العدوان الثلاثي، حرب عام 1956 - تسلسل الأحداث على المحور الأوسط
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تسلسل الأحداث على المحور الأوسط
مقدمة
عبر "موشي ديان" في مذكراته "يوميات معركة سيناء"، عن مستوى الكفاءة القتالية للطرفين المتحاربين في معركة "أم قطف"، بقوله "إنها المكان الذي قاتل فيه المصريون على أفضل وجه، بينما قاتل الإسرائيليون على أسوأ صورة".
تشكل منطقة "أبوعجيلة"، من وجهة النظر الطبوغرافية، المنطقة الحيوية التي يتوقف عليها الاستقرار والاتزان التعبوي للقوات المكلفة بالدفاع عن سيناء الشمالية، ولهذا كانت منطقة تركيز الجهد الرئيسي للدفاع عن المحور الأوسط الذي يصل بين "العوجة ـ الإسماعيلية شرق".
وتتحكم منطقة "أم قطف"، في طريق "العوجة ـ أبو عجيلة"، وفي طريق "القصيمة ـ أبو عجيلة"، وكذا المدق الذي يصل "العوجة"، "بالمغضبة". كما تشكل "أم قطف"، عنق زجاجة يتحكم في الطريق الرئيسي إلى قلب سيناء، إذ ترتكز على مانعين طبيعيين يصعب اجتيازهما، هما: جبل "ضلفة"، في الجنوب ورمال الناعمة "بمكسرالفناجيل"، في الشمال.
هيكل الدفاع عن أم قطف
خصص العميد أركان حرب "أنور عبد الوهاب القاضي"، قائد الفرقة الثالثة المشاة، مجموعة اللواء السادس المشاة للدفاع عن منطقة "أم قطف"، وكانت هذه المجموعة تتكون من رئاسة اللواء والكتيبتين17و18 المشاة، والكتيبة 289 المشاة الاحتياط عدا سريتين، والآلاي الثالث مدفعية الميدان، والبطاريتان 78 و 94 المضادة للدبابات ذاتية الحركة، والأورطة الثانية الخفيفة، والبطارية الأولى الخفيفة المضادة للطائرات، وكتيبة الحرس الوطني من اللواء 23 جيش التحرير الوطني.
وقد كلف العميد "القاضي"، العقيد "سامي بولس"، قائد مجموعة اللواء، بالتشبث بالدفاع عن منطقة "أم قطف"، ومنع اختراق العدو لها، والقضاء على أية قوات معادية تسقط جواً أو تتسلل براً عبر "وادي الجميل" أو "وادي الحريضين"، مع القيام بأعمال القتال التعطيلي في منطقة "القصيمة" على الجانب الجنوبي "لأم قطف"، بواسطة الأورطة الثانية الخفيفة والأورطة الثالثة سيارات حدود وعناصر الحرس الوطني، وكذا الاحتفاظ باحتياطي خفيف الحركة في منطقة "سد الروافعة" في مؤخرة "أم قطف"، لسرعة القضاء على أي قوات معادية تتقدم عبر "وادي الجميل" أو "وادي الحريضين"، علاوة على تدمير القوات التي تهبط من الجو داخل المنطقة الدفاعية.
ونظراً لقلة القوات واتساع مساحة المنطقة الدفاعية وكثرة طرق الاقتراب إليها. فقد شكل العقيد "سامي بولس"، قواته في نسق واحد، واحتياطي، وقوة ساترة، فوضع الكتيبة 18 المشاة وسرية من الكتيبة17 في يسار الموقع الدفاعي كمجهود رئيسي لمجموعة اللواء، بينما وضع الكتيبة 289 المشاة الاحتياط عدا سريتن في يمين الموقع، وتمركزت الكتيبة 17المشاه عدا سرية في "سد الروافعة"، للعمل كاحتياطي عام لمجموعة اللواء.
ودفع العقيد "بولس" الأورطة الثانية الخفيفة، ومعها الأورطة الثالثة سيارات حدود عدا تروب، وكتيبة الحرس الوطني للعمل كمفرزة متقدمة بمنطقة "القصيمة". وقد أرسلت كتيبة الحرس الوطني إلى"عين الجديرات"، للقيام بالمراقبة والإنذار عند مدخل "القصيمة"، من اتجاه "جبال الريشة"، و"طوال العين"، و"جبل القصيمة"، فضلاً عن قفل مداخل "القصيمة" الجنوبية والغربية.
