: "إن القرار 678، لا يأمر بالحرب. وإن ما يحدث، هو إساءة استعمال لهذا القرار. وإن تعبير استخدام القوة، أستُبعد، عن عمد، من نص القرار 678، لتفادي اشتراك مجلس الأمن، وقوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة، في الإشراف على سير الحرب". 4. رد فعل تونس ورؤيتها إلى طريقة إنهاء الحرب

تحددت الرؤية التونسية إلى إنهاء الحرب بما يلي: أ. ضرورة تطبيق الشرعية الدولية، من دون تمييز. ب. دراسة كل قضايا المنطقة وحلها، في إطار مؤتمر دولي للسلام.

وقد عبّر عن ذلك الرئيس التونسي، في 26 يناير 1991، في كلمة وجّهها إلى التونسيين، بقوله: "إن القادة العرب المسلمين، وكل دعاة السلم في العالم، المؤمنين بحق الشعوب في الأمن والسلام ـ مطالبون بالتوجه إلى مجلس الأمن، للمطالبة بوقف القتال، وتطبيق الشرعية الدولية، بدون تميز أو تقصير، من خلال عقد المؤتمر الدولي للسلام، في خلال هذه السنة، لوضع حدّ لأزمة الخليج وكل قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني". 5. ردود الفعل التونسية، إزاء المبادرات السلمية

أكدت تونس أهمية استغلال المبادرات السلمية، من أجل وقف هذه الحرب المدمرة، وأن تشارك كافة الدول العربية في الجهود، التي تؤدي إلى مساندة المبادرات السلمية، لتطبيق مبادئ الشرعية الدولية، بانسحاب العراق من الكويت، وإيقاف الحرب. وعبرت تونس عن هذه المبادئ من خلال الآتي: أ. إزاء المبادرة العراقية، الصادرة عن مجلس قيادة الثورة العراقي، في شأن الانسحاب المشروط من الكويت، قال الرئيس التونسي، في 17 فبراير 1991، حاثاًّ العالم على قبول عرض العراق: "إن العرض العراقي، ينبغي استغلاله، بإعطائه تأييدنا. وإنه ليس هناك حق في العالم، يبرر قتل الأبرياء، وحرق الأطفال، ودفن النساء والمسنين، أحياء، وقصف المدارس والمؤسسات، الدينية والمدنية. وإن الدمار والكارثة، التي تمر بها منطقة الخليج، تبعث بمخاوف شديدة على مستقبل الإنسانية". ب. وإزاء المبادرة السوفيتية، حثّ الشاذلي القليبي، الأمين العام السابق للجامعة العربية، جميع الدول العربية، على مساندة الخطة السوفيتية، الرامية إلى إنهاء حرب الخليج. وقال، في بيان صدر في تونس، في 23 يناير 1991: "إن واجب الدول، التي تدافع عن الشرعية، الدولية أن تساند الجهود المبذولة لإنجاح الخطة السوفيتية؛ إذا كان هدف الحرب، حقاً، هو تطبيق قرار مجلس الأمن، الخاص بانسحاب العراق من الكويت. وإن الخطة السوفيتية، التي قبِلها العراق، تجعل هذا ممكناً. ج. وفي خصوص قبول العراق قرار مجلس الأمن، الرقم 660، أصدرت وزارة الخارجية التونسية، بياناً، في 24 فبراير، عبّرت فيه عن استياء الحكومة التونسية البالغ، وخيبة أملها الشديدة، بعد إعلان ما أسمته تقويض فرص السلام الجديدة، والإصرار على تصعيد الحرب ضد العراق، من خلال شن الهجوم البري، على الرغم من قبول بغداد تطبيق قرار مجلس الأمن، الرقم 660. 6. ردود الفعل التونسية، إزاء تحرير الكويت

أعربت تونس عن ارتياحها لتحرير الكويت، وطالبت بالوقف الفوري للحرب. وصرح وزير خارجيتها، في 27 فبراير، ارتياحه لتحرير الكويت. ولكنه أعرب عن قلقه البالغ من استمرار العمليات العسكرية. ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار.

