الشافعي - جماع العلم
جماع العلم للإمام الشافعي بسم الله الرحمن الرحيم اخبرنا الربيع بن سليمان قال اخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال 1لم اسمع أحدا نسبه الناس آو نسب نفسه آلي علم يخالف في آن فرض الله عز وجل اتباع آمر رسول الله والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده آلا اتباعه وانه لا يلزم قول بكل حال آلا بكتاب الله آو سنة رسوله وان ما سواهما تبع لهما وان فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله واحد لا يختلف في آن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى 2 قال محمد بن إدريس ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله تفرقا أما بعضهم فقد أكثر من التقليد والتخفيف من النظر والغفله والإستعجال بالرياسة 3 وسأمثل لك من قول كل فرقه عرفتها مثالا يدل على ما وراءه إن شاء الله تعالى 1 باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها قال الشافعي رحمه الله تعالى 4 قال لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقران نزل بلسان من أنت منه وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال الله عز وجل في القرآن تبيانا لكل شيء فكيف جاز عند نفسك آو لأحد في شيء فرض الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الأمر فيه فرض ومرة الأمر فيه دلالة وإن شاء ذو إباحة 5 وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر عن آخر أو حديثان أو ثلاثة حتى تبلغ به رسول الله وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوا على أن تقولوا له بئس ما قلت 6 أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه يخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنكم تعطون بها وتمنعون بها 7 قال فقلت إنما نعطي من وجه الإحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض 8 قال ومثل ماذا 9 قلت إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة وإبائه اليمين وحلف صاحبه والإقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن أعطينا بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة 10 قال وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها 11 فقال لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيه الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحدا الشك في حرف منه أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها 12 فقلت له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله والفرق بين ما دل رسول الله على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك مكان رسول الله إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة 13 قال نعم 14 قلت فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول 15 قال أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر فإن أوجدته كان أزيد في إيضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع من قوله لقولك 16 فقلت إن سلكت سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على إنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم إن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي إن تغفل من أمر دينك 17 قال فأذكر شيئا إن حضرك 18 قلت قال الله عز وجل هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة 19 قال فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة 20 قلت سنة رسول الله 21 قال أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه 22 قلت تعني بأن يبين لهم عن الله عز وعلا مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي لسان نبيه 23 قال إنه ليحتمل ذلك 24 قلت فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل أليه إلا بخبر عن رسول الله 25 قال فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام 26 قلت وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا 28 قلت فأظهرهما أولاهما في القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت أليه 29 قال وأين هي 30 قلت قال الله عز وجل ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ) فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان 31 قال فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة 32 قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها 33 قال فهذه أبين في أن الحكمة غير القران من الأولى 34 وقلت أفترض الله علينا إتباع نبيه 35 قال وأين 36 قلت قال الله عز وجل ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) 37 وقال عز وجل ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) 38 وقال ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) 39 قال ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله ولو كان بعض ما قال أصحابنا إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله 40 قلت لقد فرض الله عز وجل علينا إتباع أمره فقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 41 قال أنه لبين في التنزيل إن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله 42 قال قلت والفرض علينا وعلى من هو من قبلنا ومن بعدنا واحد 43 قال نعم 44 قلت فإن كان ذلك علينا فرضا في إتباع أمر رسول الله أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه 45 قال نعم 46 قلت فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في إتباع أوامر رسول الله أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله الإ بالخبر عن رسول الله 47 وإن في أن لا اخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عن رسول الله 48 قال وقلت له أيضا يلزمك في ناسخ القرآن ومنسوخة 49 قال فاذكر منه شيئا 50 قلت قال تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) 51 وقال في الفرائض ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) 52 فزعمنا بالخبر عن رسول الله إن أية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله 53 قال هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله وقد صرت إلى قبول الخبر لزم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه في كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بإن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيت الحق 54 ولكن أرأيت العام في القران كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى 55 قلت له لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى 56 قال فاذكر منها شيئا 57 قلت قال الله عز وجل ( الله خالق كل شيء ) فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام 58 وقال ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام 59 وفيه الخصوص وقال ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم 60 وقال ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) وقد أحاط العلم إن كل الناس في زمان رسول الله لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا 61 وقال ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت ) دل على آن العادين فيه أهلها دونها 62 وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي 63 فقال هو كما قلت كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص 64 قلت فرض الله الصلاة الست تجدها على الناس عاما 65 قال بلى 66 قلت وتجد الحيض مخرجات منه 67 قال نعم 68 وقلت وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها 69 قال بلى 70 قلت وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض 71 قال نعم 72 قلت وفرض المواريث للآباء وللأمهات عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة 73 قال نعم ونحن نقول ببعض هذا 74 قلت فما دلك على هذا 75 قال السنة لأنه ليس فيه نص قرآن 76 قلت فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ماأنزل خاصا وناسخا ومنسوخا 77 قال نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان 78 قلت فما لزمه 79 قال أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال في كل أيام وقال ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض 80 وقال غيره ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه ودخل عليه آن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما 81 والخطأ ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما 82 ولكن هل من حجة في أن تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة 83 قلت نعم 84 قال ما هو 85 قلت ما تقول في هذا لرجل إلى جنبي أمحرم الدم والمال 86 قال نعم 87 قلت فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه 88 قال أقتله قودا وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له 89 قال قلت آو يمكن في الشاهدين آن يشهدا بالكذب والغلط 90 قال نعم 91 قلت فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة 92 قال أمرت بقبول الشهادة 93 قلت افتجد في كتاب الله تعالى نصا آن تقبل الشهادة على القتل 94 قال لا ولكن استدلالا آني لا أؤمر بها آلا بمعنى 95 قلت افيحتمل ذلك المعنى آن يكون لحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية 96 قال فإن الحجة في هذا آن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين فقلنا الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وان لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله وان اخطأ بعضهم 97 فقلت له أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله والإجماع دونه 98 قال ذلك الواجب علي 99 وقلت له أنجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة وهي غير إحاطة 100 قال كذلك أمرت 101 قلت فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب آلا الله وآنا لنطلب في المحدث اكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة بشر لا نقبل حديث واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات 102 قال فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى مع ما وصفت في بيان الخطأ فيه وما يلزمهم اختلاف أقاويلهم 103 وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم 104 فقال لي قد قبلت منك آن اقبل الخبر عن رسول الله وعلمت آن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما اجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من انهم لا يجتمعون ولا يختلفون آلا على حق آن شاء الله تعالى 105 افرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله عز وجل ولا خبرا عن رسول الله مما أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شيء وأبطاله من أين وسعك القول بما قلت منه وانى لك بمعرفة الصواب والخطأ فيه وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك آو تقول فيه متعسفا فمن أباح لك أن تحل وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذى عليه فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قبله بلا مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه 106 فأبن من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة وآلا كان قولك بما لا حجة لك فيه مردودا عليك 107 فقلت له ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شيء ولا حظره ولا اخذ شيء من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم 108 فما لم يكن داخلا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما أستحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا على اجتهاد به على طلب الأخبار اللازمة 109 ولو جاز أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول من حيث وصفت 110 فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولي عليك مسئلتان 111 احداهما آن تذكر الحجة في آن لك آن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق آن تقول على غير قياس واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك 112 قلت آن الله انزل الكتاب تبيانا لكل شيء والتبيين من وجوه منها ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وآمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم 113 فإذا أمرهم بطلب ما افترض دلك ذلك والله اعلم دلالتين احداهما آن الطلب لا يكون آلا مقصودا بشيء انه يتوجه له لا آن يطلبه الطالب متعسفا والأخرى انه كلفه بالاجتهاد في التأخي لما آمره بطلبه 114 قال فاذكر الدلالة على ما وصفت 115 قلت قال الله عز وجل ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) وشطره قصده وذلك تلقاؤه 116 قال اجل 117 قلت وقال ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) 118 وقال ( وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر وخلق الجبال والأرض ) 119 وجعل مسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت ولا يسعه إلا الصواب القصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض 120 قال هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت 121 قلت أما على إحاطة من أني إذا توجهت أصبت ما أكلف وأن لم أكلف أكثر من هذا فنعم 122 قال افعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك 123 قلت أفهذا شيء كلفت الإحاطة في أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد 124 وقال فما كلفت 125 قلت التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من غيره فلا يحيط به آدمي 126 قال فنقول أصبت 127 قلت نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به 128 فقال ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به 129 وان من قال كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم انه لا يصلي آلا آن يحيط بأن يصيب أبدا وان القرآن ليدل كما وصفت على انه إنما آمر بالتوجه آلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة 130 فقال اذكر غير هذا آن كان عندك قال الشافعي رحمه الله تعالى 131 وقلت له قال الله عز وجل ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل ) 132 على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما آمر العدلين آن يحكما بالمثل آلا على الاجتهاد لم يجعل الحكم عليهما حتى آمرهما بالمثل 133 وهذا يدل على مثل ما دلت عليه الآية قبله من انه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد آن يحكم بالاجتهاد آلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من آن يصيبها بالتوجه آن يكون يصلي حيث شاء في غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا 134 ويدل على انه لا يجوز لا حد آن يقول في شيء من العلم آلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد 135 ولا يكون الاجتهاد آلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب آو سنة آو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد 136 فأما من لا آلة فيه فلا يحل له آن يقول في العلم شيئا 137 ومثل هذا آن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن آن يكون يستبطن خلافه ولكن لم يكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من آن باطنه كظاهره آن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله 138 وبين آن لا يجوز لا حد آن يقول في العلم بغير ما وصفنا 139 قال افتوجدنية بدلالة مما يعرف الناس 140 فقلت نعم 141 قال وما هي 142 قلت ارأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه 143 قال لا يريه آلا أهل العلم به 144 قلت لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة آن يعرفوا أسوا قه يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه وما لا ينقصه 145 قال نعم 146 قلت ولا يعرف ذلك غيرهم 147 قال نعم 148 قلت ومعرفتهم فيه بالاجتهاد بأن يقيسوا الشيء بعضه ببعض على سوق يومها 149 قال نعم 150 قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة 151 قال نعم 152 قلت فإن قال غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد اذ كنت على غير إحاطة من آن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم آن هؤلاء يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف 153 فقال ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة 154 قلت ولو قال أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة نقول فيه على غير قياس ونثبت في الظن بسعر اليوم والتأمل لم يكن ذلك لهم 155 قال نعم 156 قلت فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة نبيه وبما قال العلماء وعاقل ليس له آن يقول من جهة القياس والوقف في النظر 157 ولو جاز لعالم آن يدع الاستدلال بالقياس والاجتهاد فيه جاز للجاهلين آن يقولوا ثم لعلهم اعذر بالقول فيه لأنه يأتي الخطأ عامدا بغير اجتهاد ويأتونه جاهلين 158 قال افتوجدني حجة في غير ما وصفت آن للعالمين آن يقولوا 159 قلت نعم 160 قال فاذكرها 161 قلت لم اعلم مخالفا في آن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم آلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في امور ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على انهم إنما حكموا اجتهادا آن شاء الله تعالى 162 قال افتوجدني هذا من سنة 163 قلت نعم اخبرنا الربيع قال اخبرنا الشافعي قال اخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله يقول إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر 164 وقال يزيد بن الهاد فحدثت هذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة 165 قال الشافعي فقال فأسمعك تروي فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر باب حكاية قول من رد خبر الخاصة أخبرنا الربيع قال محمد بن إدريس الشافعي 166 فوافقنا طائفة في آن تثبيت الأخبار عن النبي لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد آن يخالفها 167 ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا احفظ آن احكي كلام المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا انه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فاثبت أش ياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم واسأل الله تعالى العصمة والتوفيق 168 قال فكانت جملة قولهم آن قالوا لا يسع أحدا من الحكام ولامن المفتيين آن يفتي ولا يحكم آلا من جهة الإحاطة 169 والإحاطة كل ما علم انه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله وذلك الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يتفرقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا آلا نقبل منهم آلا ما قلنا مثل آن الظهر أربع لان ذلك الذي لا ينازع فيه و لا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه 170 قلت له لست احسبه يخفى عليك ولا على أحد حضرك انه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة 171 قال وكيف 172 قلت علم العامة على ما وصفت لا تلقى أحدا من المسلمين آلا وجدت علمه عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها 173 وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم آلى من لقيت تختلف اقاويلهم وتتباين تباينا بينا فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم يذهبوا آلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطىء عنده وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى 174 وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به كله على الله كما زعمت 175 فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا 176 فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال فأنا أحدث لك غير ما قال 177 قلت فاذكره 178 قال العلم من وجوه منها ما نقلته عامة من عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض 179 قلت هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد 180 ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف آلى باطن أبدا وأن احتمله آلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على الظاهر 181 قال ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكوا عن من قبلهم الاجتماع عليه وان لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه 182 قلت فصف لي ما بعده 183 قال ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط 184 ثم أخر هذا القياس ولا يقاس منه الشيء بالشيء حتى يكون مبتداه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ آلى أن ينقضي سواء فيكون في معنى الأصل 185 ولا يسع التفرق في شيء مما وصفت من سبيل العلم 186 والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها 187 والإجماع حجة على كل شيء لأنه لا يمكن فيه الخطأ 188 قال فقلت أما ما ذكرت من العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت 189 أفرأيت الثاني الذي قلت لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحكي عن من قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب آلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الإسلام غير مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا 190 قال بل هو وجه غير هذا 191 قلت فصفه 192 قال هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لأنهم منفردون بالعلم دونهم مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم يقم بهم على أحد حجة وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن ترد آلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها دلتني على حال من قبلهم أن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن لأنهم لا يجتمعون من جهة فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لأني لا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قوله فأما ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فلم تقم حجة بأمر يمكن فيه الغلط 193 قال فقلت له هذا تجويز إبطال الأخبار وإثبات الإجماع لأنك زعمت أن افتراقهم غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه 194 وقلت له ومن أهل العلم الذين إذا أجمعوا قامت بإجماعهم حجة 195 قال هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه 196 قلت فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون قولهم حجة 197 قال فإن قلت لا 198 قلت أفرأيت إن مات أحدهم أو غلب على عقله أيكون للتسعة أن يقولوا 199 قال فإن قلت نعم 200 وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول 201 قال فإن قلت لا 202 قلت فأي شيء قلت فيه كان متناقضا 203 قال فدع هذا 204 قلت فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهي إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في الفقهاء الذين لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون 205 قال فإن قلت إنهم داخلون فيهم 206 قلت فإن شئت فقله 207 قال فقد قلته 208 قال فما تقول في المسح على الخفين 209 قال فإن قلت لا يمسح أحد لأني إذا اختلفوا في شيء رددته إلى الأصل والأصل الوضوء 210 قلت وكذلك تقول في كل شيء 211 قال نعم 212 قلت فما تقول في الزاني الثيب أترجمه 213 قال نعم 214 قلت كيف ترجمه وممن نص بعض الناس علماء أن لا رجم على زان لقول الله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فكيف ترجمه ولم ترد إلى الأصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة 215 قال إن أعطيتك هذا دخل علي فيه شيء تجاوزه القدر كثرة 216 قلت أجل 217 قال فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه الجواب الأول 218 قلت فقل 219 قال لا أنظر إلى قليل من المفتيين وأنظر إلى الأكثر 220 قلت أفتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم 221 قال ما أستطيع أن أحدهم ولكن الأكثر 222 قلت أفعشرة أكثر من تسعة 223 قال هؤلاء متقاربون 224 قلت فحدهم بما شئت 225 قال ما أقدر أن أحدهم 226 قلنا فكأنك اردت آن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود فإذا اخذت بقول اختلف فيه قلت عليه الأكثر واذا اردت رد قول قلت هؤلاء الاقل أترضى من غيرك بمثل هذا الجواب 227 رأيت حين صرت آلي آن دخلت فيما عبت من التفرق 228 أرأيت لو كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت انك لا تقبل إلا من الأكثر فقال ستة فاتفقوا وخالفهم أربعة أليس قد شهدت للستة بالصواب وعلى الأربعة بالخطأ 229 قال فإن قلت بلى 230 قلت فقال الأربعة في قول غيره فاتفق اثنان من الستة معهم وخالفهم أربعة 231 قال فآخذ بقول الستة 232 قلت فتدع قول المصيبين بالاثنين وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليهم مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ وهذا قول متناقض 233 وقلت له ارأيت قولك لا تقوم الحجة إلا بما اجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل آلى إجماعهم كلهم ولا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم آو تنقل عامة من عامة عن كل واحد منهم 234 قال ما يوجد هذا 235 قلت فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وان لم تقبل عن كل واحد آلا بنقل العامة لم نجد في اصل قولك ما اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لأنه لا سبيل أليه ابتداء لأنهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخبر عنهم بنقل عامة عن عامة 236 قلت فأسمعك قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما قلدوه الفقه ونسبوه أليه فأسمعك قلدت من لا ترضاه وافقه الناس عندنا وعند أكثرهم اتبعهم للحديث وذلك أجهلهم لان الجهل قبول خبر الانفراد وكذلك اكثر ما يحتاجون فيه آلى الفقهاء ويفضلونهم به مع آن الذي ينصف غير موجود في الدنيا 237 قال وكيف لا يوجد 238 قال هو آو بعض من حضر معه فإني أقول إنما أنظر في هذا آلى من يشهد له أهل الحديث بالفقه 239 قلت ليس من بلد آلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه آلى الجهل آو آلى أنه لا يحل له أن يفتي ولا يحل لا حد أن يقبل قوله 240 وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم 241 فعلمنا أن من أهل مكة من كان لا يكاد يخالف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه ثم أفتى بها الزنجي بن خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم يميل آلى قول سعيد بن سالم ومن أصحاب كل واحد من هذين يستضعفون الآخر ويتجاوزون القصد 242 وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب ثم يتركون بعض قوله ثم حدثا في زماننا منهم مالك كان كثير منهم يقدمه وغيره يسرف عليه في تضعيف مذاهبهم قد رأيت أبن أبي الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه ورأيت المغيرة وأبن أبي حازم والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم 243 ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح 244 وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان 245 ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي 246 ثم لعل كل صنف من هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان 247 وهكذا رأيناهم فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا 248 فإذا كان أهل الأمصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض من يفتي منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتي لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت يعني آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتي بجهالته يعني الذي زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله 249 ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم من أهل زمانهم 250 فأين أجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام وكما وصفت رأيهم أو رأي أكثرهم وبلغني عن من غاب عني منهم شبيه بهذا فإن اجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء إذا اجتمعوا على شيء قبلته 251 قال وانهم أن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم آو تأويل آو غفلة آو نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا 252 فقيل له فإن لم يجمعوا لك على واحد منهم أنه في غاية فكيف جعلته عالما 253 قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم 254 قلت نعم ويجتمعون لك على آن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام 255 وما أسمك وطريقك إلا بطريق التفرق إلا أنك تجمع إلى ذلك أن تدعي الإجماع 256 وإن في دعواك الإجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى الإجماع في علم الخاصة 257 قال فهل من إجماع 258 قلت نعم نحمد الله كثير في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها وذلك الإجماع هو الذي لو قلت أجمع الناس لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع 259 فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه ودون الأصول غيرها 260 فأما ما ادعيت من الإجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك ويحكى عن أهل كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا 261 قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الإجماع فيما ادعي من ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله آلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته وعابوه إنما إدعاء الإجماع في فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الإجماع على الأمة في الدنيا 263 قال إنما عبناه أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الإجماع ولا يجوز الإجماع آلا على ما وصفت من آن لا يكون مخالف فلعل الإجماع عنده الأكثر وان خالفهم الأقل فليس ينبغي آن يقول إجماعا ويقول الأكثر إذا كان لا يروي عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شيء لم يجز أن ينسب آلى آن يكون مجمعا على قوله كما لا يجوز آن يكون منسوبا آلى خلافه 264 فقلت له آن كان ما قلت من هذا كما قلت الذي يلزمك فيه اكثر لان الإجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان آن يوجد في الدنيا ابعد 265 قال وقلت قولك وقول من قال الإجماع خلاف الإجماع 266 قال فأوجدني ما قلت 267 قلت آن كان الإجماع قبلك إجماع الصحابة آو التابعين آو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمرا تسميه إجماعا 268 قال ما هو اجعل له مثالا اعرفه 269 قلت كأنك ذهبت آلى آن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الإجماع ما اجمع عليه هؤلاء 270 قال نعم 271 قلت زعمت انهم لم يجتمعوا قط في مجلس علمته وإنما استدللت على إجماعهم بنقل الخبر عنهم وانك لما وجدتهم يقولون في الأشياء ولا تجد فيها كتابا ولا سنة استدللت على انهم قالوا بها من جهة القياس فقلت القياس العلم الثابت الذي اجمع عليه أهل العلم انه حق 272 قال هكذا قلت 273 وقلت له قد يمكن آن يكونوا قالوا ما لم تجده أنت في كتاب ولا سنة وان لم يذكروه وما يرون لم يذكروه وقالوا الرأي دون القياس 274 قال آن هذا وان أمكن عليهم فلا أظن بهم انهم علموا شيئا فتركوا ذكره ولا انهم قالوا آلا من جهة القياس 275 فقلت له لأنك وجدت أقاويلهم تدل على انهم ذهبوا آلى آن القياس لازم لهم آو إنما هذا شيء ظننته لأنه الذي يجب عليهم 276 قلت له فلعل القياس لا يحل عندهم محله عندك 277 قال ما أرى آلا ما وصفت لك 278 فقلت له هذا الذي رويته عنهم من انهم قالوا من جهة القياس توهم ثم جعلت التوهم حجة 279 قال فمن أين أخذت القياس أنت ومنعت آن لا يقال آلا به 280 قلت من غير الطريق التي أخذته منها وقد كتبته في غير هذا الموضع 281 قلت ارأيت الذين نقلوا لك عنهم انهم قالوا فيما لم تجد أنت فيه خبرا فتوهمت انهم قالوه قياسا وقلت إذا وجدت أفعالهم مجتمعة على شيء فهو دليل على إجماعهم انقلوا إليك عنهم انهم قالوا من جهة الخبر المنفرد 282 فروى ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي شيئا واخذ به وعن أبي سعيد الخدري في الصرف شيئا واخذ به وله فيه مخالفون من الأمة 283 وروى عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي في المخابرة شيئا واخذ به وله فيه مخالفون 284 وروى الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي أشياء اخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم 286 وروى الحسن عن الرجل عن النبيى أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم ورووا لك عنهم انهم عاشوا يقولون بأقاويل يخالف كل واحد منهم فيها قضاء صاحبه وكانوا على ذلك حتى ماتوا 287 قال نعم قد رووا هذا عنهم 288 فقلت له فهؤلاء جعلتهم أئمة في الدين وزعمت آن ما وجد من فعلهم مجمعا لزم العامة الأخذ به ورويت عنهم سننا شتى وذلك قبول كل واحد منهم الخبر على الانفراد وتوسعهم في الاختلاف ثم عبت ما اجمعوا عليه لا شك فيه وخالفتهم فيه فقلت لا ينبغي قبول الخبر على الانفراد ولا ينبغي الاختلاف وتوهمت عليهم انهم قاسوا فزعمت انه لا يحل لأحد أن يدع القياس ولا يقول آلا بما يعرف 289 آن قولك الإجماع خلاف الإجماع بهذا وبأنك زعمت انهم لا يسكتون على شيء علموه وقد ماتوا لم يقل أحد منهم قط الإجماع علمناه 290 والإجماع اكثر العلم لو كان حيث ادعيته آو ما كفاك عيب الإجماع آن لم