خطة الهجوم (أُنظر شكل معركة أم قطف)
يقوم بالهجوم على دفاعات "أم قطف" مجموعة العمليات 38 قيادة الألوف مشنيه "سهودا والاش"، المكونة من اللواء 7 مدرع، واللواء 37 الميكانيكي، واللواءين 4و10 المشاة على ثلاث مراحل كالآتي:
- المرحلة الأولى: ويتم فيها الاستيلاء على نقط الإنذار في "القصيمة" و"تاره أم بسيس" لتهيئة أفضل الأوضاع التكتيكية لفتح القوة الرئيسية للهجوم على قلب دفاعات "أم قطف".
- المرحلة الثانية: ويتم فيها اجتياح دفاعات "أم قطف" من عدة اتجاهات، للوصول إلى الأرض المفتوحة في مؤخرتها، بهدف الاستيلاء على تقاطع الطرق في "أبو عجيلة".
- المرحلة الثالثة: ويتم فيها استغلال نجاح المرحلتين السابقتين بالانطلاق صوب "العريش" و"الإسماعيلية" بهدف حجز القوات المصرية الموجودة في سيناء الشرقية، توطئة للقضاء عليها بالتعاون مع القوات الأنجلو ـ فرنسية.
وخصص الآلوف "عساف سمحوني" قائد المنطقة العسكرية الجنوبية اللواء 10 المشاة كاحتياطي قريب للمجموعة 38، واللواءات 8و16و17 المشاة كاحتياطي عام للمنطقة الجنوبية.
التشكيل للقتال
يكون تشكيل القتال لمجموعة العمليات 38 على مرحلتين متتاليتين، المرحلة الأولى في نسقين، وذلك قبل التمهيد الجوي الأنجلو ـ فرنسي، على أن يبدأ في أول ضوء 31 أكتوبر، إلا أن المارشال الجوي "دنيس بارنت" فضل أن يؤخره، إلى آخر ضوء حيث لا تملك مصر، مقاتلات ليلية لاعتراضه.
أما المرحلة الثانية، تبدأ بعد وقوع التمهيد الجوي الأنجلو ـ فرنسي، حيث تقوم بالهجوم الرئيسي بأكبر قدر من المجموعة في نسق واحد واحتياطي، لتضمن تفوقها العددي على قوة الدفاع.
وكان على مجموعة اللواء الرابع المشاة "احتياط" قيادة الألوف مشنيه "يوسف هاربز" بعد أن تتجمع في منطقة "جبل القمر" شرق "القصيمة" أن تتقدم ليلة 29 /30 أكتوبر، لتستولي على التباب العالية شرق "القصيمة"، كمهمة مباشرة، لتؤمن الطريق إلى "نخل" إذا ما استدعى الموقف "بصدر الحيطان" نجدة المظليين فيها. كما كان على المجموعة أن تشترك في المرحلة الثانية للهجوم على الدفاعات المصرية "بأم قطف"، ضمن قوات الهجوم الرئيسي.
وبعد أن تجمعت مجموعة اللواء 7 المدرع "شيفع" قيادة ألوف مشينه "أوري بن آري" حول منطقة "نخل" ـ وقد تضمنت كتيبتي دبابات خفيفةA MX 13، وكتيبة دبابات شيرمان معدلة، وكتيبة ميكانيكية، وكتيبة مشاه راكبة، وثلاث كتائب ناحال، وكتيبة مدفعية ميدان، وسرية استطلاع ـ تقدمت خلال ليلة 29/30 أكتوبر، إلى "بير حفير"، وهي على أهبة الاستعداد لاستغلال نجاح مجموعة اللواء 4 المشاة بتنفيذ إحدى المهام الثلاث التالية:
المهمة الأولى
اجتياح دفاعات "أم قطف" من الجنوب عن طريق "القصيمة"، وبعد الاستيلاء على تقاطع طرق "أبوعجيلة" تقوم بالاتصال بمجموعة العمليات 77، المكلفة بالهجوم على "رفح" بقيادة الآلوف "حاييم لاسكوف" وذلك بعد العريش.
المهمة الثانية
تطويق دفاعات "أم قطف" من الجنوب والالتفاف حول جانبها الأيمن، بهدف سرعة الاندفاع غرباً في اتجاه الإسماعيلية من أقصر الطرق.
المهمة الثالثة
الانطلاق من "القصيمة" في اتجاه "الحسنة ـ صدر الحيطان" إذا ما تطلب الموقف القتالي للواء 202 المظلات نجدته هناك.
ويبقى من مجموعة العمليات 38 مجموعتا اللواءين 10 المشاة قيادة الآلوف مشنية "شموئيل جودير"، و37 الميكانيكي قيادة الآلوف مشنية "شموئيل جولندا"، وقد كان عليها بعد التجمع حول "العوجة" التقدم إلى "طاره أم بسيس" لطرد نقطة المراقبة المصرية منها، قبل الهجوم على دفاعات "أم قطف" بالمواجهة، وبعد تركيز نيراني شديد من الطائرات ومدفعية الميدان. وبمجرد اجتياح تلك الدفاعات يتم استغلال النجاح نحو العريش أو الإسماعيلية طبقاً لما يتطلبه الموقف وقتذاك.
