الروض الآنف

من معرفة المصادر

الروض الأنف للسهيلي الجزء الأول كتاب يبحث في السيرة النبوية شرح فيه مصنفه كتاب السيرة النبوية لابن هشام . وكان منهجه في الكتاب بأن يعرض سيرة ابن هشام، شارحا ما أبهم من كلمات ومعاني، ويزيد أكثرها إيضاحا وبيانا، وإذا وجد نسب غامض أزال غموضه ، وقد يتعرض في بعض الأحيان لبعض الكلمات بالإعراب، فقد زاد شرحه للسيرة حسنا فوق حسن وجمالا فوق جمال، فجاءت السيرة النبوية سهلة يسيرة متدفقة في نعومة بين يدي القارىء وقد أضيف للكتاب كتاب السيرة لابن هشام ووضع في أعلى الصفحات والشرح في أسفلها وهذه الطبعة عليها حواش مهمة وتعليقات لطيفة

مقدمة الروض الأنف حمدا لله المقدم على كل أمر ذي بال وذكره - سبحانه - حري ألا يفارق الخلد والبال كما بدأنا - جل وعلا - بجميل عوارفه قبل الضراعة إليه والابتهال فله الحمد - تعالى - حمدا لا يزال دائم الاقتبال . ضافي السربال جديدا على مر الجديدين غير بال . على أن حمده - سبحانه - وشكره على نعمه وجميل بلائه منة من مننه . وآلاء من آلائه . فسبحان من لا غاية لجوده ونعمائه ولا حد لجلاله ولا حصر لأسمائه والحمد لله الذي ألحقنا بعصابة الموحدين ووفقنا للاعتصام بعروة هذا الأمر المتين وخلقنا في إبان الإمامة الموعود ببركتها على لسان الصادق الأمين إمامة سيدنا الخليفة أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين الساطعة أنوارها في جميع الآفاق . المطفئة بصوب سحائبها ، وجوب كتائبها جمرات الكفر والنفاق في دولة لحظ الزمان شعاعا فارتد منتكصا بعيني أرمد من كان مولده تقدم قبلها أو بعدها ، فكأنه لم يولد فله الحمد - تعالى - على ذلك كله حمدا لا يزال يتجدد ويتوالى ، وهو المسئول - سبحانه - أن يخص بأشرف صلواته وأكثف بركاته المجتبى من خليقته والمهدي بطريقته المؤدي إلى اللقم الأفيح والهادي إلى معالم دين الله من أفلح نبيه محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قد أقام به الملة العوجاء ، وأوضح بهديه الطريقة البلجاء وفتح به آذانا صما وعيونا عميا ، وقلوبا غلفا . فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تحله أعلى منازل الزلفى . الغاية من تأليف الكتاب ( وبعد ) فإني قد انتحيت في هذا الإملاء بعد استخارة ذي الطول والاستعانة بمن له القدرة والحول . إلى إيضاح ما وقع في سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي سبق إلى تأليفها أبو بكر محمد بن إسحاق المطلبي ، ولخصها عبد الملك بن هشام المعافري المصري النسابة النحوي مما بلغني علمه ويسر لي فهمه من لفظ غريب أو إعراب غامض أو كلام مستغلق أو نسب عويص أو موضع فقه ينبغي التنبيه عليه أو خبر ناقص يوجد السبيل إلى تتمته مع الاعتراف بكلول الحد عن مبلغ ذلك الحد فليس الغرض المعتمد أن أستولي على ذلك الأمد ولكن لا ينبغي أن يدع الجحش من بذه الأعيار ومن سافرت في العلم همته فلا يلق عصا التسيار وقد قال الأول افعل الخير ما استطعت ، وإن كا ن قليلا فلن تحيط بكله ومتى تبلغ الكثير من الفضل إذا كنت تاركا لأقله ؟ نسأل الله التوفيق لما يرضيه وشكرا يستجلب المزيد من فضله ويقتضيه . لماذا أتقن التأليف قال المؤلف أبو القاسم قلت هذا ; لأني كنت حين شرعت في إملاء هذا الكتاب خيل إلي أن المرام عسير فجعلت أخطو خطو الحسير . وأنهض نهض البرق الكسير وقلت : كيف أرد مشرعا لم يسبقني إليه فارط . وأسألك سبيلا لم توطأ قبلي بخف ولا حافر فبينا أنا أتردد تردد الحائر إذ سفع لي هنالك خاطر أن هذا الكتاب سيرد الحضرة العلية المقدسة الإمامية . وأن الإمامة ستلحظه بعين القبول وأنه سيكتتب للخزانة المباركة - عمرها الله - بحفظه وكلاءته وأمد أمير المؤمنين بتأييده ورعايته فينتظم الكتاب بسلك أعلاقها ، ويتسق مع تلك الأنوار في مطالع إشرافها ، فعند ذلك امتطيت صهوة الجد وهززت نبعة العزم . ومريت أخلاف الحفظ واجتهرت ينابيع الفكر وعصرت بلالة الطبع فألفيت - بحمد الله - الباب فتحا وسلكت سبل ربي ذللا ، فتبجست لي - بمن الله تعالى - من المعاني الغريبة عيونها ، وانثالت علي من الفوائد اللطيفة أبكارها وعونها ، وطفقت عقائل الكلم يزدلفن إلي بأيتهن أبدأ فأعرضت عن بعضها إيثارا للإيجاز ودفعت في صدور أكثرها خشية الإطالة والإملال لكن تحصل في هذا الكتاب من فوائد العلوم والآداب وأسماء الرجال والأنساب ومن الفقه الباطن اللباب وتعليل النحو وصنعة الإعراب ما هو مستخرج من نيف على مائة وعشرين ديوانا ، سوى ما أنتجه صدري ، ونفحه فكري . ونتجه نظري ، ولقنته عن مشيختي ، من نكت علمية لم أسبق إليها ، ولم أزحم عليها ، كل ذلك بيمن الله وبركة هذا الأمر المحيي لخواطر الطالبين والموقظ لهمم المسترشدين والمحرك للقلوب الغافلة إلى الاطلاع على معالم الدين مع أني قللت الفضول وشذبت أطراف الفصول ولم أتتبع شجون الأحاديث وللحديث شجون ولا جمحت بي خيل الكلام إلى غاية لم أردها ، وقد عنت لي منه فنون فجاء الكتاب من أصغر الدواوين حجما . ولكنه كنيف مليء علما ، ولو ألفه غيري لقلت فيه أكثر من قولي هذا . وكان بدء إملائي هذا الكتاب في شهر المحرم من سنة تسع وستين وخمسمائة وكان الفراغ منه في جمادى الأولى من ذلك العام . سنده فالكتاب الذي تصدينا له من السير هو ما حدثنا به الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي سماعا عليه قال ثنا أبو الحسن القرافي الشافعي ، قال ثنا أبو محمد بن النحاس قال ثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد عن أبي سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن أبي زرعة الزهري البرقي عن أبي محمد عبد الملك بن هشام وحدثنا به أيضا - سماعا عليه - أبو مروان عبد الملك بن سعيد بن بونه القرشي العبدري عن أبي بحر سفيان بن العاص الأسدي عن أبي الوليد هشام بن أحمد الكناني . وحدثني به أيضا أبو مروان عن أبي بكر بن بزال عن أبي عمر أحمد بن محمد المقري الطلمنكي عن أبي جعفر أحمد بن عون الله بن حدير عن أبي محمد بن الورد عن البرقي عن ابن هشام . وحدثني به أيضا - سماعا وإجازة - أبو بكر محمد بن طاهر الإشبيلي عن أبي علي الغساني عن أبي عمر النمري وغيره عن أشياخه عن الطلمنكي بالإسناد المتقدم .

ترجمة ابن إسحاق ( فصل ) ونبدأ بالتعريف بمؤلف الكتاب وهو أبو بكرمحمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء لأن ولاءه لقيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ، وكان جده يسار من سبي عين التمر ، سباه خالد بن الوليد . ومحمد بن إسحاق هذا - رحمه الله - ثبت في الحديث عند أكثر العلماء وأما في المغازي والسير فلا تجهل إمامته فيها . قال ابن شهاب الزهري : من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق . ذكره البخاري في التاريخ ، وذكر عن سفيان بن عيينة أنه قال ما أدركت أحدا يتهم ابن إسحاق في حديثه وذكر أيضا عن شعبة بن الحجاج أنه قال ابن إسحاق أمير المؤمنين يعني : في الحديث وذكر أبو يحيى الساجي - رحمه الله - بإسناد له عن الزهري أنه قال خرج إلى قريته باذام فخرج إليه طلاب الحديث فقال لهم أين أنتم من الغلام الأحول أو قد خلفت فيكم الغلام الأحول يعني : ابن إسحاق ، وذكر الساجي أيضا قال كان أصحاب الزهري يلجئون إلى محمد بن إسحاق فيما شكوا فيه من حديث الزهري ، ثقة منهم بحفظه هذا معنى كلام الساجي نقلته من حفظي ، لا من كتاب . وذكر عن يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن سعيد القطان أنهم وثقوا ابن إسحاق ، واحتجوا بحديثه وذكر علي بن عمر الدارقطني في السنن حديث القلتين من جميع طرقه وما فيه من الاضطراب ثم قال في حديث جرى : وهذا يدل على حفظ محمد بن إسحاق وشدة إتقانه . قال المؤلف وإنما لم يخرج البخاري عنه وقد وثقه وكذلك وثقه مسلم بن الحجاج ، ولم يخرج عنه أيضا إلا حديثا واحدا في الرجم عن سعيد المقبري عن أبيه من أجل طعن مالك فيه وإنما طعن فيه مالك - فيما ذكر أبو عمر رحمه الله عن عبد الله بن إدريس الأودي - لأنه بلغه أن ابن إسحاق قال هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله فقال مالك وما ابن إسحاق ؟ إنما هو دجال من الدجاجلة نحن أخرجناه من المدينة ، يشير - والله أعلم - إلى أن الدجال لا يدخل المدينة . قال ابن إدريس وما عرفت أن دجالا يجمع على دجاجلة حتى سمعتها عن مالك وذكر أن ابن إسحاق مات ببغداد سنة إحدى وخمسين ومائة وقد أدرك من لم يدركه مالك روى حديثا كثيرا عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، ومالك إنما يروى عن رجل عنه وذكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت في تاريخه - فيما ذكر لي عنه - أنه - يعني ابن إسحاق - رأى أنس بن مالك ، وعليه عمامة سوداء والصبيان خلفه يشتدون ويقولون هذا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يلقى الدجال وذكر الخطيب أيضا أنه روي عن سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن . وذكر أن يحيى بن سعيد الأنصاري شيخ مالك روى عن ابن إسحاق قال وروى عنه سفيان الثوري ، والحمادان حماد بن سلمة بن دينار ، وحماد بن زيد بن درهم ، وشعبة . وذكر عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال من أراد أن يتبحر في المغازي ، فهو عيال على محمد بن إسحاق فهذا ما بلغنا عن محمد بن إسحاق - رحمه الله . رواة الكتاب عن ابن إسحاق وأما الرواة الذين رووا هذا الكتاب عنه فكثير . منهم يونس بن بكير الشيباني ومحمد بن فليح والبكائي ، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن إدريس وسلمة بن الفضل الأسدي وغيرهم . ونذكر البكائي لأنه شيخ ابن هشام ، وهو أبو محمد زياد بن عبد الله بن طفيل بن عامر القيسي العامري ، من بني عامر بن صعصعة ثم من بني البكاء واسم البكاء ربيعة ، وسمي البكاء لخبر يسمج ذكره كذلك ذكر بعض النسابين . والبكائي هذا ثقة خرج عنه البخاري في كتاب الجهاد وخرج عنه مسلم في مواضع من كتابه وحسبك بهذا تزكية . وقد روى زياد عن حميد الطويل وذكر البخاري في التاريخ عن وكيع قال زياد أشرف من أن يكذب في الحديث ووهم الترمذي فقال في كتابه عن البخاري : قال قال وكيع : زياد بن عبد الله - على شرفه - يكذب في الحديث وهذا وهم ولم يقل وكيع فيه إلا ما ذكره البخاري في تاريخه ولو رماه وكيع بالكذب ما خرج البخاري عنه حديثا ، ولا مسلم كما لم يخرجا عن الحارث الأعور لما رماه الشعبي بالكذب ولا عن أبان بن أبي عياش لما رماه شعبة بالكذب وهو كوفي توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة . ترجمة ابن هشام وأما عبد الملك بن هشام ، فمشهور بحمل العلم متقدم في علم النسب والنحو وهو حميري معافري من مصر ، وأصله من البصرة ، وتوفي بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين وله كتاب في أنساب حمير وملوكها ، وكتاب في شرح ما وقع في أشعار السير من الغريب - فيما ذكر لي - والحمد لله كثيرا ، وصلواته على نبيه محمد وسلامه . بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين . ذكر سرد النسب الزكي " من محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى آدم عليه السلام " قال أبو محمد عبد الملك بن هشام : هذا كتاب سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، واسم عبد المطلب : شيبة بن هاشم واسم هاشم عمرو بن عبد مناف . ________________________________________ تفسير نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرنا في كتاب التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام معاني بديعة وحكمة من الله بالغة في تخصيص نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذين الاسمين محمد وأحمد فلتنظر هناك ولعلنا أن نعود إليه في باب مولده من هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى . عبد المطلب وأما جده عبد المطلب ، فاسمه عامر في قول ابن قتيبة ، وشيبة في قول ابن إسحاق وغيره وهو الصحيح . وقيل سمي شيبة لأنه ولد وفي رأسه شيبة وأما غيره من العرب ممن اسمه شيبة فإنما قصد في تسميتهم بهذا الاسم التفاؤل لهم ببلوغ سن الحنكة والرأي كما سموا بهرم وكبير وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وكان لدة عبيد بن الأبرص الشاعر غير أن عبيدا مات قبله بعشرين سنة قتله المنذر أبو النعمان بن المنذر ، ويقال إن عبد المطلب أول من خضب بالسواد من العرب ، والله أعلم . وقد ذكر ابن إسحاق سبب تلقيبه بعبد المطلب . والمطلب مفتعل من الطلب . وأما هاشم فعمر - كما ذكر - وهو اسم منقول من أحد أربعة أشياء من العمر الذي هو العمر أو العمر الذي هو من عمور الأسنان وقاله القتبي : أو العمر الذي هو طرف الكم يقال سجد على عمريه أي على كميه أو العمر الذي هو القرط كما قال التنوخي : وعمرو هند كأن الله صوره عمرو بن هند يسوم الناس تعنيتا وزاد أبو حنيفة وجها خامسا ، فقال في العمر الذي هو اسم لنخل السكر ويقال فيه عمر أيضا ، قال يجوز أن يكون أحد الوجوه التي بها سمي الرجل عمرا وقال كان ابن أبي ليلى يستاك بعسيب العمر . واسم عبد مناف : المغيرة بن قصي ، بن كلاب بن مرة بن عبد مناف ________________________________________ وعبد مناف اسمه المغيرة - كما ذكر - وهو منقول من الوصف والهاء فيه للمبالغة أي إنه مغير على الأعداء أو مغير من أغار الحبل إذا أحكمه ودخلته الهاء كما دخلت في علامة ونسابة لأنهم قصدوا قصد الغاية وأجروه مجرى الطامة والداهية وكانت الهاء أولى بهذا المعنى لأن مخرجها غاية الصوت ومنتهاه ومن ثم لم يكسر ما كانت فيه هذه الهاء فيقال في علامة علاليم وفي نسابة نساسيب كي لا يذهب اللفظ الدال على المبالغة كما لم يكسر الاسم المصغر كي لا تذهب بنية التصغير وعلامته . ويجوز أن تكون الهاء في مغيرة للتأنيث ويكون منقولا من وصف كتيبة أو خيل مغيرة ، كما سموا بعسكر . وعبد مناف هذا كان يلقب قمر البطحاء - فيما ذكر الطبري - وكانت أمه حبى قد أخدمته مناة وكان صنما عظيما لهم وكان سمي به عبد مناة ثم نظر قصي فرآه يوافق عبد مناة بن كنانة فحوله عبد مناف . ذكره البرقي والزبير أيضا ، وفي المعيطي عن أبي نعيم قال قلت لمالك ما كان اسم عبد المطلب ؟ قال شيبة . قلت : فهاشم ؟ قال عمرو ، قلت : فعبد مناف ؟ قال لا أدري . وقصي اسمه زيد وهو تصغير قصي أي بعيد لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملته أمه فاطمة مع رابه ربيعة بن حرام على ما سيأتي بيانه في الكتاب - إن شاء الله تعالى - وصغر على فعيل وهو تصغير فعيل لأنهم كرهوا اجتماع ثلاث ياءات فحذفوا إحداهن وهي الياء الزائدة الثانية التي تكون في فعيل نحو قضيب فبقي على وزن فعيل ويجوز أن يكون المحذوف لام الفعل فيكون وزنه فعيا ، وتكون ياء التصغير هي الباقية مع الزائدة فقد جاء ما هو أبلغ في الحذف من هذا ، وهي قراءة قنبل يا بني ببقاء ياء التصغير وحدها ، وأما قراءة حفص يا بني فإنما هي ياء التصغير مع ياء المتكلم ولام الفعل محذوفة فكان وزنه فعي ومن كسر الياء قال يا بني فوزنه يا فعيل ، وياء المتكلم هي المحذوفة في هذه القراءة . كلاب وأما كلاب فهو منقول إما من المصدر الذي هو معنى المكالبة نحو كالبت العدو مكالبة وكلابا ، وإما من الكلاب جمع كلب ، لأنهم يريدون الكثرة كما سموا بسباع وأنمار . وقيل لأبي الرقيش الكلابي الأعرابي لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح ؟ فقال إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا ، وعبيدنا لأنفسنا ، يريد أن الأبناء عدة الأعداء وسهام في نحورهم فاختاروا لهم هذه الأسماء . ومرة منقول من وصف الحنظلة والعلقمة وكثيرا ما يسمون بحنظلة وعلقمة ويجوز أن تكون الهاء للمبالغة فيكون منقولا من وصف الرجل بالمرارة ويقوي هذا قولهم تميم بن مر ، وأحسبه من المسمين بالنبات لأن أبا حنيفة ذكر أن المرة بقلة تقلع فتؤكل بالخل والزيت يشبه ورقها ورق الهندباء . كعب بن لؤي بن ________________________________________ كعب وأما كعب فمنقول إما من الكعب الذي هو قطعة من السمن أو من كعب القدم وهو عندي أشبه لقولهم ثبت ثبوت الكعب وجاء في خبر ابن الزبير أنه كان يصلي عند الكعبة يوم قتل وحجارة المنجنيق تمر بأذنيه وهو لا يلتفت كأنه كعب راتب . وكعب بن لؤي هذا أول من جمع يوم العروبة ولم تسم العروبة . الجمعة إلا منذ جاء الإسلام في قول بعضهم وقيل هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه والإيمان به وينشد في هذا أبياتا منها قوله يا ليتني شاهد فحواء دعوته إذا قريش تبغي الحق خذلانا وقد ذكر الماوردي هذا الخبر عن كعب في كتاب الأحكام له لؤي وأما لؤي ، فقال ابن الأنباري هو تصغير اللأي وهو الثور الوحشي وأنشد يعتاد أدحية بقين بقفرة ميثاء يسكنها اللأي والفرقد قال أبو حنيفة اللأي هي البقرة قال وسمعت أعرابيا يقول بكم لاءك هذه وأنشد في وصف فلاة كظهر اللأي لو يبتغي رية بها نهارا لأعيت في بطون الشواجن الشواجن شعب الجبال والرية مقلوب من ورى الزند وأصله ورية وهو الحراق الذي يشعل به الشررة من الزند وهو عندي تصغير لأي واللأي البطء كأنهم يريدون معنى الأناة وترك العجلة وذلك أني ألفيته في أشعار بدر مكبرا على هذا اللفظ في شعر أبي أسامة حيث يقول فدونكم بني لأي أخاكم ودونك مالكا يا أم عمرو مع ما جاء في بيت الحطيئة في غيره أتت آل شماس بن لأي وإنما أتاهم بها الأحلام والحسب العد وقوله أيضا : فماتت أم جارة آل لأي ولكن يضمنون لها قراها وفي الحديث من قول أبي هريرة .

والراوية يومئذ يستقى عليها أحب إلي من شاء ولاء  فاللاء ههنا جمع اللائي ، وهو الثور مثل الباقر والجامل وتوهم ابن قتيبة أن قوله لاء مثل ماء فخطأ الرواية وقال إنما هو ألآء مثل ألعاع جمع لأي وليس الصواب إلا ما تقدم وأنه لاء مثل جاء . 

فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسم مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن ________________________________________ فهروغيره وأما فهر فقد قيل إنه لقب والفهر من الحجارة الطويل واسمه قريش وقيل بل اسمه فهر وقريش لقب له على ما سيأتي الاختلاف فيه - إن شاء الله تعالى - ومالك والنضر وكنانة لا إشكال فيها خزيمة وخزيمة والد كنانة تصغير خزمة وهي واحدة الخزم ويجوز أن يكون تصغير خزمة وكلاهما موجود في أسماء الأنصار وغيرهم وهي المرة الواحدة من الخزم وهو شد الشيء وإصلاحه وقال أبو حنيفة الخزم مثل الدوم تتخذ من سعفه الحبال ويصنع من أسافله خلايا للنحل وله ثمر لا يأكله الناس ولكن تألفه الغربان وتستطيبه . مدركة وإلياس وأما مدركة فمذكور في الكتاب وإلياس أبوه قال فيه ابن الأنباري إلياس بكسر الهمزة وجعله موافقا لاسم إلياس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في اشتقاقه أقوالا منها : أن يكون فعيالا من الألس وهي الخديعة وأنشد من فهة الجهل والألسة . ومنها أن الألس اختلاط العقل وأنشدوا : إني إذا لضعيف العقل مألوس ومنها : أنه إفعال من قولهم رجل أليس وهو الشجاع الذي لا يفر . قال العجاج أليس عن حوبائه سخي وقال آخر أليس كالنشوان وهو صاح وفي غريب الحديث للقتبي أن فلانا : أليس أهيس ألد ملحس . إن سئل أزز وإن دعي انتهز . وقد فسره وزعم أن أهيس مقلوب الواو وأنه مرة من الهوس وجعلت واوه ياء لازدواج الكلام فالأليس الثابت الذي لا يبرح والذي قاله غير ابن الأنباري أصح ، وهو أنه الياس سمي بضد الرجاء واللام فيه للتعريف والهمزة همزة وصل وقاله قاسم بن ثابت في الدلائل وأنشد أبياتا شواهد منها قول قصي : إني لدى الحرب رخي اللبب أمهتي خندف والياس أبي ويقال إنما سمي السل داء ياس وداء إلياس لأن إلياس بن مضر مات منه . قال ابن هرمة يقول العاذلون إذا رأوني أصبت بداء ياس فهو مودي وقال ابن أبي عاصية فلو كان داء إلياس بي ، وأعانني طبيب بأرواح العقيق شفانيا وقال عروة بن حزام بي إلياس أو داء الهيام أصابني فإياك عني لا يكن بك ما بيا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج . ينظر في كتاب المولد للواقدي . وإلياس أول من أهدى البدن للبيت . قاله الزبير . وأم إلياس الرباب بنت حميرة بن معد بن عدنان قاله الطبري ، وهو خلاف ما قاله ابن هشام في هذا الكتاب . وأما مضر ، فقد قال القتبي هو من المضيرة أو من اللبن الماضر والمضيرة شيء يصنع من اللبن فسمي مضر لبياضه والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك قيل مضر الحمراء وقيل بل أوصى له أبوه بقبة حمراء ، وأوصى لأخيه ربيعة بفرس فقيل مضر الحمراء وربيعة الفرس . ومضر أول من سن للعرب حداء الإبل وكان أحسن الناس صونا فيما زعموا - وسنذكر سبب ذلك فيما بعد - إن شاء الله تعالى - وفي الحديث المروي " لا تسبوا مضر ولا ربيعة ، فإنهما كانا مؤمنين " ذكره الزبير بن أبي بكر . نزار بن معد بن ________________________________________ نزار ومعد وأما نزار فمن النزر وهو القليل وكان أبوه حين ولد له ونظر إلى النور بين عينيه وهو نور النبوة الذي كان ينتقل في الأصلاب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فرح فرحا شديدا به ونحر وأطعم وقال إن هذا كله نزر لحق هذا المولود فسمي نزارا لذلك . وأما معد أبوه فقال ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال أحدها ، أن يكون مفعلا من العد والثاني أن يكون فعلا من معد في الأرض أي أفسد كما قال وخاربين خربا فمعدا ما يحسبان الله إلا رقدا وإن كان ليس في الأسماء ما هو على وزن فعل بفتح الفاء إلا مع التضعيف فإن التضعيف يدخل في الأوزان ما ليس فيها كما قالوا . شمر وقشعريرة ولولا التضعيف ما وجد مثل هذا ، ونحو ذلك الثالث أن يكون من المعدين وهما موضع عقبي الفارس من الفرس وأصله على القولين الأخيرين من المعد بسكون العين وهو القوة ومنه اشتقاق المعدة . عدنان بن أد ويقال أدد بن ________________________________________ عدنان وأما عدنان ففعلان من عدن إذا أقام ولعدنان أخوان نبت وعمرو فيما ذكر الطبري . النسب قبل عدنان وأدد مصروف . قال ابن السراج . هو من الود وانصرف لأنه مثل ثقب وليس معدولا كعمر وهو معنى قول سيبويه . وقد قيل في عدنان هو ابن ميدعة وقيل ابن يحثم قاله القتبي وما بعد عدنان من الأسماء مضطرب فيه فالذي صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه انتسب إلى عدنان لم يتجاوزه بل قد روي عن طريق ابن عباس أنه لما بلغ عدنان . قال " كذب النسابون مرتين أو ثلاثا " ، والأصح في هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال إنما ننتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو وأصح شيء روي فيما بعد عدنان ما ذكره الدولابي أبو بشر من طريق موسى بن يعقوب عن عبد الله بن وهب بن زمعة الزمعي عن عمته عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال معد بن عدنان بن أدد بن زند - بالنون - بن اليرى بن أعراق الثرى " قالت أم سلمة . فزند هو الهميسع واليرى هو نبت وأعراق الثرى هو إسماعيل لأنه ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما أن النار لا تأكل الثرى وقد قال الدارقطني : لا نعرف زندا إلا في هذا الحديث وزند بن الجون وهو أبو دلامة الشاعر . قال المؤلف وهذا الحديث عندي ليس بمعارض لما تقدم من قوله كذب النسابون ولا لقول عمر - رضي الله عنه - لأنه حديث متأول يحتمل أن يكون قوله " ابن اليرى ، ابن أعراق الثرى " كما قال " كلكم بنو آدم وآدم من تراب " لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه ولا بد من هذا التأويل أو غيره لأن أصحاب الأخبار لا يختلفون في بعد المدة ما بين عدنان وإبراهيم ويستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو سبعة كما ذكر ابن إسحاق ، أو عشرة أو عشرون فإن المدة أطول من ذلك كله وذلك . أن معد بن عدنان كان في مدة بختنصر ابن ثنتي عشرة سنة . قال الطبري : وذكر أن الله تعالى أوحى في ذلك الزمان إلى إرمياء بن حلقيا أن اذهب إلى بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب ، واحمل معدا على البراق كيلا تصيبه النقمة فيهم فإني مستخرج من صلبه نبيا كريما أختم به الرسل فاحتمل معدا على البراق إلى أرض الشام ، فنشأ مع بني إسرائيل وتزوج هناك امرأة اسمها : معانة بنت جوشن من بني دب بن جرهم ، ويقال في اسمها : ناعمة . قاله الزبير ومن ثم وقع في كتاب الإسرائيليين نسب معد ثبته في كتبه رخيا ، وهو يورخ كاتب إرمياء . كذلك ذكر أبو عمر النمري حدثت بذلك عن الغساني عنه وبينه وبين إبراهيم في ذلك النسب نحو من أربعين جدا ، وقد ذكرهم كلهم أبو الحسن المسعودي على اضطراب في الأسماء ولذلك - والله أعلم - أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع نسب عدنان إلى إسماعيل لما فيه من التخليط وتغيير في الألفاظ وعواصة تلك الأسماء مع قلة الفائدة في تحصيلها . وقد ذكر الطبري نسب عدنان إلى إسماعيل من وجوه ذكر في أكثرها نحوا من أربعين أبا ، ولكن باختلاف في الألفاظ لأنها نقلت من كتب عبرانية وذكر من وجه قوي في الرواية عن نساب العرب ، أن نسب عدنان يرجع إلى قيذر بن إسماعيل وأن قيذر كان الملك في زمانه وأن معنى قيذر الملك إذا فسر وذكر الطبري في عمود هذا النسب بورا بن شوحا ، وهو أول من عتر العتيرة وأن شوحا هو سعد رجب وأنه أول من سن رجبا للعرب . والعتيرة هي الرجبية . وذكر في هذا النسب عبيد بن ذي يزن بن هماذا ، وهو الطعان وإليه تنسب الرماح اليزنية وذكر فيهم أيضا دوس العتق وكان من أحسن الناس وجها ، وكان يقال في المثل أعتق من دوس ، وهو الذي هزم جيش قطورا بن جرهم . وذكر فيهم إسماعيل ذا الأعوج وهو فرسه وإليه تنسب الخيل الأعوجية وهذا هو الذي يشبه فإن بختنصر كان بعد سليمان بمئتين من السنين لأنه كان عاملا على العراق " لكي لهراسب " ثم لابنه " كي بستاسب " إلى مدة بهمن قبل غلبة الإسكندر على دارا بن دارا بهمن ، وذلك قريب من مدة عيسى ابن مريم فأين هذه المدة من مدة إسماعيل ؟ وكيف يكون بين معد وبنيه مع هذا سبعة آباء فكيف أربعة والله أعلم ؟ . وكان رجوع معد إلى أرض الحجاز بعد ما رفع الله بأسه عن العرب ورجعت بقاياهم التي كانت في الشواهق إلى محالهم ومياههم بعد أن دوخ بلادهم بختنصر وخرب المعمور واستأصل أهل حضور وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله وكم قصمنا من قرية الأنبياء الآية وذلك لقتلهم شعيب بن ذي مهدم نبيا أرسله الله إليهم وقبره بصنين جبل باليمن وليس بشعيب الأول صاحب مدين . ذلك شعيب بن عيفي ، ويقال فيه ابن صيفون وكذلك أهل عدن ، قتلوا نبيا أرسل إليهم اسمه حنظلة بن صفوان فكانت سطوة الله بالعرب لذلك نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه . مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن ________________________________________ عود إلى النسب ثم نعود إلى النسب . فأما مقوم بكسر الواو وأبو أدد فمفهوم المعنى ، وتيرح فيعل من الترحة إن كان عربيا . وكذلك ناحور من النحر ويشجب من الشجب وإن كان المعروف أن يقال شجب بكسر الجيم يشجب بفتحها ، ولكن قد يقال في المغالبة شاجبته فشجبته أشجبه بضم الجيم في المستقبل وفتحها في الماضي ; كما يقال من العلم عالمته فعلمته بفتح اللام أعلمه بضمها . وقد ذكرهم أبو العباس الناشئ في قصيدته المنظومة في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آدم كما ذكرهم ابن إسحاق . وإبراهيم معناه أب راحم وآزر قيل معناه يا أعوج وقيل هو اسم صنم وانتصب على إضمار الفعل في التلاوة وقيل هو اسم لأبيه كان يسمى تارح وآزر وهذا هو الصحيح لمجيئه في الحديث منسوبا إلى آزر وأمه نونا ، ويقال في اسمها . ليوثي ، أو نحو هذا وما بعد إبراهيم أسماء سريانية فسر أكثرها بالعربية ابن هشام في غير هذا الكتاب وذكر أن فالع معناها : القسام وشالخ معناها : الرسول أو الوكيل وذكر أن إسماعيل تفسيره مطيع الله وذكر الطبري أن بين فالع وعابر أبا اسمه قينن أسقط اسمه في التوراة ، لأنه كان ساحرا ، وأرفخشذ تفسيره مصباح مضيء وشاذ مخفف بالسريانية " الضياء ومنه حم شاذ " بالسريانية وهو رابع الملوك بعد " جيومرث " ، وهو الذي قتله الضحاك ، واسمه " بيوراسب بن إندراسب " والضحاك مغير من ازدهاق . قال حبيب وكأنه الضحاك في فتكاته بالعالمين وأنت أفريدون لأن أفريدون هو الذي قتل الضحاك ، بعد أن عاش ألف سنة في جور وعتو وطغيان عظيم وذلك مذكور على التفصيل في تاريخ الطبري وغيره . نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس النبي - فيما يزعمون - والله أعلم وكان أول بني آدم أعطي النبوة وخط بالقلم - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم . قال أبو محمد عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله وآله وسلم إلى آدم عليه السلام وما فيه من حديث إدريس وغيره . قال ابن هشام : وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي ، عن شيبان بن زهير بن شقيق بن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - ابن تارح - وهو آزر - بن ناحور بن أسرغ بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم . عمل ابن هشام في سيرة ابن إسحاق قال ابن هشام : وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم ومن - 38 - ولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ولده وأولادهم لأصلابهم الأول فالأول من إسماعيل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما يعرض من حديثهم وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة للاختصار إلى حديث سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ، وأشياء بعضها يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته ومستقص - إن شاء الله تعالى - ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به . ________________________________________ نوح ومن قبله وذكر نوحا - عليه السلام - واسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على ذنبه وأخوه صابئ بن لامك ، إليه ينسب دين الصابئين فيما ذكروا والله أعلم . وذكر أن لامك والد نوح عليه السلام . ولامك أول من اتخذ العود للغناء بسبب يطول ذكره واتخذ مصانع الماء . وأبوه متوشلخ . وذكره الناشئ في قصيدته فقال متوشلخ ، وتفسيره مات الرسول لأن أباه كان رسولا وهو خنوخ ؟ وقال ابن إسحاق وغيره هو إدريس النبي - عليه السلام - وروى ابن إسحاق في الكتاب الكبير عن شهر بن حوشب عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال أول من كتب بالقلم إدريس " وعنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال أول من كتب بالعربية إسماعيل وقال أبو عمر وهذه الرواية أصح من رواية من روى : أن أول من تكلم بالعربية إسماعيل والخلاف كثير في أول من تكلم بالعربية . وفي أول من أدخل الكتاب العربي أرض الحجاز . فقيل حرب بن أمية . قاله الشعبي . وقيل هو شعبان بن أمية . وقيل عبد بن قصي تعلمه بالحيرة أهل الحيرة من أهل الأنبار . إدريس قال المؤلف ثم نرجع الآن إلى ما كنا بصدده . فنقول إن إدريس - عليه السلام - قد قيل إنه إلياس وإنه ليس بجد لنوح . ولا هو في عمود هذا النسب . وكذلك سمعت شيخنا الحافظ أبا بكر - رحمه الله - يقول - ويستشهد بحديث الإسراء - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما لقي نبيا من الأنبياء الذين لقيهم ليلة الإسراء قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . وقال له آدم مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . كذلك قال له إبراهيم . وقال له إدريس والأخ الصالح . فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قال له أبوه إبراهيم وأبوه آدم ولخاطبه بالبنوة ولم يخاطبه بالأخوة . وهذا القول عندي أنبل والنفس إليه أميل لما عضده من هذا الدليل . وقال إدريس بن يرد وتفسيره الضابط . ابن مهلائيل ، وتفسيره الممدح وفي زمنه كان بدء عبادة الأصنام . " ابن قينان " وتفسيره المستوى . " ابن أنوش " وتفسيره الصادق وهو بالعربية أنش وهو أول من غرس النخلة وبوب الكعبة وبذر الحبة فيما ذكروا ، " ابن شيث " وهو بالسريانية : شاث . وبالعبرانية : شيث . وتفسيره عطية الله " ابن آدم " . آدم وفيه ثلاثة أقوال قيل هو اسم سرياني وقيل هو أفعل من الأدمة . وقيل أخذ من لفظ الأديم . لأنه خلق من أديم الأرض . وروي ذلك عن ابن عباس . وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل عن محمد بن المستنير . وهو قطرب أنه قال لو كان من أديم الأرض لكان على وزن فاعل وكانت الهمزة أصلية فلم يكن يمنعه من الصرف مانع وإنما هو على وزن أفعل من الأدمة . ولذلك جاء غير مجرى . قال المؤلف وهذا القول ليس بشيء ; لأنه لا يمتنع أن يكون من الأديم ويكون على وزن أفعل . تدخل الهمزة الزائدة على الهمزة الأصلية كما تدخل على همزة الأدمة . فأول الأدمة همزة أصلية . فكذلك أول الأديم همزة أصلية . فلا يمتنع أن يبنى منها أفعل . فيكون غير مجرى . كما يقال رجل أعين وأرأس من العين والرأس . وأسوق وأعنق من الساق والعنق . مع ما في هذا القول من المخالفة لقول السلف الذين هم أعلم منه لسانا ، وأذكى جنانا . حكم التكلم في الأنساب قال المؤلف وإنما تكلمنا في رفع هذا النسب على مذهب من رأى ذلك من العلماء . ولم يكرهه كابن إسحاق والطبري والبخاري والزبيريين ، وغيرهم من العلماء . وأما مالك - رحمه الله - فقد سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك . قيل له فإلى إسماعيل فأنكر ذلك أيضا . وقال ومن يخبره به ؟ وكره أيضا أن يرفع في نسب الأنبياء مثل أن يقال إبراهيم بن فلان بن فلان . قال ومن يخبره به ؟ وقع هذا الكلام لمالك في الكتاب الكبير المنسوب إلى المعيطي وإنما أصله لعبد الله بن محمد بن حنين . وتممه المعيطي ، فنسب إليه . وقول مالك هذا نحو مما روي عن عروة بن الزبير أنه قال ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون . سياقة النسب من ولد إسماعيل عليه السلام أبناء إسماعيل عليه السلام قال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ولد إسماعيل بن إبراهيم - عليهم السلام - اثني عشر رجلا : نابتا - وكان أكبرهم - وقيدر ، وأذبل ومنشا ، ومسمعا ، وماشى ، ودما ، وأذر ، وطيما ، ويطورا ، ونبش وقيذما . وأمهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمي - قال ابن هشام : ويقال مضاض . وجرهم بن قحطان - وقحطان أبو اليمن كلها ، وإليه يجتمع نسبها - ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . قال ابن إسحاق : جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ ، ويقطن هو قحطان بن عيبر بن شالخ . وفاة إسماعيل وموطن أمه قال ابن إسحاق : وكان عمر إسماعيل - فيما يذكرون - مائة سنة وثلاثين سنة ثم مات - رحمة الله وبركاته عليه - ودفن في الحجر مع أمه هاجر ، رحمهم الله تعالى . قال ابن هشام : تقول العرب : هاجر وآجر فيبدلون الألف من الهاء كما قالوا : هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر من أهل مصر . ________________________________________ ذكر إسماعيل صلى الله عليه وبنيه وقد كان لإبراهيم - عليه السلام - بنون سوى إسحاق وإسماعيل منهم ستة من قطورا بنت يقطر وهم مديان وزمران وسرج بالجيم ونقشان - ومن ولد نقشان البربر في أحد الأقوال - وأمهم رغوة . ومنهم نشق وله بنون آخرون من حجون بنت أهين ، وهم كيسان وسورج وأميم ولوطان ونافس . هؤلاء بنو إبراهيم . وقد ذكر ابن إسحاق أسماء بني إسماعيل ولم يذكر بنته ، وهي نسمة بنت إسماعيل وهي امرأة عيصو بن إسحاق وولدت له الروم وفارس - فيما ذكر الطبري - وقال أشك في الأشبان هل هي أمهم أم لا ؟ وهم من ولد عيصو ، ويقال فيه أيضا : عيصا ، وذكر في ولد إسماعيل طيما ، وقيده الدارقطني : ظميا بظاء منقوطة بعدها ميم كأنها تأنيث أظمى ، والظمى مقصور سمرة في الشفتين . وذكر دما ، ورأيت للبكري أن دومة الجندل عرفت بدوما بن إسماعيل وكان نزلها ، فلعل دما مغير منه وذكر أن الطور سمي بيطور بن إسماعيل فلعله محذوف الياء أيضا - إن كان صح ما قاله - والله أعلم . وأما الذي قاله أهل التفسير في الطور ، فهو كل جبل ينبت الشجر فإن لم ينبت شيئا فليس بطور وأما قيدر فتفسيره عندهم صاحب الإبل وذلك أنه كان صاحب إبل إسماعيل . قال وأمه هاجر . ويقال فيها : آجر وكانت سرية لإبراهيم وهبتها له سارة بنت عمه وهي سارة بنت توبيل بن ناحور وقيل بنت هاران بن ناحور وقيل هاران بنت تارح . وهي بنت أخيه على هذا ، وأخت لوط . قاله القتبي في المعارف وقاله النقاش في التفسير وذلك أن نكاح بنت الأخ كان حلالا إذ ذاك فيما ذكر ثم نقض النقاش هذا القول في تفسير قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا [ الشورى : 13 ] . إن هذا يدل على تحريم بنت الأخ على لسان نوح - عليه السلام - وهذا هو الحق ، وإنما توهموا أنها بنت أخيه لأن هاران أخوه وهو هاران الأصغر وكانت هي بنت هاران الأكبر وهو عمه وبهاران سميت مدينة حران لأن الحاء هاء بلسانهم وهو سرياني وذكر الطبري أن إبراهيم إنما نطق بالعبرانية حين عبر النهر فارا من النمروذ ، وكان النمروذ قد قال للطلب الذين أرسلهم في طلبه إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانية ، فردوه فلما أدركوه استنطقوه فحول الله لسانه عبرانيا ، وذلك حين عبر النهر فسميت العبرانية بذلك وأما السريانية فيما ذكر ابن سلام - فسميت بذلك لأن الله - سبحانه - لما علم آدم الأسماء كلها ، علمه سرا من الملائكة وأنطقه بها حينئذ وكانت هاجر قبل ذلك لملك الأردن ، واسمه صادوق - فيما ذكر القتبي - دفعها إلى سارة حين أخذها من إبراهيم عجبا منه بجمالها ، فصرع مكانه فقال ادعي الله أن يطلقني . الحديث وهو مشهور في الصحاح ، فأرسلها ، وأخدمها هاجر ، وكانت هاجر قبل ذلك الملك بنت ملك من ملوك القبط بمصر ذكره الطبري من حديث سيف بن عمر أو غيره أن عمرو بن العاص حين حاصر مصر ، قال لأهلها : إن نبينا عليه السلام قد وعدنا بفتحها ، وقد أمرنا أن نستوصي بأهلها خيرا ، فإن لهم نسبا وصهرا ، فقالوا له هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي ، لأنه نسب بعيد . وصدق كانت أمكم امرأة لملك من ملوكنا ، فحاربنا أهل عين شمس فكانت لهم علينا دولة فقتلوا الملك واحتملوها ، فمن هناك تصيرت إلى أبيكم إبراهيم - أو كما قالوا - وذكر الطبري أن الملك الذي أراد سارة هو سنان بن علوان وأنه أخو الضحاك الذي تقدم ذكره وفي كتاب التيجان لابن هشام أنه عمرو بن امرئ القيس بن بابليون بن سبأ ، وكان على مصر والله أعلم . وهاجر أول امرأة ثقبت أذناها ، وأول من خفض من النساء وأول من جرت ذيلها ، وذلك أن سارة غضبت عليها ، فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها ، فأمرها إبراهيم عليه السلام - أن تبر قسمها بثقب أذنيها وخفاضها ، فصارت سنة في النساء وممن ذكر هذا الخبر ابن أبي زيد في نوادره . وإسماعيل عليه السلام نبي مرسل أرسله الله تعالى إلى أخواله من جرهم وإلى العماليق الذين كانوا بأرض الحجاز ، فآمن بعض وكفر بعض . وقوله وأمهم بنت مضاض ولم يذكر اسمها . واسمها : السيدة ذكره الدارقطني . وقد كان له امرأة سواها من جرهم ، وهي التي أمره أبوه بتطليقها حين قال لها إبراهيم قولي لزوجك : فليغير عتبته يقال اسمها : جداء بنت سعد ثم تزوج أخرى ، وهي التي قال لها إبراهيم في الزورة الثانية قولي لزوجك : فليثبت عتبة بيته الحديث وهو مشهور في الصحاح أيضا يقال اسم هذه الآخرة سامة بنت مهلهل ذكرهما ، وذكر التي قبلها الواقدي في كتاب " انتقال النور " وذكرها المسعودي أيضا وقد قيل في الثانية عاتكة . حديث في الوصاة بأهل مصر قال ابن هشام : حدثنا عبد الله بن وهب عن عبد الله بن لهيعة ، عن عمر مولى غفرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال

الله الله في أهل الذمة ، أهل المدرة السوداء السحم الجعاد فإن لهم نسبا وصهرا  

قال عمر مولى غفرة : نسبهم أن أم إسماعيل النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم . وصهرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تسرر فيهم . قال ابن لهيعة أم إسماعيل هاجر ، من " أم العرب " قرية كانت أمام الفرما من مصر وأم إبراهيم : مارية سرية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - التي أهداها له المقوقس من حفن ، من كورة أنصنا . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري : أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ثم السلمي حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال إذا افتتحتم مصر ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما " فقلت لمحمد بن مسلم الزهري : ما الرحم التي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم ؟ فقال كانت هاجر أم إسماعيل منهم ________________________________________ هدايا المقوقس وقوله في حديث عمر مولى غفرة ، وغفرة هذه هي أخت بلال بن رباح . وقول مولى غفرة هذا : إن صهرهم لكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسرر منهم يعني : مارية بنت شمعون التي أهداها إليه المقوقس ، واسمه جريج بن ميناء ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إليه حاطب بن أبي بلتعة وجبرا مولى أبي رهم الغفاري فقارب الإسلام وأهدى معهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلته التي يقال لها دلدل والدلدل القنفذ العظيم وأهدى إليه مارية بنت شمعون ، والمارية بتخفيف الياء البقرة الفتية بخط ابن سراج يذكره عن أبي عمرو المطرز . وأما المارية بالتشديد فيقال قطاة مارية أي ملساء قاله أبو عبيد في الغريب المصنف . وأهدى إليه أيضا قدحا من قوارير فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه . رواه ابن عباس ، فيقال أن هرقل عزله لما رأى من ميله إلى الإسلام . ومعنى المقوقس : المطول للبناء والقوس الصومعة العالية ، يقال في مثل أنا في القوس وأنت في القرقوس متى نجتمع ؟ وقول ابن لهيعة بالفرما من مصر . الفرما : مدينة كانت تنسب إلى صاحبها الذي بناها ، وهو الفرما بن قيلقوس ، ويقال فيه ابن قليس ، ومعناه محب الغرس ويقال فيه ابن بليس . ذكره المسعودي . والأول قول الطبري ، وهو أخو الإسكندر بن قليس اليوناني وذكر الطبري أن الإسكندر حين بنى مدينة الإسكندرية قال أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية عن الناس وقال الفرما : أبنى مدينة فقيرة إلى الناس غنية عن الله فسلط الله على مدينة الفرما الخراب سريعا ، فذهب رسمها ، وعفا أثرها ، وبقيت مدينة الإسكندر إلى الآن وذكر الطبري أن عمرو بن العاص حين افتتح مصر ، وقف على آثار مدينة الفرما ، فسأل عنها ، فحدث بهذا الحديث والله أعلم . مصر وحفن وأما مصر فسميت بمصر بن النبيط ويقال ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان . وأما حفن التي ذكر أنها قرية أم إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرية بالصعيد معروفة وهي التي كلم الحسن بن علي - رضي الله عنهما - معاوية أن يضع الخراج عن أهلها ، ففعل معاوية ذلك حفظا لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ورعاية لحرمة الصهر ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال وذكر " أنصنا " وهي قرية بالصعيد يقال إنها كانت مدينة السحرة . قال أبو حنيفة ولا ينبت اللبخ إلا بأنصنا ، وهو عود تنشر منه ألواح للسفن وربما ، رعف ناشرها ، ويباع اللوح منها بخمسين دينارا ، أو نحوها ، وإذا شد لوح منها بلوح وطرح في الماء سنة التأما ، وصارا لوحا واحدا . أصل العرب وأولاد عدنان ومعد وقضاعة قال ابن هشام فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد إسماعيل ويقول إسماعيل أبو العرب كلها . قال ابن إسحاق : عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح . عرب كلهم فولد نابت بن إسماعيل : يشجب بن نابت فولد يشجب يعرب بن يشجب فولد يعرب تيرح بن يعرب فولد تيرح : ناحور بن تيرح ، فولد ناحور مقوم بن ناحور : فولد مقوم أدد بن مقوم فولد أدد عدنان بن أدد . قال ابن هشام : ويقال عدنان بن أد . قال ابن إسحاق : فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - فولد عدنان رجلين معد بن عدنان ، وعك بن عدنان . قال ابن هشام : فصارت عك في دار اليمن ، وذلك أن عكا تزوج في الأشعريين فأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والأشعريون : بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويقال أشعر نبت بن أدد ويقال أشعر بن مالك ومالك مذحج بن أدد بن زيد بن هميسع . ويقال أشعر بن سبأ بن يشجب . وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر ، وأبو عبيدة لعباس بن مرداس أحد بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، يفخر بعك وعك بن عدنان الذين تلقبوا بغسان حتى طردوا كل مطرد وهذا البيت في قصيدة له . وغسان : ماء بسد مأرب باليمن كان شربا لولد مازن بن الأسد بن الغوث ، فسموا به ويقال غسان : ماء بالمشلل قريب من الجحفة ، والذين شربوا منه تحزبوا ، فسموا به قبائل من ولد مازن بن الأشد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ، بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . ________________________________________ عك فصل وذكر عك بن عدنان ، وأن بعض أهل اليمن يقول فيه عك بن عدنان بن عبد الله ، بن الأزد ، وذكر الدارقطني في هذا الموضع عن ابن الحباب أنه قال فيه عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة ولا خلاف في الأول أنه بنونين كما لم يختلف في دوس بن عدثان أنه بالثاء وهي قبيلة من الأزد أيضا ، واسم عك عامر . والديث الذي ذكره هو بالثاء وقاله الزبير الذيب بالذال والياء ولعدنان أيضا ابن اسمه الحارث وآخر يقال له المذهب ولذلك قيل في المثل أجمل من المذهب وقد ذكر أيضا في بنيه الضحاك وقيل في الضحاك إنه ابن معد لا ابن عدنان وقيل إن عدن الذي تعرف به مدينة عدن ، وكذلك أبين هما : ابنا عدنان قاله الطبري . ولعدنان بن أدد أخوان نبت بن أدد وعمرو بن أدد . قاله الطبري أيضا . ذكر قحطان والعرب العاربة أما قحطان فاسمه مهزم - فيما ذكر ابن ماكولا - وكانوا أربعة إخوة فيما روي عن ابن منبه قحطان وقاحط ومقحط وفالغ . وقحطان أول من قيل له أبيت اللعن وأول من قيل له عم صباحا ، واختلف فيه فقيل هو ابن عابر بن شالخ ، وقيل هو ابن عبد الله أخو هود ، وقيل هو هود نفسه فهو على هذا القول من إرم بن سام ومن جعل العرب كلها من إسماعيل قالوا فيه هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل . ويقال هو ابن الهميسع بن يمن وبيمن سميت اليمن في قول وقيل بل سميت بذلك لأنها عن يمين الكعبة . وتفسير الهميسع الصراع . وقال ابن هشام : يمن هو . يعرب بن قحطان سمي بذلك لأن هودا عليه السلام قال له أنت أيمن ولدي نقيبة في خبر ذكره . قال وهو أول من قال القريض والرجز وهو الذي أجلى بني حام إلى بلاد المغرب بعد أن كانوا يأخذون الجزية من ولد قوطة بن يافث . قال وهي أول جزية وخراج أخذت في بني آدم . وقد احتجوا لهذا القول أعني : أن قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا قال هذا القول لقوم من أسلم بن أفصى ، وأسلم أخو خزاعة وهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وهم من سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ولا حجة عندي في هذا الحديث لأهل هذا القول لأن اليمن لو كانت من إسماعيل - مع أن عدنان كلها من إسماعيل بلا شك - لم يكن لتخصيص هؤلاء القوم بالنسب إلى إسماعيل معنى ، لأن غيرهم من العرب أيضا أبوهم إسماعيل ولكن في الحديث دليل والله أعلم - على أن خزاعة من بني قمعة أخي مدركة بن إلياس بن مضر ، كما سيأتي بيانه في هذا الكتاب عند حديث عمرو بن لحي - إن شاء الله - وكذلك قول أبي هريرة - رضي الله عنه - هي أمكم يا بني ماء السماء يعني : هاجر ، يحتمل أن يكون تأول في قحطان ما تأوله غيره ويحتمل أن يكون نسبهم إلى " ماء السماء على زعمهم " فإنهم ينتسبون إليه كما ينتسب كثير من قبائل العرب إلى حاضنتهم وإلى رابهم أي زوج أمهم - كما سيأتي بيانه في باب قضاعة إن شاء الله . سبأ وأميم ووبار وسبأ اسمه عبد شمس - كما ذكر - وكان أول من تتوج من ملوك العرب ، وأول من سبى فسمي سبأ ، ولست من هذا الاشتقاق على يقين لأن سبأ مهموز والسبي غير مهموز . وذكر أميما ، ويقال فيه أميم ووجدت بخط أشياخ مشاهير أميم وأميم بفتح الهمزة وتشديد الميم مكسورة ولا نظير له في الكلام والعرب تضطرب في هذه الأسماء القديمة قال المعري : يراه بنو الدهر الأخير بحاله كما قد رأته جرهم وأميم فجاء به على وزن فعيل وهو الأكثر وأميم - فيما ذكروا - أول من سقف البيوت بالخشب المنشور وكان ملكا ، وكان يسمى : آدم وهو عند الفرس : آدم الصغير وولده وبار وهم أمة هلكت في الرمل هالت الرياح الرمل على فجاجهم ومناهلهم فهلكوا . قال الشاعر وكر دهر على وبار فأهلكت عنوة وبار والنسب إليه أباري على غير قياس ومن العماليق ملوك مصر الفراعنة منهم الوليد بن مصعب صاحب موسى وقابوس بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن إراشة بن معاوية بن عمليق أخو الأول ومنهم الريان بن الوليد صاحب يوسف عليه السلام ويقال فيه ابن دومع فيما ذكر المسعودي . وأما طسم وجديس فأفنى بعضهم بعضا قتلت طسم جديسا لسوء ملكتهم إياهم وجورهم فيهم فأفلت معهم رجل اسمه رباح بن مرة فاستصرخ بتبع وهو حسان بن تبان أسعد وكانت أخته اليمامة ، واسمها عنز ناكحا في طسم وكان هواها معهم فأنذرتهم فلم يقبلوا ، فصبحتهم جنود تبع فأفنوهم قتلا ، وصلبوا اليمامة الزرقاء بباب جو وهي المدينة ، فسميت جو باليمامة من هنالك إلى اليوم وذلك في أيام ملوك الطوائف وبقيت بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع حتى وقع عليها عبيد بن ثعلبة الحنفي ، وكان رائدا لقومه في البلاد فلما أكل الثمر قال إن هذا لطعام وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة ، فسميت حجرا ، وهي منازل حنيفة إلى اليوم وخبر طسم وجديس مشهور اقتصرنا معه على هذه النبذة لشهرته عند الإخباريين . نسب الأنصار قال حسان بن ثابت الأنصاري والأنصار بنو الأوس والخزرج ، ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو ، بن عامر ، بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث : إما سألت فإنا معشر نجب الأسد نسبتنا والماء غسان وهذا البيت في أبيات له . ________________________________________ ذكر نسب الأنصار وهم الأوس والخزرج ، والأوس : الذئب والعطية أيضا ، والخزرج : الريح الباردة ولا أحسب الأوس في اللغة إلا العطية خاصة وهي مصدر أسته وأما أوس الذي هو الذئب فعلم كاسم الرجل وهو كقولك : أسامة في اسم الأسد . وليس أوس إذا أردت الذئب كقولك : ذئب وأسد ، ولو كان كذلك لجمع وعرف - قال - كما يفعل بأسماء الأجناس ولقيل في الأنثى : أوسة كما يقال ذئبة وفي الحديث ما يقوي هذا ، وهو قوله عليه السلام " هذا أويس يسألكم من أموالكم " فقالوا : " لا تطيب له أنفسنا بشيء " ولم يقل هذا الأوس فتأمله وليس أوس على هذا من المسمين بالسباع ولا منقولا من الأجناس إلا من العطية خاصة وفيه عمرو ، وهو مزيقياء لأنه - فيما ذكروا - كان يمزق كل يوم حلة . ابن عامر وهو ماء السماء . ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس وهو البهلول بن ثعلبة الصنم بن مازن السراج ابن الأسد ويقال لثعلبة أبيه الصنم وكان يقال لثعلبة ابن عمرو جد الأوس والخزرج : ثعلبة العنقاء وكأنهم ملوك متوجون ومات حارثة بن ثعلبة العنقاء والد الأوس والخزرج بالمدينة بعد ظهورهم على الروم بالشام ومصالحة غسان لملك الروم ، وكان موت حارثة وجذع بن سنان من صيحة كانت بين السماء والأرض سمع فيه صهيل الخيل وبعد موت حارثة كان ما كان من نكث يهود العهود حتى ظهرت الأوس والخزرج عليهم بمن استنصروا به من ملوك جفنة ويقال في الأسد الأزد بالسين والزاي واسمه الازدراء بن الغوث . قاله وثيمة بن موسى بن الفرات . وقال غيره سمي أسدا لكثرة ما أسدى إلى الناس من الأيادي . ورفع في النسب إلى كهلان بن سبأ ، وكهلان كان ملكا بعد حمير ، وعاش - فيما ذكروا - ثلاثمائة سنة ثم تحول الملك إلى أخيه حمير ، ثم في بنيهم وهم وائل ومالك وعمرو وعامر وسعد وعوف . وذكر لطمة ولد عمرو بن عامر لأبيه وأنه كان أصغر ولده . قال المسعودي : واسمه مالك وقال غيره ثعلبة . وقال ويقال إنه كان يتيما في حجره . وقول حسان ما سألت فإنا معشر أنف الأسد نسبتنا ، والماء غسان يا أخت آل فراس إنني رجل من معشر لهم في المجد بنيان واشتقاق غسان اسم ذلك الماء من الغس وهو الضعيف كما قال غس الأمانة صنبور فصنبور ويروى غسي ، ويقال للهر إذا زجر غس بتخفيف السين قاله صاحب العين . والغسيسة من الرطب التي يبدؤها الإرطاب من قبل مغلاقها ، ولا تكون إلا ضعيفة ساقطة . سبأ وسيل العرم : فقالت اليمن وبعض عك وهم الذين بخراسان منهم عك بن عدنان بن عبد الله بن الأسد بن الغوث ، ويقال عدثان بن الديث بن عبد الله بن الأسد بن الغوث . قال ابن إسحاق : فولد معد بن عدنان أربعة نفر نزار بن معد وقضاعة بن معد وكان قضاعة بكر معد الذي به يكنى - فيما يزعمون - وقنص بن معد وإياد بن معد . فأما قضاعة فتيامنت إلى حمير بن سبأ - وكان اسم سبأ : عبد شمس ، وإنما سمي سبأ ؟ لأنه أول من سبى في العرب - ابن يشجب بن يعرب بن قحطان . قال ابن هشام : فقالت اليمن وقضاعة : قضاعة بن مالك بن حمير . وقال عمرو بن مرة الجهني ، وجهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم ، بن الحاف بن قضاعة : نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر في الحجر المنقوش تحت المنبر ________________________________________ فصل وذكر تفرق سبأ . والعرب تقول تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ نصبا على الحال وإن كان معرفة في الظاهر لأن معناه مثل أيدي سبأ والياء ساكنة فيه في موضع النصب لأنه صار بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا مثل معدي كرب ولم يسكنوها في ثماني عشرة لأنها متحركة في ثمانية عشر . فصل وذكر سيل العرم ، وفي العرم أقوال قيل هو المسناة أي السد وهو قول قتادة ، وقيل هو اسم للوادي ، وهو قول عطاء وقيل هو الجرذ الذي خرب السد وقيل هو صفة للسيل من العرامة وهو معنى رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقال البخاري : العرم : ماء أحمر حفر في الأرض حتى ارتفعت عنه الجنتان فلم يسقهما ، حتى يبست وليس الماء الأحمر من السد ولكنه كان عذابا أرسل عليهم . انتهى كلام البخاري . والعرب تضيف الاسم إلى وصفه لأنهما اسمان فتعرف أحدهما بالآخر . وحقيقة إضافة المسمى إلى الاسم الثاني ، أي صاحب هذا الاسم كما تقول ذو زيد أي . المسمى بزيد ومنه سعد ناشرة وعمرو بطة . وقول الأعشى : ومأرب عفى عليها العرم يقوى أنه السيل . ومأرب بسكون الهمزة اسم لقصر كان لهم وقيل هو اسم لكل ملك كان يلي سبأ ، كما أن تبعا اسم لكل من ولي اليمن ، وحضرموت والشجر . قاله المسعودي . وكان هذا السد من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب وكان ساق إليه سبعين واديا ، ومات قبل أن يستتمه فأتمته ملوك حمير بعده . وقال المسعودي : بناه لقمان بن عاد ، وجعله فرسخا ، وجعل له ثلاثين مثقبا . وقول الأعشى : إذا جاء مواره لم يرم من قوله تعالى : يوم تمور السماء مورا فهو مفتوح الميم وبعضهم يرويه مضموم الميم والفتح أصح . ومنه قولهم دم مائر أي سائل . وفي الحديث " أمر الدم بما شئت " أي أرسله ورواه أبو عبيد أمر بسكون الميم جعله من مريت الضرع . والنفس إلى الرواية الأولى أميل من طريق المعنى ، وكذلك رواه النقاش وفسره . وقوله لم يرم أي لم يمسكه السد حتى يأخذوا منه ما يحتاجون إليه . وقوله فأروي الزروع وأعنابها أي أعناب تلك البلاد لأن الزروع لا عنب لها . وأنشد لأمية بن أبي الصلت من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من سيله العرما وهذا أبين شاهد على أن العرم هو السد ، واسم أبي الصلت ربيعة بن وهب بن علاج الثقفي وأمه رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف . ذكر معد وولده قوله وولد معد أربعة نفر أما نزاز فمتفق على أنه ابن معد وسائر ولد معد فمختلف فيه فمنهم جشم بن معد وسلهم بن معد وجنادة بن معد وقناصة بن معد وقنص بن معد وسنام بن معد وعوف - وقد انقرض عقبه - وحيدان وهم الآن في قضاعة ، وأود وهم في مذحج ينسبون بني أود بن عمرو ، ومنهم عبيد الرماح وحيدة وحيادة وجنيد وقحم فأما قضاعة فأكثر النسابين يذهبون إلى أن قضاعة هو ابن معد وهو مذهب الزبيريين وابن هشام ، وقد روي من طريق هشام بن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن قضاعة ، فقال هو ابن معد وكان بكره . قال أبو عمر وليس دون هشام بن عروة من يحتج به في هذا الحديث وقد عارضه حديث آخر عن عقبة بن عامر الجهني . وجهينة : هو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم - بضم اللام - ابن الحاف بن قضاعة أنه قال يا رسول الله لمن نحن ؟ فقال " أنتم بنو مالك بن حمير وقال عمرو بن مرة - وهو من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكنى أبا مريم : يأيها الداعي ادعنا وأبشر وكن قضاعيا ولا تنزر نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر قضاعة بن مالك بن حمير قال ذو الحسبين قال الزبير الشعر لأفلح بن اليعبوب . وعمرو بن مرة هذا له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان أحدهما : في أعلام النبوة والآخر من ولي أمر الناس فسد بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة سد الله بابه دون حاجته وخلته ومسكنته يوم القيامة . ومما احتج به أصحاب القول الأول أيضا قول زهير قضاعية أو أختها مضرية يحرق في حافاتها الحطب الجزل فجعل قضاعة ومضر أخوين وأشعار كثيرة للبيد وغيره وقد قال الكميت يعاتب قضاعة في انتسابهم إلى اليمن : علام نزلتم من غير فقر ولا ضراء منزلة الحميل والحميل المسبي لأنه يحمل من بلد إلى بلد . قال الأعمش : كان أبي حميلا فورثه مسروق . أراد أن مسروقا كان يرى التوارث بولادة الأعاجم . وقال ابن الماجشون كان أبي ومالك وابن دينار والمغيرة يقولون في الحميل - وهو المسبي - يقول ابن هرمز ثم رجع مالك قبل موته بيسير إلى قول ابن شهاب ، وأنهم يتوارثون بشهادة العدول ولما تعارض القولان في قضاعة ، وتكافأت الحجاج نظرنا فإذا بعض النسابين - وهو الزبير - قد ذكر ما يدل على صدق الفريقين وذكر عن ابن الكلبي أو غيره أن امرأة مالك بن حمير ، و اسمها : عكبرة آمت منه وهي ترضع قضاعة ، فتزوجها معد ، فهو رابه فتبناه وتكنى به ويقال بل ولدته على فراشه فنسب إليه وهو قول الزبير كما نسب بنو عبد مناة بن كنانة إلى علي بن مسعود بن مازن بن الذئب الأسدي لأنه كان حاضن أبيهم وزوج أمهم فيقال لهم بنو علي إلى الآن وكذلك عكل ، وهو حاضن بني عوف بن ود بن طابخة ولكن لا يعرفون إلا بعكل وكذلك سعد بن هذيم إنما هم بنو سعد بن زيد بن قضاعة ، وهذيم كان حاضن سعد فنسب إليه وهذا كثير في قبائل العرب ، وسيأتي منه في الكتاب زيادة - إن شاء الله - وتفسير قضاعة فيما ذكر صاحب العين كلب الماء فهو اسم منقول منه وهو لقب له واسمه عمرو ، ويكنى أبا حسن وكنيته أبا حكم فيما ذكروا . وقول ابن إسحاق : كان بكر معد فالبكر أول ولد الرجل وأبوه بكر والثني ولده الثاني ، وأبوه ثني والثلث ولده الثالث ولا يقال للأب ثلث ولا يقال فيما بعد الثالث شيء من هذا ، قاله الخطاب . ومما عوتبت به قضاعة في انتسابهم إلى اليمن قول أعشى بني تغلب ، وقيل هي لرجل من كلب ، وكلب من قضاعة : أزنيتم عجوزكم وكانت قديما لا يشم لها خمار عجوز لو دنا منها يمان للاقى مثل ما لاقى يسار يريد يسار الكواعب الذي هم بهن فخصينه وقال بعض شعراء حمير في قضاعة : مررنا على حيي قضاعة غدوة وقد أخذوا في الزفن والزفنان فقلت لهم ما بال زفنكم كذا لعرس نرى ذا الزفن أو لختان فقالوا : ألا إنا وجدنا لنا أبا فقلت : ليهنئكم بأي مكان ؟ فقالوا : وجدناه بجرعاء مالك فقلت : إذا ما أمكم بحصان فما مس خصيا مالك فرج أمكم ولا بات منه الفرج بالمتداني فقالوا : بلى والله حتى كأنما خصياه في باب استها جعلان ذكره أبو عمر - رحمه الله - في كتاب الإنباه له وقال جميل بن معمر وهو من بني حن بن ربيعة من قضاعة يصف بثينة وهي من حن أيضا : ربت في الروابي من معد وفضلت على المحصنات البيض وهي وليد وقال جميل أيضا وهو يحدو بالوليد بن عبد الملك أنا جميل في السنام من معد الضاربين الناس في الركن الأشد قنص بن معد ونسب النعمان قال ابن إسحاق : وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم - فيما يزعم نساب معد - وكان منهم النعمان بن المنذر ملك الحيرة . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري : أن النعمان بن المنذر كان من ولد قنص بن معد . قال ابن هشام : ويقال قنص . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن شيخ من الأنصار من بني زريق أنه حدثه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أتى بسيف النعمان بن المنذر ، دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي - وكان جبير من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان أبو بكر الصديق أنسب العرب - فسلحه إياه ثم قال ممن كان يا جبير النعمان بن المنذر ؟ فقال كان من أشلاء قنص بن معد . قال ابن إسحاق : فأما سائر العرب فيزعمون أنه كان رجلا من لخم ، من ولد ربيعة بن نصر ، فالله أعلم أي ذلك كان . لخم بن عدي قال ابن هشام : لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ ، ويقال ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر ، وكان تخلف باليمن بعد خروج عمرو بن عامر من اليمن . أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن - فيما حدثني أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلة من اليمن ، فكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو : لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي ، وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله . وانتقل في ولده وولد ولده . وقالت الأزد : لا نتخلف عن عمرو بن عامر ، فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان . فحاربتهم عك ، فكانت حربهم سجالا . ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبنا ، ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ، ونزلت الأوس والخزرج يثرب ، ونزلت خزاعة مرا ، ونزلت أزد السراة السراة . ونزلت أزد عمان عمان . ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه ففيه أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل [ سبأ : 15 16 ] . والعرم : السد ، واحدته عرمة فيما حدثني أبو عبيدة . قال الأعشى : أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد قال ابن هشام : ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة واسم الأعشى : ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة وفي ذاك للمؤتسي أسوة ومأرب عفى عليها العرم رخام بنته لهم حمير إذا جاء مواره لم يرم فأروى الزروع وأعنابها على سعة ماؤهم إذ قسم فصاروا أيادي ما يقدرو ن منه على شرب طفل فطم وهذه الأبيات في قصيدة له . وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي - واسم ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما وهذا البيت في قصيدة له . وتروى للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن . وهو حديث طويل منعني من استقصائه ما ذكرت من الاختصار . ________________________________________ ذكر قنص بن معد وكان قنص بن معد قد انتشر ولده بالحجاز فوقعت بينهم وبين أبيهم حرب وتضايقوا في البلاد وأجدبت لهم الأرض فساروا نحو سواد العراق ، وذلك أيام ملوك الطوائف فقاتلهم الأردانيون وبعض ملوك الطوائف وأجلوهم عن السواد وقتلوهم إلا أشلاء لحقت بقبائل العرب ، ودخلوا فيهم وانتسبوا إليهم . فصل وذكر ابن إسحاق حديث جبير بن مطعم حين أتي عمر بسيف النعمان بن المنذر ، وكان جبير أنسب الناس - الحديث . وذكر الطبري أن سيف النعمان بن المنذر إنما أتي به عمر حين افتتحت المدائن - وكانت بها خرائب كسرى وذخائره فلما غلب عليها فر إلى إصطخر فأخذت أمواله ونفائس عدده وأخذ له خمسة أسياف لم ير مثلها . أحدها : سيف كسرى أبرويز ، وسيف كسرى أنوشروان وسيف النعمان بن المنذر الذي كان استلبه منه حين قتله غضبا عليه وألقاه إلى الفيلة فخبطته بأيديها ، حتى مات . وقال الطبري : إنما مات في سجنه في الطاعون الذي كان في الفرس ، وسيف خاقان ملك الترك ، وسيف هرقل ، وكان تصير إلى كسرى أيام غلبته على الروم في المدة التي ذكرها الله تعالى في قوله الم غلبت الروم في أدنى الأرض الآية . فهذا كان سبب تصير سيف النعمان إلى كسرى أبرويز ، ثم إلى كسرى يزدجرد ثم إلى عمر - رضي الله عنه - وكان الذي قتل النعمان منهم أبرويز بن هرمز بن أنوشروان وكان لأبرويز فيما ذكر ألف فيل وخمسون ألف فرس وثلاثة آلاف امرأة - فيما ذكر الطبري - وتفسير أنوشروان بالعربية مجدد الملك - فيما ذكروا والله أعلم - وكذلك تفسير أبرويز : المظفر . قاله المسعودي والطبري أيضا ، وزاد الطبري في حديث جبير حين سأله عمر عن نسب النعمان قال كانت العرب تقول إنه من أشلاء قنص بن معد وهو ولد عجم بن قنص إلا أن الناس لم يدروا ما عجم فجعلوا مكانه لخما : فقالوا : هو من لخم ، ونسبوا إليه . وأبرويز هو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فمزق كتابه فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق . حديث ربيعة بن نصر ورؤياه رؤيا ربيعة : قال ابن إسحاق : وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة ، فرأى رؤيا هالته وفظع بها ، فلم يدع كاهنا ، ولا ساحرا ، ولا عائفا ، ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني ، وفظعت بها ، فأخبروني بها وبتأويلها ، قالوا له اقصصها علينا نخبرك بتأويلها ، قال إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها ، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها ، فقال له رجل منهم فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما ، فهما يخبرانه بما سأل عنه . واسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان . وشق : بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن أنمار بن نزار ، وأنمار أبو بجيلة وخثعم . نسب بجيلة قال ابن هشام : وقالت اليمن : وبجيلة : بنو أنمار ، بن إراش بن لحيان ، بن عمرو ، بن الغوث ، بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث . ودار بجيلة وخثعم يمانية . قال ابن إسحاق : فبعث إليهما ، فقدم عليه سطيح قبل شق فقال له إني رأيت رؤيا هالتني ، وفظعت بها ، فأخبرني بها ، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها . قال أفعل . رأيت حممه خرجت من ظلمه فوقعت بأرض تهمه فأكلت منها كل ذات جمجمه فقال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح ، ما عندك في تأويلها ، فقال احلف بما بين الحرتين من حنش لتهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش ، فقال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن ؟ أفي زماني هذا ، أم بعده ؟ قال لا ، بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع ؟ قال لا ، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين قال ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم ؟ . قال يليه إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن . قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع ؟ قال لا ، بل ينقطع . قال ومن يقطعه ؟ قال نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي ؟ . قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر . قال وهل للدهر من آخر ؟ قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال أحق ما تخبرني ؟ قال نعم . والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق . ثم قدم عليه شق ، فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان فقال نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة . قال فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا ، وأن قولهما واحد إلا أن سطيحا قال " وقعت بأرض تهمه فأكلت منها كل ذات جمجمه " . وقال شق : " وقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة . فقال له الملك ما أخطأت يا شق منها شيئا ، فما عندك في تأويلها ؟ . قال أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران . فقال له الملك وأبيك يا شق ، إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن ؟ أفي زماني ، أم بعده ؟ قال لا ، بل بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ويذيقهم أشد الهوان . قال ومن هذا العظيم الشأن ؟ قال غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن فلا يترك أحدا منهم باليمن . قال أفيدوم سلطانه أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل قال وما يوم الفصل ؟ قال يوم تجزى فيه الولاة ويدعى فيه من السماء بدعوات يسمع منها الأحياء والأموات ويجمع فيه بين الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات . قال أحق ما تقول ؟ قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض . قال ابن هشام : أمض . يعني : شكا ، هذا بلغة حمير ، وقال أبو عمرو . أمض أي باطل . ________________________________________ حديث ربيعة بن نصر ورؤياه وبعضهم يقول فيه نصر بن ربيعة ، وهو في قول نساب اليمن : ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم . وقال الزبير في هذا النسب نصر بن مالك بن شعوذ بن مالك بن عجم بن عمرو بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام ، وسمي لخما لأنه لخم أخاه أي لطمه فعضه الآخر في يده فجذمها ، فسمي جذاما ، وقال قطرب اللخم سمكة في البحر بها سمي الرجل لخما وأكثر المؤرخين يقولون فيه نصر بن ربيعة وقد تقدم ما قاله سعيد بن جبير في نسب النعمان وهو من ولد ربيعة ، وأن لخما في نسبه تصحيف من عجم بن قنص . وذكر رؤياه وسطيحا الكاهن ونسبه وقد خالفه محمد بن حبيب النسابة في شيء من هذا النسب في كتاب المحبر وكان سطيح جسدا ملقى لا جوارح له - فيما يذكرون - ولا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ فجلس وكان شق شق إنسان - فيما يذكرون - إنما له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة ويذكر عن وهب بن منبه أنه قال قيل لسطيح أنى لك هذا العلم ؟ فقال لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلم الله تعالى منه موسى - عليه السلام - فهو يؤدي إلي من ذلك ما يؤديه . وولد سطيح وشق في اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر ، وهي بنت الخير الحميرية ودعت بسطيح قبل أن تموت فأتيت به فتفلت في فيه وأخبرت أنه سيخلفها في علمها ، وكهانتها ، وكان وجهه في صدره لم يكن له رأس ولا عنق ودعت بشق ففعلت به مثل ما فعلت بسطيح ثم ماتت وقبرها " الجحفة " ، وذكر أبو الفرج أن خالد بن عبد الله القسري كان من ولد شق هذا ، فهو خالد بن عبد الله بن أسد بن يزيد بن كرز وذكر أن كرزا كان دعيا ، وأنه كان من اليهود ، فجنى جناية فهرب إلى بجيلة ، فانتسب فيهم ويقال كان عبدا لعبد القيس وهو ابن عامر ذي الرقعة ، وسمي بذي الرقعة ; لأنه كان أعور يغطي عينه برقعة . ابن عبد شمس بن جوين بن شق الكاهن بن صعب . وقوله في حديث الرؤيا : أكلت منها كل ذات جمجمه وكل ذات نسمه . نصب كل أصح في الرواية وفي المعنى ; لأن الحممة نار فهي تأكل ولا تؤكل على أن في رواية الشيخ برفع كل ولها وجه لكن في حاشية كتابه أن في نسخة البرقي التي قرأها على ابن هشام : كل ذات بنصب اللام . وقوله " خرجت من ظلمه " أي من ظلمة وذلك أن الحممة قطعة من نار وخروجها من ظلمة يشبه خروج عسكر الحبشة من أرض السودان ، والحممة الفحمة وقد تكون جمرة محرقة كما في هذا الحديث فيكون لفظها من الحميم ومن الحمى أيضا لحرارتها ، وقد تكون منطفئة فيكون لفظها من الحمة وهي السواد يقال حممت وجهه إذا سودته ، وكلا المعنيين حاصل في لفظ الحممة ههنا . وقوله بين روضة وأكمة لأنها وقعت بين صنعاء وأحوازها . وقوله في أرض تهمه أي منخفضة ومنه سميت تهامة . وقوله أكلت منها كل ذات جمجمه ولم يقل كل ذي جمجمة وهو من باب قوله تعالى سبحانه ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء [ فاطر 18 ] . لأن القصد إلى النفس والنسمة فهو أعم ، ويدخل فيه جميع ذوات الأرواح ولو جاء بالتذكير لكان إما خاصا بالإنسان أو عاما في كل شيء حي أو جماد ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - " [ تنح عني ، فإن ] كل بائلة تفيخ " ، أي يكون منها إفاخة وهي الحدث وقال النحاس هو تأنيث الصفة والخلقة . وقوله ليهبطن أرضكم الحبش هم بنو حبش بن كوش بن حام بن نوح وبه سميت الحبشة . وقوله ما بين أبين إلى جرش ذكره سيبويه بكسر الهمزة على مثل إصبع وجوز فيه الفتح وكذلك تقيد في هذا الكتاب وفال ابن ماكولا : هو أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع من حمير ، أو من ابن حمير سميت به البلدة وقد تقدم قول الطبري أن أبين وعدن ابنا عدن ، سميت بهما البلدتان . وقوله بغلام لا دني ولا مدن . الدني معروف والمدن الذي جمع الضعف مع الدناءة . قاله صاحب العين . وقوله لحق ما فيه أمض أي ما فيه شك ولا مستراب وقد عمر سطيح زمانا طويلا بعد هذا الحديث حتى أدرك مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز ما رأى من ارتجاس الإيوان وخمود النيران ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام وسقطت من قصره أربع عشرة شرفة وأخبره الموبذان ومعناه القاضي ، أو المفتي بلغتهم أنه رأى إبلا صعابا ، تقود خيلا عرابا ، فانتشرت في بلادهم وغارت بحيرة ساوة فأرسل كسرى عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني إلى سطيح وكان سطيح من أخوال عبد المسيح ولذلك أرسله كسرى فيما ذكر الطبري إلى سطيح يستخبره علم ذلك ويستعبره رؤيا الموبذان فقدم عليه وقد أشفى على الموت فسلم عليه فلم يحر إليه سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول أصم أم يسمع غطريف اليمن أم فاد فازلم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن أبيض فضفاض الرداء والبدن رسول قيل العجم يسري للوسن لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن تجوب بي الأرض علنداة شزن ترفعني وجنا وتهوي بي وجن حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفه في الريح بوغاء الدمن كأنما حثحث من حضني ثكن ثكن اسم جبل فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه فقال عبد المسيح على جمل مشيح جاء إلى سطيح حين أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان . رأى إبلا صعابا ، تقود خيلا عرابا ، قد قطعت دجلة ، وانتشرت في بلادها . يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وخمدت نار فارس ، وغارت بحيرة ساوة وفاض وادي السماوة فليست الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه . وقوله فازلم به معناه قبض قاله ثعلب ، وقوله شأو العنن . يريد الموت وما عن منه قاله الخطابي . وفاد مات . يقال منه فاد يفود وأما يفيد فمعناه يتبختر . فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا ، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ فأسكنهم الحيرة . نسب النعمان بن المنذر فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر ، فهو في نسب اليمن وعلمهم النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر ، ذلك الملك . قال ابن هشام : النعمان بن المنذر بن المنذر فيما أخبرني خلف الأحمر . ________________________________________ وقول ابن إسحاق في خبر ربيعة بن نصر ، فجهز أهله وبنيه إلى الحيرة ، وكتب لهم إلى ملك يقال له سابور بن خرزاذ . من تاريخ ملوك الفرس قال المؤلف الشيخ الحافظ أبو القاسم - عفا الله عنه - ولا يعرف خرزاذ في ملوك بني ساسان من الفرس ، وهم من عهد أزدشير بن بابك إلى يزدجرد الذي قتل في أول خلافة عثمان - رضي الله عنه - معروفون مسمون بأسمائهم وبمقادير مددهم . مشهور ذلك عند الإخباريين والمؤرخين ولكنه يحتمل أن يكون ابن خرزاذ هذا ملكا دون الملك الأعظم منهم أو يكون أحد ملوك الطوائف وهو الظاهر في مدة ربيعة بن نصر لأنه جد عمرو بن عدي وابن أخت جذيمة الأبرش وكان ملك جذيمة أوله فيما أحسب في مدة ملوك الطوائف وآخره في مدة الساسانيين وأول من ملك الحيرة من الساسانية سابور بن أزدشير وهو الذي خرب الحضر وكانت ملوك الطوائف متعادين يغير بعضهم على بعض قد تحصن كل واحد منهم في حصن وتحوز إلى حيز منهم عرب . ومنهم أشغانيون على دين الفرس ، وأكثرهم ينتسبون إلى الفرس من ذرية دارا بن دارا ، وكان الذي فرقهم وشتت شملهم وأدخل بعضهم بين بعض لئلا يستوثق لهم ملك ولا يقوم لهم سلطان الإسكندر بن فيلبش اليوناني ، حين ظهر على دارا ، واستولى على بلاد مملكته وتزوج بنته روشنك . بوصية أبيها دارا له بذلك حين وجده مثخنا في المعركة ولم يكن الإسكندر أراد قتله لأنه كان أخاه لأمه فيما زعموا ، فوضع الإسكندر رأسه على فخذه - فيما ذكروا - وقال يا سيد الناس لم أرد قتلك ، ولا رضيته ، فهل لك من حاجة ؟ قال نعم . تزوج ابنتي روشنك ، وتقتل من قتلني ، ثم قضى دارا ، ففعل ذلك الإسكندر وفرق الفرس ، وأدخل بينهم العرب . فتحاجزوا ، وسموا : ملوك الطوائف لأن كل واحد منهم كان على طائفة من الأرض ثم دام أمرهم كذلك أربعمائة وثمانين سنة في قول الطبري ، وقد قيل أقل من ذلك وقال المسعودي : خمسمائة وعشرين سنة وفي أيامهم بعث عيسى ابن مريم - عليه السلام - وذلك بعد موت الإسكندر بثلاثمائة سنة . فابن خرزاذ هذا - والله أعلم - من أولئك . وبنو ساسان القائمون بعد ملوك الطوائف وبعد ملوك الأشغانيين : هم بنو ساسان بن بهمن . وهو من الكينية وإنما قيل لهم الكينية لأن كل واحد منهم يضاف إلى كي وهو البهاء . ويقال معناه إدراك الثأر . وأول من تسمى بكي أفريذون بن أثفيان قاتل الضحاك بثأر جده جم ثم صار الملك في عقبه إلى منوشهر الذي بعث موسى - عليه السلام - في زمانه إلى كي قاووس . وكان في زمن سليمان - عليه السلام - وسيأتي طرف من ذكره في الكتاب إلى كي يستاسب الذي ولي بختنصر وملكه . وبختنصر هو الذي حير الحيرة حين جعل فيها سبايا العرب ، فتحيروا هناك فسميت الحيرة ، وأخذ اسمه من بوخت وهي النخلة لأنه ولد في أصل نخلة . ثم كان بعد كي يستاسب بهمن بن إسبندياذ بن يستاسب . وكان له ابنان دارا وساسان وكان ساسان هو الأكبر فكان قد طمع في الملك بعد أبيه فصرف بهمن الأمر عنه إلى دارا لخبر يطول ذكره حملته على ذلك " خمانا أم دارا " ، فخرج " ساسان " سائحا في الجبال ورفض الدنيا ، وهانت عليه وعهد إلى بنيه متى كان لهم الأمر أن يقتلوا كل أشغاني وهم نسل " داراء " فلما قام " أزدشير بن بابك " وقيده الدارقطني " أردشير " بالراء المهملة ودعا ملوك الطوائف إلى القيام معه على من خالفه حتى ينتظم له ملك فارس ، وأجابه إلى ذلك أكثرهم وكانوا يدا على الأقل حتى أزالوه وجعل " أزدشير " يقتل كل من ظهر عليه من أولئك الأشغانيين ، فقتل ملكا منهم يقال له الأردوان واستولى على قصره فألقى فيه امرأة جميلة رائعة الحسن فقال لها : ما أنت ؟ فقالت أمة من إماء الملك وكانت بنت الملك الأردوان لاذت بهذه الحيلة من القتل لأنه كان لا يبقي منهم ذكرا ولا أنثى ، فصدق قولها ، واستسرها فحملت منه فلما أثقلت استبشرت بالأمان منه فأقرت أنها بنت الأشغاني الذي قتل واسمه أردوان - فيما ذكروا - فدعا وزيرا له ناصحا - وقد سماه الطبري في التاريخ - فقال استودع هذه بطن الأرض فكره الوزير أن يقتلها ، وفي بطنها ابن للملك وكره أن يعصي أمره فاتخذ لها قصرا تحت الأرض ثم خصى نفسه وصبر مذاكيره وجعلها في حريرة ووضع الحريرة في حق وختم عليه ثم جاء به الملك فاستودعه إياه وجعل لا يدخل إلى المرأة في ذلك القصر سواه ولا تراها إلا عينه حتى وضعت المولود ذكرا ، فكره أن يسميه قبل أبيه فسماه شاهبور ، ومعناه ابن الملك فكان الصبي يدعى بهذا ، ولا يعرف لنفسه اسما غيره فلما قبل التعليم نظر في تعليمه وتقويم أوده . واجتهد في كل ما يصلحه إلى أن ترعرع الغلام . فدخل الوزير يوما على أزدشير وهو واجم فقال لا يسوءك الله أيها الملك فقد ساءني إطراقك ووجومك ، فقال كبرت سني ، وليس لي ولد أقلده الأمر بعدي ، وأخاف انتثار الأمر بعد انتظامه وافتراق الكلمة بعد اجتماعها ، فقال له إن لي عندك وديعة أيها الملك وقد احتجت إليها ، فأخرج إليه الحقة بخاتمها ، ففض الخاتم وأخرج المذاكير منها ، فقال له الملك ما هذا ؟ فقال كرهت أن أعصي الملك حين أمرني في الجارية بما أمر فاستودعتها بطن الأرض حية حتى أخرج الله منها سليل الملك حيا ، وأرضعته وحضنته وها هو ذا عندي ، فإن أمر الملك جئته به فأمره أزدشير بإحضاره في مائة غلام من أبناء فارس ، بأيديهم الصوالج يلعبون الكرة فلعبوا في القصر فكانت الكرة تقع في إيوان الملك فيتهيبون أخذها حتى طارت للغلام فوقعت في سرير الملك فتقدم حتى أخذها ، ولم يهب ذلك فقال الملك ابني والشمس متعجبا من عزة نفسه وصرامته ثم قال له ما اسمك يا غلام ؟ فقال له شاهبور ، فقال له صدقت أنت ابني . وقد سميتك بهذا الاسم وبور هو الابن وشاه هو الملك بلسانهم وإضافتهم مقلوبة يقدمون المضاف إليه على المضاف كما تقدم في " الكي " الكلمة التي كانت في أوائل أسماء الملوك الكينية فكانوا يضافون إلى الكي ثم إن أزدشير عهد إلى ابنه شاهبور ، وسيأتي في الكتاب في قول الأعشى : أقام به شاهبور الجنود حولين يضرب فيه القدم ثم غيرت العرب هذا الاسم فقالوا : سابور وتسمى به ملوك بني ساسان منهم سابور ذو الأكتاف الذي وطئ أرض العرب ، وكان يخلع أكتافهم حتى مر بأرض بني تميم ففروا منه وتركوا عمرو بن تميم . وهو ابن ثلاثمائة سنة لم يقدر على الفرار وكان في قفة معلقا من عمود الخيمة من الكبر فأخذ وجيء به الملك فاستنطقه سابور فوجد عنده رأيا ودهاء فقال له أيها الملك لم تفعل هذا بالعرب ؟ فقال يزعمون أن ملكنا يصل إليهم على يد نبي يبعث في آخر الزمان فقال عمرو : فأين حلم الملوك وعقلهم ؟ إن يكن هذا الأمر باطلا فلا يضرك ، وإن يكن حقا ألفاك ، وقد اتخذت عندهم يدا ، يكافئونك عليها ، ويحفظونك بها في ذويك ، فيقال إن سابور انصرف عنهم واستبقى بقيتهم وأحسن إليهم بعد ذلك والله أعلم . وأما أبرويز بن هرمز - وتفسيره بالعربية مظفر - فهو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي طرف من ذكره وهو الذي عرض على الله تعالى في المنام فقيل له سلم ما في يديك إلى صاحب الهراوة فلم يزل مذعورا من ذلك حتى كتب إليه النعمان بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - بتهامة فعلم أن الأمر سيصير إليه حتى كان من أمره ما كان وهو الذي سئل عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حجة الله على كسرى ؟ فقال إن الله تعالى أرسل إليه ملكا ، فسلك يده في جدار مجلسه حتى أخرجها إليه وهي تتلألأ نورا ، فارتاع كسرى ، فقال له الملك لم ترع يا كسرى . إن الله قد بعث رسوله فأسلم تسلم [ دنياك وآخرتك ] ، فقال سأنظر ذكره الطبري ، في أعلام كثيرة من النبوة عرضت على أبرويز أضربنا عن الإطالة بها ، في هذا الموضع وتسمى أيضا سابور بعد هذا سابور بن أبرويز أخو شيرويه ، وقد ملك نحوا من شهرين في مدة النبي - صلى الله عليه وسلم - وملك أخوه شيرويه نحوا من ستة أشهر ثم ملكت بوران أختهما ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يفلح قوم ملكتهم امرأة فملكت سنة وهلكت وتشتت أمرهم كل الشتات . ثم اجتمعوا على يزدجرد بن شهريار والمسلمون قد غلبوا على أطراف أرضهم ثم كانت حروب القادسية معهم إلى أن قهرهم الإسلام وفتحت بلادهم على يدي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واستؤصل أمرهم والحمد لله . وسابور تنسب إليه الثياب السابرية قاله الخطابي ، وزعم أنه من النسب الذي غير فإذا نسبوا إلى نيسابور المدينة ، قالوا : نيسابوري على القياس وزعم بعضهم أن ني هي القصب وكانت مقصبة فبناها سابور مدينة ، فنسبت إليه والله أعلم . رجوعه إلى حديث سطيح وذي يزن فصل وقول سطيح في حديث ربيعة : إرم ذي يزن ، المعروف سيف بن ذي يزن ، ولكن جعله إرما ، إما لأن الإرم هو العلم فمدحه بذلك وإما شبهه بعاد إرم في عظم الخلق والقوة قال الله تبارك وتعالى : ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد وربيعة بن نصر هذا هو أحد ملوك الحيرة ، وهم آل المنذر والمنذر هو ابن ماء السماء وهي أمه عرف بها ، وهي من النمر بن قاسط وابنه عمرو بن هند عرف بأمه أيضا ، وهي بنت الحارث آكل المرار جد امرئ القيس الشاعر ويعرف عمرو بمحرق لأنه حرق مدينة ، يقال لها : ملهم وهي عند اليمامة ، وقال المبرد والقتبي سمي محرقا ، لأنه حرق مائة من بني تميم وذكر خبرهم . وولد نصر بن ربيعة هو عدي ، وكان كاتبا لجذيمة الأبرش وابنه عمرو ، وهو ابن أخت جذيمة ويكنى جذيمة أبا مالك في قول المسعودي ، وهو منادم الفرقدين واسم أخت جذيمة رقاش بنت مالك بن فهم بن غنم بن دوس ، وهو الذي اختطفته الجن ، وفيه جرى المثل شب عمرو عن الطوق . وهو قاتل الزباء بنت عمرو واسمها : نائلة في قول الطبري ويعقوب بن السكيت وميسون في قول دريد واستشهد الطبري بقول الشاعر أتعرف منزلا بين المنقى وبين مجر نائلة القديم وقد أملينا في غير هذاالموضع ذكر نسبها وطرفا من أخبارها . وأخو عمرو بن هند : النعمان بن المنذر ، وهو ابن مامة وكان ملكه بعد عمرو ، وفي ملك عمرو ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي زمن كسرى أنوشروان بن قباذ . وأسقط ابن إسحاق من هذا النسب رجلين وهما : النعمان بن امرئ القيس وأبوه امرؤ القيس بن عمرو بن عدي . وقد قيل إن النعمان هذا هو أخو امرئ القيس وملك بعده وسيأتي ذكر النعمان بعد هذا عند ذكر صاحب الحضر إن شاء الله تعالى ، وأنه الذي بنى الخورنق والسدير . استيلاء أبي كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب قال ابن إسحاق : فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب - وتبان أسعد هو تبع الآخر - ابن كلكي كرب بن زيد وزيد هو تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الريش - قال ابن هشام : ويقال الرائش - قال ابن إسحاق : بن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث ، بن قطن ، بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج ، والعرنجج : حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان . قال ابن هشام : يشجب بن يعرب بن قحطان . قال ابن إسحاق : وتبان أسعد أبو كرب الذي قدم المدينة ، وساق الحبرين من يهود المدينة إلى اليمن ، وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر . قال ابن هشام : وهو الذي يقال له ليت حظي من أبي كرب أن يسد خيره خبله ________________________________________ قوم تبع فصل وقوله في نسب حسان بن تبان أسعد : هو تبان أسعد . اسمان جعلا اسما واحدا ، وإن شئت أضفت كما تضيف معدي كرب وإن شئت جعلت الإعراب في الاسم الآخر وتبان من التبانة وهي الذكاء والفطنة . يقال رجل تبن وطبن . وكلكي كرب اسم مركب أيضا وسيأتي معنى الكرب في لغة حمير عند ذكر معدي كرب - إن شاء الله تعالى - وكان ملك كلكي كرب خمسا وثلاثين سنة وكان مضعفا ساقط الهمة لم يغز قط . وقوله في نسب حسان ابن تبان أسعد وتبان الأسعد [ هو ] تبع [ الآخر ] نقص من النسب أسماء كثيرة وملوكا ; فإن عمرا ذا الأذعار كان بعده ناشر بن عمرو ، ويقال له ناشر النعم [ بن عمرو بن يعفر ] وإنما قيل له ناشر لأنه نشر الملك واسمه مالك . ملك بعد قتل رجعيم بن سليمان عليه السلام بالشام ، وهو الذي انتهى إلى وادي الرمل ، وماتت فيه طائفة من جنده جرت عليهم الرمال وبعده تبع الأقرن وأفريقيس بن قيس الذي بنى إفريقية وبه سميت وساق إليها البربر من أرض كنعان وتبع بن الأقرن وهو التبع الأوسط وشمر بن مالك الذي سميت به مدينة سمرقند ، ومالك هو الأملوك وفي بني الأملوك يقول الشاعر فنقب عن الأملوك واهتف بيعفر وعش جار عز لا يغالبه الدهر وقد قيل إن الأملوك كان على عهد منوشهر ، وذلك في زمن موسى - عليه السلام - كل هؤلاء مذكورون بأخبارهم في غير هذا الكتاب . وعمرو ذو الأذعار كان على عهد سليمان ، أو قبله بقليل وكان أوغل في ديار المغرب وسبى أمة وجوهها في صدورها ، فذعر الناس منهم فسمي ذا الأذعار وبعده ملكت بنت بلقيس هداهد بن شرحبيل صاحبة سليمان - عليه السلام - واسم أمها يلمقه بنت جني ، وقيل رواحة بنت سكين . قاله ابن هشام . وزعم أيضا أنها قتلت عمرا ذا الأذعار بحيلة ذكرها ، وأنه سمي ذا الأذعار لكثرة ما ذعر الناس منه لجوره وأنه ابن أبرهة ذي المنار بن الصعب وهو ذو القرنين بن ذي مراثل الحميري ، وأبوه أبرهة ذو المنار سمي بذلك لأنه رفع نيرانا في جبال ليهتدي بها . وأما حسان الذي ذكر فهو الذي استباح طسما ، وصلب اليمامة الزرقاء وذلك حين استصرخه عليهم رباح بن مرة أخو الزرقاء ، وهو من فل جديس وقد تقدم الإيماء إلى خبرهم . ومعنى تبع في لغة اليمن : الملك المتبوع وقال المسعودي : لا يقال للملك تبع حتى يغلب اليمن والشحر وحضرموت . وأول التبابعة : الحارث الرائش وهو ابن همال بن ذي شدد وسمي الرائش لأنه راش الناس بما أوسعهم من العطاء وقسم فيهم من الغنائم وكان أول من غنم فيما ذكروا . وأما العرنجج الذي ذكر أنه حمير بن سبأ ، فمعناه بالحميرية العتيق . قاله ابن هشام ، وفي عهد زمن تبع الأوسط - وهو حسان بن تبان أسعد - كان خروج عمرو بن عامر من اليمن من أجل سيل العرم ، فيما ذكر القتبي . وأما عمرو أخو حسان الذي ذكر ابن إسحاق قصته وقتله لأخيه . فهو المعروف بموثبان . سمي بذلك للزومه الوثاب وهو [ السرير ] الفراش وقلة غزوه . قاله القتبي . سبب غضب تبان على أهل المدينة قال ابن إسحاق : وكان قد جعل طريقه - حين أقبل من المشرق - على المدينة ، وكان قد مر به في بدأته فلم يهج أهلها ، وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لإخرابها ، واستئصال أهلها ، وقطع نخلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار ، ورئيسهم عمرو بن طلة أخو بني النجار ، ثم أحد بني عمرو بن مبذول ، واسم مبذول عامر بن مالك بن النجار ، واسم النجار تيم الله بن ثعلبة ، بن عمرو ، بن الخزرج ، بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو ، بن عامر . عمرو ابن طلة ونسبه قال ابن هشام : عمرو ابن طلة عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار ، وطلة أمه وهي بنت عامر بن زريق ، بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج . ________________________________________ وأما ما ذكره من غزو تبع المدينة ، فقد ذكر القتبي أنه لم يقصد غزوها ، وإنما قصد قتل اليهود الذين كانوا فيها ، وذلك أن الأوس والخزرج كانوا نزلوها معهم حين خرجوا من اليمن على شروط وعهود كانت بينهم فلم يف لهم بذلك يهود واستضاموهم فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها وقد قيل بل كان هذا الخبر لأبي جبيلة الغساني وهو الذي استصرخته الأوس والخزرج على يهود فالله أعلم . والرجل الذي عدا على عذق الملك وجده من بني النجار هو مالك بن العجلان فيما قال القتبي ، ولا يصح هذا عندي في القياس لبعد عهد تبع من مدة ملك بن العجلان . وخبر ملك بن العجلان إنما هو مع أبي جبيلة الغساني حين استصرخت به الأنصار على اليهود ، فجاء حتى قتل وجوها من يهود . وأما تبع فحديثه أقدم من ذلك . يقال كان قبل الإسلام بسبعمائة عام والصحيح في اسم أبي جبيلة : جبيلة غير مكنى ، ابن عمرو بن جبلة بن جفنة وجفنة هو غلبة بن عمرو بن عامر ماء السماء . وجبيلة هو جد جبلة بن الأيهم آخر ملوك بني جفنة ومات جبيلة الغساني من علقة شربها في ماء وهو منصرف عن المدينة . وذكر أن تبعا أراد تخريب المدينة ، واستئصال اليهود ، فقال له رجل منهم له مائتان وخمسون سنة الملك أجل من أن يطير به نزق . أو يستخفه غضب وأمره أعظم من أن يضيق عنا حلمه أو نحرم صفحه مع أن هذه البلدة مهاجر نبي يبعث بدين إبراهيم . وهذا اليهودي هو أحد الحبرين اللذين ذكر ابن إسحاق ، قال واسم الحبرين سحيت والآخر منبه . ذكر ذلك قاسم بن ثابت في الدلائل وفي رواية يونس عن ابن إسحاق ، قال واسم الحبر الذي كلم الملك بليامين ، وذكر أن امرأة اسمها : فكيهة من بني زريق كانت تحمل له الماء من بئر رومة بعدما قال له الحبران ما قالا ، وكف عن قتال أهل المدينة ، ودخلوا عسكره فأعطى فكيهة حتى أغناها ، فلم تزل هي وعشيرتها من أغنى الأنصار حتى جاء الإسلام ولما آمن الملك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأعلم بخبره قال شهدت على أحمد أنه نبي من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم وجاهدت بالسيف أعداءه وفرجت عن صدره كل هم وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب القبور وذكره أيضا أبو إسحاق الزجاج في كتاب المغازي له أن قبرا حفر بصنعاء فوجد فيه امرأتان معهما لوح من فضة مكتوب بالذهب وفيه هذا قبر لميس وحبى ابنتي تبع ماتا ، وهما تشهدان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أدري أتبع لعين أم لا وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا تسبوا تبعا ; فإنه كان مؤمنا فإن صح هذا الحديث الأخير فإنما هو بعدما أعلم بحاله ولا ندري : أي التبايعة أراد غير أن في حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تسبوا أسعد الحميري ، فإنه أول من كسا الكعبة فهذا أصح من الحديث الأول وأبين حيث ذكر فيه أسعد . وتبان أسعد الذي تقدم ذكره وقد كان تبع الأول مؤمنا أيضا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الرائش وقد قال شعرا ينبئ فيه بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيه ويأتي بعدهم رجل عظيم نبيء لا يرخص في الحرام وقد قيل أنه القائل منع البقاء تصرف الشمس وطلوعها من حيث لا تمسي اليوم أعلم ما يجيء به ومضى بفصل قضائه أمس وطلوعها بيضاء مشرقة وغروبها صفراء كالورس تجري على كبد السماء كما يجري حمام الموت في النفس وقد قيل إن هذا الشعر لتبع الآخر [ وقيل لأسقف نجران ] ، فالله أعلم ومن هذا أخذ أبو تمام قوله ألقى إلى كعبة الرحمن أرحله والشمس قد نفضت ورسا على الأصل قصة مقاتلة تبان لأهل المدينة قال ابن إسحاق : وقد كان رجل من بني عدي بن النجار ، يقال له أحمر عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده في عذق له يجده فضربه بمنجله فقتله وقال إنما التمر لمن أبره ، فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا ، فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم ويقول والله إن قومنا لكرام . فبينا تبع على ذلك من قتالهم إذ جاءه حبران من أحبار اليهود ، من بني قريظة - وقريظة والنضير والنجام وعمرو - وهو هدل - بنو الخزرج بن الصريح بن التومان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النجام ، بن تنحوم ، بن عازر ، بن عزرى ، بن هارون بن عمران ، بن يصهر بن قاهث ، بن لاوي بن يعقوب - وهو إسرائيل - بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليهم - عالمان راسخان في العلم حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما : ولم ذلك ؟ فقالا : هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك ورأى أن لهما علما ، وأعجبه ما سمع منهما ، فانصرف عن المدينة ، وأتبعهما على دينهما ، فقال خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو بن طلة أصحا أم قد نهى ذكره أم قضى من لذة وطره أم تذكرت الشباب وما ذكرك الشباب أو عصره إنها حرب رباعية مثلها آتى الفتى عبره فاسألا عمران أو أسدا إذ أتت عدوا مع الزهره فيلق فيها أبو كرب سبغ أبدانها ذفره ثم قالوا : من نؤم بها ابني عوف أم النجره ؟ بل بني النجار إن لنا فيهم قتلى ، وإن تره فتلقتهم مسايفة مدها كالغبية النثره فيهم عمرو بن طلة م ‏لى الإله قومه عمره سيد سامى الملوك ومن رام عمرا لا يكن قدره وهذا الحي من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من يهود الذين كانوا بين أظهرهم وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه حتى انصرف عنهم ولذلك قال في شعره حنقا على سبطين حلا يثربا أولى لهم بعقاب يوم مفسد قال ابن هشام : الشعر الذي فيه هذا البيت مصنوع فذلك الذي منعنا من إثباته . ________________________________________ غريب حديث تبع ذكر فيه فجد عذق الملك . العذق النخلة بفتح العين والعذق بالكسرة الكباسة بما عليها من التمر وذكر في نسب قريظة والنضير عمرا ، وهو هدل بفتح الدال والهاء كأنه مصدر هدل هدلا إذا استرخت شفته وذكره الأمير ابن ماكولا عن أبي عبدة النسابة فقال فيه هدل بسكون الدال . وذكر فيه ابن التومان على وزن فعلان كأنه من لفظ التوم وهو الدر أو نحوه . وفيه ابن السبط بكسر السين وفيه ابن تنحوم بفتح التاء وسكون النون والحاء المهملة وهو عبراني ، وكذلك عازر ، وعزرى بكسر العين من عزري . وقاهث ، وبالتاء المنقوطة باثنتين . وهكذا وقع في نسخة الشيخ أبي بحر . وفي غيرها بالثاء المثلثة وكلها عبرانية . وكذلك إسرائيل وتفصيله بالعربية سري الله . وقوله في شعر خالد بن عبد العزى : أصحا أم قد نهى ذكره . الذكر جمع ذكرة . كما تقول بكرة وبكر ، والمستعمل في هذا المعنى ذكرى بالألف وقلما يجمع فعلى على فعل ، وإنما يجمع على فعال فإن كان أراد في هذا البيت جمع : ذكرى ، وشبه ألف التأنيث بهاء التأنيث فله وجه قد يحملون الشيء على الشيء إذا كان في معناه . وقوله ذكرك الشباب أو عصره أراد أو عصره . والعصر والعصر لغتان . وحرك الصاد بالضم قال ابن جني : ليس شيء على وزن فعل بسكون العين يمتنع فيه فعل . وقوله إنها حرب رباعية . مثل . أي ليست بصغيرة ولا جذعة . بل هي فوق ذلك وضرب سن الرباعية مثلا ، كما يقال حرب عوان . لأن العوان أقوى من الفتية وأدرب . وقوله عدوا مع الزهره . يريد صبحهم بغلس قبل مغيب الزهرة وقوله أبدانها ذفره يعني : الدروع . وذفرة من الذفر . وهي سطوع الرائحة طيبة كانت أو كريهة . وأما الدفر بالدال المهملة فإنما هو فيما كره من الروائح ومنه قيل للدنيا : أم دفر وذكره القالي في الأمالي بتحريك الفاء وغلط في ذلك والدفر بالسكون أيضا : الدفع . وقوله أم النجرة . جمع ناجر والناجر والنجار بمعنى واحد وهذا كما قيل المناذرة في بني المنذر والنجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ، وسمي النجار لأنه نجر وجه رجل بقدوم فيما ذكر بعض أهل النسب . وقوله فيهم قتلى وإن تره . أظهر إن بعد الواو . أراد إن لنا قتلى وترة والترة الوتر فأظهر المضمر وهذا البيت شاهد على أن حروف العطف يضمر بعدها العامل المتقدم نحو قولك : إن زيدا وعمرا في الدار فالتقدير إن زيدا ، وإن عمرا في الدار ودلت الواو على ما أردت ، وإن احتجت إلى الإظهار أظهرت كما في هذا البيت إلا أن تكون الواو الجامعة في نحو اختصم زيد وعمرو ، فليس ثم إضمار لقيام الواو مقام صيغة التثنية كأنك قلت : اختصم هذان وعلى هذا تقول طلع الشمس والقمر فتغلب المذكر كأنك قلت : طلع هذان النيران فإن جعلت الواو هي التي تضمر بعدها الفعل قلت : طلعت الشمس والقمر وتقول في نفي المسألة الأولى : ما طلع الشمس والقمر ونفي المسألة الثانية ما طلعت الشمس ولا القمر تعيد حرف النفي . لينتفي به الفعل المضمر . ويتفرع من هذا الأصل في النحو مسائل كثيرة لا نطول بذكرها . وقوله فتلقتهم مسايفة بكسر الياء أي كتيبة مسايفة . ولو فتحت الياء فقلت : مسايفة لكان حالا من المصدر التي تكون أحوالا مثل كلمته مشافهة ولعل هذه الحال أن يكون لها ذكر في الكتاب فنكشف عن سرها ، ونبين ما خفي على الناس من أمرها ، وفي غير نسخة الشيخ فتلقتهم مسابقة بالباء والقاف . والغبية الدفعة من المطر . وقوله النثرة أي المنتثرة وهي التي لا تمسك ماء . وقوله [ ملى ] الإله من قولهم تمليت حينا أي عشت معه حينا ، وهو مأخوذ من الملاوة والملوين قال ابن أحمر ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان ألا يا ديار الحي لا هجر بيننا ولا كن روعات من الحدثان نهار وليل دائب ملواهما على كل حال الناس يختلفان معنى قول الشاعر دائب ملواهما . والملوان الليل والنهار . وهو مشكل لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه . لكنه جاز ههنا لأن الملا هو المتسع من الزمان والمكان وسمي الليل والنهار ملوين لانفساحهما ، فكأنه وصف لهما ، لا عبارة عن ذاتيهما ; ولذلك جازت إضافته إليها ، فقال دائب ملواهما أي مداهما وانفساحهما . وقد رأيت معنى هذا الكلام في هذا البيت بعينه لأبي علي الفسوري في بعض مسائله الشيرازية . وقوله لا يكن قدره . دعاء عليه والهاء عائدة على عمرو . أراد لا يكن قدر عليه . وحذف حرف الجر فتعدى الفعل فنصب ولا يجوز حذف حرف الجر في كل فعل وإنما جاز في هذا ، لأنه في معنى : استطاعه أو أطاعه فحمل على ما هو في معناه ونظائره كثيرة والبيت الذي أنشده ليت حظي من أبي كرب أن يسد خيره خبله قال البرقي : نسب هذا البيت إلى الأعشى ، ولم يصح قال وإنما هو لعجوز من بني سالم . أحبه قال في اسمها : جميلة قالته حين جاء مالك بن العجلان بخبر تبع ، فدخل سرا ، فقال لقومه قد جاء تبع ، فقالت العجوز البيت . وقوله في حديث تبع : وقوم يزعمون أن حنقه إنما كان على هذين السبطين من يهود يقوي ما ذكرناه قبل هذا عنه . والشعر الذي زعم ابن هشام أنه مصنوع قد ذكره في كتاب التيجان وهو قصيد مطول أوله ما بال عينك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بسم الأسود حنقا على سبطين حلا يثربا أولى لهم بعقاب يوم مفسد وذكر في القصيدة ذا القرنين وهو الصعب بن ذي مراثد فقال فيه ولقد أذل الصعب صعب زمانه وأناط عروة عزه بالفرقد لم يدفع المقدور عنه قوة عند المنون ولا سمو المحتد والصنعة بادية في هذا البيت وفي أكثر شعره وفيه يقول فأتى مغار الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد والخلب الطين والثأط الحرمد وهو الحمأ الأسود وروى نقلة الأخبار أن تبعا لما عمد إلى البيت يريد إخرابه رمي بداء تمخض منه رأسه قيحا وصديدا يثج ثجا ، وأنتن حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد الرمح وقيل بل أرسلت عليه ريح كتعت منه يديه ورجليه وأصابتهم ظلمة شديدة حتى دفت خيلهم فسمي ذلك المكان الدف فدعا بالحزاة والأطباء فسألهم عن دائه فهالهم ما رأوا منه ولم يجد عندهم فرجا . فعند ذلك قال له الحبران : لعلك هممت بشيء في أمر هذا البيت فقال نعم أردت هدمه . فقالا له تب إلى الله مما نويت فإنه بيت الله وحرمه وأمراه بتعظيم حرمته ففعل فبرئ من دائه وصح من وجعه . وأخلق بهذا الخبر أن يكون صحيحا فإن الله - سبحانه - يقول ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ الحج : 25 ] . أي ومن يسهم فيه بظلم . والباء في قوله بظلم تدل على صحة المعنى ، وأن من هم فيه بالظلم - وإن لم يفعل - عذب تشديدا في حقه وتعظيما لحرمته وكما فعل الله بأصحاب الفيل أهلكهم قبل الوصول إليه . تبع يعتنق النصرانية ويدعو قومه إليها قال ابن إسحاق : وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فتوجه إلى مكة ، وهي طريقه إلى اليمن ، حتى إذا كان بين عسفان ، وأمج ، أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ، فقالوا له أيها الملك ألا ندلك على بيت مال دائر أغفلته الملوك قبلك ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة ؟ قال بلى ، قالوا : بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده . وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده . فلما أجمع لما قالوا ، أرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك . ما نعلم بيتا لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا ، قال فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه ؟ قالا : تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك ؟ قالا : أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم وإنه لكما أخبرناك ، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك - أو كما قالا له - فعرف نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل ، فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام - فيما يذكرون - ينحر بها للناس ويطعم أهلها ، ويسقيهم العسل وأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل فكان تبع - فيما يزعمون - أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما ، ولا ميتة ولا مئلات وهي المحايض وجعل له بابا ومفتاحا ، وقالت سبيعة بنت الأحب بن زبينة ، بن جذيمة بن عوف بن معاوية بن بكر بن هوازن ، بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وكانت عند عبد مناف بن كعب ، بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، بن كنانة لابن لها منه يقال له خالد تعظم عليه حرمة مكة ، وتنهاه عن البغي فيها ، وتذكر تبعا وتذلله لها ، وما صنع بها : أبني لا تظلم بمكة لاالصغير ولا الكبير واحفظ محارمها بني ولا يغرنك الغرور أبني من يظلم بمكة يلق أطراف الشرور أبني يضرب وجهه ويلح بخديه السعير أبني قد جربتها فوجدت ظالمها يبور الله أمنها ، وما بنيت بعرصتها قصور ولقد غزاها تبع فكسا بنيتها الحبير وأذل ربي ملكه فيها فأوفى بالنذور يمشي إليها - حافيا بفنائها - ألفا بعير يسقيهم العسل المصفى والرحيض من الشعير والفيل أهلك جيشه يرمون فيها بالصخور والملك في أقصى البلاد وفي الأعاجم والخزير فاسمع إذا حدثت ، وافهم كيف عاقبة الأمور قال ابن هشام : يوقف على قوافيها لا تعرب . ________________________________________ وقوله فكسا البيت الخصف . جمع : خصفة وهي شيء ينسج من الخوص والليف والخصف أيضا : ثياب غلاظ . والخصف لغة في الخزف في كتاب العين . والخصف بضم الخاء وسكون الصاد هو الجوز . ويروى أن تبعا لما كسا البيت المسوح والأنطاع . انتفض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين كساه الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبلها . وممن ذكر هذا الخبر : قاسم في الدلائل . وأما الوصائل فثياب موصلة من ثياب اليمن . واحدتها : وصيلة . وقوله ولا تقربوه بمئلات وهي المحائض . لم يرد النساء الحيض لأن حائضا لا يجمع على محائض وإنما هي جمع محيضة ، وهي خرقة المحيض ويقال للخرقة أيضا : مئلاة وجمعها : المآلي قال الشاعر كأن مصفحات في ذراه وأنواحا عليهن المآلي وهي هنا خرق تمسكهن النواحات بأيديهن فكان المئلات كل خرقة دنسة لحيض كانت أو لغيره وزنها مفعلة من ألوت : إذا قصرت وضيعت ، وجعلها صاحب العين في باب الإلية والألية فلام الفعل عنده ياء على هذا ، والله أعلم ويروى في هذا الموضع مئلاثا بثاء مثلثة ومن قوله حين كسا البيت وكسونا البيت الذي حرم الله ملاء معضدا وبرودا فأقمنا به من الشهر عشرا وجعلنا لبابه إقليدا ونحرنا بالشعب ستة ألف فترى الناس نحوهن ورودا ثم سرنا عنه نؤم سهيلا فرفعنا لواءنا معقودا وقال القتبي ، كانت قصة تبع قبل الإسلام بسبعمائة عام . وقوله بنت الأحب بالحاء المهملة ابن زبينة بالزاي والباء والنون فعيلة من الزبن والنسب إليه زباني على غير قياس . ولو سمي به رجل لقيل في النسب إليه . زبني على القياس . قال سيبويه : الأحب بالحاء المهملة . يقوله أهل النسب وأبو عبيدة يقوله بالجيم وإنما قالت بنت الأحب هذا الشعر في حرب كانت بين بني السباق بن عبد الدار ، وبين بني علي بن سعد بن تميم حتى تفانوا . ولحقت طائفة من بني السباق بعك . فهم فيهم . قال وهو أول بغي كان في قريش . وقد قيل أول بغي كان في قريش بغي الأقايش وهم بنو أقيش من بني سهم بغى بعضهم على بعض فلما كثر بغيهم على الناس أرسل الله عليهم فأرة تحمل فتيلة فأخرقت الدار التي كانت فيها مساكنهم فلم يبق لهم عقب . كسوة الكعبة وقولها : وكسا بنيتها الحبير . تريد الحبرات والرحيض من الشعير أي المنقى والمصفى منه وقال ابن إسحاق في غير هذا الموضع أول من كسا الكعبة الديباج الحجاج وذكر جماعة سواه منهم الدارقطني . فتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب . كانت قد أضلت العباس صغيرا ، فنزرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج ففعلت ذلك حين وجدته . وكانت من بيت مملكة وسيأتي ذكر نسبها فيما بعد - إن شاء الله . وقال الزبير النسابة بل أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير . أصل اليهودية باليمن ثم خرج منها متوجها إلى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى النار التي كانت باليمن . قال ابن إسحاق : حدثني أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا : لا تدخلها علينا ، وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه خير من دينكم فقالوا : فحاكمنا إلى النار . قال نعم . قال وكانت باليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها ، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها ، فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر لها ، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما ، فأصفقت عند ذاك حمير على دينه فمن هنالك وعن ذلك كان أصل اليهودية باليمن . قال ابن إسحاق : وقد حدثني محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير ، إنما اتبعوا النار ليردوها ، وقالوا : من ردها فهو أولى بالحق ، فدنا منها رجال من حمير بأوثانهم ليردوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها ، ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة وتنكص عنهما ، حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما . والله أعلم أي ذلك كان . مصير رئام قال ابن إسحاق : وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه إذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخل بيننا وبينه ، قال فشأنكما به فاستخرجا منه - فيما يزعم أهل اليمن - كلبا أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم - كما ذكر لي - بها آثار الدماء التي كانت تهراق عليه . ________________________________________ رئام وذكر البيت الذي كان لهم يقال له رئام ، وهو فعال من رئمت الأنثى ولدها ترأمه رئما ورئاما : إذا عطفت عليه ورحمته . فاشتقوا لهذا البيت اسما لموضع الرحمة التي كانوا يلتمسون في عبادته والله أعلم . وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أن رئاما كان فيه شيطان وكانوا يملئون له حياضا من دماء القربان فيخرج فيصيب منها ، ويكلمهم وكانوا يعبدونه فلما جاء الحبران مع تبع نشرا التوراة عنده وجعلا يقرآنها ; فطار ذلك الشيطان حتى وقع في البحر . ملك حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه له فلما ملك ابنه حسان بن تبان أسعد أبي كرب ، سار بأهل اليمن ، يريد أن يطأ به أرض العرب ، وأرض الأعاجم ، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق - قال ابن هشام : بالبحرين ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم - كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهلهم فكلموا أخا له يقال له عمرو ، وكان معه في جيشه فقالوا له اقتل أخاك حسان ونملك علينا ، وترجع بنا إلى بلادنا ، فأجابهم فاجتمعت على ذلك إلا ذا رعين الحميري ، فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه . فقال ذو رعين ألا من يشتري سهرا بنوم سعيد من يبيت قرير عين فإما حمير غدرت وخانت فمعذرة الإله لذي رعين ثم كتبهما في رقعة وختم عليها ، ثم أتى بهما عمرا ، فقال له ضع لي هذا الكتاب عندك ، ففعل ثم قتل عمرو أخاه حسان ورجع بمن معه إلى اليمن . فقال رجل من حمير لاه عينا الذي رأى مثل حسان قتيلا في سالف الأحقاب قتلته مقاول خشية الحبس غداة قالوا : لباب لباب ميتكم خيرنا وحيكم رب علينا ، وكلكم أربابي قال ابن إسحاق : وقوله لباب لباب لا بأس لا بأس بلغة حمير . قال ابن هشام : ويروى : لباب لباب . هلاك عمرو قال ابن إسحاق : فلما نزل عمرو بن تبان اليمن منع منه النوم وسلط عليه السهر فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحزاة من الكهان والعرافين عما به فقال له قائل منهم إنه ما قتل رجل قط أخاه أو ذا رحمه بغيا على مثل ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن ، حتى خلص إلى ذي رعين ، فقال له ذو رعين : إن لي عندك براءة فقال وما هي ؟ قال الكتاب الذي دفعت إليك ، فأخرجه فإذا البيتان فتركه ورأى أنه قد نصحه . وهلك عمرو ، فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا . ________________________________________ لغة ونحو وقوله في حديث عمرو أخي حسان وهو الذي كان يقال له موثبان وقد تقدم لم لقب بذلك . وقول ذي رعين له في البيتين ألا من يشتري سهرا بنوم سعيد من يبيت قرير عين معناه أمن يشتري ، وحسن حذف ألف الاستفهام هاهنا لتقدم همزة ألا . كما حسن في قول امرئ القيس أحار ترى برقا أريك وميضه . أراد أترى وفي البيت حذف تقديره بل من يبيت قرير عين هو السعيد . فحذف الخبر لدلالة أول الكلام عليه . وفي كتاب ابن دريد سعيد أم يبيت بحذف من وهذا من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه لأن من هاهنا نكرة موصوفة ومثله قول الراجز لو قلت ما في قومها لم تأثم يفضلها في حسب وميسم أي من يفضلها ، وهذا ، إنما يوجد في الكلام إذا كان الفعل مضارعا لا ماضيا ، قاله ابن السراج وغيره . وذو رعين تصغير رعن والرعن أنف الجبل ورعين جبل باليمن قاله صاحب العين وإليه ينسب ذو رعين . وقوله في الأبيات بعد هذا : لاه من رأى مثل حسان أراد لله وحذف لام الجر واللام الأخرى مع ألف الوصل وهذا حذف كثير . ولكنه جاز في هذا الاسم خاصة لكثرة دوره على الألسنة . مثل قول الفراء لهنك من برق علي كريم . أراد والله إنك . وقال بعضهم أراد لأنك وأبدل الهمزة هاء . وهذا بعيد لأن اللام لا تجمع مع إن إلا أن تؤخر اللام إلى الخبر ، لأنهما حرفان مؤكدان وليس انقلاب الهمزة هاء بمزيل العلة المانعة من اجتماعهما . زائدة في المتن المقاول وقوله قتلته المقاول يريد الأقيال وهم الذين دون التبابعة واحدهم قيل مثل سيد ثم خفف واستعمل بالياء في إفراده وجمعه وإن كان أصله الواو لأن معناه الذي يقول ويسمع قوله ولكنهم كرهوا أن يقولوا : أقوال فيلتبس بجمع قول كما قالوا : عيد وأعياد وإن كان من عاد يعود لكن أماتوا الواو فيه إماتة كي لا يشبه جمع العود وإذا أرادوا إحياء الواو في جمع قيل قالوا : مقاول كأنه جمع مقول أو جمع : مقال ومقالة فلم يبعدوا من معنى القول وأمنوا اللبس وقد قالوا : محاسن ومذاكر لا واحد لها من لفظها ، وكأنهم ذهبوا أيضا في مقاول مذهب المرازب وهم ملوك العجم ، والله أعلم . على أنهم قالوا : أقيال وأقوال ولم يقولوا في جمع عيد إلا أعياد ، ومثل عيد وأعياد . ريح وأرياح في لغة بني أسد وقد صرفوا من القيل فعلا ، وقالوا : قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في تسبيحه الذي رواه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال به أي ملك به وقهر . كذا فسره الهروي في الغريبين . خبر لخنيعة وذي نواس فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة يقال له لخنيعة ينوف ذو شناتر فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم فقال قائل من حمير للخنيعة : تقتل أبناءها وتنفي سراتها وتبني بأيديها لها الذل حمير تدمر دنياها بطيش حلومها وما ضيعت من دينها فهو أكثر كذلك القرون قبل ذاك بظلمها وإسرافها تأتي الشرور فتخسر فسوق لخنيعة وكان لخنيعة امرئ فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا ، فجعله في فيه أي ليعلمهم أنه قد فرغ منه حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا وسيما ، ذا هيئة وعقل فلما أتاه رسوله عرف ما يريد منه فأخذ سكينا جديدا لطيفا ، فخبأه بين قدمه ونعله ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس ، فوجأه حتى قتله . ثم حز رأسه فوضعه في الكوة التي كان يشرف منها ، ووضع مسواكه في فيه ثم خرج على الناس فقالوا له ذا نواس أرطب أم يباس ؟ فقال سل نخماس استرطبان ذو نواس . استرطبان لا بأس . قال ابن هشام : هذا كلام حمير . ونخماس : الرأس . فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع فخرجوا في إثر ذي نواس حتى أدركوه فقالوا : ما ينبغي أن يملكنا غيرك ، إذ أرحتنا من هذا الخبيث . ملك ذي نواس فملكوه واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن ، فكان آخر ملوك حمير . وهو صاحب الأخدود ، وتسمى : يوسف فأقام في ملكه زمانا . ________________________________________ خبر لخنيعة وذي نواس وقال فيه ابن دريد لخنيعة وقال هو من اللخع وهو استرخاء في الجسم وذو شناتر . الشناتر الأصابع بلغة حمير ، واحدها : شنترة وذو نواس اسمه زرعة وهو من قولهم للغلام زرعك الله أي أنبتك وسموا بزارع كما سموا بنابت وقال الله تعالى : أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون [ الواقعة 64 ] أي تنبتونه وفي مسند وكيع بن الجراح عن أبي عبد الرحمن الجبلي أنه كان يكره أن يقول الرجل زرعت في أرضي كذا وكذا ، لأن الله هو الزارع وفي مسند البزار - مرفوعا - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن ذلك أيضا ، وقد تكلمنا على وجه هذا الحديث في غير هذا الإملاء فقد جاء في الصحيح ما من مسلم يغرس غرسا ، أو يزرع زرعا الحديث . وفي كتاب الله أيضا قال تزرعون سبع سنين دأبا [ يوسف 47 ] ، وسمي ذا نواس بغديرتين كانتا له تنوسان أي ضفيرتان من شعر والنوس الحركة والاضطراب فيما كان متعلقا ، قال الراجز لو رأتني والنعاس غالبي على البعير نائسا ذباذبي يريد ذباذب القميص وقال ابن قتيبة : أراد بالذباذب مذاكيره والأول أشبه بالمعنى . وذكر قول ذي نواس للحرس حين قالوا له أرطب أم يباس واليباس واليبيس مثل الكبار والكبير فقال لهم سل نخماس ، والنخماس في لغتهم هو الرأس كما ذكر ووقع في نسخة أبي بحر التي قيدها علي أبو الوليد الوقشي : نخماس بنون وخاء منقوطة ولعل هذا هو الصحيح إذ يحتمل أن يكون النخماس في لغتهم هو الرأس ثم صحف وقيده كراع بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق والحاء المهملة - فيما ذكر لي - وقوله استرطبان إلى آخر الكلام مشكل يفسره ما ذكره أبو الفرج في الأغاني قال كان الغلام إذا خرج من عند لخنيعة ، وقد لاط به قطعوا مشافر ناقته وذنبها : وصاحوا به أرطب أم يباس فلما خرج ذو نواس من عنده وركب ناقة له يقال لها : السراب قالوا : ذا نواس أرطب أم يباس فقال " ستعلم الأحراس است ذي نواس است رطبان أم يباس " فهذا اللفظ مفهوم . والذي وقع في الأصل هذا معناه ولفظه قريب من هذا ، ولعله تغيير في اللفظ - والله أعلم - وكان ملك لخنيعة سبعا وعشرين سنة وملك ذو نواس بعده ثمانيا وستين سنة . قاله ابن قتيبة . بقايا من أهل دين عيسى بنجران وبنجران بقايا من أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل . أهل فضل واستقامة من أهل دينهم لهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر . وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها ، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له فيميون ، وقع بين أظهرهم فحملهم عليه . فدانوا به . [ ابتداء وقوع النصرانية بنجران ] حديث فيميون قال ابن إسحاق : حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم يقال له فيميون ، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا ، مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بين القرى ، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها ، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه . وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا ، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي . قال وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا ، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله . فكان يتبعه حيث ذهب . ولا يفطن له فيميون ، حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض . كما كان يصنع وقد اتبعه صالح وفيميون لا يدري - فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه . لا يحب أن يعلم بمكانه وقام فيميون يصلي ، فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها ، فخافها عليه . فعيل عوله . فصرخ يا فيميون التنين قد أقبل نحوك ، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وأمسى ، فانصرف وعرف أنه قد عرف وعرف صالح أنه قد رأى مكانه . فقال له يا فيميون تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك ، وقد أردت صحبتك ، والكينونة معك حيث كنت ، فقال ما شئت . أمري كما ترى ، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم فلزمه صالح وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير فسأل عن شأن فيميون ، فقيل له إنه لا يأتي أحدا دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا ، ثم جاءه فقال له يا فيميون ، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا ، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال له ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ؟ قال كذا وكذا ، ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ثم قال له يا فيميون ، عبد من عباد الله أصابه ما ترى ، فادع الله له فدعا له فيميون ، فقام الصبي ليس به بأس وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح فبينما هو يمشي في بعض الشام ، إذ مر بشجرة عظيمة فناداه منها رجل فقال يا فيميون . قال نعم . قال ما زلت أنظرك ، وأقول متى هو جاء ؟ حتى سمعت صوتك ، فعرفت أنك هو . لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن . قال فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب ، فعدوا عليهما ، فاختطفتهما سيارة من بعض العرب ، فخرجوا بهما ، حتى باعوهما بنجران وأهل نجران يومئذ على دين العرب ، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ثم خرجوا إليها ، فعكفوا عليها يوما . فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر فكان فيميون إذا قام من الليل - يتهجد في بيت له أسكنه إياه سيده - يصلي ، استسرج له البيت نورا ، حتى يصبح من غير مصباح فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون : إنما أنتم في باطل . إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها ، وهو الله وحده لا شريك له قال فقال له سيده فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك ، وتركنا ما نحن عليه . قال فقام فيميون ، فتطهر وصلى ركعتين ثم دعا الله عليها ، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب . قال ابن إسحاق : فهذا حديث وهب بن منبه عن أهل نجران . ________________________________________ حديث فيمؤن ويذكر عن الطبري أنه قال فيه قيمؤن بالقاف وشك فيه وقال القتبي فيه رجل من آل جفنة من غسان جاءهم من الشام ، فحملهم على دين عيسى - عليه السلام - ولم يسمه وقال فيه النقاش اسمه يحيى ، وكان أبوه ملكا فتوفي وأراد قومه أن يملكوه بعد أبيه ففر من الملك ولزم السياحة وذكر الطبري قصة الرجل الذي دعا لابنه فشفي بأتم مما ذكرها ابن إسحاق ، قال فيمؤن حين دخل مع الرجل وكشف له عن ابنه " اللهم عبد من عبادك دخل عليه عدوك في نعمتك ، ليفسدها عليه فاشفه وعافه وامنعه منه " ، فقام الصبي : ليس به بأس فتبين من هذا أن الصبي كان مجنونا لقوله دخل عليه عدوك ، يعني : الشيطان وليس هذا في حديث ابن إسحاق . وذكر ابن إسحاق في الرواية الأخرى عن محمد بن كعب القرظي ، وعن بعض أهل نجران ، وما ذكروه من خبر فيمؤن قال ولم يسموه لي بالاسم الذي سماه ابن منبه . قال المؤلف رحمه الله يحتمل أنهم سموه يحيى ، وهو الاسم الذي تقدم ذكره وما قاله النقاش والقتبي . وفيه ذكر قرية نجران في هذا الحديث ونجران اسم رجل كان أول من نزلها ، فسميت به وهو نجران بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان . قاله البكري . وذكر أصحاب الأخدود ، وما أنزل الله تعالى فيهم وقد روى ابن سنجر عن جبير بن نفير قال الذين خددوا الأخدود ثلاثة تبع صاحب اليمن ، وقسطنطين ابن هلاني - وهي أمه حين صرف النصارى عن التوحيد ودين المسيح إلى عبادة الصليب وبختنصر من أهل بابل حين أمر الناس أن يسجدوا إليه فامتنع دانيال وأصحابه فألقاهم في النار فكانت بردا وسلاما عليهم وحرق الذين بغوا عليهم . أمر عبد الله بن الثامر وقصة أصحاب الأخدود فيميون والساحر قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي ، وحدثني أيضا بعض أهل نجران عن أهلها : أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان وكان في قرية من قراها قريبا من نجران - ونجران : القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها فيميون - ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به وهب بن منبه ، قالوا : رجل نزلها - ابتنى خيمة بين نجران ، وبين تلك القرية التي بها الساحر فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث إليه الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران ، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى منه من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم ، فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم - وكان يعلمه - فكتمه إياه وقال له يا بن أخي إنك لن تحمله أخشى عليك ضعفك عنه - والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه وتخوف ضعفه فيه عمد إلى قداح فجمعها ، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح لكل اسم قدح حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئا فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره بأنه قد علم الاسم الذي كتمه فقال وما هو ؟ قال هو كذا وكذا ، قال وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع قال أي ابن أخي ، قد أصبته فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل . ________________________________________ خبر ابن الثامر التفاضل بين الأسماء الإلهية وذكر فيه الاسم الأعظم وقول الراهب له إنك لن تطيقه . أي لن تطيق شروطه والانتهاض بما يجب من حقه وقد قيل في قول الله تعالى : قال الذي عنده علم من الكتاب [ النمل 40 ] إنه أوتي الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وهو آصف بن برخيا في قول أكثرهم وقيل غير ذلك . وأعجب ما قيل فيه إنه ضبة بن أد بن طابخ قاله النقاش ولا يصح ، وهي مسألة اختلف فيها العلماء فذهبت طائفة إلى ترك التفضيل بين أسماء الله تعالى ، وقالوا : لا يجوز أن يكون اسم من أسمائه أعظم من الاسم الآخر وقالوا : إذا أمر في خبر أو أثر ذكر الاسم الأعظم فمعناه العظيم كما قالوا : إني لأوجل أي وجلا ، وكما قال بعضهم في أكبر من قولك : الله أكبر إن أكبر بمعنى كبير وإن لم يكن قول سيبويه ، وذكروا أن أهون بمعنى : هين من قوله عز وجل وهو أهون عليه [ الروم : 27 ] وأكثروا الاستشهاد على هذا ونسب أبو الحسن بن بطال هذا القول إلى جماعة منهم ابن أبي زيد ، والقابسي وغيرهما ، ومما احتجوا به أيضا : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليحرم العلم بهذا الاسم وقد علمه من هو دونه من ليس بنبي ولم يكن ليدعو حين اجتهد في الدعاء لأمته ألا يجعل بأسهم بينهم وهو رءوف بهم عزيز عليه عنتهم إلا بالاسم الأعظم ليستجاب له فيه فلما منع ذلك علمنا أنه ليس اسم من أسماء الله إلا وهو كسائر الأسماء في الحكم والفضيلة يستجيب الله إذا دعي ببعضها إن شاء ويمنع إذا شاء وقال الله سبحانه قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى [ الإسراء 115 ] ، وظاهر هذا الكلام التسوية بين أسمائه الحسنى ، وكذلك ذهب هؤلاء وغيرهم من العلماء إلى أنه ليس شيء من كلام الله تعالى أفضل من شيء لأنه كلام واحد من رب واحد فيستحيل التفاضل فيه . قال الشيخ الفقيه الحافظ أبو القاسم - عفا الله عنه وجه استفتاح الكلام معهم أن يقال هل يستحيل هذا عقلا ، أم يستحيل شرعا ؟ ولا يستحيل عقلا أن يفضل الله سبحانه عملا من البر على عمل وكلمة من الذكر على كلمة فإن التفضيل راجع إلى زيادة الثواب ونقصانه وقد فضلت الفرائض على النوافل بإجماع وفضلت الصلاة والجهاد على كثير من الأعمال والدعاء والذكر عمل من الأعمال فلا يبعد أن يكون بعضه أقرب إلى الإجابة من بعض وأجزل ثوابا في الآخرة من بعض والأسماء عبارة عن المسمى ، وهي من كلام الله سبحانه القديم ولا نقول في كلام الله هو هو ولا هو غيره كذلك لا نقول في أسمائه التي تضمنها كلامه إنها هو ولا هي غيره فإن تكلمنا نحن بها بألسنتنا المخلوقة وألفاظنا المحدثة فكلامنا عمل من أعمالنا ، والله - سبحانه وتعالى - يقول والله خلقكم وما تعملون [ الصافات 3 ] ، وقبحا للمعتزلة ; فإنهم زعموا أن كلامه مخلوق فأسماؤه على أصلهم الفاسد محدثة غير المسمى بها ، وسووا بين كلام الخالق وكلام المخلوق في الغيرية والحدوث وإذا ثبت هذا ، وصح جواز التفضيل بين الأسماء إذا دعونا بها ، فكذلك القول في تفضيل السور والآي بعضها على بعض فإن ذلك راجع إلى التلاوة التي هي عملنا ، لا إلى المتلو الذي هو كلام ربنا ، وصفة من صفاته القديمة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي أي آية معك في كتاب الله أعظم ؟ فقال الله لا إله إلا هو الحي القيوم فقال ليهنك العلم أبا المنذر ‏ ومحال أن يريد بقوله أعظم معنى عظيم لأن القرآن كله عظيم فكيف يقول له أي آية في القرآن عظيمة وكل آية فيه عظيمة كذلك ؟ وكل ما استشهدوا به من قولهم أكبر بمعنى كبير وأهون بمعنى هين باطل عند حذاق النحاة ولولا أن نخرج عما نحن بصدده لأوضحنا بطلانه بما لا قبل لهم به ولو كان صحيحا في العربية ما جاز أن يحمل عليه قوله " أي آية معك في كتاب الله أعظم " ، لأن القرآن كله عظيم وإنما سأله عن الأعظم منه والأفضل في ثواب التلاوة وقرب الإجابة وفي هذا الحديث دليل أيضا على ثبوت الاسم الأعظم وأن لله اسما هو أعظم أسمائه ومحال أن يخلو القرآن عن ذلك الاسم والله تعالى يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام 38 ] ، فهو في القرآن لا محالة . وما كان الله ليحرمه محمدا ، وأمته وقد فضله على الأنبياء وفضلهم على الأمم فإن قلت : فأين هو في القرآن ؟ فقد قيل إنه أخفي فيه كما أخفيت الساعة في يوم الجمعة وليلة القدر في رمضان ليجتهد الناس ولا يتكلوا . قال الفقيه الحافظ أبو القاسم - رضي الله عنه - في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي أي آية معك في كتاب الله أعظم ولم يقل أفضل إشارة إلى الاسم الأعظم أنه فيها ، إذ لا يتصور أن تكون هي أعظم آية ويكون الاسم الأعظم في أخرى دونها . بل إنما صارت أعظم الآيات لأن الاسم الأعظم فيها . ألا ترى كيف هنأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبيا ، بما أعطاه الله تعالى من العلم وما هنأه إلا بعظيم بأن عرف الاسم الأعظم والآية العظمى التي كانت الأمم قبلنا لا يعلمه منهم إلا الأفراد عبد الله بن الثامر ، وآصف صاحب سليمان عليه السلام وبلعوم قبل أن يتبعه الشيطان فكان من الغاوين وقد جاء منصوصا في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - الذي خرجه الترمذي وأبو داود ، ويروى أيضا عن أسماء بنت يزيد - وكنيتها : أم سلمة فلعل الحديث واحد أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاسم الأعظم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي هاتين الآيتين الله لا إله إلا هو الحي القيوم و الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم وقال سبحانه هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الآية أي فادعوه بهذا الاسم ثم قال الحمد لله رب العالمين تنبيها لنا على حمده وشكره إذ علمنا من هذا الاسم العظيم ما لم نكن نعلم فإن قلت : فقد روى أبو داود والترمذي أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا - وهو زيد أبو عياش الزرقي - ذكر اسمه الحارث بن أبي أسامة في مسنده - يقول " اللهم إني أسألك ، بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام فقال لقد دعا الله باسمه الأعظم . ويروى أنه قال له في هذا الحديث غفر الله له غفر الله له . وروى الترمذي نحو هذا فيمن قال اللهم إني أسألك ; فإنك الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم تلد ولم تولد ‏ وهذا معارض لحديث أم سلمة قلنا : لا معارضة بين هذا ، وبين ما تقدم فإنا لم نقل إن الاسم الأعظم هو الحي القيوم بل الحي القيوم صفتان تابعتان للاسم الأعظم . وتتميم لذكره وكذلك المنان . وذو الجلال والإكرام في حديث أبي داود وقد خرجه الترمذي أيضا في الدعوات وكذلك الأحد الصمد في حديث الترمذي . وقولك : الله لا إله إلا هو هو الاسم لأنه لا سمي له ولم يتسم به غيره وقد قال بعض العلماء في التسعة والتسعين اسما : إنها كلها تابعة للاسم الذي هو الله وهو تمام المائة فهي مائة على عدد درج الجنة إذ قد ثبت في الصحيح أنها مائة درجة بين كل درجتين مسيرة مائة عام وقال في الأسماء " من أحصاها دخل الجنة " فهي على عدد درج الجنة وأسماؤه تعالى لا تحصى ، وإنما هذه الأسماء هي المفضلة على غيرها ، والمذكورة في القرآن . يدل على ذلك قوله في الصحيح أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم ووقع في جامع ابن وهب : ‏ سبحانك لا أحصي أسماءك ‏ ومما يدل على أنه الاسم الأعظم أنك تضيف جميع الأسماء إليه ولا تضيفه إليها . تقول العزيز اسم من أسماء الله ولا تقل الله اسم من أسماء العزيز وفخمت اللام من اسمه - وإن كانت لا تفخم لام في كلام العرب إلا مع حروف الإطباق نحو الطلاق ولا تفخم لام في شيء من أسمائه ولا شيء من الحروف الواقعة في أسمائه التي ليست بمستعلية إلا في هذا الاسم العظيم المنتظم من ألف ولامين وهاء . فالألف من مبدأ الصوت والهاء راجعة إلى مخرج الألف فشاكل اللفظ المعنى ، وطابقه لأن المسمى بهذا الاسم منه المبدأ وإليه المعاد . والإعادة أهون من الابتداء عند المخاطبين فكذلك الهاء أخف وألين في اللفظ من الهمزة التي هي مبدأ الاسم . أخبرت بهذا الكلام أو نحوه في الاسم وحروفه عن ابن فورك رحمه الله . ذكره أبو بكر شيخنا في كتاب شرح الأسماء الحسنى له . فإن قيل فأين ما ذكروه عن الاسم الأعظم وأنه لا يدعى الله به إلا أجاب ولا يسأل به شيئا إلا أعطاه . قلنا : عن ذلك جوابان أحدهما : أن هذا الاسم كان عند من كان قبلنا - إذا علمه - مصونا غير مبتذل معظما لا يمسه إلا طاهر ولا يلفظ به إلا طاهر ويكون الذي يعرفه عاملا بمقتضاه متألها مخبتا ، قد امتلأ قلبه بعظمة المسمى به لا يلتفت إلى غيره ولا يخاف سواه فلما ابتذل وتكلم به في معرض البطالات والهزل ولم يعمل بمقتضاه ذهبت من القلوب هيبته فلم يكن فيه من سرعة الإجابة وتعجيل قضاء الحاجة للداعي ما كان قبل . ألا ترى قول أيوب عليه السلام في بلائه " قد كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله - يعني في تنازعهما ، أي تخاصمهما - فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كرهت أن أذكر الله إلا على طهر ‏ فقد لاح لك تعظيم الأنبياء له . والجواب الثاني : أن الدعاء به إذا كان من القلب ولم يكن بمجرد اللسان استجيب للعبد غير أن الاستجابة تنقسم كما قال - عليه السلام - إما أن يعجل له ما سأل وإما أن يدخر له وذلك خير مما طلب وإما أن يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير وأما دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعها ، فقد أعطي عوضا لهم من ذلك الشفاعة لهم في الآخرة وقد قال أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا : الزلازل والفتن ‏ خرجه أبو داود ، فإذا كانت الفتن سببا لصرف عذاب الآخرة عن الأمة فما خاب دعاؤه لهم . على أنني تأملت هذا الحديث وتأملت حديثه الآخر حين نزلت قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم [ الأنعام 65 ] . فقال أعوذ بوجهك . فلما سمع أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك ، فلما سمع أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هذه أهون فمن هاهنا - والله أعلم - أعيذت أمته من الأولى والثانية ومنع الثالثة حين سألها بعد . وقد عرضت هذا الكلام على رجل من فقهاء زماننا ، فقال هذا حسن جدا ، غير أنا لا ندري : أكانت مسألته بعد نزول الآية أم لا ؟ فإن كان بعد نزول الآية فأخلق بهذا النظر أن يكون صحيحا . قلت له أليس في الموطأ أنه دعا بها في مسجد بني معاوية وهو في المدينة ، ولا خلاف أن سورة الأنعام مكية ؟ فقال نعم وسلم وأذعن للحق وأقر به . رحمه الله . هل الشهداء أحياء في قبورهم ؟ فصل وذكر من وجدان عبد الله في خربة من خرب نجران . يصدقه قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء [ آل عمران : 169 ] الآية وما وجد في صدر هذه الآية من شهداء أحد ، وغيرهم على هذه الصورة لم يتغيروا بعد الدهور الطويلة كحمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - فإنه وجد حين حفر معاوية العين صحيحا لم يتغير وأصابت الفأس أصبعه فدميت وكذلك أبو جابر عبد الله بن حرام وعمرو بن الجموح ، وطلحة بن عبد الله - رضي الله عنهم - استخرجته بنته عائشة من قبره حين رأته في المنام فأمرها أن تنقله من موضعه فاستخرجته من موضعه بعد ثلاثين سنة لم يتغير . ذكره ابن قتيبة في المعارف . والأخبار بذلك صحيحة . وفي المسند من طريق أنس - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنبياء أحياء يصلون في قبورهم . انفرد به ثابت البناني عن أنس وقد روي أن ثابتا التمس في قبره بعدما دفن فلم يوجد فذكر ذلك لبنته . فقالت كان يصلي فلم تروه لأني كنت أسمعه إذا تهجد بالليل يقول " اللهم اجعلني ممن يصلي في قبره بعد الموت " . وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ‏ مررت بموسى - عليه السلام - وهو يصلي في قبره . ابن الثامر يدعو إلى الإسلام فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني ، وادعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول نعم فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى ، حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه فقال له أفسدت علي أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين آبائي ، لأمثلن بك ، قال لا تقدر على ذلك . قال فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها ، فيخرج ليس به بأس فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر : إنك والله لن تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني . قال فوحد الله تعالى ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ، ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله ثم هلك الملك مكانه واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر - وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحكمه - ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران والله أعلم بذلك . قال ابن إسحاق : فهذا حديث محمد بن كعب القرظي وبعض أهل نجران عن عبد الله بن الثامر ، والله أعلم أي ذلك كان . أصحاب الأخدود ومعناه فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخد لهم الأخدود ، فحرق من حرق بالنار وقتل من قتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ، ففي ذي نواس وجنده تلك أنزل الله تعالى على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد [ البروج ] . قال ابن هشام : الأخدود : الحفر المستطيل في الأرض كالخندق والجدول ونحوه وجمعه أخاديد . قال ذو الرمة - واسمه غيلان بن عقبة أحد بني عدي بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر . من العراقية اللاتي يحيل لها بين الغلاة وبين النخل أخدود يعني : جدولا . وهذا البيت في قصيدة له . قال ويقال لأثر السيف والسكين في الجلد وأثر السوط ونحوه أخدود وجمعه أخاديد . مصير عبد الله بن الثامر قال ابن إسحاق : ويقال كان فيمن قتل ذو نواس ، عبد الله بن الثامر رأسهم وإمامهم . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعدا ، واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا عليها بيده فإذا أخرت يده عنها تنبعث دما ، وإذا أرسلت يده ردها عليها ، فأمسكت دمها ، وفي يده خاتم مكتوب فيه " ربي الله " فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره فكتب إليهم عمر رضي الله عنه أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا ________________________________________ أصحاب الأخدود وحديث عبد الله بن الثامر إنما رواه ابن إسحاق موقوفا على محمد بن كعب القرظي عن بعض أهل نجران ، ليصل به حديث فيمؤن وهو حديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق ابن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أولى أن يعتمد عليه وهو يخالف حديث ابن إسحاق في ألفاظ كثيرة . قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حدث بهذا الحديث يعني حديثا تقدم قبل هذا الحديث يحدث بهذا الحديث الآخر . قال كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال الكاهن انظروا لي غلاما فهما أو قال فطنا لقنا ; فأعلمه علمي هذا ، فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه قال فنظروا له غلاما على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه فجعل يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة قال معمر أحسب أن أصحاب الصوامع يومئذ كانوا مسلمين . قال فجعل الغلام يسأل الراهب كلما مر به فلم يزل به حتى أخبره فقال إنما أعبد الله قال فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطئ على الكاهن فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني ، فأخبر الغلام الراهب بذلك فقال له الراهب إذا قال لك الكاهن أين كنت ، فقل كنت عند أهلي ، فإذا قال لك أهلك : أين كنت ؟ فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن قال فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة فقال بعضهم إن تلك الدابة كانت أسدا ، فأخذ الغلام حجرا ، فقال اللهم إن كان ما يقول الراهب حقا فأسألك أن تقتله قال ثم رمى ، فقتل الدابة فقال الناس من قتلها ؟ فقالوا : الغلام ففزع الناس وقالوا : لقد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد . قال فسمع به أعمى ، فقال له إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا ، فقال له لا أريد منك هذا ، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالذي رده ؟ قال نعم . قال فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى ، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم فقال لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه فأمر بالراهب وبالرجل الذي كان أعمى ، فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله ثم قتل الآخر بقتلة أخرى ، ثم أمر بالغلام فقال انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا ، فألقوه من رأسه فانطلقوا به إلى ذلك الجبل فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون منه حتى لم يبق منهم إلا الغلام قال ثم رجع فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقونه فيه فانطلق به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه فقال الغلام للملك إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني ، وتقول إذا رميتني : " باسم الله رب هذا الغلام " . قال فأمر به فصلب ثم رماه فقال باسم الله رب هذا الغلام فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات فقال الناس لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد ، فإنا نؤمن برب هذا الغلام قال فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك ، قال فخد أخدودا ، ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس فقال من رجع عن ذنبه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود . قال يقول الله سبحانه - قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود حتى بلغ العزيز الحميد [ البروج ] . قال فأما الغلام فإنه دفن . قال فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل . رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن حماد بن سلمة ، ثم اتفقا عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب غير أن في حديث مسلم أن الأعمى الذي شفي كان جليسا للملك وأنه جاءه بعد ما شفي فجلس من الملك كما كان يجلس فقال من رد عليك بصرك ، قال ربي ، قال وهل لك رب غيري ؟ فقال الله ربي وربك ، فأمر بالمنشار فجعل على رأسه حتى وقع شقاه وأمر بالراهب ففعل به مثل ذلك وزاد مسلم في آخر الحديث . قال فأتي بامرأة لتلقى في النار ومعها صبي يرضع فقال لها الغلام يا أمه لا تجزعي ، فإنك على الحق وذكر ابن قتيبة أن الغلام الرضيع كان من سبعة أشهر . أمر دوس ذي ثعلبان وابتداء ملك الحبشة وذكر أرياط المستولي على اليمن دوس يستنصر بقيصر قال ابن إسحاق : وأفلت منهم رجل من سبأ ، يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذي نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين وهو أقرب إلى بلادك ، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره . هزيمة ذي نواس وانتحاره فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط - ومعه في جنده أبرهة الأشرم - فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ذو ثعلبان وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن ، فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به إلى غمره فأدخله فيه وكان آخر العهد به . ودخل أرياط اليمن ، فملكها . ________________________________________ حديث الحبشة وذكر فيه دوسا ذا ثعلبان الذي أتى قيصر . ودوس : هو ابن تبع الذي قتله أخوه قاله ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام . وذكر فيه قيصر وكتابه للنجاشي . وقيصر اسم علم لكل من ولي الروم وتفسيره بلسانهم البقير الذي بقر بطن أمه عنه وكان أول من تسمى به بقيرا ، فلما ملك وعرف به تسمى به كل من ملك بعده . قاله المسعودي . وإنما كتب بذلك إلى النجاشي ، لأنه على دينه وكان أقرب إلى اليمن منه وذكر غير ابن إسحاق أن ذا نواس أدخل الحبشة صنعاء اليمن ، حين رأى أن لا قبل له بهم بعد أن استنفر جميع المقاول ليكونوا معه يدا واحدة عليهم فأبوا إلا أن يحمى كل واحد منهم حوزته على حدته فخرج إليهم ومعه مفاتيح خزائنه وأمواله على أن يسالموه ومن معه ولا يقتلوا أحدا فكتبوا إلى النجاشي بذلك فأمرهم أن يقبلوا ذلك منهم فدخلوا صنعاء ودفع إليهم المفاتيح وأمرهم أن يقبضوا ما في بلاده من خزائن أمواله ثم كتب هو إلى كل موضع من أرضه أن اقتلوا كل ثور أسود فقتل أكثر الحبشة ، فلما بلغ ذلك النجاشي وجه جيشا إلى أبرهة وعليهم أرياط وأمره أن يقتل ذا نواس ويخرب ثلث بلاده ويقتل ثلث الرجال ويسبي ثلث النساء والذرية ففعل ذلك أبرهة . وأبرهة بالحبشة هو الأبيض الوجه وفي هذا قوة لقول من قال إن أبرهة هذا هو أبرهة بن الصباح الحميري وليس بأبي يكسوم الحبشي وإن الحبشة كانوا قد أمروا أبرهة بن الصباح على اليمن ، وهذا القول ذكره ابن سلام في تفسيره واقتحم ذو نواس البحر فهلك وقام بأمره من بعده ذو جدن ، واسمه علس بن الحارث أخو سبيع بن الحارث ، والجدن حسن الصوت يقال إنه أول من أظهر الغناء باليمن فسمي به وجدن أيضا : مفازة باليمن زعم البكري أن ذا جدن إليها ينسب فحارب الحبشة بعد ذي نواس فكسروا جنده وغلبوه على أمره ففر إلى البحر كما فعل ذو نواس ، فهلك فيه وذكروا سبب منازعة أبرهة لأرياط وأن ذلك إنما كان لأن أبرهة بلغ النجاشي أنه استبد بنفسه ولم يرسل إليه من جباية اليمن شيئا ، فوجه أرياطا إلى خلعه فعند ذلك دعاه أبرهة إلى المبارزة - كما ذكر ابن إسحاق - وذكر الطبري أن عتودة الغلام الذي قتل أرياطا . والعتودة الشدة وقد قيل في اسمه أريجدة . قال له أبرهة احتكم علي قال أحتكم أن لا تزف امرأة إلى بعلها ، حتى أكون أنا الذي أبدأ بها قبله ففعل ذلك أبرهة وغبر العبد زمانا يفعل ذلك فلما اشتد الغيظ بأهل اليمن ، قتلوا عتودة غيلة فقال لهم الملك قد أنى لكم يأهل اليمن أن تفعلوا فعل الأحرار وأن تغضبوا لحرمكم ولو علمت أن هذا العبد يسألني هذا الذي سأل ما حكمته ، ولكن والله لا يؤخذ منكم فيه دية ولا تطلبون بذخل وحيثما وقع اسم أرياط في رواية يونس لم يسمه بهذا الاسم إنما سماه روزنة أو نحو هذا . وذكر الطبري أن سيف بن ذي يزن لما فعل ذو نواس بالحبشة ما فعل ثم ظفروا به بعث عظيمهم " إلى أبي مرة سيف بن ذي يزن ، فانتزع منه ريحانة بنت علقمة بن مالك وكانت قد ولدت له معدي كرب . فملكها أبرهة . وأولدها مسروق بن أبرهة وعند ذلك توجه سيف إلى كسرى أنوشروان يطلب منه الغوث على الحبشة ، فوعده بذلك وأقام عنده سنين ثم مات وخلفه ابنه معدي كرب في طلب الثأر فأدخل على كسرى ، فقال له من أنت ؟ فقال رجل يطلب إرث أبيه وهو وعد الملك الذي وعد به فسأل عنه كسرى : أهو من بيت مملكة أم لا ؟ فأخبر أنه من بيت ملك فوجه معه وهرز الفارس في سبعة آلاف وخمسمائة من الفرس ، وقال ابن إسحاق : في ثمانمائة غرق منهم مائتان وسلم ستمائة والقول الأول قول ابن قتيبة وهو أشبه بالصواب إذ يبعد مقاومة الحبشة بستمائة وإن كان قد جمع إليهم من العرب - كما ذكر ابن إسحاق - ما جمع . ثم إن معد يكرب بن سيف لما قتل الحبشة وملك هو ووهرز اليمن أقام في ذلك نحو أربع سنين . ثم قتلته عبيد له كان قد اتخذهم من أولئك الحبشة ، خرج بهم إلى الصيد فزرقوه بحرابهم ثم هربوا فأتبعوا فقتلوا . وتفرق أمر اليمن بعده إلى مخالف عليها مقاول كملوك الطوائف لا يدين بعضهم لبعض إلا ما كان من صنعاء ، وكون الأبناء فيها ، حتى جاء الإسلام . فصل واستشهد ابن هشام في هذا الخبر على الأخدود ببيت ذي الرمة وهو غيلان بن عقبة بن بهيش بضم الباء والشين وسمي ذا الرمة ببيت قاله في الوتد أشعث باقي رمة التقليد . وقيل إن مية سمته بذلك وكان قد قال لها : اصلحي لي هذا الدلو فقالت له إني خرقاء فولى وهي على عنقه برمتها ، فنادته يا ذا الرمة إن كنت خرقاء فإن لي أمة صناعا ; فلذلك سماها بخرقاء كما سمته بذي الرمة . فصل وقوله فخاض ضحضاح البحر إلى غمره . الضحضاح من الماء الذي يظهر معه القعر وكان أصله من الضح وهو حر الشمس كأن الشمس تداخله لقلته فقلبت فيه إحدى الحاءين ضادا ، كما قالوا في ثرة ثرثارة وفي تملل تململ وهو قول الكوفيين من النحويين ولست أعرف أصلا يدفعه ولا دليلا يرده ويقال له أيضا : الرقراق والضهل وقد يستعار في غير الماء كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب حين سئل عنه فقال هو في ضحضاح من النار ولولا مكاني لكان في الطمطام وفي البخاري : وجدته في غمرة من النار فأخرجته إلى الضحضاح والغمر هو الطمطام ما قيل من شعر في دوس فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة : لا كدوس ولا كأعلاق رحله فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم . وقال ذو جدن الحميري : هونك ليس يرد الدمع ما فاتا لا تهلكي أسفا في إثر من ماتا أبعد بينون لا عين ولا أثر وبعد سلحين يبني الناس أبياتا بينون وسلحين وغمدان : من حصون اليمن التي هدمها أرياط ، ولم يكن في الناس مثلها . وقال ذو جدن أيضا : دعيني - لا أبا لك - لن تطيقي لحاك الله قد أنزفت ريقي لدى عزف القيان إذ انتشينا وإذ نسقى من الخمرالرحيق وشرب الخمر ليس علي عارا إذا لم يشكني فيها رفيقي فإن الموت لا ينهاه ناه ولو شرب الشفاء مع النشوق ولا مترهب في أسطوان يناطح جدره بيض الأنوق وغمدان الذي حدثت عنه بنوه مسمكا في رأس نيق بمنهمة وأسفله جرون وحر الموحل اللثق الزليق مصابيح السليط تلوح فيه إذا يمسي كتوماض البروق ونخلته التي غرست إليه يكاد البسر يهصر بالعذوق فأصبح بعد جدته رمادا وغير حسنه لهب الحريق وأسلم ذو نواس مستكينا وحذر قومه ضنك المضيق ________________________________________ وأما قول ذي جدن هونك لسن يرد الدمع ما فاتا وهكذا روي هذا القسيم ناقصا قاله البرقي ، وقد روي عن ابن إسحاق من غير رواية ابن هشام : هونكما لسن يرد . قال وهو من باب قول العرب للواحد افعلا ، وهو كثير في القرآن والكلام . وفيه أبعد بينون لا عين ولا أثر وبعد سلحين يبني الناس أبياتا فبينون وسلحين مدينتان خربهما أرياط كما ذكر . قال البكري في كتاب " معجم ما استعجم " : سميت بينون لأنها كانت بين عمان والبحرين ، فهي إذا على قوله فعلون من البين والياء أصلية وقياس النحويين يمنع من هذا ، لأن الإعراب إذا كان في النون لزمت الاسم الياء في جميع أحواله كقنسرين وفلسطين ألا ترى كيف قال في آخر البيت وبعد سلحين ، فكذلك كان القياس أن يقول على هذا : أبعد بينين وعلى مذهب من جعله من العرب بالواو في الرفع وبالياء في الخفض والنصب . يقول أيضا : أبعد بينين وليس للعرب فيه مذهب ثالث فثبت أنه ليس من البين إنما هو فيعول والواو زائدة من أبن بالمكان وبن إذا أقام فيه لكنه لا ينصرف للتعريف والتأنيث غير أن أبا سعيد السيرافي ذكر وجها ثالثا للعرب في تسمية الاسم بالجمع المسلم فأجاز أن يكون الإعراب في النون وتثبت الواو وقال في زيتون إنه فعلون من الزيت وأجاز أبو الفتح بن جني أن يكون الزيتون فيعولا من الزيت ولكن من قولهم زتن المكان إذا أنبت الزيتون فإن صحت هذه الحكاية عن العرب ، وإلا فالظاهر أنه من الزيت وأنه فعلون وقد كثر هذا في كلام الناس غير أنه ليس في كلام العرب القدماء ففي المعروفين من أسماء الناس سحنون وعبدون قال الشاعر - وهو ابن المعتز سقى الجزيرة ذات الظل والشجر ودير عبدون هطال من المطر ودير عبدون معروف بالشام وكذلك دير فينون غير أن فينون يحتمل أن يكون فيعولا ، فلا يكون من هذا الباب كما قلنا في بينون ، وهو الأظهر . وأما حلزون - وهو دود يكون بالعشب وأكثر ما يكون في الرمث - فليس من باب فلسطين وقنسرين ولكن النون فيه أصلية كزرجون ولذلك أدخله أبو عبيد في باب فعلون وكذلك فعل صاحب كتاب العين أدخله في باب الرباعي فدل على أن النون عنده فيه أصلية وأنه فعلول بلامين . وقول ذي جدن وبعد سلحين يقطع على أن بينون : فيعول على كل حال لأن الذي ذكره السيرافي من المذهب الثالث إن صح فإنما هي لغة أخرى غير لغة ذي جدن الحميري ، إذ لو كان من لغته لقال سلحون وأعرب النون مع بقاء الواو فلما لم يفعل علمنا أن المعتقد عندهم في بينون : زيادة الياء وأن النونين أصليتان كما تقدم . وقوله دعيني - لا أبا لك - لن تطيقي أي لن تطيقي صرفي بالعذل عن شأني ، وحذف النون من تطيقين للنصب أو للجزم على لغة من جزم بلن إن كان ذلك من لغته والياء التي بعد القاف اسم مضمر في قول سيبويه ، وحرف علامة تأنيث في قول الأخفش وللحجة لهما ، وعليهما موضع غير هذا . وقوله قد أنزفت ريقي . أي أكثرت علي من العذل حتى أيبست ريقي في فمي ، وقلة الريق من الحصر ، وكثرته من قوة النفس وثبات الجأش قال الراجز إني إذا زببت الأشداق وكثر اللجاج واللقلاق ثبت الجنان مرجم وداق زببت الأشداق من الزبيبتين وهو ما ينعقد من الريق في جانبي الفم عند كثرة الكلام وقوله وداق أي يسيل كالودق . يريد سيلان الريق وكثرة القول كما قال أبو المخش في ابنه كان أشدق خرطمانيا إذا تكلم سال لعابه . وقوله ولو شرب الشفاء مع النشوق أي لو شرب كل دواء يستشفى به وتنشق كل نشوق يجعل في الأنف للتداوي به ما نهى ذلك الموت عنه . وقوله ولا مترهب يجوز أن يكون رفعه عطفا على ناه أي لا يرد الموت ناه ولا مترهب . أي دعاء مترهب يدعو لك ، ويجوز أن يكون مترهب رفعا على معنى : ولا ينجو منه مترهب . كما قال تالله يبقى على الأيام ذو حيد . البيت . والأسطوان أفعوال . النون أصلية لأن جمعه أساطين وليس في الكلام أفاعين . وقوله يناطح جدره بيض الأنوق جدره جمع جدار وهو مخفف من جدور وفي التنزيل أو من وراء جدر تقيد بضم الجيم والجدر أيضا بفتح الجيم الحائط ، ولكن الرواية في الكتاب هكذا كما ذكرنا . والأنوق الأنثى من الرخم يقال في المثل أعز من بيض الأنوق إذا أراد ما لا يوجد لأنها تبيض حيث لا يدرك بيضها من شواهق الجبال . هذا قول المبرد في الكامل ولا يوافق عليه فقد قال الخليل الأنوق الذكر من الرخم وهذا أشبه بالمعنى ، لأن الذكر لا يبيض ، فمن أراد بيض الأنوق فقد أراد المحال كمن أراد الأبلق العقوق وقد قال القالي في الأمالي : الأنوق يقع على الذكر والأنثى من الرخم . وقوله وغمدان الذي حدثت عنه هو الحصن الذي كان لهوذة بن علي ملك اليمامة ، وسيأتي طرف من ذكره . ومسمكا : مرفعا من قوله سمك السماء والنيق أعلى الجبل . وقوله بمنهمة هو موضع الرهبان . والراهب يقال له النهامي ويقال للنجار أيضا : نهامي ، فتكون المنهمة أيضا على هذا موضع نجر . وقوله وأسفله جرون . جمع جرن وهو النقير من جرن الثوب إذا لان [ وانسحق ] . ورواية أبي الوليد الوقشي جروب بالباء . وكذلك ذكره الطبري بالباء أيضا . وفي حاشية كتاب الوقشي الجروب حجارة سود . كذا نقل أبو بحر عنه في نسخة كتابه فإن صح هذا في اللغة وإلا فالجروب جمع جريب على حذف الياء من جريب فقد يجمع الاسم على حذف الزوائد كما جمعوا صاحبا على أصحاب . وقالوا : طوي وأطواء وغير ذلك . والجريب والجربة المزرعة . وقوله وحر الموحل بفتح الحاء وهو القياس لأنه من وحل يوحل . ولو كان الفعل منه وحل على مثل وعد لكان القياس في الموحل الكسر لا غير وقد ذكر القتبي فيه اللغتين الكسر والفتح والأصل ما قدمناه . وقوله وحر بضم الحاء وهو خالص كل شيء وفي كتاب أبي بحر عن الوقشي وحر الموحل بفتح الحاء والجيم من الموجل مفتوحة وفسر الموجل فقال حجارة ملس لينة والذي أذهب إليه أن الموجل ههنا واحد المواجل وهي مناهل الماء وفتحت الجيم لأن الأصل مأجل كذلك قال أبو عبيد : هي المآجل وواحدها : مأجل . وفي آثار المدونة سئل مالك - رحمه الله - عن مواجل برقة يعني : المناهل فلو كانت الواو في الكلمة أصلا لقيل في الواحد موجل مثل موضع إلا أن يراد به معنى الوجل فيكون الماضي من الفعل مكسور الجيم والمستقبل مفتوحا ، فيفتح الموجل حينئذ ولا معنى له في هذا الموضع . وقوله اللثق الزليق . اللثق من اللثق وهو أن يخلط الماء بالتراب فيكثر منه الزلق قال بعض الفصحاء غاب الشفق وطال الأرق وكثر اللثق فلينطق من نطق . وفي حاشية كتاب أبي بحر اللبق بالباء المنقوطة بواحدة وذكر أنه هكذا وجد في أصل ابن هشام ، ولا معنى للبق ههنا ، وأظنه تصحيفا من الراوي - والله أعلم . وقوله في الشعر يكاد البسر يهصر بالعذوق . أي تميل بها ، وهو جمع عذق بكسر العين وهي الكباسة أو جمع عذق بفتح العين وهي النخلة وهو أبلغ في وصفها بالإيقار أن يكون جمع عذق بالفتح . وقوله وأسلم ذو نواس مستكينا . أي خاضعا ذليلا ، وفي التنزيل فما استكانوا لربهم [ المؤمنون 76 ] ، قال ابن الأنباري فيه قولان أحدهما : أن يكون من السكون ، ويكون الأصل استكن على وزن افتعل ومكنوا الفتحة فصارت ألفا كما قال الشاعر وإنني حيثما يثني الهوى بصري من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور وقال آخر يا ليتها جرت على الكلكال . أراد الكلكل . والقول الآخر أن يكون استفعل من كان يكون مثل استقام من قام يقوم . قال المؤلف رحمه الله هذا القول الأخير جيد في التصريف مستقيم في القياس لكنه بعيد في المعنى عن باب الخضوع والذلة والقول الأول قريب في المعنى ، لكنه بعيد عن قياس التصريف إذ ليس في الكلام فعل على وزن افتعال بألف ولكن وجدت لغير ابن الأنباري قولا ثالثا : إنه استفعل من الكين وكين الإنسان عجزه ومؤخره وكأن المستكين قد حنا ذلك منه كما يقال صلى ، أي حنا صلاه والصلا : أسفل الظهر وهذا القول جيد في التصريف قريب المعنى من الخضوع . وقال ابن الذئبة الثقفي في ذلك - قال ابن هشام : الذئبة أمه واسمه ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي لعمرك ما للفتى من مفر مع الموت يلحقه والكبر لعمرك ما للفتى صحرة لعمرك ما إن له من وزر أبعد قبائل من حمير أبيدوا صباحا بذات العبر بألف ألوف وحرابة كمثل السماء قبيل المطر يصم صياحهم المقربات وينفون من قاتلوا بالذفر سعالي مثل عديد التر اب تيبس منهم رطاب الشجر ________________________________________ وذكر قول ابن الذئبة واسمه وهو ربيعة بن عبد ياليل ، وقال فيه لعمرك ما للفتى صحرة وهو المتسع أخذ من لفظ الصحراء والوزر الملجأ ومنه اشتق الوزير لأن الملك يلجأ إلى رأيه وقد قيل من الوزر لأنه يحمل عن الملك أثقالا ، والوزر الثقل ولا يصح قول من قال هو من أزره إذا أعانه لأن فاء الفعل في الوزير واو وفي الأزر الذي هو العون همزة . وذات العبر أي ذات الحزن يقال عبر الرجل إذا حزن ويقال لأمه العبر ، كما يقال لأمه الثكل . والمقربات الخيل العتاق التي لا تسرح في المرعى ، ولكن تحبس قرب البيوت معدة للعدو . وقوله وينفون من قاتلوا بالذفر . أي بريحهم وأنفاسهم ينفون من قاتلوا ، وهذا إفراط في وصفهم بالكثرة قال البرقي : أراد ينفون من قاتلوا بذفر آباطهم أي بنتنها والذفر بالذال المعجمة تستعمل في قوة الريح الطيبة والخبيثة . قال المؤلف - رحمه الله - فإن كان أراد هذا فإنما قصده لأن السودان أنتن الناس آباطا وأعراقا . وقوله سعالي شبههم بالسعالي من الجن جمع سعلاة [ أو سعلاء ] . ويقال بل هي الساحرة من الجن ، وقوله كمثل السماء أي كمثل السحاب لاسوداد السحاب وظلمته قبيل المطر . وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي فبلغه أنه يتوعده فقال يذكر حمير وعزها ، وما زال من ملكها عنها : أتوعدني كأنك ذو رعين بأفضل عيشة أو ذو نواس وكائن كان قبلك من نعيم وملك ثابت في الناس راسي قديم عهده من عهد عاد عظيم قاهر الجبروت قاسي فأمسى أهله بادوا ، وأمسى يحول من أناس في أناس نسب زبيد قال ابن هشام : زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، ويقال زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ويقال زبيد بن صعب . ومراد يحابر بن مذحج . عود إلى شعر عمرو بن معدي كرب قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة قال كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى سلمان بن ربيعة الباهلي ، وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان . وهو إرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء فعرض الخيل فمر به فرس عمرو بن معدي كرب ، فقال له سلمان فرسك هذا مقرف فغضب عمرو ، وقال هجين عرف هجينا مثله فوثب إليه قيس فتوعده فقال عمرو هذه الأبيات . عود إلى شق وسطيح قال ابن هشام : فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله ليهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش والذي عنى شق الكاهن بقوله " لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران " . ________________________________________ فصل وقوله عمرو بن معدي كرب ، ومعدي كرب بالحميرية وجه الفلاح . المعدي هو الوجه بلغتهم والكرب هو الفلاح وقد تقدم أبو كرب فمعناه على هذا : أبو الفلاح . قاله ابن هشام في غير هذا الكتاب . وكذلك تقدم كلكي كرب ولا أدري ما كلكي . وقوله قيس بن مكشوح المرادي ، إنما هو حليف لمراد واسم مراد يحابر بن سعد العشيرة بن مذحج ، ونسبه في بجيلة ، ثم في بني أحمس وأبوه مكشوح اسمه هبيرة بن هلال ويقال عبد يغوث بن هبيرة بن الحارث بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار ، وأنمار : هو والد بجيلة وخثعم ، وسمي أبوه مكشوحا ، لأنه ضرب بسيف على كشحه ويكنى قيس : أبا شداد وهو قاتل الأسود العنسي الكذاب هو وذادويه وفيروز وكان قيس بطلا بئيسا قتل مع علي - رضي الله عنه - يوم صفين وله في ذلك اليوم مواقف لم يسمع بمثلها عن بهمة من البهم وكذلك له في حروب الشام مع الروم وقائع ومواقف لم يسمع بمثلها ، عن أحد بعد خالد بن الوليد . وعمرو بن معدي كرب - رضي الله عنه - يكنى : أبا ثور تضرب الأمثال بفروسيته وبسالته وفيه يقول الشاعر حين مات فقل لزبيد بل لمذحج كلها رزيتم أبا ثور قريعكم عمرا وصمصامته المشهورة كانت من حديدة وجدت عند الكعبة مدفونة في الجاهلية فصنع منها ذو الفقار والصمصامة ثم تصيرت إلى خالد بن سعيد بن العاصي . يقال إن عمرا وهبها له ليد كانت له عليه وذلك أن ريحانة أخت عمرو التي يقول فيها عمرو : أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع كان أصابها خالد بن سعيد في سبي سباه فمن عليها ، وخلى سبيلها ، فشكر ذلك له عمرو أخوها ، وفي آخر الكتاب من خبر قيس بن مكشوح وعمرو بن معدي كرب أكثر مما وقع ههنا ، والشعر السيني الذي ذكره ابن إسحاق وأوله أتوعدني كأنك ذو رعين . ذكر المسعودي أن عمرا قاله لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أراد ضربه بالدرة في حديث ذكره وفي الشعر زيادة لم تقع في السيرة وهو قوله فلا يغررك ملكك ، كل ملك يصير لذلة بعد الشماس وذكر سلمان بن ربيعة حين هجن فرس عمرو ، ونسبه إلى باهلة بن أعصر وكذلك هو عند أهل النسب باهلي ، ثم أحد بني قتيبة بن معن وباهلة : أمهم وهي بنت صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، وأبوهم يعصر وهو منبه بن سعد بن قيس بن عيلان وسمي يعصر لقوله أعمير إن أباك غير لونه مر الليالي واختلاف الأعصر فيقال له أعصر ويعصر وكان سلمان بن ربيعة قاضيا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الكوفة ، ويقال سلمان الخيل لأنه كان يتولى النظر فيها ، قال أبو وائل : اختلفت إلى سلمان بن ربيعة أربعين صباحا ، وهو قاض فما وجدت عنده أحدا يختصم إليه واستشهد سلمان بأرمينية سنة تسع وعشرين .

غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن وقتل أرياط قال ابن إسحاق : فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي ، حتى تفرقت الحبشة عليهما ، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما إلى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط : إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا ، فابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده فأرسل إليه أرياط : أنصفت فخرج إليه أبرهة - وكان رجلا قصيرا لحيما ، وكان ذا دين في النصرانية - وخرج إليه أرياط وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفي يده حربة له وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة يمنع ظهره فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته فبذلك سمي أبرهة الأشرم ، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى أبرهة أرياطا . موقف النجاشي من أبرهة فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميري ، فقتله بغير أمري ، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن ، ثم بعث إلى النجاشي ، ثم كتب إليه " أيها الملك إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ، وكل طاعته لك ، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة ، وأضبط لها ، وأسوس منه وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ; ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه في " . فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري ، فأقام أبرهة باليمن . ________________________________________ وذكر خبر عتودة غلام أبرهة وقد فرغنا من حديثه فيما مضى ، وما زاد فيه الطبري وغيره وأن العتودة الشدة في الحرب . وذكر أن أرياطا علا بالحربة أبرهة فأخطأ يافوخه . واليافوخ وسط الرأس . ويقال له من الطفل غاذية بالذال فإذا اشتد وصلب سمي يأفوخا بالهمز على وزن يفعول وجمعه يآفيخ قال العجاج ضرب إذا صاب اليآفيخ حفر وقوله شرم أنفه وشفته أي شقهما . أمر الفيل وقصة النسأة كنيسة أبرهة ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب ، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر . ________________________________________ خبر القليس مع الفيل وذكر بنيان أبرهة للقليس وهي الكنيسة التي أراد أن يصرف إليها حج العرب ، وسميت هذه الكنيسة القليس لارتفاع بنائها وعلوها ، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرءوس ويقال تقلنس الرجل وتقلس إذا لبس القلنسوة وقلس طعاما أي ارتفع من معدته إلى فيه وكان أبرهة قد استذل أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعا من السخر وكان ينقل إليها العدد من الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صاحبة سليمان - عليه السلام - وكان في موضع هذه الكنيسة على فراسخ وكان فيه بقايا من آثار ملكها ، فاستعان بذلك على ما أراده في هذه الكنيسة من بهجتها وبهائها ، ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة ومنابر من العاج والآبنس وكان أراد أن يرفع في بنائها حتى يشرف منها على عدن ، وكان حكمه في العامل إذا طلعت عليه الشمس قبل أن يأخذ في عمله أن يقطع يده فنام رجل منهم ذات يوم حتى طلعت الشمس فجاءت معه أمه وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تستشفع لابنها ، فأبى إلا أن يقطع يده فقالت اضرب بمعولك اليوم فاليوم لك ، وغدا لغيرك ، فقال ويحك ما قلت ؟ فقالت نعم كما صار هذا الملك من غيرك إليك ، فكذلك يصير منك إلى غيرك ، فأخذته موعظتها ، وأعفى الناس من العمل فيها بعد . فلما هلك ومزقت الحبشة كل ممزق وأقفر ما حول هذه الكنيسة فلم يعمرها أحد ، وكثرت حولها السباع والحيات وكان كل من أراد أن يأخذ شيئا منها أصابته الجن ، فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والخشب المرصع بالذهب والآلات المفضضة التي تساوي قناطير من المال لا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئا إلى زمن أبي العباس فذكر له أمرها ، وما يتهيب من جنها وحياتها ، فلم يرعه ذلك . وبعث إليها بابن الربيع عامله على اليمن معه أهل الحزم والجلادة فخربها ، وحصلوا منها مالا كثيرا ببيع ما أمكن بيعه من رخامها وآلاتها ، فعفا بعد ذلك رسمها ، وانقطع خبرها ، ودرست آثارها ، وكان الذي يصيبهم من الجن ينسبونه إلى كعيب وامرأته صنمين كانت الكنيسة عليهما ، فلما كسر كعيب وامرأته أصيب الذي كسره بجذام فافتتن بذلك رعاع اليمن وطغامهم وقالوا : أصابه كعيب وذكر أبو الوليد الأزرقي أن كعيبا كان من خشب طوله ستون ذراعا . النسيء والنسأة الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله [ التوبة 37 ] . قال ابن هشام : ليواطئوا : ليوافقوا ، والمواطأة الموافقة تقول العرب : واطأتك على هذا الأمر أي وافقتك عليه والإيطاء في الشعر الموافقة وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد وجنس واحد نحو قول العجاج - واسم العجاج عبد الله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار : في أثعبان المنجنون المرسل ثم قال مد الخليج في الخليج المرسل " وهذان البيتان في أرجوزة له " : قال ابن إسحاق : وكان أول من نسأ الشهور على العرب ، حلت منها ما أحل وحرمت منها ما حرم القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ثم قام بعد عباد قلع بن عباد ثم قام بعد قلع أمية بن قلع ثم قام بعد أمية عوف بن أمية ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف . وكان آخرهم وعليه قام الإسلام وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فحرم الأشهر الحرم الأربعة رجبا ، وذا القعدة وذا الحجة والمحرم . فإذا أراد أن يحل شيئا أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفرا فحرموه ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم . فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال " اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين الصفر الأول ونسأت الآخر للعام المقبل " . فقال في ذلك عمير بن قيس " جذل الطعان " أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ، يفخر بالنسأة على العرب : لقد علمت معد أن قومي كرام الناس أن لهم كراما فأي الناس فاتونا بوتر وأي الناس لم نعلك لجاما ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما قال ابن هشام : أول الأشهر الحرم : المحرم . ________________________________________ النسيء والنسأة وذكر النسأة والنسيء من الأشهر . فأما النسأة فأولهم القلمس واسمه حذيفة بن عبد بن فقيم وقيل له القلمس لجوده إذ القلمس من أسماء البخر وأنشد قاسم بن ثابت إلى نضد من عبد شمس كأنهم هضاب أجا أركانه لم تقصف قلامسة ساسوا الأمور فأحكمت سياستها حتى أقرت لمردف وذكر أبو علي القالي في الأمالي أن الذي نسأ الشهور منهم نعيم بن ثعلبة وليس هذا بمعروف وأما نسؤهم للشهر فكان على ضربين أحدهما : ما ذكر ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات والثاني : تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوما ، أو أكثر قليلا ، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته ولذلك قال عليه السلام في حجة الوداع : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته ولم يحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة غير تلك الحجة وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته ولطوافهم بالبيت عراة - والله أعلم - إذ كانت مكة بحكمهم حتى فتحها الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال شيخنا أبو بكر نرى أن قول الله سبحانه يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [ البقرة 189 ] . وخص الحج بالذكر دون غيره من العبادات المؤقتة بالأوقات تأكيدا لاعتباره بالأهلة دون حساب الأعاجم من أجل ما كانوا أحدثوا في الحج من الاعتبار بالشهور العجمية والله أعلم . وذكر ابن هشام قول العجاج في أثعبان المنجنون المرسل . الأثعبان ما يندفع من الماء من شعبه . والمنجنون أداة السانية والميم في المنجنون أصلية في قول سيبويه ، وكذلك النون لأنه يقال فيه منجنين مثل عرطليل وقد ذكر سيبويه أيضا في موضع آخر من كتابه أن النون زائدة إلا أن بعض رواة الكتاب قال فيه منحنون بالحاء فعلى هذا لم يتناقض كلامه - رحمه الله - وفي أداة السانية الدولاب بضم الدال وفتحها ، والشهرق وهو الذي يلقى عليه حبل الأقداس واحدها : قدس والعامة تقول قادوس والعصامير عيدان السانية قاله أبو حنيفة : وقال صاحب العين العصمور عود السانية . وقوله مد الخليج . الخليج : الجبل والخليج أيضا : خليج الماء . وذكر اسم العجاج ولم يكنه وكنيته أبو الشعثاء ، وسمي العجاج بقوله حتى يعج عندها من عججا . وقال عمير بن قيس : كرام الناس أن لهم كراما . أي آباء كراما ، وأخلاقا كراما . وقوله وأي الناس لم نعلك لجاما . أي لم نقدعهم ونكفهم كما يقدع الفرس باللجام . تقول أعلكت الفرس لجامه إذا رددته عن تنزعه فمضغ اللجام كالعلك من نشاطه فهو مقدوع قال الشاعر وإذا احتبى قربوسه بعنانه علك اللجام إلى انصراف الزائر وكان عمير هذا من أطول الناس وهو مذكور في مقبلي الظعن وسمي جذل الطعان لثباته في الحرب كأنه جذل شجرة واقف وقيل لأنه كان يستشفى برأيه ويستراح إليه كما تستريح البهيمة الجرباء إلى الجذل تحتك به ونحو منه قول الحباب [ ابن المنذر ] : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب وقول الأعرابي يصف ابنه إنه لجذل حكاك ومدره لكاك . واللكاك الزحام . فصل وذكر جنادة بن عوف من النسأة ، وعليه قام الإسلام ولم يذكر هل أسلم أم لا ، وقد وجدت له خبرا يدل على إسلامه حضر الحج في زمن عمر فرأى الناس يزدحمون على الحج فنادى : أيها الناس إني قد أجرته منكم فخفقه عمر بالدرة وقال ويحك : إن الله قد أبطل أمر الجاهلية . وذكر البرقي عن ابن الكلبي قال فنسأ قلع بن عباد سبع سنين ونسأ بعده أمية بن قلع إحدى وعشرين سنة ثم نسأ من بعده جنادة وهو أبو أمامة وهو القلمس أربعين سنة . الأشهر الحرم وقول ابن هشام : أول الأشهر الحرم : المحرم قول وقد قيل أولها ذو القعدة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ به حين ذكر الأشهر الحرم ، ومن قال المحرم أولها ، احتج بأنه أول السنة وفقه هذا الخلاف أن من نذر صيام الأشهر الحرم ، فيقال له على الأول ابدأ بالمحرم ثم برجب ثم بذي القعدة وذي الحجة وعلى القول الآخر يقال له ابدأ بذي القعدة حتى يكون آخر صيامك في رجب من العام الثاني . سبب حملة أبرهة على الكعبة قال ابن إسحاق : فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام : يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق : ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال من صنع هذا ؟ فقيل له صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك : " أصرف إليها حج العرب " غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل . فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ثم سار وخرج معه بالفيل وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام . ________________________________________ القعود على المقابر وقوله خرج الكناني حتى قعد في القليس أي أحدث فيها ، وفيه شاهد لقول مالك ، وغيره من الفقهاء في تفسير القعود على المقابر المنهي عنه وأن ذلك للمذاهب كما قال مالك والله أعلم . ذو نفر ونفيل يحاولان حماية البيت فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر ، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام وما يريد من هدمه وإخرابه فأجابه إلى ذلك من أجابه ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر ، فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ، فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق وكان أبرهة رجلا حليما . ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به فلما هم بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم : شهران وناهس بالسمع والطاعة فخلى سبيله . ________________________________________ أنساب وذكر قول نفيل الخثعمي وهاتان يداي لك على شهران وناهس ، وهما قبيلا خثعم ، أما خثعم : فاسم جبل سمي به بنو عفرس بن خلف بن أفتل بن أنمار ، لأنهم نزلوا عنده وقيل إنهم تخثعموا بالدم عند حلف عقدوه بينهم أي تلطخوا ، وقيل بل خثعم ثلاث شهران وناهس وأكلب غير أن أكلب عند أهل النسب هو ابن ربيعة بن نزار ولكنهم دخلوا في خثعم ، وانتسبوا إليهم فالله أعلم . قال رجل من خثعم : ما أكلب منا ، ولا نحن منهم وما خثعم يوم الفخار وأكلب قبيلة سوء من ربيعة أصلها فليس لها عم لدينا ، ولا أب فأجابه الأكلبي فقال إني من القوم الذين نسبتني إليهم كريم الجد والعم والأب فلو كنت ذا علم بهم ما نفيتني إليهم ترى أني بذلك أثلب فإن لا يكن عماي خلفا وناهسا فإني امرئ عماي بكر وتغلب أبونا الذي لم تركب الخيل قبله ولم يدر مرء قبله كيف يركب يريد أنه من ربيعة ، وربيعة كان يقال له ربيعة الفرس . وأما ثقيف وما ذكر من اختلاف النسابين فيهم فبعضهم ينسبهم إلى إياد ، وبعضهم ينسبهم إلى قيس ، وقد نسبوا إلى ثمود أيضا . وقد روي في ذلك حديث عنه - عليه السلام - رواه معمر بن راشد في جامعه وكذلك أيضا روي في الجامع أن أبا رغال من ثمود ، وأنه كان بالحرم حين أصاب قومه الصيحة فلما خرج من الحرم أصابه من الهلاك ما أصاب قومه فدفن هناك ودفن معه غصنان من ذهب وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالقبر وأمر باستخراج الغصنين منه فاستخرجا . وقال جرير أو غيره إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال ووقع في هذه النسخة في نسب ثقيف الأول ابن إياد بن معد . وفي الحاشية أن القاضي أبا الوليد غيره فجعل مكان ابن معد من معد وذلك - والله أعلم - لأن إياد هذا هو ابن نزار وليس بابن معد لصلبه ولمعد ابن اسمه إياد ، وهو ابنه لصلبه وقد ذكره ابن إسحاق ، وقد قدمنا ذكره مع بني معد في أول الكتاب وهو عم إياد ، والإياد في اللغة التراب الذي يضم إلى الخباء ليقيه من السيل ونحوه وهو مأخوذ من الأيد وهي القوة لأن فيه قوة للخباء وهو بين النؤي والخباء والنؤي يشتق من النائي ، لأنه حفير ينأى به المطر أي يبعد عن الخباء . وأنشد لأمية بن أبي الصلت واسم أبي الصلت ربيعة بن وهب في قول الزبير قومي إياد لو أنهم أمم أولو أقاموا ، فتهزل النعم يريد أي لو أقاموا بالحجاز وإن هزلت نعمهم لأنهم انتقلوا عنها ، لأنها ضاقت عن مسارحهم فصاروا إلى ريف العراق ; ولذلك قال والقط والقلم والقط : ما قط من الكاغد والرق ونحوه وذلك أن الكتابة كانت في تلك البلاد التي ساروا إليها ، وقد قيل لقريش ممن تعلمتم القط ؟ فقالوا : تعلمناه من أهل الحيرة ، وتعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار ونصب قوله فتهزل النعم بالفاء على جواب التمني المضمن في لو نحو قوله تعالى : فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين [ الشعراء 102 ] وأما تسمية قسي بثقيف فسيأتي سبب ذلك في غزوة الطائف - إن شاء الله تعالى . بين ثقيف وأبرهة وخرج به معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف . واسم ثقيف : قسي بن النبيت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان . قال أمية بن أبي الصلت الثقفي : قومي إياد لو أنهم أمم أو لو أقاموا فتهزل النعم قوم لهم ساحة العراق إذا ساروا جميعا والقط والقلم وقال أمية بن أبي الصلت أيضا : فإما تسألي عني - لبينى وعن نسبي - أخبرك اليقينا فإنا للنبيت أبي قسي لمنصور بن يقدم الأقدمينا قال ابن هشام : ثقيف : قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية . قال ابن إسحاق : فقالوا له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللاتي - إنما يريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم . واللات : بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة . قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري وفرت ثقيف إلى لاتها بمنقلب الخائب الخاسر وهذا البيت في أبيات له . قصة أبي رغال وقبره المرجوم قال ابن إسحاق : فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس . ________________________________________ المغمس : وقوله فلما نزل أبرهة المغمس هكذا ألفيته في نسخة الشيخ أبي بحر المقيدة على أبي الوليد القاضي بفتح الميم الآخرة من المغمس . وذكر البكري في كتاب المعجم عن ابن دريد وعن غيره من أئمة اللغة أنه المغمس . بكسر الميم الآخرة وأنه أصح ما قيل فيه وذكر أيضا أنه يروى بالفتح فعلى رواية الكسر هو مغمس مفعل من غمست ، كأنه اشتق من الغميس وهو الغمير ، وهو النبات الأخضر الذي ينبت في الخريف تحت اليابس يقال غمس المكان وغمر إذا نبت فيه ذلك كما يقال صوح وشجر وأما على رواية الفتح فكأنه من غمست الشيء إذا غطيته ، وذلك أنه مكان مستور إما بهضاب وإما بعضاه وإنما قلنا هذا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان بمكة كان إذا أراد حاجة الإنسان خرج إلى المغمس ، وهو على ثلث فرسخ منها ، كذلك رواه علي بن السكن في كتاب السنن له وفي السنن لأبي داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز أبعد ولم يبين مقدار البعد وهو مبين في حديث ابن السكن - كما قدمنا - ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأتي مكانا للمذهب إلا وهو مستور منخفض فاستقام المعنى فيه على الروايتين جميعا . عدوان الأسود على مكة فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مئتي بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم بقتاله ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك . رسول أبرهة إلى عبد المطلب وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قل له إن الملك يقول لك : إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي ، فأتني به فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه فقال له حناطة فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك . الشافعون عند أبرهة لعبد المطلب فانطلق معه عبد المطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال له يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر : وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ؟ ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك . ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك فقال حسبي . فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رءوس الجبال وقد أصاب له الملك مئتي بعير فاستأذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت ، فقال أفعل . فكلم أنيس أبرهة فقال له أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته قال فأذن له أبرهة . عبد المطلب وأبرهة قال وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه قل له حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان فقال حاجتي أن يرد علي الملك مئتي بعير أصابها لي ، فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟ قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع مني ، قال أنت وذاك . وكان - فيما يزعم بعض أهل العلم - قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة - وهو يومئذ سيد بني بكر - وخويلد بن واثلة الهذلي - وهو يومئذ سيد هذيل - فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم . والله أعلم أكان ذلك أم لا ، فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب له . ________________________________________ وسامة عبد المطلب وقوله في صفة عبد المطلب : أوسم الناس وأجمله . ذكر سيبويه هذا الكلام محكيا عن العرب ، ووجهه عندهم أنه محمول على المعنى ، فكأنك قلت : أحسن رجل وأجمله فأفرد الاسم المضمر التفاتا إلى هذا المعنى ، وهو عندي محمول على الجنس كأنه حين ذكر الناس قال هو أجمل هذا الجنس من الخلق وإنما عدلنا عن ذلك التقدير الأول لأن في الحديث الصحيح " خير نساء ركبن الإبل صوالح نساء قريش : أحناه على ولده في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده " ، ولا يستقيم ههنا حمله على الإفراد لأن المفرد ههنا امرأة فلو نظر إلى واحد النساء لقال أحناها على ولده فإذا التقدير أحنى هذا الجنس الذي هو النساء وهذا الصنف ونحو هذا . عبد المطلب يستغيث بالله فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة : لا هم إن العبد يم نع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك قال ابن هشام : هذا ما صح له منها . شاعر يدعو على الأسود قال ابن إسحاق : وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي : لا هم أخز الأسود بن مقصود الآخذ الهجمة فيها التقليد بين حراء وثبير فالبيد يحبسها وهي أولات التطريد فضمها إلى طماطم سود أخفره يا رب وأنت محمود قال ابن هشام : هذا ما صح له منها ، والطماطم الأعلاج . قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها . ________________________________________ وذكر قول عبد المطلب : لا هم إن المرء يم نع رحله فامنع حلالك العرب تحذف الألف واللام من اللهم وتكتفي بما بقي وكذلك تقول لاه أبوك تريد لله أبوك ، وقد تقدم قول من قال في لهنك [ أو لهنك ] ، وأن المعنى : والله إنك ، وهذا لكثرة دور هذا الاسم على الألسنة وقد قالوا فيما هو دونه في الاستعمال أجنك تفعل كذا وكذا . أي من أجل أنك تفعل كذا وكذا والحلال في هذا البيت القوم الحلول في المكان والحلال مركب من مراكب النساء . قال الشاعر بغير حلال غادرته مجحفل والحلال أيضا : متاع البيت وجائز أن يستعيره ههنا ، وفي الرجز بيت ثالث لم يقع في الأصل وهو قوله وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وفيه حجة على النحاس والزبيدي حيث زعما ، ومن قال بقولهما أنه لا يقال اللهم صل على محمد وعلى آله لأن المضمر يرد المعتل إلى أصله وأصله أهل فلا يقال إلا : وعلى أهله وبهذه المسألة ختم النحاس كتابه الكافي . وقولهما خطأ من وجوه وغير معروف في قياس ولا سماع وما وجدنا قط مضمرا يرد معتلا إلى أصله إلا قولهم أعطيتكموه برد الواو وليس هو من هذا الباب في ورد ولا صدر ولا نقول أيضا : إن آلا أصله أهل ولا هو في معناه ولا نقول إن أهيلا تصغير آل كما ظن بعضهم ولتوجيه الحجاج عليهم موضع غير هذا ، وفي الكامل من قول الكتابي لمعاوية حين ذكر عبد الملك من آلك ، وليس منك . وقول عكرمة بن عامر : الآخذ الهجمة فيها التقليد الهجمة هي ما بين التسعين إلى المائة والمائة منها : هنيدة والمائتان هند ، وقال بعضهم والثلاثمائة أمامة وأنشدوا : تبين رويدا ما أمامة من هند وكأن اشتقاق الهجمة من الهجيمة وهو الثخين من اللبن لأنه لما كثر لبنها لكثرتها ، لم يمزج بماء وشرب صرفا ثخينا ، ويقال للقدح الذي يحلب فيه إذا كان كبيرا : هجم . أبرهة والفيل والكعبة فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبى جيشه - وكان اسم الفيل محمودا - وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الانصراف إلى اليمن . فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال ابرك محمود أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه . فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى ، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر معها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب قال ابن هشام : قوله " ليس الغالب " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال نفيل أيضا : ألا حييت عنا يا ردينا نعمناكم مع الإصباح عينا ردينة لو رأيت - ولا تريه لذي جنب المحصب ما رأينا إذا لعذرتني وحمدت أمري ولم تأسى على ما فات بينا حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا وكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون . قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام وأنه أول ما رئي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام . ________________________________________ في حديث الفيل وقوله أخفره يا رب . أي انقض عزمه وعهده فلا تؤمنه يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته أخفره إذا أجرته ، فينبغي أن لا يضبط هذا إلا بقطع الهمزة وفتحها ، لئلا يصير الدعاء عليه دعاء له . وقوله إلى طماطم سود . يعني : العلوج . ويقال لكل أعجمي طمطماني وطمطم ويذكر عن الأخفش طمطم بفتح الطاء . وقوله عبى جيشه . يقال عبيت الجيش بغير همزة وعبأت المتاع بالهمز وقد حكي عبأت الجيش بالهمز وهو قليل . وقوله فبرك الفيل . فيه نظر لأن الفيل لا يبرك فيحتمل أن يكون بروكه سقوطه إلى الأرض لما جاءه من أمر الله سبحانه ويحتمل أن يكون فعل فعل البارك الذي يلزم موضعه ولا يبرح فعبر بالبروك عن ذلك وقد سمعت من يقول إن في الفيلة صنفا منها يبرك كما يبرك الجمل فإن صح وإلا فتأويله ما قدمناه . والأسود بن مقصود صاحب الفيل هو الأسود بن مقصود بن الحارث بن منبه بن مالك بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة ويقال فيه عله على وزن عمر ابن خالد بن مذجج وكان الأسود قد بعثه النجاشي مع الفيلة والجيش وكانت الفيلة ثلاثة عشر فيلا ، فهلكت كلها إلا محمودا ، وهو فيل النجاشي ; من أجل أنه أبى من التوجه إلى الحرم والله أعلم . ونفيل الذي ذكره هو نفيل بن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك بن واهب بن جليحة بن أكلب بن ربيعة بن عفرس بن جلف بن أفتل وهو خثعم . كذلك نسبه البرقي . وفي الكتاب نفيل بن حبيب ونفيل من المسمين بالنبات قاله أبو حنيفة . وقال هو تصغير نفل وهو نبت مسلنطح على الأرض . وذكر النقاش أن الطير كانت أنيابها كأنياب السبع وأكفها كأكف الكلاب وذكر البرقي أن ابن عباس قال أصغر الحجارة كرأس الإنسان وكبارها كالإبل وهذا الذي ذكره البرقي ذكره ابن إسحاق في رواية يونس عنه . وفي تفسير النقاش أن السيل احتمل جثثهم فألقاها في البحر وكانت قصة الفيل أول المحرم من سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين . وقوله فضربوا رأسه بالطبرزين هكذا تقيد في نسخة الشيخ أبي بحر بسكون الباء وذكره البكري في المعجم وأن الأصل فيه طبرزين بفتح الباء وقال طبر هو الفأس وذكر طبرستان بفتح الباء وقال معناه شجر قطع بفأس لأنها قبل أن تبنى كانت شجراء فقطعت ولم يقل في طبرية مثل هذا . قال ولكنها نسبت إلى طباراء وهو اسم الملك الذي بناها ، وقد ألفيته في شعر قديم طبرزين - بفتح الباء - كما قال البكري ، وجائز في طبرزين - وإن كان ما ذكر أن تسكن الباء - لأن العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا لا يقرها على حال . قاله ابن جني . وقوله فبزغوه أي أدموه ومنه سمي المبزغ وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أن الفيل ربض فجعلوا يقسمون بالله أنهم رادوه إلى اليمن ، فحرك لهم أذنيه كأنه يأخذ عليهم عهدا بذلك فإذا أقسموا له قام يهرول فيردونه إلى مكة ، فيربض فيحلفون له فيحرك لهم أذنيه كالمؤكد عليهم ففعلوا ذلك مرارا . وقوله أمثال الحمص والعدس يقال حمص ، وحمص ، كما يقال جلق وجلق قاله الزبيدي ، ولم يذكر أبو حنيفة في الحمص إلا الفتح وليس لهما نظير في الأبنية إلا الحلزة وهو القصير وقال ابن الأنباري الحلز البخيل بتشديد الزاي ، وصوب القالي هذه الرواية في الغريب المصنف لأن فعلا بالتشديد ليس من الصفات عند سيبويه . ويعني بمماثلة الحجارة للحمص أنها على شكلها - والله أعلم - لأنه قد روي أنها كانت ضخاما تكسر الرءوس وروي أن مخالب الطير كانت كأكف الكلاب - والله أعلم - وفي رواية يونس عن ابن إسحاق قال جاءتهم طير من البحر كرجال الهند ، وفي رواية أخرى عنه أنهم استشعروا العذاب في ليلة ذلك اليوم لأنهم نظروا إلى النجوم كالحة إليهم تكاد تكلمهم من اقترابها منهم ففزعوا لذلك . وقول نفيل ولم تأسى على ما فات بينا نصب بينا نصب المصدر المؤكد لما قبله إذ كان في معناه ولم يكن على لفظه لأن فات معنى : فارق وبان كأنه قال على ما فات فوتا ، أو بان بينا ، ولا يصح لأن يكون مفعولا من أجله يعمل فيه تأسى ، لأن الأسى باطن في القلب والبين ظاهر ولا يجوز أن يكون المفعول من أجله إلا بعكس هذا . تقول بكى أسفا ، وخرج خوفا ، وانطلق حرصا على كذا ، ولو عكست الكلام كان خلفا من القول وهذا أحد شروط المفعول من أجله ولعل له موضعا من الكتاب فنذكره فيه . وقوله نعمناكم مع الإصباح عينا : دعاء أي نعمنا بكم فعدى الفعل لما حذف حرف الجر وهذا كما تقول أنعم الله بك عينا . وقوله في أول البيت ألا حييت عنا يا ردينا . هو اسم امرأة كأنها سميت بتصغير ردنة وهي القطعة من الردن وهو الحرير . ويقال لمقدم الكم ردن ولكنه مذكر وأما درينة بتقديم الدال على الراء فهو اسم للأحمق قاله الخليل . وقوله في خبر أبرهة تبعتها مدة تمث قيحا ودما . ألفيته في نسخة الشيخ تمث ، وتمث بالضم والكسر . فعلى رواية الضم يكون الفعل متعديا ، ونصب قيحا على المفعول وعلى رواية الكسر يكون غير متعد ونصب قيحا على التمييز في قول أكثرهم وهو عندنا على الحال وهو من باب تصبب عرقا ، وتفقأ شحما ، وكذلك كان يقول شيخنا أبو الحسين في مثل هذا ، وقد أفصح سيبويه في لفظ الحال في : ذهبن كلاكلا وصدورا . وأشرق كاهلا ، وهذا مثله ولكشف القناع عن حقيقة هذا موضع غير هذا وإنما قلنا : إن من رواه تمث بضم الميم فهو متعد كأنه مضاعف والمضاعف إذا كان متعديا كان في المستقبل مضموما نحو رده يرده إلا ما شذ منه نحو عل يعل ويعل ، وهر الكأس يهر ويهر ، وإذا كان غير متعد كان مكسورا في المستقبل نحو خف يخف ، وفر يفر إلا ستة أفعال جاءت فيها اللغتان جميعا ، وهي في أدب الكاتب وغيره فغنينا بذلك عن ذكرها . على أنهم قد أغفلوا : هب يهب وخب يخب وأج يؤج إذا أسرع وشك في الأمر يشك ، ومعنى تمث قيحا : أي تسيل يقال فلان يمث كما يمث الزق . وقوله يسقط أنملة أنملة أي ينتثر جسمه والأنملة طرف الأصبع ولكن قد يعبر بها عن طرف غير الأصبع والجزء الصغير . ففي مسند الحارث بن أبي أسامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن في الشجرة شجرة هي مثل المؤمن لا تسقط لها أنملة . ثم قال هي النخلة وكذلك المؤمن لا تسقط له دعوة وقوله مرائر الشجر يقال شجرة مرة ثم تجمع على مرائر كما تجمع حرة على حرائر ولا تعرف فعلة تجمع على فعائل إلا في هذين الحرفين وقياس جمعهما فعل نحو درة ودرر ولكن الحرة من النساء في معنى : الكريمة والعقيلة ونحو ذلك فأجروها مجرى ما هو في معناها من الفعيلة وكذلك المر قياسه أن يقال فيه مرير لأن المرارة في الشيء طبيعة فقياس فعله أن يكون فعل كما تقول عذب الشيء وقبح . وعسر إذا صار عسيرا ، وإذا كان قياسه فعل فقياس الصفة منه أن تكون على فعيل والأنثى : فعيلة والشيء المر عسير أكله شديد فأجروا الجمع مجرى هذه الصفات التي هي على فعيل لأنها طباع وخصال وأفعال الطباع والخصال كلها تجري هذا المجرى . وذكر العشر . وهو شجر مر يحمل ثمرا كالأترج وليس فيه منتفع ولبن العشر تعالج به الجلود قبل أن تجعل في المنيئة وهي المدبغة كما تعالج بالغلقة وهي شجرة وفي العشر الخرفع والخرفع وهو شبه القطن ويجنى من العشر المغافير واحدها : مغفور ومغافر وواحدها : مغفر ويقال لها : سكر العشر ولا تكون المغافير إلا فيه وفي الرمث وفي الثمام والثمام أكثرها لثى ، وفي المثل هذا الجنى لا أن يكد المغفر من كتاب أبي حنيفة . قصة الفيل في القرآن قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تعالى محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال الله تبارك وتعالى : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول . وقال لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه . قال ابن هشام : الأبابيل الجماعات ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب قال رؤبة بن العجاج : ومسهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم حجار من سجيل ولعبت طير بهم أبابيل وهذه الأبيات في أرجوزة له . ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج الحجر ، وبالجل الطين يعني : الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين . والعصف ورق الزرع الذي لم يعصف وواحدته عصفة . قال وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له العصافة والعصيفة . وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم : تسقى مذانب قد مالت عصيفتها جدورها من أتي الماء مطموم وهذا البيت في قصيدة له . وقال الراجز فصيروا مثل كعصف مأكول قال ابن هشام : ولهذا البيت تفسير في النحو . ________________________________________ وذكر ابن هشام : الأبابيل وقال لم يسمع لها بواحد وقال غيره واحدها : إباله وإبول وزاد ابن عزيز وإبيل وأنشد ابن هشام لرؤبة وصيروا مثل كعصف مأكول وقال ولهذا البيت تفسير في النحو وتفسيره أن الكاف تكون حرف جر وتكون اسما بمعنى : مثل ويدلك أنها حرف وقوعها صلة للذي ; لأنك تقول رأيت الذي كزيد ولو قلت : الذي مثل زيد لم يحسن ويدلك أنها تكون اسما دخول حرف الجر عليها ، كقوله ورحنا بكابن الماء ينفض رأسه . ودخول الكاف عليها ، وأنشدوا : وصاليات ككما يؤثفين [ أو يؤثفين ] . وإذا دخلت على مثل كقوله تعالى : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] فهي إذا حرف إذ لا يستقيم أن يقال مثل مثله وكذلك هي حرف في بيت رؤبة " مثل كعصف " لكنها مقحمة لتأكيد التشبيه كما أقحموا اللام من قوله يا بؤس للحرب ولا يجوز أن يقحم حرف من حروف الجر سوى اللام والكاف أما اللام فلأنها تعطي بنفسها معنى الإضافة فلم تغير معناها ، وكذلك الكاف تعطي معنى التشبيه فأقحمت لتأكيد معنى المماثلة غير أن دخول مثل عليها كما في بيت رؤبة قبيح ودخولها على مثل كما في القرآن أحسن شيء لأنها حرف جر تعمل في الاسم والاسم لا يعمل فيها ، فلا يتقدم عليها إلا أن يقحمها كما أقحمت اللام . وأنشد شاهدا على العصيفة قول علقمة وآخره جدورها من أتي الماء مطموم . وهذا البيت أنشده أبو حنيفة في النبات جدورها : هو جمع جدر بالجيم وهي الحواجز التي تحبس الماء ويقال للجدر حباس أيضا : وفي الحديث " أمسك الماء حتى يبلغ الجدر ثم أرسله " . وقد ذكر غيره رواية الجيم وقال إنما قال جدورها من أتي الماء مطموم . وأفرد الخبر ، لأنه رده على كل واحد من الجدر كما قال الآخر ترى جوانبها بالشحم مفتوقا أي ترى كل جانب فيها . فصل ويقال للعصيفة أيضا : أذنة ولما تحيط به الجدور التي تمسك الماء دبرة وحبس ومشارة ولمفتح الماء منها : آغية بالتخفيف والتثقيل [ أو أتي ] . وإيلاف قريش : إيلافهم الخروج إلى الشام في تجارتهم وكانت لهم خرجتان خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف . أخبرني أبو زيد الأنصاري : أن العرب تقول ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة من المؤلفات الرمل أدماء حرة شعاع الضحى في لونها يتوضح وهذا البيت في قصيدة له وقال مطرود بن كعب الخزاعي : المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم أو غير ذلك . يقال آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار معد بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل وهذا البيت في قصيدة له . والإيلاف أيضا : أن يصير القوم ألفا ، يقال آلف القوم إيلافا . قال الكميت بن زيد : وآل مزيقياء غداة لاقوا بني سعد بن ضبة مؤلفينا وهذا البيت في قصيدة له . والإيلاف أيضا : أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه ويلزمه يقال آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصير ما دون الألف ألفا ، يقال آلفته إيلافا . ________________________________________ وذكر إيلاف قريش للرحلتين وقال هو مصدر ألفت الشيء وآلفته فجعله من الإلف للشيء وفيه تفسير آخر أليق لأن السفر قطعة من العذاب ولا تألفه النفس وإنما تألف الدعة والكينونة مع الأهل . قال الهروي : هي حبال أي عهود كانت بينهم وبين ملوك العجم ، فكان هاشم يؤالف إلى ملك الشام ، وكان المطلب يؤالف إلى كسرى ، والآخران يؤالفان أحدهما إلى ملك مصر ، والآخر إلى ملك الحبشة ، وهما : عبد شمس ونوفل . قال ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح ونحو هذا ، فيكون الفعل منه أيضا آلف على وزن فاعل والمصدر إلافا بغير ياء مثل قتالا ، ويكون الفعل منه أيضا آلف على وزن أفعل مثل آمن ويكون المصدر إيلافا بالياء مثل إيمانا ، وقد قرئ لإلاف قريش بغير ياء ولو كان من آلفت الشيء على وزن أفعلت إذا ألفته لم تكن هذه القراءة صحيحة وقد قرأها ابن عامر فدل هذا على صحة ما قاله الهروي ، وقد حكاه عمن تقدمه . وظاهر كلام ابن إسحاق أن اللام من قوله تعالى : لإيلاف قريش متعلقة بقوله سبحانه فجعلهم كعصف مأكول وقد قاله غيره ومذهب الخليل وسيبويه : أنها متعلقة بقوله فليعبدوا رب هذا البيت أي فليعبدوه من أجل ما فعل بهم . وقال قوم هي لام التعجب وهي متعلقة بمضمر كأنه قال اعجب لإيلاف قريش ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في سعد بن معاذ - رضي الله عنه - حين دفن " سبحان الله لهذا العبد الصالح ضم في قبره حتى فرج الله عنه " . وقال في عبد حبشي مات بالمدينة " لهذا العبد الحبشي جاء من أرضه وسمائه إلى الأرض التي خلق منها " . أي اعجبوا لهذا العبد الصالح . وأنشد للكميت بعام يقول له المؤلفو ن أهذا المعيم لنا المرجل المؤلف صاحب الألف من الإبل كما ذكر والمعيم بالميم من العيمة أي تجعل تلك السنة صاحب الألف من الإبل يعام إلى اللبن وترجله فيمشي راجلا ، لعجف الدواب وهزالها . وذكر قول ابن الزبعرى : تنكلوا عن بطن مكة البيت ونسبه إلى عدي بن سعيد بن سهم وكرر هذا النسب في كتابه مرارا وهو خطأ والصواب سعد بن سهم وإنما سعيد أخو سعد وهو في نسب عمرو بن العاص بن وائل وقد أنشد في الكتاب ما يدل على خلاف قوله وهو قول المبرق وهو عبد الله بن الحارث بن عدي بن سعد فإن تك كانت في عدي أمانة عدي بن سعد في الخطوب الأوائل فقال عدي بن سعد ولم يقل سعيد وكذلك ذكره الواقدي والزبيريون وغيرهم مصير الفيل وسائسه قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت " لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس " . ما قيل في صفة الفيل من الشعر قال ابن إسحاق : فلما رد الله الحبشة عن مكة ، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة أعظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما رد عن قريش من كيدهم . فقال عبد الله بن الزبعرى بن عدي بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر تنكلوا عن بطن مكة إنها كانت قديما لا يرام حريمها لم تخلق الشعرى ليالي حرمت إذ لا عزيز من الأنام يرومها سائل أمير الجيش عنها ما رأى ولسوف ينبي الجاهلين عليمها ستون ألفا لم يئوبوا أرضهم ولم يعش بعد الإياب سقيمها كانت بها عاد وجرهم قبلهم والله من فوق العباد يقيمها قال ابن إسحاق : يعني ابن الزبعرى بقوله بعد الإياب سقيمها أبرهة ، إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه حتى مات بصنعاء . وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمي ، واسمه صيفي . قال ابن هشام : أبو قيس : صيفي بن الأسلت بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامرة بن مرة بن مالك بن الأوس : ومن صنعه يوم فيل الحبو ش إذ كلما بعثوه رزم محاجنهم تحت أقرابه وقد شرموا أنفه فانخرم وقد جعلوا سوطه مغولا إذا يمموه قفاه كلم فولى وأدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم فأرسل من فوقهم حاصبا فلفهم مثل لف القزم تجض على الصبر أحبارهم وقد ثأجوا كثؤاج الغنم قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . والقصيدة أيضا تروى لأمية بن أبي الصلت . قال ابن إسحاق : وقال أبو قيس بن الأسلت فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا بأركان هذا البيت بين الأخاشب فعندكم منه بلاء مصدق غداة أبي يكسوم هادي الكتائب كتيبته بالسهل تمسي ، ورجله على القادفات في رءوس المناقب فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم جنود المليك بين ساف وحاصب فولوا سراعا هاربين ولم يؤب إلى أهله ملحبش غير عصائب قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله على القاذفات في رءوس المناقب وهذه الأبيات في قصيدة لأبي قيس ، سأذكرها في موضعها إن شاء الله . وقوله " غداة أبي يكسوم " : يعني : أبرهة كان يكنى أبا يكسوم . قال ابن إسحاق : وقال طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب : ألم تعلموا ما كان في حرب داحس وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا فلولا دفاع الله لا شيء غيره لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق : وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام . قال ابن هشام : تروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي إن آيات ربنا ثاقبات لا يماري فيهن إلا الكفور خلق الليل والنهار فكل مستبين حسابه مقدور ثم يجلو النهار رب رحيم بمهاة شعاعها منشور حبس الفيل بالمغمس حتى ظل يحبو كأنه معقور لازما حلقة الجران كما قط ر من صخر كبكب محدور حوله من ملوك كندة أبطا ل ملاويث في الحروب صقور خلفوه ثم ابذعروا جميعا كلهم عظم ساقه مكسور كل دين يوم القيامة عند الل ه إلا دين الحنيفة بور قال ابن هشام : وقال الفرزدق - واسمه هشام بن غالب أحد بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - يمدح سليمان بن عبد الملك بن مروان ، ويهجو الحجاج بن يوسف ويذكر الفيل وجيشه فلما طغى الحجاج حين طغى به غنى قال إني مرتق في السلالم فكان كما قال ابن نوح سأرتقي إلى جبل من خشية الماء عاصم رمى الله في جثمانه مثل ما رمى عن القبلة البيضاء ذات المحارم جنودا تسوق الفيل حتى أعادهم هباء وكانوا مطرخمي الطراخم نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله إليه عظيم المشركين الأعاجم وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن هشام : وقال عبد الله بن قيس الرقيات . أحد بني عامر بن لؤي بن غالب يذكر أبرهة - وهو الأشرم - والفيل كاده الأشرم الذي جاء بالفي ل فولى وجيشه مهزوم واستهلت عليهم الطير بالج ندل حتى كأنه مرجوم ذاك من يغزه من الناس يرجع وهو فل من الجيوش ذميم وهذه الأبيات في قصيدة له . ولدا أبرهة قال ابن إسحاق : فلما هلك أبرهة ، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى ، فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة . ________________________________________ حول الشعر الذي قيل في الفيل وقوله تنكلوا عن بطن مكة إنها . وهذا خرم في الكامل وقد وجد في غير هذا البيت في أشعار هذا الكتاب الخرم في الكامل ولا يبعد أن يدخل الخرم في متفاعل فيحذف من السبب حرف كما حذف من الوتد في الطويل حرف وإذا وجد حذف السبب الثقيل كله فأحرى أن يجوز حذف حرف منه وذلك في قول ابن مفرغ هامة تدعو صدى بين المشقر واليمامة وهو من المرفل والمرفل من الكامل . ألا ترى أن قبله وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامة فالمحذوف من الطويل إذا خرم حرف من وتد مجموع والمحذوف من الكامل إذا خرم حرف من سبب ثقيل بعده سبب خفيف ولما كان الإضمار فيه كثيرا ، وهو إسكان التاء من متفاعلن فمن ثم قال أبو علي لا يجوز فيه الخرم لأن ذلك يئول إلى الابتداء بساكن وهذا الكلام لمن تدبره بارد غث ; لأن الكلمة التي يدخلها الخرم لم يكن قط فيها إضمار نحو تنكلوا عن بطن مكة ، والتي يدخلها الإضمار لا يتصور فيها الخرم نحو لا يبعدن قومي ، ونحو قوله " لم تخلق الشعرى ليالي حرمت " فتعليله في هذا الشعر إذا لا يفيد شيئا ، وما أبعد العرب من الالتفات إلى هذه الأغراض التي يستعملها بعض النحاة وهي أوهى من نسج الخزرنق . وقوله لم تخلق الشعرى ليالي حرمت إن كان ابن الزبعرى قال هذا في الإسلام فهو منتزع من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الله حرم مكة ، ولم يحرمها الناس " . ومن قوله في حديث آخر " إن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض " ، والتربة خلقت قبل خلق الكواكب وإن كان ابن الزبعرى ، قال هذا في الجاهلية فإنما أخذه - والله أعلم - من الكتاب الذي وجدوه في الحجر بالخط المسند حين بنوا الكعبة ، وفيه أنا الله رب مكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض الحديث . وقوله " ولم يعش بعد الإياب سقيمها " هكذا في النسخة المقيدة على أبي الوليد المقابلة بالأصلين اللذين كانا عنده وقابلها أبو بحر - رحمه الله - بهما مرتين وحسب بعضهم أنه كسر في البيت فزاد من قبل نفسه فقال بل لم يعش . فأفسد المعنى ، وإنما هو خرم في أول القسم من عجز البيت كما كان في الصدر من أول بيت منها . وقول قيس بن الأسلت مثل لف القزم . القزم صغار الغنم . ويقال رذال المال ورزم ثبت ولزم موضعه وأرزم من الرزيم وهو صوت ليس بالقوي وكذلك صوت الفيل ضئيل على عظم خلقته ويفرق من الهر وينفر منه وقد احتيل على الفيلة في بعض الحروب مع الهند . أحضرت لها الهرة فذعرت وولت وكان سببا لهزيمة القوم . ذكره المسعودي ، ونسب هذه الحيلة إلى هارون بن موسى حين غزا بلاد الهند ، وأول من ذلل الفيلة - فيما قال الطبري - أفريدون بن أثفيان ومعنى أثفيان صاحب البقر وهو أول من نتج البغال واتخذ للخيل السروج والوكف - فيما ذكروا - وأما أول من سخر الخيل وركبها " فطمهورث " وهو الثالث من ملوك الأرض - فيما زعموا - وثؤاج الغنم صوتها ، ووقع في النسخة ثجوا ، وعليه مكتوب الصواب ثأجوا كثؤاج الغنم . وقول ابن الأسلت فقوموا ، فصلوا ربكم وتمسخوا . سيأتي شرح هذه الأبيات في القصيدة حيث يذكرها ابن إسحاق بكمالها - إن شاء الله . وذكر قول طالب بن أبي طالب : " فأصبحتم لا تمنعون لكم سربا " ويروى سربا بالكسر والسرب بالفتح المال الراعي ، والسرب بالكسر القطيع من البقر والظباء ومن النساء أيضا . قال الشاعر فلم تر عيني مثل سرب رأيته خرجن علينا من زقاق ابن واقف وطالب بن أبي طالب كان أسن من عقيل بعشرة أعوام وكان عقيل أسن من جعفر بعشرة أعوام وجعفر أسن من علي - رضي الله عنه - بمثل ذلك وذكروا أن طالبا اختطفته الجن ، فذهب ولم يذكر أنه أسلم . وذكر شعر أبي الصلت واسمه ربيعة بن وهب بن علاج . وفيه حبس الفيل بالمغمس وأن كسر الميم الآخرة أشهر فيه . وفيه بمهاة شعاعها منشور . والمهاة الشمس سميت بذلك لصفائها ، والمهامن الأجسام الصافي الذي يرى باطنه من ظاهره . والمهاة البلورة والمهاة الظبية . ومن أسماء الشمس الغزالة إذا ارتفعت فهذا في معنى المهاة . ومن أسمائها : البتيراء . سئل علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - عن وقت صلاة الضحى ، فقال حتى ترتفع البتيراء ذكره الهروي والخطابي ، ومن أسمائها : حناذ وبراح والضح وذكاء والجارية والبيضاء وبوح ويقال يوح بالياء وهو قول الفارسي وبالباء ذكره ابن الأنباري والشرق والسراج . وقوله " حلقه الجران " الجران العنق يريد ألقى بجرانه إلى الأرض وهذا يقوي أنه برك كما تقدم ألا تراه يقول كما قطر من صخر كبكب، وهو جبل . محدور أي حجر حدر حتى بلغ الأرض . وقوله ابذعروا : تفرقوا من ذعر وهي كلمة منحوتة من أصلين من البذر والذعر . وقوله إلا دين الحنيفة . يريد بالحنيفة الأمة الحنيفة أي المسلمة التي على دين إبراهيم الحنيف - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه حنف عن اليهودية والنصرانية ، أي عدل عنها ، فسمي حنيفا ، أو حنف عما كان يعبد آباؤه وقومه . وقوله في شعر الفرزدق : كما قال ابن نوح . اسمه يام ، وقيل كنعان . وقوله : " مطرخمي الطراخم " المطرخم : الممتلئ كبرا أو غضبا . والطراخم جمع مطرخم على قياس الجمع فإن المطرخم اسم من ستة أحرف فيحذف منه في الجمع والتصغير ما فيه من الزوائد وفيه زائدتان الميم الأولى ، والميم المدغمة في الميم الآخرة لأن الحرف المضاعف حرفان يقال في تصغير مطرخم طريخم وفي جمعه طراخم وفي مسبطر سباطر وذكره يعقوب في الألفاظ بالغين فقال اطرغم الرجل ولم يذكر الخاء . وذكر عبد الله بن قيس الرقيات . واختلف في تلقيبه قيس الرقيات فقيل كان له ثلاث جدات كلهن رقية فمن قال فيه ابن الرقيات فإنه نسبه إلى جداته ومن قال قيس الرقيات دون ذكر ابن فإنه نسبة وقيل بل شبب بثلاث نسوة كلهن تسمى : رقية وقيل بل ببيت قاله وهو " رقية ما رقية ما رقية أيها الرجل " . وقال الزبير كان يشبب برقية بنت عبد الواحد بن أبي السرح من بني ضباب بن حجير بن عبد بن معيص وبابنة عم لها اسمها رقية وهو ابن قيس بن شريح من بني حجير أيضا ، وحجير أخو حجر بن عبد بن معيص بن عامر رهط عمرو بن أم مكتوم الأعمى . وقوله " حتى كأنه مرجوم " وهو قد رجم فكيف شبهه بالمرجوم وهو مرجوم بالحجارة وهل يجوز أن يقال في مقتول كأنه مقتول ؟ فنقول لما ذكر استهلال الطير وجعلها كالسحاب يستهل بالمطر والمطر ليس برجم وإنما الرجم بالأكف ونحوها ، شبهه بالمرجوم الذي يرجمه الآدميون أو من يعقل ويتعمد الرجم من عدو ونحوه فعند ذلك يكون المقتول بالحجارة مرجوما على الحقيقة ولما لم يكن جيش الحبشة كذلك وإنما أمطروا حجارة فمن ثم قال كأنه مرجوم . خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن سيف وشكواه لقيصر فلما طال البلاء على أهل اليمن ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي مرة حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكا إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث إليهم من شاء من الروم ، فيكون له ملك اليمن ، فلم يشكه . شفاعة النعمان لدى كسرى فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر - وهو عامل كسرى على الحيرة ، وما يليها من أرض العراق - فشكا إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان إن لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم حتى يكون ذلك ففعل ثم خرج معه فأدخله على كسرى ، وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك وكانت عنقه لا تحمل تاجه إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه فإذا استوى في مجلسه كشفت عنه الثياب فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك . كسرى يعاون ابن ذي يزن قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه فقال الملك إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ثم يطأطئ رأسه ؟ فقيل ذلك لسيف فقال إنما فعلت هذا لهمي ، لأنه يضيق عنه كل شيء . قال ابن إسحاق : ثم قال له أيها الملك غلبتنا على بلادنا الأغربة ، فقال له كسرى : أي الأغربة : الحبشة أم السند ؟ فقال بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك ، قال بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة فلما قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال إن لهذا لشأنا ، ثم بعث إليه فقال عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا ؟ ما جبال أرضي التي جثت منها إلا ذهب وفضة - يرغبه فيها فجمع كسرى مرازبته فقال لهم ماذا ترون في أمر هذا الرجل وما جاء له ؟ فقال قائل أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنك بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم وإن ظفروا كان ملكا ازددته ، فبعث معه كسرى من كان في سجونه وكانوا ثمانمائة رجل . ________________________________________ سيف بن ذي يزن وكسرى وذكر سيف بن ذي يزن وخبره مع النعمان وكسرى ، وقد ذكرنا قصته في أول حديث الحبشة ، وأنه مات عند كسرى ، وقام ابنه مقامه في الطلب وهو سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجح وهو حمير بن سبأ ، وكسرى هذا هو أنوشروان بن قباذ ومعناه مجدد الملك لأنه جمع ملك فارس بعد شتات . والنعمان اسم منقول من النعمان الذي هو الدم . قاله صاحب العين والقنقل الذي شبه به التاج هو مكيال عظيم . قال الراجز يصف الكمأة ما لك لا تجرفها بالقنقل لا خير في الكمأة إن لم تفعل وفي الغربيين للهروي القنقل مكيال يسع ثلاثة وثلاثين منا ، ولم يذكر كم المنا ، وأحسبه وزن رطلين وهذا التاج قد أتى به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين استلب من يزدجرد بن شهريار تصير إليه من قبل جده أنوشروان المذكور فلما أتى به عمر رضي الله عنه دعا سراقة بن مالك المدلجي ، فحلاه بأسورة كسرى ، وجعل التاج على رأسه وقال له " قل الحمد لله الذي نزع تاج كسرى ، ملك الأملاك من رأسه ووضعه في رأس أعرابي من بني مدلج وذلك بعز الإسلام وبركته لا بقوتنا " وإنما خص عمر سراقة بهذا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قال له " يا سراق كيف بك إذا وضع تاج كسرى على رأسك وإسواره في يديك " أو كما قال صلى الله عليه وسلم . انتصار سيف وقول الشعراء فيه واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا ، فخرجوا في ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه وقال له رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا ، أو نظفر جميعا . قال له وهرز أنصفت ، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده فأرسل إليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز أروني ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء ؟ قال نعم قالوا : ذاك ملكهم فقال اتركوه قال فوقفوا طويلا ، ثم قال علام هو ؟ قالوا : قد تحول على الفرس ، قال اتركوه . فوقفوا طويلا ، ثم قال علام هو ؟ قالوا : قد تحول على البغلة . قال وهرز بنت الحمار ذل وذل ملكه إني سأرميه فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا ، فاثبتوا حتى أوذنكم فإني قد أخطأت الرجل وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم . ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها ، وأمر بحاجبيه فعصبا له ثم رماه فصك الياقوتة التي بين عينيه فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا ، فقتلوا وهربوا في كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء ، حتى إذا أتى بابها ، قال لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته فقال سيف بن ذي يزن الحميري : يظن الناس بالملكين أنهما قد التأما ومن يسمع بلأمهما فإن الخطب قد فقما قتلنا القيل مسروقا وروينا الكثيب دما وإن القيل قيل النا س وهرز مقسم قسما يذوق مشعشعا حتى يفيء السبي والنعما قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات له . وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له . ________________________________________ وذكر قدوم سيف مع وهرز على صنعاء في ستمائة وقد قدمنا قول ابن قتيبة أنهم كانوا سبعة آلاف وخمسمائة وانضافت إليهم قبائل من العرب . صنعاء وذكر دخول وهرز صنعاء وهدمه بابها ، وإنما كانت تسمى قبل ذلك أوال . قال ابن الكلبي وسميت صنعاء لقول وهرز حين دخلها : صنعة صنعة يريد أن الحبشة أحكمت صنعها ، قال ابن مقبل يذكر أوال : عمد الحداة بها لعارض قرية وكأنها سفن بسيف أوال وقال جرير وشبهت الحدوج غداة قو سفين الهند روح من أوالا وقال الأخطل خوص كأن شكيمهن معلق بقنا ردينة أو جذوع أوال وقد قيل إن صنعاء اسم الذي بناها ، وهو صنعاء بن أوال بن عبير بن عابر بن شالخ فكانت تعرف تارة بأوال وتارة بصنعاء . قال ابن إسحاق وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي ، قال ابن هشام : وتروى لأمية بن أبي الصلت ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ريم في البحر للأعداء أحوالا يمم قيصر لما حان رحلته فلم يجد عنده بعض الذي سالا ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة من السنين يهين النفس والمالا متى أتى ببني الأحرار يحملهم إنك عمري لقد أسرعت قلقالا لله درهم من عصبة خرجوا ما إن أرى لهم في الناس أمثالا بيضا مرازبة غلبا أساورة أسدا تربب في الغيضات أشبالا يرمون عن شدف كأنها غبط بزمخر يعجل المرمي إعجالا أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد أضحى شريدهم في الأرض فلالا فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا في رأس غمدان دارا منك محلالا واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم وأسبل اليوم في برديك إسبالا تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا قال ابن هشام : هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها ، إلا آخرها بيتا قوله تلك المكارم لا قعبان من لبن فإنه للنابغة الجعدي . واسمه [ حبان بن ] عبد الله بن قيس ، أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال عدي بن زيد الحيري ، وكان أحد بني تميم . قال ابن هشام : ثم أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ، ويقال عدي من العباد من أهل الحيرة : ما بعد صنعاء كان يعمرها ولاة ملك جزل مواهبها رفعها من بنى لدى قزع ال مزن وتندى مسكا محاربها محفوفة بالجبال دون عرى ال كائد ما ترتقى غواربها يأنس فيها صوت النهام إذا جاوبها بالعشي قاصبها ساقت إليه الأسباب جند بني الأح رار فرسانها مواكبها وفوزت بالبغال توسق بال حتف وتسعى بها توالبها حتى رآها الأقوال من طرف ال منقل مخضرة كتائبها يوم ينادون آل بربر وال يكسوم لا يفلحن هاربها وكان يوم باقي الحديث وزا لت إمة ثابت مراتبها وبدل الفيج بالزرافة والأيا م جون جم عجائبها بعد بني تبع نخاورة قد اطمأنت بها مرازبها قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . وأنشدني أبو زيد الأنصاري ورواه لي عن المفضل الضبي قوله يوم ينادن آل بربر واليكسوم وهذا الذي عنى سطيح بقوله " يليه إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن " . والذي عنى شق بقوله " غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن " ________________________________________ شرح لامية ابن أبي الصلت وقوله في شعر أمية بن أبي الصلت : ريم في البحر . أي أقام فيه ومنه الروايم وهي الأثافي ، كذلك وجدته في حاشية الشيخ التي عارضها بكتابي " أبي الوليد الوقشي " ، وهو عندي غلط لأن الروايم من رأمت إذا عطفت وريم ليس من رأم وإنما هو من الريم وهو الدرج أو من الريم الذي هو الزيادة والفضل أو من رام يريم إذا برح كأنه يريد غاب زمانا ، وأحوالا ، ثم رجع للأعداء وارتقى في درجات المجد أحوالا إن كان من الريم الذي هو الدرج ووجدته في غير هذا الكتاب خيم مكان ريم فهذا معناه أقام . وقوله عمري . أراد لعمري وقد قال الطائي : عمري لقد نصح الزمان وإنه لمن العجائب ناصح لا يشفق وقوله أسرعت قلقالا بفتح القاف وكسرها ، وكقول الآخر " وقلقل يبغي العز كل مقلقل " وهي شدة الحركة . وقوله " يرمون عن شدف كأنها غبط " الشدف الشخص ويجمع على شدف ولم يرد ههنا إلا القسي وليس شدف جمعا لشدف وإنما هو جمع شدوف وهو النشيط المرح يقال شدف فهو شدف ثم تقول شدوف كما تقول مروح وقد يستعار المرح والنشاط للقسي لحسن تأتيها وجودة رميها وإصابتها ، وإنما احتجنا إلى هذا التأويل لأن فعلا لا يجمع على فعل إلا وثن ووثن فإن قلت : فيجمع على فعول مثل أسود فتقول شدوف ثم تجمع الجمع فتقول شدف قلنا : الجمع الكثير لا يجمع وإنما يجمع منه أبنية القليل . نحو أفعال وأفعل وأفعلة وأشبه ما يقال في هذا البيت إنه جمع على غير قياس هذا إن كان الشدف القسي ، ويجوز أن يكون جمع شدفا على شدف مثل أسد وأسد ، ثم حرك الدال وجائز أن يكون أراد المرح من الخيل كما تقدم . وجعلها كالغبط لإشراف ظهورها وعلوها . وقوله يرمون عن شدف أي يدفعون عنها بالرمي ويكون الزمخر القسي ، أو النبل . والغبط الهوادج والزمخر القصب الفارسي . وقوله في رأس غمدان . ذكر ابن هشام أن غمدان أسسه يعرب بن قحطان وأكمله بعده واحتله وائل بن حمير بن سبأ ، وكان ملكا متوجا كأبيه وجده . وقوله شالت نعامتهم أي هلكوا ، والنعامة باطن القدم وشالت ارتفعت ومن هلك ارتفعت رجلاه وانتكس رأسه فظهرت نعامة قدمه تقول العرب : تنعمت إذا مشيت حافيا ، قال الشاعر تنعمت لما جاءني سوء فعلهم ألا إنما البأساء للمتنعم والنعامة أيضا : الظلمة والنعامة الدعامة التي تكون عليها البكرة والنعامة الجماعة من الناس وابن النعامة عرق في باطن القدم . النابغة وعدي بن زيد وذكر النابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله وقيل إن اسمه حبان بن قيس بن عبد الله بن وحوح والوحوح في اللغة وسط الوادي ، قاله أبو عبيد وأبو حنيفة وهو أحد النوابغ وهم ثمانية ذكرهم البكري ، وذكر الأعاشي وهم خمسة عشر . والنابغة شاعر معمر عاش مائتين وأربعين سنة أكثرها في الجاهلية وقدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنشاده إياه ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يفض الله فاه مشهور وفي كتب الأدب والخبر مسطور فلا معنى للإطالة به . وذكر شعر عدي بن زيد العبادي ، نسب إلى العباد وهم من عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، قيل إنهم انتسلوا من أربعة عبد المسيح وعبد كلال وعبد الله وعبد ياليل ، وكذلك سائرهم في اسم كل واحد منهم عبد وكانوا قدموا على ملك فتسموا له فقال أنتم العباد فسموا بذلك وقد قيل غير هذا . وفي الحديث المسند أبعد الناس عن الإسلام الروم والعباد وأحسبهم هؤلاء لأنهم تنصروا ، وهم من ربيعة ، ثم من بني عبد القيس والله أعلم . والذي ذكره الطبري في نسب عدي بن زيد أنه ابن زيد بن حماد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم . وقد دخل بنو امرئ القيس بن زيد مناة في العباد . فلذلك ينسب عدي إليهم . وقوله صوت النهام يريد ذكر اليوم وقاصبها : الذي يزمر في القصب . وقوله فيها : دون عرى الكائد يريد عرى السماء وأسبابها ، ووقع في نسخة الشيخ عرى بفتح العين وهي الناحية وأضافها إلى الكائد وهو الذي كادهم والباري - سبحانه وتعالى - كيده متين . وقوله فوزت بالبغال أي ركبت المفاوز . وقوله توسق بالحتف أي أوسق البغال الحتوف ، وتوالبها : جمع تولب وهو ولد الحمار والتاء في تولب بدل من واو كما في توأم وتولج وفي توراة على أحد القولين لأن اشتقاق التولب من الوالبة وهي ما يولده الزرع وجمعها : أوالب . وقوله من طرف المنقل أي من أعالي حصونها ، والمنقال الخرج ينقل إلى الملوك من قرية إلى قرية فكأن المنقل من هذا ، والله أعلم . وقوله مخضرة كتائبها . يعني من الحديد ومنه الكتيبة الخضراء . وقوله ينادون آل بربر ; لأن البربر والحبشة من ولد حام . وقد قيل إنهم من ولد جالوت من العماليق . وقد قيل في جالوت إنه من الخزر ، وإن أفريقس لما خرج من أرض كنعان سمع لهم بربرة وهي اختلاط الأصوات فقال ما أكثر بربرتهم فسموا بذلك وقيل غير هذا . وقوله والغرب أراد الغرب بضم الراء جمع : غراب وإن كان المعروف أغربة وغربان ولكن القياس لا يدفعه وعنى بهم السودان . وقوله وبدل الفيج بالزرافة وهو المنفرد في مشيته والزرافة الجماعة وقيل في الزرافة التي هي حيوان طويل العنق إنه اختلط فيها النسل بين الإبل الوحشية والبقر الوحشية والنعام وإنها متولدة من هذه الأجناس الثلاثة . وكذلك ذكر الزبيدي وغيره وأنكر الجاحظ هذا في كتاب الحيوان له وقال إنما دخل هذا الغلط عليهم من تسمية الفرس لها " اشتر - كاو - ماه " . والفرس إنما سمته بذلك لأن في خلقتها شبها من جمل ونعامة وبقرة فاشتر هو الجمل وكاو النعامة وماه البقرة والفرس تركب الأسماء وتمزج الألفاظ إذا كان في المسمى شبه من شيئين أو أشياء ويقال زرافة بتشديد الفاء حكاه أبو عبيد عن القناني . وقوله بعد بني تبع بجاورة . هكذا في نسخة سفيان بن أبي العاص الأسدي مصححا عليه وقد كتب في الحاشية نخاورة في الأمين وفي الحاشية النخاورة الكرام وكذلك في المسموعة على ابن هشام يعني نسختي أبي الوليد الوقشي اللتين قابل بهما مرتين ويعني بالحاشية حاشية " تينك الأمين " وأن فيهما : نخاورة بالنون والخاء المنقوطة وهم الكرام كما ذكر . ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن مدة ملك الحبشة باليمن قال ابن إسحاق : فأقام وهرز والفرس باليمن ، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس : الأبناء الذين باليمن اليوم . وكان ملك الحبشة باليمن ، فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة ، اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة أرياط ، ثم أبرهة ، ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق بن أبرهة . أمراء الفرس على اليمن قال ابن هشام : ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ، ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ، ثم مات التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن ، ثم عزله وأمر باذان فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث يتنبأ بقتل كسرى فبلغني عن الزهري أنه قال كتب كسرى إلى باذان : أنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة ، يزعم أنه نبي ، فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر وقال إن كان نبيا ، فسيكون ما قال فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن هشام : قتل على يدي ابنه شيرويه وقال خالد بن حق الشيباني : وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام تمخضت المنون له بيوم أنى ، ولكل حاملة تمام باذان يسلم قال الزهري : فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الرسل من الفرس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى من نحن يا رسول الله ؟ قال أنتم منا وإلينا أهل البيت . قال ابن هشام : فبلغني عن الزهري أنه قال فمن ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمان منا أهل البيت . عود إلى شق وسطيح قال ابن هشام : فهو الذي عنى سطيح بقوله " نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي " . والذي عنى شق بقوله " بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل " . ________________________________________ باذان وكسرى وذكر قصة باذان ، وما كتب به إلى كسرى ، وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ، ومعنى أبرويز بالعربية المظفر وهو الذي غلب الروم حين أنزل الله الم غلبت الروم في أدنى الأرض [ أول الروم ] وهو الذي عرض على الله في المنام فقال له سلم ما في يديك إلى صاحب الهراوة فلم يزل مذعورا من ذلك حتى كتب إليه النعمان بن المنذر بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - بتهامة ، فعلم أن الأمر سيصير إليه حتى كان من أمره ما كان وهو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفيده يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وهو آخر ملوك الفرس ، وكان سلب ملكه وهدم سلطانه على يدي عمر بن الخطاب ، ثم قتل هو في أول خلافة عثمان ، وجد مستخفيا في رحى فقتل وطرح في قناة الرحى ، وذلك بمرو من أرض فارس . وذكر حديث باذان ومقتل كسرى ، وكان مقتل كسرى حين قتله بنوه ليلة الثلاثاء لعشر من جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة وأسلم باذان باليمن في سنة عشر وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبناء يدعوهم إلى الإسلام فمن الأبناء وهب بن منبه بن سيج بن ذكبار ، وطاووس وذادويه وفيروز اللذان قتلا الأسود العنسي الكذاب وقد قيل في طاووس إنه ليس من الأبناء وإنه من حمير ، وقد قيل من فارس ، واسمه ذكوان بن كيسان وهو مولى بجير بن ريسان وقد قيل مولى الجعد وكان يقال له طاووس القراء لجماله . وقول خالد بن حق تمخضت المنون له بيوم أنى ; ولكل حاملة تمام المنون المنية وهو أيضا من أسماء الدهر وهو من مننت الحبل إذا قطعته ، وفعول إذا كان بمعنى فاعل لم تدخل التاء في مؤنثه لسر بديع ذكرناه في غير هذا الكتاب فيقال امرأة صبور وشكور فمعنى المنون المقطوع وتمخضت أي حملت والمخاض الحمل ووزنه فعال ومخاضة الماء ومخاضة [ النهر ] وزنه مفعل من الخوض . وقوله أنى ، أي حان وقد قلبوه فقالوا : آن يئين والدليل على أن آن يئين مقلوب من أنى يأنى ، قوله آناء الليل وواحدها : إنى وأنى وإني فالنون مقدمة على الياء في كل هذا ، وفي كل ما صرف منه نحو الإناء والآني : الذي بلغ أناه أي منتهى وقته في التسخين وهذا المعنى كقولهم في المثل الدهر حبلى لا يدري ما تضع إن كان أراد بالمنون في البيت الدهر وإن كان أراد بالمنون المنية فبعيد أن يقال تمخضت المنون له بهذا اليوم الذي مات فيه فإن موته منيته فكيف تتمخض المنية بالمنية إلا أن يريد أسبابها ، وما مني له أي قدر من وقتها ، فتصح الاستعارة حينئذ ويستقيم التشبيه . وقول ابن حق وكسرى إذ تقسمه بنوه . وإنما كان قتله على يدي ابنه شيرويه لكن ذكر بنيه لأن بدء الشر بينه وبينهم أن فرخان رأى في النوم أنه قاعد على سرير الملك في موضع أبيه فبلغ أباه ذلك فكتب إلى ابنه شهريار - وكان واليا له على بعض البلاد أن اقتل أخاك فرخان فأخفى شهريار الكتاب من أخيه فكتب إليه مرة أخرى ، فأبى من ذلك فعزله وولى فرخان وأمره بقتل شهريار فعزم على ذلك فأراه شهريار الكتاب الذي كتب له أبوه فيه فتواطآ عند ذلك على القيام على أبيهما ، وأرسلا إلى ملك الروم يستعينان به في خبر طويل فكان هذا بدء الشر ثم إن الفرس خلعت كسرى لأحداث أحدثها ، وولت ابنه شيرويه فكان كسرى أبرويز ربما أشار برأي من محبسه فقالت المرازبة لشيرويه لا يستقيم لك الملك إلا أن تقتل أباك ، فأرسل إليه من يقتله فيقال إنه كان يضرب بالسيف فما يعمل فيه شيئا ، ففتش فوجد على عضده حجر معلق كالخرزة فنزع فعملت فيه السلاح وكان قبل يقول لابنه يا قصير العمر فلم يدم أمره بعده إلا أقل من ستة أشهر - فيما ذكروا - والله أعلم . كتاب الحجر قال ابن إسحاق : وكان في حجر باليمن - فيما يزعمون - كتاب بالزبور كتب في الزمان الأول " لمن ملك ذمار ؟ لحمير الأخيار لمن ملك ذمار ؟ للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار ؟ لفارس الأحرار لمن ملك ذمار ؟ لقريش التجار " . وذمار : اليمن أو صنعاء . قال ابن هشام : ذمار : بالفتح فيما أخبرني يونس . الأعشى ونبوءة شق وسطيح قال ابن إسحاق : وقال الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه ما نظرت ذات أشفار كنظرتها حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا وكانت العرب تقول لسطيح الذئبي ، لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب . قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له . ________________________________________ ذمار وحمير وفارس والحبشة وقوله وجد بحجر باليمن : لمن ملك ذمار ؟ وحكى ابن هشام عن يونس ذمار بفتح الذال فدل على أن رواية ابن إسحاق بالكسر فإذا كان بكسر الذال فهو غير مصروف لأنه اسم لمدينة والغالب عليه التأنيث ويجوز صرفه أيضا ; لأنه اسم بلد وإذا فتحت الذال فهو مبني مثل رقاش وحذام وبنو تميم يعربون مثل هذا البناء فيقولون رقاش [ وحذام ] في الرفع ورقاش وحذام في النصب والخفض يعربونه ولا يصرفونه فإذا كان لام الفعل راء اتفقوا مع أهل الحجاز على البناء والكسر . وذمار : من ذمرت الرجل إذا حرضته على الحرب . وقوله لحمير الأخيار لأنهم كانوا أهل دين كما تقدم في حديث فيمون وابن الثامر . وقوله لفارس الأحرار فلأن الملك فيهم متوارث من أول الدنيا من عهد جيومرت في زعمهم إلى أن جاء الإسلام لم يدينوا لملك من غيرهم ولا أدوا الأتاوة لذي سلطان من سواهم فكانوا أحرارا لذلك . وأما قوله للحبشة الأشرار فلما أحدثوا في اليمن من العيث والفساد وإخراب البلاد حتى هموا بهدم بيت الله الحرام ، وسيهدمونه في آخر الزمان إذا رفع القرآن وذهب من الصدور الإيمان وهذا الكلام المسجع ذكره المسعودي منظوما . حين شيدت ذمار قيل لمن أن ت فقالت لحمير الأخيار ثم سيلت من بعد ذاك ؟ فقالت أنا للحبش أخبث الأشرار ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ت ؟ فقالت لفارس الأحرار ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ت فقالت إلى قريش التجار وهذا الكلام الذي ذكر أنه وجد مكتوبا بالحجر هو - فيما زعموا - من كلام هود - عليه السلام - وجد مكتوبا في منبره وعند قبره حين كشفت الريح العاصفة عن منبره الرمل حتى طهر وذلك قبل ملك بلقيس بيسير وكان خطه بالمسند ويقال إن الذي بنى ذمار هو شمر بن الأملوك والأملوك هو مالك بن ذي المنار ويقال ذمار وظفار ، ومنه المثل من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية . زرقاء اليمامة وذكر قول الأعشى : ما نظرت ذات أشفار كنظرتها البيت . يريد زرقاء اليمامة ، وكانت تبصر على مسيرة ثلاثة أيام وقد تقدم طرف من ذكرها في خبر جديس وطسم وقبل البيت قالت أرى رجلا في كفه كتف أو يخصف النعل لهفي أية صنعا فكذبوها بما قالت فصبحهم ذو آل حسان يزجي الموت والسلعا وكان جيش حسان هذا قد أمروا أن يخيلوا عليها بأن يمسك كل واحد منهم نعلا كأنه يخصفها ، وكتفا كأنه يأكلها ، وأن يجعلوا على أكتافهم أغصان الشجر فلما أبصرتهم قالت لقومها : قد جاءتكم الشجر أو قد غزتكم حمير ، فقالوا : قد كبرت وخرفت ، فكذبوها ، فاستبيحت بيضتهم وهو الذي ذكر الأعشى . قصة ملك الحضر قال ابن هشام : وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد ، أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب أنه يقال إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر . والحضر حصن عظيم كالمدينة ، كان على شاطئ الفرات ، وهو الذي ذكر عدي بن زيد في قوله وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج لة يجبى إليه والخابور شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فبان ال ملك عنه فبابه مهجور قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . والذي ذكره أبو دواد الإيادي في قوله وأرى الموت قد تدلى من الحض ر على رب أهله الساطرون وهذا البيت في قصيدة له . ويقال إنها لخلف الأحمر ويقال لحماد الراوية . ________________________________________ خبر الحضر والساطرون ذكر فيه قول من قال إن النعمان من ولد الساطرون وهو صاحب الحضر . قال المؤلف فنذكر شرح قصة الحضر وصاحبه وما قيل في ذلك ملخصا بعون الله . الساطرون بالسريانية : هو الملك واسم الساطرون الضيزن بن معاوية . قال الطبري : هو جرمقاني ، وقال ابن الكلبي هو قضاعي من العرب الذين تنخوا بالسواد فسموا : تنوخ ، أي أقاموا بها ، وهم قبائل شتى ، ونسبه ابن الكلبي فقال هو ابن معاوية بن عبيد ، ووجدته بخط أبي بحر عبيد بضم العين بن أجرم من بني سليح بن حلوان بن الحاف بن قضاعة ، وأمه جيهلة وبها كان يعرف وهي أيضا قضاعية من بني تزيد الذين تنسب إليهم الثياب التزيدية . وذكر قول أبي دواد : وأرى الموت قد تدلى من الحض ـ ر على رب أهله الساطرون واسم أبي دواد : جارية بن حجاج وقيل حنظلة بن شرقي وبعد هذا البيت صرعته الأيام من بعد ملك ونعيم وجوهر مكنون كيف استولى سابور على الحضر وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر ، فحصره سنتين فأشرفت بنت ساطرون يوما ، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا ، فدست إليه أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر ؟ فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها فتزوجها ، فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام فدعا لها بشمع ففتش فراشها ، فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي أسهرك ؟ قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر قال أفكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟ أنت إلي بذلك أسرع ثم أمر بها ، فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس ، حتى قتلها ، ففيه يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة ألم تر للحضر إذ أهله بنعمى ، وهل خالد من نعم أقام به شاهبور الجنو د حولين تضرب فيه القدم فلما دعا ربه دعوة أناب إليه فلم ينتقم وهذه الأبيات في قصيدة له . وقال عدي بن زيد في ذلك والحضر صابت عليه داهية من فوقه أيد مناكبها ربية لم توق والدها لحينها إذ أضاع راقبها إذ غبقته صهباء صافية والخمر وهل يهيم شاربها فأسلمت أهلها بليلتها تظن أن الرئيس خاطبها فكان حظ العروس إذ جشر الصـ بح دماء تجري سبائبها وخرب الحضر واستبيح وقد أحرق في خدرها مشاجبها وهذه الأبيات في قصيدة له . ________________________________________ وكان الضيزن من ملوك الطوائف وكان يقدمهم إذا اجتمعوا لحرب عدو من غيرهم وكانت الحضر بين دجلة والفرات ، وكان ملكه يبلغ أطرار الشام ، وكان سابور قد تغيب عن العراق إلى خراسان ، فأغار الضيزن على بلاده بمن معه من العرب ، فلما قفل سابور وأخبر بصنع الضيزن نهد إليه وأقام عليه أربع سنين . وذكر الأعشى في شعره حولين لا يقدر على فتح الحصن وكان للضيزن بنت اسمها : النضيرة وفيها قيل أقفر الحضر من نضيرة فالمـ رباع منها فجانب الثرثار وكانت سنتهم في الجارية إذا عركت أي حاضت أخرجوها إلى ربض المدينة ، فعركت النضيرة فأخرجت إلى ربض الحضر فأشرفت ذات يوم فأبصرت سابور - وكان من أجمل الناس - فهويته فأرسلت إليه أن يتزوجها ، وتفتح له الحضر واشترطت عليه والتزم لها ما أرادت ثم اختلف في السبب الذي دلت عليه فقال ابن إسحاق ما في الكتاب وقال المسعودي : دلته على نهر واسع [ اسمه الثرثار ] كان يدخل منه الماء إلى الحضر فقطع لهم الماء ودخلوا منه . وقال الطبري : دلته على طلسم [ أو طلسم ] كان في الحضر وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء وتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء ثم ترسل الحمامة فتنزل على سور الحضر فيقع الطلسم فيفتح الحضر ففعل سابور ذلك فاستباح الحضر وأباد قبائل من قضاعة كانوا فيه منهم بنو عبيد رهط الضيزن لم يبق منهم عقب وحرق خزائن الضيزن واكتسح ما فيها ، ثم قفل بنضيرة معه وذكر الطبري في قتله إياها حين تململت على الفراش الوثير ولين الحرير أنه قال لها : ما كان يصنع بك أبوك ؟ فقالت كان يطعمني المخ والزبد وشهد أبكار النحل وصفو الخمر . وذكر أنه كان يرى مخها من صفاء بشرتها ، وأن ورقة الآس أدمتها في عكنة من عكنها ، وأن الفراش الذي نامت عليه كان من حرير حشوه القز . وقال المسعودي : كان حشوه زغب الطير ثم اتفقوا في صورة قتلها كما ذكر ابن إسحاق غير أن ابن إسحاق قال كان المستبيح للحضر سابور ذو الأكتاف وجعله غير سابور بن أزدشير بن بابك ، وقد تقدم أن أزدشير هو أول من جمع ملك فارس ، وأذل ملوك الطوائف حتى دان الملك له والضيزن كان من ملوك الطوائف فيبعد أن تكون هذه القصة لسابور ذي الأكتاف وهو سابور بن هرمز وهو ذو الأكتاف لأنه كان بعد سابور الأكبر بدهر طويل وبينهم ملوك مسمون في كتب التاريخ وهم هرمز بن سابور وبهرام بن هرمز وبهرام بن بهرام وبهرام الثالث ونرسي بن بهرام وبعده كان ابنه سابور ذو الأكتاف والله أعلم . وقول الأعشى : شاهبور الجنود بخفض الدال يدل على أنه ليس بشاهبور ذي الأكتاف وأما إنشاده لأبيات عدي بن زيد : وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة يجبى إليه و الخابور فللشعر خبر عجيب . حدثنا إجازة القاضي الحافظ أبو بكر عن ابن أيوب عن البرقاني عن أبي الحسن علي بن عمر قال حدثنا أبو بكر الأزرق يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول قال حدثني جدي ، قال حدثني أبي ، عن إسحاق بن زياد من بني سلمة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم قال أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد [ أهل ] العراق قال فقدمت عليه وقد خرج متبديا بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه فنزل في أرض قاع صحصح متنايف أفيح في عام [ قد ] بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض [ فيه ] زينتها من اختلاف أنوار نبتها من نور ربيع مونق فهو أحسن منظرا ، وأحسن مستنظرا ، وأحسن مختبرا بصعيد كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب قال وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن ، فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها ، قال وقد أخذ الناس مجالسهم فأخرجت رأسي من ناحية الطاق فنظر إلي شبه المستنطق [ لي ] ; فقلت : أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة سوغكها بشكر وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا ، وعاقبة ما تئول إليه حمدا ، وأخلصه لك بالتقى ، وكثره لك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا ، ولا خالط سروره الردى ; فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا . إليك يقصدون في أمورهم وإليك يفزعون في مظالمهم وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا - جعلني الله فداءك - هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك مما من الله [ جل وعز ] به علي من مجالستك ، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعم الله عليك ، وأنبهك لشكرها ، وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته عنه . قال فاستوى جالسا - وكان متكئا - ثم قال هات يا ابن الأهتم [ قال ] : فقلت : يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مستنظر وأحسن مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب . قال وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر قال فنظر فأبعد النظر فقال لجلسائه لمن [ مثل ] هذا ؟ هل رأيتم مثل ما أنا فيه ؟ [ و ] هل أعطي أحد مثل ما أعطيت ؟ قال وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه . قال ولن تخلوا الأرض من قائم لله بحجته في عباده فقال أيها الملك إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه ؟ قال نعم . قال أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا من غيرك ، وهو زائل عنك ، وصائر إلى غيرك ، كما صار إليك ميراثا من لدن غيرك ؟ قال فكذلك هو . قال فلا أراك [ إلا ] أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا ، وتغيب عنه طويلا ، وتكون غدا بحسابه مرتهنا . قال ويحك فأين المهرب ؟ وأين المطلب ؟ قال إما أن تقيم في ملكك ، تعمل فيه بطاعة [ الله ] ربك على ما ساءك وسرك ، ومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك ، وتضع أطمارك ، وتلبس أفساحك ، وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك . قال فإذا كان في السحر فاقرع علي بابي ، فإني مختار أحد الرأيين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا ، لا تعصى ، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا ، لا تخالف . قال فقرع عليه بابه عند السحر فإذا هو قد وضع تاجه [ وخلع أطماره ] ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة قال فلزما - والله - الجبل حتى أتتهما آجالهما ، وهو حيث يقول أحد بني تميم : عدي بن [ زيد ] بن سالم المري العدوي أيها الشامت المعير بالد هر أأنت المبرأ الموفور ؟ أم لديك العهد الوثيق من الأيا م ؟ بل أنت جاهل مغرور من رأيت المنون خلدن أم من ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان أم أين قبله سابور ؟ وبنو الأصفر الكرام ملوك الر وم ؟ لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج لة تجبى إليه و الخابور شاده مرمرا ، وجلله كلس ا فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فبا ن الملك عنه فبابه مهجور وتذكر رب الخورنق إذ أشرف يوما ، وللهدى تفكير سره ماله وكثرة ما يملك والبحر معرضا والسدير فارعوى قلبه وقال وما غبطة حي إلى الممات يصير ؟ ثم أضحوا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهم هناك القبور قال فبكى [ والله ] هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزم قصره . قال فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان بن الأهتم وقالوا : ما أردت إلى أمير المؤمنين ؟ أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته . قال إليكم عني فإني عاهدت الله [ عز وجل ] عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل . والذي ذكره عدي بن زيد في هذا الشعر هو النعمان بن امرئ القيس جد النعمان بن المنذر ، وأول هذا الشعر أرواح مودع أم بكور [ لك ] فانظر لأي ذاك تصير قاله عدي ، وهو في سجن النعمان بن المنذر ، وفيه قتل وهو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروب بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم وقال عمرو بن آلة بن الخنساء ألم ينبئك والأنباء تنمى بما لاقت سراة بني العبيد ومصرع ضيزن وبني أبيه وأحلاس الكتائب من تزيد أتاهم بالفيول مجللات وبالأبطال سابور الجنود فهدم من أواسي الحضر صخرا كأن ثقاله زبر الحديد وقال الأعشى : أقام به شاهبور الجنو د حولين تضرب فيه القدم وقد قدمنا أن شاهبور معناه ابن الملك وأن بور هو الابن بلسانهم وفي هذا البيت دليل على ما قلناه من أن سابور مغير عن شاهبور . والقدم جمع قدوم وهو الفأس ونحوه والقدوم : اسم موضع أيضا اختتن فيه إبراهيم عليه السلام الذي جاء في الحديث أن إبراهيم اختتن بالقدوم مخفف أيضا ، وقد روي فيه التشديد . وبعده فهل زاده ربه قوة ومثل مجاوره لم يقم وكان دعا قومه دعوة هلموا إلى أمركم قد صرم فموتوا كراما بأسيافكم أرى الموت يجشمه من جشم وفي الشعر وهل خالد من نعم . يقال نعم ينعم وينعم مثل حسب يحسب ويحسب . وفي أدب الكاتب أنه يقال نعم ينعم مثل فضل يفضل . حكي ذلك عن سيبويه ، وهو غلط من القتبي ومن تأمله في كتاب سيبويه تبين له غلط القتبي وأن سيبويه لم يذكر الضم إلا في فضل يفضل . وقول عدي بن زيد : ربية لم توق والدها . يحتمل أن تكون فعيلة من ربيت إلا أن القياس في فعيلة بمعنى : مفعولة أن تكون بغير هاء ويحتمل أنه أراد معنى الربو والنماء لأنها ربت في نعمة فتكون بمعنى فاعلة ويكون البناء موافقا للقياس وأصح من هذين الوجهين أن يكون أراد ربيئة بالهمز وسهل الهمزة فصارت ياء وجعلها ربيئة لأنها كانت طليعة حيث اطلعت حتى رأت سابور وجنوده ويقال للطليعة ذكرا كان أو أنثى : ربيئة ويقال له رباء على وزن فعال وأنشدوا : رباء شماء لا يأوي نقلتها ، البيت . وقوله أضاع راقبها ، أي أضاع المربأة الذي يرقبها ويحرسها ، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على الجارية أي أضاعها حافظها . وقوله والخمر وهل . يقال وهل الرجل وهلا ووهلا إذا أراد شيئا ، فذهب وهمه إلى غيره . ويقال فيه وهم أيضا بفتح الهاء وأما وهم بالكسر فمعناه غلط وأوهم بالألف معناه أسقط . وقوله سبائبها . السبائب جمع : سبيبة وهي كالعمامة أو نحوها ، ومنه السب وهو الخمار . وقوله في خدرها مشاجبها . المشاجب جمع مشجب وهو ما تعلق منه الثياب ومنه قول جابر وإن ثيابي لعلى المشجب وكانوا يسمون القربة شجبا ; لأنها جلد ماء قد شجب أي عطب وكانوا لا يمسكون القربة وهي الشجب إلا معلقة فالعود الذي تعلق به هو المشجب حقيقة ثم اتسعوا ، فسموا ما تعلق به الثياب مشجبا تشبيها به . وفي شعر عدي المتقدم ذكر الخابور ، وهو واد معروف وهو فاعول من خبرت الأرض إذا حرثتها ، وهو واد عظيم عليه مزارع . قالت ليلى أخت الوليد بن طريف الخارجي الشيباني حين قتل أخوها الوليد قتله يزيد بن مزيد الشيباني أيام الرشيد فلما قتل قالت أخته أيا شجر الخابورما لك مورقا كأنك لم تحزن على ابن طريف فقدناه فقدان الربيع وليتنا فديناه من ساداتنا بألوف وأما الخافور بالفاء فنبات تخفر ريحه أي تقطع شهوة النساء كما يفعل الحبق ويقال له المرو وبهذا الاسم يعرفه الناس وهو الزغبر أيضا . ذكر ولد نزار بن معد قال ابن إسحاق فولد نزار بن معد ثلاثة نفر مضر بن نزار ، وربيعة بن نزار ، وأنمار بن نزار . قال ابن هشام : وإياد بن نزار . قال الحارث بن دوس الإيادي ، ويروى لأبي دواد الإيادي واسمه جارة بن الحجاج وفتو حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد وهذا البيت في أبيات له . فأم مضر وإياد : سودة بنت عك بن عدنان . وأم ربيعة وأنمار  : شقيقة بنت عك بن عدنان ، ويقال جمعة بنت عك بن عدنان . أولاد أنمار قال ابن إسحاق : فأنمار أبو خثعم وبجيلة . قال جرير بن عبد الله البجلي وكان سيد بجيلة ، وهو الذي يقول له القائل لولا جرير هلكت بجيله نعم الفتى ، وبئس القبيله وهو ينافر الفرافصة الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي . يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن تصرع أخاك تصرع فقال عمرو : بل أطبخ فلحق عامر بالإبل فجاء بها ، فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما ، فقال لعامر أنت مدركة وقال لعمرو : وأنت طابخة . وأما قمعة فيزعم نساب مضر : أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس . قال ابني نزار انصرا أخاكما إن أبي وجدته أباكما لن يغلب اليوم أخ والاكما وقد تيامنت ، فلحقت باليمن . قال ابن هشام : قالت اليمن : وبجيلة : أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث . ودار بجيلة وخثعم : يمانية . أولاد مضر قال ابن إسحاق : فولد مضر بن نزار رجلين إلياس بن مضر ، وعيلان بن مضر . قال ابن هشام : وأمهما : جرهمية . أولاد إلياس قال ابن إسحاق : فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة بن إلياس ، وطابخة بن إلياس وقمعة بن إلياس وأمهم خندف  : امرأة من اليمن . قال ابن هشام : خندف بنت عمران بن الحاف بن قضاعة . قال ابن إسحاق : وكان اسم مدركة عامرا ، واسم طابخة عمرا ، وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها ، فاقتنصا صيدا ، فقعدا عليه يطبخانه وعدت عادية على إبلهما ، فقال عامر لعمرو : أتدرك الإبل أم تطبخ هذا الصيد ؟ ________________________________________ ذكر نزار بن معد ومن تناسل منهم قد ذكرنا أولاد معد العشرة فيما تقدم فأما مضر فقد تقدم ذكره في عمود نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا أنه أول من سن حداء الإبل وسببه - فيما ذكروا - أنه سقط عن بعير فوثبت يده وكان أحسن الناس صوتا ، فكان يمشي خلف الإبل ويقول وايدياه وايدياه يترنم بذلك فأعنقت الإبل وذهب كلالها ; فكان ذلك أصل الحداء عند العرب ، وذلك أنها تنشط بحدائها الإبل فتسرع . وأما أنمار بن نزار ، وهو أبو بجيلة وخثعم فسمي بالأنمار جمع نمر كما سموا بسباع وكلاب وأم بنيه بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة ولد له من غيرها أفتل وهو خثعم ، وولدت له عبقر في خمسة عشر سماهم أبو الفرج عنهم تناسلت قبائل بجيلة وهم وداعة وخزيمة وصهيبة [ في الأصل صحيهم ] والحارث ومالك وشيبة وطريفة وفهم والغوث وسهل وعبقر وأشهل كلهم بنو أنمار ، ويقال إن بجيلة حبشية حضنت أولاد أنمار الذين سمينا ، ولم تحضن أفتل وهو خثعم ، فلم ينسب إليها . روى الترمذي من طريق فروة بن مسيك أنه لما أنزل الله في سبأ ما أنزل قال رجل يا رسول الله ما سبأ : امرأة أم أرض ؟ قال " ليس بامرأة ولا أرض ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن منهم ستة وتشاءم أربعة فأما الذين تشاءموا : فلخم وجذام وعاملة وغسان ، وأما الذين تيامنوا : فالأزد والأشعرون وحمير ومذحج وكندة وأنمار " ، قال الرجل ومن أنمار ؟ قال " الذين منهم خثعم وبجيلة . وقوله لولا جرير هلكت بجيلة نعم الفتى ، وبئست القبيله قال لما سمع هذا : ما مدح رجل هجي قومه وجرير هذا هو ابن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن جذيمة بن عدي بن مالك بن سعد بن يزيد بن قسر وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث ، يكنى : أبا عمرو ، وقيل أنا عبد الله وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم خير ذي يمن ، عليه مسحة ملك وكان عمر يسميه يوسف هذه الأمة وكان من مقبلي الظعن وكانت نعله طولها : ذراع فيما ذكروا . ومن النذير بن قسر العرنيون الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة ، وحديثهم مشهور وهم بنو عرينة بن النذير ، أو بنو عرينة بن ربيعة بن نذير ، لأنهما عرينتان وأحدهما : عم الآخر . وقال ابن إسحاق في السيرة من بني قيس  : كبة من بجيلة . وقوله وهو ينافر الفرافصة [ بن الأحوص ] الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي . ينافر أي يحاكم . قال قاسم بن ثابت لفظ المنافرة مأخوذ من النفر وكانوا إذا تنازع الرجلان وادعى كل واحد منهم أنه أعز نفرا من صاحبه تحاكموا إلى العلامة فمن فضل منهما قيل نفره عليه أي فضل نفره على نفر الآخر فمن هذا أخذت المنافرة وقال زهير : فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء والفرافصة بالضم اسم الأسد وبالفتح اسم الرجل وقد قيل كل فرافصة في العرب بالضم إلا الفرافصة أبا نائلة صهر عثمان بن عفان فإنه بالفتح . وقوله إنك إن تصرع أخاك تصرع . وجدت في حاشية أبي بحر قال الأشهر في الرواية إن يصرع أخوك ، وإنما لم ينجزم الفعل الآخر على جواب الشرط لأنه في نية التقديم عند سيبويه ، وهو على إضمار الفاء عند المبرد وما ذكر في أنمار من قول أهل اليمن يشهد له حديث الترمذي المتقدم . وذكر أم إلياس وقال فيها : امرأة من جرهم ، ولم يسمها ، وليست من جرهم ، وإنما هي الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان فيما ذكر الطبري ، وقد قدمنا ذلك في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما عيلان أخو إلياس فقد قيل إنه قيس نفسه لا أبوه وسمي بفرس له اسمه عيلان وكان يجاوره قيس كبة من بجيلة عرف بكبة اسم فرسه فرق بينهما بهذه الإضافة وقيل عيلان اسم كلب له وكان يقال له الناس ولأخيه إلياس وقد تقدم في أول الكتاب القول في عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فيه غنية من شرح تلك الأسماء . وذكر مدركة وطابخة وقمعة وسبب تسميتهم بهذه الأسماء وفي الخبر زيادة وهو أن إلياس قال لأمهم - واسمها ليلى ، وأمها : ضرية بنت ربيعة بن نزار التي ينسب إليها : حمى ضرية ، وقد أقبلت تخندف في مشيتها : ما لك تخندفين ؟ فسميت خندف ، والخندفة سرعة في مشي وقال لمدركة وأنت قد أدركت ما طلبتا وقال لطابخة وأنت قد أنضجت ما طبختا وقال لقمعة وهو عمير وأنت قد قعدت فانقمعتا

 وخندف  التي عرف بها بنو إلياس وهي التي ضربت الأمثال بحزنها على إلياس وذلك أنها تركت بنيها ، وساحت في الأرض تبكيه حتى ماتت كمدا ، وكان مات يوم خميس وكانت إذا جاء الخميس بكت من أول النهار إلى آخره فمما قيل من الشعر في ذلك 

إذا مؤنس لاحت خراطيم شمسه بكته به حتى ترى الشمس تغرب فما رد بأسا حزنها وعويلها ولم يغنها حزن ونفس تعذب وكانوا يسمون الخميس مؤنسا قال الزبير وإنما نسب بنو إلياس لأمهم لأنها حين تركتهم شغلا لحزنها على أبيهم رحمهم الناس فقالوا : هؤلاء أولاد خندف الذين تركتهم وهم صغار أيتام حتى عرفوا ببني خندف . وأما عوانة بنت سعد بن قيس عيلان فسميت العوانة وهي الناقة الطويلة . قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب حديث جر عمرو قصبه في النار قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس فقال هلكوا قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة - قال ابن هشام : واسم أبي هريرة . عبد الله بن عامر ، ويقال اسمه عبد الرحمن بن صخر - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه . فقال أكثم عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله ؟ قال لا ، إنك مؤمن وهو كافر إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ________________________________________ وذكر حديث عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس وقد تقدم في نسب خزاعة وأسلم أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة وأن ربيعة بن حارثة هو أبو خزاعة من بني أبي حارثة بن عامر لا من حارثة وسيأتي ذلك . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسلم ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وهو معارض لحديث أكثم بن الجون في الظاهر إلا أن بعض أهل النسب ذكر أن عمرو بن لحي كان حارثة قد خلف على أمه بعد أن آمت من قمعة ولحي صغير . ولحي هو ربيعة ، فتبناه حارثة وانتسب إليه فيكون النسب صحيحا بالوجهين جميعا : إلى حارثة بالتبني ، وإلى قمعة بالولادة وكذلك أسلم بن أفصى بن حارثة فإنه أخو خزاعة ، والقول فيه كالقول في خزاعة ، وقيل في أسلم بن أفصى : إنهم من بني أبي حارثة بن عامر لا من بني حارثة ، فعلى هذا لا يكون في الحديث حجة لمن نسب قحطان إلى إسماعيل والله أعلم . ومن حجة من نسب خزاعة إلى قمعة مع الحديث المذكور في ذلك قول المعطل [ الهذلي ] يخاطب قوما من خزاعة : لعلكم من أسرة قمعية إذا حضروا لا يشهدون المعرفا وقوله في حديث أكثم الذي يرويه أبو هريرة . اسم أبي هريرة عبد الله بن عمرو ، وقيل عبد الرحمن بن صخر وقيل هو الذي ذكره ابن هشام . وقال البخاري اسمه عبد شمس بن عبد نهم وقيل اسمه عبد غنم ويحتمل أن يكون هذا اسمه في الجاهلية فبدله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما بدل كثيرا من الأسماء وقد قيل اسمه يزيد بن عشرقة وقيل كردوس وقيل سكين . قاله النفسوي ، [ لعله البغوي أو النفوسي ] وقيل غير هذا . وكناه أبا هريرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهرة رآها معه وقد ذكر أن الهرة كانت وحشية . وأما أكثم الذي ذكره فقد صرح في حديثه بنسب عمرو والد خزاعة ، وذكره لقوة الشبه بين أكثم وبينه يدل على أنه نسب ولادة - كما تقدم ولا سيما على رواية الزبير فإن فيها أنه قال رأيت عمرو بن لحي والد خزاعة يجر قصبه في النار وقوله لأكثم إنك مؤمن وهو كافر قد روى الحديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه المقالة في حديث الدجال لعبد العزى بن س ، وأن عبد العزى قال أيضرني شبهي به يا رسول الله ؟ يعني : الدجال فقال كما قال لأكثم إنك مؤمن وهو كافر وأحسب هذا وهما في الحديث والله أعلم كما ذكره البخاري عن الزهري . قال ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان . أحدهما خير الرفقاء أربعة وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام . والآخر اغز مع غير قومك ، تحسن خلقك ، قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى ، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك ، وذكر الروايتين أبو عمر رحمه الله . قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان . أحدهما خير الرفقاء أربعة وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام . والآخر اغز مع غير قومك ، تحسن خلقك قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى ، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك ، وذكر الروايتين أبو عمر رحمه الله . وذكر في الحديث عمرو بن لحي ، وأنه أول من بحر البحيرة وقد روي أيضا أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته في النار يخبطانه بأخفافهما ، ويعضانه بأفواههما وقال عليه السلام قد عرفت أول من سيب السائبة ونصب النصب . عمرو بن لحي رأيته يؤذي أهل النار بريح قصبه رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا ، ولم يقع في رواية البكائي عنه . أول ما كانت عبادة الحجارة قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق . ويقال : عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما ، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة ، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه . قال ابن إسحاق : ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها : من تعظيم البيت ، والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة ، وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه . فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا : " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك " . فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده . يقول الله تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ يوسف 106 ] أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي . ________________________________________ أصل عبادة الأوثان يقال لكل صنم من حجر أو غيره صنم ولا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كالنحاس ونحوه وكان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت ، ونفت جرهم عن مكة ، قد جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى [ قيل ] إنه اللاتي الذي ، يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى : صخرة اللاتي ، ويقال إن الذي يلت كان من ثقيف ، فلما مات قال لهم عمرو : إنه لم يمت ولكن دخل في الصخرة ثم أمرهم بعبادتها ، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى : اللاتي ، ويقال دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة فلما هلك سميت تلك الصخرة اللاتي مخففة التاء واتخذ صنما يعبد وقد ذكر ابن إسحاق ، أنه أول من أدخل الأصنام الحرم ، وحمل الناس على عبادتها ، وسيأتي ذكر إساف ونائلة وما كان منه في أمرهما . وذكر أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة أن عمرو بن لحي فقأ أعين عشرين بعيرا ، وكانوا يفقئون عين الفحل إذا بلغت الإبل ألفا ، فإذا بلغت ألفين فقئوا العين الأخرى قال الراجز وكان شكر القوم عند المنن كي الصحيحات وفقأ الأعين وكانت التلبية من عهد إبراهيم : لبيك لا شريك لك لبيك حتى كان عمرو بن لحي ، فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه فقال عمرو : لبيك لا شريك لك ، فقال الشيخ إلا شريكا هو لك ، فأنكر ذلك عمرو ، وقال ما هذا ؟ فقال الشيخ قل تملكه وما ملك فإنه لا بأس بهذا ، فقالها عمرو ، فدانت بها العرب . أصنام قوم نوح وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها ، قص الله - تبارك وتعالى - خبرها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا [ نوح 22 23 ] ________________________________________ وذكر ابن إسحاق ما كان في قوم نوح ومن قبلهم من عبادة الأصنام وتلك هي الجاهلية الأولى التي ذكر الله في القرآن في قوله ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [ الأحزاب : 33 ] وكان بدء ذلك في عهد مهلايل بن قينان فيما ذكروا ، وقد ذكر البخاري عن ابن عباس قال صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهي أسماء قوم صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسونها أنصابا ، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسخ العلم عبدت وذكر الطبري هذا المعنى وزاد أن سواعا كان ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع وكذلك يعوق ونسر كلما هلك الأول صورت صورته وعظمت لموضعه من الدين ولما عهدوا في دعائه من الإجابة فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف وقالوا : ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها ترزق وتنفع وتضر ، واتخذوها آلهة وهذه أسماء سريانية وقعت إلى الهند ، فسموا بها أصنامهم التي زعموا أنها صور الدراري السبعة وربما كلمتهم الجن من جوفها ففتنتهم ثم أدخلها إلى العرب عمرو بن لحي كما ذكر أو غيره وعلمهم تلك الأسماء وألقاها الشيطان على ألسنتهم موافقة لما كانوا في عهد نوح . أصنام القبائل العربية فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، اتخذوا سواعا ، فكان لهم برهاط . وكلب بن وبرة من قضاعة ، اتخذوا ودا بدومة الجندل . قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك الأنصاري وننسى اللات والعزى وودا ونسلبها القلائد والشنوفا قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله . قال ابن هشام : وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . قال ابن إسحاق : وأنعم من طيئ ، وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش . قال ابن هشام : ويقال أنعم . وطيئ بن أدد بن مالك ومالك مذحج بن أدد ويقال طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ . قال ابن إسحاق : وخيوان بطن من همدان ، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن . قال ابن هشام : وقال مالك بن نمط الهمداني : يريش الله في الدنيا ويبري ولا يبري يعوق ولا يريش وهذا البيت في أبيات له قال ابن هشام : اسم همدان : أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخيار . ويقال همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . قال ابن إسحاق : وذو الكلاع من حمير ، اتخذوا نسرا بأرض حمير . وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خولان ، يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله بزعمهم فما دخل في حق عميانس من حق الله تعالى الذي سموه له تركوه له وما دخل في حق الله تعالى من حق عميانس ردوه عليه وهم بطن من خولان ، يقال لهم الأديم وفيهم أنزل الله - تبارك وتعالى - فيما يذكرون وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون [ الأنعام 136 ] . قال ابن هشام : خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، ويقال خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال خولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج . قال ابن إسحاق : وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر صنم يقال له سعد صخرة بفلاة من أرضهم طويلة فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته - فيما يزعم - فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه وغضب ربها الملكاني ، فأخذ حجرا فرماه به ثم قال لا بارك الله فيك ، نفرت علي إبلي ، ثم خرج في طلبها حتى جمعها ، فلما اجتمعت له قال أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لا تدعو لغي ولا رشد وكان في دوس صنم لعمرو بن حممة الدوسي . قال ابن هشام : سأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله . ودوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث . ويقال : دوس بن عبد الله بن زهران بن الأسد بن الغوث . ________________________________________ وذكر ابن إسحاق أن كلب بن وبرة من قضاعة . وبرة بسكون الباء تقيد في نسخة الشيخ وهي الأنثى من الوبر اتخذوا ودا في دومة الجندل ، ودومة هذه - بضم الدال ذكروا أنها سميت بدومى بني إسماعيل كان نزلها ، ودومة أخرى بضم الدال عند الكوفة ، ودومة - بفتح الدال - أخرى مذكورة في أخبار الردة كذا وجدته للبكري [ في معجم ما استعجم ] مقيدا في أسماء هذه المواضع . وذكر طيئ بن أدد أو ابن مالك بن أدد على الخلاف ومالك هو مذحج ، وسموا مذحجا بأكمة نزلوا إليها . [ وطي ] من الطاءة وهي بعد الذهاب في الأرض . قاله ابن جني ، ولم يرض قول القتبي إنه أول من طوى المناهل لأن طيئا مهموز وطويت غير مهموز . وذكر جرش في مذحج . والمعروف أنهم في حمير ، وأن مذحج من كهلان بن سبأ ، ويقال إن الملك كان لكهلان بعد حمير ، وأن ملكه دام ثلاثمائة سنة ثم عاد في بني حمير ، قاله المسعودي . وذكر الدارقطني أن جرش وحرش بالحاء أخوان وأنهما ابنا عليم بن جناب الكلبي ، فهما قبيلان من كلب - والله أعلم . وذكر مالك بن نمط الهمداني [ الخارفي ] ، وهو أبو ثور يلقب ذا المشعار وهو من بني خارف ، وقد قيل . إنه من يام بن أصي ، وكلاهما من همدان وقوله يريش الله في الدنيا ويبري هو من رشت السهم وبريته ، استعير في النفع والضر . قال سويد : فرشني طالما قد بريتني وخير الموالي من يريش ولا يبري وذكر حديث الملكاني وقوله فشتتنا سعد فلا نحن من سعد ويمتنع في العربية دخول لا على الابتداء المعرفة والخبر إلا مع تكرار لا ، مثل أن تقول لا زيد في الدار ولا عمرو ، وذكر سيبويه قولهم لا نولك أن تفعل وقال إنما جاز هذا ; لأن معناه معنى الفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل وكذلك ينبغي أن يقال في بيت الملكاني أي لم يقلها على جهة الخبر ، ولكن على قصد التبري منه فكان معنى الكلام فلا نتولى سعدا ، ولا ندين به فهذا المعنى حسن دخول لا على الابتداء كما حسن لا نولك . وقوله إلا صخرة بتنوفة . التنوفة القفر وجمعها : تنائف بالهمز ووزنها : فعولة ولو كانت تفعلة من النوف وهو الارتفاع لجمعت تناوف ولكنه لا يجوز أن تكون تفعلة إلا أن تحرك الواو بالضم لئلا يشبه بناء الفعل ولو قيل فيها : تنوفة بضم التاء لاحتمل حينئذ أن تكون فعولة أو تفعلة على مثال تنفلة إذ ليس في الأفعال تفعل بالضم وهذا من دقيق علم التصريف . وأما ملكان بن كنانة فبكسر الميم . قال أبو جعفر بن حبيب النسابة كل شيء في العرب فهو ملكان بكسر الميم ساكن اللام غير ملكان في قضاعة ، وملكان في السكون ، فإنهما بفتح الميم واللام فملكان قضاعة هو ابن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وملكان السكون هو ابن عباد بن عياض بن عقبة بن السكون بن أشرس من كندة ، وكذلك قال الهمداني في ملكان بن جرم ، وقال مثل غطفان ، وقال ابن حبيب مشايخ خزاعة يقولون ملكان بفتح اللام قال أبو الوليد يعني ابن حبيب ملكان بن أفصى بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وذكر أبو علي القالي في أماليه عن أبي بكر بن الأنباري عن أبيه عن أشياخه أن كل ملكان في العرب فهو ملكان بكسر الميم إلا ملكان في جرم بن زبان . قال المؤلف وابن حبيب النسابة مصروف اسم أبيه ورأيت لابن المغربي قال إنما هو ابن حبيب بفتح الباء غير مجرى ، لأنها أمه وأنكر ذلك عليه غيره وقالوا : هو حبيب بن المحبر معروف غير منكر وإنما ذكرناه هاهنا لما حكينا قوله في ملكان . هبل وإساف ونائلة قال ابن إسحاق وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل . قال ابن هشام : سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه . قال ابن إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما ، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة ، فمسخهما الله حجرين . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت سمعت عائشة - رضي الله عنها - تقول ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم ، أحدثا في الكعبة ، فمسخهما الله تعالى حجرين والله أعلم . قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق : واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره وإذا قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد قالت قريش : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ ص : 5 ] وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ; لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده . العزى واللات ومناة فكانت لقريش وبني كنانة : العزى بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم ، حلفاء بني هاشم . قال ابن هشام : حلفاء بني أبي طالب خاصة وسليم سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان . قال ابن إسحاق : فقال شاعر من العرب: لقد أنكحت أسماء رأس بقيرة من الأدم أهداها امرئ من بني غنم رأى قدعا في عينها إذ يسوقها إلى غبغب العزى فوسع في القسم وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه في من حضرهم . والغبغب المنحر ومهراق الدماء . قال ابن هشام : وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي واسمه خويلد بن مرة في أبيات له . والسدنة الذين يقومون بأمر الكعبة . قال رؤبة بن العجاج : فلا ورب الآمنات القطن [ يعمرن أمنا بالحرام المأمن ] بمحبس الهدي وبيت المسدن وهذان البيتان في أرجوزة له وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه . قال ابن إسحاق : وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان سدنتها وحجابها بنو معتب من ثقيف . قال ابن هشام : وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه . قال ابن إسحاق : وكانت مناة للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد . قال ابن هشام : وقال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة . وقد آلت قبائل لا تولي مناة ظهورها متحرفينا وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن هشام : فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها ، ويقال علي بن أبي طالب . ________________________________________ فصل وذكر إسافا ونائلة وأنهما رجل وامرأة من جرهم ، وأن إسافا وقع عليها في الكعبة فمسخا ، وأخرجه رزين في فضائل مكة عن بعض السلف ما أمهلهما الله إلى أن يفجرا فيها ، ولكنه قبلها ، فمسخا حجرين فأخرجا إلى الصفا والمروة ، فنصبا عليهما ، ليكونا عبرة وموعظة فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة ، ونصبهما على زمزم ، فطاف الناس بالكعبة وبهما ، حتى عبدا من دون الله . وأما هبل فإن عمرو بن لحي جاء به من هيت ، وهي من أرض الجزيرة حتى وضعه في الكعبة . وذكر الواقدي أن نائلة حين كسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرجت منها سوداء شمطاء تخمش وجهها ، وتنادي بالويل والثبور وذكر باقي الحديث . وقول عائشة أحدثا في الكعبة أرادت الحدث الذي هو الفجور كما قال - عليه السلام - من أحدث [ فيها ] حدثا ، أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله [ والملائكة والناس أجمعين ]