يرووا عن أحد بعد رسول الله دعوى الإجماع آلا فيما لا يختلف فيه أحد آلا عن أهل زمانك هذا 291 فقال فقد ادعاه بعضهم 292 قلت افحمدت ما ادعى منه 293 قال لا 294 قلت فكيف صرت آلى آن تدخل فيما ذممت في اكثر مما عبت آلا تستدل من طريقك آن الإجماع هو ترك ادعاء الإجماع ولا تحسن النظر لنفسك إذا قلت هذا إجماع فوجدت حولك من أهل العلم من يقول لك معاذ الله آن يكون هذا إجماعا بل فيما ادعيت انه إجماع اختلاف من كل وجه في بلد آو اكثر من يحكى لنا عنه من أهل البلدان 295 قال وقلت لبعض من حضر هذا الكلام منهم نصير بك آلى المسئلة عما لزم لنا ولك من هذا 296 قال وما هو 297 قلت أفرأيت سنة رسول الله بأي شيء تثبت 298 قال أقول القول الأول الذي قاله لك صاحبنا 299 فقلت ما هو 300 قال زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه 301 قلت فاذكر الأولى منها 302 قال خبر العامة عن العامة 303 قلت أكقولكم الأول مثل أن الظهر أربع 304 قال نعم 305 فقلت هذا مما لا يخالفك فيه أحد علمته فما الوجه الثاني 306 قال تواتر الأخبار 307 فقلت له حدد لي تواتر الأخبار بأقل مما يثبت الخبر واجعل له مثالا لنعلم ما يقول وتقول 308 قال نعم إذا وجدت هؤلاء النفر للأربعة الذين جعلتهم مثالا يروون فتتفق روايتهم أن رسول الله حرم شيئا أو أحل استدللت على أنهم بتباين بلدانهم وإن كل واحد منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه وقبله عنه من أداه إلينا ممن لم يقبل عن صاحبه إن روايتهم إذا كانت هكذا تتفق عن رسول الله فالغلط لا يمكن فيها 309 قال وقلت له لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعة في بلد ولا إن قبل عنهم أهل بلد حتى يكون المدني يروي عن المدني والمكي يروي عن المكي والبصري يروي عن البصري والكوفي يروي عن الكوفي حتى ينتهي كل واحد منهم بحديثه إلى رجل من أصحاب النبي غير الذي روى عنه صاحبه ويجمعوا جميعا على الرواية عن النبي للعلة التي وصفت 310 قال نعم لأنهم إذا كانوا في بلد واحد أمكن فيهم التواطؤ على الخبر ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة 311 فقلت له لبئس ما نثبت به على من جعلته إماما في دينك إذا ابتدأت وتعقبت 312 قال فاذكر ما يدخل علي فيه 313 فقلت له ارأيت لو لقيت رجلا من أهل بدر وهم المقدمون من أثنى الله تعالى عليهم في كتابه فأخبرك خبرا عن رسول الله لم تلفه حجة ولا يكون عليك خبره حجة لما وصفت أليس من بعدهم أولى أن لا يكون خبر الواحد منهم مقبولا لنقصهم عنهم في كل فضل وأنه يمكن فيهم ما أمكن فيمن هو خير منهم وأكثر منه 314 قال بلى 315 فقلت أفتحكم فيما ثبت من صحة الرواية فاجعل أبا سلمة بالمدينة يروي لك انه سمع جابر بن عبد الله يروي عن النبي في فضل أبي سلمة وفضل جابر واجعل الزهري يروي لك أنه سمع ابن المسيب يقول سمعت عمر أو أبا سعيد الخدري يقول سمعت النبي واجعل أبا أسحق الشيباني يقول سمعت الشعبي أو سمعت إبراهيم التيمي يقول إحدهما سمعت البراء بن عازب أو سمعت رجلا من أصحاب النبي يسميه واجعل أيوب يروي عن الحسن البصري يقول سمعت أبا هريرة أو رجلا غيره من أصحاب النبي يقول سمعت النبي بتحليل الشيء أو تحريم له أتقوم بهذا حجة 316 قال نعم 317 فقلت له أيمكن في الزهري عندك أن يغلط على ابن المسيب وابن المسيب على من فوقه وفي أيوب أن يغلط على الحسن والحسن على من فوقه 318 فقال فإن قلت نعم 319 قلت يلزمك أن تثبت خبر الواحد على ما يمكن فيه الغلط ممن لقيت وممن هو دون من فوقه ومن فوقه دون أصحاب النبي وترد خبر الواحد من أصحاب النبي وأصحاب النبي خير ممن بعدهم فترد الخبر بأن يمكن فيه الغلط عن أصحاب رسول الله وهم خير الناس وتقبله عن من لا يعدلهم في الفضل لأن كل واحد من هؤلاء ثبت عن ممن فوقه ومن فوقه ومن فوقه ثبت عن ممن فوقه حتى ينتهي الخبر إلى رسول الله فهذه الطريق التي عبت 320 قلت لا يدفع هذا إلا بالرجوع عنه أو ترك الجواب بالروغان والانقطاع والروغان أقبح 321 قال فإن قلت لا أقبل عن واحد نثبت عليه خبرا من أربعه وجوة متفرقة كما لم أقبل عن النبي إلا عن أربعة وجوه متفرقة 322 قال فقلت له فهذا يلزمك أفتقول به 323 قال إذا نقول به لا يوجد هذا أبدا 324 فقلت أجل وتعلم أنت انه لا يوجد أربعة عن الزهري ولا ثلاثة الزهري رابعهم عن الرجل من أصحاب النبي 325 قال أجل ولكن دع هذا 326 قال وقلت له من قال أقبل من أربعة دون ثلاثة ارأيت أن قال لك رجل لا أقبل إلا من خمسة أو قال آخر من سبعين ما حجتك عليه ومن وقت لك الأربعة 327 قال إنما مثلتهم 328 قلت أفتحد من يقبل منه 329 قال لا 330 قلت أو تعرفه فلا تظهره لما يدخل عليك 331 فتبين انكساره 332 وقلت له أو لبعض من حضر معه فما الوجه الثالث الذي يثبت عن النبي 333 قال إذا روى عن رسول الله الواحد من أصحابه الحكم حكم به فلم يخالفه غيره استدللنا على أمرين أحدهما أنه إنما حدث به في جماعتهم والثاني إن تركهم الرد عليه بخبر يخالفه إنما كان عن معرفة بأن ما كان كما يخبرهم فكان خبرا عن عامتهم 334 قلت له قل ما رأيتكم تنتقلون إلى شيء إلا احتججتم بأضعف مما تركتم 335 فقال ابن لنا ما قلت 336 قلت له أيمكن لرجل من أصحاب النبي يحدث بالمدينة رجلا أو نفرا قليلا ما تثبته عن رسول الله ويمكن أن يكون أتى بلدا من البلدان فحدث به واحدا أو نفرا آو حدث به في سفر أو عند موته واحدا أو أكثر 337 قال فإن قلت لا يمكن أن يحدث واحدهم بالحديث إلا وهو مشهور عندهم 338 قلت فقد تجد العدد من التابعين يروون الحديث فلا يسمون إلا واحدا ولو كان مشهورا عندهم بأنهم سمعوا من غيره وسمعوا من سمعوه منه 339 وقد نجدهم يختلفون في الشيء قد روي فيه الحديث عن النبي فيقول بعضهم قولا يوافق الحديث وغيره قولا يخالفه 340 قال فمن أين ترى ذلك 341 قلت لو سمع الذي قال بخلاف الحديث الحديث عن النبي ما قال إن شاء الله تعالى بخلافه 342 وقلت له قد روى اليمين مع الشاهد عن النبي ابن عباس وغيره ولم يحفظ عن أحد من أصحاب رسول الله علمته خلافها فيلزمك أن تقول بها على أصل مذاهبك وتجعلها إجماعا 343 فقال بعضهم ليس ما قال من هذا مذهبنا 344 قلت ما زلت أرى ذلك فيه وفي غيره مما كلمتمونا به والله المستعان 345 قال فاليمين مع الشاهد إجماع بالمدينة 346 فقلت لا هي مختلف فيها غير أنا نعمل بما أختلف فيه إذا ثبت عن رسول الله من الطريق الذي يثبت منها 347 قال وقلت له من الذين إذا اتفقت أقاويلهم في الخبر صح وإذا اختلفوا طرحت لاختلافهم الحديث 348 قال أصحاب رسول الله 349 خبر الخاصة 350 قال لا 351 قلت فهل يستدرك عنهم العلم بإجماع أو اختلاف بخبر عامة 352 قال ما لم أستدركه بخبر العامة نظرت إلى إجماع أهل العلم اليوم فإذا وجدتهم ما أجمعوا عليه استدللت على أن اختلافهم عن اختلاف من مضى قبلهم 353 قلت له افرايت استدلالا بان إجماعهم خبر جماعاتهم 354 قال فتقول ماذا 355 قلت فأقول لا يكون لأحد أن يقول حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة 356 قال فإن قلته 357 قلت فقله إن شئت 358 قال قد يضيق هذا جدا 359 فقلت له وهو مع ضيقه غير موجود 360 ويدخل عليك خلافه في القياس إذا زعمت للواحد أن يقيس فقد أجزت القياس والقياس قد يمكن فيه الخطأ وامتنعت من قبول السنة إذ كان يمكن فيمن رواها الخطأ فأجزت الأضعف ورددت الأقوى 361 وقلت لبعضهم أرأيت قولك إجماعهم يدل لو قالوا لك مما قلنا به مجتمعين ومفترقين ما قبلنا الخبر فيه والذي ثبت مثله عندنا عن من قبلنا ونحن مجموعون على أن جائزا لنا فيما ليس فيه نص ولا سنة أن نقول فيه بالقياس وإن اختلفنا أفتبطل أخبار الذين زعمت أن أخبارهم وما اجتمعت عليه أفعالهم حجة في شيء وتقبله في غيره 362 أرأيت لو قال لك قائل أتبعهم في تثبيت أخبار الصادقين وإن كانت منفردة وأقبل عنهم القول بالقياس فيما لا خير فيه فأوسع أن يختلفوا فأكون قد تبعتهم في كل حال أكان أقوى حجة وأولى باتباعهم وأحسن ثناء عليهم أم أنت 363 قال بهذا تقول 364 قلت نعم 365 وقلت أو رأيت قولك إجماع أصحاب رسول الله ما معناه أتعني أن يقولوا أو أكثرهم قولا واحدا أو يفعلوا فعلا واحدا 366 قال لا أعني هذا وهذا غيره موجود ولكن إذا حدث واحد منهم الحديث عن النبي ولم يعارضه منهم معارض بخلافه فذلك دلالة على رضاهم به وأنهم علموا أن ما قال منه كما قال 367 قلت أو ليس قد يحدث ولا يسمعونه ويحدث ولا علم لمن سمع حديثه منهم أن ما قال كما قال وأنه خلاف ما قال وإنما على المحدث أن