ملخص المعركة
"استغرقت 84 ساعة من منتصف ليلة 29/30 أكتوبر، حتى ظهر يوم 2 نوفمبر1956".
تعددت صور أعمال القتال خلال هذه المعركة، التي شهدت أعنف درجات الصراع المسلح في حرب العدوان الثلاثي، حيث بدأت المناوشات عند نطاق الأمن، التي تلتها محاولة الهجوم بالمدرعات على الطرف الجنوبي للدفاعات الرئيسية في "أم قطف"، وخروج سافر على تعليمات "موشي ديان"، الذي كان قد أكد على الآلوف "سمحوني" ألا يبدأ قتالاً حقيقياً بالمدرعات قبل وقوع الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية، حتى لا تتعرض القوات لخسائر كثيرة بلا داع. هذا فضلاً عن حرص الأركان العامة على أن تضفي على كل أعمالها قبل تلك الضربة الجوية صورة العملية الانتقامية، وليس الحرب السافرة.
ويقول "ديان" إنه اصطدم بشدة صباح يوم 30 أكتوبر مع "سمحوني"، الذي دفع مجموعة اللواء 7 المدرع قبل الموعد المحدد على نقيض أوامر الأركان العامة، التي قضت بألا تبدأ المدرعات الهجوم قبل يوم 31 أكتوبر. وبرغم من ذلك فقد أصر الأخير على عدم إضاعة أي لحظة يمكن استغلالها للانتفاع بمفاجأة دفاعات "أم قطف"، قبل أن تدرك حقيقة ما سوف يقع لها.
كانت معركة "أم قطف" ثانية المعارك الكبيرة ـ وربما أكثرها حيوية وحسماً ـ فهي بوابة المحور الأوسط من "القصيمة" إلى "الإسماعيلية.
فقد كانت تتألف من ثلاث قمم رملية متتالية قوية التحصين، تتحكم في مفارق الطرق الرئيسية المواجهة للشرق، تحميها خنادق عميقة ومخابئ، وتحيطها صفوف من السلك الشائك وحقول الألغام، ومزودة بمدفعية الميدان والأسلحة المضادة للدبابات. وتغلق هذه الجبهة المحور الأوسط.
كما أن إحكام السيطرة على تلك المواقع يمكن أن يفتح طريقاً بديلاً للنقل والإمداد من إسرائيل إلى لواء "شارون" المظلي عند ممر "متلا". وقد أوكلت المهمة إلى مجموعة العمليات 38.
في مساء 29 أكتوبر، وبعد مسيرة 19 كم عبر النقب الإسرائيلي، بدأت كتيبتان من اللواء الرابع المشاة (احتياط) تقدمها باتجاه الموقعين القريبين من الحدود الإسرائيلية واللذين يشكلان المواقع الدفاعية الجنوبية للفرقة الثالثة المشاة المصرية المتمركزة بالعريش، وكان يتولى الدفاع عن الجبهة المؤلفة من تبتين حصينتين وموقع "القصيمة"، كتيبتين من قوات حرس الحدود المصرية، وسرية مشاه وسرية عربات جيب، وكانت القوة بكاملها تتبع قيادة اللواء السادس الذي يسيطر على "أبو عجيلة ـ أم قطف". وبعد خمسون دقيقة تحت ستر نيران مركزة من الدبابات اكتشفت الكتيبة الأولى من اللواء الرابع الإسرائيلي خلو مواقع جبل "الصابحة" من جميع أفراده، ثم تحركت نحو موقع "القصيمة"، على بعد 18 كم. ولم تتمكنا الكتيبتين من شن هجومهما الفعلي إلا في الصباح الباكر، وسط نيران الموقع الكثيفة. وفور ذلك دفعت القيادة الجنوبية الإسرائيلية بقوة من اللواء السابع مدرع، قادها الآلوف "عساف سمحوني"، لضمان سرعة إتمام الهجوم ـ لم تكن الخطة الأصلية تتضمن دفع عناصر اللواء السابع مدرع قبل يوم 31 أكتوبر ـ لكن بدأ المدرعات بالهجوم في تلك المرحلة المبكرة كان ضرورياً لضمان رسوخ قاعدة ثابتة تمثل خط انطلاق داخل الحدود المصرية. من وجهة نظر الآلوف "سمحوني".