وقال عمر حين كانت الزلزلة بالمدينة : أحدثتم . والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم  

وقول أبي طالب من إساف ونائل وهو ترخيم في غير النداء للضرورة كما قال أمال بن حنظل . وذكر قول الشاعر رأى قدعا في عينها والقدع ضعف البصر من إدمان النظر وقوله في الغبغب وهو المنحر ومراق الدم كانه سمي بحكاية صوت الدم عند انبعاثه ويجوز أن يكون مقلوبا من قولهم بئر بغبغ وبغيبغ إذا كانت كثيرة الماء . قال الراجز بغيبغ قصيرة الرشاء . ومنه قيل لعين أبي نيزر البغيبغة . ومعنى هذا البيت الذم وتشبيه هذا المهجو برأس بقرة قد قربت أن يذهب بصرها ، فلا تصلح إلا للذبح والقسم . وذكر فلسا في بلاد طيئ بين أجأ وسلمى . ويذكر عن ابن الكلبي أو غيره أن أجأ اسم رجل بعينه وهو أجأ بن عبد الحي وكان فجر بسلمى بنت حام ، أو اتهم بذلك فصلبا في ذينك الجبلين وعندهما جبل يقال له العوجاء ، وكانت العوجاء حاضنة سلمى - فيما ذكر - وكانت السفير بينها وبين أجأ ، فصلبت في الجبل الثالث فسمي بها . ذو الخلصة وفلس ورضاء وذو الكعبات قال ابن إسحاق : وكان ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة ، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة . قال ابن هشام : ويقال : ذو الخلصة . قال رجل من العرب : لو كنت يا ذا الخلص الموتورا مثلي وكان شيخك المقبورا لم تنه عن قتل العداة زورا قال وكان أبوه قتل فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات . ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي ، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي ، فهدمه . قال ابن إسحاق : وكانت فلس لطيئ ومن يليها بجبلي طيئ يعني سلمى وأجأ . قال ابن هشام : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليها علي بن أبي طالب فهدمها ، فوجد فيها سيفين يقال لأحدهما : الرسوب ، وللآخر المخذم . فأتى بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبهما له فهما سيفا علي رضي الله عنه . قال ابن إسحاق : وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له رئام . قال ابن هشام : قد ذكرت حديثه فيما مضى . ________________________________________ وذكر ذا الخلصة وهو بيت دوس . والخلص في اللغة نبات طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب . وجمع الخلصة خلص . وأن الذي استقسم بالأزلام هو امرؤ القيس بن حجر . ووقع في كتاب أبي الفرج أن امرأ القيس بن حجر حين وترته بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام وهي الزاجر والآمر والمتربص فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له اعضض ببظر أمك ، وقال الرجز الذي ذكره ابن إسحاق : لو كنت يا ذا الخلص الموتورا . إلى آخره ولم يستقسم أحد عند ذي الخلصة بعد حتى جاء الإسلام وموضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها : العبلات من أرض خثعم . ذكره المبرد عن أبي عبيدة . واسم امرئ القيس حندج والحندج بقلة تنبت في الرمل . والقيس الشدة والنجدة . قال الشاعر وأنت على الأعداء قيس ونجدة وأنت على الأدنى هشام ونوفل والنسب إليه مرقسي ، وإلى كل امرئ القيس سواه امرئي . وقد قيل إن حندجا اسم امرئ القيس بن عابس وله صحبة وهو كندي مثل الأول فوقع الغلط من ههنا . وقوله لم تنه عن قتل العداة زورا . نصب : زورا على الحال من المصدر الذي هو النهي . أراد نهيا زورا . وانتصاب المصدر على هذه الصورة إنما هو حال أو مفعول مطلق فإذا حذفت المصدر وأقمت الصفة مقامه لم تكن إلا حالا ، والدليل على ذلك أنك تقول ساروا شديدا ، وساروا رويدا ، فإن رددته إلى ما لم يسم فاعله لم يجز رفعه لأنه حال ولو لفظت بالمصدر فقلت : ساروا سيرا رويدا لجاز أن تقول فيما لم يسم فاعله سير عليه سير رويد هذا كله معنى قول سيبويه ، فدل على أن حكمه إذا لفظ به غير حكمه إذا حذف والسر في ذلك أن الصفة لا تقوم مقام المفعول إذا حذف . لا تقول كلمت شديدا ، ولا ضربت طويلا ، يقبح ذلك إذا كانت الصفة عامة والحال ليست كذلك لأنها تجري مجرى الظرف وإن كانت صفة فموصوفها معها ، وهو الاسم الذي هي حال له ومن هذا الباب قوله تعالى : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا [ المؤمنون 115 ] . وذكر بعث جرير البجلي إلى هدم ذي الخلصة وذلك قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهرين أو نحوهما ، قال جرير بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائة وخمسين راكبا من أحمس إلى الخلصة فقلت : يا رسول الله إني لا أثبت على الخيل فدعا لي ، وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا وفي كتاب مسلم في هذا الحديث " وكان يقال له الكعبة اليمانية والشآمية " ، وهذا مشكل ومعناه كان يقال الكعبة اليمانية والشآمية يعنون بالشآمية البيت الحرام ، فزيادة له سهو وبإسقاطه يصح المعنى . قاله بعض المحدثين والحديث في جامع البخاري بزيادة له كما في صحيح مسلم ، وليس هذا عندي بسهو وإنما معناه كان يقال له أي يقال من أجله الكعبة الشآمية للكعبة وهو الكعبة اليمانية ، وله بمعنى من أجله لا تنكر كما قال ابن أبي ربيعة : وقمير من آخر الليل قد لا ح له قالت الفتاتان قوما وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول ابن إسحاق ، وبفتحهما في قول ابن هشام ، هو صنم سيعبد في آخر الزمان ثبت في الحديث أنه لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلصة رضاء والمستوغر قال ابن إسحاق : وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام ولقد شددت على رضاء شدة فتركتها قفرا بقاع أسحما قال ابن هشام : قوله فتركتها قفرا بقاع أسحما عن رجل من بني سعد . ويقال إن المستوغر عمر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وكان أطول مضر كلها عمرا ، وهو الذي يقول ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينا مائة حدتها بعدها مئتان لي وازددت من عدد الشهور سنينا هل ما بقي إلا كما قد فاتنا يوم يمر ، وليلة تحدونا وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي . قال ابن إسحاق : وكان ذو الكعباتلبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة بين الخورنق والسدير وبارق والبيت ذي الكعبات من سنداد قال ابن هشام : وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم في قصيدة له وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر : أهل الخورنق والسدير وبارق والبيت ذي الشرفات من سنداد ________________________________________ فصل وذكر المستوغر بن ربيعة ، واسمه كعب . قال ابن دريد سمي مستوغرا بقوله ينش الماء في الربلات منه نشيش الرضف في اللبن الوغير والوغير فعيل من وغرة الحر وهي شدته وذكر القتبي أن المستوغر حضر سوق عكاظ ، ومعه ابن ابنه وقد هرم والجد يقوده فقال له رجل ارفق بهذا الشيخ فقد طال ما رفق بك ، فقال ومن تراه ؟ فقال هو أبوك أو جدك ، فقال ما هو إلا ابن ابني فقال ما رأيت كاليوم ولا المستوغر بن ربيعة فقال أنا المستوغر . والأبيات التي أنشدها له ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينا إلى آخره . ذكر أنها تروى لزهير بن جناب الكلبي وهو زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن غذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة . وزهير هذا من المعمرين وهو الذي يقول أبني إن أهلك فإني قد بنيت لكم بنيه وتركتكم أولاد سادا ت زنادهم وريه من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحيه يريد بالتحية البقاء وقيل الملك وأعقب هو وإخوته قبائل في كلب وهم زهير وعدي وحارثة ومالك ويعرف مالك هذا بالأصم لقوله أصم عن الخنا إن قيل يوما وفي غير الخنا ألفى سميعا وأخوه حارثة بن جناب وعليم بن جناب ومن بني عليم بنو زيد غير مصروف . عرفوا بأمهم زيد بنت مالك وهم بنو كعب بن عليم منهم الرباب بنت امرئ القيس امرأة الحسين بن علي وفيها يقول أحب لحبها زيدا جميعا ونثلة كلها ، وبني الرباب وأخرى لأنها من آل لأم أحبهم وطر بني جناب فمن المعمرين من العرب سوى المستوغر مما زادوا على المائتين والثلاثمائة : زهير هذا ، وعبيد بن شرية ودغفل بن حنظلة النسابة والربيع بن ضبع الفزاري ، وذو الإصبع [ حرثان بن محرث ] العدواني ، ونصر بن دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان ، وكان قد اسود رأسه بعد ابيضاضه وتقوم ظهره بعد انحنائه وفيه يقول القائل لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ولكنه من بعد ذلك قد ماتا وأمره عند العرب من أعجب العجب ومن أطول المعمرين عمرا : ذويد واسمه زيد بن نهد من قضاعة ، وأبوه نهد إليه ينسب الحي المعروفون من قضاعة : بنو نهد بن زيد عاش ذويد أربعمائة عام - فيما ذكروا - وكان له آثار في العرب ، ووقائع وغارات فلما جاء الموت قال اليوم يبنى لذويد بيته ومغنم يوم الوغى حويته ومعصم موشم لويته لو كان للدهر بلى أبليته أو كان قرني واحدا كفيته وقول المستوغر : ولقد شددت على رضاء شدة فتركتها قفرا بقاع أسحما يريد تركتها سحماء من آثار النار وبعده وأعان عبد الله في مكروهها وبمثل عبد الله أغشى المحرما ذكر ذا الكعبات بيت وائل وأنشد للأسود بن يعفر أرض الخورنق والسدير ودارم والبيت ذي الشرفات من سنداد والخورنق : قصر بناه النعمان الأكبر ملك الحيرة لسابور ليكون ولده فيه عنده وبناه بنيانا عجميا لم تر العرب مثله واسم الذي بناه له سنمار وهو الذي ردي من أعلاه حتى قالت العرب : جزاني جزاء سنمار وذلك أنه لما تم الخورنق ، وعجب الناس من حسنه قال سنمار أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع الشمس حيث دارت فقال له الملك أإنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا ؟ وغارت نفسه أن يبتنى لغيره مثله وأمر به فطرح من أعلاه وكان بناه في عشرين سنة قال الشاعر [ عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي ] : جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء سنمار وما كان ذا ذنب سوى رصه البنيان عشرين حجة يعلى عليه بالقرامد والسكب فلما انتهى البنيان يوما تمامه وآض كمثل الطود والباذخ الصعب وظن سنمار به كل حبوة وفاز لديه بالمودة والقرب رمى بسنمار على حاق رأسه وذاك لعمر الله من أقبح الخطب ذكر هذا الشعر الجاحظ في كتاب الحيوان والسنمار من أسماء القمر وأول شعر الأسود ذهب الرقاد فما أحس رقادي . وفيها يقول ولقد عمرت وإن تطاول في المدى إن السبيل سبيل ذي الأعواد قيل يريد بالأعواد النعش وقيل أراد عامر بن الظرب الذي قرعت له العصا بالعود من الهرم والخرف وفيها يقول ماذا أؤمل بعد آل محرق تركوا منازلهم وبعد إياد نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد أرض الخورنق والسدير وبارق والبيت ذي الكعبات من سنداد جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد وأرى النعيم وكل ما يلهى به يوما يصير إلى بلى ونفاد ومعنى السدير بالفارسية بيت الملك . يقولون له " سهدلي " أي له ثلاث شعب وقال البكري : سمي السدير ; لأن الأعراب كانوا يرفعون أبصارهم إليه فتسدر من علوه يقال سدر بصره إذا تحير . أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي قال ابن إسحاق : فأما البحيرة فهي بنت السائبة والسائبة الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ، ثم خلي سبيلها مع أمها ، فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة . والوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة . قالوا : قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم . قال ابن هشام : ويروى : فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم . قال ابن إسحاق : والحامي : الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في إبله يضرب فيها ، لا ينتفع منه بغير ذلك . قال ابن هشام : وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي ، فإنه عندهم على ما قال ابن إسحاق . فالبحيرة عندهم الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها ، ولا يجز وبرها ، ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو يتصدق به وتهمل لآلهتهم . والسائبة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمرا يطلبه . فإذا كان أساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم فسابت فرعت لا ينتفع بها . والوصيلة التي تلد أمها اثنين في كل بطن فيجعل صاحبها لآلهته الإناث منها ، ولنفسه الذكور منها : فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن فيقولون وصلت أخاها ، فيسيب أخوها معها ، فلا ينتفع به . قال ابن هشام : حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره . روى بعض ما لم يرو بعض . قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون [ المائدة 103 ] . وأنزل الله تعالى : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم [ الأنعام 139 ] . وأنزل عليه قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ يونس 59 ] . وأنزل عليه ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ الأنعام 142 - 144 ] . قال ابن هشام : قال الشاعر حول الوصائل في شريف حقة والحاميات ظهورها والسيب وقال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة فيه من الأخرج المرباع قرقرة هدر الديافي وسط الهجمة البحر وهذا البيت في قصيدة له . وجمع بحيرة بحائر وبحر . وجمع وصيلة وصائل ووصل . وجمع سائبة الأكثر سوائب وسيب وجمع حام الأكثر حوام . ________________________________________ البحيرة والسائبة فصل وذكر البحيرة والسائبة وفسر ذلك وفسره ابن هشام بتفسير آخر . وللمفسرين في تفسيرهما أقوال منها : ما يقرب ومنها ما يبعد من قولهما ، وحسبك منها ما وقع في الكتاب لأنها أمور كانت في الجاهلية قد أبطلها الإسلام فلا تمس الحاجة إلى علمها . وذكر ما أنزل الله في ذلك منها قوله تعالى : خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا [ الأنعام 139 ] وفيه من الفقه الزجر عن التشبه بهم في تخصيصهم الذكور دون الإناث بالهبات . روت عمرة عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يعمد أحدكم إلى المال فيجعله عند ذكور ولده . إن هذا إلا كما قال الله تعالى : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا رواه البخاري في التاريخ من حديث سليمان بن حجاج . وأنشد في البحيرة فيه من الأخرج المرباع قرقرة هدر الديافي وسط الهجمة البحر هكذا الرواية المرباع بالباء من الربيع والمرباع هو الفحل الذي يبكر بالإلقاح ويقال للناقة أيضا : مرباع إذا بكرت بالنتاج وللروضة إذا بكرت بالنبات . يصف في هذا البيت حمار وحش يقول فيه من الأخرج وهو الظليم الذي فيه بياض وسواد أي فيه منه قرقرة أي صوت وهدر مثل هدر الديافي أي الفحل المنسوب إلى دياف بلد بالشام والهجمة من الإبل دون المائة وجعلها بحرا لأنها تأمن من الغارات يصفها بالمنعة والحماية كما تأمن من البحيرة من أن تذبح أو تنحر ورأيت في شعر ابن مقبل من الأخرج المرياع بالياء أخت الواو وفسره في الشرح من راع يريع إذا أسرع الإجابة كما قال طرفة " تريع إلى صوت المهيب وتتقي " . والنفس إلى الرواية الأولى أسكن وحكي عن ابن قتيبة أنه قال في البحر هي الغزيرات اللبن لا جمع بحيرة كأنها : جمع بحور عنده فظن هذا يذهب المعنى الذي ذكرنا من أمنها ومنعتها ; إذ ليس هذا المعنى في الغزيرات اللبن لكنه أظهر في العربية لأن بحيرة فعيلة وفعيلة لا تجمع على فعل إلا أن تشبه بسفينة وسفن وخريدة وخرد وهو قليل . وقيل البيت في وصف روض بعازب النبت يرتاح الفؤاد له رأد النهار لأصوات من النغر وبعد البيت الواقع في السيرة والأزرق الأخضر السربال منتصب قيد العصا فوق ذيال من الزهر يعني بالأزرق ذباب الروض وكذلك النغر . وقوله في البيت الآخر حول الوصائل جمع حائل ، ويقال في جمعها أيضا : حولل ومثله عائط وعوطط على غير قياس . والشريف اسم موضع . عدنا إلى سياقة النسب نسب خزاعة قال ابن إسحاق : وخزاعة تقول نحن بنو عمرو بن عامر من اليمن . قال ابن هشام : وتقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ، وخندف أمها ، فيما حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم . ويقال خزاعة : بنو حارثة بن عمرو بن عامر . وإنما سميت خزاعة ، لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر ، حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران ، فأقاموا بها . قال عون بن أيوب الأنصاري أحد بني عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة من الخزرج في الإسلام فلما هبطنا بطن مر تخزعت خزاعة منا في خيول كراكر حمت كل واد من تهامة واحتمت بصم الفنا والمرهفات البواتر وهذان البيتان في قصيدة له . وقال أبو المطهر إسماعيل بن رافع الأنصاري ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : فلما هبطنا بطن مكة أحمدت خزاعة دار الآكل المتحامل فحلت أكاريسا ، وشتت قنابلا على كل حي بين نجد وساحل نفوا جرهما عن بطن مكة واحتبوا بعز خزاعي شديد الكواهل قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له وأنا إن شاء الله أذكر نفيها جرهما في موضعه . ________________________________________ نسب خزاعة وقوله في نسب خزاعة : تقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن عامر إلى آخر النسب وقد تقدم أن عمرا يقال له مزيقياء . وأما عامر فهو ماء السماء سمي بذلك لجوده وقيامه عندهم مقام الغيث . وحارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة وهو الغطريف . بطن مر وقول عون فلما هبطنا بطن مر . يريد مر الظهران ، وسمي مرا لأن في عرق من الوادي من غير لون الأرض شبه الميم الممدودة وبعدها را خلقت كذلك ويذكر عن كثير أنه قال سميت مرا لمرارتها ، ولا أدري ما صحة هذا . فلما هبطنا بطن مر البيتين وبعدهما : خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة وأنصارنا جند النبي المهاجر وسرنا إلى أن قد نزلنا بيثرب بلا وهن منا وغير تشاجر وسارت لنا سيارة ذات منظر بكوم المطايا والخيول الجماهر يؤمون أهل الشام حين تمكنوا ملوكا بأرض الشام فوق البرابر أولاك بنو ماء السماء توارثوا دمشقا بملك كابرا بعد كابر الحلول جمع : حال والكراديس جمع : كردوس الخيل . دمشق وقوله دمشقا ، سميت مدينة الشام باسم الرجل الذي هاجر إليها مع إبراهيم وهو دامشق بن النمروذ بن كنعان أبوه الملك الكافر عدو إبراهيم وكان ابنه دامشق قد آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى الشام . كذلك ذكر بعض النساب وذكره البكري في كتاب المعجم . والدمشق في اللغة الناقة المسنة - فيما ذكر بعضهم - وكان يقال لدمشق أيضا : جيرون سميت باسم الذي بناها ، وهو جيرون بن سعد [ بن عاد ] ، وفيها يقول أبو دهبل [ الجمحي ] : صاح حيا الإله حيا ودارا عند شرق القناة من جيرون أولاد مدركة وخزيمة وكنانة والنضر قال ابن إسحاق : فولد مدركة بن إلياس رجلين خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة ، وأمهما : امرأة من قضاعة [ قيل سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار - كما في نسب قريش ] . فولد خزيمة بن مدركة أربعة نفر كنانة بن خزيمة ، وأسد بن خزيمة ، وأسدة بن خزيمة ، والهون بن خزيمة ، فأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر . قال ابن هشام : ويقال الهون بن خزيمة . قال ابن إسحاق : فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة ، ومالك بن كنانة ، وعبد مناة بن كنانة وملكان بن كنانة فأم النضر برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، وسائر بنيه لامرأة أخرى . قال ابن هشام : أم النضر ومالك وملكان . برة بنت مر وأم عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أزد شنوءة . وشنوءة عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ، وإنما سموا شنوءة لشنآن كان بينهم . والشنآن البغض . قال ابن هشام : النضر قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي . قال جرير بن عطية أحد بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان : فما الأم التي ولدت قريشا بمقرفة النجار ولا عقيم وما قرم بأنجب من أبيكم وما خال بأكرم من تميم يعني : برة بنت مر أخت تميم بن مر ، أم النضر . وهذان البيتان في قصيدة له . ويقال فهر بن مالك : قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي وإنما سميت قريش قريشا من التقرش والتقرش التجارة والاكتساب . قال رؤبة بن العجاج : قد كان يغنيهم عن الشغوش والخشل من تساقط القروش شحم ومحض ليس بالمغشوش قال ابن هشام : والشغوش قمح يسمى : الشغوش . والخشل رءوس الخلاخيل والأسورة ونحوه . والقروش التجارة والاكتساب يقول قد كان يغنيهم عن هذا شحم ومحض والمحض اللبن الحليب الخالص . وهذه الأبيات في أرجوزة له . وقال أبو جلدة اليشكري ، ويشكر بن بكر بن وائل : إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من عمرنا وقديم وهذا البيت في أبيات له . قال ابن إسحاق : ويقال إنما سميت قريش : قريشا لتجمعها من بعد تفرقها . ويقال للتجمع التقرش . فولد النضر بن كنانة رجلين مالك بن النضر ، ويخلد بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ولا أدري أهي أم يخلد أم لا . قال ابن هشام : والصلت بن النضر - فيما قال أبو عمرو المدني - وأمهم جميعا : بنت سعد بن ظرب العدواني . وعدوان : بن عمر بن قيس بن عيلان . قال كثير بن عبد الرحمن - وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو ، من خزاعة : أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي لكل هجان من بني النضر أزهرا رأيت ثياب العصب مختلط السدى بنا وبهم والحضرمي المخصرا [ إذا ما قطعنا من قريش قرابة بأي نجاد يحمل السيف ميسرا ] فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا أراكا بأذناب الفوائج أخضرا وهذه الأبيات في قصيدة له . والذين يعزون إلى الصلت بن النضر من خزاعة : بنو مليح بن عمرو ، رهط كثير عزة . ________________________________________ بنو كنانة وذكر بني كنانة الأربعة مالكا وملكان والنضر وعبد مناة . وزاد الطبري في ولد كنانة عامرا والحارث والنضير وغنما وسعدا وعوفا وجرول والحدال وغزوان . كلهم بنو كنانة . قريش فصل وذكر النضر بن كنانة ، وقول من قال إنه قريش ، والقول الآخر في أن فهرا هو قريش ، وقد قيل إن فهرا لقب واسمه الذي سمي به قريش . وأما يخلد بن النضر فذكر أبو عبد الله الزبير بن بكار في أنساب قريش له قال قال عمي : وأما بنو يخلد بن النضر فذكر [ وا ] في بني عمرو بن الحارث بن ملك بن كنانة ومنهم قريش بن بدر بن يخلد بن النضر وكان دليل بني كنانة في تجاراتهم فكان يقال قدمت عير قريش ، فسميت قريش به وأبوه بدر بن يخلد صاحب بدر الموضع الذي لقي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا . وقال عن غير عمه قريش بن الحارث بن يخلد وابنه بدر الذي سميت به بدر وهو احتفرها . قال وقد قالوا : اسم فهر بن مالك : قريش ، ومن لم يلده فهر ، فليس من قريش ، وذكر عن عمه أن فهرا هو قريش . وقال أبو عبد الله حدثني عمرو بن أبي بكر المؤملي عن جدي عبد الله بن مصعب - رحمه الله - أنه سمعه يقول اسم فهر بن مالك : قريش ، وإنما فهر لقب وكذلك حدثه المؤملي عن عثمان بن أبي سليمان في اسم فهر بن مالك : أنه قريش ، ومثل ذلك ذكر عن المؤملي عن أبي عبيدة بن عبد الله في اسم فهر بن مالك : أنه قريش . قال وحدثني إبراهيم بن المنذر وقال حدثنا أبو البختري وهب بن وهب قال حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه أن اسم فهر بن مالك الذي أسمته أمه قريش ، وإنما نبزته فهرا ، كما يسمى الصبي : غزارة وشملة وأشباه ذلك قال قال وقد أجمع النساب من قريش وغيرهم أن قريشا إنما تفرقت عن فهر ، والذي عليه من أدركته من نساب قريش وغيرهم أن ولد فهر بن مالك : قريش ، وأن من جاوز فهر بن مالك بنسبه فليس من قريش . وذكر عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي فيما حدثه أبو الحسن الأثرم عنه أن النضر بن كنانة هو قريش ، وذكر عنه أنه قال في موضع آخر ولد مالك بن النضر فهرا ، وهو جماع قريش ، وقال قال محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن محمد عن الشعبي ، قال النضر بن كنانة هو قريش ، وإنما سمي قريشا ; لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجتهم فيسدها بماله والتقريش . هو التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيرفدونهم بما يبلغهم فسموا بذلك من فعلهم وقرشهم قريشا . وقد قال الحارث بن حلزة في بيان القرش أيها الناطق المقرش عنا عند عمرو ، فهل له أنفاء وحدثه أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن المثنى [ التيمي ] ، قال منتهى من وقع عليه اسم قريش : النضر بن كنانة ، فولده قريش دون سائر بني كنانة بن خزيمة بن مدركة وهو عامر بن إلياس بن مضر ، فأما من ولد كنانة سوى النضر فلا يقال لهم قريش ، وإنما سمي بنو النضر قريشا لتجمعهم لأن التقرش هو التجمع . قال وقال بعضهم التجار يتقارشون يتجرون والدليل على اضطراب هذا القول أن قريشا لم يجتمعوا حتى جمعهم قصي بن كلاب ، فلم يجمع إلا ولد فهر بن مالك لا مرية عند أحد في ذلك وبعد هذا فنحن أعلم بأمورنا ، وأرعى لمآثرنا ، وأحفظ لأسمائنا ، لم نعلم ولم ندع قريشا ، ولم نهمم إلا ولد فهر بن مالك . قال المؤلف في جميع هذا الكلام من قول الزبير وما حكاه عن النسابين نقلته من كتاب الشيخ أبي بحر - رحمه الله - ثم ألفيته في كتاب الزبير كما ذكره ورأيت لغيره أن قريشا تصغير القرش وهو حوت في البحر يأكل حيتان البحر سميت به القبيلة أو سمي به أبو القبيلة - والله أعلم - ورد الزبير على ابن إسحاق في أنها سميت قريشا لتجمعها ، وأنه لا يعرف قريش إلا في بني فهر ردا لا يلزم لأن ابن إسحاق لم يقل إنهم بنو قصي خاصة وإنما أراد أنهم سموا بهذا الاسم مذ جمعهم قصي ، وكذا قال المبرد في المقتضب إن هذه التسمية إنما وقعت لقصي - والله أعلم - غير أنا قدمنا في قول كعب بن لؤي ما يدل على أنها كانت تسمى قريشا قبل مولد قصي وهو قوله إذا قريش تبغي الحق خذلانا . وذكر قول رؤبة قد كان يغنيهم عن الشغوش . وفسره ضرب من القمح وفسر الخشل رءوس الخلاخيل . وفي حاشية الشيخ عن أبي الوليد قال إنما الخشل المقل والقروش ما تساقط من حتاته وتقشر منه وأنشد لكثير بن عبد الرحمن أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي . البيت وبعده : رأيت ثياب العصب مختلط السدى بنا وبهم والحضرمي المخصرا والعصب برود اليمن ، لأنها تصبغ بالعصب ولا ينبت العصب ولا الورس إلا باليمن وكذلك اللبان . قاله أبو حنيفة . يريد إن قدودنا من قدودهم فسدي أثوابنا ، مختلط بسدي أثوابهم . والحضرمي النعال المخصرة التي تضيق من جانبيها كأنها ناقصة الخصرين كما يقال رجل مبطن أي ضامر البطن وجاء في صفة نعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت معقبة مخصرة ملسنة مخثرمة . والمخثرمة التي لها خثرمة وهو كالتحدير في مقدمها وكانت نعله - عليه السلام - من سبت ولا يكون السبت إلا من جلد بقر مدبوغ . قاله أبو حنيفة عن الأصمعي وأبي زيد . أولاد مالك وابنه فهر قال ابن إسحاق : فولد مالك بن النضر : فهر بن مالك ، وأمه جندلة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي . قال ابن هشام : وليس بابن مضاض الأكبر . قال ابن إسحاق : فولد فهر بن مالك أربعة نفر غالب بن فهر ، ومحارب بن فهر ، والحارث بن فهر ، وأسد بن فهر ، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة . قال ابن هشام : وجندلة بنت فهر ، وهي أم يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وأمها : ليلى بنت سعد . قال جرير بن عطية بن الخطفى . واسم الخطفى : حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة . وإذا غضبت رمى ورائي بالحصى أبناء جندلة كخير الجندل وهذا البيت في قصيدة له . ________________________________________ وذكر قول جرير بن الخطفى : يرفعن بالليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا وعنقا باقي الرسيم خيطفا والخيطفة سرعة في العدو فإذا وصفت به العنق والجري قلت : عنق خيطف وإذا سميت به الرجل قلت : خطفى ، وكذلك إن جعلته اسما للمشية فهو مثل الجمزى والبشكى . غالب وزوجاته وأولاده قال ابن إسحاق فولد غالب بن فهر رجلين لؤي بن غالب ، وتيم بن غالب ، وأمهما : سلمى بنت عمرو الخزاعي - وتيم بن غالب الذين يقال لهم بنو الأدرم . قال ابن هشام : وقيس بن غالب ، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي وهي أم لؤي وتيم ابني غالب . ________________________________________ بنو الأدرم وقوله وتيم بن غالب وهم بنو الأدرم . والأدرم المدفون الكعبين من اللحم يقال امرأة درماء وكعب أدرم . قال الراجز قامت تريه خشية أن تصرما ساقا بخنداة وكعبا أدرما وكفلا مثل النقا أو أعظما والأدرم أيضا المنقوض الذقن وكان تيم بن غالب كذلك فسمي الأدرم قاله الزبير وبنو الأدرم هؤلاء هم أعراب مكة ، وهم من قريش الظواهر ، لا من قريش البطاح ، وكذلك بنو محارب من فهر ، وبنو معيص بن عامر . نسل لؤي قال ابن إسحاق : فولد لؤي بن غالب أربعة نفر كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي ، وسامة بن لؤي وعوف بن لؤي فأم كعب وعامر وسامة ماوية بنت كعب بن القين بن جسر ، من قضاعة . قال ابن هشام : ويقال والحارث بن لؤي وهم جشم بن الحارث في هزان من ربيعة . قال جرير بني جشم لستم لهزان فانتموا لأعلى الروابي من لؤي بن غالب ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ولا في شكيس بئس مثوى الغرائب وسعد بن لؤي وهم بنانة في شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، من ربيعة . وبنانة حاضنة لهم من بني القين بن جسر بن شيع الله ويقال سيع الله بن الأسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . ويقال بنت النمر بن قاسط ، من ربيعة . ويقال بنت جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . وخزيمة بن لؤي بن غالب ، وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة . وعائذة امرأة من اليمن ، وهي أم بني عبيدة بن خزيمة بن لؤي . وأم بني لؤي كلهم - إلا عامر بن لؤي : ماوية بنت كعب بن القين بن جسر . وأم عامر بن لؤي : مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر ، ويقال ليلى بنت شيبان بن محارب بن فهر . ________________________________________ ماوية امرأة لؤي وذكر بني لؤي فقال أم عامر ماوية بنت كعب بن القين . سميت بالماوية وهي المرآة كأنها نسبت إلى الماء لصفائها ، وقلبت همزة الماء واوا ، وكان القياس أن تقلب هاء فيقال : ماهية ولكن شبهوه بما الهمزة فيه منقلبة عن ياء أو واو لما كان حكم الهاء أن لا تهمز في هذا الموضع فلما شبهت بحروف المد واللين فهمزوها لذلك اطرد فيها ذلك الشبه ويحتمل اسم المرأة أن يكون من أويته ، إذا ضممته إليك ، يقال أويت مثل ضممت ، وآويته مثل آذيته ، ثم يقال في المفعول من أويته على وزن فعلت : مأوي والمرأة مأوية ثم تسهل الهمزة فتكون ألفا ساكنة . وخالفه ابن هشام في أم عامر فقال مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر ، وماوية أم سائر بنيه غير عامر . بنانة وعائذة وبنو ناجية وذبيان وسامة وذكر سعد بن لؤي وأنهم بنانة في شيبان عرفوا بحاضنة لهم اسمها : بنانة وكان بنو ضبيعة قد ادعوهم وهو ضبيعة أضجم بن ربيعة ، لا ضبيعة بن أقيش بن ثعلبة فلما كان زمن عمر قدموا عليه وفيهم سيد لهم يقال له أبو الدهماء فكلم أبو الدهماء عمر أن يلحقهم بقريش فأنكر عمر ذلك فأخبره عثمان عن أبيه عفان أنه حدثه بصحة نسبهم إلى قريش ، وسبب خروجهم عنهم فواعدهم أن يأتوه العام القابل فيلحقهم فقتل أبو الدهماء عند انصرافه وشغلوا بأمره حتى مات عمر فألحقهم عثمان بقريش فلما كان علي نفاهم عن قريش ، وردهم إلى شيبان فقال الشاعر ضرب التجيبي المضلل ضربة ردت بنانة في بني شيبانا والعائذي لمثلها متوقع لما يكن وكأنه قد كانا لخصت هذا الخبر من حديث ذكره البرقي عن ابن الكلبي والبنانة في اللغة الرائحة الطيبة . وقال أبو حنيفة البنانة الروضة المعشبة الحالية أي قد حليت بالزهر . وذكر خزيمة بن لؤي وأنهم انتسبوا في شيبان ويعرفون بأمهم عائذة قال وعائذة من اليمن ، وقال غيره هي بنت الخمس بن قحافة من خثعم ولدت لعبيد بن خزيمة مالكا وحارثا ، فهم بنو خزيمة عائذة [ قريش ] ، ومن بني خزيمة أيضا : بنو حرب بن خزيمة ، قتلتهم المسودة في قريتهم بالشام وهم يحسبونهم بني حرب بن أمية . وذكر بنت جرم بن ربان . وبنت جرم هي ناجية واسمها : ليلى ، وجرم أبو جدة الذي نزل جدة من ساحل الحجاز ، فعرفت به كما عرفت كثير من البلاد بمن نزلها من الرجال وقد تقدم طرف من ذلك وسيأتي في الكتاب كثير إن شاء الله تعالى . وربان هو علاف الذي تنسب إليه الرحال العلافية . وذكر سعد بن ذبيان وقصته مع عوف بن لؤي وذبيان بن بغيض بكسر الذال وضمها ، والكسر أفصح وهم أربعة أحياء من العرب : ذبيان بن بغيض في قيس ، وذبيان بن ثعلبة في بجيلة ، وذبيان في قضاعة ، وذبيان في الأزد . وذكر ابن دريد في كتاب اشتقاق الأسماء له أن ذبيان فعلان [ أو فعلان ] من ذبى العود يذبي [ ذبيا إذا لان واسترخى ] . يقال ذبى العود وذوى بمعنى واحد . أمر سامة قال ابن إسحاق : فأما سامة بن لؤي فخرج إلى عمان ، وكان بها . ويزعمون أن عامر بن لؤي أخرجه وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج إلى عمان . فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها ، فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها ، ثم نهشت سامة فقتلته . فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون عين فابكي لسامة بن لؤي علقت ما بسامة العلاقه لا أرى مثل سامة بن لؤي يوم حلوا به قتيلا لناقه بلغا عامرا وكعبا رسولا أن نفسي إليهما مشتاقه إن تكن في عمان داري ، فإني غالبي ، خرجت من غير ناقه رب كأس هرقت يا ابن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقه رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه وخروس السرى تركت رذيا بعد جد وجدة ورشاقه قال ابن هشام : وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " آلشاعر " ؟ فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله رب كأس هرقت يا بن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقه قال أجل . ________________________________________ وذكر حديث سامة بن لؤي حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد بنيه فانتسب له إلى سامة فقال له عليه السلام آلشاعر بخفض الراء من الشاعر كذا قيده أبو بحر على أبي الوليد بالخفض وهو الصحيح لأنه مردود على ما قبله كأنه مقتضب من كلام المخاطب وإن كان الاستفهام لا يعمل ما قبله فيما بعده ولكن العامل مقدر بعد الألف فإذا قال لك القائل قرأت على زيد مثلا ، فقلت : آلعالم بالاستفهام كأنك قلت له أعلى العالم ونظير هذا ألف الإنكار إذا قال القائل مررت بزيد فأنكرت عليه فقلت أزيدنيه بخفض الدال وبالنصب إذا قال رأيت زيدا ، قلت : أزيدنيه وكذلك الرفع . ومن بني سامة هذا : محمد بن عرعرة بن اليزيد شيخ البخاري ، وبنو سامة بن لؤي زعم بعض النساب أنه أدعياء وأن سامة لم يعقب وقال الزبير ولد سامة غالبا والنبيت والحارث . وأم غالب ناجية بنت جرم بن زبان واسمها : ليلى سميت ناجية لأنها عطشت بأرض فلاة فجعل زوجها يقول لها : انظري إلى الماء وهو يريها السراب حتى نجت فسميت ناجية وإليها ينسب [ بكر بن قيس ] أبو الصديق الناجي الذي يروي عن أبي سعيد الخدري وأبو المتوكل الناجي ، وكثيرا ما يخرج عنه الترمذي ، وكان بنو سامة بالعراق أعداء لعلي - رحمه الله - والذين خالفوا عليا منهم بنو عبد البيت ومنهم علي بن الجهم الشاعر قيل إنه كان يلعن أباه لما سماه عليا بغضا منه في علي - رحمه الله - ذكره المسعودي . الرسول والمرسل وقوله بلغا عامرا وكعبا رسولا . يجوز أن يكون رسولا مفعول ببلغا إذا جعلت الرسول بمعنى : الرسالة كما قال الشاعر لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى ، ولا أرسلتهم برسول أي برسالة وإنما سموا الرسالة رسولا إذا كانت كتابا ، أو ما يقوم مقام الكتاب من شعر منظوم كأنهم كانوا يقيمون الشعر مقام الكتاب فتبلغه الركبان كما تبلغ الكتاب يعرب عن ضمير الكاتب كما يعرب الرسول وكذلك الشعر المبلغ فسمي رسولا . وبين الرسول والمرسل معنى دقيق ينتفع به في فهم قول الله عز وجل وأرسلناك للناس رسولا [ النساء 79 ] فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال أرسلناك مرسلا ، ولا نبأناك تنبيئا ، كما لا يحسن ضربناك مضروبا ، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا ، واختصار القول فيه أن ليس كل مرسل رسولا ، فالرياح مرسلات والحاصب مرسل وكذلك كل عذاب أرسله الله وإنما الرسول اسم للمبلغ عن المرسل . ويجوز أن يكون رسولا حال من قوله بلغا عامرا وكعبا رسولا ; إذ قد يعبر بالواحد عن الاثنين والجماعة في مثل هذا اللفظ تقول أنتم رسولي ، وهي رسولي ، تسوي بين الجماعة والواحد والمذكر والمؤنث . وفي التنزيل فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين [ الشعراء 16 ] فيكون المفعول على هذا : أن نفسي إليهما مشتاقة ويكون أن على القول الأول بدلا من رسول أي رسالة . وقوله وخروس السرى تركت رذيا . إن خفضت فمعناه رب خروس السرى تركت ، فتركت في موضع الصفة لخروس وإن نصبت جعلتها مفعولا بتركت ، ولم يكن تركت في موضع صفة لأن الصفة لا تعمل في الموصوف والسرى : في موضع خفض لخروس على المجاز كما تقول نام ليلك . يريد ناقة صموتا صبورا على السرى ، لا تضجر منه فسراها كالأخرس ومنه قول الكميت كتوم إذا ضج المطي ، كأنما تكرم عن أخلاقهن وترغب وقول الأعشى : كتوم الرغاء إذا هجرت وكانت بقية ذود كتم وإنما قال خروس في معنى الأخرس لأنه أراد كتوما ، فجاء به على وزنه . قال البرقي وكنت ماوية بنت كعب تحب سامة أكثر من إخوته وكانت تقول وهي ترقصه صغيرا : وإن ظني بابني إن كبن أن يشتري الحمد ويغلي بالثمن ويهزم الجيش إذا الجيش أرجحن ويروي العيمان من محض اللبن يقال كبن وأكبن إذا اشتد . وذكر قول جرير لبني جشم بن لؤي بني جشم لستم لهزان فانتموا لأعلى الروابي من لؤي بن غالب يقال إنهم أعطوا جريرا على هذا الشعر ألف عير ربي وكانوا ينتسبون إلى ربيعة ، فما انتسبوا بعد إلا لقريش . أمر عوف بن لؤي ونقلته قال ابن إسحاق وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش ، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان - فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في بني ذبيان . وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه احبس على ابن لؤي جملك تركك القوم ولا مترك لك مكانة مرة ونسبه وسادات مرة قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أن عمر بن الخطاب قال لو كنت مدعيا حيا من العرب ، أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف ، إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني : عوف بن لؤي . قال ابن إسحاق : فهو في نسب غطفان : مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب ما ننكره وما نجحده وإنه لأحب النسب إلينا . وقال الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع - قال ابن هشام : أحد بني مرة بن عوف حين هرب من النعمان بن المنذر ، فلحق بقريش فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعر الرقابا وقومي - إن سألت - بنو لؤي بمكة علموا مضر الضرابا سفهنا باتباع نبي بغيض وترك الأقربين لنا انتسابا سفاهة مخلف لما تروى هراق الماء واتبع السرابا فلو - طووعت - عمرك - كنت فيهم وما ألفيت أنتجع السحابا وخش رواحة القرشي رحلي بناجية ولم يطلب ثوابا قال ابن هشام : هذا ما أنشدني أبو عبيدة منها . قال ابن إسحاق : فقال [ أبو زيد ] الحصين بن الحمام [ بن ربيعة ] المري ثم أحد بني سهم بن مرة يرد على الحارث بن ظالم ، وينتمي إلى غطفان : ألا لستم منا ، ولسنا إليكم برئنا إليكم من لؤي بن غالب أقمنا على عز الحجاز وأنتم بمعتلج البطحاء بين الأخاشب يعني : قريشا . ثم ندم الحصين على ما قال وعرف ما قال الحارث بن ظالم ، فانتمى إلى قريش ، وأكذب نفسه فقال ندمت على قول مضى كنت قلته تبينت فيه أنه قول كاذب فليت لساني كان نصفين منهما بكيم ونصف عند مجرى الكواكب أبونا كناني بمكة قبره بمعتلج البطحاء بين الأخاشب لنا الربع من بيت الحرام وراثة وربع البطاح عند دار ابن حاطب أي أن بني لؤي كانوا أربعة كعبا ، وعامرا ، وسامة وعوفا . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجال من بني مرة إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم ، فارجعوا إليه . قال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافا في غطفان ، هم سادتهم وقادتهم . منهم هرم بن سنان بن أبي حارثة وخارجة بن سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف ، والحصين بن الحمام ، وهاشم بن حرملة الذي يقول له القائل أحيا أباه هاشم بن حرمله يوم الهباءات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربله يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات لعامر الخصفي خصفة بن قيس بن عيلان أحيا أباه هاشم بن حرمله يوم الهباءات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربله يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له ورمحه للوالدات مثكله وحدثني أن هاشما قال لعامر قل في بيتا جيدا أثبك عليه فقال عامر البيت الأول فلم يعجب هاشما ، ثم قال الثاني ، فلم يعجبه ثم قال الثالث فلم يعجبه فلما قال الرابع يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له أعجبه فأثابه عليه . قال ابن هشام : وذلك الذي أراد الكميت بن زيد بن الأخنس الأسدي في قوله وهاشم مرة المفني ملوكا بلا ذنب إليه ومذنبينا وهذا البيت في قصيدة له . وقول عامر يوم الهباءات . عن غير أبي عبيد . قال ابن إسحاق قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها ، فأقاموا على نسبهم وفيهم كان البسل . ________________________________________ وذكر شعر الحارث بن ظالم . وقوله سفاهة مخلف وهو المستقي [ للماء ] ، وفيه لم يذكر لعمرك إنني لأحب كعبا وسامة إخوتي حبي الشرابا وقوله وخش رواحة القرشي رحلي بناجية . أي بناقة سريعة يقال خش السهم بالريش إذا راشه به فأراد راشني وأصلح رحلي بناجية ولم يطلب ثوابا بمدحه بذلك . ورواحة هذا : هو رواحة بن منقذ بن معيص بن عامر كان قد ربع في الجاهلية أي رأس وأخذ المرباع . وقوله لو طووعت عمرك كنت فيهم ونصب عمرك على الظرف . وقوله وما ألفيت أنتجع السحابا . أي كانوا يغنونني بسيبهم ومعروفهم عن انتجاع السحاب وارتياد المراعي في البلاد . وقول الحصين بمعتلج البطحاء : أي حيث تعتلج السيول والاعتلاج عمل بقوة قال الشاعر لو قلت للسيل دع طريقك وال سيل كمثل الهضاب يعتلج وفي الحديث إنكما علجان فعالجا عن دينكما ، وفي الحديث إن الدعاء ليلقى البلاء نازلا من السماء فيعتلجان إلى يوم القيامة أي يتدافعان بقوة . وقوله لنا الربع بضم الراء يريد أن بني لؤي كانوا أربعة أحدهم أبوهم وهو عوف وبنو لؤي هم أهل الحرم ، ولهم وراثة البيت . والأخاشب : جبال مكة ، وقد يقال لكل جبل أخشب أنشد أبو عبيد : كأن فوق منكبيه أخشبا وذكر خارجة بن سنان الذي تزعم قيس أن الجن اختطفته لتستفحله نساءها لبراعته ونجدته ونجابة نسله وقد قدمت بنته على عمر فقال لها : ما كان أبوك أعطى زهيرا حين مدحه فقالت أعطاه مالا ورقيقا وأثاثا أفناه الدهر فقال لكن ما أعطاكم زهير لم يفنه الدهر وكان خارجة بقيرا أمرت أمه عند موتها أن يبقر بطنها عنه ففعلوا فخرج حيا ، فسمي خارجة ويقال للبقير خشعة قال الحطيئة يعني خارجة بن سنان لقد علمت خيل ابن خشعة أنها متى ما يكن يوما جلاد تجالد وقول عامر ترى الملوك حوله مغربله . قيل معناه منتفخة وذكروا أنه يقال غربل القتيل إذا انتفخ وهذا غير معروف وإن كان أبو عبيد قد ذكره في الغريب المصنف وأيضا : فإن الرواية بفتح الباء مغربلة وقال بعضهم معناه يتخير الملوك فيقتلهم والذي أراه في ذلك أنه يريد بالغربلة استقصاءهم وتتبعهم كما قال مكحول الدمشقي : ودخلت الشام ، فغربلتها غربلة حتى لم أدع علما إلا حويته ، في كل ذلك أسأل عن البقل . وذكر الحديث فمعنى هذا : التتبع والاستقصاء وكأنه من غربلت الطعام . إذا تتبعته بالاستخراج حتى لا تبقى إلا الحثالة . وقوله يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له إنما أعجب هاشما هذا البيت لأنه وصفه فيه بالعز والامتناع وأنه لا يخاف حاكما يعدي عليه ولا ترة من طالب ثأر . وهاشم بن حرملة هذا هو جد منظور بن زبان بن يسار الذي كانت بنته زجلة عند ابن الزبير فهو جد منظور لأمه واسمها : قهطم بنت هاشم . كانت قهطم قد حملت بمنظور أربع سنين وولدته بأضراسه فسمي منظورا لطول انتظارهم إياه وفي زبان بن سيار والد منظور يقول الحطيئة وفي آل زبان بن سيار فتية يرون ثنايا المجد سهلا صعابها ولم يصرف سيارا لما سنذكره بعد - إن شاء الله . مزينة وذكر زهيرا ونسبه إلى مزينة ، وهم بنو عثمان بن عمرو بن الأطم بن أد بن طابخة . قال حسان بن ثابت : فإنك خير عثمان بن عمرو وأسناها إذا ذكر السناء يمدح رجلا من مزينة ، ومزينة : أمهم وهي بنت كلب بن وبرة وأختها : الحوأب بنت كلب التي يعرف بها ماء الحوأب المذكور في حديث عائشة أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب .

أمر البسل والبسل - فيما يزعمون - نسيئهم ثمانية أشهر حرم لهم من كل سنة من بين العرب قد عرفت ذلك لهم العرب لا ينكرونه ولا يدفعونه يسيرون به إلى أي بلاد العرب شاءوا ، لا يخافون منهم شيئا . قال زهير بن أبي سلمى ، يعني بني مرة . قال ابن هشام : زهير أحد بني مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، ويقال زهير بن أبي سلمى من غطفان ، ويقال حليف في غطفان . تأمل فإن تقو المروراة منهم وداراتها لا تقو منهم إذا نخل بلاد بها نادمتهم وألفتهم فإن تقويا منهم فإنهم بسل أي حرام . يقول ساروا في حرمهم . قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة أجارتكم بسل علينا محرم وجارتنا حل لكم وحليلها قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له . ________________________________________ البسل وذكر البسل وهو الحرام والبسل أيضا : الحلال فهو من الأضداد ومنه بسلة الراقي ، أي ما يحل له أن يأخذه على الرقية وبسل في الدعاء بمعنى : آمين قال الراجز [ المتلمس ] : لا خاب من نفعك من رجاك بسلا ، وعادى الله من عاداك وكان عمر بن الخطاب يقول في أثر الدعاء آمين وبسلا ، أي استجابة . وقول زهير فإن تقو المروراة منهم . البيت وقع في بعض النسخ المرورات بتاء ممدودة كأنه جمع مرور وليس في الكلام مثل هذا البناء وإنما هو المروراة بهاء مما ضوعفت فيه العين واللام فهو فعلعلة مثل صمحمحة والألف فيه منقلبة عن واو أصلية وهذا قول سيبويه جعله مثل شجوجاة وأبطل أن يكون من باب عثوثل وقال ابن السراج في قطوطاة وهو مثل مروراة هو فعوعل مثل عثوثل وقال سيبويه فيه إنه من باب صمحمحة فالواو زائدة على قول ابن السراج ووزنه عنده فعوعلة . أولاد كعب ومرة وأمهاتهم قال ابن إسحاق : فولد كعب بن لؤي ثلاثة نفر مرة بن كعب ، وعدي بن كعب ، وهصيص بن كعب . وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر . فولد مرة بن كعب ثلاثة نفر كلاب بن مرة ، وتيم بن مرة ويقظة بن مرة . فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن [ فهر بن ] مالك بن كنانة بن خزيمة . وأم يقظة البارقية امرأة من بارق ، من الأسد من اليمن . ويقال هي أم تيم . ويقال تيم هند بنت سرير أم كلاب . ________________________________________ أعلام وأنساب وذكر هصيص بن كعب وهو فعيل من الهص وهو القبض بالأصابع . من كتاب العين . وذكر يقظة بن مرة بفتح القاف وقد وجدته بسكون القاف في أشعار مدح بها خالد بن الوليد ، فمنها قول الشاعر وأنت لمخزوم بن يقظة جنة كلا اسميك فيها ماجد وابن ماجد وأم مخزوم بن يقظة جد بني مخزوم كلبة بنت عامر بن لؤي . قاله الزبير . نسب بارق قال ابن هشام بارق : بنو عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ، وهم في شنوءة . قال الكميت بن زيد وأزد شنوءة اندرءوا علينا بجم يحسبون لها قرونا فما قلنا لبارق : قد أسأتم وما قلنا لبارق : أعتبونا قال وهذان البيتان في قصيدة له . وإنما سموا ببارق ; لأنهم تبعوا البرق . ________________________________________ وذكر بارق، وهم بنو عدي بن الأزد ، وقال سموا : بارق ; لأنهم اتبعوا البرق ، وقد قيل إنهم نزلوا عند جبل يقال له بارق ، فسموا به . وقول الكميت بجم يحسبون لها قرونا . أي يناطحون بلا عدة ولا منة كالكباش الجم التي لا قرون لها ، ويحسبون أن لهم قوة . والكميت هذا هو ابن زيد أبو المستهل من بني أسد . وفي أسد : الكميت بن معروف كان قبل هذا ، وفيهم أيضا الكميت بن ثعلبة وهو أقدم الثلاثة وابن معروف هو الذي يقول خذوا العقل إن أعطاكم القوم عقلكم وكونوا كمن سيم الهوان فأربعا ولا تكثروا فيه الضجاج فإنه محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا ولدا كلاب وأمهما قال ابن إسحاق : فولد كلاب بن مرة رجلين قصي بن كلاب ، وزهرة بن كلاب . وأمهما : فاطمة بنت سعد بن سيل أحد الجدرة من جعثمة الأزد ، من اليمن ، حلفاء في بني الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة . نسب جعثمة قال ابن هشام : ويقال جعثمة الأسد وجعثمة الأزد ، وهو جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ، ويقال جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن نصر بن زهران بن الأسد بن الغوث . وإنما سموا الجدرة لأن عامر بن عمرو بن جعثمة تزوج بنت الحارث بن مضاض الجرهمي وكانت جرهم أصحاب الكعبة . فبنى للكعبة جدارا ، فسمي عامر بذلك : الجادر فقيل لولده الجدرة لذلك . قال ابن إسحاق : ولسعد بن سيل يقول الشاعر ما نرى في الناس شخصا واحدا من علمناه كسعد بن سيل فارسا أضبط فيه عسرة وإذا ما واقف القرن نزل فارسا يستدرج الخيل كما اس تدرج الحر القطامي الحجل قال ابن هشام : قوله كما استدرج الحر . عن بعض أهل العلم بالشعر . ________________________________________ الجدرة وذكر الجدرة وقال هم بنو عامر بن خزيمة بن جعثمة وفي حاشية الشيخ أبي بحر زيادة خزيمة خطأ إنما هو عمرو بن جعثمة وذكر غير ابن إسحاق أن السيل ذات مرة دخل الكعبة ، وصدع بنيانها ، ففزعت لذلك قريش ، وخافوا انهدادها إن جاء سيل آخر وأن يذهب شرفهم ودينهم فبنى عامر لها جدارا ، فسمي الجادر . وقوله في الجدرة حلفاء بني الديل . المعروف عند أهل النسب أن الديل في عبد القيس وهو الديل بن عمرو بن وديعة [ بن أفصى بن عبد القيس ] ، والديل أيضا في الأزد ، وهو ابن هدهاد بن زيد مناة والديل أيضا في تغلب وهو ابن زيد بن عمرو بن غنم بن تغلب ، والديل أيضا في إياد ، وهو ابن أمية بن حذافة بن زهير بن إياد ، وأما الذي في كنانة وهم الذين ينسب إليهم أبو الأسود الدؤلي ، وهو ظالم بن عمرو ، وهم حلفاء الجدرة فابن الكلبي ومحمد بن حبيب وغيرهما من أهل النسب يقولون فيه الدئل بضم الدال وهمزة مكسورة وينسبون إليه دؤلي ، وطائفة من أهل اللغة منهم الكسائي ويونس بن حبيب والأخفش يقولون فيه الديل بكسر الدال وينسبون إليه الديلي ، واختاره أبو عبيدة قال محمد بن حبيب ابن الكلبي وغيره من أهل النسب أقعد بهذا ، وإليهم يرجع فيما أشكل من هذا الباب . قال المؤلف وأما الدول فالدول بن حنيفة واسم حنيفة أثال بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، وهم رهط مسيلمة الكذاب ، وفي ربيعة أيضا ، ثم في عمرة الدول بن صباح وفي الرباب : الدول بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة وفي الأسد الدول بن سعد مناة بن غامد . والذي تقيد عن ابن إسحاق في الديل بن بكر بكسر الدال والياء الساكنة وقد وافقه على ذلك من النساب العدوي وابن سالم الجمحي ، ومن تقدم ذكره من أهل اللغة والدأل على وزن فعل من دأل يدأل إذا مشى بعجلة وأما الديل بغير همز فكأنه سمي بالفعل من ديل عليهم من الدولة على وزن ما لم يسم فاعله . وقد قيل إن الدئل بن بكر سمي بالدئل وهي دويبة صغيرة وأنشدوا لكعب بن مالك [ الأنصاري ] : جاءوا بجيش لو قيس معرسه ما كان إلا كمعرس الدئل وأنشد في سعد بن سيل واسم سيل خير بن حمالة قاله الطبري ، والسيل هو السنبل وهو أول من حلى السيوف بالذهب والفضة . فارسا أضبط فيه عسرة الأضبط الذي يعمل بكلتا يديه وهو من صفة الأسد أيضا ، قال الجميح [ منقذ بن الطماح الأسدي ] : ضبطاء تسكن غيلا غير مقروب وقوله فيه عسرة من هذا المعنى أيضا ، والاسم منه أعسر . عود إلى أولاد كلاب قال ابن هشام : ونعم بنت كلاب وهي أم سعد وسعيد ابني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، وأمها : فاطمة بنت سعد بن سيل . أولاد قصي وعبد مناف وأمهاتهم قال ابن إسحاق : فولد قصي بن كلاب أربعة نفر وامرأتين عبد مناف بن قصي ، وعبد الدار بن قصي ، وعبد العزى بن قصي ، وعبد بن قصي ، وتخمر بنت قصي ، وبرة بنت قصي . وأمهم حبى بنت حليل ابن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي . قال ابن هشام : ويقال حبشية ابن سلول قال ابن إسحاق : فولد عبد مناف - واسمه المغيرة بن قصي - أربعة نفر هاشم بن عبد مناف وعبد شمس بن عبد مناف والمطلب بن عبد مناف ، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة ، ونوفل بن عبد مناف وأمه واقدة بنت عمرو المازنية . مازن بن منصور بن عكرمة . قال ابن هشام : فبهذا النسب خالفهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة . قال ابن هشام : وأبو عمرو ، وتماضر وقلابة وحية وريطة وأم الأخثم [ واسمها : هالة ] ، وأم سفيان بنو عبد مناف . فأم أبي عمرو : ريطة امرأة من ثقيف ، وأم سائر النساء عاتكة بنت مرة بن هلال [ بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور ] ، أم هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو ابن سلول [ واسمه مرة ] بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وأم صفية بنت عائذ بن سعد العشيرة بن مذحج . أولاد هاشم وأمهاتهم قال ابن هاشم فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة عبد المطلب بن هاشم ، وأسد بن هاشم وأبا صيفي بن هاشم ونضلة بن هاشم ، والشفاء وخالدة وضعيفة ورقية وحية . فأم عبد المطلب ورقية : سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار . واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر . وأمها : عميرة بنت صخر [ بن حبيب ] بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار . وأم عميرة سلمى بنت عبد الأشهل النجارية . وأم أسد : قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعي . وأم أبي صيفي وحية هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية . وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة . وأم خالدة وضعيفة وافدة بنت أبي عدي المازنية . ________________________________________ وذكر حليل بن حبشية والحبشية نملة كبيرة سوداء وأن قصيا تزوج ابنته حبى ، فولدت له عبد مناف وإخوته وقال غيره بل أم عبد مناف عاتكة بنت هلال بن بالج [ أو فالج ] بن ذكوان ، وأم هاشم عاتكة بنت مرة فالأولى : عمة الثانية وأم وهب جد النبي - عليه السلام - لأمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال فهن عواتك . ولدن النبي عليه السلام ولذلك قال أنا ابن العواتك من سليم وقد قيل في تأويل هذا الحديث إن ثلاث نسوة من سليم أرضعنه كلهن تسمى : عاتكة ، والأول أصح . وأم عاتكة بنت مرة ماوية بنت حوزة بن عمرو بن مرة أخي عامر بن صعصعة وهم بنو سلول ، وأم ماوية أم أناس المذحجية . وقال في أمهات بني عبد مناف وأما صفية فأمها : بنت عبد الله بن سعد العشيرة بن مذحج ، وهو وهم لأن سعد العشيرة بن مذحج هو أبو القبائل المنسوبة إلى مذحج إلا أقلها ، فيستحيل أن يكون في عصر هاشم من هو ابن له لصلبه ولكن هكذا رواه البرقي عن ابن هشام - كما قلنا - ورواه غيره بنت عبد الله من سعد العشيرة وهي رواية الغساني وقد قيل فيه عائذ الله وهو أقرب إلى الصواب . ولسعد العشيرة ابن لصلبه واسمه عيذ الله وهي قبيلة من قبائل جنب من مذحج ، وقد ذكرت بطون جنب وأسماء ولد سعد العشيرة أو أكثرهم في هذا الكتاب ولم سميت تلك القبائل بجنب وأحسب الوهم في رواية البرقي إنما جاء من اشتراك الاسم لأن أم صفية المذكورة بنت عيذ الله ولكن ليس بعيذ الله الذي هو ابن سعد العشيرة لصلبه ولكنه من سعد العشيرة . وذكر عبد شمس بن عبد مناف وكان تلوا لهاشم ويقال كانا توأمين فولد هاشم ورجله في جبهة شمس ملتصقة فلم يقدر على نزعها إلا بدم فكانوا يقولون سيكون بين ولدهما دماء فكأن تلك الدماء ما وقع بين بني هاشم ، وبين بني أمية بن عبد شمس . وأما سلمى أم عبد المطلب ، فقد ذكر نسبها ، وأمها : عميرة بنت ضحر المازنية وابنها : عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، وأخوه معبد ولدتهما لأحيحة بعد هاشم وكان عمرو من أجمل الناس وأنطقهم بحكمة وقال رجل من بني هاشم للمنصور أرأيت إن اتسعنا في البنين وضقنا في البنات فإلى من تدفعنا ، يعني : في المصاهرة فأنشد عبد شمس كان يتلو هاشما وهما بعد لأم ولأب وذكر الدارقطني : أن الحارث بن حبش السلمي كان أخا هاشم وعبد شمس والمطلب لأمهم وأنه رثى هاشما لهذه الأخوة وهذا يقوي أن أمهم عاتكة السلمية . فصل وذكر ابن إسحاق أن أم حية بنت هاشم ، وأم أبي صيفي : هند بنت [ عمرو بن ] ثعلبة [ بن الخزرج ] ، والمعروف عند أهل النسب أن أم حية [ أم عدي ] : جحل بنت حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط الثقفية وحية بنت هاشم تحت الأجحم بن دندنة [ بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو ] الخزاعي ولدت له أسيدا ، وفاطمة بنت الأجحم التي تقول يا عين بكي عند كل صباح جودي بأربعة على الجراح قد كنت لي جبلا ألوذ بظله فتركتني أضحى بأجرد ضاح قد كنت ذات حمية ما عشت لي أمشي البراز وكنت أنت جناحي فاليوم أخضع للذليل وأتقي منه وأدفع ظالمي بالراح وأغض من بصري ، وأعلم أنه قد بان حد فوارسي ورماحي وإذا دعت قمرية شجنا لها يوما على فنن دعوت صباحي وقع هذا الشعر لها في الحماسة وغيرها . أولاد عبد المطلب بن هاشم قال ابن هشام : فولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة العباس وحمزة وعبد الله وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير والحارث وجحلا ، والمقوم وضرارا ، وأبا لهب - واسمه عبد العزى - وصفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، وبرة . فأم العباس وضرار : نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار . ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة . وأم حمزة والمقوم وجحل - وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره وسعة ماله - وصفية هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وأم عبد الله وأبي طالب والزبير وجميع النساء غير صفية فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأمها : صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم صخرة تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم الحارث بن عبد المطلب : سمراء [ أو صفية ] بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة . وأم أبي لهب لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي . ________________________________________ وذكر أم العباس وهي نتيلة بنت جناب بن كليب وهي من بني عامر الذي يعرف بالضحيان وكان من ملوك ربيعة ، وقد ذكرنا في خبر تبع ، أنها أول من كسا البيت الديباج وذكرنا سبب ذلك ونزيد هاهنا ما ذكره الماوردي ، قال أول من كسا البيت الديباج خالد بن جعفر بن كلاب أخذ لطيمة من البز وأخذ فيها أنماطا ، فعلقها على الكعبة ، وأم نتيلة أم حجر أو أم كرز بنت الأزب من بني بكيل من همدان ، وهي نتيلة بتاء منقوطة باثنتين وهي تصغير نتلة واحدة النتل وهم بيض النعام وبعضهم يصحفها بثاء مثلثة . وذكر في بني عبد المطلب جحلا بتقديم الجيم على الحاء هكذا رواية الكتاب . وقال الدارقطني : هو حجل بتقديم الحاء . وقال جحل بتقديم الجيم هو الحكم بن جحل يروى عن علي ومن حديثه عنه أنه قال من فضلني على أبي بكر جلدته حد الفرية . والجحل السقاء الضخم . والجحل الحرباء . وذكر ابن دريد أن اسم جحل مصعب . وقال غيره كان اسمه مغيرة ، وجحل لقب له . والجحل ضرب من اليعاسيب قاله صاحب العين . وقال أبو حنيفة كل شيء ضخم فهو جحل وجحل هو الغيداق والغيداق ولد الضب وهو أكبر من الحسل . ولم يعقب وكذا المقوم لم يعقب إلا بنتا اسمها : هند . وأم الغيداق - فيما ذكر القتبي : ممنعة بنت عمرو الخزاعية وهذا خلاف قول ابن إسحاق . وذكر في أعمامه أيضا : الزبير وهو أكبر أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كان يرقص النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو طفل ويقول محمد بن عبدم عشت بعيش أنعم في دولة ومغنم دام سجيس الأزلم وبنته ضباعة كانت تحت المقداد . وعبد الله ابنه مذكور في الصحابة - رضي الله عنهم - وكان الزبير - رضي الله عنه - يكنى أبا الطاهر بابنه الطاهر وكان من أظرف فتيان قريش ، وبه سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه الطاهر . وأخبر الزبير عن ظالم كان بمكة أنه مات فقال بأي عقوبة كان موته ؟ فقيل مات حتف أنفه فقال وإن فلا بد من يوم ينصف الله فيه المظلومين ففي هذا دليل على إقراره بالبعث . وذكر أبا طالب واسمه عبد مناف وله يقول عبد المطلب : أوصيك يا عبد مناف بعدي بمؤتم بعد أبيه فرد مات أبوه وهو حلف المهد وذكر أبا لهب واسمه عبد العزى ، وكني أبا لهب لإشراق وجهه وكان تقدمة من الله - تعالى - لما صار إليه من اللهب وأمه لبنى بنت هاجر بكسر الجيم من بني ضاطرة بضاد منقوطة . واللبنى في اللغة شيء يتميع من بعض الشجر قاله أبو حنيفة . ويقال لبعضه الميعة والدودم مثل اللبنى يسيل من السمر غير أنه أحمر فيقال حاضت السمرة إذا رشح ذلك منها . أمهات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام فولد عبد الله بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله . وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأمها : برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم أم حبيب برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . قال ابن هشام : فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف ولد آدم حسبا ، وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ أمهات النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في آخرهن برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وهن كلهن قرشيات ولذلك وقف في برة وإن كان قد ذكر أهل النسب بعد هذا : أم برة وأم أمها ، وأم أم الأم ولكنهن من غير قريش . قال محمد بن حبيب وأم برة قلابة بنت الحارث بن مالك بن طابخة بن صعصعة بن غادية بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل ، وأم قلابة أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان بن غادية بن كعب وأم أميمة : دبة بنت الحارث بن لحيان بن غادية وأمها : بنت [ يربوع بن ناضرة بن غاضرة ] كهف الظلم من ثقيف ، وذكر الزبير قلابة بنت الحارث وزعم أن أباها الحارث كان يكنى : أبا قلابة وأنه أقدم شعراء هذيل ، وذكر من قوله لا تأمنن وإن أمسيت في حرم إن المنايا بجنبي كل إنسان واسلك طريقك تمشي غير مختشع حتى تلاقي ما منى لك الماني باب مولد النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نسب أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة وأن زهرة هو ابن كلاب وفي المعارف لابن قتيبة أن زهرة اسم امرأة عرف بها بنو زهرة ، وهذا منكر غير معروف وإنما هو اسم جدهم - كما قال ابن إسحاق والزهرة في اللغة إشراق في اللون أي لون كان من بياض أو غيره وزعم بعضهم أن الأزهر هو الأبيض خاصة وأن الزهر اسم للأبيض من النوار وخطأ أبو حنيفة من قال بهذا القول وقال إنما الزهرة إشراق في الألوان كلها ، وأنشد في نور الحوذان وهو أصفر ترى زهر الحوذان حول رياضه يضيء كلون الأتحمي المورس وفي حديث يوم أحد : نظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيناه تزهران تحت المغفر . حديث مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ذكر احتفار زمزم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال وكان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حدثنا به زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي بينما عبد المطلب بن هاشم نائم في الحجر ، إذ أتي فأمر بحفر زمزم وهي دفن بين صنمي قريش : إساف ونائلة عند منحر قريش . وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - التي سقاه الله حين ظمئ وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك . وبعث الله تعالى جبريل عليه السلام فهمز له بعقبه في الأرض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه فجاءت تشتد نحوه فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب فجعلته حسيا [ الحسي الحفيرة الصغيرة ] . ________________________________________ زمزم وذكر فيه خبر إسماعيل وأمه وقد تقدم طرف منه . وذكر أن جبريل - عليه السلام - همز بعقبه في موضع زمزم ، فنبع الماء وكذلك زمزم تسمى : همزة جبريل بتقديم الميم على الزاي ويقال فيها أيضا : هزمة جبريل لأنها هزمة في الأرض وحكي في اسمها : زمازم وزمزم . حكي ذلك عن المطرز وتسمى أيضا : طعام طعم وشفاء سقم . وقال الجربي : سميت زمزم ، بزمزمة الماء وهي صوته وقال المسعودي : سميت زمزم ; لأن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول فزمزمت عليها . والزمزمة صوت يخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء . وقد كتب عمر - رضي الله عنه - إلى عماله أن انهوا الفرس عن الزمزمة وأنشد المسعودي : زمزمت الفرس على زمزم وذاك في سالفها الأقدم وذكر البرقي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنها سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا ، ولو تركت لساحت على الأرض حتى تملأ كل شيء . وقال ابن هشام : والزمزمة عند العرب : الكثرة والاجتماع قال الشاعر وباشرت معطنها المدهثما ويممت زمزومها المزمزما سبب نزول هاجر وإسماعيل مكة المدهثم اللين وكان سبب إنزال هاجر وابنها إسماعيل بمكة ونقلها إليها من الشام أن سارة بنت عم إبراهيم - عليه السلام - شجر بينها وبين هاجر أمر وساء ما بينهما ، فأمر إبراهيم أن يسير بها إلى مكة ، فاحتملها على البراق واحتمل معه قربة بماء ومزود تمر وسار بها حتى أنزلها بمكة في موضع البيت ثم ولى راجعا عوده على بدئه وتبعته هاجر وهي تقول آلله أمرك أن تدعني ، وهذا الصبي في هذا البلد الموحش وليس معنا أنيس ؟ فقال نعم فقالت إذا لا يضيعنا ، فجعلت تأكل من التمر وتشرب من ماء القربة حتى نفد الماء وعطش الصبي ، وجعل ينشغ للموت وجعلت هي تسعى من الصفا إلى المروة ، ومن المروة إلى الصفا ; لترى أحدا ، حتى سمعت صوتا عند الصبي فقالت قد سمعت ، إن كان عندك غوث ثم جاءت الصبي فإذا الماء ينبع من تحت خده فجعلت تغرف بيديها ، وتجعل في القربة . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لو تركته لكانت عينا " ، أو قال " نهرا معينا " ، وكلمها الملك وهو جبريل - عليه السلام - وأخبرها أنها مقر ابنها وولده إلى يوم القيامة وأنها موضع بيت الله الحرام ، ثم ماتت هاجر ، وإسماعيل - عليه السلام - ابن عشرين سنة وقبرها في الحجر ، وثم قبر إسماعيل - عليه السلام - وكان الحجر قبل بناء البيت زربا لغنم إسماعيل صلى الله عليه وسلم ويقال إن أول بلد ميرت منه أم إسماعيل عليه - السلام - وابنها التمر القرية التي كانت تعرف بالفرع من ناحية المدينة ، والله أعلم . أمر جرهم ، ودفن زمزم قال ابن هشام : وكان من حديث جرهم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة ، ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبد المطلب زمزم ، ما حدثنا به زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل - ما شاء الله أن يليه - ثم ولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي . قال ابن هشام : ويقال مضاض بن عمرو الجرهمي . قال ابن إسحاق : وبنو إسماعيل ، وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم ، وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ، وهما ابنا عم وكانا ظعنا من اليمن ، فأقبلا سيارة وعلى جرهم : مضاض بن عمرو ، وعلى قطوراء : السميدع رجل منهم . وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم . فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر فأعجبهما فنزلا به . فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز . ونزل السميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد فما حاز . فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه . ثم إن جرهم وقطوراء بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها ، ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السميدع . فسار بعضهم إلى بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب يقعقع بذلك معه فيقال ما سمي قعيقعان بقعيقعان إلا لذلك . وخرج السميدع من أجياد ، ومعه الخيل والرجال فيقال ما سمي أجياد : أجيادا إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه . فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل السميدع ، وفضحت قطوراء . فيقال ما سمي فاضح فاضحا إلا لذاك . ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ : شعبا بأعلى مكة ، واصطلحوا به وأسلموا الأمر إلى مضاض . فلما جمع إليه أمر مكة ، فصار ملكها له نحر للناس فأطعمهم فاطبخ الناس وأكلوا ، فيقال ما سميت المطابخ : المطابخ إلا لذلك . وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ، لما كان تبع نحر بها ، وأطعم وكانت منزله فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون . ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال . فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم . ________________________________________ قطورا وجرهم والسميدع فصل وذكر نزول جرهم ، وقطورا على أم إسماعيل هاجر ، وجرهم : هو قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ويقال جرهم بن عابر وقد قيل إنه كان مع نوح عليه السلام في السفينة وذلك أنه من ولد ولده وهم من العرب العاربة ومنهم تعلم إسماعيل العربية . وقيل إن الله تعالى أنطقه بها إنطاقا ، وهو ابن أربع عشرة سنة . وأما قطورا ، فهو قطورا بن كركر . وأما السميدع الذي ذكره فهو السميدع بن هوثر - بثاء مثلثة - قيدها البكري - بن لاي بن قطورا بن كركر بن عملاق ويقال إن الزباء الملكة كانت من ذريته وهي بنت عمرو بن أذينة بن ظرب بن حسان وبين حسان وبين السميدع آباء كثيرة ولا يصح قول من قال إن حسان ابنه لصلبه لبعد زمن الزباء من السميدع ، وقد ذكرنا الاختلاف في اسمها في غير هذا الموضع وذكر الحارث بن مضاض الأكبر بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هي بن بنت جرهم . جياد وقعيقعان فصل وذكر ولاية جرهم البيت الحرام دون بني إسماعيل إلى أن بغوا في الحرم ، وكان أول بغي في الحرم ما ذكره من حرب جرهم لقطورا . وأما أجياد فلم يسم بأجياد من أجل جياد الخيل كما ذكر لأن جياد الخيل لا يقال فيها : أجياد ، وإنما أجياد : جمع جيد . وذكر أصحاب الأخبار أن مضاضا ضرب في ذلك الموضع أجياد مائة رجل من العمالقة ، فسمي الموضع بأجياد وهكذا ذكر ابن هشام في غير هذا الكتاب ومن شعب أجياد تخرج دابة الأرض التي تكلم الناس قبل يوم القيامة كذلك روي عن صالح مولى التوأمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وذكر غيره في أخبار مكة أن قعيقعان سمي بهذا الاسم حين نزل تبع مكة ، ونحر عندها وأطعم ووضع سلاحه وأسلحة جنده بهذا المكان فسمي قعيقعان بقعقعة السلاح فيه - والله أعلم . استيلاء كنانة وخزاعة على البيت ونفي جرهم بنو بكر يطردون جرهما ثم إن جرهما بغوا بمكة ، واستحلوا خلالا من الحرمة فظلموا من دخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ، فرق أمرهم . فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة . فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا ، فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة . وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته فكانت تسمى : الناسة ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه فيقال إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا . قال ابن هشام : أخبرني أبو عبيدة أن بكة اسم لبطن مكة ، لأنهم يتباكون فيها ، أي يزدحمون وأنشدني : إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكه أي فدعه حتى يبك إبله أي يخليها إلى الماء فتزدحم عليه وهو موضع البيت والمسجد . وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم . ________________________________________ جرهم تسرق مال الكعبة فصل وذكر استحلال جرهم لحرمة الكعبة ، فمن ذلك أن إبراهيم عليه السلام كان احتفر بئرا قريبة القعر عند باب الكعبة ، كان يلقى فيها ما يهدى إليها ، فلما فسد أمر جرهم سرقوا مال الكعبة مرة بعد مرة فيذكر أن رجلا منهم دخل البئر ليسرق مال الكعبة ، فسقط عليه حجر من شفير البئر فحبسه فيها ، ثم أرسلت على البئر حية لها رأس كرأس الجدي سوداء المتن بيضاء البطن فكانت تهيب من دنا من بئر الكعبة ، وقامت في البئر - فيما ذكروا - نحوا من خمسمائة عام وسنذكر قصة رفعها عند بنيان الكعبة إن شاء الله . بين جرهم وخزاعة فصل فلما كان من بغي جرهم ما كان وافق تفرق سبأ من أجل سيل العرم ، ونزول حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أرض مكة ، وذلك بأمر طريفة الكاهنة وهي امرأة عمرو بن مزيقياء وهي من حمير ، وبأمر عمران بن عامر أخي عمرو ، وكان كاهنا أيضا ، فنزلها هو وقومه فاستأذنوا جرهما أن يقيموا بها أياما ، حتى يرسلوا الرواد ويرتادوا منزلا حيث رأوا من البلاد فأبت عليهم جرهم ، وأغضبوهم حتى أقسم حارثة ألا يبرح مكة إلا عن قتال وغلبة فحاربتهم جرهم ، فكانت الدولة لبني حارثة عليهم واعتزلت بنو إسماعيل ، فلم تكن مع أحد من الفريقين فعند ذلك ملكت خزاعة - وهم بنو حارثة - مكة ، وصارت ولاية البيت لهم وكان رئيسهم عمرو بن لحي الذي تقدم ذكره قبل فشرد بقية جرهم ، فسار فلهم في البلاد وسلط عليهم الذر والرعاف وأهلك بقيتهم السيل بإضم حتى كان آخرهم موتا امرأة ريئت تطوف بالبيت بعد خروجهم منها بزمان فعجبوا من طولها وعظم خلقتها ، حتى قال لها قائل أجنية أنت أم إنسية ؟ فقالت بل إنسية من جرهم ، وأنشدت رجزا في معنى حديثهم واستكرت بعيرا من رجلين من جهينة ، فاحتملاها على البعير إلى أرض خيبر ، فلما أنزلاها بالمنزل الذي رسمت لهما ، سألاها عن الماء فأشارت لهما إلى موضع الماء فوليا عنها ، وإذا الذر قد تعلق بها ، حتى بلغ خياشيمها وعينيها ، وهي تنادي بالويل والثبور حتى دخل حلقها ، وسقطت لوجهها ، وذهب الجهنيان إلى الماء فاستوطناه فمن هنالك صار موضع جهينة بالحجاز وقرب المدينة ، وإنما هم من قضاعة ، وقضاعة : من ريف العراق . قال ابن إسحاق : فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن فدفنهما في زمزم ، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن ، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا ، فقال عمرو بن الحارث بن مضاض في ذلك وليس بمضاض الأكبر وقائلة والدمع سكب مبادر وقد شرقت بالدمع منها المحاجر كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر فقلت لها والقلب مني كأنما يلجلجه بين الجناحين طائر بلى نحن كنا أهلها ، فأزالنا صروف الليالي ، والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف بذاك البيت والخير ظاهر ونحن ولينا البيت من بعد نابت بعز فما يحظى لدينا المكاثر ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا فليس لحي غيرنا ثم فاخر ألم تنكحوا من خير شخص علمته فأبناؤه منا ، ونحن الأصاهر فإن تنثن الدنيا علينا بحالها فإن لها حالا ، وفي التشاجر فأخرجنا منها المليك بقدرة كذلك - يا للناس - تجري المقادر أقول إذا نام الخلي ، ولم أنم إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر وبدلت منها أوجها لا أحبها قبائل منها حمير ويحابر وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة بذلك عضتنا السنون الغوابر فسحت دموع العين تبكي لبلدة بها حرم أمن وفيها المشاعر وتبكي لبيت ليس يؤذى حمامه يظل به أمنا ، وفيه العصافر وفيه وحوش - لا ترام - أنيسة إذا خرجت منه فليست تغادر قال ابن هشام : " فأبناؤه منا " ، عن غير ابن إسحاق . ________________________________________ غربة الحارث بن مضاض فصل رجع الحديث . وكان الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هي بن نبت بن جرهم الجرهمي قد نزل بقنونا من أرض الحجاز ، فضلت له إبل فبغاها حتى أتى الحرم ، فأراد دخوله ليأخذ إبله فنادى عمرو بن لحي من وجد جرهميا ، فلم يقتله قطعت يده فسمع بذلك الحارث وأشرف على جبل من جبال مكة ، فرأى إبله تنحر ويتوزع لحمها ، فانصرف بائسا خائفا ذليلا ، وأبعد في الأرض وهي غربة الحارث بن مضاض التي تضرب بها المثل حتى قال الطائي : غربة تقتدي بغربة قيس ب ن زهير والحارث بن مضاض وحينئذ قال الحارث الشعر الذي رسمه ابن إسحاق وهو قوله كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا الشعر وفيه ونبكي لبيت ليس يؤذى حمامه تظل به أمنا ، وفيه العصافر أراد العصافير وحذف الياء ضرورة ورفع العصافير على المعنى ، أي وتأمن فيه العصافير وتظل به أمنا ، أي ذات أمن ويجوز أن يكون أمنا جمع آمن مثل ركب جمع : راكب وفيه ولم يسمر بمكة سامر السامر اسم الجماعة يتحدثون بالليل وفي التنزيل سامرا تهجرون [ المؤمنون 67 ] والحجون بفتح الحاء على فرسخ وثلث من مكة ، قال الحميدي : كان سفيان ربما أنشد هذا الشعر فزاد فيه بعد قوله فليست تغادر ولم يتربع واسطا وجنوبه إلى السر من وادي الأراكة حاضر وأبدلني ربي بها دار غربة بها الجوع باد والعدو المحاصر واسط وعامر وجرهم قال الحميدي : واسط : الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى . وقوله فيه لا يبعد سهيل وعامر عامر جبل من جبال مكة ، يدل على ذلك قول بلال رضي الله عنه وهل يبدون لي عامر وطفيل . على رواية من رواه هكذا ، وجرهم هذا هو الذي تتحدث بها العرب في أكاذيبها ، وكان من خرافاتها في الجاهلية أن جرهما ابن لملك أهبط من السماء لذنب أصابه فغضب عليه من أجله كما أهبط هاروت وماروت ثم ألقيت فيه الشهوة فتزوج امرأة فولدت له جرهما ، قال قائلهم لا هم إن جرهما عبادكا الناس طرف وهم تلادكا [ بهم قديما عمرت بلادكا من كتاب الأمثال للأصبهاني مكة وأسماؤها : فصل وذكر مكة وبكة وقد قيل في بكة ما ذكره من أنها تبك الجبابرة أي تكسرهم وتقدعهم وقيل من التباك وهو الازدحام ومكة من تمككت العظم إذا اجتذبت ما فيه من المخ وتمكك الفصيل ما في ضرع الناقة فكأنها تجتذب إلى نفسها ما في البلاد من الناس والأقوات التي تأتيها في المواسم وقيل لما كانت في بطن واد فهي تمكك الماء من جبالها وأخاشبها عند نزول المطر وتنجذب إليها السيول وأما قول الراجز الذي أنشده ابن هشام : إذا الشريب أخذته أكه فخله حتى يبك بكه فالأكة الشدة وإكاك الدهر شدائده . وذكر أنه كان يقال لها : الناسة، وهو من نست الشيء إذا أذهبته ، والرواية في الكتاب بالنون وذكر الخطابي [ في غريبه ] أنه يقال لها : الباسة أيضا بالباء وهو من بست الجبال بسا ، أي فتت وثريت كما يثرى السويق ، قال الراجز لا تخبزا خبزا وبسا بسا يقول لا تشتغلا بالخبز وثريا الدقيق والتقماه . يقال إن هذا البيت للص أعجله الهرب . وذكر أبو عبيدة أن الخبز شدة السوق والبس : ألين منه وبعده ما ترك السير لهن نسا ومن أسماء مكة أيضا ، الرأس وصلاح وأم رحم وكوثى ، وأما التي يخرج منها الدجال فهي كوثى ربا ومنها كانت أم إبراهيم عليه السلام وقد تقدم اسمها ، وأبوها هو الذي احتفر نهر كوثى ، قاله الطبري . قال ابن إسحاق : وقال عمرو بن الحارث أيضا يذكر بكرا وغبشان وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم يا أيها الناس سيروا إن قصركم أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا حثوا المطي وأرخوا من أزمتها قبل الممات وقضوا ما تقضونا كنا أناسا كما كنتم فغيرنا دهر فأنتم كما كنا تكونونا قال ابن هشام : هذا ما صح له منها . وحدثني بعض أهل العلم بالشعر أن هذه الأبيات أول شعر قيل في العرب ، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن ولم يسم لي قائلها . ________________________________________ فصل وذكر قول الحارث بن مضاض يا أيها الناس سيروا إن قصركم أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا وذكر ابن هشام أنها وجدت بحجر باليمن ولا يعرف قائلها ، وألفيت في كتاب أبي بحر سفيان بن العاصي خبرا لهذه الأبيات وأسنده أبو الحارث محمد بن أحمد الجعفي عن عبد الله بن عبد السلام البصري قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سليمان التمار قال أخبرني ثقة عن رجل من أهل اليمامة ، قال وجد في بئر باليمامة ثلاثة أحجار وهي بئر طسم وجديس في قرية يقال لها : معنق بينها وبين الحجر ميل وهم من بقايا عاد ، غزاهم تبع ، فقتلهم فوجدوا في حجر من الثلاثة الأحجار مكتوبا : يا أيها الملك الذي بالملك ساعده زمانه ما أنت أول من علا وعلا شئون الناس شانه أقصر عليك مراقبا فالدهر مخذول أمانه كم من أشم معصب بالتاج مرهوب مكانه قد كان ساعده الزما ن وكان ذا خفض جنانه تجري الجداول حوله للجند مترعة جفانه قد فاجأته منية لم ينجه منها اكتنانه وتفرقت أجناده عنه وناح به قيانه والدهر من يعلق به يطحنه مفترشا جرانه والناس شتى في الهوى كالمرء مختلف بنانه والصدق أفضل شيمة والمرء يقتله لسانه والصمت أسعد للفتى ولقد يشرفه بيانه ووجد في الحجر الثاني مكتوبا أبيات كل عيش تعله ليس للدهر خله يوم بؤسى ونعمى واجتماع وقله حبنا العيش والتكا ثر جهل وضله بينما المرء ناعم في قصور مظله في ظلال ونعمة ساحبا ذيل حله لا يرى الشمس ملغضا رة إذ زل زله لم يقلها ، وبدلت عزة المرء ذله آفة العيش والنع يم كرور الأهله وصل يوم بليلة واعتراض بعله والمنايا جواثم كالصقور المدله بالذي تكره النف وس عليها مطله وفي الحجر الثالث مكتوبا : يا أيها الناس سيروا إن قصركم أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا حثوا المطي وأرخوا من أزمتها قبل الممات وقضوا ما تقضونا كنا أناسا كما كنتم فغيرنا دهر فأنتم كما كنا تكونونا وذكر أبو الوليد الأزرقي في كتابه في فضائل مكة زيادة في هذه الأبيات وهي قد مال دهر علينا ثم أهلكنا بالبغي فينا وبز الناس ناسونا إن التفكر لا يجدي بصاحبه عند البديهة في علم له دونا قضوا أموركم بالحزم إن لها أمور رشد رشدتم ثم مسنونا واستخبروا في صنيع الناس قبلكم كما استبان طريق عنده الهونا كنا زمانا ملوك الناس قبلكم بمسكن في حرام الله مسكونا ووجد على حائط قصير بدمشق لبني أمية مكتوبا : يا أيها القصر الذي كانت تحف به المواكب أين المواكب والمض ارب والنجائب والجنائب أين العساكر والدس اكر والمقانب والكتائب ما بالهم لم يدفعوا لما أتت عنك النوائب ما بال قصرك واهيا قد عاد منهد الجوانب ووجد في الحائط الآخر من حيطانها جوابها : يا سائلي عما مضى من دهرنا ومن العجائب والقصر إذ أودى ، فأضحى بعد منهد الجوانب وعن الجنود أولي العقو د ومن بهم كنا نحارب وبهم قهرنا عنوة من بالمشارق والمغارب وتقول لم لم يدفعوا لما أتت عنك النوائب هيهات لا ينجي من المو ت الكتائب والمقانب استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت قال ابن إسحاق : ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بني بكر بن عبد مناة وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني ، وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي . قال ابن هشام : يقال حبشية ابن سلول . ________________________________________ قصي وخزاعة وولاية البيت فصل في حديث قصي ذكر فيه أن قريشا قرعة ولد إسماعيل هكذا بالقاف وهي الرواية الصحيحة وفي بعض النسخ فرعة بالفاء والقرعة بالقاف هي نخبة الشيء وخياره وقريع الإبل فحلها ، وقريع القبيلة سيدها ، ومنه اشتق الأقرع بن حابس وغيره ممن سمي من العرب بالأقرع . وذكر انتقال ولاية البيت من خزاعة إليه ولم يذكر من سبب ذلك أكثر من أن قصيا رأى نفسه أحق بالأمر منهم وذكر غيره أن حليلا كان يعطي مفاتيح البيت ابنته حبى ، حين كبر وضعف فكانت بيدها ، وكان قصي ربما أخذها في بعض الأحيان ففتح البيت للناس وأغلقه ولما هلك حليل أوصى بولاية البيت إلى قصي ، فأبت خزاعة أن تمضي ذلك لقصي فعند ذلك هاجت الحرب بينه وبين خزاعة ، وأرسل إلى رزاح أخيه يستنجده عليهم . ويذكر أيضا أن أبا غبشان من خزاعة ، واسمه سليم - وكانت له ولاية الكعبة - باع مفاتيح الكعبة من قصي بزق خمر فقيل أخسر من صفقة أبي غبشان ذكره المسعودي والأصبهاني في الأمثال . وكان الأصل في انتقال ولاية البيت من ولد مضر إلى خزاعة أن الحرم حين ضاق عن ولد نزار وبغت فيه إياد أخرجتهم بنو مضر بن نزار ، وأجلوهم عن مكة ، فعمدوا في الليل إلى الحجر الأسود ، فاقتلعوه واحتملوه على بعير فرزح البعير به وسقط إلى الأرض وجعلوه على آخر فرزح أيضا ، وعلى الثالث ففعل مثل ذلك فلما رأوا ذلك دفنوه وذهبوا ، فلما أصبح أهل مكة ، ولم يروه وقعوا في كرب عظيم وكانت امرأة من خزاعة قد بصرت به حين دفن فأعلمت قومها بذلك فحينئذ أخذت خزاعة على ولاة البيت أن يتخلوا لهم عن ولاية البيت ويدلوهم على الحجر ، ففعلوا ذلك فمن هنالك صارت ولاية البيت لخزاعة إلى أن صيرها أبو غبشان إلى عبد مناف هذا معنى قول الزبير . تزوج قصي بن كلاب حبى بنت حليل قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب خطب إلى حليل ابن حبشية بنته حبى ، فرغب فيه حليل فزوجه فولدت له عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى ، وعبدا . فلما انتشر ولد قصي ، وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل . قصي يتولى أمر البيت فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبني بكر وأن قريشا قرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده . فكلم رجالا من قريش ، وبني كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ، فأجابوه . وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كلاب فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل وزهرة يومئذ رجل وقصي فطيم فاحتملهما إلى بلاده فحملت قصيا معها ، وأقام زهرة فولدت لربيعة رزاحا . فلما بلغ قصي ، وصار رجلا أتى مكة ، فأقام بها ، فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة ، يدعوه إلى نصرته والقيام معه فخرج رزاح بن ربيعة ، ومعه إخوته حن بن ربيعة ، ومحمود بن ربيعة ، وجلهمة بن ربيعة ، وهم لغير أمه فاطمة فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب ، وهم مجمعون لنصرة قصي . وخزاعة تزعم أن حليل ابن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر . وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها ، وبأمر مكة من خزاعة ، فعند ذلك طلب قصي ما طلب ولم نسمع ذلك من غيرهم فالله أعلم أي ذلك كان . ________________________________________ نشأة قصي فصل وذكر أن قصيا نشأ في حجر ربيعة بن حرام ثم ذكر رجوعه إلى مكة ، وزاد غيره في شرح الخبر ، فقال وكان قصي رضيعا حين احتملته أمه مع بعلها ربيعة ، فنشأ ولا يعلم لنفسه أبا إلا ربيعة ، ولا يدعى إلا له فلما كان غلاما يفعة أو حزورا سابه رجل من قضاعة ، فعيره بالدعوة وقال لست منا ، وإنما أنت فينا ملصق فدخل على أمه وقد وجم لذلك فقالت له يا بني صدق إنك لست منهم ولكن رهطك خير من رهطه وآباؤك أشرف من آبائه وإنما أنت قرشي ، وأخوك وبنو عمك بمكة وهم جيران بيت الله الحرام فدخل في سيارة حتى أتى مكة ، وقد ذكرنا أن اسمه زيد وإنما كان قصيا أي بعيدا عن بلده فسمي قصيا .

ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة وولده من بعده وكان يقال له ولولده صوفة . وإنما ولي ذلك الغوث بن مر ، لأن أمه كانت امرأة من جرهم ، وكانت لا تلد فنذرت لله إن هي ولدت رجلا : أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ، ويقوم عليها ، فولدت الغوث ، فكان يقوم على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جرهم ، فولي الإجازة بالناس من عرفة لمكانه الذي كان به من الكعبة ، وولده من بعده حتى انقرضوا . فقال مر بن أد لوفاء نذر أمه إني جعلت رب من بنيه ربيطة بمكة العليه فباركن لي بها أليه واجعله لي من صالح البريه وكان الغوث بن مر - فيما زعموا - إذا دفع بالناس قال لا هم إني تابع تباعه إن كان إثم فعلى قضاعه قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال كانت صوفة تدفع بالناس من عرفة ، وتجيز بهم إذا نفروا من منى ، فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ورجل من صوفة يرمي للناس لا يرمون حتى يرمي . فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه فيقولون له قم فارم حتى نرمي معك ، فيقول لا والله حتى تميل الشمس فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ويستعجلونه بذلك ويقولون له ويلك قم فارم ، فيأبى عليهم حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ، ورمى الناس معه قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى ، أخذت صوفة بجانبي العقبة ، فحبسوا الناس وقالوا : أجيزي صوفة فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالقعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة . قال ابن هشام : صفوان بن جناب بن شجنة عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم . قال ابن إسحاق : وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ثم بنوه من بعده حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام كرب بن صفوان وقال أوس بن تميم بن مغراء السعدي : لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم حتى يقال أجيزوا آل صفوانا قال ابن هشام : هذا البيت في قصيدة لأوس بن مغراء . ________________________________________ الغوث بن مر وصوفة فصل وذكر قصة الغوث بن مر ، ودفعه بالناس من عرفة وقال بعض نقلة الأخبار إن ولاية الغوث بن مر كانت من قبل ملوك كندة . وقوله إن كان إثما فعلى قضاعة . إنما خص قضاعة بهذا ; لأن منهم محلين يستحلون الأشهر الحرم ، كما كانت خثعم وطيئ تفعل وكذلك كانت النسأة تقول إذا حرمت صفرا أو غيره من الأشهر بدلا من الشهر الحرام - يقول قائلهم قد حرمت عليكم الدماء إلا دماء المحلين . فصل وأما تسمية الغوث وولده صوفة فاختلف في سبب ذلك . فذكر أبو عبيد الله الزبير بن أبي بكر القاضي في أنساب قريش له عند ذكر صوفة البيت الواقع في السيرة لأوس بن مغراء السعدي وهو لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم البيت . وبعده مجد بناه لنا قدما أوائلنا وأورثوه طوال الدهر أحزانا ومغراء تأنيث أمغر وهو الأحمر ومنه قول الأعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم - أهو هذا الرجل الأمغر ؟ ثم قال قال أبو عبيدة وصوفة وصوفان يقال لكل من ولي من البيت شيئا من غير أهله أو قام بشيء من خدمة البيت أو بشيء من أمر المناسك يقال لهم صوفة وصوفان . قال أبو عبيدة لأنه بمنزلة الصوف فيهم القصير والطويل والأسود والأحمر ليسوا من قبيلة واحدة . وذكر أبو عبد الله أنه حدثه أبو الحسن الأثرم عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال إنما سمي الغوث بن مر : صوفة لأنه كان لا يعيش لأمه ولد فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيطا للكعبة ففعلت فقيل له صوفة ولولده من بعده وهو الربيط وحدث إبراهيم بن المنذر عن عمر بن عبد العزيز بن عمران قال أخبرني عقال بن شبة قال قالت أم تميم بن مر - وولدت نسوة - فقالت لله علي لئن ولدت غلاما لأعبدنه للبيت فولدت الغوث ، وهو أكبر ولد مر فلما ربطته عند البيت أصابه الحر ، فمرت به - وقد سقط وذوى واسترخى فقالت ما صار ابني إلا صوفة فسمي صوفة . بنو سعد وزيد مناة فصل وذكر وراثة بني سعد إجازة الحاج بالقعدد من بني الغوث بن مر ، وذلك أن سعدا هو ابن زيد مناة بن تميم بن مر وكان سعد أقعد بالغوث بن مر من غيره من العرب ، وزيد مناة بن تميم يقال فيه مناة ومناءة بالهمز وتركه ويجوز أن يكون - إذا همز - مفعلة من ناء ينوء ويجوز أن يكون فعالة من المنيئة وهي المدبغة كما قالت امرأة من العرب لأخرى : [ تقول لك أمي ] : أعطيني نفسا أو نفسين أمعس به منيئتي ، فإني أفدة . النفس قطعة من الدباغ والمنيئة الجلد في الدباغ وأفدة مقاربة لاستتمام ما تريد صلاحه وتمامه من ذلك الدباغ وأنشد أبو حنيفة إذا أنت باكرت المنيئة باكرت قضيب أراك بات في المسك منقعا وأنشد يعقوب إذا أنت باكرت المنيئة باكرت مداكا لها من زعفران وإثمدا ما كانت عليه عدوان من إفاضة المزدلفة وأما قول ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن عمرو ، وإنما سمي ذا الإصبع لأنه كان له إصبع فقطعها . عذير الحي من عدوا ن كانوا حية الأرض بغى بعضهم ظلما فلم يرع على بعض ومنهم كانت السادا ت والموفون بالقرض ومنهم من يجيز النا س بالسنة والفرض ومنهم حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي وهذه الأبيات في قصيدة له - فلأن الإضافة من المزدلفة كانت في عدوان - فيما حدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق - يتوارثون ذلك كابرا عن كابر . حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو سيارة عميلة بن الأعزل ففيه يقول شاعر من العرب : نحن دفعنا عن أبي سياره وعن مواليه بني فزاره حتى أجاز سالما حماره مستقبل القبلة يدعو جاره قال وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له فلذلك يقول سالما حماره . ________________________________________ اشتقاق المزدلفة فصل وأما قوله فلأن الإفاضة من المزدلفة كانت في عدوان فالمزدلفة مفتعلة من الازدلاف وهو الاجتماع . وفي التنزيل وأزلفنا ثم الآخرين وقيل بل الازدلاف هو الاقتراب والزلفة القربة فسميت مزدلفة ; لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم ، وفي الخبر : أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لم يزل يزدلف إلى حواء ، وتزدلف إليه حتى تعارفا بعرفة واجتمعا بالمزدلفة فسميت جمعا ، وسميت المزدلفة . ذو الإصبع وآل ظرب وأما ذو الإصبع الذي ذكره فهو حرثان بن عمرو ، ويقال فيه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب وظرب هو والد عامر بن الظرب الذي كان حكم العرب ، وذكر ابن إسحاق قصته في الخنثى ، وفيه يقول الشاعر [ المتلمس ] : لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما وكان قد خرف حتى تفلت ذهنه فكانت العصا تقرع له إذا تكلم في نادي قومه تنبيها له لئلا تكون له السقطة في قول أو حكم . وكذلك كان ذو الإصبع كان حكما في زمانه وعمر ثلاثمائة سنة وسمي ذا الإصبع لأن حية نهشته في أصبعه . وجدهم ظرب هو عمرو بن عياذ بن يشكر بن بكر بن عدوان ، واسم عدوان : تيم وأمه جديلة بنت أد بن طابخة وكانوا أهل الطائف ، وكثر عددهم فيها حتى بلغوا زهاء سبعين ألفا ، ثم هلكوا ببغي بعضهم على بعض وكان ثقيف وهو قسي بن منبه صهرا لعامر بن الظرب كانت تحته زينب بنت عامر وهي أم أكثر ثقيف ، وقيل هي أخت عامر وأختها ليلى بنت الظرب هي أم دوس بن عدنان وسيأتي طرف من خبره فيما بعد - إن شاء الله - فلما هلكت عدوان ، وأخرجت بقيتهم ثقيف من الطائف ، صارت الطائف بأسرها لثقيف إلى اليوم . وقوله حية الأرض يقال فلان حية الأرض وحية الوادي إذا كان مهيبا يذعر منه كما قال حسان يا محكم بن طفيل قد أتيح لكم لله در أبيكم حية الوادي يعني بحية الوادي : خالد بن الوليد رضي الله عنه . فصل وقوله عذير الحي من عدوان . نصب عذيرا على الفعل المتروك إظهاره كأنه يقول هاتوا عذيره أي من يعذره فيكون العذير بمعنى : العاذر ويكون أيضا بمعنى : العذر مصدرا كالحديث ونحوه . أبو سيارة وذكر أبا سيارة وهو عميلة بن الأعزل في قول ابن إسحاق ، وقال غيره اسمه العاصي . قاله الخطابي . واسم الأعزل خالد ذكره الأصبهاني ، وكانت له أتان عوراء خطامها ليف يقال إنه دفع عليها في الموقف أربعين سنة وإياها يعني الراجز في قوله حتى يجيز سالما حماره . وكانت تلك الأتان سوداء ولذلك يقول لا هم ما لي في الحمار الأسود أصبحت بين العالمين أحسد فق أبا سيارة المحسد من شر كل حاسد إذ يحسد وأبو سيارة هذا هو الذي يقول أشرق ثبير كيما نغير وهو الذي يقول لا هم إني تابع تباعه وكان يقول في دعائه اللهم بغض بين رعائنا ، وحبب بين نسائنا ، واجعل المال في سمحائنا : وهو أول من جعل الدية مائة من الإبل فيما ذكر أبو اليقظان حكاه عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني . وقوله وعن مواليه بني فزاره . يعني بمواليه بني عمه لأنه من عدوان وعدوان وفزارة من قيس عيلان ، وقوله مستقبل القبلة يدعو جاره . أي يدعو الله عز وجل يقول اللهم كن لنا جارا مما نخافه أي مجيرا . أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان قال ابن إسحاق وقوله حكم يقضي يعني : عام بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني . وكانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه في رجل خنثى ، له ما للرجل وله ما للمرأة فقالوا : أنجعله رجلا أو امرأة ؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه . فقال حتى أنظر في أمركم فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب فاستأخروا عنه . فبات ليلته ساهرا يقلب أمره وينظر في شأنه لا يتوجه له منه وجه وكانت له جارية يقال لها : سخيلة ترعى عليه غنمه وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول صبحت والله يا سخيل وإذا أراحت عليه قال مسيت والله يا سخيل وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس . فلما رأت سهره وقلقه وقلة قراره على فراشه قالت ما لك لا أبا لك ما عراك في ليلتك هذه ؟ قال ويلك دعيني ، أمر ليس من شأنك ، ثم عادت له بمثل قولها ، فقال في نفسه عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج فقال ويحك اختصم إلي في ميراث خنثى ، أأجعله رجلا أو امرأة ؟ فوالله ما أدري ما أصنع ما يتوجه لي فيه وجه ؟ قال فقالت سبحان الله لا أبا لك أتبع القضاء المبال أقعده فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهي امرأة . قال مسي سخيل بعدها ، أو صبحي ، فرجتها والله ثم خرج على الناس حين أصبح فقضى بالذي أشارت عليه به . ________________________________________ الحكم بالأمارات فصل وذكر عامر بن الظرب وحكمه في الخنثى ، وما أفتته به جاريته سخيلة وهو حكم معمول به في الشرع وهو من باب الاستدلال بالأمارات والعلامات وله أصل في الشريعة قال الله سبحانه وجاءوا على قميصه بدم كذب وجه الدلالة على الكذب في الدم أن القميص المدمى لم يكن فيه خرق ولا أثر لأنياب الذئب وكذلك قوله إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين [ يوسف 26 ] الآية . وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المولود إن جاءت به أورق جعدا جماليا فهو للذي رميت به فالاستدلال بالأمارات أصل ينبني عليه كثير من الأحكام في الحدود والميراث وغير ذلك . والحكم في الخنثى أن يعتبر المبال ويعتبر بالحيض فإن أشكل من كل وجه حكم بأن يكون له في الميراث سهم امرأة ونصف وفي الدية كذلك وأكثر أحكامه مبنية على الاجتهاد . غلب قصي بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له قال ابن إسحاق : فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل وقد عرفت ذلك لها العرب ، وهو دين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم . فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة ، فقال لنحن أولى بهذا منكم ، فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ، ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك . وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي ، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة . فلما انحازوا عنه بادأهم وأجمع لحربهم وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وإلى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة ، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ، ففيه الدية مؤداة وأن يخلى بين قصي وبين الكعبة ومكة . فسمي يعمر بن عوف يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها . قال ابن هشام : ويقال الشداخ . قال ابن إسحاق : فولي قصي البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة ، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه وذلك أنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه حتى جاء الإسلام فهدم الله به ذلك كله . فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة ، واللواء فحاز شرف مكة كله . وقطع مكة رباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ، ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعوانه فسمته قريش : مجمعا لما جمع من أمرها ، وتيمنت بأمره فما تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش ، وما يتشاورون في أمر نزل بهم ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره يعقده لهم بعض ولده وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إلا في داره يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ثم ينطلق بها إلى أهلها . فكان أمره في قومه من قريش في حياته ومن بعد موته كالدين المتبع لا يعمل بغيره . واتخذ لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت قريش تقضي أمورها : قال ابن هشام : وقال الشاعر قصي لعمري كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر قال ابن إسحاق : حدثني عبد الملك بن راشد عن أبيه قال سمعت السائب بن خباب صاحب المقصورة يحدث أنه سمع رجلا يحدث عمر بن الخطاب ، وهو خليفة حديث قصي بن كلاب ، وما جمع من أمر قومه وإخراجه خزاعة وبني بكر من مكة ، وولايته البيت وأمر مكة ، فلم يرد ذلك عليه ولم ينكره . ________________________________________ الشداخ فصل وذكر يعمر الشداخ بن عوف حين حكموه وأنه سمي بالشداخ لما شدخ من دماء خزاعة ويعمر الشداخ هو جد بني دأب الذين أخذ عنهم كثير من علم الأخبار والأنساب وهم عيسى بن يزيد بن [ بكر ] بن دأب وأبوه يزيد وحذيفة بن دأب ودأب هو ابن كرز بن أحمر من بني يعمر بن عوف الذي شدخ دماء خزاعة ، أي أبطلها ، وأصل الشدخ الكسر والفضخ ومنه الغرة الشادخة شبهت بالضربة الواسعة . والشداخ بفتح الشين كما قال ابن هشام ، والشداخ بضمها إنما هو جمع ، وجائز أن يسمى هو وبنوه الشداخ كما يقال المناذرة في المنذر وبنيه والأشعرون في بني الأشعر من سبأ وهو باب يكثر ويطول . وأم يعمر الشداخ اسمها : السؤم بنت عامر بن جرة بضم الجيم وسيأتي ذكر جرة بالكسر ذكره ابن ماكولا . ومن بني الشداخ بلعاء بن قيس بن عبد الله بن يعمر الشداخ الشاعر المذكور في شعر الحماسة اسمه حميضة ولقب بلعاء لقوله أنا ابن قيس سبعا وابن سبع أبار من قيس قبيلا فالتمع كأنما كانوا طعاما فابتلع ولاية قصي البيت ذكر فيه أمر قصي وما جمع من أهل مكة ، وأنشد قصي لعمري كان يدعى مجمعا البيت وبعده هموا ملئوا البطحاء مجدا وسوددا وهم طردوا عنا غواة بني بكر ويذكر أن هذا الشعر لحذافة بن جمح . وذكر أن قصيا قطع مكة رباعا ، وأن أهلها هابوا قطع شجر الحرم للبنيان . وقال الواقدي : الأصح في هذا الخبر أن قريشا حين أرادوا البنيان قالوا لقصي كيف نصنع في شجر الحرم ، فحذرهم قطعها وخوفهم العقوبة في ذلك فكان أحدهم يحوف بالبنيان حول الشجرة ، حتى تكون في منزله . قال فأول من ترخص في قطع شجر الحرم للبنيان عبد الله بن الزبير حين ابتنى دورا بقعيقعان لكنه جعل دية كل شجرة بقرة وكذلك يروى عن عمر - رضي الله عنه - أنه قطع دوحة كانت في دار أسد بن عبد العزى ، كانت تنال أطرافها ثياب الطائفين بالكعبة وذلك قبل أن يوسع المسجد فقطعها عمر - رضي الله عنه - ووداها بقرة ومذهب مالك - رحمه الله - في ذلك ألا دية في شجر الحرم . قال ولم يبلغني في ذلك شيء . وقد أساء من فعل ذلك وأما الشافعي - رحمه الله - فجعل في الدوحة بقرة وفيما دونها شاة . وقال أبو حنيفة - رحمه الله - إن كانت الشجرة التي في الحرم مما يغرسها الناس ويستنبتونها ، فلا فدية على من قطع شيئا منها ، وإن كان من غيرها ، ففيه القيمة بالغا ما بلغت . وذكر أبو عبيد : أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أفتى فيها بعتق رقبة . دار الندوة وذكر أن قصيا اتخذ دار الندوة ، وهي الدار التي كانوا يجتمعون فيها للتشاور ولفظها مأخوذ من لفظ الندي والنادي والمنتدى ، وهو مجلس القوم الذي يندون حوله أي يذهبون قريبا منه ثم يرجعون إليه والتندية في الخيل . أن تصرف عن الورد إلى المرعى قريبا ، ثم تعاد إلى الشرب وهو المندى ، وهذه الدار تصيرت بعد بني عبد الدار إلى حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، فباعها في الإسلام بمائة ألف درهم وذلك في زمن معاوية فلامه معاوية في ذلك وقال أبعت مكرمة آبائك وشرفهم فقال حكيم ذهبت المكارم إلا التقوى . والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر وقد بعتها بمائة ألف درهم وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله فأينا المغبون ؟ ذكر خبر حكيم هذا الدارقطني في أسماء رجال الموطأ له .