يسمع فأما لم يعلم خلافه فليس له رده 368 قال قد يمكن هذا على ما قلت ولكن الأئمة من أصحاب رسول الله فلا يمكن أبدا أن يحدث محدثهم بأمر فيدعوا معارضته إلا عن علم بأنه كما قال 369 وقال فأقول فإذا حكم حاكمهم فلم يناكروه فهو علم منهم بأن ما قال الحق وكان عليهم أن يقيموا ما حكم فيه 370 قلت أفيمكن أن يكونوا صدقوه بصدقه في الظاهر كما قبلوا شهادة الشاهدين بصدقهما في الظاهر 371 قال فإن قلت لا 372 فقلت إذا قلت لا فيما عليهم الدلالة فيه بأنهم قبلوا خبر الواحد وانتهوا إليه علمت أنك جاهل بما قلنا وإذا قلت فيما يمكن مثله لا يمكن كنت جاهلا بما يجب عليك 373 قال فتقول ماذا 374 قلت أقول إن صمتهم عن المعارضة قد يكون عن علم بما قال وقد يكون عن غير علم به ويكون قبولا له ويكون عن وقوف عنه ويكون أكثرهم لم يسمعه لا كما قلت واستدلال عنهم فيما سمعوا قوله ممن كان عندهم صادقا ثبتا 375 قال فدع هذا 376 قلت لبعضهم هل علمت أن أبا بكر في إمارته قسم فسوى فيه بين الحر والعبد وجعل الجد أبا 377 قال نعم 378 قلت فقبلوا منه القسم ولم يعارضوه في الجد حياته 379 قال نعم ولو قلت عارضوه في حياله 380 قلت فقد أراد أن يحكم وله مخالف 381 قال نعم ولا أقوله 382 قال فجاء عمر ففصل الناس في القسم على النسب والسابقة وطرح العبيد من القسم وشرك بين الجد والاخوة 383 قال نعم 384 قلت وولي علي فسوى بين الناس في القسم 385 قال نعم 386 قلت فهذا على أخبار العامة عن ثلاثتهم عندك 387 قال نعم 388 قلت فقل فيها ما أحببت 389 قال فتقول فيها أنت ماذا 390 قلت أقول أن ما ليس فيه نص كتاب ولا سنة إذا طلب بالاجتهاد فيه المجتهدون وسع كلا أن شاء الله تعالى إن يفعل ويقول بما رآه حقا لا على ما قلت فقل أنت ما شئت 3391 قال لئن قلت العمل الأول يلزمهم فإنه ينبغي للعمل الثاني والثالث أن يكون مثله لا يخالفه ولئن قلت بل لم يكونوا وافقوا أبا بكر على فعله في حياته ليدخل علي أن له أن يمضي له اجتهاده وأن خالفهم 392 قلت أجل 393 قال فإن قلت لا أعرف هذا عنهم ولا أقبله حتى أجد العامة تنقله عن العامة فتقول عنهم حدثنا جماعة ممن مضى قبلهم بكذا 394 فقلت له ما نعلم أحدا شك في هذا ولا روى عن أحد خلافه فلئن لم تجز أن يكون مثل هذا ثابتا فما حجتك على أحد إن عارضك في جميع ما زعمت أنه إجماع بأن يقول مثل ما قلت 395 فقال جماعة ممن حضر منهم فإن الله عز وجل ذم على الاختلاف فذممناه 396 فقلت له في الاختلاف حكمان أم حكم 397 قال حكم 398 قلت فأسألك 399 قال فسل 400 قلت أتوسع من الاختلاف شيئا 401 قال لا 402 قلت أفتعلم من أدركت من أعلام المسلمين الذين أفتوا عاشوا أو ماتوا وقد يختلفون في بعض أمور عن من قبلهم 403 قال نعم 404 قلت فقل فيهم ما شئت 405 قال فإن قلت قالوا بما لا يسعهم 406 قلت فقد خالفت اجتماعهم 407 قال أجل 408 قال فدع هذا 409 قلت أفيسعهم القياس 410 قال نعم 411 قلت فإن قاسوا فاختلفوا يسعهم أن يمضوا على القياس 412 قال فإن قلت لا 413 قلت فيقولون إلى أي شيء نصير 414 قال إلى القياس 415 قلت قالوا قد فعلنا فرأيت القياس بما قلت ورأى هذا القياس بما قال 416 قال فلا يقولون حتى يجتمعوا 417 قلت من أقطار الأرض 418 قال فإن قلت نعم 419 قلت فلا يمكن أن يجتمعوا ولو أمكن اختلفوا 420 قال فلو اجتمعوا لم يختلفوا 421 قلت قد اجتمع اثنان فاختلفا فكيف إذا اجتمع الأكثر 422 قال ينبه بعضهم بعضا 423 قلت ففعلوا فزعم كل واحد من المختلفين أن الذي قال القياس 424 قال فإن قلت يسع الاختلاف في هذا الموضوع 425 قلت قد زعمت أن في اختلاف كل واحد من المختلفين حكمين وتركت قولك ليس الاختلاف إلا حكما واحدا 426 قال ما تقول أنت 427 قلت الاختلاف وجهان 428 فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه 429 وما لم يكن فيه من هذا واحد كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة 430 فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع 431 فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيء وغيره بخلافه وهذا قليل إذا نظر فيه 432 قال فما حجتك فيما قلت 433 قلت له الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع 434 قال فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف 435 قلت له قال الله عز وجل ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) 436 وقال ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) 437 فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه 438 قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف 439 فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام فقال ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة فكان الأغلب علي أنها في جهة والأغلب على غيري في جهة ما 440 فإن قلت الكعبة فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عن من نأى عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما أمكنهم وغلب بالدلالات في قلوبهم فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف وكان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه 441 وقلت وقال الله ( ممن ترضون من الشهداء) وقال ( ذوي عدل منكم ) أفرأيت الفرض علينا حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكان عند أحد الحاكمين عدلين وعند الآخر غير عدلين 442 قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما وعلى الآخر الذي هما عنده غير عدلين أن يردهما 443 قلت له فهذا الاختلاف 444 قال نعم 445 فقلت له أراك إذن جعلت الاختلاف حكمين 446 فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه 447 قلت فهكذا قلنا 448 وقلت له قال الله عز وجل ( ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة ) فإن حكم عدلان في موضع بشيء وآخران في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد أجتهد 449 وقال ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) وأدى ما عليه وإن اختلفا ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ) 450 وقال عز وجل ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) 451 أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلا واحدا وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها 452 قال يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجرة والضرب ولا يسع الآخر الضرب 453 وقلت وهكذا يسع الذي يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الأخذ منها ولا يسع الآخر وإن استوى فعلاهما 454 قال نعم 455 قال قال وإني وإن قلت هذا فلعل غيري يخالفني وإياك ولا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة الاختلاف 456 قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله يقول إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر 457 قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن خزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة 458 قال وماذا 459 قلت ما وصفنا من أن الحكام والمفتيين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا فيه وأفتوا وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم عندهم وهذا عندك إجماع فكيف يكون إجماعا إذا كان موجودا في أفعالهم الاختلاف والله أعلم بيان فرائض الله تبارك وتعالى أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي 460 فرض الله عز وجل في كتابه من وجهين 461 أحدهما أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استغني فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر 462 والآخر أنه أحكم فرضه بكتابة وبين كيف هي على لسان نبيه 463 ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله في كتابه بقوله عز وجل ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 464 وبقوله تبارك اسمه ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) 465 وبقوله عز وجل ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) مع غير آية في القران بهذا المعنى 466 فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله عز وجل قبل 467 قال الشافعي فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت عليه ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عز وجل ثم رسوله 468 فيفرق بين ما فرق منها ويجمع بين