وفقاً للخطة الأصلية، دفع اللواء الرابع بطليعته من "القصيمة" إلى "نخل"، للاتصال بلواء "شارون" وإقامة محور أرضي ثان للمظليين. وفي تلك الأثناء، قرر الآلوف "سمحوني" تغيير الخطط الأصلية والاستفادة مما يمكن أن يقدمه اشتراك اللواء السابع المدرع.
لقد شنت المجموعة 38 عدة هجمات متتالية من اتجاهات مختلفة، بهدف الاستيلاء على مجموعة دفاعات اللواء السادس المشاة "بأم قطف". ورغم تنوع أسلوب الهجوم ما بين نهاري وليلي، وهجوم من الحركة ومن العمق، والهجوم بعد تحضير قصير وصامت، والهجوم بالمواجهة والمناورة من الجنب والمؤخرة، فقد صمد الجنود المصريون في دفاعاتهم، وحطموا تلك الهجمات الواحدة تلو الأخرى، بل نجحوا في شن الهجوم المضاد لطرد القوات المعادية التي تمكنت في إحدى مراحل القتال من اختراق الدفاعات، فكان ذلك هو الهجوم المضاد الناجح الوحيد خلال حرب العدوان الثلاثي، وقد قاده المقدم أركان حرب "علي عبد الخبير" قائد الكتيبة 18 المشاة .
وبعد أن فشلت مجموعة اللواء 10 المشاة الإسرائيلي في اقتحام "أم قطف" بالمواجهة، ثم مجموعة اللواء 7 المدرع من الجنب الأيمن. تحت جنح ظلام ليلة 30/31 أكتوبر، وصل "موشي ديان" لدراسة الموقف مع "سمحوني" و "بن آري".
صدرت الأوامر للقوات الإسرائيلية بترك قوة من المشاة والمدرعات لحفر الخنادق في اتجاه الجنوب، ودفع قوة أخرى باتجاه الغرب للبحث عن نقطة ضعيفة في أسفل الضلع الجنوبي الغربي للمواقعين "القصيمة - أبو عجيلة" و"أم قطف - الحصينة"، تكون بعيدة تماماً عن الدفاعات المحاطة بالأسلاك الشائكة في الجهات الجنوبية والشرقية. ومع صباح يوم 30 أكتوبر، عثرت مجموعة استطلاع القوة المدرعة الثانية على ممر ضيق يجعل القوات خلف الجناح الغربي للدفاعات المصرية. كان هذا الممر ضيقاً للغاية، لا يسمح إلا بمرور المجنزرات. وكان المهندسون العسكريون المصريون قد نسفوا جسراً فوق واد يقطعة، فأصبح على مهندسي اللواء المدرع أن يمهدوا الأرض للعبور. ومع الساعات الأخيرة من المساء، أنهت وحدة الاستطلاع عبور الممر ووجدت نفسها على الطريق الرئيسي الواصل بين "القناة وأبو عجيلة"، إلى الغرب من المواقع الدفاعية المصرية، بعد أن قطعت، بالفعل، خطر الإمداد المصري القادم من منطقة قناة السويس إلى الموقع.
وبينما اندفعت قوة إسرائيلية ثالثة في اتجاه الجنوب الغربي لقطع أي تقدم مدرعات مصري محتمل من "بيرالحسنة"، عبرت بقية القوة المدرعة الإسرائيلية الثانية الممر، بهدف القضاء على دفاعات "أبوعجيلة" والتقدم نحو "سد الروافعة"[1] تمهيداً للاستيلاء على "أم قطف". كانت تلك مهمة خطرة للغاية، خاصة إذا علمنا أن المجنزرات فقط هي التي يمكنها المرور عبر الممر الرملي الضيق، مخلفة وراءها العربات ذات العجلات المحملة بالإمدادات ومعدات المهندسين والذخائر والوقود. وكان الحل الوحيد لمشكلة إمداد القوات هو فتح طريق مباشر من الشرق. فصدرت الأوامر الإسرائيلية، إلى اللواء العاشر مشاه بعبور الحدود ومهاجمة النسق الخارجي الشرقي للدفاعات المصرية والتي تتكون من موقعي "عوجا المصري" و"تاره أم بسيس". وسقط هذان الموقعان، مفسحين الطريق أمام اللواء العاشر ليشق طريقه نحو الدفاعات الرئيسية في "أم قطف".