قال ابن إسحاق فلما فرغ قصي من حربه انصرف أخوه رزاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه من قومه وقال رزاح في إجابته قصيا : لما أتى من قصي رسول فقال الرسول أجيبوا الخليلا نهضنا إليه نقود الجياد ونطرح عنا الملول الثقيلا نسير بها الليل حتى الصباح ونكمي النهار لئلا نزولا فهن سراع كورد القطا يجبن بنا من قصي رسولا جمعنا من السر من أشمذين ومن كل حي جمعنا قبيلا فيا لك حلبة ما ليلة تزيد على الألف سيبا رسيلا فلما مررن على عسجر وأسهلن من مستناخ سبيلا وجاوزن بالركن من ورقان وجاوزن بالعرج حيا حلولا مررن على الخيل ما ذقنه وعالجن من مر ليلا طويلا ندني من العوذ أفلاءها إرادة أن يسترقن الصهيلا فلما انتهينا إلى مكة أبحنا الرجال قبيلا قبيلا نعاورهم ثم حد السيوف وفي كل أوب خلسنا المقولا نخبزهم بصلاب النسو ر خبز القوي العزيز الذليلا قتلنا خزاعة في دارها وبكرا قتلنا وجيلا فجيلا نفيناهم من بلاد المليك كما لا يحلون أرضا سهولا فأصبح سبيهم في الحديد ومن كل حي شفينا الغليلا وقال ثعلبة بن عبد الله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه جلبنا الخيل مضمرة تغالى من الأعراف أعراف الجناب إلى غورى تهامة فالتقينا من الفيفاء في قاع يباب فأما صوفة الخنثى ، فخلوا منازلهم محاذرة الضراب وقام بنسر على إذ رأونا إلى الأسياف كالإبل الطراب وقال قصي بن كلاب : أنا ابن العاصمين بني لؤي بمكة منزلي ، وبها ربيت إلى البطحاء قد علمت معد ومروتها رضيت بها رضيت فلست لغالب إن لم تأثل بها أولاد قيذر والنبيت رزاح ناصري ، وبه أسامي فلست أخاف ضيما ما حييت ________________________________________ من تفسير شعر رزاح فصل وذكر شعر رزاح ، وفيه ونكمي النهار أي نكمن ونستتر والكمي من الفرسان الذي تكمى بالحديد . وقيل الذي يكمي شجاعته أي يسترها ، حتى يظهرها عند الوغى . وفيه مررنا بعسجر وهو اسم موضع وكذلك ورقان اسم جبل ووقع في نسخة سفيان ورقان بفتح الراء وقيده أبو عبيد البكري : ورقان بكسر الراء وأنشد للأحوص وكيف نرجي الوصل منها وأصبحت ذرى ورقان دونها وحفير ويخفف فيقال ورقان . قال جميل يا خليلي إن بثنة بانت يوم ورقان بالفؤاد سبيا وذكر أنه من أعظم الجبال وذكر أن فيه أوشالا وعيونا عذابا ، وسكانه بنو أوس بن مزينة . وذكر أيضا الحديث وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرس الكافر في النار مثل أحد ، وفخذه مثل ورقان وفي حديث آخر أنه عليه السلام ذكر آخر من يموت من هذه الأمة فقال رجلان من مزينة ينزلان جبلا من جبال العرب ، يقال له ورقان كل هذا من قول البكري في كتاب معجم ما استعجم . فصل وذكر أشمذين بكسر الذال وفي حاشية كتاب سفيان بن العاص الأشمذان جبلان [ بين المدينة وخيبر ] ، ويقال اسم قبيلتين ثم قال في الحاشية فعلى هذا تكون الرواية بفتح الذال وكسر النون من أشمذين - قال المؤلف رحمه الله - فإن صح أنهما اسم قبيلتين فلا يبعد أن تكون الرواية كما في الأصل أشمذين بكسر الذال لأنه جمع في المعنى . واشتقاق الأشمذ من شمذات الناقة بذنبها أي رفعته ويقال للنحل شمذ لأنها ترفع أعجازها . وفيه مررن على الحيل وفسره الشيخ في حاشية الكتاب فقال هو الماء المستنقع في بطن واد ووجدت في غير أصل الشيخ روايتين إحداهما : مررن على الحل والأخرى : مررن على الحلي فأما الحل : فجمع حلة وهي بقلة شاكة . ذكره ابن دريد في الجمهرة . وأما الحلي فيقال إنه ثمر القلقلان وهو نبت . وقوله فيها : نخبزهم . أي نسوقهم سوقا شديدا ، وقد تقدم قول الراجز . لا تخبزا خبزا وبسا بسا . وذكر شعر رزاح الآخر وفيه من الأعراف أعراف الجناب . بكسر الجيم وهو موضع من بلاد قضاعة . وفيه وقام بنو علي وهم بنو كنانة ، وإنما سموا ببني علي لأن عبد مناة بن كنانة كان ربيبا لعلي بن مسعود بن مازن من الأزد جد سطيح الكاهن فقيل لبني كنانة بنو علي وأحسبه أراد في هذا البيت بني بكر بن عبد مناة لأنهم قاموا مع خزاعة . شعر قصي والعذرتاق وذكر شعر قصي : أنا ابن العاصمين بني لؤي الأبيات وليس فيها ما يشكل . فلما استقر رزاح بن ربيعة في بلاده نشره الله ونشر حنا ، فهما قبيلا عذرة اليوم . وقد كان بين رزاح بن ربيعة ، حين قدم بلاده وبين نهد بن زيد وحوتكة بن أسلم ، وهما بطنان من قضاعة شيء فأخافهم حتى لحقوا باليمن وأجلوا من بلاد قضاعة ، فهم اليوم باليمن فقال قصي بن كلاب ، وكان يحب قضاعة ونماءها واجتماعها ببلادها ، لما بينه وبين رزاح من الرحم ولبلائهم عنده إذ أجابوه إذ دعاهم إلى نصرته وكره ما صنع بهم رزاح : ألا من مبلغ عني رزاحا فإني قد لحيتك في اثنتين لحيتك في بني نهد بن زيد كما فرقت بينهم وبيني وحوتكة بن أسلم إن قوما عنوهم بالمساءة قد عنوني قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي . ________________________________________ وذكر أن رزاحا حين استقر في بلاده نشر الله ولده وولد حن بن ربيعة ، فهما حيا عذرة . قال المؤلف في قضاعة : عذرتان عذرة بن رفيدة وهم من بني كلب بن وبرة . وعذرة بن سعد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، وأسلم هذا هو بضم اللام من ولد حن بن ربيعة أخي رزاح بن ربيعة جد جميل بن عبد الله بن معمر صاحب بثينة ومعمر هو ابن ولد الحارث بن خيبر بن ظبيان وهو الضبيس بن حن . وبثينة أيضا من ولد حن وهي بنت حبان بن ثعلبة بن الهوذي بن عمرو بن الأحب بن حن [ وفي قضاعة أيضا عذرة بن عدي وفي الأزد : عذرة بن عداد ] . حوتكة وأسلم وذكر حوتكة بن أسلم وبني نهد بن زيد وإجلاء رزاح لهم وحوتكة هو عم نهد بن زيد بن أسلم ، وليس في العرب أسلم بضم اللام إلا ثلاثة . اثنان منها في قضاعة ، وهما : أسلم بن الحاف هذا ، وأسلم بن تدول بن تيم اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب ، والثالث في عك أسلم بن القياتة بن غابن بن الشاهد بن عك وما عدا هؤلاء فأسلم بفتح اللام . ذكره ابن حبيب في المؤتلف والمختلف . قال ابن إسحاق : فلما كبر قصي ورق عظمه وكان عبد الدار بكره وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب وعبد العزى وعبد . قال قصي لعبد الدار أما والله يا بني لألحقنك بالقوم وإن كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل رجل منهم الكعبة ، حتى تكون أنت تفتحها له ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك ، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا في دارك ، فأعطاه داره دار الندوة ، التي لا تقضي قريش أمرا من أمورها إلا فيها ، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة . من فرض الرفادة وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد . وذلك أن قصيا فرضه على قريش ، فقال لهم حين أمرهم به يا معشر قريش إنكم جيران الله ، وأهل بيته وأهل الحرم ، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ففعلوا ، فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا ، فيدفعونه إليه فيصنعه طعاما للناس أيام منى ، فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام إلى يومك هذا ، فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج . قال ابن إسحاق : حدثني بهذا من أمر قصي بن كلاب ، وما قال لعبد الدار فيما دفع إليه مما كان بيده أبي إسحاق بن يسار ، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال سمعته يقول ذلك لرجل من بني عبد الدار يقال له نبيه بن وهب بن عامر بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي . قال الحسن فجعل إليه قصي كل ما كان بيده من أمر قومه وكان قصي لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه . ذكر ما جرى من اختلاف قريش بعد قصي وحلف المطيبين قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب هلك فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده فاختطوا مكة رباعا - بعد الذي كان قطع لقومه بها - فكانوا يقطعونها في قومهم وفي غيرهم من حلفائهم ويبيعونها فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ثم إن بني عبد مناف بن قصي عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار بن قصي مما كان قصي جعل إلى عبد الدار من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم أحق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم وكانت طائفة مع بني عبد الدار . يرون أن لا ينزع منهم ما كان قصي جعل إليهم . فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف وذلك أنه كان أسن بني عبد مناف وكان صاحب أمر بني عبد الدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار . فكان بنو أسد بن عبد العزى بن قصي ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرة بن كعب ، وبنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ، مع بني عبد مناف . وكان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو عدي بن كعب مع بني عبد الدار وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فهر ، فلم يكونوا مع واحد من الفريقين . فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة . فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا ، فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف أخرجتها لهم فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ، ثم غمس القوم أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين . وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا ، على أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا ، فسموا الأحلاف . ثم سوند بين القبائل ولز بعضها ببعض فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم وعبيت بنو أسد لبني عبد الدار وعبيت زهرة لبني جمح وعبيت بنو تيم لبني مخزوم وعبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدي بن كعب ، ثم قالوا : لتقن كل قبيلة من أسند إليها . فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والقوة لبني عبد الدار كما كانت ففعلوا ورضي كل واحد من الفريقين بذلك وتحاجز الناس عن الحرب وثبت كل قوم مع من حالفوا ، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله تعالى بالإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة . ________________________________________ عن حلف المطيبين فصل وذكر تنازع بني عبد مناف وبني عبد الدار فيما كان قصي جعل إليهم وذكر في ذلك حلف المطيبين وسماهم وذكر أن امرأة من نساء عبد مناف هي التي أخرجت لهم جفنة من طيب فغمسوا أيديهم فيها ، ولم يسم المرأة وقد سماها الزبير في موضعين من كتابه فقال هي أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوأمة أبيه . قال وكان المطيبون يسمون الدافة جمع دائف بتخفيف الفاء لأنهم دافوا الطيب . السناد والإقواء وذكر أن القبائل سوند بعضها إلى بعض لتكفي كل قبيلة ما سوند إليها ، فسوند من السناد وهي مقابلة في الحرب بين كل فريق وما يليه من عدوه ومنه أخذ سناد الشعر وهو أن يتقابل المصراعان من البيت فيكون قبل حرف الروي حرف مد ولين ويكون في آخر البيت الثاني قبل حرف الروي حرف لين وهي ياء أو واو مفتوح ما قبلها كقول عمرو بن كلثوم : ألا هبي بصحنك فاصبحينا ثم قابله في بيت آخر بقوله - تصفقها الرياح إذا جرينا - فكأن الياء المفتوح ما قبلها قد سوندت بها إلى الياء المكسور ما قبلها ، فتقابلتا ، وهما غير متفقتين في المد كما يتقابل القبيلتان وهما مختلفتان متعاديتان وأما الإقواء فهو أن ينقص قوة من المصراع الأول كما تنقص قوة من قوى الحبل وذلك أن ينقص من آخر المصراع الأول حرف من الوتد كقوله أفبعد مقتل مالك بن زهير ترجو النساء عواقب الأطهار وكقوله الآخر لما رأت ماء السلى مشروبا والفرث يعصر في الإناء أرنت وكان الأصمعي يسمي هذا الإقواء المقعد ذكره عنه أبو عبيد ، وقال عدي بن الرقاع [ العاملي ] في السناد وقصيدة قد بت أجمع بيتها حتى أثقف ميلها وسنادها حلف الفضول قال ابن هشام : وأما حلف الفضول فحدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه . فكان حلفهم عنده بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبد العزى ، وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول . ________________________________________ حلف الفضول وذكر ابن هشام الحلف الذي عقدته قريش بينها على نصرة كل مظلوم بمكة قال ويسمى حلف الفضول ولم يذكر سبب هذه التسمية وذكرها ابن قتيبة ، فقال كان قد سبق قريشا إلى مثل هذا الحلف جرهم في الزمن الأول فتحالف منهم ثلاثة هم ومن تبعهم أحدهم الفضل بن فضالة ، والثاني : الفضل بن وداعة ، والثالث فضيل بن الحارث . هذا قول القتبي . وقال الزبير الفضيل بن شراعة والفضل بن وداعة ، والفضل بن قضاعة ، فلما أشبه حلف قريش الآخر فعل هؤلاء الجرهميين سمي حلف الفضول والفضول جمع فضل وهي أسماء أولئك الذين تقدم ذكرهم . وهذا الذي قاله ابن قتيبة حسن ولكن في الحديث ما هو أقوى منه وأولى . روى الحميدي عن سفيان عن عبد الله عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت . تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها ، وألا يعز ظالم مظلوما . ورواه في مسند الحارث بن عبد الله بن أبي أسامة التميمي . فقد بين هذا الحديث لم سمي حلف الفضول وكان حلف الفضول بعد الفجار وذلك أن حرب الفجار كانت في شعبان وكان حلف الفضول في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب . وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب ، وكان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل وكان ذا قدر بمكة وشرف فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف : عبد الدار ومخزوما وجمح وسهما وعدي بن كعب ، فأبوا أن يعينوه على العاصي بن وائل وزبروه أي انتهروه فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة ، فصاح بأعلى صوته يا آل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنفر ومحرم أشعث لم يقض عمرته يا للرجال وبين الحجر والحجر إن الحرام لمن تمت كرامته ولا حرام لثوب الفاجر الغدر فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب ، وقال ما لهذا مترك فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان ، فصنع لهم طعاما ، وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياما ، فتعاقدوا ، وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وما رسا حراء وثبير مكانهما ، وعلى التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول وقالوا : لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ثم مشوا إلى العاصي بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه وقال الزبير رضي الله عنه حلفت لنقعدن حلفا عليهم وإن كنا جميعا أهل دار نسميه الفضول إذا عقدنا يعز به الغريب لدى الجوار ويعلم من حوالي البيت أنا أباة الضيم نمنع كل عار وقال الزبير بن عبد المطلب : إن الفضول تحالفوا ، وتعاقدوا ألا يقيم ببطن مكة ظالم أمر عليه تعاهدوا ، وتواثقوا فالجار والمعتر فيهم سالم وذكر قاسم بن ثابت في غريب الحديث أن رجلا من خثعم قدم مكة معتمرا ، أو حاجا ، ومعه بنت له يقال لها : القتول من أوضأ نساء العالمين فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه فقال الخثعمي : من يعديني على هذا الرجل فقيل له عليك بحلف الفضول فوقف عند الكعبة ، ونادى : يا لحلف الفضول فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب وقد انتضوا أسيافهم يقولون جاءك الغوث ، فما لك ؟ فقال إن نبيها ظلمني في ابنتي ، وانتزعها مني قسرا ، فساروا معه حتى وقفوا على باب الدار فخرج إليهم فقالوا له أخرج الجارية ويحك ، فقد علمت من نحن وما تعاقدنا عليه فقال أفعل ولكن متعوني بها الليلة فقالوا له لا والله ولا شخب لقحة فأخرجها إليهم وهو يقول راح صحبي ولم أحي القتولا لم أودعهم وداعا جميلا ذ أجد الفضول أن يمنعوها قد أراني ، ولا أخاف الفضولا لا تخالي أني عشية راح الر كب هنتم علي ألا أقولا في أبيات غير هذه ذكرها الزبير وذكر من قوله فيها أيضا : حلت تهامة حلة من بيتها ووطائها ولها بمكة منزل من سهلها وحرائها أخذت بشاشة قلبه ونأت فكيف بنأيها قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ، ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ________________________________________ الحلف وابن جدعان فصل وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت وعبد الله بن جدعان هذا تيمي هو ابن جدعان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم يكنى : أبا زهير ابن عم عائشة - رضي الله عنها - ولذلك قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إ ن ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة ؟ فقال لا إنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أخرجه مسلم . ومن غريب الحديث لابن قتيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان صكة عمي يعني : في الهاجرة وسميت الهاجرة صكة عمي لخبر ذكره أبو حنيفة في الأنواء أن عميا رجل من عدوان ، وقيل من إياد ، وكان فقيه العرب في الجاهلية فقدم في قوم معتمرا أو حاجا : فلما كان على مرحلتين من مكة قال لقومه وهم في نحر الظهيرة من أتى مكة غدا في مثل هذا الوقت كان له أجر عمرتين فصكوا الإبل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد في مثل ذلك الوقت وأنشد وصك بها نحر الظهيرة صكة عمي وما يبغين إلا ظلالها في أبيات وعمي : تصغير أعمى على الترخيم فسميت الظهيرة صكة عمي به . وقال البكري في شرح الأمثال عمي : رجل من العماليق أوقع بالعدو في مثل ذلك الوقت فسمي ذلك الوقت صكة عمي والذي قاله أبو حنيفة أولى ، وقائله أعلى . وقال يعقوب عمي الظبي يتحير بصره في الظهيرة من شدة الحر . قال ابن قتيبة : وكانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير وسقط فيها صبي ، فغرق أي مات . وكان أمية بن أبي الصلت قبل أن يمدحه قد أتى بني الديان من بني الحارث بن كعب فرأى طعام بني عبد المدان منهم لباب البر والشهد والسمن وكان ابن جدعان يطعم التمر والسويق ويسقي اللبن فقال أمية ولقد رأيت الفاعلين وفعلهم فرأيت أكرمهم بني الديان البر يلبك بالشهاد طعامهم لا ما يعللنا بنو جدعان فبلغ شعره عبد الله بن جدعان ، فأرسل ألفي بعير إلى الشام ، تحمل إليه البر والشهد والسمن وجعل مناديا ينادي على الكعبة : ألا هلموا إلى جفنة عبد الله بن جدعان ، فقال أمية عند ذلك له داع بمكة مشمعل وآخر فوق كعبتها ينادي إلى ردح من الشيزى عليها لباب البر يلبك بالشهاد وكان ابن جدعان في بدء أمره صعلوكا ترب اليدين وكان مع ذلك شريرا فاتكا ، ولا يزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته ونفاه أبوه وحلف ألا يؤويه أبدا لما أثقله به من الغرم وحمله من الديات فخرج في شعاب مكة حائرا بائرا ، يتمنى الموت أن ينزل به فرأى شقا في جبل فظن فيه حية فتعرض للشق يرجو أن يكون فيه ما يقتله فيستريح فلم ير شيئا ، فدخل فيه فإذا فيه ثعبان عظيم له عينان تقدان كالسراجين . فحمل عليه الثعبان فأفرج له فانساب عنه مستديرا بدارة عندها بيت فخطا خطوة أخرى ، فصفر به الثعبان وأقبل عليه كالسهم فأفرج عنه فانساب عنه قدما لا ينظر إليه فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه بيده فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فإذا جثث على سرر طوال لم ير مثلهم طولا وعظما ، وعند رءوسهم لوح من فضة فيه تاريخهم وإذ هم رجال من ملوك جرهم ، وآخرهم موتا : الحارث بن مضاض صاحب الغربة الطويلة وإذا عليهم ثياب لا يمس منها شيء إلا انتثر كالهباء من طول الزمن وشعر مكتوب في اللوح فيه عظات آخر بيت من ه صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما قرى في الحلاب وقال ابن هشام : كان اللوح من رخام وكان فيه أنا نفيلة بن عبد المدان بن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود نبي الله عشت خمسمائة عام وقطعت غور الأرض باطنها وظاهرها في طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك ينجيني من الموت وتحته مكتوب : قد قطعت البلاد في طلب الثر وة والمجد قالص الأثواب وسريت البلاد قفرا لقفر بقناتي وقوتي واكتسابي فأصاب الردى بنات فؤادي بسهام من المنايا صياب فانقضت شرتي ، وأقصر جهلي واستراحت عواذلي من عتابي ودفعت السفاه بالحلم لما نزل الشيب في محل الشباب صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما قرى في الحلاب وإذا في وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم على الشق بعلامة وأغلق بابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي خرج به يسترضيه ويستعطفه ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف . ذكر حديث كنز ابن جدعان موصولا بحديث الحارث بن مضاض ابن هشام في غير هذا الكتاب ووقع أيضا في كتاب ري العاطش وأنس الواحش لأحمد بن عمار وابن جدعان ممن حرم الخمر في الجاهلية بعد أن كان مغرى بها ، وذلك أنه سكر فتناول القمر ليأخذه فأخبر بذلك حين صحا ، فحلف لا يشربها أبدا ، ولما كبر وهرم أراد بنو تميم أن يمنعوه من تبديد ماله ولاموه في العطاء فكان يدعو الرجل فإذا دنا منه لطمه لطمة خفيفة ثم يقول له قم فانشد لطمتك ، واطلب ديتها ، فإذا فعل ذلك أعطته بنو تميم من مال ابن جدعان حتى يرضى ، وهو جد عبيد الله بن أبي مليكة الفقيه . والذي وقع في هذا الحديث من ذكر نفيلة أحسبه نفيلة بالنون والفاء لأن بني نفيلة كانوا ملوك الحيرة ، وهم من غسان ، لا من جرهم ، والله أعلم . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان . والوليد يومئذ أمير على المدينة ، أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة ، فكان الوليد تحامل على الحسين - في حقه لسلطانه فقال له الحسين أحلف بالله لتنصفني من حقي ، أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لأدعون بحلف الفضول قال فقال عبد الله بن الزبير ، وهو عند الوليد حين قال الحسين - رضي الله عنه - ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا . قال فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري ، فقال مثل ذلك وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي ، فقال مثل ذلك فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف - وكان محمد بن جبير أعلم قريش - فدخل على عبد الملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير واجتمع الناس على عبد الملك فلما دخل عليه قال له با أبا سعيد ألم نكن نحن وأنتم يعني بني عبد شمس بن عبد مناف وبني نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول ؟ قال أنت أعلم قال عبد الملك لتخبرني يا أبا سعيد بالحق من ذلك فقال لا والله لقد خرجنا نحن وأنتم منه قال صدقت . ________________________________________ موقف الإسلام من الحلف فصل وذكر خبر الحسين مع الوليد بن عتبة ، وقوله لآخذن سيفي ، ثم لأدعون بحلف الفضول إلى آخر القصة وفيه من الفقه تخصيص أهل هذا الحلف بالدعوة وإظهار التعصب إذا خافوا ضيما ، وإن كان الإسلام قد رفع ما كان في الجاهلية من قولهم يا لفلان عند التحزب والتعصب وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم المريسيع رجلا يقول يا للمهاجرين وقال آخر يا للأنصار فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوها فإنها منتنة وقال - صلى الله عليه وسلم - من ادعى بدعوى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ونادى رجل بالبصرة يا لعامر فجاءه النابعة الجعدي بعصبة له فضربه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - خمسين جلدة وذلك أن الله عز وجل جعل المؤمنين إخوة ولا يقال إلا كما قال عمر رضي الله عنه يا لله ويا للمسلمين لأنهم كلهم حزب واحد وإخوة في الدين إلا ما خص الشرع به أهل حلف الفضول والأصل في تخصيصه قوله - صلى الله عليه وسلم - ولو دعيت به اليوم لأجبت يريد لو قال قائل من المظلومين يا لحلف الفضول لأجبت ، وذلك أن الإسلام إنما جاء بإقامة الحق ونصرة المظلومين فلم يزدد به هذا الحلف إلا قوة وقوله عليه السلام وما كان من حلف في الجاهلية فلن يزيده الإسلام إلا شدة ليس معناه أن يقول الحليف يا لفلان لحلفائه فيجيبوه بل الشدة التي عنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هي راجعة إلى معنى التواصل والتعاطف والتآلف وأما دعوى الجاهلية فقد رفعها الإسلام إلا ما كان من حلف الفضول كما قدمنا ، فحكمه باق والدعوة به جائزة وقد ذهبت طائفة من الفقهاء إلى أن الحليف يعقل مع العاقلة إذا وجبت الدية لقوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة ولقوله أيضا للذي حبسه في المسجد إنما حبستك بجريرة حلفائك . قال ابن إسحاق فولي الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة وكان مقلا ذا ولد وكان هاشم موسرا فكان - فيما يزعمون - إذا حضر الحج ، قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله ، وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله وحجاج بيته وهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها ; فإنه - والله - لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه . فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم كل امرئ بقدر ما عنده فيصنع به للحجاج طعام حتى يصدروا منها . وكان هاشم - فيما يزعمون - أول من سن الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة وإنما كان اسمه عمرا ، فما سمي هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه فقال شاعر من قريش أو من بعض العرب : عمرو الذي هشم الثريد لقومه قوم بمكة مسنتين عجاف سنت إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الإيلاف قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر من أهل الحجاز : قوم بمكة مسنتين عجاف ________________________________________ عن أولاد عبد مناف فصل وذكر بني عبد مناف الأربعة وقد كان له ولد خامس وهو أبو عمرو ، واسمه عبيد ، درج ولا عقب له ذكره البرقي والزبير وكذلك ذكر البرقي أن قصيا كان سمى ابنه عبد قصي ، وقال سميته بنفسي وسميت الآخر بدار الكعبة ، يعني : عبد الدار ثم إن الناس حولوا اسم عبد قصي ، فقالوا : عبد بن قصي ، وقال الزبير أيضا : كان اسم عبد الدار عبد الرحمن . وذكر هاشما وما صنع في أمر الرفادة وإطعام الحجيج وأنه سمي هاشما لهشمه الثريد لقومه والمعروف في اللغة أن يقال ثردت الخبز فهو ثريد ومثرود فلم يسم ثاردا ، وسمي هاشما ، وكان القياس - كما لا يسمى الثريد هشيما ، بل يقال فيه - ثريد ومثرود - أن يقال في اسم الفاعل أيضا كذلك ولكن سبب هذه التسمية يحتاج إلى زيادة بيان . ذكر أصحاب الأخبار أن هاشما كان يستعين على إطعام الحاج بقريش فيرفدونه بأموالهم ويعينونه ثم جاءت أزمة شديدة فكره أن يكلف قريشا أمر الرفادة فاحتمل إلى الشام بجميع ماله واشترى به أجمع كعكا ودقيقا ، ثم أتى الموسم فهشم ذلك الكعك كله هشما ، ودقه دقا ، ثم صنع للحجاج طعاما شبه الثريد فبذلك سمي هاشما لأن الكعك اليابس لا يثرد وإنما يهشم هشما ، فبذلك مدح حتى قال شاعرهم فيه وهو عبد الله بن الزبعرى : كانت قريش بيضة فتفقأت فالمح خالصه لعبد مناف الخالطين فقيرهم بغنيهم والطاعنين لرحلة الأضياف والرائشين وليس يوجد رائش والقائلين هلم للأضياف عمرو العلا هشم الثريد لقومه قوم بمكة مسنتين عجاف وكان سبب مدح ابن الزبعرى بهذه الأبيات وهو سهمي لبني عبد مناف - فيما ذكره ابن إسحاق في رواية يونس - أنه كان قد هجا قصيا بشعر كتبه في أستار الكعبة ، أوله ألهى قصيا عن المجد الأساطير ومشية مثل ما تمشي الشقارير فاستعدوا عليه بني سهم فأسلموه إليهم فضربوه وحلقوا شعره وربطوه إلى صخرة بالحجون فاستغاث قومه فلم يغيثوه فجعل يمدح قصيا ويسترضيهم فأطلقه بنو عبد مناف منهم وأكرموه فمدحهم بهذا الشعر وبأشعار كثيرة ذكرها ابن إسحاق في رواية يونس . قال ابن إسحاق : ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا ، فولي السقاية والرفادة من بعده المطلب بن عبد مناف ، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم وكان ذا شرف في قومه وفضل وكانت قريش إنما تسميه الفيض لسماحته وفضله . وكان هاشم بن عبد مناف قدم المدينة ، فتزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار وكانت قبله عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش . قال ابن هشام : ويقال الحريش بن جحجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، فولدت له عمرو بن أحيحة وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها ، إذا كرهت رجلا فارقته . فولدت لهاشم عبد المطلب ، فسمته شيبة فتركه هاشم عندها حتى كان وصيفا ، أو فوق ذلك ثم خرج إليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقالت له سلمى : لست بمرسلته معك ، فقال لها المطلب إني غير منصرف حتى أخرج به معي ، إن ابن أخي قد بلغ وهو غريب في غير قومه ونحن أهل بيت شرف في قومنا ، نلي كثيرا من أمرهم وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة في غيرهم أو كما قال . وقال شيبة لعمه المطلب - فيما يزعمون - لست بمفارقها إلا أن تأذن لي ، فأذنت له ودفعته إليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش : عبد المطلب ابتاعه فبها سمي شيبة عبد المطلب . فقال المطلب ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم قدمت به من المدينة . ________________________________________ عبد المطلب وابن ذي يزن فصل وذكر نكاح هاشم سلمى بنت عمرو النجارية وولادتها له عبد المطلب بن هاشم ، ومن أجل هذه الولادة قال سيف بن ذي يزن أو ابنه معدي كرب بن سيف ملك اليمن لعبد المطلب حين وفد عليه ركب من قريش : مرحبا بابن أختنا ، لأن سلمى من الخزرج ، وهم من اليمن من سبأ ، وسيف من حمير بن سبأ ، ثم قال له مرحبا وأهلا ، وناقة ورحلا ، وملكا سبحلا ، يعطي عطاء جزلا . ثم بشره بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه من ولده فقال له عبد المطلب : مثلك أيها الملك سر وبر ، ثم أجزل الملك حباءه وفضله على أصحابه وانصرف مغبوطا على ما أعطاه الملك فقال والله لما بشرني به أحب إلي من كل ما أعطاني . في خبر فيه طول . نسب أحيحة وذكر نسب أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبى ، وقال ابن هشام : هو الحريس يعني . بالسين المهملة - وقال الدارقطني عن الزبير بن أبي بكر إن كل ما في الأنصار فهو حريس بالسين غير معجمة إلا هذا ، ووجدت في حاشية كتاب أبي بحر - رحمه الله - صواب هذا الاسم يعني في نسب أحيحة بن الجلاح بن الحريش بالشين المعجمة على لفظ الحريش بن كعب البطن الذي في عامر بن صعصعة . ثم هلك المطلب بردمان من أرض اليمن ، فقال رجل من العرب يبكيه قد ظمئ الحجيج بعد المطلب بعد الجفان والشراب المنثعب ليت قريشا بعده على نصب وقال مطرود بن كعب الخزاعي ، يبكي المطلب وبني عبد مناف جميعا حين أتاه نعي نوفل بن عبد مناف وكان نوفل آخرهم هلكا : يا ليلة هيجت ليلاتي إحدى ليالي القسيات وما أقاسي من هموم وما عالجت من رزء المنيات إذا تذكرت أخي نوفلا ذكرني بالأوليات ذكرني بالأزر الحمر وال أردية الصفر القشيبات أربعة كلهم سيد أبناء سادات لسادات ميت بردمان وميت بسل مان وميت بين غزات وميت أسكن لحدا لدى ال محجوب شرقي البنيات أخلصهم عبد مناف فهم من لوم من لام بمنجاة إن المغيرات وأبناءها من خير أحياء وأموات وكان اسم عبد مناف المغيرة وكان أول بني عبد مناف هلكا : هاشم بغزة من أرض الشام ، ثم عبد شمس بمكة ثم المطلب بردمان من أرض اليمن ، ثم نوفل بسلمان من ناحية العراق . فقيل لمطرود - فيما يزعمون - لقد قلت فأحسنت ، ولو كان أفحل مما قلت كان أحسن فقال أنظرني ليالي فمكث أياما ، ثم قال يا عين جودي ، وأذري الدمع وانهمري وابكي على السر من كعب المغيرات يا عين واسحنفري بالدمع واحتفلي وابكي خبيئة نفسي في الملمات وابكي على كل فياض أخي ثقة ضخم الدسية وهاب الجزيلات محض الضريبة عالي الهم مختلق جلد النحيزة ناء بالعظيمات صعب البديهة لا نكس ولا وكل ماضي العزيمة متلاف الكريمات صقر توسط من كعب إذا نسبوا بحبوحة المجد والشم الرفيعات ثم اندبي الفيض والفياض مطلبا واستخرطي بعد فيضات بجمات أمسى بردمان عنا اليوم مغتربا يا لهف نفسي عليه بين أموات وابكي - لك الويل - إما كنت باكية لعبد شمس بشرقي البنيات وهاشم في ضريح وسط بلقعة تسفي الرياح عليه بين غزات ونوفل كان دون القوم خالصتي أمسى بسلمان في رمس بموماة لم ألق مثلهم عجما ولا عربا إذا استقلت بهم أدم المطيات أمست ديارهم منهم معطلة وقد يكونون زينا في السريات أفناهم الدهر أم كلت سيوفهم أم كل من عاش أزواد المنيات أصبحت أرضى من الأقوام بعدهم بسط الوجوه وإلقاء التحيات يا عين فابكي أبا الشعث الشجيات يبكينه حسرا مثل البليات يبكين أكرم من يمشي على قدم يعولنه بدموع بعد عبرات يبكين شخصا طويل الباع ذا فجر آبي الهضيمة فراج الجليلات يبكين عمرو العلا إذ حان مصرعه سمح السجية بسام العشيات يبكينه مستكينات على حزن يا طول ذلك من حزن وعولات يبكين لما جلاهن الزمان له خضر الخدود كأمثال الحميات محتزمات على أوساطهن لما جر الزمان من إحداث المصيبات أبيت ليلي أراعي النجم من ألم أبكي ، وتبكي معي شجوي بنياتي ما في القروم لهم عدل ولا خطر ولا لمن تركوا شروى بقيات أبناؤهم خير أبناء وأنفسهم خير النفوس لدى جهد الأليات كم وهبوا من طمر سابح أرن ومن طمرة نهب في طمرات ومن سيوف من الهندي مخلصة ومن رماح كأشطان الركيات ومن توابع مما يفضلون بها عند المسائل من بذل العطيات فلو حسبت وأحصى الحاسبون معي لم أقض أفعالهم تلك الهنيات هم المدلون إما معشر فخروا عند الفخار بأنساب نقيات زين البيوت التي خلوا مساكنها فأصبحت منهم وحشا خليات أقول والعين لا ترقا مدامعها : لا يبعد الله أصحاب الرزيات قال ابن هشام : الفجر العطاء قال أبو خراش الهذلي : عجف أضيافي جميل بن معمر بذي فجر تأوي إليه الأرامل قال ابن إسحاق : أبو الشعث الشجيات هاشم بن عبد مناف . ________________________________________ فصل وأنشد لمطرود بن كعب يا ليلة هيجت ليلاتي إحدى ليالي القسيات أي أنت إحدى ليالي القسيات . فعيلات من القسوة أي لا لين عندهن ولا رأفة فيهن ويجوز أن يكون عندهم من الدرهم القسي وهو الزائف وقد قيل في الدرهم القسي إنه أعجمي معرب وقيل هو من القساوة لأن الدرهم الطيب ألين من الزائف والزائف أصلب منه . ونصب ليلة على التمييز كذلك قال سيبويه في قول الصلتان العبدي أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله وذلك أن في الكلام معنى التعجب . وقوله وميت بغزات . هي غزة ، ولكنهم يجعلون لكل ناحية أو لكل ربض من البلدة اسم البلدة فيقولون غزات في غزة ، ويقولون في بغدان بغادين ، كما قال بعض المحدثين شربنا في بغادين على تلك الميادين ولهذا نظائر ستمر في الكتاب - إن شاء الله - ومن هذا الباب حكمهم للبعض بحكم الكل كما سموه باسمه نحو قولهم شرقت صدر القناة من الدم وذهبت بعض أصابعه وتواضعت سور المدينة . وقد تركبت على هذا الأصل مسألة من الفقه قال الفقهاء أو أكثرهم من حلف ألا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه فقد حنث فحكموا للبعض بحكم الكل وأطلقوا عليه اسمه . وفيه إن المغيرات وأبناءها من خير أحياء وأموات فالمغيرات بنو المغيرة ، وهو عبد مناف كما قالوا : المناذرة في بني المنذر والأشعرون في بني أشعر بن أدد كما قال علي بن عبد الله بن عباس في ابن الزبير آثر علي الحميدات والتويتات والأسامات يعني : بني حميد وبني تويت وبني أسامة وهم من بني أسد بن عبد العزى . وأنشد له في القصيدة التاوية محض الضريبة ، عالي الهم مختلق أي عظيم الخلق جلد النحيزة ناء بالعظيمات . ليس قوله ناء من النأي فتكون الهمزة فيه عين الفعل وإنما هو من ناء ينوء إذا نهض فالهمزة فيه لام الفعل كما هو في جاء عند الخليل فإنه عنده مقلوب ووزنه فالع والياء التي بعد الهمزة هي عين الفعل في جاء يجيء . وفيه " شرقي البنيات " يعني : البنية وهي الكعبة ، وهو نحو مما تقدم في غزات . وفيه الشعث الشجيات . فشدد ياء الشجي وإن كان أهل اللغة قد قالوا : ياء الشجي مخففة وياء الخلي مشددة وقد اعترض ابن قتيبة على أبي تمام الطائي في قوله أيا ويح الشجي من الخلي وويح الدمع من إحدى بلي واحتج بقول يعقوب في ذلك فقال له الطائي : ومن أفصح عندك : ابن الجرمقانية يعقوب أم أبو الأسود الدؤلي حيث يقول ؟ ويل الشجي من الخلي فإنه وصب الفؤاد بشجوه مغموم قال المؤلف وبيت مطرود أقوى في الحجة من بيت أبي الأسود الدؤلي لأنه جاهلي محكك وأبو الأسود أول من صنع النحو فشعره قريب من التوليد ولا يمتنع في القياس أيضا أن يقال شجي وشج لأنه في معنى : حزن وحزين وقد قيل من شدد الياء فهو فعيل بمعنى مفعول . وفيه بعد قوله أبا الشعث الشجيات . يبكينه حسرا مثل البليات . البلية الناقة التي كانت تعقل عند قبر صاحبها إذا مات حتى تموت جوعا وعطشا ، ويقولون إنه يحشر راكبا عليها ، ومن لم يفعل معه هذا حشر راجلا ، وهذا على مذهب من كان منهم يقول بالبعث وهم الأقل ، ومنهم زهير فإنه قال يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم وقال الشاعر في البلية والبلايا رءوسها في الولايا مانحات السموم حر الخدود والولايا : هي البراذع وكانوا يثقبون البرذعة فيجعلونها في عنق البلية وهي معقولة حتى تموت وأوصى رجل ابنه عند الموت بهذا : لا تتركن أباك يحشر مرة عدوا يخر على اليدين وينكب في أبيات ذكرها الخطابي . وقوله قياما كالحميات . أي مخترقات الأكباد كالبقر أو الظباء التي حميت الماء وهي عاطشة فحمية بمعنى : محمية لكنها جاءت بالتاء لأنها أجريت مجرى الأسماء كالرمية والضحية والطريدة وفي معنى الحمي قول رؤبة قواطن مكة من ورق الحمي يريد الحمام المحمي أي الممنوع . وقوله في رمس بموماة الأظهر فيه أن تكون الميم أصلية ويكون مما ضوعفت فاؤه وعينه وحمله على هذا الأصل أولى لكثرته في الكلام وإن كان أصل الميم أن تكون زائدة إذا كانت أول الكلمة الرباعية أو الخماسية إلا أن يمنع من ذلك اشتقاق ولا اشتقاق ههنا ، أو يمنع من ذلك دخوله فيما قل من الكلام نحو قلق وسلس . قال أبو علي في المرمر حمله على باب قرقر وبربر أولى من حمله على باب قلق وسلس يريد إنك إن جعلت الميم زائدة كانت فاء الفعل - وهي الراء - مضاعفة دون عين الفعل وهي الميم وإذا جعلت الميم الأولى في مرمر أصلية كان من باب ما ضوعفت فيه الفاء والعين وهذا معنى قول سيبويه في المرمر مر وهو القياس المستتب ، والطريق المهيع دون ما ضوعفت فيه الفاء وحدها ، فتأمله . وقوله طويل الباع ذا فجر . الفجر الجود شبه بانفجار الماء . ويروى ذا فنع والفنع كثرة المال وقد قال أبو محجن الثقفي : وقد أجود وما مالي بذي فنع وأكتم السر فيه ضربة العنق وقوله بسام العشيات يعني : أنه يضحك للأضياف ويبسم عند لقائهم كما قال الآخر وهو حاتم الطائي : أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي ، والمحل جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب ثم ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب فأقامها للناس وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه وأحبه قومه وعظم خطره فيهم . ذكر حفر زمزم وما جرى من الخلف فيها ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم . قال ابن إسحاق : وكان أول ما ابتدئ به عبد المطلب من حفرها ، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي : أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها ، قال قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة . قال قلت : وما طيبة ؟ قال ثم ذهب عني . فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر برة . قال فقلت : وما برة ؟ قال ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت فيه فجاءني فقال احفر المضنونة . قال قلت : وما المضنونة ؟ قال ثم ذهب عني . فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم . قال قلت : وما زمزم ؟ قال لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل . ________________________________________ حديث زمزم وكانت زمزم - كما تقدم - سقيا إسماعيل عليه السلام فجرها له روح القدس بعقبه وفي تفجيره إياها بالعقب دون أن يفجرها باليد أو غيره إشارة إلى أنها لعقبه وراثة وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته كما قال سبحانه وجعلها كلمة باقية في عقبه [ الزخرف 43 ] . أي في أمة محمد - عليه السلام - ثم إن زمزم لما أحدثت جرهم في الحرم ، واستخفوا بالمناسك والحرم ، وبغى بعضهم على بعض واجترم تغور ماء زمزم واكتتم فلما أخرج الله جرهما من مكة بالأسباب التي تقدم ذكرها عمد الحارث بن مضاض الأصغر إلى ما كان عنده من مال الكعبة ، وفيه غزالان من ذهب وأسياف قلعية كان ساسان ملك الفرس قد أهداها إلى الكعبة ، وقيل سابور وقد قدمنا أن الأوائل من ملوك الفرس كانت تحجها إلى عهد ساسان أو سابور فلما علم ابن مضاض أنه مخرج منها ، جاء تحت جنح الليل حتى دفن ذلك في زمزم ، وعفى عليها ، ولم تزل دارسة عافيا أثرها ، حتى آن مولد المبارك الذي كان يستسقى بوجهه غيث السماء وتتفجر من بنانه ينابيع الماء صاحب الكوثر والحوض الرواء فلما آن ظهوره أذن الله تعالى لسقيا أبيه أن تظهر ولما اندفن من مائها أن تجتهر فكان - صلى الله عليه وسلم - قد سقت الناس بركته قبل أن يولد وسقوا بدعوته وهو طفل حين أجدبت البلد وذلك حين خرج به جده مستسقيا لقريش وسيأتي بيان ذلك - فيما بعد إن شاء الله - وسقيت الخليقة كلها غيوث السماء في حياته الفينة بعد الفينة والمرة بعد المرة ، وتارة بدعائه وتارة من بنانه وتارة بإلقاء سهمه ثم بعد موته - عليه السلام - استشفع عمر بعمه - رضي الله عنهما - عام الرمادة . وأقسم عليه به وبنبيه فلم يبرح حتى قلصوا لمازر واعتلقوا الحذاء وخاضوا الغدران وسمعت الرفاق المقبلة إلى المدينة في ذلك اليوم صائحا يصيح في السحاب أتاك الغوث أبا حفص أتاك الغوث أبا حفص كل هذا ببركة المبتعث بالرحمتين والداعي إلى الحياتين الموعود بهما على يديه في الدارين - صلى الله عليه وسلم - صلاة تصعد ولا تنفد وتتصل ولا تنفصل وتقيم ولا تريم ، إنه منعم كريم . أسماء زمزم فصل فأري عبد المطلب في منامه أن احفر طيبة ، فسميت طيبة ، لأنها للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وقيل له احتفر برة وهو اسم صادق عليها أيضا ، لأنها فاضت للأبرار وغاضت عن الفجار وقيل له احفر المضنونة . قال وهب بن منبه : سميت زمزم : المضنونة لأنها ضن بها على غير المؤمنين فلا يتضلع منها منافق وروى الدارقطني ما يقوي ذلك مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من شرب من زمزم فليتضلع فإنه فرق ما بيننا وبين المنافقين لا يستطيعون أن يتضلعوا منها أو كما قال . وفي تسميتها بالمضنونة رواية أخرى ، رواها الزبير أن عبد المطلب قيل له احفر المضنونة ضننت بها على الناس إلا عليك ، أو كما قال . العلامات التي رآها عبد المطلب وتأويلها ودل عليها بعلامات ثلاث بنقرة الغراب الأعصم وأنها بين الفرث والدم وعند قرية النمل ، ويروى أنه لما قام ليحفرها رأى ما رسم من قرية النمل ونقرة الغراب ولم ير الفرث والدم فبينا هو كذلك ندت بقرة بجازرها ، فلم يدركها ، حتى دخلت المسجد الحرام ، فنحرها في الموضع الذي رسم لعبد المطلب فسال هناك الفرث والدم فحفر عبد المطلب حيث رسم له . ولم تخص هذه العلامات الثلاث بأن تكون دليلا عليها إلا لحكمة إلهية وفائدة مشاكلة في علم التعبير والتوسم الصادق لمعنى زمزم ومائها . أما الفرث والدم فإن ماءها طعام طعم وشفاء سقم وهي لما شربت له وقد تقوت من مائها أبو ذر - رضي الله عنه - ثلاثين بين يوم وليلة فسمن حتى تكسرت عكنه [ وما وجد على كبده سخفة جوع ] فهي إذا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللبن إذا شرب أحدكم اللبن فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يسد مسد الطعام والشراب إلا اللبن وقد قال الله تعالى في اللبن من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين [ النحل 66 ] . فظهرت هذه السقيا المباركة بين الفرث والدم وكانت تلك من دلائلها المشاكلة لمعناها . وأما قوله الغراب الأعصم قال القتبي : الأعصم من الغربان الذي في جناحيه بياض وحمل على أبي عبيد لقوله في شرح الحديث الأعصم الذي في يديه بياض وقال كيف يكون للغراب يدان ؟ . وإنما أراد أبو عبيد أن هذا الوصف لذوات الأربع ولذلك قال إن هذا الوصف في الغربان عزيز وكأنه ذهب إلى الذي أراد ابن قتيبة من بياض الجناحين ولولا ذلك لقال إنه في الغربان محال لا يتصور . وفي مسند ابن أبي شيبة من طريق أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يغني عن قوليهما ، وفيه الشفاء أنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة الصالحة في النساء كالغراب الأعصم . قيل يا رسول الله وما الغراب الأعصم ؟ قال الذي إحدى رجليه بيضاء فالغراب في التأويل فاسق وهو أسود فدلت نقرته عند الكعبة على نقرة الأسود الحبشي بمعوله في أساس الكعبة يهدمها في آخر الزمان فكان نقر الغراب في ذلك المكان يؤذن بما يفعله الفاسق الأسود في آخر الزمان بقبلة الرحمن وسقيا أهل الإيمان وذلك عندما يرفع القرآن وتحيا عبادة الأوثان وفي الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخربن الكعبة ذو السويقتين من الحبشة وفي الصحيح أيضا من صفته أنه [ أسود ] أفحج [ يقلعها حجرا حجرا ] وهذا أيضا ينظر إلى كون الغراب أعصم إذ الفحج تباعد في الرجلين كما أن العصم اختلاف فيهما ، والاختلاف تباعد وقد عرف بذي السويقتين كما نعت الغراب بصفة في ساقيه فتأمله وهذا من خفي علم التأويل لأنها كانت رؤيا ، وإن شئت : كان من باب الزجر والتوسم الصادق والاعتبار والتفكير في معالم حكمة - الله تعالى - فهذا سعيد بن المسيب ، وهو من هو علما وورعا حين حدث بحديث البئر في البستان وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قعد على قفها ، ودلى رجليه فيها ، ثم جاء أبو بكر - رضي الله عنه - ففعل مثل ذلك ثم جاء عمر - رضي الله عنه - ففعل مثل ذلك ثم جاء عثمان فانتبذ منهم ناحية وقعد حجرة . قال سعيد بن المسيب : فأولت ذلك قبورهم اجتمعت قبور الثلاثة وانفرد قبر عثمان - رضي الله عنه - والله سبحانه يقول إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ الحجر : 75 ] . فهذا من التوسم والفراسة الصادقة وإعمال الفكر في دلائل الحكمة واستنباط الفوائد اللطيفة من إشارات الشريعة . وأما قرية النمل ، ففيها من المشاكلة أيضا ، والمناسبة أن زمزم هي عين مكة التي يردها الحجيج والعمار من كل جانب فيحملون إليها البر والشعير وغير ذلك وهي لا تحرث ولا تزرع كما قال سبحانه خبرا عن إبراهيم عليه السلام ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع إلى قوله وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون [ إبراهيم 37 ] وقرية النمل لا تحرث ولا تبذر وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب وفي مكة قال الله سبحانه وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان [ النحل 112 ] . مع أن لفظ قرية النمل مأخوذ من قريت الماء في الحوض إذا جمعته ، والرؤيا تعبر على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى ، فقد اجتمع اللفظ والمعنى في هذا التأويل - والله أعلم . من صفات زمزم وقد قيل لعبد المطلب في صفة زمزم : لا تنزف أبدا ، ولا تذم ، وهذا برهان عظيم لأنها لم تنزف من ذلك الحين إلى اليوم قط ، وقد وقع فيها حبشي فنزحت من أجله فوجدوا ماءها يثور من ثلاثة أعين أقواها وأكثرها ماء من ناحية الحجر الأسود ، وذكر هذا الحديث الدارقطني . وقوله ولا تذم ، فيه نظر وليس هو على ما يبدو من ظاهر اللفظ من أنها لا يذمها أحد ، ولو كان من الذم لكان ماؤها أعذب المياه ولتضلع منه كل من يشربه وقد تقدم في الحديث أنه لا يتضلع منها منافق فماؤها إذا مذموم عندهم وقد كان خالد بن عبد الله القسري أمير العراق يذمها ، ويسميها : أم جعلان واحتفر بئرا خارج مكة باسم الوليد بن عبد الملك وجعل يفضلها على زمزم ، ويحمل الناس على التبرك بها دون زمزم جرأة منه على الله - عز وجل - وقلة حياء منه وهو الذي يعلن ويفصح بلعن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - على المنبر وإنما ذكرنا هذا ، أنها قد ذمت فقوله إذا : لا تذم من قول العرب : بئر ذمة أي قليلة الماء فهو من أذممت البئر إذا وجدتها ذمة كما تقول أجبنت الرجل إذا وجدته جبانا ، وأكذبته إذا وجدته كاذبا ، وفي التنزيل فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ الأنعام 33 ] وقد فسر أبو عبيد في غريب الحديث قوله حتى مررنا ببئر ذمة . وأنشد مخيسة خزرا كأن عيونها ذمام الركايا أنكزتها المواتح فهذا أولى ما حمل عليه معنى قوله . ولا تذم ; لأنه نفي مطلق وخبر صادق والله أعلم - وحديث البئر الذمة التي ذكرها أبو عبيد ، حدثنا به أبو بكر بن العربي الحافظ قال أخبرنا القاضي أبو المطهر سعيد بن عبد الله بن أبي الرجاء قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة . قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا سليمان عن حميد عن يونس عن البراء قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير فأتينا على ركي ذمة يعني : قليلة الماء قال فنزل فيها ستة - أنا سادسهم - ماحة فأدليت إلينا دلو قال ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الركي فجعلنا فيها نصفها ، أو قريب ثلثيها ، فرفعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فجئت بإنائي . هل أجد شيئا أجعله في حلقي ، فما وجدت ، فرفعت الدلو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغمس يده فيها ، فقال ما شاء الله أن يقول - قال فأعيدت إلينا الدلو بما فيها ، قال فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق . قال ثم ساحت يعني : جرت نهرا . قال ابن إسحاق : فلما بين له شأنها ، ودل على موضعها ، وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ، ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فيها . فلما بدا لعبد المطلب الطي ، كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها . قال ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم فقالوا له فأنصفنا ، فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، قال فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا : كاهنة بني سعد هذيم قال نعم قال وكانت بأشراف الشام ، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر . قال والأرض إذ ذاك مفاوز . قال فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام ، فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم وقالوا : إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما شئت ، قال فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة - فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه - حتى يكون آخركم رجلا واحدا ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا ، قالوا : نعم ما أمرت به . فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا ، لعجز فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا ، فارتحلوا حتى إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها . فلما انبعثت به انفجرت من تحتها خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب ، وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش ، فقال هلم إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا ، فجاءوا ، فشربوا واستقوا . ثم قالوا : قد - والله - قضي لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا . فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها . قال ابن إسحاق : فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم ، وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم : ثم ادع بالماء الروي غير الكدر يسقي حجيج الله في كل مبر ليس يخاف منه شيء ما عمر فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش فقال تعلموا أني قد أمرت أن أحفر لكم زمزم ، فقالوا : فهل بين لك أين هي ؟ قال لا . قالوا فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت ، فإن يك حقا من الله يبين لك ، وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك . فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فيه فأتي فقيل له احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لم تندم وهي تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام جافل لم يقسم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقدا محكما ، ليست كبعض ما قد تعلم وهي بين الفرث والدم . قال ابن هشام : هذا الكلام والكلام الذي قبله من حديث علي في حفر زمزم من قوله " لا تنزف أبدا ولا تذم " إلى قوله " عند قرية النمل " عندنا سجع وليس شعرا . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين قيل له ذلك قال وأين هي ؟ قيل له عند قرية النمل ، حيث ينقر الغراب غدا . والله أعلم أي ذلك كان فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ، ووجد الغراب ينقر عندها . بين الوثنين إساف ونائلة اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها . فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالوا : والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما ، فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذد عني حتى أحفر ، فوالله لأمضين لما أمرت به . فلما عرفوا أنه نازع خلوا بينه وبين الحفر ، وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيرا ، حتى بدا له الطي ، فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيها حين خرجت من مكة ، ووجد فيها أسيافا قلعية وأدراعا فقالت له قريش يا عبد المطلب ، لنا معك في هذا شرك وحق ، قال لا ، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا : وكيف تصنع ؟ قال أجعل للكعبة قدحين ولي قدحين ولكم قدحين فمن خرج له قدحاه على شيء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شيء له قالوا : أنصفت ، فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوا صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل - وهبل صنم في جوف الكعبة ، وهو أعظم أصنامهم وهو الذي يعني أبو سفيان بن حرب يوم أحد حين قال أعل هبل أي أظهر دينك - وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل فضرب صاحب القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش . فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة وضرب في الباب الغزالين من ذهب فكان أول ذهب حليته الكعبة - فيما يزعمون - ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج . ________________________________________ اشتقاق مفازة وذكر حديث عبد المطلب في مسيره مع قريش إلى الكاهنة وذكر المفاوز التي عطشوا فيها . المفاوز جمع مفازة وفي اشتقاق اسمها ثلاثة أقوال . روي عن الأصمعي أنها سميت مفازة على جهة التفاؤل لراكبها بالفوز والنجاة ويذكر عن ابن الأعرابي أنه قال سألت أبا المكارم لم سميت الفلاة مفازة ؟ فقال لأن راكبها إذا قطعها وجاوزها فاز . وقال بعضهم معناها : مهلكة لأنه يقال فاز الرجل وفوز وفاد وفطس إذا هلك . وذكر في غير رواية علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - ثم ادع بالماء الروي غير الكدر يقال ماء روى بالكسر والقصر ورواء بالفتح والمد وفيه الجمع واسم الجمع يسقى حجيج الله في كل مبر . الحجيج جمع حاج . وفي الجموع على وزن فعيل كثير كالعبيد والبقير والمعيز والأبيل وأحسبه اسما للجمع لأنه لو كان جمعا له واحد من لفظه لجرى على قياس واحد كسائر الجموع وهذا يختلف واحده فحجيج واحده حاج ، وعبيد واحده عبد وبقير واحده بقرة [ ومعيز واحده ماعز ] إلى غير ذلك فجائز أن يقال إنه اسم للجمع غير أنه موضوع للكثرة ولذلك لا يصغر على لفظه كما تصغر أسماء الجموع فلا يقال في العبيد عبيد ، ولا في النخيل : نخيل بل يرد إلى واحده كما ترد الجموع في التصغير فيقال نخيلات وعبيدون وإذا قلت : نخيل أو عبيد ، فهو اسم يتناول الصغير والكبير من ذلك الجنس قال الله سبحانه وزرع ونخيل وقال وما ربك بظلام للعبيد [ فصلت 46 ] وحين ذكر المخاطبين منهم قال العباد وكذلك قال حين ذكر الثمر من النخيل : والنخل باسقات [ ق : 10 ] وقال أعجاز نخل منقعر [ القمر 20 ] فتأمل الفرق بين الجمعين في حكم البلاغة واختيار الكلام وأما في مذهب أهل اللغة فلم يفرقوا هذا التفريق ولا نبهوا على هذا الغرض الدقيق . 265 - شروح وقوله في كل مبر هو مفعل من البر يريد في مناسك الحج ومواضع الطاعة . وقوله مثل نعام جافل لم يقسم . الجافل من جفلت الغنم إذا انقلعت بجملتها ، ولم يقسم أي لم يتوزع ولم يتفرق . وقوله ليس يخاف منه شيء ما عمر . أي ما عمر هذا الماء فإنه لا يؤذي ، ولا يخاف منه ما يخاف من المياه إذا أفرط في شربها ، بل هو بركة على كل حال وعلى هذا يجوز أن يحمل قوله لا تنزف ولا تذم عاقبة شربها ، وهذا تأويل سائغ أيضا على ما قدمناه من التأويل وكلاهما صحيح في صفتها . وقوله وضرب [ في الباب ] الغزالين حلية الكعبة ، وهو أول ذهب حليت به الكعبة ، وقد قدمنا ذكر الغزالين ومن أهداهما إلى الكعبة ، ومن دفنهما من جرهم ، وتقدم أن أول من كسا الكعبة : تبع ، وأنه أول من اتخذ لها غلقا إلى أن ضرب لها عبد المطلب باب حديد من تلك الأسياف واتخذ عبد المطلب حوضا لزمزم يسقى منه فكان يخرب له بالليل حسدا له فلما غمه ذلك قيل له في النوم قل لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل وقد كفيتم فلما أصبح قال ذلك فكان بعد من أرادها بمكروه رمي بداء في جسده حتى انتهوا عنه . ذكره الزهري في سيره . ذكر بئار قبائل قريش بمكة قال ابن هشام : وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوي وهي البئر التي بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف . وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهي البئر التي عند المستنذر خطم الخندمة على فم شعب أبي طالب ، وزعموا أنه قال حين حفرها : لأجعلنها بلاغا للناس . قال ابن هشام : وقال الشاعر سقى الله أمواها عرفت مكانها جرابا وملكوما وبذر والغمرا قال ابن إسحاق : وحفر سجلة ، وهي بئر المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي يسقون عليها اليوم . ويزعم بنو نوفل أن المطعم ابتاعها من أسد بن هاشم ويزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم ، فاستغنوا بها عن تلك الآبار . وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه وحفرت بنو أسد بن عبد العزى : سقية وهي بئر بني أسد . وحفرت بنو عبد الدار أم أحراد . وحفرت بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بن وهب . وحفرت بنو سهم : الغمر ، وهي بئر بني سهم ، وكانت آبار حفائر خارجا من مكة قديمة من عهد مرة بن كعب ، وكلاب بن مرة ، وكبراء قريش الأوائل منها يشربون وهى رم ، ورم : بئر مرة بن كعب بن لؤي . وخم ، وخم . بئر بني كلاب بن مرة ، والحفر . قال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي : قال ابن هشام : وهو أبو أبي جهم بن حذيفة وقدما غنينا قبل ذلك حقبة ولا نستقي إلا بخم أو الحفر قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها إن شاء الله في موضعها . ________________________________________ بئار قريش بمكة وقوله وكانت قريش قبل حفر زمزم قد اتخذت بئارا بمكة . ذكروا أن قصيا كان يسقي الحجيج في حياض من أدم وكان ينقل الماء إليها من آبار خارجة من مكة منها : بئر ميمون الحضرمي ، وكان ينبذ لهم الزبيب ثم احتفر قصي العجول في دار أم هانئ بنت أبي طالب ، وهي أول سقاية احتفرت بمكة وكانت العرب إذا استقوا منها ارتجزوا ، فقالوا : نروى على العجول ثم ننطلق إن قصيا قد وفى وقد صدق بشبع الحج وري مغتبق فلم تزل العجول قائمة حياة قصي ، وبعد موته حتى كبر عبد مناف بن قصي ، فسقط فيها رجل من بني جعيل فعطلوا العجول واندفنت واحتفرت كل قبيلة بئرا ، واحتفر قصي سجلة ، وقال حين حفرها : أنا قصي ، وحفرت سجله تروي الحجيج زغلة فزغله وقيل بل حفرها هاشم ووهبها أسد بن هاشم لعدي بن نوفل وفي ذلك تقول خالدة بنت هاشم نحن وهبنا لعدي سجله تروي الحجيج زغلة فزغله وأما أم أحراد التي ذكرها ، فأحراد جمع : حرد وهي قطعة من السنام فكأنها سميت بهذا ، لأنها تنبت الشحم أو تسمن الإبل أو نحو هذا والحرد القطا الواردة للماء فكأنها تردها القطا والطير فيكون أحراد جمع : حرد بالضم على هذا . وقالت أمية بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار امرأة العوام بن خويلد حين حفرت بنو عبد الدار أم أحراد : نحن حفرنا البحر أم أحراد ليست كبذر البرور الجماد فأجابتها ضرتها : صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام رضي الله عنه نحن حفرنا بذر نسقي الحجيج الأكبر من مقبل ومدبر وأم أحراد شر وأما جراب فيحتمل أن يكون بمعنى : جريب نحو كبار وكبير والجريب الوادي ، والجريب أيضا : مكيال كبير والجريب أيضا : المزرعة . وأما ملكوم فهو عندي مقلوب والأصل ممكول من مكلت البئر إذا استخرجت ماءها ، والمكلة ماء الركية وقد قالوا : بئر عميقة ومعيقة فلا يبعد أن يكون هذا اللفظ كذلك يقال فيه ممكول وملكوم ، والملكوم في اللغة المظلوم إذا لم يكن مقلوبا . وأما بذر فمن التبذير وهو التفريق ولعل ماءها كان يخرج متفرقا من غير مكان واحد وهذا البناء في الأسماء قليل نحو : شلم وخضم وبذر وهي أسماء أعلام وشلم اسم بيت المقدس ، وأما في غير الأعلام فلا يعرف إلا البقم ولعل أصله أن يكون أعجميا ، فعرب . وأما خم وهي بئر مرة فهي من خممت البيت إذا كنسته ، ويقال فلان مخموم القلب أي نقيه فكأنها سميت بذلك لنقائها . وأما غدير خمت الذي عند الجحفة ، فسميت بغيضة عنده يقال لها : خم فيما ذكروا . وأما رم بئر بني كلاب بن مرة ، فمن رممت الشيء إذا جمعته وأصلحته ، ومنه الحديث كنا أهل ثمة ورمة ومنه الرمان في قول سيبويه ، لأنه عنده فعلان وأما الأخفش فيقول فيه فعال فيجعل فيه النون أصلية ويقول إن سميت به رجلا صرفته . ومن قول عبد شمس بن قصي : حفرت رما ، وحفرت خما حتى ترى المجد بها قد تما وأما شفية بئر بني أسد ، فقال فيها الحويرث بن أسد : ماء شفية كماء المزن وليس ماؤها بطرق أجن وأما سنبلة بئر بني جمح وهي بئر بني خلف بن وهب - فقال فيها شاعرهم نحن حفرنا للحجيج سنبله صوب سحاب ذو الجلال أنزله ثم تركناها برأس القنبله تصب ماء مثل ماء المعبله نحن سقينا الناس قبل المسأله من شرح شعر مسافر وأما الغمر : بئر بني سهم ، فقال فيها بعضهم نحن حفرنا الغمر للحجيج تثج ماء أيما ثجيج ذكر أكثره أبو عبيد البكري ، وبعض هذه الأرجاز أو أكثره في كتاب الزبير بن أبي بكر رحمة الله عليه . قال ابن إسحاق : فعفت زمزم على البئار التي كانت قبلها يسقى عليها الحاج وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ; ولفضلها على ما سواها من المياه ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها ، وعلى سائر العرب ، فقال مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهو يفخر على قريش بما ولوا عليهم من السقاية والرفادة وما أقاموا للناس من ذلك وبزمزم حين ظهرت لهم وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد شرف بعضهم لبعض شرف وفضل بعضهم لبعض فضل ورثنا المجد من آبا ئنا فنمى بنا صعدا ألم نسق الحجيج ونن حر الدلافة الرفدا ونلفى عند تصريف الم نايا شددا رفدا فإن نهلك فلم نملك ومن ذا خالد أبدا وزمزم في أرومتنا ونفقأ عين من جسد قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي . وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم وعبد مناف ذلك السيد الفهري طوى زمزما عند المقام فأصبحت سقايته فخرا على كل ذي فخر قال ابن هشام : يعني عبد المطلب بن هاشم . وهذان البيتان في قصيدة لحذيفة بن غانم سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . ________________________________________ فصل وذكر شعر مسافر بن أبي عمرو بن أمية . واسم أبي عمرو : ذكوان ، وهو الذي يقول فيه أبو سفيان ليت شعري مسافر بن أبي عم رو ، وليت يقولها المحزون بورك الميت الغريب كما بو رك نضح الرمان والزيتون في شعر يرثيه به وكان مات من حب صعبة بنت الحضرمي . وفي الشعر وننحر الدلافة الرفدا . الرفد جمع رفود من الرفد وهي التي تملأ إناءين عند الحلب . وقوله ونلفى عند تصريف المنايا شددا رفدا هو جمع رفود أيضا من الرفد وهو العون والأول من الرفد بفتح الراء [ وبكسرها ] وهو إناء كبير قال الشاعر رب رفد هرقته ذلك اليو م وأسرى من معشر أقتال وذكر أم عبد الله بن عبد المطلب ، وهي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران هكذا قال ابن هشام . وقال ابن إسحاق : عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم ، والصحيح ما قاله ابن هشام ; لأن الزبيريين ذكروا أن عبدا هو أخو عائذ بن عمران وأن بنت عبد هي صخرة امرأة عمرو بن عائذ على قول ابن إسحاق ; لأنها كانت له عمة لا بنت عم فتأمله فقد تكرر هذا النسب في السيرة مرارا ، وفي كل ذلك يقول ابن إسحاق : عائذ بن عبد بن عمران ، ويخالفه ابن هشام . وصخرة بنت عبد أم فاطمة أمها : تخمر بنت عبد بن قصي ، وأم تخمر سلمى بنت عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر . قاله الزبير . ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب بن هاشم - فيما يزعمون والله أعلم - قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم : لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة . فلما توافى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك فأطاعوه وقالوا : كيف نصنع ؟ قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني ، ففعلوا ، ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة ، وكان هبل على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة . وكان عند هبل قداح سبعة كل قدح منها فيه كتاب . قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله . وقدح فيه نعم . للأمر إذا أرادوه يضرب به في القداح فإن خرج قدح نعم عملوا به . وقدح فيه لا ، إذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح فإن خرج ذلك القداح لم يفعلوا ذلك الأمر وقدح فيه منكم وقدح فيه ملصق وقدح فيه من غيركم . وقدح فيه المياه إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما ، أو ينكحوا منكحا ، أو يدفنوا ميتا ، أو شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل وبمئة درهم وجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا : يا إلهنا هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا ، فأخرج الحق فيه . ثم يقولون لصاحب القداح اضرب فإن خرج عليه منكم كان منهم وسيطا ، وإن خرج عليه من غيركم كان حليفا ، وإن خرج عليه ملصق كان على منزلته فيهم لا نسب له ولا حلف وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا به وإن خرج لا ، أخروه عامه ذلك حتى يأتوه به مرة أخرى ، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح . فقال عبد المطلب لصاحب القداح اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه وكان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بني أبيه كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم . قال ابن إسحاق : وكان عبد الله - فيما يزعمون - أحب ولد عبد المطلب إليه فكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى . وهو أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها ، قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد الله فأخذه عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه فقامت إليه قريش من أنديتها ، فقالوا : ماذا تريد يا عبد المطلب ؟ قال أذبحه فقالت له قريش وبنوه والله لا تذبحه أبدا ، حتى تعذر فيه . لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا ؟ وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن يقظة - وكان عبد الله ابن أخت القوم والله لا تذبحه أبدا ، حتى تعذر فيه فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه . وقالت له قريش وبنوه . لا تفعل وانطلق به إلى الحجاز ، فإن به عرافة لها تابع فسلها ، ثم أنت على رأس أمرك ، إن أمرتك بذبحه ذبحته ، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته . فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوها - فيما يزعمون - بخيبر . فركبوا حتى جاءوها ، فسألوها ، وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه وما أراد به ونذره فيه فقالت لهم ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله . فرجعوا من عندها فلما خرجوا عنها قام عبد المطلب يدعو الله ثم غدوا عليها ، فقالت لهم قد جاءني الخبر ، كما الدية فيكم ؟ قالوا : عشر من الإبل وكانت كذلك . قالت فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا عليها ، وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم . فخرجوا حتى قدموا مكة ، فلما أجمعوا على ذلك من الأمر قام عبد المطلب يدعو الله ثم قربوا عبد الله وعشرا من الإبل وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل عشرين وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثلاثين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل أربعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل خمسين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ستين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل سبعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثمانين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل تسعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل مئة وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت قريش ومن حضر قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب ، فزعموا أن عبد المطلب قال لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا على عبد الله وعلى الإبل وقام عبد المطلب يدعو الله فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثانية وعبد المطلب قائم يدعو الله فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثالثة وعبد المطلب قائم يدعو الله فضربوا ، فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع . قال ابن هشام : ويقال إنسان ولا سبع . قال ابن هشام : وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر . ________________________________________ نذر عبد المطلب فصل وذكر نذر عبد المطلب أن ينحر ابنه إلى آخر الحديث . وفيه أن عبد الله يعني : والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أصغر بني أبيه وهذا غير معروف ولعل الرواية أصغر بني أمه وإلا فحمزة كان أصغر من عبد الله والعباس أصغر من حمزة وروي عن العباس - رضي الله عنه - أنه قال أذكر مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها ، فجيء بي حتى نظرت إليه وجعل النسوة يقلن لي : قبل أخاك ، قبل أخاك ، فقبلته ، فكيف يصح أن يكون عبد الله هو الأصغر مع هذا ؟ ولكن رواه البكائي كما تقدم ولروايته وجه وهو أن يكون أصغر ولد أبيه حين أراد نحره ثم ولد له بعد ذلك حمزة والعباس . وسائر حديث عبد المطلب ليس فيه ما يشكل . وفيه أن الدية كانت بعشر من الإبل قبل هذه القصة وأول من ودي بالمائة إذا : عبد الله . وقد قدمنا ما ذكره الأصبهاني عن أبي اليقظان أن أبا سيارة هو أول من جعل الدية مائة من الإبل وأما أول من ودي بالإبل من العرب : فزيد بن بكر بن هوازن قتله أخوه معاوية جد بني عامر بن صعصعة . وأما الكاهنة التي تحاكموا إليها بالمدينة فاسمها : قطبة . ذكرها عبد الغني في كتاب الغوامض والمبهمات وذكر ابن إسحاق في رواية يونس أن اسمها : سجاح . ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد الله بن عبد المطلب قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد عبد الله فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر : وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى : وهي عند الكعبة : فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله ؟ قال مع أبي . قالت لك مثل الإبل التي نحرت عنك : وقع علي الآن . قال أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه . ولا فراقه . فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر - وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا - فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا . وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وبرة لأم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .وأم حبيب لبرة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوضع عليها ، فحملت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج من عندها ، فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس ؟ قالت له فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس [ لي ] بك اليوم حاجة .وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب أنه كائن في هذه الأمة نبي . قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار : أنه حدث أن عبد الله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب وقد عمل في طين له وبه آثار من الطين فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت به من أثر الطين فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ثم خرج عامدا إلى آمنة فمر بها ، فدعته إلى نفسها ، فأبى عليها ، وعمد إلى آمنة فدخل عليها فأصابها ، فحملت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثم مر بامرأته تلك فقال لها : هل لك ؟ قالت لا ، مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت علي ودخلت على آمنة فذهبت بها . قال ابن إسحاق : فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس ، قالت فدعوته رجاء أن تكون تلك بي ، فأبى علي ودخل على آمنة فأصابها ، فحملت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوسط قومه نسبا ، وأعظمهم شرفا من قبل أبيه وأمه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون - فيما يتحدث الناس والله أعلم - أن آمنة ابنة وهب أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا . ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى ، من أرض الشام ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب ، أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هلك وأم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حامل به . ________________________________________ تزويج عبد الله فصل وذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب وذكر البرقي في سبب تزويج عبد الله آمنة أن عبد المطلب كان يأتي اليمن ، وكان ينزل فيها على عظيم من عظمائهم فنزل عنده مرة فإذا عنده رجل ممن قرأ الكتب فقال له ائذن لي أقس منخرك ، فقال دونك فانظر فقال أرى نبوة وملكا ، وأراهما في المنافين عبد مناف بن قصي ، وعبد مناف بن زهرة فلما انصرف عبد المطلب انطلق بابنه عبد الله فتزوج عبد المطلب هالة بنت وهيب وهي أم حمزة - رضي الله - عنه وزوج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب فولدت له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حول أمهات النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أمها وأم أمها ، والثالثة وهي برة بنت عوف وقد قدمنا في أول المولد ذكر أم الثالثة والرابعة والخامسة ونسبهن فلينطر هنالك . وأما أم هالة فهي العبلة بنت المطلب وأمها خديجة بنت سعيد بن سهم وقد أشكل على بعض الناس في هذا الخبر أن عبد المطلب نذر نحر أحد بنيه إذا بلغوا عشرة ثم ذكر ابن إسحاق أن تزويجه هالة أم ابنه حمزة كان بعد وفائه بنذره فحمزة والعباس - رضي الله عنهما - إنما ولدا بعد الوفاء بنذره وإنما كان جميع أولاده عشرة . ولا إشكال في هذا ، فإن جماعة من العلماء قالوا : كان أعمامه - عليه السلام - اثني عشر وقاله أبو عمر فإن صح هذا فلا إشكال في الخبر ، وإن صح قول من قال كانوا عشرة بلا مزيد فالولد يقع على البنين وبنيهم حقيقة لا مجازا ، فكان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده وولد ولده عشرة رجال حين وفى بنذره . المرأة التي دعت عبد الله ويروى أن عبد الله بن عبد المطلب حين دعته المرأة الأسدية إلى نفسها لما رأت في وجهه من نور النبوة ورجت أن تحمل بهذا النبي فتكون أمه دون غيرها ، فقال عبد الله حينئذ فيما ذكروا : أما الحرام فالحمام دونه والحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه ودينه ؟ واسم هذه المرأة رقية بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل ; تكنى : أم قتال وبهذه الكنية وقع ذكرها في رواية يونس عن ابن إسحاق ، وذكر البرقي عن هشام بن الكلبي قال إنما مر على امرأة اسمها : فاطمة بنت مر كانت من أجمل النساء وأعفهن وكانت قرأت الكتب فرأت نور النبوة في وجهه فدعته إلى نكاحها ، فأبى ، فلما أبى قالت إني رأيت مخيلة نشأت فتلألأت بحناتم القطر فلمأتها نورا يضيء به ما حوله كإضاءة الفجر ورأيت سقياها حيا بلد وقعت به وعمارة القفر ورأيته شرفا أبوء به ما كل قادح زنده يوري لله ما زهرية سلبت منك الذي استلبت وما تدري وفي غريب ابن قتيبة : أن التي عرضت نفسها عليه هي ليلى العدوية . ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل . قال ابن إسحاق : وحدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة . قال ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل فنحن لدتان . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري . قال حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ، قال والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له ويلك ما لك ؟ قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به . قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت : ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ؟ فقال ابن ستين وقدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين . قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت به أن تسميه . ________________________________________ فصل في المولد في تفسير بقي بن مخلد أن إبليس - لعنه الله - رن أربع رنات رنة حين لعن ورنة حين أهبط ورنة حين ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب . قال والرنين والنخار من عمل الشيطان . قال ويكره أن يقال أم الكتاب ولكن فاتحة الكتاب . وروي عن عثمان بن أبي العاص عن أمه أم عثمان الثقفية واسمها : فاطمة بنت عبد الله قالت " حضرت ولادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا ، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي " . ذكره أبو عمر في كتاب النساء . وذكره الطبري أيضا في التاريخ . وولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معذورا مسرورا ، أي مختونا مقطوع السرة يقال عذر الصبي وأعذر . إذا ختن وكانت أمه تحدث أنها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم ولا غير ذلك ولما وضعته - صلى الله عليه وسلم - وقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها ، وذكر ابن دريد أنه ألقيت عليه جفنة لئلا يراه أحد قبل جده فجاء جده والجفنة قد انفلقت عنه ولما قيل له ما سميت ابنك ؟ فقال محمدا ، فقيل له كيف سميت باسم ليس لأحد من آبائك وقومك ؟ فقال إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب ، وقد ذكر حديثها علي القيرواني العابر في كتاب البستان . قال كان عبد المطلب قد رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها ، فقصها ، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به أمه حين قيل لها : إنك حملت بسيد هذه الأمة فإذا وضعته فسميه محمدا . الحديث . اسم محمد وأحمد قال المؤلف لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة طمع آباؤهم - حين سمعوا بذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - وبقرب زمانه وأنه يبعث في الحجاز - أن يكون ولدا لهم . ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول وهم محمد بن سفيان بن مجاشع ، جد جد الفرزدق الشاعر والآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جمحى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، والآخر محمد بن حمران بن ربيعة ، وكان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك وكان عنده علم من الكتاب الأول فأخبرهم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وباسمه وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا ، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ذكر أن يسميه محمدا ، ففعلوا ذلك . قال المؤلف وهذا الاسم منقول من الصفة فالمحمد في اللغة هو الذي يحمد حمدا بعد حمد ولا يكون مفعل مثل مضرب وممدح إلا لمن تكرر فيه الفعل مرة بعد مرة . وأما أحمد فهو اسمه - صلى الله عليه وسلم - الذي سمي به على لسان عيسى وموسى - عليهما السلام - فإنه منقول أيضا من الصفة التي معناها التفضيل فمعنى أحمد أي أحمد الحامدين لربه وكذلك هو المعنى ; لأنه تفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله فيحمد ربه بها ; ولذلك يعقد له لواء الحمد . وأما محمد فمنقول من صفة أيضا ، وهو في معنى : محمود . ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك . فاسم محمد مطابق لمعناه والله - سبحانه - وتعالى سماه به قبل أن يسمي به نفسه فهذا علم من أعلام نبوته إذ كان اسمه صادقا عليه فهو محمود - عليه السلام - في الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود في الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ ثم إنه لم يكن محمدا ، حتى كان أحمد حمد ربه فنبأه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى - صلى الله عليه وسلم - فقال اسمه أحمد وذكره موسى - صلى الله عليه وسلم - حين قال له ربه تلك أمة أحمد فقال اللهم اجعلني من أمة أحمد فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل . وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الحامدين لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته . فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر والوجود وفي الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف أنزلت عليه سورة الحمد وخص بها دون سائر الأنبياء وخص بلواء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف شرع لنا سنة وقرآنا أن نقول عند اختتام الأفعال وانقضاء الأمور الحمد لله رب العالمين . قال الله سبحانه وتعالى : وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين [ الزمر 75 ] . وقال أيضا : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [ يونس 10 ] تنبيها لنا على أن الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور . وسن - صلى الله عليه وسلم - الحمد بعد الأكل والشرب وقال عند انقضاء السفر آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ثم انظر لكونه - عليه السلام - خاتم الأنبياء ومؤذنا بانقضاء الرسالة وارتفاع الوحي ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا مع أن الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الأمور مشروع عنده - تجد معاني اسميه جميعا ، وما خص به من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مطابقا لصفته وفي ذلك برهان عظيم وعلم واضح على نبوته وتخصيص الله له بكرامته وأنه قدم له هذه المقدمات قبل وجوده تكرمة له وتصديقا لأمره - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم . فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة ، فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها ، والتمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرضعاء . ________________________________________ تعويذ عبد المطلب وذكر أن عبد المطلب دخل به الكعبة وعوذه ودعا له . وفي غير رواية ابن هشام أن عبد المطلب قال وهو يعوذه الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان حتى يكون بلغة الفتيان حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من كل ذي شنآن من حاسد مضطرب العنان ذي همة ليس له عينان حتى أراه رافع السان أنت الذي سميت في القرآن في كتب ثابتة المثاني أحمد مكتوب على البيان تاريخ مولده فصل وذكر أن مولده عليه السلام كان في ربيع الأول وهو المعروف وقال الزبير كان مولده في رمضان وهذا القول موافق لقول من قال إن أمه حملت به في أيام التشريق والله أعلم . وذكروا أن الفيل جاء مكة في المحرم وأنه - صلى الله عليه وسلم - ولد بعد مجيء الفيل بخمسين يوما ، وهو الأكثر والأشهر وأهل الحساب يقولون وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان فكانت لعشرين مضت منه وولد بالغفر من المنازل وهو مولد النبيين ولذلك قيل خير منزلتين في الأبد بين الزنابا والأسد لأن الغفر يليه من العقرب زناباها ، ولا ضرر في الزنابا إنما تضر العقرب بذنبها ، ويليه من الأسد أليته وهو السماك والأسد لا يضر بأليته إنما يضر بمخلبه ونابه . وولد بالشعب ، وقيل بالدار التي عند الصفا ، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخي الحجاج ، ثم بنتها زبيدة مسجدا حين حجت . تحقيق وفاة أبيه وذكر أنه مات أبوه وهو حمل وأكثر العلماء على أنه كان في المهد . ذكره الدولابي وغيره قيل ابن شهرين ذكره [ أحمد ] ابن أبي خيثمة [ زهير بن حرب ] وقيل أكثر من ذلك ومات أبوه عند أخواله بني النجار ، ذهب ليمتار لأهله تمرا ، وقد قيل مات أبوه وهو ابن ثمان وعشرين شهرا ، وأنشدوا رجزا لعبد المطلب يقوله لابنه أبي طالب : أوصيك يا عبد مناف بعدي بموتم بعد أبيه فرد فارقه وهو ضجيع المهد وكان بينه وبين أبيه - عليه السلام - في السن ثمانية عشر عاما . قال ابن هشام : المراضع . وفي كتاب الله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام وحرمنا عليه المراضع قال ابن إسحاق : فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر ، يقال لها : حليمة ابنة أبي ذؤيب . وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان [ بن مضر ] . واسم أبيه الذي أرضعه - صلى الله عليه وسلم - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن . قال ابن هشام : ويقال هلال بن ناصرة . قال ابن إسحاق : وإخوته من الرضاعة عبد الله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث وخدامة بنت الحارث وهي الشيماء غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به . وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب ، عبد الله بن الحارث ، أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذا كان عندهم . ________________________________________ أبوه من الرضاعة وذكر الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ولم يذكر له إسلاما ، ولا ذكره كثير ممن ألف في الصحابة وقد ذكره يونس بن بكير في روايته فقال حدثنا ابن إسحاق قال حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عن رجال من بني سعد بن بكر ، قال قدم الحارث بن عبد العزى ، أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة حين أنزل عليه القرآن فقالت له قريش : ألا تسمع يا حار ما يقول ابنك هذا ؟ فقال وما يقول ؟ قالوا : يزعم أن الله يبعث بعد الموت وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه ويكرم فيهما من أطاعه فقد شتت أمرنا ، وفرق جماعتنا . فأتاه فقال أي بني ما لك ولقومك يشكونك ، ويزعمون أنك تقول إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم أنا أزعم ذلك ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت لقد أخذت بيدك ، حتى أعرفك حديثك اليوم فأسلم الحارث بعد ذلك وحسن إسلامه وكان يقول حين أسلم : لو قد أخذ ابني بيدي ، فعرفني ما قال ثم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة . تحقيق اسم ناصرة بن قصية وذكر ناصرة بن قصية في نسب حليمة . وهو عندهم فصية بالفاء تصغير فصاة وهي النواة . ووقع في الأصل في جميع النسخ قصية بالقاف . وقال أبو حنيفة أيضا : الفصا : حب الزبيب وهو من هذا المعنى . الشيماء وذكر الشيماء أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وقال في اسمها : خذامة بكسر الخاء المنقوطة وقال غيره حذافة بالحاء المضمومة وبالفاء مكان الميم وكذلك ذكره يونس في روايته عن ابن إسحاق ، وكذلك ذكره أبو عمر في كتاب النساء . شرح ما في حديث الرضاع الرضعاء والمراضع قال ابن إسحاق فالتمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرضعاء . قال ابن هشام إنما هو المراضع . قال وفي كتاب الله سبحانه وحرمنا عليه المراضع من قبل [ القصص 12 ] والذي قاله ابن هشام ظاهر لأن المراضع جمع مرضع والرضعاء جمع رضيع ولكن لرواية ابن إسحاق مخرج من وجهين أحدهما حذف المضاف كأنه قال ذوات الرضعاء والثاني أن يكون أراد بالرضعاء الأطفال على حقيقة اللفظ لأنهم إذا وجدوا له مرضعة ترضعه فقد وجدوا له رضيعا ، يرضع معه فلا يبعد أن يقال التمسوا له رضيعا ، علما بأن الرضيع لا بد له من مرضع . مرضعاته عليه السلام وأرضعته - عليه السلام - ثويبة قبل حليمة . أرضعته وعمه حمزة وعبد الله بن جحش ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف ذلك لثويبة ويصلها من المدينة ، فلما افتتح مكة سأل عنها وعن ابنها مسروح ، فأخبر أنهما ماتا ، وسأل عن قرابتها ، فلم يجد أحدا منهم حيا . وثويبة كانت جارية لأبي لهب ، وسنذكر بقية حديثها - إن شاء الله - عند وفاة أبي لهب . يغذيه أو يغديه وذكر قول حليمة : وليس في شارفنا ما يغذيه . وقال ابن هشام : ما يغذيه بالذال المنقوطة وهو أتم في المعنى من الاقتصار على ذكر الغداء دون العشاء وليس في أصل الشيخ رواية ثالثة وعند بعض الناس رواية غير هاتين وهي يعذبه بعين مهملة وذال منقوطة وباء معجمة بواحدة ومعناها عندهم ما يقنعه حتى يرفع رأسه وينقطع عن الرضاع يقال منه عذبته وأعذبته : إذا قطعته عن الشرب ونحوه والعذوب الرافع رأسه عن الماء وجمعه عذوب بالضم ولا يعرف فعول جمع على فعول غيره قاله أبو عبيد والذي في الأصل أصح في المعنى والنقل . قال ابن إسحاق : وحدثني جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحي : عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أو عمن حدثه عنه قال كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ، أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء قالت وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا . قالت فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا ، والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغديه - قال ابن هشام : ويقال يغذيه - ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . قالت فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره . قالت فلما أخذته ، رجعت به إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما ، وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة . قالت يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذت نسمة مباركة قالت فقلت : والله إني لأرجو ذلك . قالت ثم خرجنا وركبت أتاني ، وحملته عليها معي ، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من خمرهم حتى إن صواحبي ليقفن لي : يا ابنة أبي ذؤيب ، ويحك اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها شأنا . قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد . وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها . فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا . فنحلب ونشرب . وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع . حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا ، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته ; وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا . قالت فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ; لما كنا نرى من بركته . فكلمنا أمه وقلت لها : لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وبأمكة قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا . ________________________________________ من شرح حديث الرضاعة وذكر قولها : حتى أذممت بالركب . تريد أنها حبستهم وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف ويروى : حتى أذمت . أي أذمت الأتان أي جاءت بما تذم عليه أو يكون من قولهم بئر ذمة أي قليلة الماء وليست هذه عند أبي الوليد ولا في أصل الشيخ أبي بحر وقد ذكرها قاسم في الدلائل ولم يذكر رواية أخرى ، وذكر تفسيرها عن أبي عبيدة أذم بالركب إذا أبطأ حتى حبستهم من البئر الذمة وهي القليلة الماء . وذكر قول حليمة : فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي . وذكر غير ابن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد وكانت تعرض عليه الثدي الآخر فيأباه كأنه قد أشعر - عليه السلام - أن معه شريكا في لبانها ، وكان مفطورا على العدل مجبولا على المشاركة والفضل - صلى الله عليه وسلم - التماس الأجر على الرضاع قال المؤلف والتماس الأجر على الرضاع لم يكن محمودا عند أكثر نساء العرب ، حتى جرى المثل تجوع المرأة ولا تأكل بثدييها ، وكان عند بعضهن لا بأس به فقد كانت حليمة وسيطة في بني سعد ، كريمة من كرائم قومها ، بدليل اختيار الله - تعالى - إياها لرضاع نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما اختار له أشرف البطون والأصلاب . والرضاع كالنسب لأنه يغير الطباع . في المسند عن عائشة - رضي الله عنها - ترفعه لا تسترضعوا الحمقى ; فإن اللبن يورث ويحتمل أن تكون حليمة ونساء قومها طلبن الرضعاء اضطرارا للأزمة التي أصابتهم والسنة الشهباء التي اقتحمتهم . لم كانت قريش تدفع أولادها إلى المراضع ؟ وأما دفع قريش وغيرهم من أشراف العرب أولادهم إلى المراضع فقد يكون ذلك لوجوه . أحدها : تفريغ النساء إلى الأزواج كما قال عمار بن ياسر لأم سلمة - رضي الله عنها - وكان أخاها من الرضاعة حين انتزع من حجرها زينب بنت أبي سلمة ، فقال دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يكون ذلك منهم أيضا لينشأ الطفل في الأعراب ، فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا يفارق الهيئة المعدية كما قال عمر رضي الله عنه تمعددوا وتمعززوا واخشوشنوا [ رواه ابن أبي حدرد ] . وقد قال - عليه السلام - لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال له ما رأيت أفصح منك يا رسول الله فقال وما يمنعني ، وأنا من قريش ، وأرضعت في بني سعد ؟ فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات . وقد ذكر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا حب الوليد لأن الوليد كان لحانا ، وكان سليمان فصيحا ; لأن الوليد أقام مع أمه وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية ، فتعربوا ، ثم أدبوا فتأدبوا ، وكان من قريش أعراب ومنهم حضر فالأعراب منهم بنو الأدرم وبنو محارب ، وأحسب بني عامر بن لؤي كذلك لأنهم من أهل الظواهر ، وليسوا من أهل البطاح . قالت فرجعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه قالت فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه . قالت فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له ما لك يا بني قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني ، فالتمسا شيئا لا أدري ما هو . قالت فرجعنا إلى خبائنا . قالت وقال لي أبوه يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به قالت فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك ؟ قالت فقلت : قد بلغ الله يا بني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته إليك كما تحبين . قالت ما هذا شأنك ، فأصدقيني خبرك . قالت فلم تدعني حتى أخبرتها . قالت أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قالت قلت : نعم قالت كلا . والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا ، أفلا أخبرك خبره . قالت بلى . قالت رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام . ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه ووقع حين ولدته ، وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء . دعيه عنك ، وانطلقي راشدة . قال ابن إسحاق : وحدثني ثور بن يزيد ، عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي أن نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا له يا رسول الله . أخبرنا عن نفسك ؟ قال نعم أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر . فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا . إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا . ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي ، فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها . ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني به فوزنتهم ثم قال زنه بمئة من أمته . فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم . فقال دعه عنك ، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها ________________________________________ شق الصدر وذكر قول أخيه من الرضاعة نزل عليه رجلان أبيضان فشقا عن بطنه وهما يسوطانه يقال سطت اللبن أو الدم أو غيرهما ، أسوطه إذا ضربت بعضه ببعض . والمسوط عود يضرب به . وفي رواية أخرى عن ابن إسحاق أنه نزل عليه كركيان فشق أحدهما بمنقاره جوفه ومج الآخر بمنقاره فيه ثلجا ، أو بردا ، أو نحو هذا ، وهي رواية غريبة ذكرها يونس عنه واختصر ابن إسحاق حديث نزول الملكين عليه وهو أطول من هذا . وروى ابن أبي الدنيا وغيره بإسناد يرفعه إلى أبي ذر - رضي الله عنه - قال قلت : يا رسول الله كيف علمت أنك نبي ، وبم علمت حتى استيقنت ؟ قال يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببطحاء مكة ، فوقع أحدهما بالأرض وكان الآخر بين السماء والأرض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو ؟ قال هو هو قال فزنه برجل فوزنني برجل فرجحته ، ثم قال زنه بعشرة فوزنني فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزنني ، فرجحتهم ثم قال زنه بألف فوزنني فرجحتهم حتى جعلوا يتثاقلون علي من كفة الميزان فقال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطني ، فأخرج قلبي ، فأخرج معه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحهما ، فقال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاء ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطني ، وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليا عني ، فكأني أعاين الأمر معاينة ففي هذا الحديث بيان لما أبهم في الأول لأنه قال فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فبين أن الذي التمس فيه هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى ابن مريم وأمه - عليهما السلام - لقول أمها حنة وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [ آل عمران : 36 ] . فلم يصل إليه لذلك ولأنه لم يخلق من مني الرجال فأعيذه من مغمز وإنما خلق من نفخة روح القدس ، ولا يدل هذا على فضل عيسى عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد نزع منه ذلك المغمز وملئ قلبه حكمة وإيمانا ، بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد وإنما كان ذلك المغمز فيه لموضع الشهوة المحركة للمني والشهوات يحضرها الشياطين لا سيما شهوة من ليس بمؤمن فكان ذلك المغمز راجعا إلى الأب لا إلى الابن المطهر - صلى الله عليه وسلم - وفي الحديث فائدة أخرى ، وهي من نفيس العلم وذلك أن خاتم النبوة لم يدر هل خلق به أم وضع فيه بعدما ولد أو حين نبئ فبين في هذا الحديث متى وضع وكيف وضع ومن وضعه زادنا الله علما ، وأوزعنا شكر ما علم وفيه البيان لما سأل عنه أبو ذر - رضي الله عنه - حين قال كيف علمت أنك نبي ، فأعلمه بكيفية ذلك غير أن في هذا الحديث وهما من بعض النقلة وهو قوله بينما أنا ببطحاء مكة ، وهذه القصة لم تعرض له إلا وهو في بني سعد مع حليمة ، كما ذكر ابن إسحاق وغيره وقد رواه البزار من طريق عروة عن أبي ذر - رضي الله عنه - فلم يذكر فيه بطحاء مكة . حديث السكينة وذكر فيه أنه قال وأوتيت بالسكينة كأنها رهرهة فوضعت في صدري . قال ولا أعلم لعروة سماعا من أبي ذر . وذكر من طريق آخر عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له يا أبا ذر وزنت بأربعين أنت فيهم فرجحتهم والرهرهة بصيص البشرة فهذا بيان وضع الخاتم متى وضع . مسألة شق الصدر مرة أخرى وأما متى وجبت له النبوة فروي عن ميسرة أنه قال له متى وجبت لك النبوة يا رسول الله ؟ فقال وآدم بين الروح والجسد ويروى : وآدم مجندل في طينته . وهذا الخبر يروى عنه - عليه السلام - على وجهين أحدهما : أنه شق عن قلبه وهو مع رابته ومرضعته في بني سعد ، وأنه جيء بطست من ذهب فيه ثلج فغسل به قلبه والثاني فيه أنه غسل بماء زمزم ، وأن ذلك كان ليلة الإسراء حين عرج به إلى السماء بعدما بعث بأعوام وفيه أنه أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغ في قلبه . وذكر بعض من ألف في شرح الحديث أنه تعارض في الروايتين وجعل يأخذ في ترجيح الرواة وتغليط بعضهم وليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس وهذا التطهير مرتين . الأولى : في حال الطفولية لينقى قلبه من مغمز الشيطان وليطهر ويقدس من كل خلق ذميم حتى لا يتلبس بشيء مما يعاب على الرجال وحتى لا يكون في قلبه شيء إلا التوحيد ولذلك قال فوليا عني ، يعني : الملكين وكأني أعاين الأمر معاينة . والثانية في حال اكتهال وبعدما نبئ وعندما أراد الله أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة التي لا يصعد إليها إلا مقدس وعرج به هنالك لتفرض عليه الصلاة وليصلي بملائكة السموات ومن شأن الصلاة الطهور فقدس ظاهرا وباطنا ، وغسل بماء زمزم . وفي المرة الأولى بالثلج لما يشعر الثلج من ثلج اليقين وبرده على الفؤاد وكذلك هناك حصل له اليقين بالأمر الذي يراد به وبوحدانية ربه . وأما في الثانية فقد كان موقنا منبئا ، فإنما طهر لمعنى آخر وهو ما ذكرناه من دخول حضرة القدس والصلاة فيها ، ولقاء الملك القدوس فغسله روح القدس بماء زمزم التي هي هزمة روح القدس ، وهمزة عقبه لأبيه إسماعيل عليه السلام - وجيء بطست ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغ في قلبه وقد كان مؤمنا ، ولكن الله تعالى قال ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ الفتح 4 ] وقال ويزداد الذين آمنوا إيمانا [ المدثر 31 ] . فإن قيل وكيف يكون الإيمان والحكمة في طست من ذهب والإيمان عرض والأعراض لا يوصف بها إلا محلها الذي تقوم به ولا يجوز فيه الانتقال لأن الانتقال من صفة الأجسام لا من صفة الأعراض ؟ قلنا : إنما عبر عما كان في الطست بالحكمة والإيمان كما عبر عن اللبن الذي شربه وأعطى فضله عمر - رضي الله عنه - بالعلم فكان تأويل ما أفرغ في قلبه حكمة وإيمانا ، ولعل الذي كان في الطست كان ثلجا وبردا - كما ذكر في الحديث الأول - فعبر عنه في المرة الثانية بما يئول إليه وعبر عنه في المرة الأولى بصورته التي رآها ، لأنه في المرة الأولى كان طفلا ، فلما رأى الثلج في طست الذهب اعتقده ثلجا ، حتى عرف تأويله بعد . وفي المرة الثانية كان نبيا ، فلما رأى طست الذهب مملوءا ثلجا علم التأويل لحينه واعتقده في ذلك المقام حكمة وإيمانا ، فكان لفظه في الحديثين على حسب اعتقاده في المقامين . مناسبة الذهب للمعنى المقصود وكان الذهب في الحالتين جميعا مناسبا للمعنى الذي قصد به . فإن نظرت إلى لفظ الذهب فمطابق للإذهاب فإن الله - عز وجل - أراد أن يذهب عنه الرجس ويطهره تطهيرا ، وإن نظرت إلى معنى الذهب وأوصافه وجدته أنقى شيء وأصفاه يقال في المثل أنقى من الذهب . وقالت بريرة في عائشة - رضي الله عنها - ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر وقال حذيفة في صلة بن أشيم رضي الله عنهما : إنما قلبه من ذهب وقال جرير بن حازم في الخليل بن أحمد : إنه لرجل من ذهب يريدون النقاء من العيوب فقد طابق طست الذهب ما أريد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من نقاء قلبه . ومن أوصاف الذهب أيضا المطابقة لهذا المقام ثقله ورسوبه فإنه يجعل في الزيبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب والله تعالى يقول إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [ المزمل 5 ] . وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إنما ثقلت موازين المحقين يوم القيامة لاتباعهم الحق وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا ، وقال في أهل الباطل بعكس هذا وقد روي أنه أنزل عليه الوحي وهو على ناقته فثقل عليها حتى ساخت قوائمها في الأرض فقد تطابقت الصفة المعقولة والصفة المحسوسة . ومن أوصاف الذهب أيضا أنه لا تأكله النار وكذلك القرآن لا تأكل النار يوم القيامة قلبا وعاه ولا بدنا عمل به قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان القرآن في إهاب ثم طرح في النار ما احترق ومن أوصاف الذهب المناسبة لأوصاف القرآن والوحي أن الأرض لا تبليه وأن الثرى لا يذريه وكذلك القرآن لا يخلق على كثرة الرد ولا يستطاع تغييره ولا تبديله ومن أوصافه أيضا : نفاسته وعزته عند الناس وكذلك الحق والقرآن عزيز قال سبحانه وإنه لكتاب عزيز [ فصلت 41 ] . فهذا إذا نظرت إلى أوصافه ولفظه وإذا نظرت إلى ذاته وظاهره فإنه زخرف الدنيا وزينتها ، وقد فتح بالقرآن والوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته خزائن الملوك وتصير إلى أيديهم ذهبها وفضتها ، وجميع زخرفها وزينتها ، ثم وعدوا باتباع القرآن والوحي قصور الذهب والفضة في الجنة . قال - صلى الله عليه وسلم - جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما من ذهب وفي التنزيل يطاف عليهم بصحاف من ذهب [ الزخرف 7 ] يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ الحج 23 ، وفاطر 33 ] فكان ذلك الذهب يشعر بالذهب الذي يصير إليه من اتبع الحق والقرآن وأوصافه تشعر بأوصاف الحق والقرآن ولفظه يشعر بإذهاب الرجس كما تقدم فهذه حكم بالغة لمن تأمل واعتبار صحيح لمن تدبر والحمد لله . وفي ذكر الطست وحروف اسمه حكمة تنظر إلى قوله تعالى : طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين [ النمل 1 ] ومما يسأل عنه هل خص هو - صلى الله عليه وسلم - بغسل قلبه في الطست أم فعل ذلك بغيره من الأنبياء قبله ففي خبر التابوت والسكينة أنه كان فيه الطست التي غسلت فيها قلوب الأنبياء عليهم السلام . ذكره الطبري ، وقد انتزع بعض الفقهاء من حديث الطست حيث جعل محلا للإيمان والحكمة جواز تحلية المصحف بالذهب وهو فقه حسن ففي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - هذا الذي قدمناه متى علم أنه نبي . الحكمة في ختم النبوة والحكمة في خاتم النبوة على جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه حكمة ويقينا ، ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا ، وأما وضعه عند نغض كتفه فلأنه معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم . روى ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان منه فأري جسدا ممهى يرى داخله من خارجه والشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه حذاء قلبه له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد أدخله إلى قلبه يوسوس فإذا ذكر الله تعالى العبد خنس رد حليمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فصل وكان رد حليمة إياه إلى أمه وهو ابن خمس سنين وشهر فيما ذكر أبو عمر ثم لم تره بعد ذلك إلا مرتين إحداهما بعد تزويجه خديجة - رضي الله عنها - جاءته تشكو إليه السنة وأن قومها قد أسنتوا فكلم لها خديجة ، فأعطتها عشرين رأسا من غنم وبكرات والمرة الثانية يوم حنين وسيأتي ذكرها إن شاء الله . تأويل النور الذي رأته آمنة فصل وذكر النور الذي رأته آمنة حين ولدته عليه السلام فأضاءت لها قصور الشام ، وذلك بما فتح الله عليه من تلك البلاد حتى كانت الخلافة فيها مدة بني أمية ، واستضاءت تلك البلاد وغيرها بنوره - صلى الله عليه وسلم - وكذلك رأى خالد بن سعيد بن العاصي قبل المبعث بيسير نورا يخرج من زمزم ، حتى ظهرت له البسر في نخيل يثرب ، فقصها على أخيه عمرو ، فقال له إنها حفيرة عبد المطلب ، وإن هذا النور منهم فكان ذلك سبب مبادرته إلى الإسلام . عود على حديث ابن إسحاق قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما من نبي إلا وقد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله ؟ قال " وأنا " قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه أنا أعربكم أنا قرشي ، واسترضعت في بني سعد بن بكر . [ حديث ضعيف ] . قال ابن إسحاق : وزعم الناس فيما يتحدثون والله أعلم أن أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلها في الناس وهي مقبلة به نحو أهله فالتمسته فلم تجده فأتت عبد المطلب ، فقالت له إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة فلما كنت بأعلى مكة أضلني ، فوالله ما أدري أين هو فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله أن يرده فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد ، ورجل آخر من قريش ، فأتيا به عبد المطلب ، فقالا له هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة ، فأخذه عبد المطلب ، فجعله على عنقه وهو يطوف بالكعبة يعوذه ويدعو له ثم أرسل به إلى أمه آمنة قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه أن نفرا من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه ثم قالوا لها : لنأخذن هذا الغلام ، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا ; فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم ________________________________________ رعيه الغنم فصل وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ما من نبي إلا وقد رعى الغنم . قيل وأنت يا رسول الله ؟ قال " وأنا " . وإنما أراد ابن إسحاق بهذا الحديث رعايته الغنم في بني سعد مع أخيه من الرضاعة وقد ثبت في الصحيح أنه رعاها بمكة أيضا على قراريط لأهل مكة . ذكره البخاري ، وذكر البخاري عنه أيضا أنه قال ما هممت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين وروى أن إحدى المرتين كان في غنم يرعاها هو وغلام من قريش ، فقال لصاحبه اكفني أمر الغنم حتى آتي مكة ، وكان بها عرس فيها لهو وزمر فلما دنا من الدار ليحضر ذلك ألقي عليه النوم فنام حتى ضربته الشمس عصمة من الله له وفي المرة الآخرة قال لصاحبه مثل ذلك وألقي عليه النوم فيها ، كما ألقي في المرة الأولى . ذكر هذا المعنى ابن إسحاق في غير رواية البكائي . وفي غريب الحديث للقتبي بعث موسى - صلى الله عليه وسلم - وهو راعي غنم وبعث داود - صلى الله عليه وسلم - وهو راعي غنم وبعثت ، وأنا راعي غنم أهلي بأجياد وإنما جعل الله هذا في الأنبياء تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق ولتكون أممهم رعايا لهم وقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ينزع على قليب وحولها غنم سود وغنم عفر قال ثم جاء أبو بكر - رضي الله عنه - فنزع نزعا ضعيفا ، والله يغفر له ثم جاء عمر فاستحالت غربا يعني : الدلو فلم أر عبقريا يفري فريه فأولها الناس في الخلافة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولولا ذكر الغنم السود والعفر لبعدت الرؤيا عن معنى الخلافة والرعاية إذ الغنم السود والعفر عبارة عن العرب والعجم ، وأكثر المحدثين لم يذكروا الغنم في هذا الحديث . ذكره البزار في مسنده وأحمد بن حنبل أيضا ، وبه يصح المعنى ، والله أعلم . وفاة آمنة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بعدها قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أمه آمنة بنت وهب ، وجده عبد المطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا ، لما يريد به من كرامته فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست سنين توفيت أمه آمنة بنت وهب . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمنة توفيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن ست سنين بالأبواء ، بين مكة والمدينة ، كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار ، تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى مكة . قال ابن هشام : أم عبد المطلب بن هاشم : سلمى بنت عمرو النجارية فهذه الخؤولة التي ذكرها ابن إسحاق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع جده عبد المطلب بن هاشم ، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له قال فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي ، وهو غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني ، فوالله إن له لشأنا ، ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع ________________________________________ موت آمنة وزيارته لها فصل وذكر موت أمه آمنة بالأبواء ، وهو موضع معروف بين مكة والمدينة ، وهو إلى المدينة أقرب كأنه سمي بجمع بو وهو جلد الحوار المحشو بالتبن وغيره وقيل سمي بالأبواء لتبوء السيول فيه وكذلك ذكر عن كثير . ذكره قاسم بن ثابت . وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زار قبر أمه بالأبواء في ألف مقنع فبكى وأبكى وهذا حديث صحيح وفي الصحيح أيضا أنه قال استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ، فأذن لي ، واستأذنته أن أستغفر لها ، فلم يأذن لي وفي مسند البزار من حديث بريدة أنه - صلى الله عليه وسلم - حين أراد أن يستغفر لأمه ضرب جبريل عليه السلام في صدره وقال له لا تستغفر لمن كان مشركا ، فرجع وهو حزين . وفي الحديث زيادة في غير الصحيح أنه سئل عن بكائه فقال ذكرت ضعفها وشدة عذاب الله إن كان صح هذا . وفي حديث آخر ما يصححه وهو أن رجلا قال له يا رسول الله أين أبي ؟ فقال " في النار " ، فلما ولى الرجل قال عليه السلام إن أبي وأباك في النار وليس لنا أن نقول نحن هذا في أبويه - صلى الله عليه وسلم - لقوله عليه السلام لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات والله عز وجل يقول إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة [ الأحزاب : 75 ] . وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك الرجل هذه المقالة لأنه وجد في نفسه وقد قيل إنه قال أين أبوك أنت ؟ فحينئذ قال ذلك وقد رواه معمر بن راشد بغير هذا اللفظ فلم يذكر أنه قال له إن أبي وأباك في النار ولكن ذكر أنه قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار وروي حديث غريب لعله أن يصح . وجدته بخط جدي أبي عمران أحمد بن أبي الحسن القاضي - رحمه الله - بسند فيه مجهولون ذكر أنه نقله من كتاب انتسخ من كتاب معوذ بن داود بن معوذ الزاهد يرفعه إلى [ عبد الرحمن بن ] أبي الزناد عن [ هشام بن ] عروة ، عن [ أبيه عن ] عائشة - رضي الله عنها - أخبرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له وآمنا به ثم أماتهما والله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه عليه السلام أهل أن يخصه بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته - صلوات الله عليه وآله وسلم - قال القرطبي في تذكرته : جزم أبو بكر الخطيب في كتاب السابق واللاحق وأبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ له في الحديث بإسناديهما عن عائشة - رضي الله عنها - قالت حج بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فمر على قبر أمه وهو باك حزين مغتم ، فبكيت لبكائه - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه نزل فقال " يا حميراء استمسكي " . فاستندت إلى جنب البعير فمكث عني طويلا مليا ، ثم إنه عاد إلي وهو فرح متبسم فقالت له بأبي أنت وأمي يا رسول الله نزلت من عندي ، وأنت باك حزين مغتم . فبكيت لبكائك . ثم عدت إلي وأنت فرح مبتسم فمم ذا يا رسول الله فقال " ذهبت لقبر آمنة أمي ، فسألت أن يحييها ، فأحياها فآمنت بي " ; أو قال فآمنت . وردها الله عز وجل وفاة عبد المطلب وما رثي به من الشعر فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين هلك عبد المطلب بن هاشم ، وذلك بعد الفيل بثماني سنين . قال ابن إسحاق : وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله أن عبد المطلب توفي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن ثماني سنين . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن سعيد بن المسيب : أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة ، وعرف أنه ميت جمع بناته وكن ست نسوة صفية وبرة وعاتكة ، وأم حكيم البيضاء وأميمة ، وأروى ، فقال لهن ابكين علي حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت . قال ابن هشام : ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب ، كتبناه فقالت صفية ابنة عبد المطلب تبكي أباها : أرقت لصوت نائحة بليل على رجل بقارعة الصعيد ففاضت عند ذلكم دموعي على خدي كمنحدر الفريد على رجل كريم غير وغل له الفضل المبين على العبيد على الفياض شيبة ذي المعالي أبيك الخير وارث كل جود صدوق في المواطن غير نكس ولا شخت المقام ولا سنيد طويل الباع أروع شيظمي مطاع في عشيرته حميد رفيع البيت أبلج ذي فضول وغيث الناس في الزمن الحرود كريم الجد ليس بذي وصوم يروق على المسود والمسود عظيم الحلم من نفر كرام خضارمة ملاوثة أسود فلو خلد امرئ لقديم مجد ولكن لا سبيل إلى الخلود لكان مخلدا أخرى الليالي لفض المجد والحسب التليد وقالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها : أعيني جودا بدمع درر على طيب الخيم والمعتصر على ماجد الجد واري الزناد جميل المحيا عظيم الخطر على شيبة الحمد ذي المكرمات وذي المجد والعز والمفتخر وذي الحلم والفصل في النائبات كثير المكارم جم الفجر له فضل مجد على قومه منير يلوح كضوء القمر أتته المنايا ، فلم تشوه بصرف الليالي ، وريب القدر ________________________________________ وفاة عبد المطلب قول صفية ففاضت عند ذلكم دموعي على خدي كمنحدر الفريد يروى : كمنحدر بكسر الدال أي كالدر المنحدر ومنحدر بفتح الدال فيكون التشبيه راجعا للفيض فعلى رواية الكسر شبهت الدمع بالدر الفريد وعلى رواية الفتح شبهت الفيض بالانحدار . وقولها : أبيك الخير . أرادت الخير فخففت كما يقال هين وهين وفي التنزيل خيرات حسان [ الرحمن 70 ] . وكان اسم أم الدرداء خيرة بنت أبي حدرد وكذلك أم الحسن بن أبي الحسن البصري ، اسمها : خيرة فهذا من المخفف ويجوز أن يكون الخير ههنا هو ضد الشر جعلته كله خيرا على المبالغة كما تقول ما زيد إلا علم أو حسن وما أنت إلا سير ، وهو مجاز حسن فعلى هذا الوجه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فيقال : خيرة . وقولها : ولا شخت المقام ولا سنيد الشخت [ الدقيق الضامر لا هزالا ] ضد الضخم تقول ليس كذلك ولكنه ضخم المقام ظاهره . والسنيد الضعيف الذي لا يستقل بنفسه حتى يسند رأيه إلى غيره . وقولها : خضارمة ملاوثة . ملاوثة جمع ملواث من اللوثة وهي القوة كما قال المكعبر عند الحفيظة إن ذو لوثة لاثا وقد قيل إن اسم الليث منه أخذ إلا أن واوه انقلبت ياء لأنه فيعل فخفف كما تقدم في هين وهين ولين ولين . وقول برة أتته المنايا فلم تشوه أي لم تصب الشوى ، بل أصابت المقتل وقد تقدم في حديث عبد المطلب وضربه بالقداح على عبد الله وكان يرى أن السهم إذا خرج على غيره أنه قد أشوي أي قد أخطأ مقتله أي مقتل عبد المطلب وابنه ومن رواه أشوى بفتح الواو فالسهم هو الذي أشوى وأخطأ وبكلا الضبطين وجدته ، ويقال أيضا : أشوى الزرع إذا أفرك فالأول من الشوى ، وهذا من الشي بالنار قاله أبو حنيفة . وقالت عاتكة بنت عبد المطلب تبكي أباها : أعيني جودا ، ولا تبخلا بدمعكما بعد نوم النيام أعيني واسحنفرا واسكبا وشوبا بكاءكما بالتدام أعيني واستخرطا واسجما على رجل غير نكس كهام على الجحفل الغمر في النائبات كريم المساعي ، وفي الذمام على شيبة الحمد واري الزناد وذي مصدق بعد ثبت المقام وسيف لدى الحرب صمصامة ومردى المخاصم عند الخصام وسهل الخليقة طلق اليدين وف عدملي صميم لهام تبنك في باذخ بيته رفيع الذؤابة صعب المرام وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب تبكي أباها : ألا يا عين جودي واستهلي وبكي ذا الندى والمكرمات ألا يا عين ويحك أسعفيني بدمع من دموع هاطلات وبكي خير من ركب المطايا أباك الخير تيار الفرات طويل الباع شيبة ذا المعالي كريم الخيم محمود الهبات وصولا للقرابة هبرزيا وغيثا في السنين الممحلات وليثا حين تشتجر العوالي تروق له عيون الناظرات عقيل بني كنانة والمرجى إذا ما الدهر أقبل بالهنات ومفزعها إذا ما هاج هيج بداهية وخصم المعضلات فبكيه ولا تسمي بحزن وبكي ، ما بقيت ، الباكيات وقالت أميمة بنت عبد المطلب تبكي أباها : ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقد وساقي الحجيج والمحامي عن المجد ومن يؤلف الضيف الغريب بيوته إذا ما سماء الناس تبخل بالرعد كسبت وليدا خير ما يكسب الفتى فلم تنفك تزداد يا شيبة الحمد أبو الحارث الفياض خلى مكانه فلا تبعدن فكل حي إلى بعد فإني لباك - ما بقيت - وموجع وكان له أهلا لما كان من وجدي سقاك ولي الناس في القبر ممطرا فسوف أبكيه وإن كان في اللحد فقد كان زينا للعشيرة كلها وكان حميدا حيث ما كان من حمد و عاتكة : ومردى المخاصم المردى : مفعل من الردى ، وهو الحجر الذي يقتل من أصيب به وفي المثل كل ضب عنده مرداته [ أي يقرب منه حتفه لأنه يرمى به فيقتل ] . وقولها : وف . أي وفي ، وخفف للضرورة وقوله عدملي . العدملي [ والعدامل والعداملي ] الشديد . واللهام : فعال من لهمت الشيء ألهمه إذا ابتلعته ، قال الراجز [ رؤبة بن العجاج ] : كالحوت لا يرويه شيء يلهمه يصبح عطشانا وفي البحر فمه ومنه سمي الجيش لهاما . وقولها : على الجحفل . جعلته كالجحفل أي يقوم وحده مقامه والجحفل لفظ منحوت من أصلين من جحف وجفل وذلك أنه يجحف ما يمر عليه أي يقشره ويجفل أي يقلع ونظيره نهشل الذئب هو عندهم منحوت من أصلين أيضا ، من نهشت اللحم ونشلته ، وعاتكة : اسم منقول من الصفات يقال امرأة عاتكة ، وهي المصفرة لبدنها بالزعفران والطيب . وقال القتبي عتكت القوس إذا قدمت وبه سميت المرأة . والقول الأول قول أبي حنيفة . وقالت أروى بنت عبد المطلب تبكي أباها : بكت عيني ، وحق لها البكاء على سمح سجيته الحياء على سهل الخليقة أبطحي كريم الخيم نيته العلاء على الفياض شيبة ذي المعالي أبيك الخير ليس له كفاء طويل الباع أملس شيظمي أغر كأن غرته ضياء أقب الكشح أروع ذي فضول له المجد المقدم والسناء أبي الضيم أبلج هبرزي قديم المجد ليس له خفاء ومعقل مالك وربيع فهر وفاصلها إذا التمس القضاء وكان هو الفتى كرما وجودا وبأسا حين تنسكب الدماء إذا هاب الكماة الموت حتى كأن قلوب أكثرهم هواء مضى قدما بذي ربد خشيب عليه حين تبصره البهاء قال ابن إسحاق : فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيب أنه أشار برأسه وقد أصمت أن هكذا فابكينني . قال ابن هشام : المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم . ________________________________________ وقول أروى : ومعقل مالك وربيع فهر . تريد بني مالك بن النضر بن كنانة . وقولها : بذي ربد . تريد سيفا ذا طرائق . والربد الطرائق . وقال صخر الغي [ الهذلي ] : وصارم أخلصت خشيبته أبيض مهو في متنه ربد وقول عاتكة : تبنك في باذخ بيته . أي تبنك بيته في باذخ من الشرف ومعنى تبنك تأصل من البنك وهو الأصل . والبنك أيضا : ضرب من الطيب وهو أيضا عود السوس [ شجر يغمى به البيوت ويدخل عصيره في الأدوية وفي عروقه حلاوة شديدة وفي فروعه مرارة ] . وقوله فأشار إليهن برأسه وقد أصمت بفتح الهمزة والميم هكذا قيده الشيخ عن أبي الوليد ويقال صمت وأصمت وسكت وأسكت بمعنى واحد [ وسمح وأسمح وعصفت الريح وأعصفت وطلعت على القوم وأطلعت . ابن قتيبة في أدب الكاتب ] . قال ابن إسحاق : وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي يبكي عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ويذكر فضله وفضل قصي على قريش ، وفضل ولده من بعده عليهم وذلك أنه أخذ بغرم أربعة آلاف درهم بمكة ، فوقف بها فمر به أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب ، فافتكه أعيني جودا بالدموع على الصدر ولا تسأما ، أسقيتما سبل القطر وجودا بدمع واسفحا كل شارق بكاء امرئ لم يشوه نائب الدهر وسحا ، وجما ، واسجما ما بقيتما على ذي حياء من قريش وذي ستر على رجل جلد القوى ، ذي حفيظة جميل المحيا غير نكس ولا هذر على الماجد البهلول ذي الباع واللهى ربيع لؤي في القحوط وفي العسر على خير حاف من معد وناعل كريم المساعي ، طيب الخيم والنجر وخيرهم أصلا وفرعا ومعدنا وأحظاهم بالمكرمات وبالذكر وأولاهم بالمجد والحلم والنهى وبالفضل عند المجحفات من الغبر على شيبة الحمد الذي كان وجهه يضيء سواد الليل كالقمر البدر وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم وعبد مناف ذلك السيد الفهري طوى زمر ما عند المقام فأصبحت سقايته فخرا على كل ذي فخر ليبك عليه كل عان بكربة وآل قصي من مقل وذي وفر بنوه سراة كهلهم وشبابهم تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر قصي الذي عادى كنانة كلها ورابط بيت الله في العسر واليسر فإن تك غالته المنايا وصرفها فقد عاش ميمون النقيبة والأمر وأبقى رجالا سادة غير عزل مصاليت أمثال الردينية السمر أبو عتبة الملقي إلي حباءه أغر هجان اللون من نفر غر وحمزة مثل البدر يهتز للندى نقي الثياب والذمام من الغدر وعبد مناف ماجد ذو حفيظة وصول لذي القربى رحيم بذي الصهر كهولهم خير الكهول ونسلهم كنسل الملوك لا تبور ولا تحري متى ما تلاقي منهم الدهر ناشئا تجده بإجريا أوائله يجري هم ملئوا البطحاء مجدا وعزة إذا استبق الخيرات في سالف العصر وفيهم بناة للعلا ، وعمارة وعبد مناف جدهم جابر الكسر بإنكاح عوف بنته ، ليجيرنا من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فهر فسرنا تهامي البلاد ونجدها بأمنه حتى خاضت العير في البحر وهم حضروا والناس باد فريقهم وليس بها إلا شيوخ بني عمرو بنوها ديارا جمة وطووا بها بئارا تسح الماء من ثبج البحر لكي يشرب الحجاج منها ، وغيرهم إذا ابتدروها صبح تابعة النحر ثلاثة أيام تظل ركابهم مخيسة بين الأخاشب والحجر وقدما غنينا قبل ذلك حقبة ولا نستقي إلا بخم أو الحفر وهم يغفرون الذنب ينقم دونه ويعفون عن قول السفاهة والهجر وهم جمعوا حلف الأحابيش كلها وهم نكلوا عنا غواة بني بكر فخارج إما أهلكن فلا تزل لهم شاكرا حتى تغيب في القبر ولا تنس ما أسدى ابن لبنى ; فإنه قد أسدى يدا محقوقة منك بالشكر وأنت ابن لبنى من قصي إذا انتموا بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر وأنت تناولت العلا فجمعتها إلى محتد للمجد ذي ثبج جسر سبقت ، وفت القوم بذلا ونائلا وسدت وليدا كل ذي سؤدد غمر وأمك سر من خزاعة جوهر إذا حصل الأنساب يوما ذوو الخبر إلى سبإ الأبطال تنمى وتنتمي فأكرم بها منسوبة في ذرا الزهر أبو شمر منهم وعمرو بن مالك وذو جدن من قومها وأبو الجبر وأسعد قاد الناس عشرين حجة يؤيد في تلك المواطن بالنصر قال ابن هشام : " أمك سر من خزاعة " ، يعني : أبا لهب أمه لبنى بنت هاجر الخزاعي . وقوله " بإجريا أوائله " عن غير ابن إسحاق . ________________________________________ أبو جهم وذكر شعر حذيفة بن غانم العدوي ، وهو والد أبي جهم بن حذيفة واسم أبي جهم عبيد ، وهو الذي أهدى الخميصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى علمها . الحديث . وقد روي أيضا هذا الحديث على وجه آخر وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بخميصتين فأعطى إحداهما أبا جهم وأمسك الأخرى ، وفيها علم فلما نظر إلى علمها في الصلاة أرسلها إلى أبي جهم وأخذ الأخرى بدلا منها ، هكذا رواه الزبير . وأم أبي جهم يسيرة بنت عبد الله بن أذاة بن رياح ، وابن أذاة هو خال أبي قحافة وسيأتي نسب أمه وقد قيل إن الشعر لحذافة بن غانم وهو أخو حذيفة والد خارجة بن حذافة وله يقول فيه أخارج إن أهلك . وفي الشعر غير نكس ولا هذر . النكس من السهام الذي نكس في الكنانة ليميزه الرامي ، فلا يأخذه لرداءته . وقيل الذي انكسر أعلاه فنكس ورد أعلاه أسفله وهو غير جيد للرمي . وقوله لا تبور ولا تحري . أي لا تهلك ولا تنقص ويقال للأفعى : حارية لرقتها وفي الحديث ما زال جسم أبي بكر يحري حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ينقص لحمه حتى مات والإجرياء السيرة وهي إفعيلاء من الجري وليس لها نظير في الأبنية إلا الإهجيرا في معنى الهجيرى . وفيها قوله وليس بها إلا شيوخ بني عمرو . يريد بني هاشم ; لأن اسمه عمرو . وفيها : غير عزل وهو جمع أعزل ولا يجمع أفعل على فعل ولكن جاء هكذا ; لأن الأعزل في مقابلة الرامح وقد يحملون الصفة على ضدها ، كما قالوا : عدوة - بتاء التأنيث - حملا على صديقة وقد يجوز أن يكون أجراه مجرى : حسر جمع : حاسر لأنه قريب منه في المعنى . تهام وشآم وقوله فسرنا تهامي البلاد مخففا مثل يمانيا ، والأصل في يمان يمني ، فخففوا الياء وعوضوا منها ألفا ، والأصل في تهام : تهامي بكسر التاء من تهامي لأنه منسوب إلى تهامة ولكنهم حذفوا إحدى الياءين كما فعلوا في يمان وفتحوا التاء من تهام لما حذفوا الياء من آخره لتكون الفتحة فيه كالعوض من الياء كما كانت الألف في يمان وكذلك الألف في شآم بفتح الهمزة وألف بعدها عوضا من الياء المحذوفة فإن شددت الياء من شآم قلت : شأمي بسكون الهمزة وتذهب الألف التي كانت عوضا من الباء لرجوع الياء المحذوفة ولا تقول في غير النسب شآم بالفتح والهمز ولا في النسب إذا شددت الياء شأمي . وسألت الأستاذ أبا القاسم بن الرماك - وكان إماما في صنعة العربية عن البيت الذي أملاه أبو علي في النوادر وهو قوله أتظعن عن حبيبك ثم تبكي عليه فمن دعاك إلى الفراق كأنك لم تذق للبين طعما فتعلم أنه مر المذاق أقم وانعم بطول القرب منه ولا تظعن فتكبت باشتياق فما اعتاض المفارق من حبيب ولو يعطى الشآم مع العراق فقال محدث ولم يره حجة . وكذلك وجدت في شعر حبيب الشآم بالفتح كما في هذا البيت . وليس بحجة أيضا . في اللسان " وقد جاء الشآم لغة في الشأم قال المجنون وخبرت ليلى بالشآم مريضة فأقبلت من مصر إليها أعودها وقال آخر أتتنا قريش قضها بقضيضها وأهل الحجاز والشآم تقصف وقوله حذف الياء من هاء الكناية حذف الياء من هاء الكناية بأمنه حتى خاضت العير في البحر ضرورة كما أنشد سيبويه : سأجعل عينيه لنفسه مقنعا في أبيات كثيرة أنشدها سيبويه ، وهذا مع حذف الياء والواو وبقاء حركة الهاء فإن سكنت الهاء بعد الحذف فهو أقل في الاستعمال من نحو هذا ، وأنشدوا : ونضواي مشتاقان له أرقان وهذا الذي ذكرناه هو في القياس أقوى ; لأنه من باب حمل الوصل على الوقف نحو قول الراجز لما رأى أن لا دعة ولا شبع ومنه في التنزيل كثير نحو إثبات هاء السكت في الوصل وإثبات الألف من أنا ، وإثبات ألف الفواصل نحو وتظنون بالله الظنون [ الأحزاب 100 ] وهذا الذي ذكره سيبويه من الضرورة في هاء الإضمار إنما هو إذا تحرك ما قبلها نحو به وله ولا يكون في هاء المؤنث البتة لخفة الألف فإن سكن ما قبل الهاء نحو فيه وبنيه كان الحذف أحسن من الإثبات فإن قلت فقد قرأ عيسى بن مينا : نصله ويؤده وأرجه ونحو ذلك في اثني عشر موضعا بحذف الياء وقيل الهاء متحرك فكيف حسن هذا ؟ قلنا : إن ما قبل الهاء في هذه المواضع ساكن وهو الياء من نصليه ويؤديه ويؤتيه ، ولكنه حذف للجازم فمن نظر إلى اللفظ وأن ما قبل الهاء متحرك أثبت الياء كما أثبتها في : به وله ومن نظر إلى الكلمة قبل دخول الجازم رأى ما قبل الهاء ساكنا ، فحذف الياء فهما وجهان حسنان بخلاف ما تقدم . من شرح قصيدة حذيفة وذكر في هذا الشعر وأسعد قاد الناس . وهو أسعد أبو حسان بن أسعد ، وقد تقدم في التبابعة ، وكذلك أبو شمر ، وهو شمر الذي بنى سمرقند ، وأبوه مالك يقال له الأملوك ويحتمل أن يكون أراد أبا شمر الغساني والد الحارث بن أبي شمر . وعمرو بن مالك الذي ذكر أحسبه عمرا ذا الأذعار وقد تقدم في التبابعة ، وهو من ملوك اليمن ، وإنما جعلهم مفخرا لأبي لهب لأن أمه خزاعية من سبأ ، والتبابعة كلهم من حمير بن سبإ وقد تقدم الخلاف في خزاعة . وأبو جبر الذي ذكره في هذا الشعر ملك من ملوك اليمن ذكر القتبي أن سمية أم زياد كانت لأبي جبر ملك من ملوك اليمن ، دفعها إلى الحارث بن كلدة المتطبب في طب طبه . زيد أفضل إخوته وذكر ولاية العباس - رضي الله عنه - السقاية وقال كان من أحدث إخوته سنا ، وكذلك قال في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من أفضل قومه مروءة وهذا مما منعه النحويون أن يقال زيد أفضل إخوته وليس بممتنع وهو موجود في مواضع كثيرة من هذا الكتاب وغيره وحسن لأن المعنى : زيد يفضل إخوته أو يفضل قومه ولذلك ساغ فيه التنكير وإنما الذي يمتنع بإجماع إضافة أفعل إلى التثنية مثل أن تقول هو أكرم أخويه إلا أن تقول الأخوين بغير إضافة . قال ابن إسحاق وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكي عبد المطلب وبني عبد مناف يا أيها الرجل المحول رحله هلا سألت عن آل عبد مناف هبلتك أمك ، لو حللت بدارهم ضمنوك من جرم ومن إقراف الخالطين غنيهم بفقيرهم حتى يعود فقيرهم كالكافي المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف والمنعمين إذا الرياح تناوحت حتى تغيب الشمس في الرجاف إما هلكت أبا الفعال فما جرى من فوق مثلك عقد ذات نطاف إلا أبيك أخي المكارم وحده والفيض مطلب أبي الأضياف قال ابن إسحاق : فلما هلك عبد المطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليهما بعده العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا ، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده . فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على ما مضى من ولايته فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها ، إلى اليوم . ________________________________________ من شرح شعر مطرود فصل وذكر في شعر مطرود منعوك من جور ومن إقراف أي منعوك من أن تنكح بناتك أو أخواتك من لئيم فيكون الابن مقرفا للؤم أبيه وكرم أمه فيلحقك وصم من ذلك ، ونحو منه قول مهلهل أنكحها فقدها الأراقم في جنب وكان الحباء من أدم أي أنكحت لغربتها من غير كفء . قال مبرمان أنشدنا أبو بكر بن دريد وكان الخباء من أدم بخاء معجمة الأعلى ، وهو خطأ وتصحيف وإنما هو بالحاء المهملة وهو معدود في تصحيفات ابن دريد وفيه قول المفجع [ البصري ] ردا على ابن دريد ألست قدما جعلت تعترق الطرف بجهل مكان تغترق وقلت : كان الخباء من أدم وهو حباء يهدى ، ويصطدق وذلك أن مهلهلا نزل في جنب وهو حي وضيع من مذحج . فخطبت ابنته فلم يستطع منعها ، فزوجها ، وكان نقدها من أدم فأنشد أنكحها فقدها الأراقم في جنب وكان الحباء من أدم لو بأبانين جاء خاطبها ضرج ما أنف خاطب بدم وقوله حتى تغيب الشمس بالرجاف يعني : البحر . لأنه يرجف . ومن أسمائه أيضا : خضارة [ سمي بذلك لخضرة مائه ] . والدأماء [ سمي بذلك لتداؤم أمواجه أي تراكمها ، وتكسر بعضها على بعض ] وأبو خالد . وقوله عقد ذات نطاف . النطف اللؤلؤ الصافي . ووصيفة منطفة [ ومتنطفة ] أي مقرطة بتومتين [ والتومة اللؤلؤة أو حبة تعمل من الفضة كالدرة ] والنطف في غير هذا : التلطخ بالعيب وكلاهما من أصل واحد وإن كانا في الظاهر متضادين في المعنى ; لأن النطفة هي الماء القليل وقد يكون الكثير وكأن اللؤلؤ الصافي أخذ من صفاء النطفة . والنطف الذي هو العيب أخذ من نطفة الإنسان وهي ماؤه أي كأنه لطخ بها . وقوله والفيض مطلب أبي الأضياف . يريد أنه كان لأضيافه كالأب . والعرب تقول لكل جواد أبو الأضياف . كما قال مرة بن محكان [ السعدي التميمي سيد بني ربيع ] : أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم وقد عمرت . ولم أعرف لهم نسبا كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب وكان عبد المطلب - فيما يزعمون - يوصي به عمه أبا طالب وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا طالب أخوان لأب وأم أمهما : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم [ بن يقظة بن مرة ] . قال ابن هاشم عائذ بن عمران بن مخزوم . قال ابن إسحاق : وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده فكان إليه ومعه . قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، أن أباه حدثه أن رجلا من لهب - قال ابن هشام : ولهب من أزد شنوءة - كان عائفا ، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم . قال فأتى به أبو طالب وهو غلام مع من يأتيه فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم شغله عنه شيء فلما فرغ قال " الغلام . علي به " ، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه فجعل يقول " ويلكم ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا ، فوالله ليكونن له شأن " . قال فانطلق أبو طالب . ________________________________________ في كفالة العم فصل وذكر كون النبي - صلى الله عليه وسلم - في كفالة عمه يكلؤه ويحفظه . فمن حفظ الله له في ذلك أنه كان يتيما ليس له أب يرحمه ولا أم ترأمه لأنها ماتت وهو صغير وكان عيال أبي طالب ضففا ، وعيشهم شظفا ، فكان يوضع الطعام له وللصبية من أولاد أبي طالب فيتطاولون إليه ويتقاصر هو وتمتد أيديهم وتنقبض يده تكرما منه واستحياء ونزاهة نفس وقناعة قلب فيصبحون غمصا رمصا ، مصفرة ألوانهم ويصبح هو - عليه السلام - صقيلا دهينا كأنه في أنعم عيش وأعز كفاية لطفا من الله - عز وجل - به . كذلك ذكره القتبي في غريب الحديث . اللهبي العائف فصل وذكر خبر اللهبي العائف . قال ابن هشام : ولهب حي من الأزد : وقال غيره وهو لهب بن أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد . وهي القبيلة التي تعرف بالعيافة والزجر . ومنهم اللهبي الذي زجر حين وقعت الحصاة بصلعة عمر رضي الله عنه - فأدمته وذلك في الحج فقال أشعر أمير المؤمنين . والله لا يحج بعد هذا العام فكان كذلك واللهب شق في الجبل [ والجمع ألهاب ولهوب ] وبنو ثمالة رهط المبرد الثمالي هم بنو أسلم بن أحجن بن كعب . وثمالة أمهم . وكانت العيافة والزجر في لهب قال الشاعر سألت أخا لهب ليزجر زجرة وقد رد زجر العالمين إلى لهب وقوله ليعتاف لهم وهو يفتعل من العيف . يقال عفت الطير . واعتفتها عيافة واعتيافا : وعفت الطعام أعافه عيفا . وعافت الطير الماء عيافا . قصة بحيرى قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له وقال والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا ، أو كما قال . فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبها راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها - فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر . فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى ، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك ، فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام . فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك - فيما يزعمون - عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم عبدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم ما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرى : صدقت ، قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما ، فتأكلوا منه كلكم . فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش : لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ، قالوا له يا بحيرى ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا ، فتخلف في رحالهم فقال لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم قال فقال رجل من قريش مع القوم واللاتي والعزى ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم . فلما رآه بحيرى ، جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده وقد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال يا غلام أسألك بحق اللاتي والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تسألني باللاتي والعزى شيئا ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما " ، فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال له " سلني عما بدا لك " . فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده قال ابن هشام : وكان مثل أثر المحجم . قال ابن إسحاق : فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ما هذا الغلام منك ؟ قال ابني . قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ، قال فإنه ابن أخي ، قال فما فعل أبوه ؟ قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه أبو طالب سريعا ، حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما روى الناس أن زريرا وتماما ودريسا - وهم نفر من أهل الكتاب - قد كانوا رأوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرى ، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه . فشب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية لما يريد به من كرامته ورسالته حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما ، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره وأمر جاهليته أنه قال لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى ، وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك إزارك . قال فأخذته وشددته علي ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري علي من بين أصحابي ________________________________________ قصة بحيرى فصل في قصة بحيرى وسفر أبي طالب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقع في سير الزهري أن بحيرى كان حبرا من يهود تيماء ، وفي المسعودي : أنه كان من عبد القيس واسمه سرجس وفي المعارف لابن قتيبة قال سمع قبل الإسلام بقليل هاتف يهتف ألا إن خير أهل الأرض ثلاثة بحيرى ، ورباب بن البراء الشني والثالث المنتظر فكان الثالث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال القتبي وكان قبر رباب الشني وقبر ولده من بعده لا يزال يرى عليها طش ، والطش : المطر الضعيف . وقال فيه فصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعمه . الصبابة رقة الشوق يقال صببت - بكسر الباء - أصب ، ويذكر عن بعض السلف أنه قرأ أصب إليهن وأكن من الجاهلين [ يوسف 33 ] . وفي غير رواية أبي بحر ضبث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي لزمه قال الشاعر كأن فؤادي في يد ضبثت به محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك ابن تسع سنين فيما ذكر بعض من ألف في السير وقال الطبري : ابن ثنتي عشرة سنة . من صفات ختم النبوة وذكر فيه خاتم النبوة وقول ابن هشام : كان كأثر المحجم يعني : أثر المحجمة القابضة على اللحم حتى يكون ناتئا . وفي الخبر أنه كان حوله حيلان فيها شعرات سود . وفي صفته أيضا أنه كان كالتفاحة وكزر الحجلة وفسره الترمذي تفسيرا وهم فيه فقال زر الحجلة يقال إنه بيض له فتوهم الحجلة من القبج وإنما هي حجلة السرير ، واحدة الحجال وزرها الذي يدخل في عروتها - قال علي - رضوان الله عليه - لأهل العراق : يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام ويا عقول ربات الحجال . وفي حديث آخر كان كبيضة الحمامة وفي حديث عياذ بن عبد عمرو ، قال رأيت خاتم النبوة وكان كركبة العنز . ذكره النمري مسندا في كتاب الاستيعاب فهذه خمس روايات في صفة الخاتم كالتفاحة وكبيضة الحمامة وكزر الحجلة وكأثر المحجم وكركبة العنز ورواية سادسة وهي رواية عبد الله بن سرجس قال رأيت خاتم النبوة كالجمع يعني : كالمحجمة [ وفي الآلة التي يجتمع بها دم الحجامة عند المص ] لا كجمع الكف ومعناه كمعنى الأول أي كأثر الجمع . وقد قيل في الجمع إنه جمع الكف قاله القتبي والله أعلم . ورواية سابعة عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وقد سئل عن خاتم النبوة فقال بضعة ناشزة هكذا : ووضع طرف السبابة في مفصل الإبهام أو دون المفصل ذكرها يونس عن ابن إسحاق ، وفي صفته أيضا رواية ثامنة وهي رواية من شبهه بالسلعة وذلك لنتوه وقد تقدم حديث فيه عن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعا بيان وضع الخاتم بين كتفيه متى كان وروى الترمذي في مصنفه قال حدثنا الفضل بن سهل أبو العباس الأعرج البغدادي ، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أخبرنا يونس عن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه قال خرج أبو طالب إلى الشام ، وخرج معه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا ، فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت فجعل يتخللهم الراهب وهم يحلون رحالهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين . فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ؟ . فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدا : ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه . ويقال غرضوف مثل التفاحة . ثم رجع فصنع لهم طعاما ، فلما أتاهم به - وكان هو في رعية الإبل - قال أرسلوا إليه . فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم ، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم فقال ما جاء بكم فقالوا : جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد اخترنا خيرة بعثنا إلى طريقك هذا ، فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم فقالوا : إنما اخترنا خيرة لطريقك هذا ، قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا ، قال فبايعوه وأقاموا معه . قال أنشدكم بالله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا - رضي الله عنهما - وزوده الراهب من الكعك والزيت قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . ومما قاله أبو طالب في هذه القصة ألم ترني من بعد هم هممته بفرقة حر الوالدين كرام بأحمد لما أن شددت مطيتي لترحل إذ ودعته بسلام بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا وأمسكت بالكفين فضل زمام ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة تجود من العينين ذات سجام فقلت : تروح راشدا في عمومة مواسين في البأساء غير لئام فرحنا مع العير التي راح أهلها شآمي الهوى ، والأصل غير شآمي فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا لنا فوق دور ينظرون جسام فجاء بحيرى عند ذلك حاشدا لنا بشراب طيب وطعام فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا فقلنا : جمعنا القوم غير غلام ذ كره ابن إسحاق في رواية يونس عنه وذكر باقي الشعر . حفظه في الصغر فصل وذكر ما كان الله سبحانه وتعالى يحفظه به أنه كان صغيرا يلعب مع الغلمان فتعرى فلكمه لاكم . الحديث . وهذه القصة إنما وردت في الحديث الصحيح في حين بنيان الكعبة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل الحجارة مع قومه إليها ، وكانوا يجعلون أزرهم على عواتقهم لتقيهم الحجارة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملها على عاتقه وإزاره مشدود عليه فقال له العباس رضي الله عنه يا ابن أخي لو جعلت إزارك على عاتقك ، ففعل فسقط مغشيا عليه ثم قال إزاري إزاري فشد عليه إزاره وقام يحمل الحجارة وفي حديث آخر أنه لما سقط ضمه العباس إلى نفسه وسأله عن شأنه فأخبره أنه نودي من السماء أن اشدد عليك إزارك يا محمد قال وإنه لأول ما نودي وحديث ابن إسحاق ، إن صح أنه كان ذلك في صغره إذ كان يلعب مع الغلمان فمحمله على أن هذا الأمر كان مرتين مرة في حال صغره ومرة في أول اكتهاله عند بنيان الكعبة . حرب الفجار قال ابن هشام : فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة فيما حدثني أبو عبيدة النحوي ، عن أبي عمرو بن العلاء - هاجت حرب الفجار بين قريش ، ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان . وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس ، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أتجيرها على كنانة ؟ قال نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة بن الرحال ، وخرج البراض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سمي الفجار . وقال البراض في ذلك وداهية تهم الناس قبلي شددت لها - بني بكر - ضلوعي هدمت بها بيوت بني كلاب وأرضعت الموالي بالضروع رفعت له بذي طلال كفي فخر يميد كالجذع الصريع وقال لبيد بن مالك بن جعفر بن كلاب أبلغ - إن عرضت - بني كلاب وعامر والخطوب لها موالي وبلغ إن عرضت بني نمير وأخوال القتيل بني هلال بأن الوافد الرحال أمسى مقيما عند تيمن ذي طلالا وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام . قال ابن هشام : فأتى آت قريشا ، فقال إن البراض قد قتل عروة ، وهم في الشهر الحرام بعكاظ فارتحلوا ، وهوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فأتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم ، فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم ، فأمسكت عنهم هوازن ، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما ، والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم . وشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت أنبل على أعمامي أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها . قال ابن إسحاق : هاجت حرب الفجار ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عشرين سنة وإنما سمي يوم الفجار بما استحل هذان الحيان كنانة وقيس عيلان فيه المحارم بينهم . وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس ، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس . قال ابن هشام : وحديث الفجار أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه قطعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ قصة الفجار والفجار بكسر الفاء بمعنى : المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أنه كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا ، فسمي الفجار وكانت للعرب فجارات أربع ذكرها المسعودي ، آخرها : فجار البراض المذكور في السيرة وكان لكنانة ولقيس فيه أربعة أيام مذكورة يوم شمطة ويوم الشرب وهو أعظمها يوما ، وفيه قيد حرب بن أمية وسفيان وأبو سفيان أبناء أمية أنفسهم كي لا يفروا ، فسموا : العنابس ويوم الحريرة عند نخلة ، ويوم الشرب انهزمت قيس إلا بني نضر منهم فإنهم ثبتوا ، وإنما لم يقاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أعمامه وكان ينبل عليهم وقد كان بلغ سن القتال لأنها كانت حرب فجار وكانوا أيضا كلهم كفارا ، ولم يأذن الله تعالى لمؤمن أن يقاتل إلا لتكون كلمة الله هي العليا . واللطيمة عير تحمل البز والعطر . وقوله بذي طلال بتشديد اللام وإنما خففه لبيد في الشعر الذي ذكره ابن إسحاق هاهنا للضرورة . منع تنوين العلم وقول البراض رفعت له بذي طلال كفي . فلم يصرفه يجوز أن يكون جعله اسم بقعة فترك إجراء الاسم للتأنيث والتعريف فإن قلت : كان يجب أن يقول بذات طلال ، أي ذات هذا الاسم للمؤنث كما قالوا : ذو عمرو أي صاحب هذا الاسم ولو كانت أنثى ، لقالوا : ذات هذا ، فالجواب أن قوله بذي يجوز أن يكون وصفا لطريق أو جانب مضاف إلى طلال اسم البقعة . وأحسن من هذا كله أن يكون طلال اسما مذكرا علما ، والاسم العلم يجوز ترك صرفه في الشعر كثيرا ، وسيأتي في هذا الكتاب من الشواهد عليه ما يدلك على كثرته في الكلام ونؤخر القول في كشف هذه المسألة وإيضاحها إلى أن تأتي تلك الشواهد - إن شاء الله - ووقع في شعر البراض مشددا ، وفي شعر لبيد الذي بعد هذا مخففا ، وقلنا : إن لبيدا خففه للضرورة ولم يقل إنه شدد للضرورة وإن الأصل فيه التخفيف لأنه فعال من الطل كأنه موضع يكثر فيه الطل ، فطلال بالتخفيف لا معنى له وأيضا ; فإنا وجدناه في الكلام المنثور مشددا ، وكذلك تقيد في كلام ابن إسحاق هذا في أصل الشيخ أبي بحر . من تفسير شعر البراض وقوله في البيت الثاني : وألحقت الموالي بالضروع . جمع : ضرع هو في معنى قولهم لئيم راضع أي ألحقت الموالي بمنزلتهم من اللؤم ورضاع الضروع وأظهرت فسالتهم وهتكت بيوت أشراف بني كلاب وصرحائهم . وقول لبيد بين تيمن ذي طلال. بكسر الميم وبفتحها ، ولم يصرفه لوزن الفعل والتعريف لأنه تفعل أو تفعل من اليمن أو اليمين . آخر أمر الفجار وكان آخر أمر الفجار أن هوازن وكنانة تواعدوا للعام القابل بعكاظ فجاءوا للوعد وكان حرب بن أمية رئيس قريش وكنانة وكان عتبة بن ربيعة يتيما في حجره فضن به حرب وأشفق من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا وهو على بعيره بين الصفين ينادي : يا معشر مضر ، علام تقاتلون ؟ فقالت له هوازن : ما تدعو إليه ؟ فقال الصلح على أن ندفع إليكم دية قتلاكم ونعفو عن دمائنا ، قالوا : وكيف ؟ قال ندفع إليكم رهنا منا ، قالوا : ومن لنا بهذا ؟ قال أنا . قالوا : ومن أنت ؟ قال عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فرضوا ورضيت كنانة ودفعوا إلى هوازن أربعين رجلا : فيهم حكيم بن حزام [ بن خويلد ] ، فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء وأطلقوهم وانقضت حرب الفجار وكان يقال لم يسد من قريش مملق إلا عتبة وأبو طالب فإنهما سادا بغير مال . حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها قال ابن هشام : فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم عن أبي عمرو المدني . قال ابن إسحاق : وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم وكانت قريش قوما تجارا ، فلما بلغها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغها ، من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ، وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام . فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم ، فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي . ثم باع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها ، واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة ، ومعه ميسرة فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر ، يرى ملكين يظلانه من الشمس - وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها ، باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا . وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له - فيما يزعمون يا بن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك ، وسطتك في قومك وأمانتك ، وحسن خلقك ، وصدق حديثك ، ثم عرضت عليه نفسها ، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا ، وأعظمهن شرفا ، وأكثرهن مالا ، كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه . وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وأمها : فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وأم فاطمة هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عمرو بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وأم هالة قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . فلما قالت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب - رحمه الله - حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها . قال ابن هشام : وأصدقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين بكرة وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها . ________________________________________ فصل في تزويجه عليه السلام خديجة رضي الله عنها شرح قول الراهب ذكر فيه قول الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي . يريد ما نزل تحتها هذه الساعة إلا نبي ، ولم يرد ما نزل تحتها قط إلا نبي . لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك وإن كان في لفظ الخبر : قط ، فقد تكلم بها على جهة التوكيد للنفي والشجرة لا تعمر في العادة هذا العمر الطويل حتى يدري أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى ، أو غيره من الأنبياء - عليهم السلام - ويبعد في العادة أيضا أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها أحد ، حتى يجيء نبي إلا أن تصح رواية من قال في هذا الحديث لم ينزل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم - عليه السلام - وهي رواية عن غير ابن إسحاق ، فالشجرة على هذا مخصوصة بهذه الآية والله أعلم . وهذا الراهب ذكروا أن اسمه نسطورا وليس هو بحيرى المتقدم ذكره . تحقيق معنى الوسط وقول خديجة - رضي الله عنها : لسطتك في عشيرتك ، وقوله في وصفها : هي أوسط قريش نسبا . فالسطة من الوسط مصدر كالعدة والزنة والوسط من أوصاف المدح والتفضيل ولكن في مقامين في ذكر النسب وفي ذكر الشهادة . أما النسب فلأن أوسط القبيلة أعرفها ، وأولاها بالصميم وأبعدها عن الأطراف والوسيط وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوة لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب بهذا السبب وأما الشهادة فنحو قوله سبحانه قال أوسطهم وقوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس [ البقرة 143 ] فكان هذا مدحا في الشهادة لأنها غاية العدالة في الشاهد أن يكون وسطا كالميزان لا يميل مع أحد ، بل يصمم على الحق تصميما ، لا يجذبه هوى ، ولا يميل به رغبة ولا رهبة من هاهنا ، ولا من هاهنا ، فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل وظن كثير من الناس أن معنى الأوسط الأفضل على الإطلاق وقالوا : معنى الصلاة الوسطى : الفضلى ، وليس كذلك بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم ، كما يقتضي لفظ التوسط فإذا كان وسطا في السمن فهي بين الممخة والعجفاء . والوسط في الجمال بين الحسناء والشوهاء إلى غير ذلك من الأوصاف لا يعطي مدحا ، ولا ذما ، غير أنهم قد قالوا في المثل أثقل من مغن وسط على الذم لأن المغني إن كان مجيدا جدا أمتع وأطرب وإن كان باردا جدا أضحك وألهى ، وذلك أيضا مما يمتع . قال الجاحظ : وإنما الكرب الذي يجثم على القلوب ويأخذ بالأنفاس الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بحسن ولا يضحك بلهو وإذا ثبت هذا فلا يجوز أن يقال في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أوسط الناس . أي أفضلهم ولا يوصف بأنه وسط في العلم ولا في الجود ولا في غير ذلك إلا في النسب والشهادة كما تقدم والحمد لله والله المحمود . من الذي زوج خديجة ؟ فصل وذكر مشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خويلد بن أسد مع عمه حمزة - رضي الله عنه - وذكر غير ابن إسحاق أن خويلدا كان إذ ذاك قد أهلك وأن الذي أنكح خديجة - رضي الله عنها - هو عمها عمرو بن أسد ، قاله المبرد وطائفة معه وقال أيضا : إن أبا طالب هو الذي نهض مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي خطب خطبة النكاح وكان مما قاله في تلك الخطبة " أما بعد فإن محمدا ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا ، فإن كان في المال قل ، فإنما ظل زائل وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك " فقال عمرو : هو الفحل الذي لا يقدع أنفه فأنكحها منه ويقال قاله ورقة بن نوفل ، والذي قاله المبرد هو الصحيح لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم ، وعن ابن عباس ، وعن عائشة - رضي الله عنهم كلهم - قال إن عمرو بن أسد هو الذي أنكح خديجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن خويلدا كان قد هلك قبل الفجار وخويلد بن أسد هو الذي نازع تبعا الآخر حين حج وأراد أن يحتمل الركن الأسود معه إلى اليمن ، فقام في ذلك خويلد وقام معه جماعة ثم إن تبعا روع في منامه ترويعا شديدا حتى ترك ذلك وانصرف عنه والله أعلم . فصل وذكر الزهري في سيره وهي أول سيرة ألفت في الإسلام كذا روي عن [ عبد العزيز بن محمد بن عبيد ] الدراوردي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لشريكه الذي كان يتجر معه في مال خديجة هلم فلنتحدث عند خديجة وكانت تكرمهما وتتحفهما ، فلما قاما من عندها جاءت امرأة مستنشئة - وهي الكاهنة - كذا قال الخطابي في شرح هذا الحديث فقالت له جئت خاطبا يا محمد فقال كلا ، فقالت ولم ؟ فوالله ما في قريش امرأة وإن كانت خديجة إلا تراك كفئا لها ، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاطبا لخديجة مستحييا منها ، وكان خويلد أبوها سكران من الخمر فلما كلم في ذلك أنكحها ، فألقت عليه خديجة حلة وضمخته بخلوق فلما صحا من سكره قال ما هذه الحلة والطيب ؟ فقيل إنك أنكحت محمدا خديجة وقد ابتنى بها ، فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه ففي هذا الحديث أن أباها كان حيا ، وأنه الذي أنكحها . كما قال ابن إسحاق . وقال راجز من أهل مكة في ذلك لا تزهدي خديج في محمد نجم يضيء كإضاء الفرقد وقيل إن عمرو بن خويلد أخاها هو الذي أنكحها منه ذكره ابن إسحاق في آخر الكتاب . أولاده صلى الله عليه وسلم منها قال ابن إسحاق فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم القاسم وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم والطاهر والطيب وزينب ورقية وأم كلثوم ، وفاطمة عليهم السلام . قال ابن هشام : أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر وأكبر بناته رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة . قال ابن إسحاق : فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية . وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ أولاده من خديجة فصل وذكر ولده منها - صلى الله عليه وسلم - فذكر البنات وذكر القاسم والطاهر والطيب وذكر أن البنين هلكوا في الجاهلية وقال الزبير - وهو أعلم بهذا الشأن - ولدت له القاسم وعبد الله وهو الطاهر وهو الطيب سمي بالطاهر والطيب لأنه ولد بعد النبوة واسمه الذي سمي به أول هو عبد الله وبلغ القاسم المشي غير أن رضاعته لم تكن كملت وقع في مسند الفريابي أن خديجة دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موت القاسم وهي تبكي : فقالت يا رسول الله درت لبينة القاسم فلو كان عاش حتى يستكمل رضاعه لهون علي فقال إن له مرضعا في الجنة تستكمل رضاعته فقالت لو أعلم ذلك لهون علي فقال إن شئت أسمعتك صوته في الجنة . فقالت بل أصدق الله ورسوله . قولها ، لبينة هي تصغير لبنة وهي قطعة من اللبن كالعسيلة تصغير عسلة ذكر سيبويه اللبنة والعسلة والشهدة على هذا المعنى . قال المؤلف وهذا من فقهها - رضي الله عنها - كرهت أن تؤمن بهذا الأمر معاينة فلا يكون لها أجر التصديق والإيمان بالغيب وإنما أثنى الله تعالى على الذين يؤمنون بالغيب . وهذا الحديث يدل أيضا على أن القاسم لم يهلك في الجاهلية . واختلفوا في الصغرى والكبرى من البنات غير أن أم كلثوم لم تكن الكبرى من البنات ولا فاطمة والأصح في فاطمة أنها أصغر من أم كلثوم . خديجة وبحيرى ونسبها : وخديجة بنت خويلد تسمى : الطاهرة في الجاهلية والإسلام وفي سير التيمي . أنها كانت تسمى : سيدة نساء قريش ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أخبرها عن جبريل ولم تكن سمعت باسمه قط ، ركبت إلى بحيرى الراهب ، واسمه سرجس فيما ذكر المسعودي ، فسألته عن جبريل فقال قدوس قدوس يا سيدة نساء قريش أنى لك بهذا الاسم ؟ فقالت بعلي وابن عمي محمد أخبرني أنه يأتيه ، فقال قدوس قدوس ما علم به إلا نبي مقرب فإنه السفير بين الله وبين أنبيائه وإن الشيطان لا يجترئ أن يتمثل به ولا أن يتسمى باسمه وكان بمكة غلام لعتبة بن ربيعة سيأتي ذكره اسمه عداس عنده علم من الكتاب فأرسلت إليه تسأله عن جبريل فقال قدوس قدوس أنى لهذه البلاد أن يذكر فيها جبريل يا سيدة نساء قريش ، فأخبرته بما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عداس مثل مقالة الراهب فكان مما زادها الله تعالى به إيمانا ويقينا . وذكر ابن إسحاق نسب أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم ، ولم يذكر اسم الأصم ، وذكره الزبير وغيره فقال جندب بن هدم بن حجر بفتح الحاء والجيم من حجر كذا قيده الدارقطني ، وأخوه حجير بن عبد بن معيص بن عامر وأما حجر بسكون الجيم ففي حي ذي رعين وإليه ينسب الحجريون وأما حجر بكسر الحاء ففي بني الديان عبد الحجر بن عبد المدان وهم من بني الحارث بن كعب بن مذحج ، وذكر يونس عن ابن إسحاق نسب أم خديجة كما ذكر في رواية ابن هشام ، وزاد فقال كانت أم فاطمة بنت زائدة هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عبد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي ، وأمها قلابة وهي العرقة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي وأمها : أميمة بنت عامر بن الحارث بن فهر . من تزوجت خديجة قبل الرسول ؟ : وكانت خديجة قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أبي هالة وهو هند بن زرارة وقد قيل في اسمه زرارة وهند : ابنه بن النباش من بني عدي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فهو أسيدي بالتخفيف منسوب إلى أسيد بالتشديد كذا قال سيبويه في النسب إلى أسيد . وعدي بن جروة يقال إن الزبير صحفه وإنما هو عذي بن جروة وكانت قبل أبي هالة عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ولدت له عبد مناف بن عتيق كذا قال ابن أبي خيثمة وقال الزبير ولدت لعتيق جارية اسمها : هند وولدت لهند أبي هالة ابنا اسمه هند أيضا ، مات بالطاعون طاعون البصرة ، وكان قد مات في ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا ، فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها ، فصاحت نادبته واهند بن هنداه واربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تبق جنازة إلا تركت واحتملت جنازته على أطراف الأصابع إعظاما لربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره الدولابي ولخديجة من أبي هالة ابنان غير هذا ، اسم أحدهما : الطاهر واسم الآخر هالة . واختلف في سنه - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج خديجة فقيل ما قاله ابن إسحاق ، وقيل كان ابن ثلاثين سنة وقيل ابن إحدى وعشرين سنة . قال ابن هشام : وأما إبراهيم فأمه مارية القبطية . حدثنا عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة قال أم إبراهيم : مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها إليه المقوقس من جفن من كورة أنصنا . ________________________________________ مارية وإبراهيم فصل وذكر أن خديجة - رضي الله عنها - ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم ، فإنه من مارية التي أهداها إليه المقوقس ، وقد تقدم اسم المقوقس ، وأنه جريج بن مينا ، وذكرنا معنى المقوقس في أول الكتاب وذكرنا أنه أهدى مارية مع حاطب بن أبي بلتعة ، ومع جبر مولى أبي رهم الغفاري واسم أبي رهم كلثوم بن الحصين . وذلك حين أرسلها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام وأهدى معها أختها سيرين ، وهي التي وهبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت - رضي الله عنه - فأولدها عبد الرحمن بن حسان ، وأهدى معها المقوقس أيضا غلاما خصيا اسمه مأبور وبغلة تسمى : دلدل وقدحا من قوارير كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه وتوفيت مارية - رضي الله عنها - سنة ست عشرة في خلافة عمر - رضي الله عنه - وكان عمر هو الذي يحشر الناس إلى جنازتها بنفسه وهي مارية بنت شمعون القبطية من كورة حفن . وأما إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات وهو ابن ثمانية عشر شهرا في سنة عشر من الهجرة في اليوم الذي كسفت فيه الشمس وكانت قابلته سلمى امرأة أبي رافع وأرضعته أم بردة بنت المنذر النجارية امرأة البرء بن أوس وسلمى : هي مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقابلة بني فاطمة كلهم وهي غسلتها مع أسماء بنت عميس الخثعمية ، وغسلها معهما علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وفي المسند من طريق أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولدت له مارية ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شيء حتى نزل جبريل عليه السلام ، فقال له السلام عليك يا أبا إبراهيم . قال ابن إسحاق وكانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى - وكان ابن عمها ، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس - ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة ، إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال فجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول حتى متى ؟ فقال ورقة في ذلك لججت وكنت في الذكرى لجوجا لهم طالما بعث النشيجا ووصف من خديجة بعد وصف فقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا بما خبرتنا من قول قس من الرهبان أكره أن يعوجا بأن محمدا سيسود فينا ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياءنور يقيم به البرية أن تموجا فيلقى من يحاربه خسارا ويلقى من يسالمه فلوجا فيا ليتي إذا ما كان ذاكم شهدت فكنت أولهم ولوجا ولوجا في الذي كرهت قريش ولو عجت بمكتها عجيجا أرجي بالذي كرهوا جميعا إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا وهل أمر السفالة غير كفر بمن يختار من سمك البروجا فإن يبقوا وأبق تكن أمور يضج الكافرون لها ضجيجا وإن أهلك فكل فتى سيلقى من الأقدار متلفة خروجا ________________________________________ ترجمة ورقة وذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وأم ورقة هند بنت أبي كبير بن عبد بن قصي ، ولا عقب له وهو أحد من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعث وروى الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لم تكن عليه ثياب بيض " ، وهو حديث في إسناده ضعف . لأنه يدور على عثمان بن عبد الرحمن ، ولكن يقويه ما يأتي بعد هذا من قوله عليه السلام رأيت القس يعني ، ورقة وعليه ثياب حرير لأنه أول من آمن بي ، وصدقني ، وسيأتي بقية من خبره فيما بعد - إن شاء الله - وقد ألفيت للحديث الذي خرجه الترمذي في ورقة إسنادا جيدا غير الذي ذكره الترمذي ، وهو ما رواه الزبير بن أبي بكر عن عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ورقة بن نوفل ، كما بلغنا فقال " رأيته في المنام عليه ثياب بيض فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض وكان يذكر الله في سفره في الجاهلية ويسبحه وهو الذي يقول لقد نصحت لأقوام وقلت لهم أنا النذير فلا يغرركم أحد لا تعبدن إلها غير خالقكم فإن دعوكم فقولوا : بيننا جدد سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له وقبلنا سبح الجودي والجمد مسخر كل ما تحت السماء له لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويودي المال والولد لم تغن عن هرمز يوما خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا ولا سليمان إذ تجري الرياح به والإنس والجن فيما بينها مرد أين الملوك التي كانت لعزتها من كل أوب إليها وافد يفد حوض هنالك مورود بلا كذب لا بد من ورده يوما كما وردوا نسبه أبو الفرج إلى ورقة وفيه أبيات تنسب إلى أمية بن أبي الصلت ، ومن قوله فيما خبرته به خديجة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا للرجال لصرف الدهر والقدر وما لشيء قضاه الله من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها أمرا أراه سيأتي الناس من أخر فخبرتني بأمر قد سمعت به فيما مضى من قديم الدهر والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره جبريل إنك مبعوث إلى البشر فقلت : عل الذي ترجين ينجزه لك الإله فرجي الخير وانتظري وأرسلته إلينا كي نسائله عن أمره ما يرى في النوم والسهر فقال حين أتانا منطقا عجبا يقف منه أعالي الجلد والشعر إني رأيت أمين الله واجهني في صورة أكملت في أهيب الصور ثم استمر فكان الخوف يذعرني مما يسلم من حولي من الشجر فقلت : ظني وما أدري أيصدقني أ سوف تبعث تتلو منزل السور وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم من الجهاد بلا من ولا كدر مثنى يقصد به المفرد فصل وفي شعر ورقة ببطن المكتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا ثنى مكة ، وهي واحدة لأن لها بطاحا وظواهر وقد ذكرنا من أهل البطاح ، ومن أهل الظواهر فيما قبل على أن للعرب مذهبا في أشعارها في تثنية البقعة الواحدة وجمعها نحو قوله وميت بغزات . يريد بغزة وبغادين في بغداد ، وأما التثنية فكثير نحو قوله بالرقمتين له أجر وأعراس والحمتين سقاك الله من دار وقول زهير ودار لها بالرقمتين . وقول ورقة من هذا : ببطن المكتين . لا معنى لإدخال الظواهر تحت هذا اللفظ وقد أضاف إليها البطن كما أضافه المبرق حين قال ببطن مكة مقهور ومفتون وإنما يقصد العرب في هذا الإشارة إلى جانبي كل بلدة أو الإشارة إلى أعلى البلدة وأسفلها ، فيجعلونها اثنين على هذا المغزى ، وقد قالوا : صدنا بقنوين وهو قنا اسم جبل وقال عنترة : شربت بماء الدخرضين وهو من هذا الباب في أصح القولين قال عنترة أيضا : بعنيزتين وأهلنا بالعيلم وعنيزة اسم موضع وقال الفرزدق : عشية سال المربدان كلاهما وإنما هو مربد البصرة . وقولهم تسألني برامتين سلجما وإنما هو رامة وهذا كثير . وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة وبستان فتسميها جنتين في فصيح الكلام إشعارا بأن لها وجهين وأنك إذا دخلتها ، ونظرت إليها يمينا وشمالا رأيت من كلتا الناحيتين ما يملأ عينيك قرة وصدرك مسرة وفي التنزيل لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال إلى قوله سبحانه وبدلناهم بجنتيهم جنتين [ سبأ : 15 ] . وفيه جعلنا لأحدهما جنتين [ الكهف : 32 ] الآية . وفي آخرها : ودخل جنته فأفرد بعدما ثنى ، وهي هي وقد حمل بعض العلماء على هذا المعنى قوله سبحانه ولمن خاف مقام ربه جنتان [ الرحمن 46 ] ، والقول في هذه الآية يتسع والله المستعان . النور والضياء فصل وقال في هذا الشعر ويظهر في البلاد ضياء نور . هذا البيت يوضح لك معنى النور ومعنى الضياء وأن الضياء هو المنتشر عن النور وأن النور هو الأصل للضوء ومنه مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم [ البقرة 17 ] . وفيه جعل الشمس ضياء والقمر نورا [ يونس 5 ] لأن نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس [ و ] لا سيما في طرفي الشهر وفي الصحيح الصلاة نور والصبر ضياء وذلك أن الصلاة هي عمود الإسلام وهي ذكر وقرآن وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر فالصبر عن المنكرات والصبر على الطاعات هو الضياء الصادر عن هذا النور الذي هو القرآن والذكر وفي أسماء الباري سبحانه الله نور السماوات والأرض [ النور 35 ] ولا يجوز أن يكون الضياء من أسمائه - سبحانه - وقد أمليت في غير هذا الكتاب من معنى نور السموات والأرض ما فيه شفاء والحمد لله . نون الوقاية في إن وأخواتها فصل وفي شعر ورقة فيا ليتني إذا ما كان ذاكم . بحذف نون الوقاية وحذفها مع ليت رديء وهو في لعل أحسن منه لقرب مخرج اللام من النون حتى لقد قالوا : لعل ولعن ولأن بمعنى واحد ولا سيما وقد حكى يعقوب أن من العرب من يخفض بلعل وهذا يؤكد حذف النون من لعلني ، وأحسن ما يكون حذف هذه النون في إن وأن ولكن وكأن لاجتماع النونات وحسنه في لعل أيضا كثرة حروف الكلمة وفي التنزيل لعلي أرجع إلى الناس [ يوسف 46 ] . بغير نون ومجيء هذه الياء في ليتي بغير نون مع أن ليت ناصبة يدلك على أن الاسم المضمر في ضربني هو الياء دون النون كما هو في : ضربك ، وضربه حرف واحد وهو الكاف ولو كان الاسم هو النون مع الياء - كما قالوا في المخفوض مني وعني بنونين نون من ونون أخرى مع الياء فإذا الياء وحدها هي الاسم في حال الخفض وفي حال النصب . حول تقدم صلة المصدر عليه فصل وفيه حديثك أن أرى منه خروجا . قوله منه الهاء راجعة على الحديث وحرف الجر متعلق بالخروج وإن كره النحويون ذلك لأن ما كان من صلة المصدر عندهم فلا يتقدم عليه لأن المصدر مقدر بأن والفعل فما يعمل فيه هو من صلة أن فلا يتقدم فمن أطلق القول في هذا الأصل ولم يخصص مصدرا من مصدر فقد أخطأ المفصل وتاه في تضلل ففي التنزيل أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم [ يونس 2 ] . ومعناه أكان عجبا للناس أن أوحينا ، ولا بد للام هاهنا أن تتعلق بعجب لأنها ليست في موضع صفة ولا موضع حال لعدم العامل فيها ، وفيه أيضا : لا يبغون عنها حولا [ الكهف : 108 ] ولم يجدوا عنها مصرفا [ الكهف : 53 ] . وفيه أيضا : لوليت منهم فرارا [ الكهف : 18 ] . وتقول لي فيك رغبة وما لي عنك معول فيحسن كل هذا بلا خلاف وقد أجاز ابن السراج أبو بكر و [ محمد بن يزيد ] المبرد أيضا في ضربا زيدا ، إذا أردت الأمر أن تقدم المفعول المنصوب بالمصدر وقال لأن ضربا هاهنا في معنى : اضرب فقد خصص لك ضربا من المصادر بجواز تقديم معمولها عليها فإن كان المصدر غير أمر وكان نكرة لم يتقدم المفعول خاصة عليه بخلاف المجرور والظرف فالواجب إذا ربط هذا الباب وتفصيله . متى يجوز تقديم معمول المصدر ؟ فنقول كل مصدر نكرة غير مضاف إلى ما بعده يجوز تقديم معموله عليه إلا المفعول لأن المصدر النكرة لا يتقدر بأن والفعل لأنك إن قدرته بأن والفعل بقي الفعل بلا فاعل وما كان مضافا إلى ما بعده فالمضاف إليه فاعل في المعنى أو مفعول فلذلك يصير المصدر مقدرا بأن والفعل فقف على هذا الأصل فمنه حسن قول ورقة أن أرى منه خروجا ، أي أرى خروجا منه وكذلك لو ذكر الدخول فقال أرى فيه دخولا ، يريد دخولا فيه لكان حسنا ، وتقول اللهم اجعل من أمرنا فرجا ومخرجا ، فمن أمرنا : متعلق بما بعده وهو مصدر ولا خفاء في حسن هذا التقديم لما ذكرناه . ومن قول ورقة بن نوفل في معنى ما تقدم من رواية يونس عن ابن إسحاق : أتبكر أم أنت العشية رائح وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم كأنك عنهم بعد يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد يخبرها عنه إذا غاب ناصح فتاك الذي وجهت يا خير حرة بغور والنجدين حيث الصحاصح إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت وهن من الأحمال قعص دوالح فخبرنا عن كل خير بعلمه وللحق أبواب لهن مفاتح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل إلى كل من ضمت عليه الأباطح وظني به أن سوف يبعث صادقا كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى له بهاء ومنثور من الذكر واضح ويتبعه حيا لؤي جماعة شيابهم والأشيبون الجحاجح فإن أبق حتى يدرك الناس دهره فإني به مستبشر الود فارح وإلا فإني يا خديجة - فاعلمي عن أرضك في الأرض العريضة سائح حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها ، وإنما كانت ردما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها ، وذلك أن نفرا سرقوا كنزا للكعبة وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة ، وكان الذي وجد عنده الكنز دويكا مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة . قال ابن هشام : فقطعت قريش يده . وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم ، فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها ، وكان بمكة رجل قبطي نجار فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها ، وكانوا يهابونها ، فبينا هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة ، كما كانت تصنع بعث الله إليها طائرا فاختطفها ، فذهب بها ، فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا ، عندنا عامل رفيق وعندنا خشب وقد كفانا الله الحية . فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها ، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم . قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم . فتناول من الكعبة حجرا ، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه . فقال يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة عبد الله بن عمر بن مخزوم . قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . أنه رأى ابنا لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو يطوف بالبيت فسأل عنه فقيل هذا ابن لجعدة بن هبيرة فقال عبد الله بن صفوان عند ذلك جد هذا ، يعني : أبا وهب الذي أخذ حجرا من الكعبة حين أجمعت قريش لهدمها ، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال عند ذلك يا معشر قريش : لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا . لا تدخلوا فيها مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس . قال ابن إسحاق : وأبو وهب خال أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان شريفا ، وله يقول شاعر من العرب ولو يأبى وهب أنخت مطيتي غدت من نداه رحلها غير خائب بأبيض من فرعي لؤي بن غالب إذا حصلت أنسابها في الذوائب أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى توسط جداه فروع الأطايب عظيم رماد القدر يملا جفانه من الخبز يعلوهن مثل السبائب ثم إن قريشا تجزأت الكعبة ، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم ، وقبائل من قريش انضموا إليهم وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ، ولبني أسد بن العزى بن قصي ، ولبني عدي بن كعب بن لؤي وهو الحطيم . ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول ثم قام عليها ، وهو يقول اللهم لم ترع - قال ابن هشام : ويقال لم نزغ - اللهم إنا لا نريد إلا الخير ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة وقالوا : ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله صنعنا ، فهدمنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله فهدم وهدم الناس معه حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس أساس إبراهيم عليه السلام أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة آخذ بعضها بعضا . قال ابن إسحاق : فحدثني بعض من يروي الحديث أن رجلا من قريش ، ممن كان يهدمها ، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما ، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها ، فانتهوا عن ذلك الأساس . ________________________________________ بنيان الكعبة ففي خبرها أنها كانت رضما فوق القامة . الرضم أن تنضد الحجارة بعضها على بعض من غير ملاط كما قال رزئتهم في ساعة جرعتهم كؤوس المنايا تحت صخر مرضم وقوله فوق القامة كلام غير مبين لمقدار ارتفاعها إذ ذاك وذكر غيره أنها كانت تسع أذرع من عهد إسماعيل ولم يكن لها سقف فلما بنتها قريش قبل الإسلام زادوا فيها تسع أذرع ، فكانت ثماني عشرة ذراعا ، ورفعوا بابها عن الأرض فكان لا يصعد إليها إلا في درج أو سلم وقد ذكرنا أول من عمل لها غلقا ، وهو تبع . ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسع أذرع ، فكانت سبعا وعشرين ذراعا ، وعلى ذلك هي الآن وكان بناؤها في الدهر خمس مرات . الأولى : حين بناها شيث بن آدم والثانية حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى ، والثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام والرابعة حين احترقت في عهد ابن لزبير بشرارة طارت من أبي قبيس ، فوقعت في أستارها ، فاحترقت وقيل إن امرأة أرادت أن تجمرها ، فطارت شرارة من المجمر في أستارها ، فاحترقت فشاور ابن الزبير في هدمها من حضره فهابوا هدمها ، وقالوا : نرى أن تصلح ما وهى ، ولا تهدم . فقال لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل صلاح . ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها . فهدمها حتى أفضى إلى قواعد إبراهيم فأمرهم أن يزيدوا في الحفر . فحركوا حجرا فرأوا تحته نارا وهولا . أفزعهم فأمرهم أن يقروا القواعد وأن يبنوا من حيث انتهى الحفر . وفي الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد فطاف الناس بتلك الأستار فلم تخل قط من طائف حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب واشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها ، فلما استتم بنيانها ، ألصق بابها بالأرض وعمل لها خلفا أي بابا آخر من ورائها ، وأدخل الحجر فيها ، وذلك لحديث حدثته به خالته عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ألم تري قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة ثم قال عليه السلام لولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لهدمتها ، وجعلت لها خلفا وألصقت بابها الأرض وأدخلت فيها الحجر أو كما قال - عليه السلام - قال ابن الزبير فليس بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها على مقتضى حديث عائشة فلما قام عبد الملك بن مروان ، قال لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء فهدمها وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ من بنيانها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع وهو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر ومعه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديث المتقدم فندم وجعل ينكت في الأرض بمخصرة في يده ويقول وددت أني تركت أبا خبيب وما تحمل من ذلك فهذه المرة الخامسة فلما قام أبو جعفر المنصور ، وأراد أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير وشاور في ذلك فقال مالك بن أنس : أنشدك الله يا أمير المؤمنين وأن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك ، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه وقد قيل إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين لأن السيل كان قد صدع حائطه ولم يكن ذلك بنيانا على نحو ما قدمنا ، إنما كان إصلاحا لما وهى منه وجدارا بني بينه وبين السيل بناه عامر الجارود وقد تقدم هذا الخبر ، وكانت الكعبة قبل أن يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم ويأنس إليها ; لأنها أنزلت إليه من الجنة وكان قد حج إلى موضعها من الهند ، وقد قيل إن آدم هو أول من بناها ، ذكره ابن إسحاق في غير رواية البكائي . وفي الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض فلما بدأ الله بخلق الأشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء وقضاهن سبع سموات دحا الأرض أي بسطها ، وذلك قوله سبحانه والأرض بعد ذلك دحاها [ النازعات 3 ] وإنما دحاها من تحت مكة ; ولذلك سميت أم القرى ، وفي التفسير أن الله سبحانه حين قال للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين [ فصلت 11 ] لم تجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم ، فلذلك حرمها . وفي الحديث أن الله حرم مكة قبل أن يخلق السموات والأرض فصارت حرمتها كحرمة المؤمن لأن المؤمن إنما حرم دمه وعرضه وماله بطاعته لربه وأرض الحرم لما قالت أتينا طائعين حرم صيدها وشجرها وخلاها إلا الإذخر فلا حرمة إلا لذي طاعة جعلنا الله ممن أطاعه . سبب آخر لبنيان البيت وروي في سبب بنيان البيت خبر آخر وليس بمعارض لما تقدم وذلك أن الله سبحانه لما قال لملائكته إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها [ البقرة 29 ] . خافوا أن يكون الله عاتبا عليهم لاعتراضهم في علمه فطافوا بالعرش سبعا ، يسترضون ربهم ويتضرعون إليه فأمرهم سبحانه أن يبنوا البيت المعمور في السماء السابعة وأن يجعلوا طوافهم به فكان ذلك أهون عليهم من الطواف بالعرش ثم أمرهم أن يبنوا في كل سماء بيتا ، وفي كل أرض بيتا ، قال مجاهد : هي أربعة عشر بيتا ، كل بيت منها منا صاحبه أي في مقابلته لو سقطت لسقطت بعضها على بعض . حول بناء الكعبة مرة أخرى روي أيضا أن الملائكة حين أسست الكعبة انشقت الأرض إلى منتهاها ، وقذفت فيها حجارة أمثال الإبل فتلك القواعد من البيت التي رفع إبراهيم وإسماعيل فلما جاء الطوفان رفعت وأودع الحجر الأسود أبا قبيس . وذكر ابن هشام أن الماء لم يعلها حين الطوفان ولكنه قام حولها ، وبقيت في هواء إلى السماء وأن نوحا قال لأهل السفينة وهي تطوف بالبيت إنكم في حرم الله وحول بيته فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة وجعل بينهم وبين السماء حاجزا ، فتعدى حام ، فدعا عليه نوح أن يسود لون بنيه فاسود كوش بن حام ونسله إلى يوم القيامة وقد قيل في سبب دعوة نوح على حام غير هذا ، والله أعلم . وذكر في الخبر عن ابن عباس ، قال أول من عاذ بالكعبة حوت صغير خاف من حوت كبير فعاذ منه بالبيت وذلك أيام الطوفان . ذكره يحيى بن سلام فلما نضب ماء الطوفان كان مكان البيت ربوة من مدرة وحج إليه هود وصالح ومن آمن معهما ، وهو كذلك . ويذكر أن يعرب قال لهود عليه السلام ألا نبنيه ؟ قال إنما يبنيه نبي كريم يأتي من بعدي يتخذه الرحمن خليلا ، فلما بعث الله إبراهيم وشب إسماعيل بمكة أمر إبراهيم ببناء الكعبة ، فدلته عليه السكينة وظللت له على موضع البيت فكانت عليه كالجحفة وذلك أن السكينة من شأن الصلاة فجعلت علما على قبلتها حكمة من الله سبحانه وبناه عليه السلام من خمسة أجبل كانت الملائكة تأتيه بالحجارة منها ، وهي طور تينا ، وطور زيتا اللذين بالشام والجودي وهو بالجزيرة ولبنان وحراء وهما بالحرم كل هذا جمعناه من آثار مروية . وانتبه لحكمة الله كيف جعل بناءها من خمسة أجبل فشاكل ذلك معناها ; إذ هي قبلة للصلاة الخمس وعمود الإسلام وقد بني على خمس وكيف دلت عليه السكينة إذ هو قبلة للصلاة والسكينة من شأن الصلاة . قال عليه السلام وأتوها وعليكم السكينة فلما بلغ إبراهيم الركن جاءه جبريل بالحجر الأسود من جوف أبي قبيس وروى الترمذي عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أنزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم وروى الترمذي أيضا من طريق عبد الله بن عمرو مرفوعا أن الركن الأسود والركن اليماني ياقوتتان من الجنة ولولا ما طمس من نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب وفي رواية غيره لأبرآ من استلمهما من الخرس والجذام والبرص وروى غير الترمذي من طريق علي رحمه الله أن العهد الذي أخذه الله على ذرية آدم حين مسح ظهره ألا يشركوا به شيئا كتبه في صك وألقمه الحجر الأسود ; ولذلك يقول المستلم له إيمانا بك ، ووفاء بعهدك ، وذكر هذا الخبر الزبير وزاد عليه أن الله سبحانه أجرى نهرا أطيب من اللبن وألين من الزبد فاستمد منه القلم الذي كتب العهد قال وكان أبو قبيس يسمى : الأمين لأن الركن كان مودعا فيه وأنه نادى إبراهيم حين بلغ بالبنيان إلى موضع الركن فأخبره عن الركن فيه ودله على موضعه منه وانتبه من هاهنا إلى الحكمة في أن سودته خطايا بني آدم دون غيره من حجارة الكعبة وأستارها ، وذلك أن العهد الذي فيه هي الفطرة التي فطر الناس عليها من توحيد الله فكل مولود يولد على تلك الفطرة وعلى ذلك الميثاق فلولا أن أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يسود قلبه بالشرك لما حال عن العهد فقد صار قلب ابن آدم محلا لذلك العهد والميثاق وصار الحجر محلا لما كتب فيه من ذلك العهد والميثاق فتناسبا ، فاسود من الخطايا قلب ابن آدم بعدما كان ولد عليه من ذلك العهد واسود الحجر بعد ابيضاضه وكانت الخطايا سببا في ذلك حكمة من الله سبحانه فهذا ما ذكر في بنيان الكعبة ملخصا ، منه ما ذكر الماوردي ومنه ما ذكره الطبري ، ومنه ما وقع في كتاب التمهيد لأبي عمر ونبذ أخذتها من كتاب فضائل مكة لرزين بن معاوية ومن كتاب أبي الوليد الأزرقي في أخبار مكة ، ومن أحاديث في المسندات المروية وسنورد في باقي الحديث بعض ما بلغنا في ذلك مستعينين بالله . وأما الركن اليماني فسمي باليماني - فيما ذكر القتبي - لأن رجلا من اليمن بناه اسمه أبي بن سالم وأنشد لنا الركن من بيت الحرام وراثة بقية ما أبقى أبي بن سالم حول بناء المسجد الحرام وأما المسجد الحرام فأول من بناه عمر بن الخطاب ، وذلك أن الناس ضيقوا على الكعبة ، وألصقوا دورهم بها ، فقال عمر إن الكعبة بيت الله ولا بد للبيت من فناء وإنكم دخلتم عليها ، ولم تدخل عليكم فاشترى تلك الدور من أهلها وهدمها ، وبنى المسجد المحيط بها ، ثم كان عثمان فاشترى دورا أخرى ، وأغلى في ثمنها ، وزاد في سعة المسجد فلما كان ابن الزبير زاد في إتقانه لا في سعته وجعل فيه عمدا من الرخام وزاد في أبوابه وحسنها ، فلما كان عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع حائط المسجد وحمل إليه السواري في البحر إلى جدة ، واحتملت من جدة على العجل إلى مكة ، وأمر الحجاج بن يوسف فكساها الديباج وقد كنا قدمنا أن ابن الزبير كساها الديباج قبل الحجاج ذكره الزبير بن بكار ، وذكرنا أيضا أن خالد بن جعفر بن كلاب ممن كساها الديباج قبل الإسلام ثم كان الوليد بن عبد الملك فزاد في حليها ، وصرف في ميزابها وسقفها ما كان في مائدة سليمان بن داود عليهما السلام من ذهب وفضة وكانت قد احتملت إليه من طليطلة من جزيرة الأندلس وكانت لها أطواق من ياقوت وزبرجد وكانت قد احتملت على بغل قوي فتفسخ تحتها ، فضرب منها الوليد حلية للكعبة فلما كان أبو جعفر المنصور وابنه محمد المهدي زاد أيضا في إتقان المسجد وتحسين هيئته ولم يحدث فيه بعد ذلك عمل إلى الآن . وفي اشتراء عمر وعثمان الدور التي زادا فيها دليل على أن رباع أهل مكة ملك لأهلها ، يتصرفون فيها بالبيع والشراء إذا شاءوا ، وفي ذلك اختلاف . كنز الكعبة والنجار القبطي فصل وذكر ابن إسحاق دويكا الذي سرق كنز الكعبة ، وتقدم أن سارقا سرق من مالها في زمن جرهم ، وأنه دخل البئر التي فيها كنزها فسقط عليه حجر فحبسه فيها ، حتى أخرج منها ، وانتزع المال منه ثم بعث الله حية لها رأس كرأس الجدي بيضاء البطن سوداء المتن فكانت في بئر الكعبة خمسمائة عام فيما ذكر رزين وهي التي ذكرها ابن إسحاق ، وكان لا يدنو أحد من بئر الكعبة إلا احزألت أي رفعت ذنبها ، وكشت أي صوتت . وذكر ابن إسحاق أن سفينة رماها البحر إلى جدة ، فتحطمت وذكر غيره عن ابن منبه أن سفينة خجتها الريح إلى الشعيبة وهو مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز ، وهو كان مرفأ مكة ومرسى سفنها قبل جدة . والشعيبة بضم الشين ذكره البكري ، وفسر الخطابي خجتها : أي دفعتها بقوة من الريح الخجوج أي الدفوع . قال ابن إسحاق : وكان بمكة نجار قبطي ، وذكر غيره أنه كان علجا في السفينة التي خجتها الريح إلى الشعيبة وأن اسم ذلك النجار ياقوم وكذلك روي أيضا في اسم النجار الذي عمل منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرفاء الغابة ، ولعله أن يكون هذا ، فالله أعلم . الحية والدابة فصل وذكر خبر العقاب أو الطائر الذي اختطف الحية من بئر الكعبة ، وقال غيره طرحها الطائر بالحجون فالتقمتها الأرض . وقال محمد بن الحسن المقري هذا القول ثم قال وهي الدابة التي تكلم الناس قبل يوم القيامة واسمها : أقصى فيما ذكر ومحمد بن الحسن المقري هو النقاش وهو من أهل العلم - والله أعلم بصحة ما قال غير أنه قد روي في حديث آخر أن موسى عليه السلام سأل ربه أن يريه الدابة التي تكلم الناس فأخرجها له من الأرض فرأى منظرا هاله وأفزعه فقال أي رب ردها فردها . وذكر ابن إسحاق حديث الحجر الذي أخذ من الكعبة ، فوثب من يد آخذه حتى عاد إلى موضعه وقال غيره ضربوا بالمعول في حجر من أحجارها ، فلمعت برقة كادت تخطف أبصارهم وأخذ رجل منهم حجرا ، فطار من يده وعاد إلى موضعه . وذكر ابن إسحاق قولهم اللهم لم ترع وهي كلمة تقال عند تسكين الروع والتأنيس وإظهار اللين والبر في القول ولا روع في هذا الموطن فينفى ، ولكن الكلمة تقتضي إظهار قصد البر فلذلك تكلموا بها ، وعلى هذا يجوز التكلم بها في الإسلام وإن كان فيها ذكر الروع الذي هو محال في حق الباري تعالى ، ولكن لما كان المقصود ما ذكرنا ، جاز النطق بها ، وسيأتي في هذا الكتاب إن شاء الله زيادة بيان عند قوله فاغفر فداء لك ما اقتفينا . ويروى أيضا : اللهم لم نزغ وهو جلي لا يشكل . من تفسير حديث أبي لهب وذكر قولهم لا تدخلوا في هذا البيت مهر بغي وهي الزانية وهي فعول من البغاء فاندغمت الواو في الياء ولا يجوز عندهم أن يكون على وزن فعيل لأن فعيلا بمعنى : فاعل يكون بالهاء في المؤنث كرحيمة وكريمة وإنما يكون بغير هاء إذا كان في معنى : مفعول نحو امرأة جريح وقتيل . وقوله ولا بيع ربا يدل على أن الربا كان محرما عليهم في الجاهلية كما كان الظلم والبغاء وهو الزنا محرما عليهم يعلمون ذلك ببقية من بقايا شرع إبراهيم عليه السلام كما كان بقي فيهم الحج والعمرة وشيء من أحكام الطلاق والعتق وغير ذلك . وفي قوله سبحانه وأحل الله البيع وحرم الربا [ البقرة 275 ] دليل على تقديم التحريم . قال ابن إسحاق وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية ، فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فإذا هو أنا الله ذو بكة ، خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن قال ابن هشام : أخشباها : جبلاها . قال ابن إسحاق : وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل لا يحلها أول من أهلها قال ابن إسحاق : وزعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة - إن كان ما ذكر حقا - مكتوبا فيه " من يزرع خيرا ، يحصد غبطة ومن يزرع شرا ، يحصد ندامة . تعملون السيئات وتجزون الحسنات أجل كما لا يجتنى من الشوك العنب " . ________________________________________ الحجر الذي كان مكتوبا فصل وذكر الحجر الذي وجد مكتوبا في الكعبة ، وفيه أنا الله ذو بكة لحديث . روى معمر بن راشد في الجامع عن الزهري أنه قال بلغني أن قريشا حين بنوا الكعبة ، وجدوا فيها حجرا ، وفيه ثلاثة صفوح في الصفح الأول أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر إلى آخر كلام ابن إسحاق ، وفي الصفح الثاني : أنا الله ذو بكة ، خلقت الرحم واشتققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته وفي الصفح الثالث أنا الله ذو بكة ، خلقت الخير والشر فطوبى لمن كان الخير على يديه وويل لمن كان الشر على يديه وفي حديث ابن إسحاق : لا يحلها أول من أهلها ، يريد - والله أعلم - ما كان من استحلال قريش القتال فيها أيام ابن الزبير وحصين بن نمير ثم الحجاج بعده ولذلك قال ابن أبي ربيعة : ألا من لقلب معنى غزل بحب المحلة أخت المحل يعني بالمحل عبد الله بن الزبير لقتاله في الحرم . قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوروا وتحالفوا ; وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا : لعقة الدم فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا . فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عامئذ أسن قريش كلها ، قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم - فيما تختلفون فيه - أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا : فكان أول داخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا ، هذا محمد فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر ، قال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا " ، فأتي به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال " لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا " ، ففعلوا ، حتى إذا بلغوا موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه ________________________________________ حول الحجر الأسود وقواعد البيت فصل وذكر اختلافهم في وضع الركن وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي وضعه بيده وذكر غيره أن إبليس كان معهم في صورة شيخ نجدي وأنه صاح بأعلى صوته يا معشر قريش : أرضيتم أن يضع هذا الركن وهو شرفكم غلام يتيم دون ذوي أسنانكم فكان يثير شرا فيما بينهم ثم سكنوا ذلك . وأما وضع الركن حين بنيت الكعبة في أيام ابن الزبير فوضعه في الموضع الذي هو فيه الآن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، وأبوه يصلي بالناس في المسجد اغتنم شغل الناس عنه بالصلاة لما أحس منهم التنافس في ذلك وخاف الخلاف فأقره أبوه . ذكر ذلك الزبير بن أبي بكر . وذكر ابن إسحاق أيضا أنهم أفضوا إلى قواعد البيت وإذا هي خضر كالأسنمة وليست هذه رواية السيرة إنما الصحيح في الكتاب كالأسنة وهو وهم من بعض النقلة عن ابن إسحاق والله أعلم فإنه لا يوجد في غير هذا الكتاب بهذا اللفظ لا عند الواقدي ولا غيره وقد ذكر البخاري في بنيان الكعبة هذا الخبر ، فقال فيه عن يزيد بن رومان : فنظرت إليها ، فإذا هي كأسنمة الإبل وتشبيهها بالأسنة لا يشبه إلا في الزرقة وتشبيهها بأسنمة الإبل أولى ، لعظمها ، ولما تقدم في حديث بنيان الملائكة لها قبل هذا . وكانت قريش تسمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن ينزل عليه الوحي الأمين . فلما فرغوا من البنيان وبنوها على ما أرادوا ، قال الزبير بن عبد المطلب ، فيما كان من أمر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها . عجبت لما تصوبت العقاب إلى الثعبان وهي لها اضطراب وقد كانت يكون لها كشيش وأحيانا يكون لها وثاب إذا قمنا إلى التأسيس . شدت تهيبنا البناء . وقد تهاب فلما أن خشينا الرجز . جاءت عقاب تتلئب لها انصباب فضمتها إليها ، ثم خلت لنا البنيان ليس له حجاب فقمنا حاشدين إلى بناء لنا منه القواعد والتراب غداة نرفع التأسيس منه وليس على مسوينا ثياب أعز به المليك بني لؤي فليس لأصله منهم ذهاب وقد حشدت هناك بنو عدي ومرة قد تقدمها كلاب فبوأنا المليك بذاك عزا وعند الله يلتمس الثواب قال ابن هشام : ويروى : وليس على مساوينا ثياب وكانت الكعبة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثماني عشرة ذراعا ، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود . وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف . ________________________________________ شعر الزبير بن عبد المطلب فصل وذكر شعر الزبير بن عبد المطلب : عجبت لما تصوبت العقاب . إلى قوله تتلئب لها انصباب . قوله تتلئب ، يقال اتلأب على طريقه إذا لم يعرج يمنة ولا يسرة وكأنه منحوت من أصلين كما تقدم في مثل هذا من تلا : إذا تبع ، وألب إذا أقام وأب أيضا قريب من هذا المعنى . يقال أب إبابة - من كتاب العين - إذا استقام وتهيأ فكأنه مقيم مستمر على ما يتلوه ويتبعه مما هو بسبيله والاسم من اتلأب التلأبيبة على وزن الطمأنينة والقشعريرة قاله أبو عبيد . وقوله وليس على مسوينا ثياب . أي مسوي البنيان . وهو في معنى الحديث الصحيح في نقلانهم الحجارة إلى الكعبة أنهم كانوا ينقلونها عراة ويرون ذلك دينا ، وأنه من باب التشمير والجد في الطاعة . وقول ابن هشام : ويروى : مساوينا ، يريد السوآت فهو جمع مساءة مفعلة من السوءة والأصل مساوئ فسهلت الهمزة . حديث الحمس قال ابن إسحاق : وقد كانت قريش - لا أدري أقبل عام الفيل أم بعده - ابتدعت رأي الحمس رأيا رأوه وأداروه فقالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت ، وقطان مكة وساكنها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا مثل منزلتنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم ، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم وقالوا : قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم . فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ويرون لسائر العرب أن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها ، كما نعظمها نحن الحمس والحمس أهل الحرم ، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم إياهم يحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم . وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك . قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة النحوي : أن بني عامر بن صعصعة معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك وأنشدني لعمرو بن معدي كرب أعباس لو كانت شيارا جيادنا بتثليث ما ناصبت بعدي الأحامسا