المبحث السابع: ردود فعل منظمة الأمم المتحدة

قال الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، بعد ساعات قليلة من بدء الحملة الجوية، "عاصفة الصحراء"، في 17 يناير 1991: "إن السلام، يعتمد، بالدرجة الأولى، على استسلام العراق". كما أوضح دي كويلار، أنه توقع العمل العسكري ضد العراق، في ضوء فشل الدبلوماسية. وفي الوقت الحاضر، لا مجال للدبلوماسية.
   

واجتمع أعضاء مجلس الأمن، في مشاورات مغلقة، بعد ساعات من الغارة الأولى، للاستماع إلى تقارير سفراء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وقال رئيس المجلس، إن توقيت الدعوة إلى وقف النار، "حساس جداً". كما قدم السفير الأمريكي، توماس بيكرينج تقريراً إلى المجلس، جاء فيه: على الرغم من أن القوات المتحالفة، توجِّه الضربات إلى الأهداف، العسكرية والإستراتيجية، في العراق، إلا أن هدفنا ليس تدمير العراق واحتلال أراضيه، بل الهدف هو تحرير الكويت.

وأعرب السفير السوفيتي، يولي فورنتسوف، عن "الدعم المطلق" للعمليات العسكرية الأمريكية ضد العراق، بما فيها تدمير القدرات النووية، قائلاً: إن القرار 678، أعطى صلاحية استخدام كل الوسائل الضرورية، لإخراج العراق من الكويت. ولم يضع أي حدود أو أُطُر للعمليات العسكرية لتحقيق الهدف. وفي الوقت نفسه، عارضت الولايات المتحدة الأمريكية، عقد أي جلسة رسمية لمجلس الأمن، حول أزمة الخليج، إلى أن تنفّذ قراراته السابقة، المتعلقة بانسحاب القوات العراقية من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية إليها.

وفي 26 يناير 1991، صرح رئيس مجلس الأمن، بأنه سيجري جولة من المشاورات المغلقة، مع أعضاء المجلس، في شأن طلب ثماني دول عربية، عقد جلسة علنية، للبحث في الوضع الخطير، في الخليج. وقال إن أحداً، لم يعترض على حق الدول في طلب انعقاد المجلس؛ إنما السؤال، الآن، هو: متى؟ والدول التي طلبت، رسمياً، أصرت على عقد الجلسة، هي: المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا والسودان واليمن والأردن. وطالب سفير اليمن، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، عبدالله الأشطل، بانعقاد الجلسة، حتى لو عارضتها أكثرية أعضاء المجلس، طبقاً للمادة الثانية من القواعد الإجرائية؛ والمعروف أن كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، تعارض انعقاد الجلسة. وفي تعليق للسفير السوفيتي على الطلب العربي، قال: "إنني لم أجد في مواقف الدول المطالبة بعقد المجلس، أي شيء خلاق".

وبعد مداولات في مجلس الأمن، رُفض طلب دول المغرب العربي، المؤيد من اليمن والسودان، عقْد جلسة علنية، لبحث حرب الخليج، والدعوة إلى وقف العمليات العسكرية. إذ أعلن سفير زائير، رئيس مجلس الأمن، آنئذٍ، أن الغالبية العظمى، داخل المجلس، ترفض الموافقة على أي قرار في شأن الحرب في الخليج، قبل انسحاب العراق.

وفي 27 يناير 1991، وخلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، إلى روما، أدلى بحديث إلى مجلة "بانوراما" الإيطالية، قال في تعليق له على طبيعة هذه الحرب، ومقارنتها بالحرب الكورية: إن حرب الخليج، ليست حرباً للأمم المتحدة؛ إنما حرب، سمح بها مجلس الأمن. أما الحرب الكورية، عام 1950، فكان الجنود تابعين للأمم المتحدة، وفي ظل عَلمها. أما هذه المرة، فالأمر ليس كذلك؛ وإلا لكان عُهد بالعمليات إلى لجنة عسكرية مشتركة، مقرها الأمم المتحدة.

عن محادثاته مع صدام حسين، قال إنه اقترح عليه ما رآه مخرجاً ليس فقط سلمياً، بل مشرِّفاً لرئيس العراق، كذلك، بعد الانسحاب من الكويت، وهو تشكيل الأمم المتحدة قوة سلام، وضمان عدم الاعتداء على العراق، وانسحاب القوات الأجنبية من المنطقة كلها، وإلغاء العقوبات.