الشعب والمجلس العسكرى.. ماذا بعد؟ - محمد أبو الغار
الشعب والمجلس العسكرى.. ماذا بعد؟، د. محمد أبو الغار.
لقد قامت الثورة المصرية بأيدى شبابها وشيوخها، رجالها ونسائها، وخرجت الملايين وأصرت على إسقاط النظام بالكامل، ودفع الشعب دماءً غالية من الشهداء وجرحى بالآلاف وتساقط رموز النظام واحداً بعد الآخر، حتى أتى الدور على مبارك وابنيه، وخلال هذه الثورة قام الجيش بحماية المتظاهرين ورفض إطلاق النار عليهم وكان هذا انحيازاً واضحاً من الجيش للشعب. والآن.. وبعد أن تحققت مطالب الشعب الأساسية بمحاكمة رؤوس النظام السابق بقى أن يتم استرداد الأموال التى سرقوها وهربوها، وهذا لن يتأتى إلا بعد محاكمتهم أمام القاضى الطبيعى فى محكمة الجنايات وإدانتهم، وحتى يتم ذلك أمامنا الآن قرارات يجب اتخاذها وذلك من الشعب والجيش معاً:
أولاً: يجب أن نتفق جميعاً على ما هو المستوى الذى يجب أن تتوقف عنده المحاكمات. نحن نعلم أن هناك الآلاف من المصريين كانوا مرتبطين بنظام مبارك بطريقة أو أخرى، واستفادوا مادياً ووظيفياً من علاقتهم بالحزب الوطنى، ولا يمكن أن نستمر فى توزيع الاتهامات على الصغار ونطالب بمحاكمة الآلاف، والتى قد تستمر سنوات تتعطل فيها الثورة عن تحقيق أغراضها، وندخل فى متاهة خلط الشكاوى الكيدية بالشكاوى الحقيقية فى الفساد الصغير، ولنأخذ تجربة ثورات مماثلة مثل شيلى وجنوب أفريقيا.
لقد قررت ثورة شيلى بعد طرد السفاح بينوشيه أن تعاقب وتحاكم مجموعتين، الأولى هى كبار معاونيه الذين أذلوا وأهانوا الشعب ونهبوا ثروات شيلى وتغاضوا عن الآلاف من المستويات الصغيرة، والمجموعة الثانية التى أصروا على محاكمتها هى التى قامت بتعذيب المواطنين، وهى تهمة لا تسقط بالتقادم فى القانون المصري. وأعتقد أن علينا أن نقفل هذا الباب حماية للثورة من الضياع فى متاهة الانتقام والمحاكمات الصغيرة التى لن تنتهى، ونكتفى بمحاكمة الكبار والذين قاموا بتعذيب المصريين.
ثانياً: كان الجيش واضحاً حين أعلن أنه يريد أن يعود فى أقرب فرصة إلى ثكناته، وأنا أعتقد أن هذا مطلب سليم، لأن وظيفة الجيش الأساسية هى حماية حدود الوطن والدفاع عنه وليس الوقوف فى الميادين والشوارع. وأعتقد أن الاحتكاك اليومى بين الجيش والشعب فى الشارع أمر غير صحى،
وقد أدى ذلك إلى عصبية بين الناس من جهة وبعض مسؤولى الجيش من ناحية أخرى. وبعد القبض على مبارك وتعليق الاعتصامات فى التحرير باتفاق قوى الشعب، فأعتقد أنه يجب صدور عفو شامل لكل من حكم عليه بسبب التظاهر أو الاعتصام أو إبداء الرأى، وقصر المحاكمات العسكرية على البلطجة وعلى من يقومون بجرائم الخطف والاغتصاب أو الاعتداء على دور العبادة أو ترويع المواطنين وإحداث عاهات بهم. أعتقد أنه يجب أن تبدأ الشرطة تدريجياً بالعودة إلى العمل فى مناطق صغيرة تتسع تدريجياً وتخلى من الجيش، ويراعى فى هذه المناطق اختيار ضباط حسنى السمعة.
ثالثاً: من المفروض أن يعود الجيش إلى عمله الأساسى بعد انتخاب البرلمان والرئيس وما لم تتم الانتخابات فى جو نظيف ينتج عنه مجلس يمثل الثورة فسوف تحدث سلسلة من الفوضى الخطيرة فى الشارع المصرى، وسوف يكون الخاسر الرئيسى هو مصر والمصريين ومستقبل الأمة.
لقد عرف المصريون الثورة ولن تستطيع قوة على وجه الأرض منعهم من النزول مرة أخرى إذا شعروا بالظلم والإهانة فى الانتخابات القادمة، خاصة فى عدم وجود شرطة حقيقية وفى وجود بلطجية وفى وجود قوى من النظام السابق تسعى لإفساد العملية الانتخابية، ولذا على جميع القوى التى شاركت فى الثورة أن تتنافس بشرف ولا تخل بقواعد اللعبة وقوانين الانتخابات وألّا تكيل اتهامات كاذبة وتمنع استخدام الدين والبعد الطائفى، وعلى القوات المسلحة أن تضع النظام الانتخابى الذى يقلل من الاحتكاك والبلطجة وسطوة المال وفى الوقت نفسه يضمن عدلاً أكثر فى تمثيل المصريين، مثل القائمة النسبية مع الانتخاب بالرقم القومى.
رابعاً: حتى تعود عجلة الاقتصاد يجب الانتهاء من المحاكمات فى أقصى سرعة ممكنة، ويمكن دراسة بعض الاقتراحات مثل:
التفرقة بين الوزير الذى استغل وظيفته ووزع أراضى الدولة بأبخس الأسعار والذى يجب معاقبته بشدة لخيانة الأمانة وإهدار ثروة الشعب وبين المواطن الذى اشترى الأرض من الدولة بسعر بخس بسبب صلاته وانتمائه للنظام، وهنا يمكن أن يكتفى بأن يدفع الفرق بين السعر الذى دفعه والسعر الحقيقى، مع دفع غرامة مناسبة، ويتركوه يخرج من السجن ليزاول عمله.
وكذلك يجب ضمان الأمن بسرعة مع نزول الشرطة فى المناطق السياحية فى سيناء مع نقل الرئيس السابق للقاهرة، لأن وجوده يمنع عودة السياحة هناك، والدعوة بسرعة لإعادة سياسة المؤتمرات إلى مصر. وبعد أن تم تقديم جميع الكبار للمحاكمة وفور إلغاء الأحكام العسكرية التى صدرت سوف يعود الهدوء وسوف تتوقف بصفة دائماً مليونيات التحرير حتى تدور عجلة الاقتصاد.
ولابد أن تخرج وفود رسمية إلى العالم الأول ودول الخليج لدفعهم للاستثمار فى مصر وتشجيع المصريين، الذين هرّبوا أموالهم فى أسابيع الثورة الأولى، على إعادتها لبدء عجلة التنمية. حينئذٍ سوف يقل تواجد الجيش فى الشارع ويقل احتكاكه بالناس حتى تعود العلاقات الطبيعية فى المجتمع، وعلى المصرى أن يضاعف العمل والتضحيات لإنقاذ الوضع الاقتصادى.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .