العدوان الثلاثي، حرب عام 1956 - خطبة الرئيس جمال عبد الناصر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خطبة الرئيس جمال عبدالناصر الذي ألقاها في الأزهر
يوم 2 نوفمبر سنة 1956
في هذه الأيام التي نكافح فيها من أجل حريتنا، حرية شعب ومن أجل شرف الوطن، أحب أن أقول لكم إن مصر كانت دائماً مقبرة للغزاة، وأن جميع الإمبراطوريات التي قامت علي مر الزمن انتهت وتلاشت حينما اعتدت على مصر، ولكن مصر باقية متماسكة متحدة متكاتفة، انتهى الغزاة، وانتهت الإمبراطوريات، وبقيت مصر، وبقي شعب مصر.
واليوم أيها الأخوة ونحن نقاتل عدوان الظلم والاستعمار، الذي يريد أن ينتهك حريتنا وإنسانيتنا وكرامتنا، ونحن نقاوم هذا العدوان، أطلب من الله أن يلهمنا الصبر والثقة والعزم والتصميم علي القتال، ويقوي قلوبنا جميعاً ونفوسنا حتى ندافع عن وطننا.
ولقد أعلنت باسمكم بالأمس أننا سنقاتل، ولن نسلم، ولن نعيش عيشة ذليلة مهما أخذوا في غيهم، ومهما استمروا في خطتهم العدوانية، وان الموقف اليوم أحسن مما كان منذ يومين.
ولقد كانت المؤامرة أن يستدرج جيش مصر إلي شبة جزيرة سيناء وتترك مصر دون جيشها حتى يستطيعوا أن يفعلوا ما يريدون.
وفي يوم الاثنين 29 أكتوبر هجمت إسرائيل وأعلنت أنها تغزو الأراضي المصرية، وأعلنت بريطانيا ـ الشريفة ـ التي تتبع أساليب الشرف، أنها لن تستغل الاشتباك بين مصر وإسرائيل لمصالحها أو لتنفيذ نواياها.
واتجهت قواتنا المسلحة إلي سيناء لترد جيش إسرائيل وتكيل له الصاع صاعين وفي خلال 24 ساعة كانت قواتكم المسلحة تنزل الخسائر الفادحة بجيش إسرائيل، ولم تستطع إسرائيل أن تطنطن في الأيام السابقة.
ولقد قاتل كل فرد من أفراد قواتكم المسلحة في سيناء قتالاً مريراً بعزم وتصميم.
هذا هو الموقف يوم الثلاثاء، قواتنا المسلحة كلها تواجهه إسرائيل، وفي هذا اليوم قدمت بريطانيا إنذاراً لمصر بأن تقبل احتلال بريطانيا وفرنسا للأراضي المصرية، وأنهما سينفذون ذلك بالقوة إذا لم تقبل مصر هذا الإنذار خلال 12 ساعة.
وهذا لا تقبله العزة ولا الشرف ولا الكرامة فأهون علينا أن نموت دون أن نقبل طوعاً احتلال فرنسا وبريطانيا جزءاً من أراضينا، فشرف الوطن كتلة واحدة. وكل لا يتجزأ. ورفضنا الإنذار رفضاً باتاً حاسماً وتنبهنا إلي المؤامرة التي دبرتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على أن تقوم إسرائيل بالهجوم في سيناء، فتتصدى لها قواتنا المسلحة فيخلو الجو لبريطانيا وفرنسا، فتنفرد بالمواطنين في داخل البلاد.
وفي يومي 30 و31 قامت قواتنا الجوية بالسيطرة علي أرض المعارك في سيناء ومنطقة القناة وأسقطنا 18 طائرة إسرائيلية، أي ما يعادل ثلث السلاح الجوي الإسرائيلي، وكان أفراد القوات الجوية المصرية يعملون ليل نهار باستمرار ولم نخسر في هذه المعارك سوي طائرتين، واستشهد طياران في هذا القتال، ولكن الله وفقنا.
وبعد الغارة الأولي البريطانية ـ الفرنسية التي حدثت يوم الأربعاء صرنا نحارب في جبهتين، جبهة اليهود علي الحدود، وجبهة الاستعمار الفرنسي ـ الإنجليزي في القناة، وكان لابد لنا من إن نتخذ قراراً سريعا حاسما لإحباط خطة العدو، وكان الغرض من وجود القوات المسلحة المصرية في سيناء هو أن تصل القوات البريطانية ـ الفرنسية إلي القناة، فكان لابد من اتخاذ القرار الخطير وهو توحيد جبهتنا، فأصدرت الأمر إلي القائد العام للقوات المسلحة بسحب جميع القوات المسلحة المصرية من سيناء إلي غرب قناة السويس حتى تكون بجانب الشعب لملاقاة قوات الاستعمار.
وقد تم انسحاب قواتنا المسلحة من منطقة سيناء، وتركت قوات انتحارية، ورجعت جميع قواتنا إلي القناة والدلتا، ونحن في انتظار الإنجليز والفرنسيين في الدلتا، ويجب أن تعلموا جميعا أن قواتنا ليست معزولة، وبذلك أحبطت المؤامرة الماكرة التي قامت بها بريطانيا وفرنسا بالاتفاق مع إسرائيل لعزل القوات المسلحة المصرية عن الشعب، وكانت الخطة هي ضرب المدن المصرية بالطائرات وتدمير الجيش في سيناء، ولكننا كشفنا الخطة وحشدت قواتنا المسلحة لصدها.
وقد وصلت قواتنا الرئيسية إلي القناة تاركة القوات الانتحارية في شبه جزيرة سيناء.
وأحب أن أقول لكم أن الجيش سليم وسينضم إلي الشعب والجيش الآن غرب القناة، وقد وحدنا جبهاتنا كلها في جهة واحدة هي قناة السويس.
لقد سررت حينما رأيت أمس واليوم كتائب التحرير والحرس الوطني جنبا إلي جنب مع الجيش من قرية إلي قرية.
وقد كافحت الشعوب في الحرب العظمي وانتصرت، فنحن اليوم نقرر مستقبل وطننا والموقف اليوم والحمد لله أحسن مما كان، فسنقاتل في كل مكان، ولن نسلم، وسيكون شعار كل فرد منا في القوات المسلحة والشعب: سنقاتل ولن نسلم.
نحن اليوم مستعدون للقتال، وأنا في حرب فلسطين، كمثل من الأمثلة، كنت موجودا في الفالوجا لمدة خمسة أشهر، وكانت الغارات متوالية، وكان الهجوم مستمرا ولم أكن في الخنادق، وإنما كنت في الخلاء ومع ذلك لم أمت لان العمر واحد. ولا يستطيع أحد أن يعرف ذلك سوى الله، وأنا في القاهرة، سأقاتل معكم، ضد أي غزو وسنقاتل إلي آخر نقطة دم. لن نسلم أبدا وسنبني بلداً وتاريخاً ومستقبلاً، وهذا شعار كل مصري.
وإذا كانت بريطانيا تعتبر نفسها دولة عظمي وتعتبر فرنسا نفسها دولة عظمي أيضا فسنعتمد علي الله وعلي أنفسنا وسنجاهد ونكافح ونقاتل ونقاتل وننتصر بإذن الله، وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.