عند الساعة الخامسة من صباح 31 أكتوبر، وصلت القوة المدرعة الثانية إلى "أبو عجيلة"، حيث كانت القوات المصرية على علم بما يجري ولديها الوقت والإمكانيات كي تستعد لصد الهجوم. وعندما أصبحت العربات نصف الجنزير التابعة للقوة المدرعة الثانية علي مسافة ثلاث كم من "أبو عجيلة"، فتحت الدفاعات المصرية سداً كثيفاً من نيران المدفعية، تعززها نيران إضافية من موقعي "سد الروافعة" و"أم شيهان"، شملت ميمنة الهجوم الإسرائيلي. وواصلت القوات الإسرائيلية تقدمها في العربات نصف الجنزير الدبابات، نتيجة العمل المشترك بين المدرعات والطيران الإسرائيلي. وفي خلال ساعة سقطت "أبوعجيلة".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
معركة سد الروافعة
كان على القوة الإسرائيلية الأولى المكلفة بحفر الخنادق جهة الجنوب من مواقع "أبو عجيلة" بالاستعداد للهجوم على موقع "سد الروافعة". بعد تعزيزها بعناصر من المدرعات والمشاة الآلية، بما يرفع حجمها إلى أكثر من آلاي مدرع وكتيبة ميكانيكية.
ظلت القوة المصرية المدافعة عن "سد الروافعة" ـ والمكونة من السرية الثالثة من الكتيبة 12 المشاة، وعناصر من سرية معاونة هذه الكتيبة، وسرية من اللواء 99 المشاة الاحتياط، والبطارية الثانية من الآلاي الأول مدفعية الميدان، وقيادة البطارية 94 المضادة للدبابات ذاتية الحركة، والعناصر الإدارية للكتيبة 17 المشاة ـ تقوم بإعادة تنظيم دفاعاتها على التباب المشرفة على "سد الروافعة"، كما تم اختيار مرابض النيران بحيث تواجه وتسيطر على تقاطع طرق "أبوعجيلة".
في الساعة الخامسة مساءً انقضت طائرات العدو على الموقع، ثم أعقبها تمهيد للمدفعية الإسرائيلية، استمر 20 دقيقة على المعسكر والمخازن ومرابض النيران.
وتحت ستر تلك النيران الكثيفة، تقدمت القوة المدرعة المعززة بالمشاة الميكانيكية، لاحتلال قاعدة نيران لتبدأ منها الاشتباك ضد موقع "سد الروافعة" بالضرب المباشر.
وفي تشكيل منتشر زحفت القوة المهاجمة على الموقع، إلا أنها فقدت الاتجاه الصحيح بسبب الظلام فهاجمته بالمواجهة بدلاً من الجنب حسبما كانت تقضي الخطة، فوقعت بذلك تحت تأثير نيران القوة المدافعة مما أجبر قائدها على سرعة سحبها للخلف.
وانتهز المدافعون المصريون فرصة الارتباك وتوقف قاعدة نيران القوات المهاجمة عن إطلاق مقذوفاتها، فزادوا من كثافة نيرانهم الدفاعية من جميع الأسلحة حتى انقلبت منطقة "سد الروافعة" إلى شعلة من النيران زادها توهجاً اشتعال المخازن والعربات والخيام ومكدسات الوقود فانقلب الليل نهار، وارتفعت ألسنة اللهب إلى عنان السماء.
وأوشكت ذخيرة المدافعين على النفاد. كما دُمر أغلب مدافعهم، وانقطع اتصالهم بقيادة مجموعة اللواء 6 المشاة "بأم قطف"، وتمكنت عناصر من القوات الإسرائيلية من الوصول إلى قلب المعسكر المشتعل فارتدت القوات المدافعة عنه عبر الأسفلت وألتجأت إلى منطقة "مكسر الفناجيل" لتصل منه إلى "أم قطف"، التي ما كادت تقترب منها حتى وقعت تحت نيران دفاعاتها لعدم معرفتها بكلمة سر الليل.
وبانتهاء معركة "سد الروافعة" تمت حلقة الحصار حول منطقة "أم قطف"، وتهيأت المجموعة 38 عمليات لاجتياحها من كافة الاتجاهات.
الاستيلاء على أم قطف
صدرت الأوامر إلى القوة الثانية بمنع أية محاولة من جانب المصريين للخروج من المواقع المتبقية تحت سيطرتهم: "أم قطف"، و"أم شيهان"، على المحور الشمالي إلى "العريش".
أوكلت مهمة الاستيلاء على "أم قطف" و"أم شيهان" إلى اللواء العاشر المشاة الإسرائيلي، الذي نجح منذ يومين في الاستيلاء على الجبهة الدفاعية الشرقية الخارجية من منطقة "عوجا المصري - تاره أم بسيس". وكان الهدف هو استكمال تدمير جميع المواقع الدفاعية، وفتح محور مباشر لتسهيل نقل الإمدادات إلى اللواء السابع مدرعات، وكان اللواء العاشر عبارة عن وحدة احتياط غير مدربة على التعامل مع نقطة حصينة في الصحراء، ولا يسمح تسليحه بذلك، حتى بعد تعزيزه بجزء من اللواء 37 مدرع من احتياطي القيادة الإسرائيلية العامة.