أخبار الكهان من العرب والأحبار من يهود والرهبان من النصارى قال ابن إسحاق : وكانت الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى ، والكهان من العرب ، قد تحدثوا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه لما تقارب من زمانه . أما الأحبار من يهود والرهبان من النصارى . فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه وأما الكهان من العرب : فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره لا تلقي العرب لذلك فيه بالا ، حتى بعثه الله تعالى ، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون . فعرفوها . فلما تقارب أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحضر مبعثه . حجبت الشياطين عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها ، فرموا بالنجوم فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا ، وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا إلى قوله وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا [ الجن : 1 - 6 ثم 9 ، 10 ] . فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها إنما منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة . فآمنوا وصدقوا ، ثم ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم الآية [ الأحقاف : 30 ] ________________________________________ فصل في الكهانة روي في مأثور الأخبار أن إبليس كان يخترق السموات قبل عيسى ، فلما بعث عيسى ، أو ولد حجب عن ثلاث سموات فلما ولد محمد حجب عنها كلها ، وقذفت الشياطين بالنجوم وقالت قريش حين كثر القذف بالنجوم قامت الساعة فقال عتبة بن ربيعة : انظروا إلى العيوق فإن كان رمي به فقد آن قيام الساعة وإلا فلا . وممن ذكر هذا الخبر الزبير بن أبي بكر . رمي الشياطين وذكر ابن إسحاق في هذا الباب ما رميت به الشياطين حين ظهر القذف بالنجوم لئلا يلتبس بالوحي وليكون ذلك أظهر للحجة وأقطع للشبهة والذى قاله صحيح ولكن القذف بالنجوم قد كان قديما ، وذلك موجود في أشعار القدماء من الجاهلية . منهم عوف بن أجرع وأوس بن حجر وبشر بن أبي حازم وكلهم جاهلي ، وقد وصفوا الرمي بالنجوم وأبياتهم في ذلك مذكورة في مشكل ابن قتيبة في تفسير سورة الجن ، وذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن شهاب أنه سئل عن هذا الرمي بالنجوم أكان في الجاهلية ؟ قال نعم ولكنه إذ جاء الإسلام غلظ وشدد وفي قول الله سبحانه وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا [ الجن : 8 ] الآية ولم يقل حرست دليل على أنه قد كان منه شيء فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ملئت حرسا شديدا وشهبا ، وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم ولتكون الآية أبين والحجة أقطع وإن وجد اليوم كاهن فلا يدفع ذلك بما أخبر الله به من طرد الشياطين عن استراق السمع فإن ذلك التغليظ والتشديد كان زمن النبوة ثم بقيت منه أعني من استراق السمع بقايا يسيرة بدليل وجودهم على الندور في بعض الأزمنة وفي بعض البلاد .

وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكهان فقال ليسوا بشيء فقيل إنهم يتكلمون بالكلمة فتكون كما قالوا ، فقال تلك الكلمة من الجن يحفظها الجني ، فيقرها في أذن وليه قر الزجاجة فيخلط فيها أكثر من مائة كذبة  ، ويروى : قر الدجاجة بالدال وعلى هذه الرواية تكلم قاسم بن ثابت في الدلائل . والزجاجة بالزاي أولى ; لما ثبت في الصحيح فيقرها في أذن وليه كما تقر القارورة ومعنى يقرها : يصبها ويفرغها ، قال الراجز 

لا تفرغن في أذني قرها ما يستفز فأريك فقرها وفي تفسير ابن سلام عن ابن عباس ، قال إذا رمى الشهاب الجني لم يخطئه ويحرق ما أصاب ولا يقتله وعن الحسن قال في أسرع من طرفة العين وفي تفسير ابن سلام أيضا عن أبي قتادة أنه كان مع قوم فرمي بنجم فقال لا تتبعوه أبصاركم وفيه أيضا عن حفص أنه سأل الحسن أيتبع بصره الكوكب . فقال قال سبحانه وجعلناها رجوما للشياطين [ الملك 5 ] . وقال أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض [ الأعراف 185 ] . قال كيف نعلم إذا لم ننظر إليه لأتبعنه بصري . الجن الذين ذكرهم القرآن وذكر النفر من الجن الذين نزل فيهم القرآن والذين ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى [ الأحقاف : 30 ] . وفي الحديث أنهم كانوا من جن نصيبين . وفي التفسير أنهم كانوا يهودا ; ولذلك قالوا : من بعد موسى ، ولم يقولوا من بعد عيسى ذكره ابن سلام . وكانوا سبعة قد ذكروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات وهم شاصر وماصر ومنشى ، ولاشى ، والأحقاب وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد ووجدت في خبر حدثني به أبو بكر بن طاهر الإشبيلي القيسي عن أبي علي الغساني في فضل عمر بن عبد العزيز قال بينما عمر بن عبد العزيز يمشي في أرض فلاة فإذا حية ميتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها فإذا قائل يقول يا سرق اشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك : " ستموت بأرض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صالح " ، فقال من أنت - يرحمك الله - فقال رجل من الجن الذين تسمعوا القرآن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبق منهم إلا أنا وسرق وهذا سرق قد مات . وذكر ابن سلام من طريق أبي إسحاق [ عمرو بن عبد الله بن علي ] السبيعي عن أشياخه عن ابن مسعود أنه كان في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون فرفع لهم إعصار ثم جاء إعصار أعظم منه ثم انقشع فإذا حية قتيل فعمد رجل منا إلى ردائه فشقه وكفن الحية ببعضه ودفنها . فلما جن الليل إذا امرأتان تتساءلان أيكم دفن عمرو بن جابر ؟ فقلنا : ما ندري من عمرو بن جابر ؟ فقالتا : إن كنتم ابتغيتم الأجر فقد وجدتموه . إن فسقة الجن اقتتلوا مع المؤمنين منهم فقتل عمرو ، وهو الحية التي رأيتم وهو من النفر الذين استمعوا القرآن من محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم ولوا إلى قومهم منذرين وكان قول الجن : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا أنه كان الرجل من العرب من قريش وغيرهم إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه . قال ابن هشام : الرهق الطغيان والسفه . قال رؤبة بن العجاج : إذ تستبي الهيامة المرهقا [ بمقلتي ريم وحيد أرشقا ] وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا : طلبك الشيء حتى تدنو منه فتأخذه أو لا تأخذه . قال رؤبة بن العجاج يصف حمير وحش بصبصن واقشعررن من خوف الرهق [ يمصعن بالأذناب من لوح وبق ] وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا : مصدر لقول الرجل رهقت الإثم أو العسر الذي أرهقتني رهقا شديدا ، أي حملت الإثم أو العسر الذي حملتني حملا شديدا ، وفي كتاب الله تعالى : فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا [ الكهف : 80 ] وقوله ولا ترهقني من أمري عسرا [ الكهف : 73 ] . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم - حين رمي بها - هذا الحي من ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج - قال وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا - فقالوا له يا عمرو : ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال بلى فانظروا ، فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها ، فهو والله طي الدنيا ، وهلاك هذا الخلق الذي فيها ، وإن كانت نجوما غيرها ، وهي ثابتة على حالها ، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو ؟ ________________________________________ ابن علاط والجن فصل وأما ما ذكره في معنى قوله سبحانه وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن الآية [ الجن : 6 ] . فقد روي في معنى ذلك عن حجاج بن علاط السلمي وهو والد نصر بن حجاج الذي قيل فيه أم لا سبيل إلى نصر بن حجاج أنه قدم مكة في ركب فأجنهم الليل بواد مخوف موحش فقال له الركب قم خذ لنفسك أمانا ، ولأصحابك ، فجعل يطوف بالركب ويقول أعيذ نفسي وأعيذ صحبي من كل جني بهذا النقب حتى أءوب سالما وركبي فسمع قارئا : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان الآية [ الرحمن 33 ] . فلما قدم مكة خبر كفار قريش بما سمع فقالوا : أصبت يا أبا كلاب . إن هذا يزعم محمد أنه أنزل عليه فقال والله لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي ، ثم أسلم وحسن إسلامه وهاجر إلى المدينة ، وابتنى بها مسجدا فهو يعرف به . وقال ابن إسحاق : وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن عبد الله بن العباس عن نفر من الأنصار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به ؟ قالوا : يا نبي الله كنا نقول حين رأيناها يرمى بها : مات ملك ملك ملك ولد مولود مات مولود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حملة العرش فسبحوا ، فسبح من تحتهم فسبح لتسبيحهم من تحت ذلك فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيسبحوا ثم يقول بعضهم لبعض مم سبحتم ؟ فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا ؟ فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا إلى حملة العرش فيقال لهم مم سبحتم ؟ فيقولون قضى الله في خلقه كذا وكذا ، للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيتحدثوا به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان فيصيبون بعضا ويخطئون بعضا . ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها ، فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه بمثل حديث ابن شهاب عنه . ________________________________________ حول انقطاع الكهانة فصل وذكر ابن إسحاق حديث ابن عباس وفيه كنا نقول إذا رأيناه يموت عظيم أو يولد عظيم وفي هذا دليل على ما قدمناه من أن القذف بالنجوم كان قديما ، ولكنه إذ بعث الرسول عليه السلام وغلظ وشدد - كما قال الزهري - وملئت السماء حرسا . وقوله في آخر الحديث وقد انقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة يدل قوله اليوم على تخصيص ذلك الزمان كما قدمناه والذي انقطع اليوم وإلى يوم القيامة أن تدرك الشياطين ما كانت تدركه في الجاهلية الجهلاء وعند تمكنها من سماع أخبار السماء وما يوجد اليوم من كلام الجن على ألسنة المجانين إنما هو خبر منهم عما يرونه في الأرض مما لا نراه نحن كسرقة سارق أو خبيئته في مكان خفي أو نحو ذلك وإن أخبروا بما سيكون كان تخرصا وتظنيا ، فيصيبون قليلا ، ويخطئون كثيرا . وذلك القليل الذي يصيبون هو مما يتكلم به الملائكة في العنان كما في حديث البخاري ، فيطردون بالنجوم فيضيفون إلى الكلمة الواحدة أكثر من مائة كذبة - كما قال عليه السلام - في الحديث الذي قدمناه فإن قلت : فقد كان صاف بن صياد وكان يتكهن ويدعي النبوة وخبأ له النبي - صلى الله عليه وسلم - خبيئا ، فعلمه وهو الدخ فأين انقطاع الكهانة في ذلك الزمان ؟ قلنا : عن هذا جوابان أحدهما ذكره الخطابي في أعلام الحديث قال الدخ نبات يكون من النخيل ، وخبأ له عليه السلام فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين [ الدخان 10 ] ، فعلى هذا لم يصب ابن صياد ما خبأ له النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني : أن شيطانه كان يأتيه بما خفي من أخبار الأرض ولا يأتيه بخبر السماء لمكان القذف والرجم فإن كان أراد بالدخ الدخان بقوة جعلت لهم في أسماعهم ليست لنا ، فألقى الكلمة عن لسان صاف وحدها ، إذ لم يمكن سماع سائر الآية ولذلك قال له النبي - عليه السلام - اخسأ فلن تعدو قدر الله فيك أي فلن تعدو منزلتك من العجز عن علم الغيب وإنما الذي يمكن في حقه هذا القدر دون مزيد عليه على هذا النحو فسره الخطابي . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم يقال لها الغيطلة ، كانت كاهنة في الجاهلية فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي ، فأنقض تحتها ، ثم قال أدر ما أدر يوم عقر ونحر فقالت قريش حين بلغها ذلك ما يريد ؟ ثم جاءها ليلة أخرى ، فأنقض تحتها ، ثم قال شعوب ما شعوب تصرع فيه كعب لجنوب فلما بلغ ذلك قريشا ، قالوا : ماذا يريد ؟ إن هذا لأمر هو كائن فانظروا ما هو ؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب فعرفوا أنه الذي كان جاء إلى صاحبته . قال ابن هشام : الغيطلة من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة إخوة مدلج بن مرة وهي أم الغياطل الذين ذكر أبو طالب في قوله لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا بني خلف قيضا بنا والغياطل فقيل لولدها : الغياطل ، وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص . وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق : وحدثني علي بن نافع الجرشي أن جنبا بطن من اليمن ، كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب ، قالت له جنب انظر لنا في أمر هذا الرجل واجتمعوا له في أسفل جبله فنزل عليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له فرفع رأسه إلى السماء طويلا ، ثم جعل ينزو ، ثم قال أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل ثم اشتد في جبله راجعا من حيث جاء ________________________________________ الغيطلة الكاهنة وكهانتها فصل وذكر حديث الغيطلة الكاهنة قال وهي من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة أخي مدلج وهي أم الغياطل الذي ذكر أبو طالب وسنذكر معنى الغيطلة عند شعر أبي طالب إن شاء الله . ونذكرها هاهنا ما ألفيته في حاشية كتاب الشيخ أبي بحر في هذا الموضع . قال الغيطلة بنت مالك بن الحارث بن عمرو بن الصعق بن شنوق بن مرة وشنوق أخو مدلج وهكذا ذكر نسبها الزبير . وذكر قولها : شعوب وما شعوب تصرع فيها كعب لجنوب . كعب هاهنا هو كعب بن لؤي ، والذين صرعوا لجنوبهم ببدر وأحد من أشراف قريش ، معظمهم من كعب بن لؤي ، وشعوب هاهنا أحسبه بضم الشين ولم أجده مقيدا ، وكأنه جمع شعب وقول ابن إسحاق يدل على هذا حين قال فلم يدر ما قالت حتى قتل من قتل ببدر وأحد بالشعب . وذكر قول التابع أدر ما أدر وقيد عن أبي علي فيه رواية أخرى : وما بدر ؟ وهي أبين من هذه وفي غير رواية البكائي عن ابن إسحاق أن فاطمة بنت النعمان النجارية كان لها تابع من الجن ، وكان إذا جاءها اقتحم عليها في بيتها ، فلما كان في أول البعث أتاها ، فقعد على حائط الدار ولم يدخل فقالت له لم لا تدخل ؟ فقال قد بعث نبي بتحريم الزنا ، فذلك أول ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثقيف ولهب والرمي بالنجوم فصل وذكر إنكار ثقيف للرمي بالنجوم وما قاله عمرو بن أمية أحد بني علاج إلى آخر الحديث وهو كلام صحيح المعنى ، لكن فيه إبهاما لقوله وإن كانت غير هذه النجوم فهو لأمر حدث فما هو وقد فعل ما فعلت ثقيف بنو لهب عند فزعهم للرمي بالنجوم فاجتمعوا إلى كاهن لهم يقال له خطر فبين لهم الخبر ، وما حدث من أمر النبوة . روى أبو جعفر العقيلي في كتاب الصحابة عن رجل من بني لهب يقال له لهب أو لهيب . وقد تكلمنا على نسب لهب في هذا الكتاب . قال لهيب حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده الكهانة فقلت : بأبي وأمي : نحن أول من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا ، قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة وكان من أعلم كهاننا ، فقلنا : يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمى بها ، فإنا قد فزعنا لها ، وخشينا سوء عاقبتها ؟ فقال ائتوني بسحر أخبركم الخبر أبخير أم ضرر أو لأمن أو حذر قال فانصرفنا عنه يومنا ، فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه فناديناه أخطر يا خطر ؟ فأومأ إلينا : أن أمسكوا ، فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته أصابه إصابة خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويله ما حاله بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله وغيرت أحواله ثم أمسك طويلا وهو يقول يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤتمن السدان لقد منع السمع عتاة الجان بثاقب بكف ذي سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن وبالهدى وفاصل القرآن تبطل به عبادة الأوثان قال فقلنا : ويحك يا خطر إنك لتذكر أمرا عظيما ، فماذا ترى لقومك ؟ فقال أرى لقومي ما أرى لنفسي أن يتبعوا خير نبي الإنس برهانه مثل شعاع الشمس يبعث في مكة دار الحمس بمحكم التنزيل غير اللبس فقلنا له يا خطر وممن هو ؟ فقال والحياة والعيش . إنه لمن قريش ، ما في حلمه طيش ولا في خلقه هيش يكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل أيش فقلت له بين لنا : من أي قريش هو ؟ فقال والبيت ذي الدعائم والركن والأحائم إنه لمن نجل هاشم من معشر كرائم يبعث بالملاحم وقتل كل ظالم ثم قال هذا هو البيان أخبرني به رئيس الجان ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع عن الجن الخبر - ثم سكت وأغمي عليه فما أفاق إلا بعد ثلاثة فقال لا إله إلا الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد نطق عن مثل نبوة وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده أصل ألف إصابة قال المؤلف في هذا الخبر قوله أصابه إصابة هكذا قيدته بكسر الهمزة من إصابة على أبي بكر بن طاهر وأخبرني به عن أبي علي الغساني ووجهه أن تكون الهمزة بدلا من واو مكسورة مثل وشاح وإشاح [ ووسادة وإسادة ] ، والمعنى : أصابه وصابه جمع : وصب مثل جمل وجمالة . معنى كلمة أيش والأحائم وقوله من آل قحطان وآل أيش يعني بآل قحطان الأنصار ; لأنهم من قحطان وأما آل أيش فيحتمل أن تكون قبيلة من الجن المؤمنين ينسبون إلى أيش فإن يكن هذا ، وإلا فله معنى في المدح غريب تقول فلان أيش هو وابن أيش ومعناه أي شيء أي شيء عظيم فكأنه أراد من آل قحطان ، ومن المهاجرين الذي يقال فيهم مثل هذا ، كما تقول هم وما هم ؟ وزيد ما زيد وأي شيء زيد وأيش في معنى : أي شيء كما يقال ويلمه في معنى : ويل أمه على الحذف لكثرة الاستعمال وهذا كما قال هو في جيش أيما جيش والله أعلم . وأحسبه أراد بآل أيش بني أقيش وهم حلفاء الأنصار من الجن ; فحذف من الاسم حرفا ، وقد تفعل العرب مثل هذا ، وقد وقع ذكر بني أقيش في السيرة في حديث البيعة . وذكر الركن والأحائم يجوز أن يكون أراد الأحاوم بالواو فهمز الواو لانكسارها ، والأحاوم جمع أحوام والأحوام جمع حوم وهو الماء في البئر فكأنه أراد ماء زمزم ، والحوم أيضا : إبل كثيرة ترد الماء فعبر بالأحائم عن وراد زمزم ، ويجوز أن يريد بها الطير وحمام مكة التي تحوم على الماء فيكون بمعنى الحوائم وقلب اللفظ فصار بعد فواعل أفاعل والله أعلم . حي جنب فصل وذكر أن جنبا وهم حي من اليمن اجتمعوا إلى كاهن لهم فسألوه عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رمى بالنجوم إلى آخر الحديث جنب هم من مذحج ، وهم عيذ الله وأنس الله وزيد الله وأوس الله وجعفي والحكم وجروة بنو سعد العشيرة بن مذحج ، ومذحج هو مالك بن أدد وسموا : جنبا لأنهم جانبوا بني عمهم صداء ويزيد ابني سعد العشيرة بن مذحج . قاله الدارقطني . وذكر في موضع آخر خلافا في أسمائهم وذكر فيهم بني غلي بالغين وليس في العرب غلي غيره قال مهلهل أنكحها فقدها الأراقم في جنب وكان الحباء من أدم قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان ، أنه حدث أن عمر بن الخطاب ، بينما هو جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل رجل من العرب داخلا المسجد يريد عمر بن الخطاب ، فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه قال إن هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد أو لقد كان كاهنا في الجاهلية . فسلم عليه الرجل ثم جلس فقال له عمر - رضي الله عنه هل أسلمت ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين قال له فهل كنت كاهنا في الجاهلية ؟ فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت ، فقال عمر اللهم غفرا ، قد كنا في الجاهلية على شر من هذا ، نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام قال نعم والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية قال فأخبرني ما جاءك به صاحبك ، قال جاءني قبل الإسلام بشهر أو شيعه فقال ألم تر إلى الجن وإبلاسها ، وإياسها من دينها ، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال ابن هشام : هذا الكلام سجع وليس بشعر .

قال عبد الله بن كعب فقال عمر بن الخطاب عند ذلك يحدث الناس والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش ، قد ذبح له رجل من العرب عجلا ، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعه يقول يا ذريح أمر نجيح رجل يصيح يقول : لا إله إلا الله  

قال ابن هشام : ويقال رجل يصيح بلسان فصيح يقول لا إله إلا الله . وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر . عجبت للجن وإبلاسها وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمنو الجن كأنجاسها قال ابن إسحاق : فهذا ما بلغنا من الكهان من العرب . ________________________________________ معنى خلت في وشيعة فصل وذكر حديث عمر وقوله للرجل أكنت كاهنا في الجاهلية ؟ فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك استقبلت به أحدا منذ وليت وذكر الحديث وقوله خلت في هو من باب حذف الجملة الواقعة بعد خلت وظننت ، كقولهم في المثل من يسمع يخل ولا يجوز حذف أحد المفعولين مع بقاء الآخر لأن حكمهما حكم الابتداء والخبر ، فإذا حذفت الجملة كلها جاز لأن حكمهما حكم المفعول والمفعول قد يجوز حذفه ولكن لا بد من قرينة تدل على المراد ففي قولهم من يسمع يخل دليل يدل على المفعول وهو يسمع وفي قوله خلت في دليل أيضا ، وهو قوله في كأنه قال خلت الشر في أو نحو هذا ، وقوله قبل الإسلام بشهر أو شيعه أي دونه بقليل وشيع كل شيء ما هو تبع له وهو من الشياع وهي حطب صغار تجعل مع الكبار تبعا لها ، ومنه المشيعة وهي الشاة تتبع الغنم لأنها دونها من القوة . جليح وسواد بن قارب والصوت الذي سمعه عمر من العجل يا جليح سمعت بعض أشياخنا يقول هو اسم شيطان والجليح في اللغة ما تطاير من رءوس النبات وخف نحو القطن وشبهه والواحدة جليحة والذي وقع في السيرة يا ذريح وكأنه نداء للعجل المذبوح لقولهم أحمر ذريحي ، أي شديد الحمرة فصار وصفا للعجل الذبيح من أجل الدم ومن رواه يا جليح فمآله إلى هذا المعنى ; لأن العجل قد جلح أي كشف عنه الجلد فالله أعلم وهذا الرجل الذي كان كاهنا هو سواد بن قارب الدوسي في قول ابن الكلبي وقال غيره هو سدوسي وفيه يقول القائل ألا لله علم لا يجارى إلى الغايات في جنبي سواد أتيناه نسائله امتحانا فلم يبعل وأخبر بالسداد وهذان البيتان في شعر وخبر ذكره أبو علي القالي في أماليه وروى غير ابن إسحاق هذا الخبر عن عمر على غير هذا الوجه وأن عمر مازحه فقال ما فعلت كهانتك يا سواد ؟ فغضب وقال قد كنت أنا وأنت على شر من هذا من عبادة الأصنام وأكل الميتات أفتعيرني بأمر تبت منه ؟ فقال عمر حينئذ اللهم غفرا وذكر غير ابن إسحاق في هذا الحديث سياقة حسنة وزيادة مفيدة وذكر أنه حدث عمر أن رئيه جاء ثلاث ليال متواليات هو فيها كلها بين النائم واليقظان فقال قم يا سواد واسمع مقالتي ، واعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وعبادته وأنشده في كل ليلة من الثلاث الليالي ثلاثة أبيات معناها واحد وقافيتها مختلفة عجبت للجن وتطلابها وشدها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما صادق الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم ليس قداماها كأذنابها وقال له في الثانية عجبت للجن وإبلاسها وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما طاهر الجن كأنجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم ليس ذنابى الطير من رأسها وقال له في الثالثة عجبت للجن وتنفارها وشدها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمن الجن ككفارها فارحل إلى الأتقين من هاشم ليس قداماها كأدبارها وذكر تمام الخبر ، وفي آخر شعر سواد قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنشده ما كان من الجني رئية ثلاث ليال متواليات وذلك قوله أتاني نجيي بعد هدء ورقدة ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة أتاك نبي من لؤي بن غالب فرفعت أذيال الإزار وشمرت بي العرمس الوجنا هجول السباسب فأشهد أن الله لا شيء غيره وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك من وحي ربنا وإن كان فيما جئت شيب الذوائب وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمغن فتيلا عن سواد بن قارب سواد ودوس عند وفاة الرسول " صلى الله عليه وسلم " ولسواد بن قارب هذا مقام حميد في دوس حين بلغهم وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام حينئذ سواد فقال يا معشر الأزد ، إن من سعادة القوم أن يتعظوا بغيرهم ومن شقائهم ألا يتعظوا إلا بأنفسهم ومن لم تنفعه التجارب ضرته ومن لم يسعه الحق لم يسعه الباطل وإنما تسلمون اليوم بما أسلمتم به أمس وقد علمتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تناول قوما أبعد منكم فظفر بهم وأوعد قوما أكثر منكم فأخافهم ولم يمنعه منكم عدة ولا عدد وكل بلاء منسي إلا بقي أثره في الناس ولا ينبغي لأهل البلاء إلا أن يكونوا أذكر من أهل العافية للعافية وإنما كف نبي الله عنكم ما كفكم عنه فلم تزالوا خارجين مما فيه أهل البلاء داخلين مما فيه أهل العافية حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبكم ونقيبكم فعبر الخطيب عن الشاهد ونقب النقيب عن الغائب ولست أدري لعله تكون للناس جولة فإن تكن فالسلامة منها : الأناة والله يحبها ، فأحبوها ، فأجابه القوم وسمعوا قوله فقال في ذلك سواد بن قارب جلت مصيبتك الغداة سواد وأرى المصيبة بعدها تزداد أبقى لنا فقد النبي محمد - صلى الإله عليه - ما يعتاد حزنا لعمرك في الفؤاد مخامرا أو هل لمن فقد النبي فؤاد ؟ كنا نحل به جنابا ممرعا جف الجناب فأجدب الرواد فبكت عليه أرضنا وسماؤنا وتصدعت وجدا به الأكباد قل المتاع به وكان عيانه حلما تضمن سكرتيه رقاد كان العيان هو الطريف وحزنه باق لعمرك في النفوس تلاد إن النبي وفاته كحياته الحق حق والجهاد جهاد لو قيل تفدون النبي محمدا بذلت له الأموال والأولاد وتسارعت فيه النفوس ببذلها هذا له الأغياب والأشهاد هذا ، وهذا لا يرد نبينا لو كان يفديه فداه سواد أنى أحاذر والحوادث جمة أمرا لعاصف ريحه إرعاد إن حل منه ما يخاف فأنتم للأرض - إن رجفت بنا - أوتاد لو زاد قوم فوق منية صاحب زدتم وليس لمنية مزداد كاهنة قريش فأعجب القوم شعره وقوله فأجابوا إلى ما أحب ومن هذا الباب خبر سوداء بنت زهرة بن كلاب ، وذلك أنها حين ولدت ورآها أبوها زرقاء شيماء أمر بوأدها ، وكانوا يئدون من البنات ما كان على هذه الصفة فأرسلها إلى الحجون لتدفن هناك فلما حفر لها الحافر وأراد دفنها سمع هاتفا يقول لا تئدن الصبية ، وخلها في البرية ، فالتفت فلم ير شيئا ، فعاد لدفنها ، فسمع الهاتف يهتف بسجع آخر في المعنى ، فرجع إلى أبيها ، فأخبره بما سمع فقال إن لها لشأنا ، وتركها ، فكانت كاهنة قريش ، فقالت يوما لبني زهرة إن فيكم نذيرة أو تلد نذيرا ، فاعرضوا علي بناتكم فعرضن عليها ، فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه النذيرة أو تلد نذيرا ، وهو خبر طويل ذكر الزبير منه يسيرا ، وأورده بطوله أبو بكر النقاش وفيه ذكر جهنم - أعاذنا الله منها - ولم يكن اسم جهنم مسوغا به عندهم فقالوا لها : وما جهنم فقالت سيخبركم النذير عنها .

إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجال من قومه قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام ، مع رحمة الله تعالى وهداه لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا ، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى ، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين [ البقرة 79 ] . قال ابن هشام : يستفتحون يستنصرون ويستفتحون أيضا : يتحاكمون وفي كتاب الله تعالى : ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين [ الأعراف 89 ] . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش - وكان سلمة من أصحاب بدر - قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل - قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا ، علي بردة لي ، مضطجع فيها بفناء أهلي - فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار قال فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا ، أن الناس يبعثن بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال نعم والذي يحلف به ويود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطيعونه عليه بأن ينجو من تلك النار غدا ، فقالوا له ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟ قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد - وأشار بيده إلى مكة واليمن - فقالوا : ومتى تراه ؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا ، فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا . قال فقلنا له ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال بلى . ولكن ليس به . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال قال لي : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد نفر من بني هدل إخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الإسلام . قال قلت : لا ، قال فإن رجلا من يهود من أهل الشام ، يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبيل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا ، لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له اخرج يا بن الهيبان فاستسق لنا ، فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة فنقول له كم ؟ فيقول صاعا من تمر أو مدين من شعير . قال فنخرجها ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا ، فيستسقي الله لنا . فوالله ما يبرح مجلسه حتى تمر السحابة ونسقى ، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث . قال ثم حضرته الوفاة عندنا . فلما عرف أنه ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ قال قلنا : إنك أعلم قال فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه . فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية وكانوا شبابا أحداثا : يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا : ليس به قالوا : بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا ، وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم . قال ابن إسحاق : فبهذا ما بلغنا عن أخبار يهود . ________________________________________ حديث سلمة فصل وذكر ابن إسحاق حديث سلمة بن سلامة بن وقش ، وما سمع من اليهودي حين ذكر الجنة والنار وقال آية ذلك نبي : مبعوث قد أظل زمانه إلى آخر الحديث وليس فيه إشكال وابن وقش يقال فيه وقش بتحريك القاف وتسكينها ، والوقش الحركة . حديث ابن الهيبان وبنو سعية فصل وذكر حديث ابن الهيبان وما بشر به من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن ذلك كان سبب إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن سعية ، وهم من بني هدل والهيبان من المسمين بالصفات يقال قطن هيبان أي منتفش وأنشد أبو حنيفة تطير اللغام الهيبان كأنه جنى عشر تنفيه أشداقها الهدل والهيبان أيضا : الجبان وقد قدمنا الاختلاف في هدل وأما أسيد بن سعية ، فقال إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني عن ابن إسحاق ، وهو أحد رواة المغازي عنه أسيد بن سعية بضم الألف وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق ، وهو قول الواقدي وغيره أسيد بفتحها قال الدارقطني : وهذا هو الصواب ولا يصح ما قاله إبراهيم عن ابن إسحاق ، وبنو سعية هؤلاء فيهم أنزل الله عز وجل من أهل الكتاب أمة قائمة [ آل عمران : 113 ] الآية وسعية أبوهم يقال له ابن العريض ، وهو بالسين المهملة والياء المنقوطة باثنين . سعنة الحبر وإسلامه وأما سعنة بالنون فزيد بن سعنة حبر من أحبار يهود كان قد داين النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه يتقاضاه قبل الأجل فقال ألا تقضيني يا محمد فإنكم يا بني عبد المطلب مطل وما أردت إلا أن أعلم علمكم فارتعد عمر ودار كأنه في فلك وجعل يلحظ يمينا وشمالا ، وقال تقول هذا لرسول الله يا عدو الله ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التبعة قم فاقضه عني ، فوالله ما حل الأجل وزده عشرين صاعا بما روعته وفي حديث آخر أنه قال دعه فإن لصاحب الحق مقالا ويذكر أنه أسلم لما رأى من موافقة وصف النبي عليه السلام لما كان عنده في التوراة ، وكان يجده موصوفا بالحلم فلما رأى من حلمه ما رأى أسلم ، وتوفي غازيا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، ويقال في اسمه سعية بالياء كما في الأول ولم يذكره الدارقطني إلا بالنون . حديث إسلام سلمان رضي الله عنه قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عباس ، قال حدثني سلمان الفارسي من فيه قال كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها ، لا يتركها تخبو ساعة . قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال فشغل في بنيان له يوما ، فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها ، فاطلعها - وأمرني فيها ببعض ما يريد - ثم قال لي : ولا تحتبس عني ; فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمري . قال فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها ، ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . فرجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت ؟ أولم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال قلت له يا أبت مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ، ودين آبائك خير منه قال قلت له كلا والله إنه لخير من ديننا . قال فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته . قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم . قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة . قال فجئته ، فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين فأحببت أن أكون معك ، وأخدمك في كنيستك ، فأتعلم منك ، وأصلي معك ، قال ادخل فدخلت معه . قال وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق . قال فأبغضته بغضا شديدا ، لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ، ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها ، اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا . قال فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قال قلت لهم أنا أدلكم على كنزه قالوا : فدلنا عليه قال فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، قال فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا . قال فصلبوه ورجموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه . قال يقول سلمان فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه كان أفضل منه وأزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه . قال فأحببته حبا لم أحبه قبله مثله . قال فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة فقلت له يا فلان إني قد كنت معك ، وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه فقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به . فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره قال فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك ، وأمرني باللحوق بك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال يا بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به . فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبري ، وما أمرني به صاحباي فقال أقم عندي ، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه . فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال يا بني والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ، فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا . فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية ، فأخبرته خبري ، فقال أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم . قال واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة . قال ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي به ؟ وبم تأمرني ؟ قال أي بني والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام يخرج بأرض العرب مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفى ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل . قال ثم مات وغيب ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم احملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا : نعم . فأعطيتهموها ، وحملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل يهودي عبدا ، فكنت عنده ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة ، فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها ، فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له في بعض العمل وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي . قال ابن هشام : قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، أم الأوس والخزرج . قال النعمان بن بشير الأنصاري يمدح الأوس والخزرج : بها ليل من أولاد قيلة لم يجد عليهم خليط في مخالطة عتبا مساميح أبطال يراحون للندى يرون عليهم فعل آبائهم نحبا وهذان البيتان في قصيدة له قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عباس ، قال قال سلمان فلما سمعتها أخذتني العرواء قال ابن هشام : العرواء الرعدة من البرد والانتفاض فإن كان مع ذلك عرق فهي الرحضاء وكلاهما ممدود - حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ فغضب سيدي ، فلكمني لكمة شديدة ثم قال ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ، قال قلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال . قال وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء قد كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال فقربته إليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه كلوا ، وأمسك يده فلم يأكل . قال فقلت في نفسي : هذه واحدة . قال ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، ثم جئته به فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة فهذه هدية أكرمتك بها . قال فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه . قال فقلت في نفسي : هاتان ثنتان قال ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه علي شملتان لي ، وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته ، عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله وأبكي . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي ، كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يسمع ذلك أصحابه . ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر وأحد . قال سلمان ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وأربعين أوقية . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين ودية والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشر يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فأتني ، أكن أنا أضعها بيدي . قال ففقرت ، وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت جئته ، فأخبرته ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده حتى فرغنا . فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة . قال فأديت النخل وبقي علي المال . فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب ؟ قال فدعيت له فقال خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان . قال قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ فقال خذها ، فإن الله سيؤدي بها عنك . قال فأخذتها ، فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم منها ، وعتق سلمان . فشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الخندق حرا ، ثم لم يفتني معه مشهد . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن رجل من عبد القيس عن سلمان أنه قال لما قلت : وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال خذها فأوفهم منها . فأخذتها ، فأوفيتهم منها حقهم كله أربعين أوقية ________________________________________ حديث سلمان فصل وذكر حديث سلمان بطوله وقال كنت من أهل أصبهان هكذا قيده البكري في كتاب المعجم بالكسر في الهمزة وإصبه بالعربية فرس وقيل هو العسكر فمعنى الكلمة موضع العسكر أو الخيل أو نحو هذا . وليس في حديث سلمان على طوله إشكال ووقع في الأصل في هذا الحديث فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته ، ورأيت في حاشية الشيخ أستدير به وكذلك وقع فيه أحييها له بالفقير وفي حاشية الشيخ الوجه التفقير . أسماء النخلة والفقير للنخلة . يقال لها في الكرمة حيية وجمعها : حيايا ، وهي الحفيرة وإذا خرجت النخلة من النواة فهي عريسة ثم يقال لها : ودية ثم فسيلة ثم أشاءة فإذا فاتت اليد فهي جبارة وهي العضيد والكتيلة ويقال للتي لم تخرج من النواة لكنها اجتثت من جنب أمها : قلعة وجثيثة وهي الجثائث والهراء ويقال للنخلة الطويلة عوانة بلغة عمان ، وعيدانة بلغة غيرهم وهي فيعالة من عدن بالمكان واختلف فيها قول صاحب كتاب العين فجعلها تارة فيعالة من عدن ، ثم جعلها في باب المعتل العين فعلانة . ومن الفسيلة حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها قبل أن تقوم الساعة فليغرسها من مصنف حماد بن سلمة . والذين صحبوا سلمان من النصارى كانوا على الحق على دين عيسى ابن مريم ، وكانوا ثلاثين يداولونه سيدا بعد سيد . من فقه حديث سلمان وذكر في آخر الحديث أنه جمع شيئا ، فجاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ليختبره أيأكل الصدقة أم لا ، فلم يسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحر أنت أم عبد ولا : من أين لك هذا ، ففي هذا من الفقه قبول الهدية وترك سؤال المهدي ، وكذلك الصدقة . حكم الصدقة للنبي ومصدر مال سلمان وفي الحديث من قدم إليه طعام فليأكل ولا يسأل وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال حديث سلمان حجة على من قال إن العبد لا يملك وقال لو كان لا يملك ما قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقته ولا قال لأصحابه كلوا صدقته ذكر غير ابن إسحاق في حديث سلمان الوجه الذي جمع منه سلمان ما أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال قال سلمان كنت عبدا لامرأة فسألت سيدتي أن تهب لي يوما ، فعملت في ذلك اليوم على صاع أو صاعين من تمر وجئت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأيته لا يأكل الصدقة سألت سيدتي أن تهب لي يوما آخر فعملت فيه على ذلك ثم جئت به هدية للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقبله وأكل منه فبين في هذه الرواية الوجه الذي جمع منه سلمان ما ذكر في حديث ابن إسحاق ، والصدقة التي قال النبي عليه السلام لا تحل لمحمد ولا لآل محمد هي المفروضة دون التطوع قاله الشافعي ، غير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن تحل له صدقة الفرض ولا التطوع وهو معنى قول مالك .

وقال الثوري : لا تحل الصدقة لآل محمد فرضها ولا نفلها ولا لمواليهم لأن مولى القوم من أنفسهم  بذلك جاء الحديث . وقال مالك تحل لمواليهم وقالت جماعة منهم أبو يوسف : لا تحل لآل محمد صدقة غيرهم وتحل لهم صدقة بعضهم على بعض وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب . 