ما جمع منها فلا يقاس فرع شريعة على غيرها 469 وأول ما نبدأ به من الشرائع الصلاة 470 فنحن نجدها ثابتة على البالغين غير المغلوبين على عقولهم ساقطة عن الحيض أيام حيضهن 471 ثم نجد الفريضة منها والنافلة مجتمعتين في أن لا يجوز الدخول في واحدة منهما بطهارة الماء في الحضر والسفر ما كان موجودا والتيمم في السفر وإذا كان الماء معدوما في الحضر أو كان المرء مريضا لا يطيق الوضوء لخوف تلف في الوضوء أو زيادة في العلة 472 ونجدهما مجتمعين في أن لا يصليا معا إلا متوجهين إلى الكعبة ما كانا في الحضر ونازلين بالأرض 473 ونجدهما إذا كانا مسافرين تفترق حالهما فيكون للمصلي تطوعا إن كان راكبا أن يتوجه حيث توجهت به دابته يومئ إيماء ولا نجد ذلك للمصلي فريضة بحال أبدا إلا في حال واحدة من الخوف 474 ونجد المصلي صلاة تجب عليه إذا كان يطيق ويمكنه القيام لم تجز عنه الصلاة إلا قائما ونجد المنتفل يجوز له أن يصلي جالسا 475 ونجد المصلي فريضة يؤديها في الوقت قائما فإن لم يقدر أداها جالسا فإن لم يقدر أداها مضطجعا ساجدا إن قدر وموميا إن لم يقدر 476 ونجد الزكاة فرضا تجامع الصلاة وتخالفها ولا نجد الزكاة تكون إلا ثابتة أو ساقطة فإذا ثبتت لم يكن فيها إلا أدواؤها مما وجب في جميع الحالات مستويا ليس يختلف بعذر كما اختلفت تأدية الصلاة قائما أو قاعدا 477 ونجد المرء إذا كان له مال حاضر تجب فيه الزكاة وكان عليه دين مثله زالت عنه الزكاة حتى لا يكون عليه منها شيء في تلك الحال والصلاة لا تزول في حال يؤديها كما أطاقها قال الربيع 478 وللشافعي قول أخر إذا كان عليه دين عشرين دينارا وله مثلها فعليه الزكاة يؤديها من قبل أن الله عز وجل قال خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فلما كانت هذه العشرون لو وهبها جازت هبته ولو تصدق بها جازت صدقته ولو تلفت كانت منه فلما كانت أحكامها كلها تدل على أنها مال من ماله وجبت عليه فيها الزكاة لقول الله تبارك وتعالى خذ من أموالهم قال الشافعي رحمه الله تعالى 479 ونجد المرأة ذات المال تزول عنها الصلاة في أيام حيضها ولا تزول عنها الزكاة وكذلك الصبي والمغلوب على عقله باب الصوم قال الشافعي رحمه الله تعالى 480 ونجد الصوم فرضا بوقت كما أن الصلاة فرضت بوقت 481 ثم نجد الصوم مرخصا فيه للمسافر أن يدعه وهو مطيق له في وقته ثم يقضيه بعد وقته وليس هكذا الصلاة لا يرخص في تأخير الصلاة عن وقتها إلى يوم غيره ولا يرخص له في أن يقصر من الصوم شيئا كما يرخص في أن يقصر من الصلاة ولا يكون صومه مختلفا باختلاف حالاته في المرض والصحة 482 ونجده إذا جامع في صيام شهر رمضان وهو واجد أعتق وإن جامع في الحج نحر بدنة وإن جامع في الصلاة استغفر ولم تكن عليه كفارة والجماع في هذه الحالات كلها محرم ثم يكون جماع كثير محرم لا يكون في شيء منه كفارة ثم نجده يجامع في صوم واجب عليه في قضاء شهر رمضان أو كفارة قتل أو ظهار فلا يكون عليه كفارة ويكون عليه البدل في هذا كله 483 ونجد المغمى عليه والحائض لا صوم عليهما ولا صلاة فإذا أفاق المغمى عليه وطهرت الحائض فعليهما قضاء ما مضى من الصوم في أيام إغماء هذا وحيض هذه وليس على الحائض قضاء الصلاة في قول أحد ولا على المغمى عليه قضاء الصلاة في قولنا 484 ووجدت الحج فرضا على خاص وهو من وجد إليه سبيلا 485 ثم وجدت الحج يجامع الصلاة في شيء ويخالفها في غيره 486 فأما ما يخالفها فيه فإن الصلاة يحل له فيها أن يكون لابسا للثياب ويحرم على الحاج 487 ويحل للحاج أن يكون متكلما عامدا ولا يحل ذلك للمصلي ويفسد المرء صلاته فلا يكون له أن يمضي فيها ويكون عليه أن يستأنف صلاة غيرها بدلا منها ولا يكفر ويفسد حجة فيمضي فيه فاسدا لا يكون له غير ذلك ثم يبدله ويفتدي 488 والحج في وقت والصلاة في وقت فإن أخطأ رجل في وقته لم يجز عنه الحج ثم وجدتهما مأمورين بأن يدخل المصلي في وقت فإن دخل المصلي قبل الوقت لم تجز عنه صلاته وإن دخل الحاج قبل الوقت أجزأ عنه حجه 489 ووجدت للصلاة أولا وآخرا فوجدت أولها التكبير وآخرهاالتسليم ووجدته إذا عمل ما يفسدها فيما بين أولها وآخرهاوسلم فهذه الطريق التي عبت ووجدت للحج أولا وآخرا ثم أجزاء بعده فأوله الإحرام ثم آخر أجزائه الرمي والحلاق والنحر فإذا فعل هذا خرج من جميع إحرامه في قولنا ودلالة السنة إلا من النساء خاصة وفي قول غيرنا إلا من النساء والطيب والصيد ثم وجدته في هذه الحال إذا أصاب النساء قبل يحللن له نحر بدنة ولم يكن مفسدا لحجه وإن لم يصيب النساء حتى يطوف حل له النساء وكل شيء حرمه عليه الحج معكوفا على نسك من حجه من البيتوتة بمنى ورمي الجمار والوداع يعمل هذا حلالا خارجا من إحرام الحج وهو لا يعمل شيئا في الصلاة إلا وإحرام الصلاة قائم عليه 490 ووجدته مأمورا في الحج بأشياء إذا تركها كان عليه فيها البدل بالكفارة من الدماء والصوم والصدقة وحجة ومأمورا في الصلاة بأشياء لا تعدو واحدا من وجهين إما أن يكون تاركا لشيء منها فتفسد صلاته ولا تجزيه كفارة ولا غيرها إلا استئناف الصلاة أو يكون إذا ترك شيئا مأمورا به غير صلب الصلاة كان تاركا لفضل والصلاة مجزية عنه ولا كفارة عليه 491 ثم للحج وقت آخر وهو الطواف بالبيت بعد النحر الذي يحل له به النساء ثم لهذا آخر وهو النفر من منى ثم الوداع وهو مخير في النفر إن أحب تعجل في يومين وإن أحب تأخر أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي 492 أخبرنا ابن عيينة بإسناد عن رسول الله أنه قال لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله 493 قال الشافعي هذا منقطع ونحن نعرف فقه طاوس ولو ثبت عن رسول الله فبين فيه أنه على ما وصفت إن شاء الله تعالى قال لا يمسكن الناس علي بشيء ولم يقل لا تمسكوا عني بل قد أمر أن يمسك عنه وأمر الله عز وجل بذلك 494 قال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله قال لا أعرفن ما جاء أحدكم الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول ما ندري هذا ما وجدنا في كتاب الله عز وجل اتبعناه 495 وقد أمرنا باتباع ما أمرنا به واجتناب ما نهى عنه وفرض الله ذلك في كتابه على خليقته وما في أيدي الناس من هذا إلا ما تمسكوا به عن الله تبارك وتعالى ثم عن رسول الله ثم عن دلالته 496 ولكن قوله إن كان قاله لا يمسكن الناس علي بشيء يدل على أن رسول الله إذا كان بموضع القدرة فقد كانت له خواص أبيح له فيها ما لم يبح للناس وحرم عليه منها ما لم يحرم على الناس فقال لا يمسكن الناس علي بشيء من الذي لي أو علي دونهم فإن كان علي ولي دونهم لا يمسكن به 497 وذلك مثل أن الله عز وجل إذا أحل له من عدد النساء ما شاء وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له قال الله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فلم يكن لأحد أن يقول قد جمع رسول الله بين أكثر من أربع ونكح رسول الله امرأة بغير مهر وأخذ رسول الله صفيا من المغانم وكان لرسول الله لأن الله عز وجل قد بين في كتابه وعلى لسان رسوله أن ذلك له دونهم 498 وفرض الله عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي على ما فرض الله عز وجل على رسوله 499 وهذا معنى قول النبي إن كان قاله لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله 500 وكذلك صنع رسول الله وبذلك أمره وافترض عليه أن يتبع ما أوحى إليه ونشهد أن قد اتبعه 501 فما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله عز وجل في الوحي اتباع سنته فيه فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله عز وجل 502 قال الله تبارك وتعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 503 وقال عز وعلا ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) 504 وأخبرنا عن صدقة بن يسار عن عمر بن عبد العزيز سأل بالمدينة فاجتمع له على أنه لا يبين حمل في أقل من ثلاثة أشهر 505 قال الشافعي إن الله عز وجل وضع نبيه من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه 506 فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول فيما أنزل الله عليه ألا بما أنزل عليه وأنه لا يخالف كتاب الله وأنه بين عن الله عز وعلا معنى ما أراد الله 507 وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل 508 قال الله تبارك وتعالى ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) وقال الله عز وجل لنبيه ( اتبع ما أوحي إليك من ربك ) 510 وقال مثل هذا في غير آية 