قامت وحدة استطلاع اللواء العاشر، المدعمة بسرية مشاه وعشر دبابات نصف جنزير، بمهاجمة "أم قطف" صباح أول نوفمبر، ورد المدافعون المصريون بسد كثيف من نيران المدفعية، فارتدت على أعقابها. وفي أثناء الليل فشلت محاولة ثانية، بعد أن ضلت كتيبتان طريقهما في محاولة لهما للوصول إلى الأجناب الشمالية والجنوبية لمواقع "أم قطف". وفي الصباح، ارتدت إحدى الكتيبتين، والتي كانت قد وصلت أخيراً إلى "أم قطف"، بفضل النيران القوية للقصف المدفعي، بينما نجحت الأخرى في الاستيلاء على موقع منعزل يبعد مسافة حوالي 2.5 كيلومتراً عن منطقة الدفاع الرئيسية. ولسبب ضعف فاعلية خطط القتال الإسرائيلية، والعجز عن تركيز الإمكانيات، ونجاح خطة دفاع القوات المصرية عن الموقع، فشل اللواء العاشر، وكذا اللواء 37 بعد ذلك في اختراق خطوط الدفاع. ورأى "ديان" أن اللواء العاشر لم يقدم المجهود القتالي الواجب، فاستبدل قيادته. ودفع اللواء 37 بجميع دباباته إلى أرض المعركة، وظلت المشاعل ومقذوفات المدافع تنهال بكثافة زائدة على دفاعات "أم قطف"، حتى الساعة الخامسة والربع من فجرالأول من نوفمبر، عندما بدأت مجموعة اللواء 37 شن الهجوم الرئيسي جنوب طريق "العوجة ـ أم قطف" مباشرة وصوب التبة 183 بكتيبتين أليتين، وكذا صوب التبة 186 بالكتيبة الثالثة الألية، وكتيبة مشاه راكبة من اللواء 10 المشاة.
وكان تقدير الآلوف "سمحوني" أن تمهيد مدفعيته قد حقق درجة إسكات ساحقة لن تصادف قواته بعدها مقاومة تذكر، فضلاً عما أوقعته من انهيار في معنويات المصريين يكفي معه اقتراب حاملات الأفراد المدرعة من سلسلة التباب الأمامية، التي تقع عليها دفاعات النسق الأول المصرية، ليترك الجنود خنادقهم فارين للخلف.
وحدث عكس ذلك تماماً، إذ بمجرد أن دخلت الحاملات المرمى المؤثر انفجر الموقف في "أم قطف" من أدناه إلى أقصاه، وراحت المعدات الإسرائيلية تشتعل. إما بالإصابة المباشرة بقذائف المدافع، أو بالمرور على الألغام، كما قتل الآلوف "شموئيل جولندا" قائد مجموعة اللواء 37، وبعض مرافقيه من هيئة أركانه الذين كانوا معه في الحاملة.
ولم تكد الشمس ترتفع حتى جاءت المقاتلات القاذفة الإسرائيلية، وقد انفردت بالسماء بعد أن حطمت الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية، الغطاء الجوي المصري خلال الليلة السابقة، وراحت تقصف خنادق الموقع الدفاعي واستحكاماته الهندسية من ارتفاعات منخفضة تضمن لها إحكام التصويب.
وفي نفس الوقت بدأت مجموعة من اللواء السابع المدرع الإسرائيلي الزحف على امتداد طريق "القصيمة ـ أم قطف"، طبقاً للخطة الموضوعة لمهاجمة تبتي "النزاع" والاستيلاء عليهما، إلا أنها فوجئت بنيران المدفعية المصرية، والأسلحة المضادة للدبابات، التي أجبرتها على تغيير اتجاه هجومها نحو الشمال، لاستغلال الثغرة الموجودة بين تبتي "النزاع" والتبة "186". إلا أن البطارية 87 المضادة للدبابات قد سبق وأعدت هذه الثغرة لإبادة العدو الذي يسوقه سوء الحظ إليها.
ولم يعد أمام القوة المهاجمة أدنى فرصة للنجاة، حيث أصيبت أغلب الدبابات الأمامية في اللحظات الأولى، بينما راحت نيران النجدة تلاحق من حاول منها مهاجمة تبتي "النزاع " من الجنب، وتجبره على التوقف والارتداد.
إلا أنه حدث في نفس الوقت أن ترك بعض جنود الاحتياط من الكتيبة 289 المشاة المصرية، خنادقهم دون إذن، وارتدوا نحو قيادة الكتيبة.
وعلى الرغم من فشل مجموعة اللواء السابع المدرع وارتدادها أمام تبتي "النزاع"، إلا أن كثرة اتجاهات الهجوم، وزيادة معدلات الغارات الجوية، وارتداد بعض جنود الاحتياط دون أوامر، وانقطاع المواصلات بين السرايا الأمامية، وضياع كل أمل في وصول نجدة من أي مكان، دفع العقيد "محمد سعد الدين متولي"، قائد مجموعة اللواء السادس المشاة، إلى محاولة تصحيح الوضع وإعادة السيطرة على الموقف ورفع المعنويات. وكان أول ما قرره أن يستعيد التبة "186"، فصدق للمقدم "علي عبد الخبير" قائد الكتيبة 18 المشاة، أن يشن عليها هجوماً مضاداً بما لديه من قوات. وقد شكل تلك القوة من رئاسة الكتيبة، وبعض أفراد السرية الرابعة المشاة، وعدد من المرتدين من الدفاعات الأمامية، وقد قام بقيادة الهجوم المضاد بنفسه.
نجح الهجوم المضاد في استعادة التبة، فبادر العقيد "متولي" إلى تنظيم توازن المواقع الدفاعية، فلم يحل وقت الظهر حتى كان قد سيطر على الموقف، وتمكن من إعادة الاتصال بالعميد "القاضي". أعاد العميد "القاضي" الاتصال بالعقيد "متولي" لينقل له توجيهات القائد العام بالقاهرة بضرورة انسحاب كافة القوات المصرية من سيناء، مع ضرورة إتلاف المعدات الثقيلة والاكتفاء باصطحاب الأسلحة الشحصية فقط، لاتخاذ مواقع دفاعية جديدة غرب قناة السويس، انتظاراً للغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي، الذي لم يعد هناك شك فيه بعد تلك الضربة الجوية المركزة، التي شنتها طائرات مارشال الجو "دنيس بارنيت"
قرر العقيد "متولي" أن يبدأ في التخلص من الحصار بعد آخر ضوء يوم 1 نوفمبر، وأصدر أوامره بعدم إجراء أية أعمال نسف أو حريق حتى لا يجذب انتباه العدو، وأن تنزع بعض الأجزاء الرئيسية من الأسلحة والمعدات وتدفن في أماكن متفرقة حتى لا يستفيد منها العدو.
ثم راح يصدر أوامره تباعاً بتخفيف المواقع تدريجياً، مع استمرار تمثيل الحياة بها لآخر وقت ممكن. وتبلورت الخطة في التسلل من "مكسر الفناجيل" في آخر ضوء نحو الشمال الغربي، بهدف الوصول إلى العريش، قبل أن تبزغ شمس 2 نوفمبر، مع تنظيم التحرك في أربع مجموعات، كلٌ بحجم كتيبة مشاه تقريباً، وبفاصل زمني بين كل مجموعة وأخرى مقداره نصف ساعة.
وتشكلت تلك المجموعات كالآتي:
- المجموعة الأولى (المقدمة): الكتيبة 17 المشاة عدا سريتين، والكتيبة 289 المشاة الاحتياط، وتبدأ التحرك الساعة السادسة مساء أول نوفمبر.
- المجموعة الثانية: باقي الكتيبة 17 المشاة، وسريتين من الكتيبة 18 المشاة، ورئاسة مجموعة اللواء 6 المشاة، وتبدأ التحرك الساعة السادسة والنصف مساءً.
- المجموعة الثالثة: سرية من الكتيبة 18 المشاة، ووحدات المدفعية، وتبدأ التحرك الساعة السابعة مساءً.
المجموعة الرابعة (المؤخرة): باقي الكتيبة 18 المشاة، وباقي الوحدات الأخرى، وتبدأ التحرك الساعة السابعة والنصف مساءً.
وقبل أن يحل الظلام كان قد تم تعطيل الأسلحة والمعدات الثقيلة، وإتلاف المخازن والأجهزة، ودفن الكثير من الذخائر والأجزاء الرئيسية من الأسلحة والمعدات في أماكن متفرقة. ولستر عملية الانسحاب، ظل عدد قليل من المدافع والرشاشات يطلق نيرانه المتقطعة حتى لاح ضوء الفجر.
نجحت مجموعة اللواء السادس المشاة في إخلاء الدفاعات، دون أن يشعر بها الجانب الإسرائيلي، ولتكرار فشل المجموعة 38 عمليات في اجتياز قاعدة "أم قطف"،أعتمد "ديان" أمر "سمحوني" بعزل الألوف مشنيه "شمويل جودير"، قائد اللواء العاشر مشاه، وتولي السجان ألوف " إسرائيل طال" القيادة مكانه. كما أمر "سمحوني" بمعاودة الهجوم قبل ظهر 2 نوفمبر.