511 وقال عز وجل ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) 512 وقال ( فلا وربك لا يؤمنون ) الآية قال الشافعي رحمه الله تعالى 513 أخبرنا الدراوادي عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله قال ما تركت شيئا مما أمركم الله تعالى به إلا وقد أمرتكم به ولا تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال 514 أخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه 515 ومثل هذا أن الله عز وجل فرض الصلاة والزكاة والحج في كتابه وبين رسول الله معنى ما أراد الله تعالى من عدد الصلاة ومواقيتها وعدد ركوعها وسجودها وسنن الحج وما يعمل المرء منه ويجتنب وأي المال تؤخذ منه الزكاة وكم ووقت ما تؤخذ منه 516 وقال الله عز وجل ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) 517 وقال عز ذكره ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) 518 فلو صرنا إلى ظاهر القرآن قطعنا من لزمه اسم سرقة وضربنا كل من لزمه اسم زنى مائة جلدة 519 ولما قطع النبي في ربع دينار ولم يقطع في أقل منه ورجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما استدللنا على أن الله عز وجل إنما أراد بالقطع والجلد بعض السراق دون بعض وبعض الزناة دون بعض 520 ومثل هذا لا يخالفه المسح على الخفين 521 قال الله تعالى عز وجل ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ). 522 فلما مسح النبي على الخفين استدللنا على أن فرض الله عز وجل غسل القدمين إنما هو على بعض المتوضئين دون بعض وأن المسح لمن أدخل رجليه في الخفين بكمال الطهارة استدلالا بسنة رسول الله لأنه لا يمسح والفرض عليه غسل القدم كما لا يدرأ القطع عن بعض السراق وجلد المائة عن بعض الزناة والفرض عليه أن يجلد ويقطع 523 فإذا ذهب ذاهب إلى أنه قد يروى عن بعض أصحاب النبي أنه قال:" سبق الكتاب المسح على الخفين". 524 فالمائدة نزلت قبل المسح المثبت بالحجاز في غزاة تبوك والمائدة قبله 525 وإن زعم أنه كان فرض وضوء قبل الوضوء الذي مسح رسول الله وفرض وضوء بعده فنسخ المسح 526 فليأتنا بفرض وضوءين في القرآن فإنا لا نعلم فرض الوضوء إلا واحدا 527 وإن زعم أنه مسح قبل يفرض عليه الوضوء فقد زعم أن الصلاة بلا وضوء ولا نعلمها كانت قط إلا بوضوء 528 فأي كتاب سبق المسح على الخفين 529 المسح كما وصفنا من الاستدلال لسنة رسول الله كما كان جميع ما سن رسول الله من فرائض الله تبارك وتعالى مثل ما وصفنا من السارق والزاني وغيرهما 530 قال الشافعي ولا تكون سنة أبدا تخالف القرآن والله تعالى الموفق 90 قال سبق الكتاب المسح على الخفين 524 فالمائدة نزلت قبل المسح المثبت بالحجاز في غزاة تبوك والمائدة قبله 525 وإن زعم أنه كان فرض وضوء قبل الوضوء الذي مسح رسول الله وفرض وضوء بعده فنسخ المسح 526 فليأتنا بفرض وضوءين في القرآن فإنا لا نعلم فرض الوضوء إلا واحدا 527 وإن زعم أنه مسح قبل يفرض عليه الوضوء فقد زعم أن الصلاة بلا وضوء ولا نعلمها كانت قط إلا بوضوء 528 فأي كتاب سبق المسح على الخفين 529 المسح كما وصفنا من الاستدلال لسنة رسول الله كما كان جميع ما سن رسول الله من فرائض الله تبارك وتعالى مثل ما وصفنا من السارق والزاني وغيرهما 530 قال الشافعي ولا تكون سنة أبدا تخالف القرآن والله تعالى الموفق صفة نهي النبي قال الشافعي رحمه الله تعالى 531 أصل النهي من رسول الله أن كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم إما أراد به نهيا عن بعض الأمور دون بعض وإما أراد به النهي للتنزيه عن المنهي والأدب والاختيار 532 ولا نفرق بين نهي النبي إلا بدلالة عن رسول الله أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنة وقد يمكن أن يجهلها بعضهم 533 فمما نهى عنه رسول الله فكان على التحريم لم يختلف أكثر العامة فيه أنه نهى عن الذهب بالورق إلا هاء وهاء وعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ونهى عن بيعتين في بيعة 534 فقلنا والعامة معنا إذا تبايع المتبايعان ذهبا بورق أو ذهبا بذهب فلم يتقابضيا قبل أن يتفرقا فالبيع مفسوخ 535 وكانت حجتنا أن النبي لما نهى عنه صار محرما 536 وإذا تبايع الرجلان بيعتين في بيعة فالبيعتان جميعا مفسوختان بما انعقدت وهو أن أبيعك على أن تبيعني لأنه إنما انعقدت العقدة على أن ملك كل واحد منهما عن صاحبه شيئا ليس في ملكه 537 ونهى النبي عن بيع الغرر ومنه أن أقول سلعتي هذه لك بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل فقد وجب عليه بأحد الثمنين لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم وبيع الغرر فيه أشياء كثيرة نكتفي بهذا منها ونهى النبي عن الشغار والمتعة 538 فما انعقدت على شيء محرم علي ليس في ملكي بنهي النبي لأني قد ملكت المحرم بالبيع المحرم فأجرينا النهي مجرى واحدا إذا لم يكن عنه دلالة تفرق بينه ففسخنا هذه الأشياء والمتعة والشغار كما فسخنا البيعتين 539 ومما نهى رسول الله في بعض الحالات دون بعض واستدللنا على أنه إنما أراد بالنهي عنه أن يكون منهيا عنه في حال دون حال بسنته وذلك أن أبا هريرة روى عن النبي أنه قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه 540 فلو لا الدلالة عنه كان النهي في هذا مثل النهي في الأول فحرم إذا خطب الرجل امرأة أن يخطبها غيره 541 فلما قالت فاطمة بنت قيس قال لي رسول الله إذا حللت فآذنيني فلما حلت من عدتها أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ولكن أنكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته فقال أنكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به استدللنا على أنه لا ينهى عن الخطبة ويخطب على خطبة إلا ونهيه عن الخطبة حين ترضى المرأة فلا يكون بقي إلا العقد فيكون إذا خطب أفسد ذلك على الخاطب المرضي أو عليها أو عليهما معا وقد يمكن أن يفسد ذلك عليهما ثم لا يتم ما بينها وبين الخاطب 542 ولو أن فاطمة أخبرته أنها رضيت واحدا منهما لم يخطبها إن شاء الله تعالى على أسامة ولكنها أخبرته بالخطبة واستشارته فكان في حديثها دلالة على أنها لم ترض ولم ترد 543 فإذا كانت المرأة بهذه الحال جاز أن تخطب وإذا رضيت المرأة الرجل وبدا لها وأمرت بأن تنكحه لم يجز أن تخطب في الحال التي لو زوجها فيه الولي جاز نكاحه 544 فإن قال قائل فإن حالها إذا كانت بعد أن تركن بنعم مخالفة حالها بعد الخطبة وقبل أن تركن فكذلك حالها حين خطبت قبل الركون مخالفة حالها قبل أن تخطب وكذلك إذا أعيدت عليها الخطبة وقد كانت امتنعت فسكتت والسكات قد لا يكون رضا 545 فليس ههنا قول يجوز عندي أن يقال إلا ما ذكرت بالاستدلال ولولا الدلالة بالسنة كانت إذا خطبت حرمت على غير خاطبها الأول أن يخطبها حتى يتركها الخاطب الأول 546 ثم يتفرق نهي النبي على وجهين 547 فكل ما نهى عنه مما كان ممنوعا إلا بحادث يحدث فيه يحله فأحدث الرجل فيه حادثا منهيا عنه لم يحله وكان على أصل تحريمه إذا لم يأت من الوجه الذي يحله 548 وذلك مثل أن أموال الناس ممنوعة من غيرهم وأن النساء ممنوعة من الرجال إلا بأن يملك الرجل مال الرجل بما يحل من بيع أو هبة وغير ذلك وأن النساء محرمات إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين صحيح 549 فإذا اشترى الرجل شراء منهيا عنه فالتحريم فيما اشترى قائم بعينه لأنه لم يأته من الوجه الذي يحل منه ولا يحل المحرم وكذلك إذا نكح نكاحا منهيا عنه لم تحل المرأة المحرمة 550 وما نهيت عنه من فعل شيء في ملكي أو شيء مباح لي ليس بملك لأحد فذلك نهي اختيار ولا ينبغي أن نرتكبه فإذا عمد فعل ذلك أحد كان عاصيا بالفعل ويكون قد ترك الاختيار ولا يحرم ماله ولا ما كان مباحا له 551 وذلك مثل ما روى عنه أنه أمر الآكل أن يأكل مما يليه ولا يأكل من رأس الثريد ولا يعرس على قارعة الطريق فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أو عرس على قارعة الطريق أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما بنهي النبي ولم يحرم ذلك الطعام عليه 552 ذلك أن الطعام غير الفعل ولم يكن يحتاج إلى شيء يحل له به الطعام كان حلالا فلا يحرم الحلال عليه بأن عصى في الموضع الذي جاء منه الأكل 553 ومثل ذلك النهي عن التعريس على قارعة الطريق الطريق له مباح وهو عاص بالتعريس على الطريق ومعصيته لا تحرم عليه الطريق 554 وإنما قلت يكون فيها عاصيا إذا قامت الحجة على الرجل بأنه كان علم أن النبي نهى عنه