وبدأ "سمحوني" هجومه الساعة 12 ظهراً بعد تمهيد نيراني مركز، أعقبه اندفاع سرية دبابات من الشرق، وأخرى من الغرب. ولسوء التنسيق، اشتبكت القوات ببعضهما بمجرد تقابلهما داخل المواقع الخالية قرب "أم شيهان"، وظل مستمراً حتى تحطمت 8 دبابات. ويمكن اعتبار هذا الاشتباك أنه معركة الدبابات الوحيدة التي دارت فوق رمال سيناء في خريف 1956.
الاستيلاء على الجفجافة
قرب منتصف ليلة 31 أكتوبر / 1 نوفمبر، أصدر "ديان"، أمراً إلى قائد اللواء 7 المدرع الألوف مشنيه "بن أري"، أن يبدأ التحرك في اتجاه "الجفجافة" في أول ضوء، وفي الساعة السادسة صباحاً كانت كتيبتا "بن آري" المدرعتان تجتازان "بير الحمة" في الطريق إلى "بير روض سالم"، حيث توجد القاعدة الإدارية الرئيسية لقوات سيناء.
وبمجرد اقتراب دبابات المقدمة من القاعدة، وقعت في مرمى قذائف مؤخرة الفرقة الرابعة المدرعة المصرية التي كانت تستر ارتداد القوات من بير "الجفجافة"، فحدثت عدة خسائر في دبابات الطرفين، قبل أن تتوقف المؤخرة عن الاشتباك، وتبدأ الانسحاب للخلف بعد أن أتمت مهمتها في تعطيل العدو.
ودخلت قوات "بن آري" القاعدة الإدارية حوالي الساعة السابعة، لتغنم كميات كبيرة من الذخائر والملبوسات والأطعمة والوقود، بينما استمرت مفرزة من تسع دبابات في الضغط على المؤخرة المنسحبة ومطاردتها صوب الجفجافة.
وعندما وصلت إلى مسافة ثمانية كم غرب "بير روض سالم"، وقعت قوة المطاردة للمرة الثانية في مرمى النيران المصرية، التي استمرت عدة ساعات وحطمت دبابتين، فقطع "بن آري" الاشتباك لقرب نفاذ الوقود، وعاد إلى الخلف ليخلي جرحاه ويتزود بالوقود.
تقدمت قوات "بن آري" مع أول ضوء 2 نوفمبر، صوب "مضيق الجفجافة"، وقبل أن تصل بنحو ساعة، كانت المقاتلات الإسرائيلية قد بدأت قصفه بالقنابل شديدة الانفجار، والنابالم، حتى أحالته إلى كتلة من النيران، الذي زادت دبابات "بن آري" ألسنته اشتعالاً قبل أن تقتحمه لتجده خالياً من قوات الفرقة الرابعة المدرعة، التي عبرت القناة تحت جنح الظلام، لتحتل أماكنها على الضفة الغربية.
في الغروب وقبل مخرج المضيق، اصطدمت قوات "بن آري" بحرس مؤخرة المجموعة الأولى المدرعة، ودارت معركة قصيرة، حيث أبلت فصيلة من الدبابات طرازT-34، ومدافع الاقتحام طراز IS/U100، بلاءً حسناً قبل أن تستأنف الانسحاب نحو القناة ليلة 2/3 نوفمبر، تتبعها دبابات "بن آري" حتى مسافة 10 كم شرق القناة، حيث توقفت طبقاً لاتفاقية التواطؤ التي قضت بألا يقترب الإسرائيليون لأقل من عشرة أميال على امتداد القناة.
معركة أم قطف، وسد الروافعة (أُنظر شكل معركة أم قطف)
القوات المصرية
قائد الفرقة الثالثة مشاة: أميرالاي أركان حرب أنور عبد الوهاب القاضي
قائد مجموعة اللواء السادس مشاة : قائمقام سامي بولس
قائد مجموعة اللواء السادس مشاة : قائمقام سعد الدين متولي
قائد الكتيبة 18 مشاة.بكباشي علي عبد الخبير
القوات الإسرائيلية
قائد المجموعة 38 عمليات :ألوف مشنيه سهودا والاش
قائد مجموعة اللواء 4 مشاة احتياط : ألوف مشنيه يوسف هاربز
قائد مجموعة اللواء 7 مدرع : ألوف مشنيه أوري بن آري
قائد المجموعة 37 عمليات : ألوف حشيبتن جولندا
[1] سد الروافعة ويطلق علية سد روفا: بناه البريطانيون لتجميع سيول الأمطار الشتوية بوادي العريش كي يستخدمها البدو.