أول من مات بعد الهجرة وقول سلمان فأتيت رسول الله وهو في جنازة بعض أصحابه . صاحبه الذي مات في تلك الأيام كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الطبري : أول من مات من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه المدينة بأيام قليلة كلثوم بن الهدم ، ثم مات بعده أسعد بن زرارة . فصل وذكر ابن إسحاق في مكاتبة سلمان أنه فقر لثلاثمائة ودية أي حفر وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضعها كلها بيده فلم تمت منها ودية واحدة وذكر البخاري حديث سلمان كما ذكره ابن إسحاق غير أنه ذكر أن سلمان غرس بيده ودية واحدة وغرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائرها ، فعاشت كلها إلا التي غرس سلمان . هذا معنى حديث البخاري . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز بن مروان ، قال حدثت عن سلمان الفارسي : أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره خبره إن صاحب عمورية قال له ائت كذا وكذا من أرض الشام ، فإن بها رجلا بين غيضتين يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة مستجيزا ، يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي فاسأله عن هذا الدين الذي تبتغي ، فهو يخبرك عنه قال سلمان فخرجت حتى أتيت حيث وصف لي ، فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هنالك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى الغيضتين إلى الأخرى ، فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفي وغلبوني عليه فلم أخلص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه . قال فتناولته : فقال من هذا ؟ والتفت إلي فقلت : يرحمك الله ، أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم . قال إنك لتسألني عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم قد أظلك زمان نبي يبعث بهذا الدين من أهل الحرم ، فأته فهو يحملك عليه . قال ثم دخل . قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسلمان لئن كنت صدقتني يا سلمان ، لقد لقيت عيسى ابن مريم على نبينا وعليه السلام ________________________________________ أسطورة نزول عيسى قبل بعثة النبي فصل وذكر عن داود بن الحصين قال حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز قال قال سلمان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر خبر الرجل الذي كان يخرج مستجيزا من غيضة إلى غيضة ويلقاه الناس بمرضاهم فلا يدعو لمريض إلا شفي وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن كنت صدقتني يا سلمان فقد رأيت عيسى ابن مريم . إسناد هذا الحديث مقطوع وفيه رجل مجهول ويقال إن ذلك الرجل هو الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف بإجماع منهم فإن صح الحديث فلا نكارة في متنه فقد ذكر الطبري أن المسيح عليه السلام نزل بعدما رفع وأمه وامرأة أخرى عند الجذع الذي فيه الصليب يتكئان فكلمهما ، وأخبرهما أنه لم يقتل وأن الله رفعه وأرسل إلى الحواريين ووجههم إلى البلاد وإذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مرارا ، ولكن لا يعلم أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر الصليب ويقتل الخنزير كما جاء في الصحيح والله أعلم ويروى أنه إذا نزل تزوج امرأة من جذام ، ويدفن إذا مات في الروضة التي فيها النبي عليه السلام . ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن العزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل قال ابن إسحاق : واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما ، فخلص منهم أربعة نفر نجيا ، ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا ، وليكتم بعضكم على بعض قالوا : أجل وهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب . وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وزيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم . فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علما من أهل الكتاب وأما عبيد الله بن جحش ، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هنالك نصرانيا . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ; قال كان عبيد الله بن جحش - حين تنصر - يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هنالك من أرض الحبشة ، فيقول فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ لينظر . وقوله فقح فتح عينيه . قال ابن إسحاق : وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري . فخطبها عليه النجاشي ; فزوجه إياها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار فقال محمد بن علي : ما نرى عبد الملك بن مروان وقف صداق النساء على أربعمائة دينار إلا عن ذلك . وكان الذي أملكها للنبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص . قال ابن إسحاق : وأما عثمان بن الحويرث ، فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر وحسنت منزلته عنده . قال ابن هشام : ولعثمان بن الحويرث عند قيصر حديث منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب الفجار . ________________________________________ ذكر حديث ورقة بن نوفل فصل وذكر حديث ورقة بن نوفل ، وعبيد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث ، وزيد بن عمرو بن نفيل وما تناجوا به وقال زيد بن عمرو بن نفيل إلى آخر النسب والمعروف في نسبه ونسب ابن عمه عمر بن الخطاب : نفيل بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بتقديم رياح على عبد الله ورزاح بكسر الراء قيده الشيخ أبو بحر وزعم الدارقطني أنه رزاح بالفتح وإنما رزاح بالكسر رزاح بن ربيعة أخو قصي لأمه الذي تقدم ذكره . الزواج من امرأة الأب في الجاهلية وأم زيد هي الحيداء بنت خالد الفهمية وهي امرأة جده نفيل ولدت له الخطاب فهو أخو الخطاب لأمه وابن أخيه وكان ذلك مباحا في الجاهلية بشرع متقدم ولم تكن من الحرمات التي انتهكوها ، ولا من العظائم التي ابتدعوها ، لأنه أمر كان في عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنانة تزوج امرأة أبيه خزيمة ، وهي برة بنت مر فولدت له النضر بن كنانة ، وهاشم أيضا قد تزوج امرأة أبيه وافدة فولدت له ضعيفة ولكن هو خارج عن عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنها لم تلد جدا له أعني : واقدة وقد قال عليه السلام أنا من نكاح لا من سفاح ولذلك قال سبحانه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [ النساء 22 ] . أي إلا ما سلف من تحليل ذلك قبل الإسلام وفائدة هذا الاستثناء ألا يعاب نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليعلم أنه لم يكن في أجداده من كان لغية ولا من سفاح . ألا ترى أنه لم يقل في شيء نهى عنه في القرآن إلا ما قد سلف نحو قوله ولا تقربوا الزنا ولم يقل إلا ما قد سلف : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله [ الإسراء 30 ] ولم يقل إلا ما قد سلف ، ولا في شيء من المعاصي التي نهى عنها إلا في هذه وفي الجمع بين الأختين لأن الجمع بين الأختين قد كان مباحا أيضا في شرع من قبلنا ، وقد جمع يعقوب بين راحيل وأختها ليا فقوله إلا ما قد سلف التفاتة إلى هذا المعنى ، وتنبيه على هذا المغزى ، وهذه النكتة لقنتها من شيخنا الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن العربي - رحمه الله - وزيد هذا هو والد سعيد بن زيد أحد العشرة الذين شهد لهم بالجنة وأم سعيد فاطمة بنت نعجة بن خلف الخزاعي [ عند الزبير بعجة بن أمية بن خويلد بن خالد بن اليمعر بن خزاعة ] . تفسير بعض قول ابن جحش وذكر قول عبد الله بن جحش حين تنصر بالحبشة فقحنا وصأصأتم وشرح فقحنا بقوله فقح الجرو إذا فتح عينيه وهكذا ذكره أبو عبيد ، وزاد جصص أيضا ، وذكر أبو عبيد : بصص بالباء حكاها عن أبي زيد وقال القالي إنما رواه البصريون عن أبي زيد بياء منقوطة باثنتين لأن الياء تبدل من الجيم كثيرا كما تقول أيل وأجل ولرواية أبي عبيد وجه وهو أن يكون بصص من البصيص وهو البريق . بعض الذين تنصروا فصل وذكر عثمان بن الحويرث مع زيد وورقة وعبيد الله بن جحش ، ثم قال وأما عثمان بن الحويرث فإنه ذهب إلى الشام ، وله فيها مع قيصر خبر ولم يذكر ذلك الخبر ، وذكر البرقي عن ابن إسحاق أن عثمان بن الحويرث قدم على قيصر فقال له إني أجعل لك خرجا على قريش إن جاءوا الشام لتجارتهم وإلا منعتهم فأراد قيصر أن يفعل فخرج سعيد بن العاصي بن أمية وأبو ذئب وهو هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر إلى الشام ، فأخذا فحبسا ، فمات أبو ذئب في الحبس وأما سعيد بن العاصي ، فإنه خرج الوليد بن المغيرة ، وهو أمية فتخلصوه في حديث طويل رواه ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس وأبو ذئب الذي ذكر هو جد الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب يكنى : أبا الحارث من فقهاء المدينة ، وأمه بريهة بنت عبد الرحمن بن أبي ذئب وأما الزبير فذكر أن قيصرا كان قد توج عثمان وولاه أمر مكة ، فلما جاءهم بذلك أنفوا من أن يدينوا لملك وصاح الأسود بن أسد بن عبد العزى : ألا إن مكة حي لقاح لا تدين لملك فلم يتم له مراده قال وكان يقال له البطريق ولا عقب له ومات بالشام مسموما ، سمه عمرو بن جفنة الغساني الملك . قال ابن إسحاق : وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم وبادى قومه بعيب ما هم عليه . قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قال لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة ، وهو يقول يا معشر قريش ، والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحته قال ابن إسحاق : وحدثت أن ابنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب ، وهو ابن عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال نعم فإنه يبعث أمة وحده ________________________________________ اعتزال زيد بن عمرو بن نفيل الأوثان فصل وذكر اعتزال زيد الأوثان وتركه طواغيتهم وتركه أكل ما نحر [ على الأوثان ] والنصب . روى البخاري عن محمد بن أبي بكر ، قال أخبرنا فضيل بن سليمان قال أخبرنا موسى ، قال حدثني سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي - عليه السلام - الوحي فقدمت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سفرة أو قدمها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل منها ، ثم قال زيد إني لست آكل ما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه وأن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض الكلأ ثم تذبحونها على غير اسم الله ؟ إنكارا لذلك ، وإعظاما له قال موسى بن سالم بن عبد الله : ولا أعلم إلا ما تحدث به عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم وقال له إني لعلي أن أدين بدينكم فأخبروني ، فقال لا تكون على ديننا ، حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال زيد ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا ، وأنى أستطيعه فهل تدلني على غيره ؟ قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ، قال وما الحنيف ؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، ولا يعبد إلا الله فخرج زيد فلقي عالما من النصارى ، فذكر مثله فقال لن تكون على ديننا ، حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال ما أفر إلا من لعنة الله ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبدا ، وأنى أستطيع فهل تدلني على غيره ؟ قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ، قال وما الحنيف ؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، ولا يعبد إلا الله فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج فلما برز رفع يديه فقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم . وقال الليث كتب إلي هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قالت رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة ، يقول يا معشر قريش ، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري ، وكان يحيي الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها ، أكفيك مؤنتها ، فيأخذها ، فإذا ترعرعت قال لأبيها : إن شئت دفعتها إليك ، وإن شئت كفيتك مؤنتها إلى هاهنا انتهى حديث البخاري . وفيه سؤال يقال كيف وفق الله زيدا إلى ترك أكل ما ذبح على النصب وما لم يذكر اسم الله عليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية لما ثبت الله ؟ فالجواب من وجهين أحدهما : أنه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح فقدمت إليه السفرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل منها ، وإنما في الحديث أن زيدا قال حين قدمت السفرة لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه الجواب الثاني : أن زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام وبعض الأصوليين يقولون الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة فإن قلنا بهذا ، وقلنا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل مما ذبح على النصب فإنما فعل أمرا مباحا ، وإن كان لا يأكل منها فلا إشكال وإن قلنا أيضا : إنها ليست على الإباحة ولا على التحريم وهو الصحيح فالذبائح خاصة لها أصل في تحليل الشرع المتقدم كالشاة والبعير ونحو ذلك مما أحله الله تعالى في دين من كان قبلنا ، ولم يقدح في ذلك التحليل المتقدم ما ابتدعوه حتى جاء الإسلام وأنزل الله سبحانه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه [ الأنعام 121 ] . ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل الكتاب عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم ولم يقدح في التحليل ما أحدثوه من الكفر وعبادة الصلبان فكذلك كان ما ذبحه أهل الأوثان محلا بالشرع المتقدم حتى خصه القرآن بالتحريم . زيد وصعصعة والموءودة فصل وذكر خبر الموءودة وما كان زيد يفعل في ذلك وقد كان صعصعة بن معاوية جد الفرزدق رحمه الله يفعل مثل ذلك ولما أسلم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي في ذلك من أجر ؟ فقال في أصح الروايتين لك أجره إذا من الله عليك بالإسلام وقال المبرد في الكامل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلاما لم يصح لفظه ولا معناه ولا يشهد له أصل . والأصول تشهد له بهذه الرواية التي ذكرناها ; لما ثبت أن الكافر إذا أسلم ، وحسن إسلامه كتب له كل حسنة كان زلفها ، وهذا الحديث أخرجه البخاري ، ولم يذكر فيه كل حسنة كان زلفها ، وذكرها الدارقطني وغيره ثم يكون القصاص بعد ذلك الحسنة بعشر أمثالها ، والموءودة مفعولة من وأده إذا أثقله قال الفرزدق : ومنا الذي منع الوائدا ت وأحيا الوئيد فلم يوأد يعني : جده صعصعة بن معاوية بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع . وقد قيل كانوا يفعلون ذلك غيرة على البنات وما قاله الله في القرآن هو الحق من قوله خشية إملاق وذكر النقاش في التفسير أنهم كانوا يئدون من البنات ما كان منهن زرقاء أو برشاء أو شيماء أو كشحاء تشاؤما منهم بهذه الصفات قال الله تعالى : وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت [ التكوير 8 - 9 ] . وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه وما كان لقي منهم في ذلك أربا واحدا ، أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى ، أدين ولا ابنتيها ولا صنمي بني عمرو أزور ولا هبلا أدين وكان ربا لنا في الدهر إذ حلمي يسير عجبت . وفي الليالي معجبات وفي الأيام يعرفها البصير بأن الله قد أفنى رجالا كثيرا كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قوم فيربل منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوما كما يتروح الغصن المطير ولكن أعبد الرحمن ربي ليغفر ذنبي الرب الغفور فتقوى الله ربكم احفظوها متى ما تحفظوها . لا تبوروا ترى الأبرار . دارهم جنان وللكفار حامية سعير وخزي في الحياة وإن يموتوا يلاقوا ما تضيق به الصدور ________________________________________ العزى فصل وذكر شعر زيد بن عمرو وفيه عزلت اللات والعزى جميعا . فأما اللات فقد تقدم ذكرها ، وأما العزى ، فكانت نخلات مجتمعة وكان عمرو بن لحي قد أخبرهم - فيما ذكر - أن الرب يشتي بالطائف عند اللات ، ويصيف بالعزى ، فعظموها وبنوا لها بيتا ، وكانوا يهدون إليه كما يهدون إلى الكعبة ، وهي التي بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد ليكسرها ، فقال له سادتها : يا خالد احذرها ; فإنها تجدع وتكنع فهدمها خالد وترك منها جذمها وأساسها ، فقال قيمها : والله لتعودن ولتنتقمن ممن فعل بها هذا ، فذكر - والله أعلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لخالد " هل رأيت فيها شيئا " ؟ فقال لا ، فأمره أن يرجع ويستأصل بقيتها بالهدم فرجع خالد فأخرج أساسها ، فوجد فيها امرأة سوداء منتفشة الشعر تخدش وجهها ، فقتلها ، وهرب القيم وهو يقول لا تعبد العزى بعد اليوم . هذا معنى ما ذكر أبو سعيد النيسابوري في المبعث . وذكره الأزرقي أيضا ورزين . معنى يربل وقوله فيربل منهم الطفل الصغير . ألفيت في حاشية الشيخ أبي بحر ربل الطفل يربل إذا شب وعظم . يربل بفتح الباء أي يكبر وينبت ومنه أخذ تربيل الأرض . وقوله كما يتروح الغصن أي ينبت ورقه بعد سقوطه . إعراب نعت النكرة المتقدم وقوله وللكفار حامية سعير . نصب حامية على الحال من سعير لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها نصب على الحال وأنشد سيبويه في مثله لمية موحشا طلل وأنشد أيضا [ لذي الرمة ] : وتحت العوالي والقنا مستكنة ظباء أعارتها العيون الجآذر والعامل في هذا الحال الاستقرار الذي يعمل في الظرف ويتعلق به حرف الجر وهذا الحال على مذهب أبي الحسن الأخفش لا اعتراض فيها ; لأنه يجعل النكرة التي بعدها مرتفعة بالظرف ارتفاع الفاعل وأما على مذهب سيبويه ، فالمسألة عسيرة جدا ; لأنه يلزمه أن يجعلها حالا من المضمر في الاستقرار لأنه معرفة فذلك أولى من أن يكون حالا من نكرة فإن قدر الاستقرار آخر الكلام وبعد المرفوع كان ذلك فاسدا ; لتقدم الحال على العامل المعنوي وللاحتجاج له وعليه موضع غير هذا . وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا - قال ابن هشام : هي لأمية بن أبي الصلت في قصيدة له . إلا البيتين الأولين والبيت الخامس وآخرها بيتا . وعجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق : إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا وقولا رصينا لا يني الدهر باقيا إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه إله ولا رب يكون مدانيا ألا أيها الإنسان إياك والردى فإنك لا تخفي من الله خافيا وإياك لا تجعل مع الله غيره فإن سبيل الرشد أصبح باديا حنانيك إن الجن كانت رجاءهم وأنت إلهي ربنا ورجائيا رضيت بك - اللهم - ربا فلن أرى أدين إلها غيرك الله ثانيا وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان طاغيا وقولا له آأنت سويت هذه بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا وقولا له آأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق - إذا - بك بانيا وقولا له آأنت سويت وسطها منيرا ، إذا ما جنه الليل هاديا وقولا له من يرسل الشمس غدوة فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رءوسه وفي ذاك آيات لمن كان واعيا وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا وإني لو سبحت باسمك ربنا لأكثر - إلا ما غفرت - خطائيا فرب العباد ألق سيبا ورحمة علي وبارك في بني وماليا ________________________________________ من معاني شعر زيد فصل وأنشد أيضا لزيد إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا . وفيه ألا أيها الإنسان إياك والردى . تحذير من الردى ، والردى هو الموت فظاهر اللفظ متروك وإنما هو تحذير مما يأتي به الموت ويبديه ويكشفه من جزاء الأعمال ولذلك قال فإنك لا تخفي من الله خافيا . وفيه وإني وإن سبحت باسمك ربنا لأكثر إلا ما غفرت خطائيا معنى البيت إني لأكثر من هذا الدعاء الذي هو باسمك ربنا إلا ما غفرت " وما " بعد إلا زائدة وإن سبحت : اعتراض بين اسم إن وخبرها ، كما تقول إني لأكثر من هذا الدعاء الذي هو باسمك ربنا إلا والله يغفر لي لأفعل كذا ، والتسبيح هنا بمعنى الصلاة أي لا أعتمد وإن صليت إلا على دعائك واستغفارك من خطاياي . تفسير حنانيك وقوله حنانيك بلفظ التثنية قال النحويون يريد حنانا بعد حنان كأنهم ذهبوا إلى التضعيف والتكرار لا إلى القصر على اثنين خاصة دون مزيد . قال المؤلف رحمه الله ويجوز أن يريد حنانا في الدنيا ، وحنانا في الآخرة وإذا قيل هذا لمخلوق نحو قول طرفة أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض فإنما يريد حنان دفع وحنان نفع لأن كل من أمل ملكا ، فإنما يؤمله ليدفع عنه ضيرا ، أو ليجلب إليه خيرا . شريعة أدين وقوله فلن أرى أدين إلها . أي أدين لإله وحذف اللام وعدى الفعل لأنه في معنى : أعبد إلها . حول اسم الله وقوله غيرك الله برفع الهاء أراد يا ألله وهذا لا يجوز فيما فيه الألف واللام إلا أن حكم الألف واللام في هذا اللفظ المعظم يخالف حكمها في سائر الأسماء ألا ترى أنك تقول يا أيها الرجل ولا ينادى اسم الله بيا أيها ، وتقطع همزته في النداء فتقول يا ألله ولا يكون ذلك في اسم غيره إلى أحكام كثيرة يخالف فيها هذا الاسم لغيره من الأسماء المعرفة ولعل بعض ذلك أن يذكر فيما بعد - إن شاء الله - وقد استوفيناه في غير هذا الكتاب وفيه بيت حسن لم يذكره ابن إسحاق ، وذكره أبو الفرج في أخبار زيد وهو أدين إلها يستجار ولا أرى أدين لمن لم يسمع الدهر داعيا حذف المنادى مع بقاء الياء وفيه فقلت : ألا يا اذهب على حذف المنادى ، كأنه قال ألا يا هذا اذهب كما قرئ ألا يا اسجدوا ، يريد يا قوم اسجدوا ، وكما قال غيلان ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى وفيه اذهب وهارون عطفا على الضمير في اذهب وهو قبيح إذا لم يؤكد ولو نصبه على المفعول معه لكان جيدا . تصريف اطمأنت وأشياء وقوله اطمأنت كما هيا ، وزنه افلعلت لأن الميم أصلها أن تكون بعد الألف لأنه من تطأمن أي تطأطأ وإنما قدموها لتباعد الهمزة التي هي عين الفعل من همزة الوصل فتكون أخف عليهم في اللفظ كما فعلوا في أشياء حين قلبوها في قول الخليل وسيبويه فرارا من تقارب الهمزتين . كما هيا . ما : زائدة لتكف الكاف عن العمل وتهيئها للدخول على الجمل وهي اسم مبتدأ والخبر محذوف التقدير كما هي عليه والكاف في موضع نصب على الحال من المصدر الذي دل عليه اطمأن كما تقول سرت مثل سير زيد فمثل حال من سيرك الذي سرته ، وفيه أرفق إذا بك بانيا . أرفق تعجب وبك في موضع رفع لأن المعنى : رفقت ، وبانيا تمييز لأنه يصلح أن يجر بمن كما تقول أحسن بزيد من رجل وحرف الجر متعلق بمعنى التعجب إذ قد علم أنك متعجب منه ولبسط هذا المعنى وكشفه موضع غير هذا - إن شاء الله - وبعد قوله وقد بات في أضعاف حوت لياليا بيت لم يذكره ابن إسحاق ، ووقع في جامع ابن وهب وهو وأنبت يقطينا عليه برحمة من الله لولا ذاك أصبح ضاحيا وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الحضرمي . قال ابن هشام : واسم الحضرمي عبد الله أحد الصدف ، واسم الصدف عمرو بن مالك أحد السكون بن أشرس بن كندي ويقال كندة بن ثور بن مرتع بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال مرتع بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . قال ابن إسحاق : وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة ، ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم فكانت صفية بنت الحضرمي كلما رأته قد تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل ، وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لأمه وكان يعاتبه على فراق دين قومه وكان الخطاب قد وكل صفية به وقال إذا رأيتيه قد هم بأمر فآذنيني به - فقال زيد لا تحبسيني في الهوا ن صفي ما دابي ودابه إني إذا خفت الهوا ن مشيع ذلل ركابه دعموص أبواب الملو ك وجائب للخرق نابه قطاع أسباب تذل بغير أقران صعابه وإنما أخذ الهوا ن العير إذ يوهى إهابه ويقول إني لا أذل بصك جنبيه صلابه وأخي ابن أمي ، ثم عم ي لا يواتيني خطابه وإذا يعاتبني بسو ء قلت : أعياني جوابه ولو أشاء لقلت : ما عندي مفاتحه وبابه قال ابن إسحاق : وحدثت عن بعض أهل زيد بن عمرو بن نفيل : أن زيدا إذا كان استقبل الكعبة داخل المسجد قال لبيك حقا حقا ، تعبدا ورقا . عذت بما عاذ به إبراهيم مستقبل القبلة وهو قائم إذ قال أنفي لك اللهم عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم البر أبغي لا الخال ليس مهجر كمن قال قال ابن هشام : ويقال البر أبقى لا الخال ليس مهجر كمن قال قال وقوله " مستقبل الكعبة " عن بعض أهل العلم . قال ابن إسحاق : وقال زيد بن عمرو بن نفيل : وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا دحاها فلما استوت على الماء أرسى عليها الجبالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا وكان الخطاب قد آذى زيدا ، حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل مكة ، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم فقال لهم لا تتركوه يدخل مكة ، فكان لا يدخلها إلا سرا منهم فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على فراقه . فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه لاهم إني محرم لا حله وإن بيتي أوسط المحله عند الصفا ليس بذي مضله ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام ويسأل الرهبان والأحبار حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ، ثم أقبل فجال الشام كله حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء ، كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق بها ، فإنه مبعوث الآن هذا زمانه وقد كان شام اليهودية والنصرانية ، فلم يرض شيئا منهما ، فخرج سريعا ، حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم ، عدوا عليه فقتلوه - فقال ورقة بن نوفل بن أسد يبكيه رشدت ، وأنعمت ابن عمرو ، وإنما تجنبت تنورا من النار حاميا بدينك ربا ليس رب كمثله وتركك أوثان الطواغي كما هيا وإدراكك الدين الذي قد طلبته ولم تك عن توحيد ربك ساهيا فأصبحت في دار كريم مقامها تعلل فيها بالكرامة لاهيا تلاقي خليل الله فيها ، ولم تكن من الناس جبارا إلى النار هاويا وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ولو كان تحت الأرض سبعين واديا قال ابن هشام : يروى لأمية بن أبي الصلت البيتان الأولان منها ، وآخرها بيتا في قصيدة له . وقوله " أوثان الطواغي " عن غير ابن إسحاق . ________________________________________ صفية بنت الحضرمي وذكر صفية بنت الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عمار وسيأتي ذكر نسبها عند ذكر أخيها بعد . الدعموص والخرم في الشعر وقوله دعموص أبواب الملوك . يريد ولاجا في أبواب الملوك وأصل الدعموص سمكة صغيرة كحية الماء فاستعاره هنا ، وكذلك جاء في حديث أبي هريرة يرفعه صغاركم دعاميص الجنة وكما استعارت عائشة العصفور حين نظرت إلى طفل صغير قد مات فقالت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " وما يدريك ؟ إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا ، وخلق النار وخلق لها أهلا أخرجه مسلم وفي هذه الأبيات خرم في موضعين أحدهما قوله : ولو أشاء لقلت ما عندي مفاتحه وبابه والآخر قوله وإنما أخذ الهوان ال عير إذ يوهى إهابه وقد تقدم مثل هذا في شعر ابن الزبعرى ، وتكلمنا عليه هنالك بما فيه كفاية . وقوله ويقول إني لا أذل أي يقول العير ذلك بصك جنبيه صلابه أي صلاب ما يوضع عليه وأضافها إلى العير لأنها عبؤه وحمله . لغويات ونحويات وذكر قوله البر أبغي لا الخال قال ابن هشام : البر أبغي : بالنصب والخال الخيلاء والكبر وقوله ليس مهجر كمن قال أي ليس من هجر وتكيس كمن آثر القائلة والنوم فهو من قال يقيل وهو ثلاثي ، ولكن لا يتعجب منه . لا يقال ما أقيله قال أهل النحو استغنوا عنه بما أنومه ولذكر السر في امتناع التعجب من هذا الفعل موضع غير هذا . وقول زيد إني محرم لا حله . محرم أي ساكن بالحرم والحلة : أهل الحل . يقال للواحد والجميع حلة . ذكر لقاء زيد الراهب بميفعة هكذا تقيد في الأصل بكسر الميم من ميفعة والقياس فيها : الفتح لأنه اسم لموضع أخد من اليفاع وهو المرتفع من الأرض . وقوله شام اليهودية والنصرانية ، هو فاعل من الشم كما قال يزيد بن شيبان حين سأل النسابة من قضاعة ، ثم انصرف فقال له النسابة شاممتنا مشامة الذئب الغنم ثم تنصرف . في حديث ذكره أبو علي في النوادر ومعناه استخبر فاستعاره من الشم فنصب اليهودية والنصرانية نصب المفعول ومن خفض جعل شام اسم فاعل من شممت ، والفعل أولى بهذا الموضع كما تقدم وقول ورقة رشدت وأنعمت ابن عمرو ، أي رشدت وبالغت في الرشد كما يقال أمعنت النظر وأنعمته ، وقوله ولو كان تحت الأرض سبعين واديا بالنصب . نصب سبعين على الحال لأنه قد يكون صفة للنكرة كما قال فلو كنت في جب ثمانين قامة وما [ يكون ] صفة للنكرة يكون حالا من المعرفة وهو هنا حال من البعد كأنه قال ولو بعد تحت الأرض سبعين . كما تقول بعد طويلا ، أي بعدا طويلا ، وإذا حذفت المصدر وأقمت الصفة مقامه لم تكن إلا حالا ، وقد تقدم قول سيبويه في ذلك في مسألة ساروا رويدا ونحو هذا : داري خلف دارك فرسخا ، أي تقرب منها فرسخا إن أردت القرب وكذلك إن أردت البعد فالبعد والقرب مقدران بالفرسخ فلو قلت : داري تقرب منك قربا مقدرا بفرسخ لكان بمنزلة من يقول قربا كثيرا أو قليلا ، فالفرسخ موضوع موضع كثير أو قليل فإعرابه كإعرابه وكذلك قول الشاعر لا تعجبوا فلو ان طول قناته ميل إذا نظم الفوارس ميلا أي نظمهم نظما مستطيلا ، ووضع ميلا موضع مستطيلا ، فإعرابه كإعرابه فهو وصف للمصدر وإذا أقيم الوصف مقام الموصوف في هذا الباب لم يكن حالا من الفاعل لكن من المصدر الذي يدل الفعل عليه بلفظه نحو ساروا طويلا ، وسقيتها أحسن من سقي إبلك ، ونحو ذلك . صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل قال ابن إسحاق : وقد كان - فيما بلغني عما كان وضع عيسى ابن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل - من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أثبت يحنس الحواري لهم حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى ابن مريم عليه السلام في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم أنه قال من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما كانت لهم خطيئة ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجانا ، أي باطلا . فلو قد جاء المنحمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب وروح القدس هذا الذي من عند الرب خرج فهو شهيد علي وأنتم أيضا ; لأنكم قديما كنتم معي في هذا ، قلت لكم لكيما لا تشكوا والمنحمنا بالسريانية : محمد وهو بالرومية البرقليطس صلى الله عليه وآله وسلم . ________________________________________ يحنس الحواري فصل وذكر يحنس الحواري وسيأتي في آخر الكتاب ذكر الحواريين كلهم بأسمائهم وذكر قوله أبغضتموني مجانا ، أي باطلا ، وكذلك جاء في الحكمة يا بن آدم علم مجانا ، كما علمت مجانا ، أي بلا ثمن وفي وصايا الحكماء شاور ذوي الأسنان والعقول يعطوك من رأيهم مجانا ما أخذوه بالثمن أي بطول التجارب ومن صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله سبحانه أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، فيفتح به عيونا عميا وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ; بأن يقولوا : لا إله إلا الله . من صفات النبي عند الأحبار ومما وجد من صفته - صلى الله عليه وسلم - عند الأحبار ما ذكره الواقدي من حديث النعمان التيمي . قال وكان من أحبار يهود باليمن فلما سمع بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم عليه فسأله عن أشياء ثم قال إن أبي كان يختم على سفر ويقول [ لا تقرأه ] على يهود حتى تسمع بنبي قد خرج بيثرب فإذا سمعت به فافتحه . قال نعمان فلما سمعت بك فتحت السفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة وإذا فيه ما تحل وما تحرم وإذا فيه إنك خير الأنبياء وأمتك خير الأمم واسمك : أحمد وأمتك الحامدون . قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم وهم لا يحضرون قتالا إلا وجبريل معهم يتحنن الله عليهم كتحنن النسر على فراخه ثم قال لي : إذا سمعت به فاخرج إليه وآمن به وصدق به فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يسمع أصحابه حديثه فأتاه يوما ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - يا نعمان حدثنا " ، فابتدأ النعمان الحديث من أوله فرئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ يتبسم ثم قال " أشهد أني رسول الله وهو الذي قتله الأسود العنسي ، وقطعه عضوا عضوا ، وهو يقول إن محمدا رسول الله وإنك كذاب مفتر على الله ثم حرقه بالنار " . مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسليما قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال فلما بلغ محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ، وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به والتصديق له والنصر له على من خالفه وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه . يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري أي ثقل ما حملتكم من عهدي : قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين [ آل عمران 81 ] فأخذ الله ميثاق النبيين جميعا بالتصديق له والنصر له ممن خالفه وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابين . ________________________________________ كتاب المبعث متى بعث رسول الله ؟ ذكر ابن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث على رأس أربعين من مولده عليه السلام وهذا مروي عن ابن عباس ، وجبير بن مطعم وقباث بن أشيم وعطاء وسعيد بن المسيب ، وأنس بن مالك وهو صحيح عند أهل السير والعلم بالأثر وقد روي أنه نبئ لأربعين وشهرين من مولده وقيل لقباث بن أشيم من أكبر أنت أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال رسول الله أكبر مني ، وأنا أسن منه وولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل ووقفت بي أمي على روث الفيل ويروى : خزق الطير فرأيته أخضر محيلا ، أي قد أتى عليه حول وفي غير رواية البكائي من هذا الكتاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال لا يفتك صيام يوم الاثنين فإني قد ولدت فيه وبعثت فيه وأموت فيه إعراب لما آتيتكم وذكر ابن إسحاق قول الله سبحانه وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة الآية . وما في هذه الآية اسم مبتدأ بمعنى : الذي ، والتقدير للذي آتيناكم من كتاب وحكمة ولا يصح أن تكون في موضع نصب على إضمار فعل كما ينتصب ما يشتغل عنه الفعل بضميره لأن ما بعد اللام الثانية لا يجوز أن يعمل فيما قبلها ، وما لا يجوز أن يعمل فيه ما قبله فلا يجوز أن يكون تفسيرا لما يعمل فيه وقد قيل إن ما هذه شرط . والتقدير لمهما آتيتكم من كتاب وحكمة لتؤمنن به وهو ظاهر قول سيبويه لأنه جعلها بمنزلة إن وقول الخليل إنها بمنزلة الذي ، أي إنها اسم لا حرف ويمكن الجمع بين قوليهما على هذا ، فتكون اسما ، وتكون شرطا ، ويحتمل أيضا أن تكون على قول الخليل خبرية في موضع رفع بالابتداء ويكون الخبر لتؤمنن به ولتنصرنه وإن كان الضميران عائدين على الرسول لا على الذي ، ولكن لما قال رسول مصدق لما معكم ارتبط الكلام بعضه ببعض واستغنى بالضمير العائد على الرسول عن ضمير يعود على المبتدأ وله نظير في التنزيل منه قوله تعالى : والذين يتوفون منكم [ البقرة 234 ] خبره يتربصن بأنفسهن ولم يعد على المبتدإ شيء لتشبث الكلام بعضه ببعض وقد لاح لي بعد نظري الكتاب أن الذي قاله الخليل وقول سيبويه قول واحد غير أنه قال ودخول اللام على ما ، كدخولها على إن يعني : في الجزاء ولم يرد أن يعمل ما جزاء وإنما تكلم على اللام خاصة والله أعلم . النبوءة وأولو العزم وذكر قول ابن إسحاق والنبوءة أثقال ومؤنة لا يحملها ولا يستطيعها إلا أهل القوة والعزم من الرسل ووقع في رواية يونس عن ابن إسحاق في هذا الموضع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت وهب بن منبه وهو في مسجد منى - وذكر له يونس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق فلما حملت عليه أثقال النبوءة ولها أثقال تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فألقاها عنه وخرج هاربا ، وفي رواية عن ابن إسحاق إن أولي العزم من الرسل منهم نوح وهود وإبراهيم أما نوح فلقوله يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله [ يونس 71 ] وأما هود فلقوله إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون [ هود 54 ] وأما إبراهيم فلقوله هو والذين معه إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله وأمر الله نبينا أن يصبر كما صبر هؤلاء . قال ابن إسحاق : فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح قالت وحبب الله تعالى إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء ابن جارية الثقفي ، وكان واعية عن بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أراده الله بكرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله قال فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة . فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان . قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير . قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي حدثنا يا عبيد ، كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل عليه السلام ؟ قال فقال عبيد - وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير ، ومن عنده من الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية . والتحنث التبرز . قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل قال ابن هشام : تقول العرب : التحنث والتحنف يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء كما قالوا : جدف وجدث يريدون القبر . قال رؤبة بن العجاج : لو كان أحجاري مع الأجداف يريد الأجداث وهذا البيت في أرجوزة له . وبيت أبي طالب في قصيدة له سأذكرها إن شاء الله في موضعها . قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول فم في موضع ثم يبدلون الفاء من الثاء . ________________________________________ أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من النبوءة فصل وذكر ابن إسحاق : ما بدئ به النبي - صلى الله عليه وسلم - من النبوءة إذ كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله وفي مصنف الترمذي ومسلم أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن ينزل علي وفي بعض المسندات زيادة أن هذا الحجر الذي كان يسلم عليه هو الحجر الأسود ، وهذا التسليم الأظهر فيه أن يكون حقيقة وأن يكون الله أنطقه إنطاقا كما خلق الحنين في الجذع ولكن ليس من شرط الكلام الذي هو صوت وحرف الحياة والعلم والإرادة لأنه صوت كسائر الأصوات والصوت عرض في قول الأكثرين ولم يخالف فيه إلا النظام فإنه زعم أنه جسم وجعله الأشعري اصطكاكا في الجواهر بعضها لبعض وقال أبو بكر بن الطيب ليس الصوت نفس الاصطكاك ولكنه معنى زائد عليه وللاحتجاج على القولين ولهما موضع غير هذا ، ولو قدرت الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والشجر والصوت عبارة عنه لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام والله أعلم أي ذلك كان أكان كلاما مقرونا بحياة وعلم فيكون الحجر به مؤمنا ، أو كان صوتا مجردا غير مقترن بحياة ؟ وفي كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوءة وأما حنين الجذع فقد سمي حنينا ، وحقيقة الحنين يقتضي شرط الحياة وقد يحتمل تسليم الحجارة أن يكون مضافا في الحقيقة إلى ملائكة يسكنون تلك الأماكن يعمرونها ، فيكون مجازا من قوله تعالى : واسأل القرية والأول أظهر وإن كانت كل صورة من هذه الصور التي ذكرناها فيها علم على نبوته - عليه السلام - غير أنه لا يسمى معجزة في اصطلاح المتكلمين إلا ما تحدى به الخلق فعجزوا عن معارضته . مدلول تفعل وذكر حديث عبيد بن عمير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجاور بغار حراء ويتحنث فيه قال والتحنث التبرز . تفعل من البر وتفعل يقتضي الدخول في الفعل وهو الأكثر فيها مثل تفقه وتعبد وتنسك وقد جاءت في ألفاظ يسيرة تعطي الخروج عن الشيء واطراحه كالتأثم والتحرج . والتحنث بالثاء المثلثة لأنه من الحنث وهو الحمل الثقيل وكذلك التقذر إنما هو تباعد عن القذر وأما التحنف بالفاء فهو من باب التبرر لأنه من الحنيفية دين إبراهيم وإن كان الفاء مبدلة من الثاء فهو من باب التقذر والتأثم وهو قول ابن هشام ، واحتج بجدف وجدث وأنشد قول رؤبة لو كان أحجاري مع الأجداف وفي بيت رؤبة هذا شاهد ورد على ابن جني حيث زعم في سر الصناعة أن جدف بالفاء لا يجمع على أجداف واحتج بهذا لمذهبه في أن الثاء هي الأصل وقول رؤبة رد عليه والذي نذهب إليه أن الفاء هي الأصل في هذا الحرف لأنه من الجدف وهو القطع ومنه مجداف السفينة وفي حديث عمر في وصف الجن : شرابهم الجدف وهي الرغوة لأنها تجدف عن الماء وقيل هي نبات يقطع ويؤكل . وقيل كل إناء كشف عنه غطاؤه جدف والجدف القبر من هذا ، فله مادة وأصل في الاشتقاق فأجدر بأن تكون الفاء هي الأصل والثاء داخلة عليها . حول مجاورته في حراء وقوله يجاور في حراء إلى آخر الكلام . الجوار بالكسر في معنى المجاورة وهي الاعتكاف ولا فرق بين الجوار والاعتكاف إلا من وجه واحد وهو أن الاعتكاف لا يكون إلا داخل المسجد والجوار قد يكون خارج المسجد كذلك قال ابن عبد البر ، ولذلك لم يسم جواره بحراء اعتكافا ، لأن حراء ليس من المسجد ولكنه من جبال الحرم ، وهو الجبل الذي نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عني ; فإني أخاف أن تقتل على ظهري فأعذب فناداه حراء : إلي إلي يا رسول الله . قال ابن إسحاق : حدثني وهب بن كيسان قال قال عبيد [ بن عمير ] : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذات الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به - إذا انصرف من جواره - الكعبة ، قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا ، أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ، وذلك الشهر شهر رمضان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال قلت : ما أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال قلت : ما أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت . ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال قلت : ماذا أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال فقلت : ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ، فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم قال فقرأتها ، ثم انتهى ، فانصرف عني ، وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا . قال فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي ، وما أرجع ورائي ، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ، ورجعوا إليها ، وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني . وانصرفت راجعا إلى أهلي ، حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها ، فقالت يا أبا القاسم أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك ، حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي رأيت ، فقالت أبشر يا بن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى . وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت . فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة ، فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل ، وهو يطوف بالكعبة ، فقال يا بن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتله ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله . قال ابن إسحاق : وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير : أنه حدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال " نعم " . قالت فإذا جاءك فأخبرني به . فجاءه جبريل عليه السلام ، كما كان يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة " يا خديجة هذا جبريل قد جاءني " ، قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى ، قال فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عليها ، قالت هل تراه ؟ قال " نعم " ، قالت فتحول فاجلس على فخذي اليمنى ، قالت فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى ، فقالت هل تراه ؟ قال " نعم " ، قالت فتحول فاجلس في حجري ، قالت فتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس في حجرها ، قالت هل تراه ؟ قال " نعم " ، قال فتحسرت وألقت خمارها - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها - ثم قالت له هل تراه ؟ قال " لا " ، قالت يا ابن عم اثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان قال ابن إسحاق : وقد حدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث فقال قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها ، فذهب عند ذلك جبريل فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لملك وما هو بشيطان ________________________________________ كيفية الوحي فصل : وذكر نزول جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث فأتاني وأنا نائم وقال في آخره فهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا ، وليس ذكر النوم في حديث عائشة ولا غيرها ، بل في حديث عروة عن عائشة ما يدل ظاهره على أن نزول جبريل حين نزل بسورة اقرأ كان في اليقظة لأنها قالت في أول الحديث أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب الله إليه الخلاء - إلى قولها - حتى جاءه الحق ، وهو بغار حراء ، فجاءه جبريل . فذكرت في هذا الحديث أن الرؤيا كانت قبل نزول جبريل على النبي - عليه السلام - بالقرآن وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرا عليه ورفقا به لأن أمر النبوءة عظيم وعبؤها ثقيل والبشر ضعيف وسيأتي في حديث الإسراء من مقالة العلماء ما يؤكد هذا ويصححه وقد ثبت بالطرق الصحاح عن عامر الشعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكل به إسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء ثم وكل به جبريل فجاءه بالقرآن والوحي فعلى هذا كان نزول الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - في أحوال مختلفة فمنها : النوم كما في حديث ابن إسحاق ، وكما قالت عائشة أيضا : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة وقد قال إبراهيم عليه السلام إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى فقال له ابنه افعل ما تؤمر [ الصافات 102 ] ، فدل على أن الوحي كان يأتيهم في المنام كما يأتيهم في اليقظة . ومنها : أن ينفث في روعه الكلام نفثا ، كما قال عليه السلام إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب وقال مجاهد ، وأكثر المفسرين في قوله سبحانه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا [ الشورى : 51 ] . قال هو أن ينفث في روعه بالوحي . ومنها : أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه وقيل إن ذلك ليستجمع قلبه عند تلك الصلصلة ، فيكون أوعى لما يسمع وألقن لما يلقى . ومنها : أن يتمثل له الملك رجلا ، فقد كان يأتيه في صورة دحية بن خليفة ويروى أن دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه لفرط جماله . وقال ابن سلام في قوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا [ الجمعة 11 ] . قال كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله . ومنها : أن يتراءى له جبريل في صورته التي خلقه الله فيها ، له ستمائة جناح ينتشر منها اللؤلؤ والياقوت . ومنها : أن يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كما كلمه في ليلة الإسراء وإما في النوم كما قال في حديث معاذ الذي رواه الترمذي ، قال أتاني ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلى ، فقلت : لا أدري . فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثندوتي وتجلى لي علم كل شيء وقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ، فقلت : في الكفارات فقال وما هن ؟ فقلت : الوضوء عند الكريهات ونقل الأقدام إلى الحسنات وانتظار الصلوات بعد الصلوات فمن فعل ذلك عاش حميدا ، ومات حميدا ، وكان من ذنبه كمن ولدته أمه وذكر الحديث . فهذه ستة أحوال وحالة سابعة قد قدمنا ذكرها ، وهي نزول إسرافيل عليه بكلمات من الوحي قيل جبريل فهذه سبع صور في كيفية نزول الوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم - لم أر أحدا جمعها كهذا الجمع وقد استشهدنا على صحتها بما فيه غنية ، وقد أملينا أيضا في حقيقة رؤيته عليه السلام ربه في المنام على أحسن صورة ويروى : على صورة شاب مسألة بديعة كاشفة لقناع اللبس فلتنظر هنالك . من تفسير حديث الوحي فصل وذكر في الحديث أن جبريل أتاه بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال بعض المفسرين في قوله وقال ابن سلام في قوله تعالى : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه إنها إشارة إلى الكتاب الذي جاءه به جبريل حين قال اقرأ وفي الآية أقوال غير هذه منها : أنها إشارة إلى ما تضمنه قوله سبحانه الم ; لأن هذه الحروف المقطعة تضمنت معاني الكتاب كله فهي كالترجمة له . معنى اقرأ باسم ربك وقوله ما أنا بقارئ أي إني أمي ، فلا أقرأ الكتب قالها ثلاثا فقيل له اقرأ باسم ربك أي إنك لا تقرؤه بحولك ، ولا بصفة نفسك ، ولا بمعرفتك ، ولكن اقرأ مفتتحا باسم ربك مستعينا به فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم ومغمز الشيطان بعدما خلقه فيك ، كما خلقه في كل إنسان . والآيتان المتقدمتان لمحمد والآخرتان لأمته وهما قوله تعالى : الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم لأنها كانت أمة أمية لا تكتب فصاروا أهل كتاب وأصحاب قلم فتعلموا القرآن بالقلم وتعلمه نبيهم تلقينا من جبريل نزله على قلبه بإذن الله ليكون من المرسلين . حول بسم الله فصل وفي قوله اقرأ باسم ربك من الفقه وجوب استفتاح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم غير أنه أمر مبهم لم يبين له بأي اسم من أسماء ربه يفتتح حتى جاء البيان بعد في قوله بسم الله مجراها [ هود : 41 ] ثم قوله تعالى : وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل 30 ] . ثم كان بعد ذلك ينزل جبريل عليه ببسم الله الرحمن الرحيم مع كل سورة وقد ثبتت في سواد المصحف بإجماع من الصحابة على ذلك وما ذكره البخاري من مصحف الحسن البصري ، فشذوذ فهي على هذا من القرآن إذ لا يكتب في المصحف ما ليس بقرآن ولا يلتزم قول الشافعي أنها آية من كل سورة ولا أنها آية من الفاتحة بل نقول إنها آية من كتاب الله تعالى ، مقترنة مع السورة وهو قول داود وأبي حنيفة ، وهو قول بين القوة لمن أنصف وحين نزلت بسم الله الرحمن الرحيم سبحت الجبال فقالت قريش : سحر محمد الجبال ذكره النقاش وإن صح ما ذكره فلمعنى ما سبحت عند نزولها خاصة وذلك أنها آية أنزلت على آل داود ، وقد كانت الجبال تسبح مع داود ، كما قال الله تعالى : إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق [ ص : 18 ] وقال إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل 30 ] . وفي الحديث ذكر نمط الديباج من الكتاب وفيه دليل وإشارة إلى أن هذا الكتاب يفتح على أمته ملك الأعاجم ، ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زيهم وزينتهم وبه أيضا ينال ملك الآخرة ولباس الجنة وهو الحرير والديباج وفي سير موسى بن عقبة ، وسير سليمان بن المعتمر زيادة وهو أن جبريل أتاه بدرنوك من ديباج منسوج بالدر والياقوت فأجلسه عليه غير أن موسى بن عقبة قال ببساط ولم يقل درنوك ، وقال في سير بن المعتمر إن الله تعالى أنزل عليه ألم نشرح لك صدرك الآيات كأنه يشير به فمسح جبريل صدره وقال اللهم اشرح صدره وارفع ذكره وضع عنه وزره ويصحح ما رواه ابن المعتمر أن الله تعالى أنزل عليه ألم نشرح لك صدرك الآيات كأنه يشير إلى ذلك الدعاء الذي كان من جبريل والله أعلم . الغط وقوله في الحديث فغطني ، ويروى : فسأبني ، ويروى : سأتني ، وأحسبه أيضا يروى : فذعتني وكلها بمعنى واحد وهو الخنق والغم ، ومن الذعت حديثه الآخر أن الشيطان عرض له وهو يصلي قال فذعته حتى وجدت برد لسانه على يدي ثم ذكرت قول أخي سليمان وقال ابن سلام في قوله تعالى : رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي الحديث وكان في ذلك إظهار للشدة والجد في الأمر وأن يأخذ الكتاب بقوة ويترك الأناة فإنه أمر ليس بالهوينى ، وقد انتزع بعض التابعين وهو شريح القاضي من هذا : ألا يضرب الصبي على القرآن إلا ثلاثا كما غط جبريل عليه السلام محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا ، وعلى رواية ابن إسحاق أن ذلك في نومه كان يكون في تلك الغطات الثلاث من التأويل ثلاث شدائد يبتلى بها أولا ، ثم يأتي الفرج والروح وكذلك كان لقي هو وأصحابه شدة من الجوع في شعب الخيف ، حين تعاقدت قريش ألا يبيعوا منهم ولا يتركوا ميرة تصل إليهم وشدة أخرى من الخوف والإيعاد بالقتل وشدة أخرى من الإجلاء عن أحب الأوطان إليه ثم كانت العاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين . ما أنا بقارئ وقوله في حديث ابن إسحاق : اقرأ قال ما أقرأ يحتمل أن تكون ما استفهاما ، يريد أي شيء أقرأ ؟ ويحتمل أن تكون نفيا ، ورواية البخاري ومسلم تدل على أنه أراد النفي أي ما أحسن أن أقرأ كما تقدم من قوله ما أنا بقارئ . رؤية جبريل ومعنى اسمه وذكر رؤيته لجبريل وهو صاف قدميه وفي حديث جابر أنه رآه على رفرف بين السماء والأرض ويروى : على عرش بين السماء والأرض وفي حديث البخاري الذي ذكره في آخر الجامع أنه حين فتر عنه الوحي كان يأتي شواهق الجبال يهم بأن يلقي نفسه منها ، فكان جبريل يتراءى له بين السماء والأرض يقول له أنت رسول الله وأنا جبريل . واسم جبريل سرياني ، ومعناه عبد الرحمن أو عبد العزيز . هكذا جاء عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا أيضا ، والوقف أصله . وأكثر الناس على أن آخر الاسم منه هو اسم الله وهو إيل وكان شيخنا رحمه الله يذهب مذهب طائفة من أهل العلم في أن هذه الأسماء إضافتها مقلوبة وكذلك الإضافة في كلام العجم ، يقولون في غلام زيد زيد غلام فعلى هذا يكون إيل عبارة عن العبد ويكون أول الاسم عبارة عن اسم من أسماء الله تعالى ، ألا ترى كيف قال في حديث ابن عباس : جبريل وميكائيل كما تقول عبد الله وعبد الرحمن ألا ترى أن لفظ عبد يتكرر بلفظ واحد والأسماء ألفاظها مختلفة . حول معنى إل وخرافة الرهبان وأما إل بالتشديد من قوله تعالى : إلا ولا ذمة [ التوبة 10 ] فحذار حذار من أن تقول فيه هو اسم الله فتسمي الله باسم لم يسم به نفسه ألا ترى أن جميع أسماء الله تعالى معرفة و " إل " نكرة وحاشا لله أن يكون اسمه نكرة وإنما الأل كل ما له حرمة وحق ، فمما له حق ويجب تعظيمه القرابة والرحم والجوار والعهد وهو من أللت : إذا اجتهدت في الشيء وحافظت عليه ولم تضيعه ومنه الأل في السير وهو الجد ، ومنه قول الكميت [ يصف رجلا ] : وأنت ما أنت في غبراء مجدبة إذا دعت ألليها الكاعب الفضل يريد اجتهدت في الدعاء وإذا كان الأل بالفتح المصدر فالإل بالكسر الاسم كالذبح في الذبح فهو إذا الشيء المحافظ عليه وقول الصديق [ عن كلام مسيلمة ] : هذا كلام لم يخرج من إل ولا بر أي لم يصدر عن ربوبية لأن الربوبية حقها واجب معظم وكذلك فسره أبو عبيد ، واتفق في اسم جبريل عليه السلام أنه موافق من جهة العربية لمعناه وإن كان أعجميا ، فإن الجبر هو إصلاح ما وهى ، وجبريل موكل بالوحي وفي الوحي إصلاح ما فسد وجبر ما وهى من الدين ولم يكن معروفا بمكة ولا بأرض العرب فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة به انطلقت تسأل من عنده علم من الكتاب كعداس ونسطور الراهب فقال لها : قدوس قدوس أنى لهذا الاسم أن يذكر في هذه البلاد وقد قدمنا هذا الخبر عنها ، وهو في سير التيمي لما ذكرناه قبل وفي كتاب المعيطي عن أشهب قال سئل مالك عن التسمي بجبريل أو من يسمي به ولده فكره ذلك ولم يعجبه . معنى الناموس وقول ورقة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى . الناموس صاحب سر الملك قال بعضهم هو صاحب سر الخير والجاسوس هو صاحب سر الشر وقد فسره أبو عبيد وأنشد فأبلغ يزيد إن عرضت ومنذرا عمهما والمستشز المنامسا لم ذكر موسى ولم يذكر عيسى وإنما ذكر ورقة موسى ولم يذكر عيسى ، وهو أقرب لأن ورقة كان قد تنصر والنصارى لا يقولون في عيسى : إنه نبي يأتيه جبريل إنما يقولون فيه إن أقنوما من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح واتحد به على اختلاف بينهم في ذلك الحلول وهو أقنوم الكلمة والكلمة عندهم عبارة عن العلم فلذلك كان المسيح عندهم يعلم الغيب ويخبر بما في غد فلما كان هذا من مذهب النصارى الكذبة على الله المدعين المحال عدل عن ذكر عيسى إلى ذكر موسى لعلمه أو لاعتقاده أن جبريل كان ينزل على موسى ، لكن ورقة قد ثبت إيمانه بمحمد عليه السلام وقد قدمنا حديث الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه في المنام وعليه ثياب بيض إلى آخر الحديث . حول هاء السكت والفعل تدرك وقول ورقة لتكذبنه ولتؤذينه ولا ينطق بهذه الهاء إلا ساكنة لأنها هاء السكت وليست بهاء إضمار . وقوله إن أدرك ذلك اليوم أنصرك نصرا مؤزرا ، وقال في الحديث إن يدركني يومك وهو القياس لأن ورقة سابق بالوجود والسابق هو الذي يدركه من يأتي بعده كما جاء في الحديث أشقى الناس من أدركته الساعة وهو حي ، ورواية ابن إسحاق أيضا لها وجه لأن المعنى : أترى ذلك اليوم فسمى رؤيته إدراكا ، وفي التنزيل لا تدركه الأبصار أي لا تراه على أحد القولين . وقوله مؤزرا من الأزر وهو القوة والعون . شرح أومخرجي ؟ فصل وفي حديث البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لورقة أومخرجي هم لا بد من تشديد الياء في مخرجي لأنه جمع ، والأصل مخرجوي فأدغمت الواو في الياء وهو خبر ابتداء مقدم ولو كان المبتدأ اسما ظاهرا لجاز تخفيف الياء ويكون الاسم الظاهر فاعلا لا مبتدأ كما تقول أضارب قومك ، أخارج إخوتك فتفرد لأنك رفعت به فاعلا ، وهو حسن في مذهب سيبويه والأخفش ولولا الاستفهام ما جاز الإفراد إلا على مذهب الأخفش فإنه يقول قائم الزيدون دون استفهام فإن كان الاسم المبتدأ من المضمرات نحو أخارج أنت وأقائم هو ؟ لم يصح فيه إلا الابتداء لأن الفاعل إذا كان مضمرا لم يكن منفصلا لا تقول قام أنا ، ولا ذهب أنت وكذلك لا تقول أذاهب أنت على حد الفاعل ولكن على المبتدإ وإذا كان على حد المبتدإ فلا بد من جمع الخبر ، فعلى هذا تقول أمخرجي هم تريد مخرجون ثم أضيف إلى الياء وحذفت النون وأدغمت الواو كما يقتضي القياس . حول اليافوخ والذهاب إلى ورقة فصل وذكر أن ورقة بن نوفل لقي النبي عليه السلام فقبل يافوخه قد تقدم ذكر اليافوخ وأنه يفعول مهموز وأنه لا يقال في رأس الطفل يافوخ حتى يشتد وإنما يقال له الغاذية وذكرنا قول العجاج ضرب إذا أصاب اليآفيخ حفر . ولو كان يافوخ فاعولا ، كما ظن بعضهم لم يجز همزه في الواحد . ولا في الجمع وفي رواية يونس عن ابن إسحاق بسنده إلى أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال لخديجة إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر " . قالت معاذ الله ما كان الله ليفعل ذلك بك . فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم . وتصدق الحديث فلما دخل أبو بكر ، وليس [ عندها ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكرت خديجة له ذلك فقالت يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ أبو بكر بيده . فقال انطلق بنا إلى ورقة بن نوفل . فقال " ومن أخبرك " ؟ قال خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه فقال إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي : يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال له لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول لك . ثم ائتني ، فأخبرني ، فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . حتى بلغ ولا الضالين . قل لا إله إلا الله . فأتى ورقة فذكر ذلك له فقال له ورقة أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم ، وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنك نبي مرسل وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا . ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك . فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت القس في الجنة وعليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني يعني : ورقة وفي رواية يونس أيضا أنه عليه السلام قال لرجل سب ورقة أما علمت أني رأيت لورقة جنة أو جنتين وهذا الحديث الأخير قد أسنده البزار . لقد خشيت على نفسي فصل وفي الصحيح أنه قال لخديجة لقد خشيت على نفسي وتكلم العلماء في معنى هذه الخشية بأقوال كثيرة فذهب أبو بكر الإسماعيلي إلى أن هذه الخشية كانت منه قبل أن يحصل له العلم بأن الذي جاءه ملك من عند الله وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه مجنون ولم ير الإسماعيلي أن هذا محال في مبدإ الأمر لأن العلم الضروري قد لا يحصل دفعة واحدة وضرب مثلا بالبيت من الشعر تسمع أوله فلا تدري أنظم هو أم نثر فإذا استمر الإنشاد علمت قطعا أنه قصد به قصد الشعر كذلك لما استمر الوحي واقترنت به القرائن المقتضية للعلم القطعي حصل العلم القطعي ، وقد أثنى الله تعالى عليه بهذا العلم فقال آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى قوله وملائكته وكتبه ورسله فإيمانه بالله وبملائكته إيمان كسبي موعود عليه بالثواب الجزيل كما وعد على سائر أفعاله المكتسبة كانت من أفعال القلب أو أفعال الجوارح وقد قيل في قوله لقد خشيت على نفسي أي خشيت ألا أنهض بأعباء النبوة وأن أضعف عنها ، ثم أزال الله خشيته ورزقه الأيد والقوة والثبات والعصمة وقد قيل إن خشيته كانت من قومه أن يقتلوه ولا غرو فإنه بشر يخشى من القتل والإذاية الشديدة ما يخشاه البشر ثم يهون عليه الصبر في ذات الله كل خشية ويجلب إلى قلبه كل شجاعة وقوة وقد قيل في معنى الخشية أقوال غير هذه رغبت عن التطويل بذكرها . ابتداء تنزيل القرآن قال ابن إسحاق : فابتدئ رسول الله رضي الله عنهن بالتنزيل في شهر رمضان بقول الله عز وجل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان [ البقرة 185 ] . وقال الله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر القدر . وقال الله تعالى : حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين [ الدخان 1 - 5 ] . وقال تعالى : إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان [ الأنفال 41 ] . وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر . قال ابن إسحاق : وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة . صبيحة سبع عشرة من رمضان قال ابن إسحاق : ثم تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم والنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها ، ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى . قال فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى ________________________________________ متى نزل القرآن ؟ فصل وذكر قول الله تعالى : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن [ البقرة 185 ] . إلى آخر الآية مستشهدا بذلك على أن القرآن أنزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر من رمضان وهذا يحمل تأويلين أحدهما : أن يكون أراد بدء النزول وأوله لأن القرآن نزل في أكثر من عشرين سنة في رمضان وغيره والثاني : ما قاله ابن عباس : أنه نزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا ، فجعل في بيت العزة مكنونا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة ثم نزلت منه الآية بعد الآية والسورة بعد السورة في أجوبة السائلين والنوازل الحادثة إلى أن توفي - صلى الله عليه وسلم - وهذا التأويل أشبه بالظاهر وأصح في النقل والله أعلم . حول إضافة شهر إلى رمضان فصل وفي قوله تعالى : شهر رمضان فذكر الشهر مضافا إلى رمضان واختار الكتاب والموثقون النطق به بهذا اللفظ دون أن يقولوا : كتب في رمضان وترجم البخاري والنسوي على جواز اللفظين جميعا وأوردا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من صام رمضان وإذا جاء رمضان " ، ولم يقل شهر رمضان وقد بينت أن لكل مقام مقامه ولا بد من ذكر شهر في مقام ومن حذفه في مقام آخر والحكمة في ذكره إذا ذكر في القرآن والحكمة أيضا في حذفه إذا حذف من اللفظ وأين يصلح الحذف ويكون أبلغ من الذكر كل هذا مبين في كتاب " نتائج الفكر " ، فهناك أوردنا فيه فوائد تعجز عنها همم أهل هذا العصر . أدناها تساوي رخلة عند من عرف قدرها ، غير أنا نشير إلى بعضها ، فنقول قال سيبويه : ومما لا يكون العمل إلا فيه كله المحرم وصفر يريد أن الاسم العلم يتناول اللفظ كله وذلك إذا قلت : الأحد أو الاثنين فإن قلت يوم الأحد أو شهر المحرم كان ظرفا ، ولم يجر مجرى المفعولات وزال العموم من اللفظ لأنك تريد في الشهر وفي اليوم ولذلك قال عليه السلام من صام رمضان ولم يقل شهر رمضان ليكون العمل فيه كله وهذه إشارة إلى بعض تلك الفوائد التي أحكمناها في غير هذا الكتاب . حب الرسول صلى الله عليه وسلم وطنه بقية من حديث ورقة وذلك أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتكذبنه فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال ولتؤذينه فلم يقل له شيئا ، ثم قال ولتخرجنه فقال أومخرجي هم ؟ ففي هذا دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس وأيضا فإنه حرم الله وجوار بيته وبلدة أبيه إسماعيل فلذلك تحركت نفسه عند ذكر الخروج منه ما لم تتحرك قبل ذلك فقال أومخرجي هم ؟ والموضع الدال على تحرك النفس وتحرقها إدخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الإخراج بالسؤال عنه وذلك أن الواو ترد إلى الكلام المتقدم وتشعر المخاطب بأن الاستفهام على جهة الإنكار أو التفجع لكلامه أو التألم منه . ذكر عبد الله بن حسن فصل وذكر عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، وقوله حدثتني أمي فاطمة بنت الحسين أن خديجة أدخلته بين ثوبها . الحديث عبد الله هذا هو عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت الحسين أخت سكينة واسمها : آمنة وسكينة لقب لها التي كانت ذات دعابة ومزح وفي سكينة وأمها الرباب يقول الحسين بن علي - رضي الله عن جميعهم كأن الليل موصول بليل إذا زارت سكينة والرباب أي زادت قومها ، وهم بنو عليم بن جناب من كلب ، ثم من بني كعب بن عليم ويعرف بنو كعب بن عليم ببني زيد غير مصروف لأنه اسم أمهم وعبد الله بن حسن هو والد الطالبيين القائمين على بني العباس وهم محمد ويحيى وإدريس مات إدريس بإفريقية فارا من الرشيد ومات مسموما في دلاعة أكلها ، ووقع في كتاب الزبير بن أبي بكر قال قال عبد الرحمن بن زيد : قال آدم عليه السلام مما فضل به علي ابني صاحب البعير أن زوجه كانت عونا له على تبليغ أمر الله وأن زوجي كانت عونا لي على المعصية . إسلام خديجة بنت خويلد وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء منه فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه به إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس رحمها الله تعالى قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب قال ابن هشام : القصب هاهنا : اللؤلؤ المجوف قال ابن هشام : وحدثني من أثق به أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرئ خديجة السلام من ربها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك فقالت خديجة الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام ________________________________________ حديث عبد الله بن جعفر وغيره عن خديجة فصل وذكر حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب . هذا حديث مرسل وقد رواه مسلم متصلا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ما غرت على أحد ما غرت على خديجة ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين ولقد أمر أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة وفي حديث آخر أن عائشة قالت ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها ، فغضب وقال " والله ما أبدلني الله خيرا منها ; آمنت بي حين كذبني الناس وواستني بمالها حين حرمني الناس ورزقت الولد منها ، وحرمته من غيرها وروى يونس عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثنا أبو نجيح قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جزور أو لحم فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عظما منها ، فناوله الرسول بيده فقال اذهب بهذا إلى فلانة فقالت عائشة لم غمرت يدك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغضبا : " إن خديجة أوصتني بها " ، فغارت عائشة وقالت لكأنه ليس في الأرض امرأة إلا خديجة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغضبا ، فلبث ما شاء الله ثم رجع فإذا أم رومان قالت يا رسول الله ما لك ولعائشة ؟ إنها حدثة وإنك أحق من تجاوز عنها ، فأخذ بشدق عائشة وقال ألست القائلة " كأنما ليس على الأرض امرأة إلا خديجة والله لقد آمنت بي إذ كفر قومك ، ورزقت مني الولد وحرمتموه وفي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال خير نسائها : مريم بنت عمران وخير نسائها : خديجة والهاء في نسائها حين ذكر مريم عائدة على السماء والهاء في نسائها حين ذكر خديجة عائدة على الأرض وذلك أن هذا الحديث رواه وكيع وأبو أسامة وابن نمير في آخرين وأشار وكيع من بينهم حين حدث بالحديث بإصبعه إلى السماء عند ذكر مريم ، وإلى الأرض عند ذكر خديجة ، وهذه إشارة ليست من رأيه وإنما هي زيادة من حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيادة العدل مقبولة ويحتمل أن يكون معنى إشارته إلى السماء والأرض عند ذكرهما ، أي هما خير نساء بين السماء والأرض وهذا أثبت عندي بظاهر الحديث . ولعلنا أن نذكر اختلاف العلماء في التفضيل بين مريم وخديجة وعائشة - رضي الله عنهن - وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وما نزع به كل فريق منهم . حول ما بشرت به خديجة وأما قوله ببيت من قصب فقد رواه الخطابي مفسرا ، وقال فيه قالت خديجة : يا رسول الله هل في الجنة قصب ؟ فقال " إنه قصب من لؤلؤ مجبى قال الخطابي : يجوز أن يكون معناه مجوبا من قولك : جبت الثوب إذا خرقته ، فيكون من المقلوب ويجوز أن يكون الأصل مجببا بباءين من الجب وهو القطع أي قطع داخله وقلبت الباء ياء كما قالوا : تظنيت من الظن وتقصيت أظفاري ، وتكلم أصحاب المعاني في هذا الحديث وقالوا : كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطى مسيرة ألف عام في الجنة كما في حديث ابن عمر خرجه الترمذي ، وكيف لم ينعت هذا البيت بشيء من أوصاف النعيم والبهجة أكثر من نفي الصخب وهو رفع الصوت فأما أبو بكر الإسكاف فقال في كتاب فوائد الأخبار له معنى الحديث أنه بشرت ببيت زائد على ما أعد الله لها مما هو ثواب لإيمانها وعملها ; ولذلك قال لا صخب فيه ولا نصب أي لم تنصب فيه ولم تصخب . أي إنما أعطيته زيادة على جميع العمل الذي نصبت فيه . قال المؤلف رحمه الله لا أدري ما هذا التأويل ولا يقتضيه ظاهر الحديث ولا يوجد شاهد يعضده وأما الخطابي ، فقال البيت هاهنا عبارة عن قصر وقد يقال لمنزل الرجل بيته والذي قاله صحيح يقال في القوم هم أهل بيت شرف وبيت عز وفي التنزيل غير بيت من المسلمين ولكن لذكر البيت هاهنا بهذا اللفظ ولقوله ببيت ولم يقل بقصر معنى لائق بصورة الحال وذلك أنها كانت ربة بيت إسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت وأيضا فإنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزويجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغبتها فيه وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل وإن كان أشرف منه لما جاء من كسا مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة ومن سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق ومن هذا الباب قوله عليه السلام من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة لم يرد مثله في كونه مسجدا ، ولا في صفته ولكن قابل البنيان بالبنيان أي كما بنى يبنى له كما قابل الكسوة بالكسوة والسقيا بالسقيا ، فهاهنا وقعت المماثلة لا في ذات المبني أو المكسو وإذا ثبت هذا ، فمن هاهنا اقتضت الفصاحة أن يعبر لها عما بشرت به بلفظ البيت وإن كان فيه ما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر ومن تسمية الجزاء على الفعل بالفعل في عكس ما ذكرناه قوله تعالى : نسوا الله فنسيهم ومكروا ومكر الله وأما قوله لا صخب فيه ولا نصب فإنه أيضا من باب ما كنا بسبيله لأنه - عليه السلام - دعاها إلى الإيمان فأجابته عفوا ، لم تحوجه إلى أن يصخب كما يصخب البعل إذا تعصت عليه حليلته ولا أن ينصب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل مكروه وأراحته بما لها من كل كد ونصب فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة لفعالها وصورته . وأما قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ وإن كان المعنى واحدا ، ولكن في اختصاصه هذا اللفظ من المشاكلة المذكورة والمقابلة بلفظ الجزاء للفظ العمل أنها - رضي الله عنها - كانت قد أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنسوان . والعرب تسمي السابق محرزا للقصب . قال الشاعر مشى ابن الزبير القهقرى ، وتقدمت أمية حتى أحرزوا القصبات فاقتضت البلاغة أن يعبر بالعبارة المشاكلة لعملها في جميع ألفاظ الحديث فتأمله . الموازنة بين خديجة وعائشة فصل وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة : " هذا جبريل يقرئك السلام من ربك الحديث يذكر عن أبي بكر بن داود أنه سئل أعائشة أفضل أم خديجة ؟ فقال " عائشة أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل وخديجة أقرأها جبريل السلام من ربها على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - فهي أفضل " ، قيل له فمن أفضل أخديجة أم فاطمة ؟ فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن فاطمة بضعة مني فلا أعدل ببضعة من رسول الله أحدا وهذا استقراء حسن ويشهد لصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ارتبط نفسه وحلف ألا يحله إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت فاطمة لتحله فأبى من أجل قسمه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما فاطمة مضغة مني فحلته وسنذكر الحديث بإسناده في موضعه إن شاء الله تعالى ، ويدل أيضا على تفضيل فاطمة قوله - عليه السلام - لها : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم ؟ فدخل في هذا الحديث أمها وأخواتها ، وقد تكلم الناس في المعنى الذي سادت به فاطمة غيرها دون أخواتها ، فقيل إنها ولدت سيد هذه الأمة وهو الحسن الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إن ابني هذا سيد وهو خليفة بعلها خليفة أيضا ، وأحسن من هذا القول قول من قال سادت أخواتها وأمها ، لأنهن متن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكن في صحيفته ومات أبوها وهو سيد العالمين فكان رزؤه في صحيفتها وميزانها ، وقد روى البزار من طريق عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة هي خير بناتي ، إنها أصيبت بي فحق لمن كانت هذه حاله أن يسود نساء أهل الجنة وهذا حسن والله أعلم . ومن سؤددها أيضا أن المهدي المبشر به آخر الزمان من ذريتها ، فهي مخصوصة بهذا كله والأحاديث الواردة في أمر المهدي كثيرة وقد جمعها أبو بكر بن أبي خيثمة فأكثر ومن أغربها إسنادا ما ذكره أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار مسندا إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما أحسب . الله السلام وقول خديجة : الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام علمت بفقهها أن الله سبحانه لا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوق لأن السلام دعاء بالسلامة فكان معنى قولها : الله السلام فكيف أقول عليه السلام والسلام منه يسأل ومنه يأتي ؟ ولكن على جبريل السلام فالذي يحصل من هذا الكلام من الفقه أنه لا يليق بالله سبحانه إلا الثناء عليه فجعلت مكان رد التحية على الله ثناء عليه كما عملوا في التشهد حين قالوا : السلام على الله من عباده السلام على فلان فقيل لهم لا تقولوا هذا ، ولكن قولوا : التحيات لله وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب فوائد جمة في معنى التحيات إلى آخر التشهد . وقولها : ومنه السلام إن كانت أرادت السلام التحية فهو خبر يراد به التشكر كما تقول هذه النعمة من الله وإن كانت أرادت السلام بالسلامة من سوء فهو خبر يراد به المسألة كما تقول منه يسأل الخير . وذهب أكثر أهل اللغة إلى أن السلام والسلامة بمعنى واحد كالرضاع والرضاعة ولو تأملوا كلام العرب وما تعطيه هاء التأنيث من التحديد لرأوا أن بينهما فرقانا عظيما ، وأن الجلال أعم من الجلالة بكثير وأن اللذاذ أبلغ من اللذاذة وأن الرضاعة تقع على الرضعة الواحدة والرضاع أكثر من ذلك فكذلك السلام والسلامة وقس على هذا : تمرة وتمرا ، ولقاة ولقى ، وضربة وضربا ، إلى غير ذلك وتسمى سبحانه بالسلام لما شمل جميع الخليقة ، وعمهم من السلامة من الاختلال والتفاوت إذ الكل جار على نظام الحكمة كذلك سلم الثقلان من جور وظلم أن يأتيهم من قبله سبحانه فإنما الكل مدبر بفضل أو عدل أما الكافر فلا يجري عليه إلا عدله وأما المؤمن فيغمره فضله فهو سبحانه في جميع أفعاله سلام لا حيف ولا ظلم ولا تفاوت ولا اختلال ومن زعم من المفسرين لهذا الاسم أنه تسمى به لسلامته من الآفات والعيوب فقد أتى بشنيع من القول إنما السلام من سلم منه والسالم من سلم من غيره وانظر إلى قوله سبحانه كوني بردا وسلاما وإلى قوله سلام هي ولا يقال في الحائط : سالم من العمى ، ولا في الحجر أنه سالم من الزكام أو من السعال إنما يقال سالم فيمن تجوز عليه الآفة ويتوقعها ثم يسلم منها ، والقدوس سبحانه متعال عن توقع الآفات متنزه عن جواز النقائص ومن هذه صفته لا يقال سلم ولا يتسمى بسالم وهم قد جعلوا سلاما بمعنى سالم والذي ذكرناه أول هو معنى قول أكثر السلف والسلامة خصلة واحدة من خصال السلام . قال ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترة من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه فجاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ما ودعه وما قلاه فقال تعالى : والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى يقول ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك . وللآخرة خير لك من الأولى أي لما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . ولسوف يعطيك ربك فترضى من الفلج في الدنيا ، والثواب في الآخرة ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى يعرفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ومنه عليه في يتمه وضلالته واستنقاذه من ذلك كله برحمته . قال ابن هشام : سجى : سكن . قال أمية بن أبي الصلت الثقفي : إذ أتى موهنا وقد نام صحبي وسجا الليل بالظلام البهيم وهذا البيت في قصيدة له ويقال للعين إذا سكن طرفها : ساجية وسجا طرفها قال جرير بن الخطفي ولقد رمينك - حين رحن - بأعين يقتلن من خلل الستور سواجي وهذا البيت في قصيدة له . والعائل الفقير قال أبو خراش الهذلي إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا ومستنبح بالي الدريسين عائل وجمعه عالة وعيل وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها - إن شاء الله والعائل أيضا : الذي يعول العيال . والعائل أيضا : الخائف . وفي كتاب الله تعالى : ذلك أدنى ألا تعولوا [ النساء 3 ] . وقال أبو طالب بميزان قسط لا يخس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها - إن شاء الله - في موضعها . والعائل أيضا : الشيء المثقل المعيي . يقول الرجل قد عالني هذا الأمر أي أثقلني وأعياني ، قال الفرزدق : ترى الغر الجحاجح من قريش إذا ما الأمر في الحدثان عالا وهذا البيت في قصيدة له .

فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر  أي لا تكن جبارا ولا متكبرا ، ولا فحاشا فظا على الضعفاء من عباد الله .  وأما بنعمة ربك فحدث  أي بما جاءك من الله من نعمته وكرامته من النبوة فحدث أي اذكرها ، وادع إليها ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه وعلى العباد به من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله . 

________________________________________ فترة الوحي فصل وذكر فترة الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر مقدار مدة الفترة وقد جاء في بعض الأحاديث المسندة أنها كانت سنتين ونصف سنة فمن هنا يتفق ما قاله أنس بن مالك أن مكثه بمكة كان عشر سنين وقول ابن عباس : ثلاث عشرة سنة وكان قد ابتدئ بالرؤيا الصادقة ستة أشهر فمن عد مدة الفترة وأضاف إليها الأشهر الستة كانت كما قال ابن عباس ، ومن عدها من حين حمي الوحي وتتابع كما في حديث جابر كانت عشر سنين . ووجه آخر في الجمع بين القولين أيضا ، وهو أن الشعبي قال وكل إسرافيل بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين ثم جاءه بالقرآن جبريل وقد قدمنا هذا الحديث ورواه أبو عمر في كتاب الاستيعاب وإذا صح فهو أيضا وجه من الجمع بين الحديثين والله أعلم . شرح شعر الهذلي والفرزدق فصل وذكر ابن إسحاق قول أبي خراش خويلد بن مرة الهذلي إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا ومستنبح بالي الدريسين عائل الضريك الضعيف المضطر والمستنبح الذي يضل عن الطريق في ظلمة الليل فينبح ليسمع نباح كلب والدريس الثوب الخلق وقول الفرزدق : ترى الغر الجحاجح من قريش إذا ما الأمر في الحدثان عالا قياما ينظرون إلى سعيد كأنهم يرون به هلالا يعني : سعيد بن العاصي بن أمية ، ويقال : إن مروان بن الحكم حين سمع الفرزدق ينشد هذا البيت حسده فقال له قل قعودا ينظرون إلى سعيد يا أبا فراس . فقال له الفرزدق : والله يا أبا عبد الملك إلا قياما على الأقدام . وذكر سبب نزول سورة الضحى ، وأن ذلك لفترة الوحي عنه وخرج البخاري من طريق جندب بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى ، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا ، فقالت له امرأة إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ، فأنزل الله تعالى سورة الضحى . ابتداء ما افترض الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة وأوقاتها وافترضت الصلاة عليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت عليه ركعتين ركعتين كل صلاة ثم إن الله تعالى أتمها في الحضر أربعا ، وأقرها في السفر على فرضها الأول ركعتين قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي ، فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه السلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ثم انصرف جبريل عليه السلام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم صلى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما صلى به جبريل فصلت بصلاته قال ابن إسحاق : وحدثني عقبة بن مسلم مولى بني تميم ، عن نافع بن جبير بن مطعم - وكان نافع كثير الرواية - عن ابن عباس قال لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام ، فصلى به الظهر حين مالت الشمس ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب الشفق ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأول ثم صلى به الصبح مسفرا غير مشرق ثم قال يا محمد الصلاة فيما بين صلاتك اليوم ، وصلاتك بالأمس ________________________________________ فرض الصلاة وذكر حديث عروة عن عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر وذكر المزني أن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها ، ويشهد لهذا القول قوله سبحانه وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار [ غافر : 55 ] . وقال يحيى بن سلام مثله وقال كان الإسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجر بعام فعلى هذا يحتمل قول عائشة فزيد في صلاة الحضر أي زيد فيها حين أكملت خمسا ، فتكون الزيادة في الركعات وفي عدد الصلوات ويكون قولها : فرضت الصلاة ركعتين أي قبل الإسراء وقد قال بهذا طائفة من السلف منهم ابن عباس ، ويجوز أن يكون معنى قولها : فرضت الصلاة أي ليلة الإسراء حين فرضت الخمس فرضت ركعتين ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك وهذا هو المروي عن بعض رواة هذا الحديث عن عائشة ومن رواه هكذا الحسن والشعبي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة بعام أو نحوه وقد ذكره أبو عمر وقد ذكر البخاري من رواية معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ففرضت أربعا هكذا لفظ حديثه وهاهنا سؤال يقال هل هذه الزيادة في الصلاة نسخ أم لا ؟ فيقال أما زيادة ركعتين أو ركعة إلى ما قبلها من الركوع حتى تكون صلاة واحدة فنسخ لأن النسخ رفع الحكم وقد ارتفع حكم الإجزاء من الركعتين وصار من سلم منهما عامدا أفسدهما ، وإن أراد أن يتم صلاته بعدما سلم وتحدث عامدا لم يجزه إلا أن يستأنف الصلاة من أولها ، فقد ارتفع حكم الإجزاء بالنسخ وأما الزيادة في عدد الصلوات حين أكملت خمسا بعدما كانت اثنتين فيسمى نسخا على مذهب أبي حنيفة ، فإن الزيادة عنده على النص نسخ وجمهور المتكلمين على أنه ليس بنسخ ولاحتجاج الفريقين موضع غير هذا . الوضوء فصل وذكر نزول جبريل عليه السلام بأعلى مكة حين همز له بعقبه فأنبع الماء وعلمه الوضوء وهذا الحديث مقطوع في السيرة ومثله لا يكون أصلا في الأحكام الشرعية ولكنه قد روي مسندا إلى زيد بن حارثة - يرفعه - غير أن هذا الحديث المسند يدور على عبد الله بن لهيعة وقد ضعف ولم يخرج عنه مسلم ولا البخاري ; لأنه يقال إن كتبه احترقت فكان يحدث من حفظه وكان مالك بن أنس يحسن فيه القول ويقال إنه الذي روي عنه حديث بيع العربان في الموطإ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب ، فيقال إن الثقة هاهنا ابن لهيعة ويقال إن ابن وهب حدث به عن ابن لهيعة وحديث ابن لهيعة هذا ، أخبرنا به أبو بكر الحافظ محمد بن العربي قال نا أبو المطهر سعد بن عبد الله بن أبي الرجاء عن أبي نعيم الحافظ قال نا أبو بكر أحمد بن يوسف العطار قال نا الحارث بن أبي أسامة ، قال نا الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الزهري ، عن عروة عن أسامة بن زيد قال حدثني أبي زيد بن حارثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل عليه السلام ، فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه وحدثنا به أيضا أبو بكر محمد بن طاهر ، عن أبي علي الغساني عن أبي عمر النمري عن أحمد بن قاسم عن قاسم بن أصبغ ، عن الحارث بن أبي أسامة بالإسناد المتقدم فالوضوء على هذا الحديث مكي بالفرض مدني بالتلاوة لأن آية الوضوء مدنية وإنما قالت عائشة فأنزل الله تعالى آية التيمم ولم تقل آية الوضوء وهي هي لأن الوضوء قد كان مفروضا قبل غير أنه لم يكن قرآنا يتلى ، حتى نزلت آية المائدة . إمامة جبريل وذكر حديث عبد الله بن عباس في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعليمه إياه أوقات الصلوات الخمس في اليومين وهذا الحديث لم يكن ينبغي له أن يذكره في هذا الموضع لأن أهل الصحيح متفقون على أن هذه القصة كانت في الغد من ليلة الإسراء وذلك بعدما نبئ بخمسة أعوام وقد قيل إن الإسراء كان قبل الهجرة بعام ونصف وقيل بعام فذكره ابن إسحاق في بدء نزول الوحي وأول أحوال الصلاة . ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم قال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم - رضوان الله وسلامه عليه - وهو يومئذ ابن عشر سنين . وكان مما أنعم الله على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر بن أبي الحجاج قال كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ، ومما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم :

يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا ، فنكلهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا ، حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا ، فاصنعا ما شئتما  

قال ابن هشام : ويقال عقيلا وطالبا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا ، فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه . أبو طالب يكتشف إيمان علي قال ابن إسحاق : ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا ، فمكثا كذلك إلى ما شاء الله أن يمكثا . ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا بن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال أي عم هذا دين الله ، ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم " - أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - " بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه أو كما قال . فقال أبو طالب أي ابن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي ، وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت . وذكروا أنه قال لعلي أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله واتبعته . فزعموا أنه قال له أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه . ________________________________________ أول من آمن وذكر أن أول ذكر آمن بالله علي - رضي الله عنه - وسيأتي قول من قال أول من أسلم أبو بكر ولكن ذلك - والله أعلم - من الرجال لأن عليا كان حين أسلم صبيا لم يدرك ولا يختلف أن خديجة هي أول من آمن بالله وصدق رسوله وكان علي أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين وكلهم أسلم إلا طالبا اختطفته الجن ، فذهب ولم يعلم بإسلامه وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم وقد أسلمت وهي إحدى الفواطم التي قال فيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه اقسمه بين الفواطم الثلاث يعني ثوب حرير قال القتبي . يعني : فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت أسد ، ولا أدري من الثالثة ورواه عبد الغني بن سعيد اقسمه بين الفواطم الأربع وذكر فاطمة بنت حمزة مع اللتين تقدمتا ، وقال لا أدري من الرابعة قاله في كتاب الغوامض والمبهمات . إسلام زيد بن حارثة ثانيا قال ابن إسحاق ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول ذكر أسلم ، وصلى بعد علي بن أبي طالب . قال ابن هشام : زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة . وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف . فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد ، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك ، فاختارت زيدا فأخذته فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ، فاستوهبه منها ، فوهبته له فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه وذلك قبل أن يوحى إليه . وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعا شديدا ، وبكى عليه حين فقده فقال بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي ، فيرجى أم أتى دونه الأجل فوالله ما أدري ، وإني لسائل أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل وإن هبت الأرواح هيجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل ثم قدم عليه - وهو عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك فقال بل أقيم عندك فلم يزل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بعثه الله فصدقه وأسلم ، وصلى معه فلما أنزل الله عز وجل ادعوهم لآبائهم [ الأحزاب : 5 ] قال أنا زيد بن حارثة . ________________________________________ إسلام زيد فصل وذكر حديث زيد بن حارثة ، وقال فيه حارثة بن شرحبيل وقال ابن هشام شراحيل قال أصحاب النسب كما قال ابن هشام ، ورفع نسبه إلى كلب بن وبرة ووبرة هو ابن ثعلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة ، وأم زيد سعدى بنت ثعلبة [ بن عبد عامر ] من بني معن من طيء ، وكانت قد خرجت بزيد لتزيره أهلها ، فأصابته خيل من بني القين بن جسر ، فباعوه بسوق حباشة وهو من أسواق العرب ، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام ثم كان من حديثه ما ذكر ابن إسحاق ، ولما بلغ زيدا قول أبيه بكيت على زيد ولم أدر ما فعل . الأبيات . قال بحيث يسمعه الركبان أحن إلى أهلي ، وإن كن نائيا بأني قعيد البيت عند المشاعر فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر فإني بحمد الله في خير أسرة كرام معد كابرا بعد كابر فبلغ أباه قوله فجاء هو وعمه كعب حتى وقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وذلك قبل الإسلام فقالا له يا بن عبد المطلب ، يا بن سيد قومه أنتم جيران الله وتفكون العاني وتطعمون الجائع وقد جئناكم في ابننا عبدك ، لتحسن إلينا في فدائه فقال " أوغير ذلك " ؟ فقالا : وما هو ؟ فقال ادعوه وأخيره فإن اختاركما فذاك وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا " ، فقالا له قد زدت على النصف فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء قال " من هذان " ؟ فقال هذا أبي حارثة بن شراحيل وهذا عمي : كعب بن شراحيل ، فقال " قد خيرتك إن شئت ذهبت معهما ، وإن شئت أقمت معي " ، فقال بل أقيم معك ، فقال له أبوه يا زيد أتختار العبودية [ على الحرية و ] على أبيك وأمك وبلدك وقومك ؟ فقال إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ، وما أنا بالذي أفارقه أبدا فعند ذلك أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقام به إلى الملإ من قريش ، فقال " اشهدوا أن هذا ابني ، وارثا وموروثا فطابت نفس أبيه عند ذلك وكان يدعى : زيد بن محمد حتى أنزل الله تعالى : ادعوهم لآبائهم [ الأحزاب : 5 ] . وفي الشعر الذي ذكره ابن إسحاق لحارثة بعد قوله حياتي وإن تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل سأوصي به قيسا وعمرا كليهما وأوصي يزيد ثم أوصي به جبل يعني : يزيد بن كعب [ بن شراحيل ] وهو ابن عم زيد وأخوه [ لأمه ] ويعني بجبل جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أسن منه . سئل جبلة : من أكبر أنت أم زيد ؟ فقال زيدا أكبر مني ، وأنا ولدت قبله يريد أنه أفضل منه بسبقه للإسلام . إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن إسحاق : ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة ، واسمه عتيق واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . قال ابن هشام : واسم أبي بكر عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه . قال ابن إسحاق : فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله . وكان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا ، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها ، وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلا تاجرا ، ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه ________________________________________ إسلام أبي بكر فصل وذكر إسلام أبي بكر ونسبه قال واسمه عبد الله وسمي عتيقا لعتاقة وجهه والعتيق : الحسن كأنه أعتق من الذم والعيب - وقيل سمي عتيقا ; لأن أمه كانت لا يعيش لها ولد فنذرت إن ولد لها ولد أن تسميه عبد الكعبة ، وتتصدق به عليها ، فلما عاش وشب سمي عتيقا ، كأنه أعتق من الموت وكان يسمى أيضا : عبد الكعبة إلى أن أسلم ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وقيل سمي عتيقا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له حين أسلم : أنت عتيق من النار وقيل كان لأبيه ثلاثة من الولد معتق ومعيتق وعتيق وهو أبو بكر وسئل ابن معين عن أم أبي بكر فقال أم الخير عند اسمها ، وهي أم الخير بنت صخر بن عمرو بنت عم أبي قحافة واسمها : سلمى ، وتكنى : أم الخير وهي من المبايعات وأما أبوه عثمان أبو قحافة فأمه قيلة - بياء باثنتين منقوطة من أسفل - بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب . وامرأة أبي بكر أم ابنه عبد الله وأسماء قتلة بنت عبد العزى بتاء منقوطة باثنتين من فوق وقيل فيها : بنت عبد أسعد بن نصر بن حسل بن عامر وهو قول الزبير وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرض عليه الإسلام فما عكم عند ذلك أي ما تردد وكان من أسباب توفيق الله إياه - فيما ذكر - رؤيا رآها قبل ذلك وذلك أنه رأى القمر ينزل إلى مكة ، ثم رآه قد تفرق على جميع منازل مكة وبيوتها ، فدخل في كل بيت منه شعبة ، ثم كأنه جمع في حجره فقصها على بعض الكتابيين فعبرها له بأن النبي المنتظر الذي قد أظل زمانه تتبعه وتكون أسعد الناس به فلما دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام لم يتوقف وفي مدح حسان الذي قاله فيه وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره دليل على أنه أول من أسلم من الرجال وفيه خير البرية أتقاها ، وأفضلها بعد النبي وأوفاها بما حملا والثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس قدما صدق الرسلا الذين أسلموا بدعوة أبي بكر فأسلم بدعائه - فيما بلغني - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وسعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، فجاء بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استجابوا له فأسلموا وصلوا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما بلغني : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه قال ابن هشام : قوله " بدعائه " عن غير ابن إسحاق . قال ابن هشام : قوله عكم تلبث . قال رؤبة بن العجاج : وانظاع وثاب بها وما عكم قال ابن إسحاق : فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاءه من الله . ثم أسلم أبو عبيدة واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر . وأبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . والأرقم بن أبي الأرقم . واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد - وكان أسد يكنى : أبا جندب - بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون بن حبيب . وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أخت عمر بن الخطاب . وأسماء بنت أبي بكر . وعائشة بنت أبي بكر ، وهي يومئذ صغيرة . وخباب بن الأرت ، حليف بني زهرة . قال ابن هشام : خباب بن الأرت من بني تميم ، ويقال هو من خزاعة قال ابن إسحاق : وعمير بن أبي وقاص ، أخو سعد بن أبي وقاص . وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل حليف بني زهرة ومسعود بن القاري وهو مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة قال ابن هشام : والقارة : لقب ولهم يقال قد أنصف القارة من راماها وكانوا قوما رماة . قال ابن إسحاق : وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية . وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . وعامر بن ربيعة بن عنز بن وائل ، حليف آل الخطاب بن نفيل بن عبد العزى . قال ابن هشام : عنز بن وائل أخو بكر بن وائل ، من ربيعة بن نزار . قال ابن إسحاق : وعبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة . وأخوه أبو أحمد بن جحش ، حليفا بني أمية بن عبد شمس . وجعفر بن أبي طالب ، وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة ، من خثعم ، وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، وامرأته فاطمة بنت المجلل بن عبد الله أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وأخوه خطاب بن الحارث ، وامرأته فكيهة بنت يسار . ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب . والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والنحام ، واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد أخو بني عدي بن كعب بن لؤي قال ابن هشام : هو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي ، وإنما سمي النحام ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقد سمعت نحمة في الجنة . قال ابن هشام : نحمه صوته وحسه ________________________________________ إسلام أبي عبيدة وسعيد بن زيد وذكر إسلام أبي عبيدة بن الجراح واسمه وقد اختلف فيه فقيل عبد الله بن عامر وقيل عامر بن عبد الله . وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن وديعة بن الحارث بن فهر ، قاله الزبير . وذكر إسلام سعيد بن زيد ، وقد ذكرناه فيما مضى ، وذكرنا أمه فاطمة بنت بعجة بن خلف الخزاعية وما وقع في نسبه من التقديم والتأخير ومن الفتح في رزاح بن عدي والكسر وأن رزاح بن ربيعة هو الذي لم يختلف في كسر الراء منه ويكنى سعيدا : أبا الأعور توفي بأرضه بالعقيق ودفن بالمدينة في أيام معاوية سنة خمسين أو إحدى وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة روى عنه ابن عمر وعمرو بن حريث ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة وجماعة من التابعين ولم يرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا حديثين . أحدهما : من غصب شبرا من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وأحد الذين رجف بهم الجبل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اثبت حراء ; فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد . ويروى : " اثبت أحد " ، وأن القصة كانت في جبل أحد ، ويروى أنها كانت في جبل ثبير ذكره الترمذي ، وأنهم كانوا أربعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الخلفاء الأربعة ولعل هذا أن يكون مرارا ، فتصح الأحاديث كلها ، والله أعلم . إسلام سعد وابن عوف والنحام وذكر فيمن أسلم بعد أبي بكر سعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب ، وأهيب هو عم آمنة بنت وهب أم النبي - صلى الله عليه وسلم - والوقاص في اللغة هو واحد الوقاقيص وهي شباك يصطاد بها الطير وهو أيضا فعال من وقص إذا انكسر عنقه وأم سعد حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ، يكنى : أبا إسحاق وهو أحد العشرة دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسدد الله سهمه وأن يجيب دعوته فكان دعاؤه أسرع الدعاء إجابة . وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال احذروا دعوة سعد مات في خلافة معاوية . وذكر عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، وهو أيضا أحد العشرة يكنى : أبا محمد أمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث وهي بنت عم عوف والد عبد الرحمن بن عوف ، فأبوها : عوف عم عوف وأخو عبد عوف . وذكر نعيم بن عبد الله النحام ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعت نحمة في الجنة ولم يفسر النحم ما هو وهي سعلة مستطيلة ويقال للبخيل نحام لأنه يسعل إذا سئل يتشاغل بذلك وأنشد الزبير ما لك لا تنحم يا رواحه إن النحيم للسقاة راحه قال ويقال للنحمة نحطة وقال غيره النحطة في الصدر والنحمة في الحلق والنحام أيضا طائر أحمر في عظم الإوز . عبد الله بن مسعود ومسعود القاري وذكر عبد الله بن مسعود بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل حليف بني زهرة ، وقال في نسبه كاهل وقيده الوقشي بفتح الهاء من كاهل كأنه سمي بالفعل من كاهل يكاهل كما قال - عليه السلام لرجل استأذنه في الجهاد - واسمه جاهمة - فقال هل في أهلك من كاهل أي من قوي على التصرف والاكتهال القوة . وقال أبو عبيد : كاهل أي أسن وقال ابن الأعرابي : إنما لفظ الحديث هل في أهلك من كاهن وغيره الراوي له فقال من كاهل قال وكاهن الرجال هو الذي يخلف الرجل في أهله يقوم بأمرهم بعد يقال منه كهن يكهن كهانة . وذكر في نسبه أيضا شمخا وهو من شمخ بأنفه إذا رفعه عزة . وأم عبد الله هي أم عبد بنت سود بن قديم بن صاهلة هذلية . وذكر مسعودا القاري وهو مسعود بن ربيعة ورفع نسبه إلى الهون بن خزيمة ، وهم القارة وفيهم جرى المثل المثل قد أنصف القارة من راماها . قال الراجز قد علمت سلمى ، ومن والاها أنا نرد الخيل عن هواها نردها دامية كلاها قد أنصف القارة من راماها إنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها وسمي بنو الهون بن خزيمة قارة لقول الشاعر منهم في بعض الحروب دعونا قارة لا تذعرونا فنجفل مثل إجفال الظليم هكذا أنشده أبو عبيد في كتاب الأنساب وأنشده قاسم في الدلائل دعونا قارة لا تذعرونا فتنبتك القرابة والذمام وكانوا رماة الحدق فمن راماهم فقد أنصفهم والقارة : أرض كثيرة الحجارة وجمعها قور فكأن معنى المثل عندهم أن القارة لا تنفد حجارتها إذا رمي بها ، فمن راماها فقد أنصف . وهم في نسب أبي حذيفة وذكر أبا حذيفة بن عتبة . قال ابن هشام : واسمه مهشم وهو وهم عند أهل النسب فإن مهشما إنما هو أبو حذيفة بن المغيرة أخو هاشم وهشام ابني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأما أبو حذيفة بن عتبة فاسمه قيس فيما ذكروا . عميس وذكر أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب ، وعميس أبوها هو ابن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب بن شهران بن عقرس بن حلف بن أفتل وهو جماعة خثعم بن أنمار على الاختلاف في أنمار هذا ، وقد تقدم . وأمها : هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة وهي أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهما واحدة وأخت لبابة أم الفضل امرأة العباس وكن تسع أخوات فيهن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأخوات مؤمنات وكانت قبل جعفر عند حمزة بن عبد المطلب ، فولدت له أمة الله ثم كانت عند شداد بن الهاد ، فولدت له عبد الله وعبد الرحمن وقد قيل بل التي كانت عند حمزة ثم عند شداد هي أختها : سلمى ، لا أسماء وتزوجها بعد حمزة أبو بكر الصديق ، فولدت له محمد بن أبي بكر ، وتزوجها بعده علي بن أبي طالب ، فولدت له يحيى . قال الكلبي : ولدت له مع يحيى عون بن علي ولم يختلف أنها ولدت لجعفر ابنا اسمه عون وولدت له أيضا عبد الله بن جعفر ، وكان جواد العرب في الإسلام وبنات عميس أسماء وسلامة وسلمى ، وهن أخوات ميمونة وسائر أخواتها لأم . تصويب في نسب بني عدي وذكر ابن إسحاق في السابقين إلى الإسلام من بني سهم : عبد الله بن قيس بنالحارث بن عدي بن سعيد بن سهم وحيثما تكرر نسب بني عدي بن سعد بن سهم يقول فيه ابن إسحاق : سعيد ، والناس على خلافه وإنما هو سعد وسيأتي في شعر عبد الله بن قيس شاهد على ذلك وإنما سعيد بن سهم أخو سعد وهو جد آل عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم وفي سهم سعيد آخر وهو ابن سعد المذكور وهو جد المطلب بن أبي وداعة ، واسم أبي وداعة عوف بن صبيرة ابن سعيد بن سعد وقد قيل في صبيرة ضبيرة بالضاد المعجمة وهو الذي كان شابا جميلا يلبس حلة ويقول للناس هل ترون بي بأسا إعجابا بنفسه فأصابته المنية بغتة فقال الشاعر فيه من يأمن الحدثان بعد صب يرة القرشي ماتا سبقت منيته المشي ب وكان منيته افتلاتا عنز وذكر عامر بن ربيعة ، وقال هو من عنز بن وائل . عنز بسكون النون ويذكر عن علي بن المديني أنه قال فيه عنز بفتح النون والسكون أعرف . ذكر أهل النسب أن وائلا [ بن قاسط ] كان إذا ولد له ولد خرج من خبائه فما وقعت عينه عليه سماه به فلما ولد له بكر وقعت عينه على بكر من الإبل فسماه به فلما ولد له تغلب رأى نفسين يتغالبان فسماه تغلب ، فلما ولد له عنز ، رأى عنزا - وهي الأنثى من المعز - فسماه عنزا ، فلما ولد له الشخيص خرج فرأى شخصا على بعد صغيرا ، فسماه الشخيص بهؤلاء الأربع هم قبائل وائل وهم معظم ربيعة ، وهو عامر بن ربيعة العنزي العدوي حليف لهم ويقال هو عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط ، وقيل عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر بن ربيعة بن حجير بن سلامان بن هنب بن أفضى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان . قال ابن إسحاق وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن هشام : عامر بن فهيرة مولد من مولدي الأسد أسود اشتراه أبو بكر رضي الله عنه منهم . قال ابن إسحاق : وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو ، من خزاعة . قال ابن هشام : ويقال همينة بنت خلف . قال ابن إسحاق : وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر . وأبو حذيفة واسمه مهشم - فيما قال ابن هشام - بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، حليف بني عدي بن كعب . قال ابن هشام : جاءت به باهلة ، فباعوه من الخطاب بن نفيل ، فتبناه فلما أنزل الله تعالى : ادعوهم لآبائهم [ الأحزاب : 5 ] قال أنا واقد بن عبد الله ، فيما قال أبو عمرو المدني . قال ابن إسحاق : وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بني عدي بن كعب . وعمار بن ياسر ، حليف بني مخزوم بن يقظة . قال ابن هشام : عمار بن ياسر عنسي من مذحج قال ابن إسحاق : وصهيب بن سنان ، أحد النمر بن قاسط ، حليف بني تيم بن مرة . قال ابن هشام : النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ، ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ، ويقال صهيب مولى عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ويقال إنه رومي . فقال بعض من ذكر أنه من النمر بن قاسط : إنما كان أسيرا في أرض الروم ، فاشتري منهم وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صهيب سابق الروم ________________________________________ إسلام عامر بن فهيرة وذكر عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر وفهيرة أمه هي تصغير فهر ، لأن الفهر مؤنثة وكان عبدا أسود للطفيل بن الحارث بن صخرة اشتراه أبو بكر فأعتقه وأسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ، وسيأتي في الكتاب نبذ من أخباره منها : أنه قتله عامر بن الطفيل يوم بئر معونة ، فلما طعنه خرج من الطعنة نور وكان عامر يقول من رجل لما طعنته رفع حتى حالت السماء دونه هذه رواية البكائي عن ابن إسحاق ، وفي رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن عامرا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم عليه وقال يا محمد من رجل من أصحابك لما طعنته رفع إلى السماء ؟ فقال " هو عامر ابن فهيرة " ، وروى هشام بن عروة عن أبيه أن عامرا التمس في القتلى يومئذ فلم يوجد فكانوا يرون أن الملائكة رفعته أو دفنته ذكره ابن المبارك . اصدع بما تؤمر وما المصدرية والذي فصل وذكر قول الله سبحانه فاصدع بما تؤمر [ الحجر : 94 ] . والمعنى : اصدع بالذي تؤمر به ولكنه لما عدى الفعل إلى الهاء حسن حذفها ، وكان الحذف هاهنا أحسن من ذكرها ; لأن ما فيها من الإبهام أكثر مما تقتضيه الذي ، وقولهم ما مع الفعل بتأويل المصدر راجع إلى معنى الذي إذا تأملته ، وذلك أن الذي تصلح في كل موضع تصلح فيه ما التي يسمونها المصدرية نحو قول الشاعر عسى الأيام أن يرجع ن يوما كالذي كانوا أي كما كانوا ، فقول الله عز وجل إذا : فاصدع بما تؤمر إما أن يكون معناه بالذي تؤمر به من التبليغ ونحوه وإما أن يكون معناه اصدع بالأمر الذي تؤمره كما تقول عجبت من الضرب الذي تضربه فتكون ما هاهنا عبارة عن الأمر الذي هو أمر الله تعالى ، ولا يكون للباء فيه دخول ولا تقدير وعلى الوجه الأول تكون ما مع صلتها عبارة عما هو فعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - والأظهر أنها مع صلتها عبارة عن الأمر الذي هو قول الله ووحيه بدليل حذف الهاء الراجعة إلى : ما ، وإن كانت بمعنى الذي في الوجهين جميعا ، إلا أنك إذا أردت معنى الأمر لم تحذف إلا الهاء وحدها ، وإذا أردت معنى المأمور به حذفت باء وهاء فحذف واحد أيسر من حذفين مع أن صدعه وبيانه إذا علقته بأمر الله ووحيه كان حقيقة وإذا علقته بالفعل الذي أمر به كان مجازا ، وإذا صرحت بلفظ الذي ، لم يكن حذفها بذلك الحسن وتأمله في القرآن تجده كذلك نحو قوله تعالى : وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون [ البقرة 33 ] ويعلم ما تسرون وما تعلنون [ التغابن 4 ] . و لما خلقت بيدي [ ص : 75 ] . و لا أعبد ما تعبدون [ الكافرون ] . ولم يقل خلقته ، وحذف الهاء في ذلك كله وقال في الذي : الذين آتيناهم الكتاب [ البقرة 121 ] و الذي جعلناه للناس سواء [ الحج : 25 ] وما أشبه ذلك وإنما كان الحذف مع ما أحسن لما قدمناه من إبهامها ، فالذي فيها من الإبهام قربها من ما التي هي شرط لفظا ومعنى ، ألا ترى أن ما إذا كانت شرطا تقول فيها : ما تصنع أصنع مثله ولا تقول ما تصنعه لأن الفعل قد عمل فيها ، فلما ضارعتها هذه التي هي موصولة وهي بمعنى الذي أجريت في حذف الهاء مجراها في أكثر الكلام وهذه تفرقة في عود الضمير على ما ، وعلى " الذي " يشهد لها التنزيل والقياس الذي ذكرناه من الإبهام ومع هذا لم نر أحدا نبه على هذه التفرقة ولا أشار إليها ، وقارئ القرآن محتاج إلى هذه التفرقة . وقد يحسن حذف الضمير العائد على الذي ; لأنه أوجز ولكنه ليس كحسنه مع من وما ، ففي التنزيل والنور الذي أنزلنا [ التغابن 8 ] فإن كان الفعل متعديا إلى اثنين كان إبراز الضمير أحسن من حذفه لئلا يتوهم أن الفعل واقع إلى المفعول الواحد وأنه مقتصر عليه كقوله تعالى : والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء [ الحج : 25 ] الذين آتيناهم الكتاب [ البقرة 121 ] وشرح ابن هشام معنى قوله اصدع شرحا صحيحا ، وتتمته أنه صدع على جهة البيان وتشبيه لظلمة الشك والجهل بظلمة الليل . والقرآن نور فصدع به تلك الظلمة ومنه سمي الفجر صديعا ، لأنه يصدع ظلمة الليل وقال الشماخ ترى السرحان مفترشا يديه كأن بياض لبته صديع على هذا تأوله أكثر أهل المعاني ، وقال قاسم بن ثابت الصديع في هذا البيت ثوب أسود تلبسه النواحة تحته ثوب أبيض وتصدع الأسود عند صدرها فيبدو الأبيض وأنشد كأنهن إذ وردن ليعا نواحة مجتابة صديعا .


الجزء الثاني كتاب يبحث في السيرة النبوية شرح فيه مصنفه كتاب السيرة النبوية لابن هشام . وكان منهجه في الكتاب بأن يعرض سيرة ابن هشام، شارحا ما أبهم من كلمات ومعاني، ويزيد أكثرها إيضاحا وبيانا، وإذا وجد نسب غامض أزال غموضه ، وقد يتعرض في بعض الأحيان لبعض الكلمات بالإعراب، فقد زاد شرحه للسيرة حسنا فوق حسن وجمالا فوق جمال، فجاءت السيرة النبوية سهلة يسيرة متدفقة في نعومة بين يدي القارىء وقد أضيف للكتاب كتاب السيرة لابن هشام ووضع في أعلى الصفحات والشرح في أسفلها وهذه الطبعة عليها حواش مهمة وتعليقات لطيفة مبادأة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه قال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به . ثم إن الله - عز وجل - أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يصدع بما جاءه منه وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إليه وكان بين ما أخفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما بلغني - من مبعثه ثم قال الله تعالى له { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [ الحجر : 94 ] . وقال تعالى : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين } [ الشعراء 214] { وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ } [ الحجر : 89 ] . قال ابن هشام : فاصدع افرق بين الحق والباطل . قال أبو ذؤيب الهذلي ، واسمه خويلد بن خالد يصف أتن وحش وفحلها : وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع أي يفرق على القداح ويبين أنصباءها . وهذا البيت في قصيدة له . وقال رؤبة بن العجاج : أنت الحليم والأمير المنتقم تصدع بالحق وتنفي من ظلم وهذان البيتان في أرجوزة له .

صلاة الرسول وأصحابه في الشعاب قال ابن إسحاق : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ، ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين - وهم يصلون - فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول دم هريق في الإسلام .

عداوة الشرك للرسول ومساومته لعمه قال ابن إسحاق : فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها ، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ، ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء .

مبادأة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه أصل الصلاة لغة ذكر في الحديث أن أبا طالب حدب على رسول الله _صلى الله عليه و سلم _ و قام دونه أصل الحدب انحناء في الظهر ثم استعير فيمن عطف على غيره ورق له كما قال النابغة حدبت على بطون ضبة كلها إن ظالما فيهم وإن مظلوما و مثل ذلك الصلاة أصلها : انحناء و انعطاف من الصلوين هما : عرقان في الظهر إلى الفخذين ثم قالوا : صلى عليه أي انحنى عليه ثم سموا الرحمة حنوا و صلاة إذا أرادوا المبالغة فيها , فقولك : صلى الله على محمد هو أرق و أبلغ من قولك : رحم الله محمداً في الحنو و العطف . و الصلاة أصلها في المحسوسات عبر بها عن هذا المعنى مبالغة و تأكيداً كما قال الشاعر فما زلت في ليني ( له ) و تعطفي عليه كما تحنو على الولد الأم و منه قيل صليت على الميت أي دعوت له دعاء من يحنو عليه و يتعطف عليه . و لذلك لا تكون الصلاة بمعنى الدعاء على الإطلاق لا تقول صليت على العدو أي دعوت عليه . إنما يقال . صليت عليه في معنى الحنو و الرحمة و العطف لأنها في الأصل انعطاف ومن أجل ذلك عديت في اللفظ بعلى , فتقول صليت عليه أي حنوت عليه و لا تقول في الدعاء إلا : دعوت له فتعدي الفعل باللام ألا أن تريد الشر و الدعاء على العدو فهذا فرق ما بين الصلاة و الدعاء و أهل اللغة لم يفرقوا ,و لكن قالوا : الصلاة بمعنى الدعاء إطلاقاً , و لم يفرقوا بين حال و حال و لا ذكروا التعدي باللام و لا بعلى , و لابد من تقييد العبارة لما ذكرناه و قد يكون الحدب أيضاً مستعملاً في معنى المخالفة إذا قرن بالقعس كقول الشاعر إن حدبوا , فاقعس وإن هم تقاعسوا لينتزعوا ما خلف ظهرك فاحدب و كقول الآخر

                       و لن ينهنــــه قوماً أنـت خائفهم    كمثل وقمك جهالاً بجهال
                       فاقعس إذا حدبوا , و احدب إذا فعسوا    ووازن الشر مثقالاً بمثقال

أنشد الجاحظ في كتاب الحيوان له . فلما رأت قريش ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب . وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . قال ابن هشام : واسم أبي سفيان صخر . قال ابن إسحاق : وأبو البختري ، واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . قال ابن هشام : أبو البختري العاص بن هاشم . قال ابن إسحاق : والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وأبو جهل - واسمه عمرو ، وكان يكنى أبا الحكم - ابن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والعاص بن وائل . قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . قال ابن إسحاق : أو من مشى منهم . فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شري الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له . ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم ولا خذلانه . ________________________________________ أبو البختري فصل وذكر مجيء النفر من قريش إلى أبي طالب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أنسابهم وذكر فيهم أبا البختري بن هشام قال واسمه العاصي بن هشام وقال ابن هشام : هو العاصي بن هاشم والذي قاله ابن إسحاق هو قول ابن الكلبي والذي قاله ابن هشام هو قول الزبير بن أبي بكر وقول مصعب وهكذا وجدت في حاشية كتاب الشيخ أبي بحر سفيان بن العاصي .


مناصرة أبي طالب للرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، للذي كانوا قالوا له فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد بدا لعمه فيه أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته قال ثم استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي ، قال فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا . ________________________________________ لو وضعوا الشمس في يميني فصل وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم – [ والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته أو كما قال ] . خص الشمس باليمين لأنها الآية المبصرة وخص القمر بالشمال لأنها الآية الممحوة وقد قال عمر - رحمه الله - لرجل قال له إني رأيت في المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل واحد منهما نجوم فقال عمر مع أيهما كنت ؟ فقال مع القمر قال كنت مع الآية الممحوة اذهب فلا تعمل لي عملا ، وكان عاملا له فعزله فقتل الرجل في صفين مع معاوية واسمه حابس بن سعد ، وخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النيرين حين ضرب المثل بهما ; لأن نورهما محسوس والنور الذي جاء به من عند الله - وهو الذي أرادوه على تركه - هو لا محالة أشرف من النور المخلوق قال الله سبحانه { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [ التوبة 32 ] . فاقتضت بلاغة النبوة - لما أرادوه على ترك النور الأعلى - أن يقابله بالنور الأدنى ، وأن يخص أعلى النيرين وهي الآية المبصرة بأشرف اليدين وهي اليمنى بلاغة لا مثلها ، وحكمة لا يجهل اللبيب فضلها .

البداء وقول ابن إسحاق : ظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد بدا لعمه بداء أي ظهر له رأي فسمى الرأي بداء لأنه شيء يبدو بعد ما خفي والمصدر البدء والبدو والاسم البداء ولا يقال في المصدر بدا له بدو ، كما لا يقال ظهر له ظهور بالرفع لأن الذي يظهر ويبدو هاهنا هو الاسم نحو البداء وأنشد أبو علي لعلك والموعود حق وفاؤه بدا لك في تلك القلوص بداء ومن أجل أن البدو هو الظهور كان البداء في وصف الباري - سبحانه - محالا ; لأنه لا يبدو له شيء كان غائبا عنه والنسخ للحكم ليس ببداء كما توهمت الجهلة من الرافضة واليهود ، إنما هو تبديل حكم بحكم بقدر قدره وعلم علمه وقد يجوز أن يقال بدا له أن يفعل كذا ، ويكون معناه أراد . وهذا من المجاز الذي لا سبيل إلى إطلاقه إلا بإذن من صاحب الشرع وقد صح في ذلك ما خرجه البخاري في حديث الثلاثة الأعمى والأقرع والأبرص وأنه عليه السلام قال بدا لله أن يبتلهم فبدا هنا بمعنى : أراد وذكرنا الرافضة ، لأن ابن أعين ومن اتبعه منهم يجيزون البداء على الله تعالى ، ويجعلونه والنسخ شيئا واحدا ، واليهود لا تجيز النسخ يحسبونه بداء ومنهم من أجاز البداء كالرافضة ويروى أن عليا - رحمه الله - صلى يوما ، ثم ضحك فسئل عن ضحكه فقال تذكرت أبا طالب حين فرضت الصلاة ورآني أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخلة فقال " ما هذا الفعل الذي أرى " ؟ فلما أخبرناه قال " ذا حسن ولكن لا أفعله أبدا ، لا أحب أن تعلوني استي " فتذكرت الآن قوله فضحكت . قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، قالوا له - فيما بلغني - يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا ، الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا . قال فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ، فقال أبو طالب للمطعم والله ما أنصفوني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك أو كما قال . قال فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا . فقال أبو طالب عند ذلك - يعرض بالمطعم بن عدي - ويعم من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ، ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ألا ليت حظي من حياطتكم بكر من الخور حبحاب كثير رغاؤه يرش على الساقين من بوله قطر تخلف خلف الورد ليس بلاحق إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر أرى أخوينا من أبينا وأمنا إذا سئلا قالا : إلى غيرنا الأمر بلى لهما أمر ولكن تجرجما كما جرجمت من رأس ذي علق صخر أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر هما أغمزا للقوم في أخويهما فقد أصبحا منهم أكفهما صفر وتيم ومخزوم وزهرة منهم وكانوا لنا مولى إذا بغي النصر فوالله لا تنفك منا عداوة لا منهم ما كان من نسلنا شفر فقد سفهت أحلامهم وعقولهم وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر قال ابن هشام : تركنا منها بيتين أقذع فيهما . ________________________________________ عرض قريش على أبي طالب فصل وذكر قول الملأ من قريش لأبي طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش ، وأجمله فخذه مكان ابن أخيك . أنهد . أي أقوى وأجلد ويقال فرس نهد للذي يتقدم الخيل وأصل هذه الكلمة التقدم ومنه يقال نهد ثدي الجارية أي برز قدما . وعمارة بن الوليد هذا المذكور هو الذي أرسلته قريش مع عمرو بن العاص إلى أرض الحبشة فسحر هناك وجن وسنزيد في خبره شيئا بعد هذا إن شاء الله . وذكروا أن أبا طالب قال لهم حين سألوه أن يأخذ عمارة بدلا من محمد صلى الله عليه وسلم أرأيتم ناقة تحن إلى غير فصيلها وترأمه لا أعطيكم ابني تقتلونه أبدا ، وآخذ ابنكم أكفله وأغذوه وهو معنى ما ذكر ابن إسحاق قال ابن إسحاق فحقب الأمر عند ذلك يريد اشتد وهو من قولك : حقب البعير إذا راغ عنه الحقب من شدة الجهد والنصب وإذا عسر عليه البول أيضا لشد الحقب على ذلك الموضع فيقال منه حقب البعير ثم يستعمل في الأمر إذا عسر وكذلك قوله فشري الأمر عند ذلك أي انتشر الشر ، ومنه الشرى ، وهي قروح تنتشر على البدن يقال منه شري جلد الرجل يشرى شرى .

شعر أبي طالب فصل وذكر شعر أبي طالب ألا قل لعمرو والوليد . إلى آخر الشعر . وفيه ألا ليت حظي من حياطتكم بكر أي إن بكرا من الإبل أنفع لي منكم فليته لي بدلا من حياطتكم كما قال طرفة في عمرو بن هند : فليت لنا مكان الملك عمرو رغوثا حول قبتنا تخور وقوله من الخور حبحاب . الخور الضعاف والحبحاب بالحاء الصغير . وفي حاشية كتاب الشيخ أبي بحر جبجاب بالجيم وفسره فقال هو الكثير الهدر وفي الشعر إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر أي يشبه بالوبر لصغره ويحتمل أن يكون أراد يصغر في العين لعلو المكان وبعده والفيفاء فعلاء ولولا قولهم الفيف لكان حمله على باب القضقاض والجرجار أولى ، ولكن سمع الفيف فعلم أن الألفين زائدتان وأنه من باب قلق وسلس الذي ضوعفت فيه فاء الفعل دون عينه وهي ألفاظ يسيرة نحو قلق وسلس وثلث وسدس وقد اعتنينا بجمعها من الكلام ولعل لها موضعا تذكر فيه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، ولا تكون ألف فيفاء للإلحاق فيصرف لأنه ليس في الكلام فعلال فإن قيل يكون ملحقا بقضقاض وبابه قلنا : قضقاض ثنائي مضاعف فلا يلحق به الثلاثي ، كما لا يلحق الرباعي بالثلاثي ولا الأكبر بالأقل وقد حكي فيفاة بالقصر وليست ألفها للتأنيث إذ لا يجمع بين علامتي تأنيث فهي إذا من باب أرطاة ونحوها ، كأنها ملحقة بسلهبة . وفي الشعر كما جرجمت من رأس ذي علق صخر وترك صرف علق إما لأنه جعله اسم بقعة وإما لأنه اسم علم وترك صرف الاسم العلم سائغ في الشعر وإن لم يكن مؤنثا ولا عجميا نحو قول عباس بن مرداس وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع ونحو قول الآخر يا من جفاني وملا نسيت أهلا وسهلا ومات مرحب لما رأيت ما لي قلا فلم يصرف مرحبا ، وسيأتي في هذا الكتاب شواهد كثيرة على هذا ، ونشرح العلة فيه إن شاء الله تعالى ، ولو روي من رأس ذي علق الصخر بحذف التنوين لالتقاء الساكنين لكان حسنا ، كما قرئ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ } بحذف التنوين من " أحد " ، وهي رواية ابن أبي عمرو بن العلاء وقال الشاعر حميد الذي أمج داره وقال آخر ولا ذاكر الله إلا قليلا

قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهم بعمه أبي طالب وقد قام أبو طالب ، حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب ، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون . فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه و حدبهم عليه جعل يمدحهم و يذكر قديمهم و يذكر فضل رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فيهم و مكانة منهم ليشد لهم رأيهم و ليحدبوا معه على أمره فقال

                إذا اجتمعت يومــــاً قريش           لمفخر فعبد مناف سرها و صميمهـا
                فإن حصلت أشراف عبد منافها            ففي هاشم أشرافها و قديمهــــا
                تـداعت قريش غثها و سمينها           علينا فلم تظفر و طاشت حلومهــا
                و كنـــا قديماً لا نقر ظلامة            إذا ما تثنوا صعر الخدود نقيمهــا
                و نحمي حماها كل يوم كريهة             و نضرب على أجحارها من يرومها
                بنا انتعش العود الذواء و إنما             بأكفاننا تندي و تنمي أرومهــــا

و أنشد قول أبي طالب إذا اجتمعت يوماً قريش لمفخر فعبد مناف سرها و صميمها

قوله سرها ، أي وسطها ، و سر الوادي و سرارته وسطه و قد تقدم متى يكون الوسط مدحاً ، و أن ذلك في موضعين في وصف الشهود و في النسب و بيننا السر في ذلك . و قال في القصيدة و نضرب على أحجارها من يرومها . أي ندفع عن حصونها و معاقلها ، و إن كانت الرواية أجحارها بتقديم الجيم فهو جمع جحر و الجحر هنا مستعار و إنما يريد عن بيوتها و مساكنها .

موقف الوليد بن المغيرة من القرآن ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش - وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ، قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول به قال بل أنتم فقولوا أسمع قالوا : نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا : فنقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا : فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا : فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة - قال ابن هشام : ويقال لغدق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا : ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره . ________________________________________ موقف الوليد من القرآن وذكر خبر الوليد بن المغيرة وقوله فيما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوحي والقرآن قد سمعنا الشعر فما هو بهزجه ولا رجزه . والهزج من أعاريض الشعر معروف عند العروضيين ولا أعرف له اشتقاقا إلا أن يكون من قولهم في وصف الذباب هزج أي مترنم وأما الرجز فيحتمل أن يكون من رجزت الحمل إذا عدلته بالرجازة وهو شيء يعدل به الحمل وكذلك الرجز في الشعر أشطار معدلة ويجوز أن يكون من رجزت الناقة إذا أصابتها رعدة عند قيامها ، كما قال الشاعر حتى تقوم تكلف الرجزاء فالمرتجز كأنه مرتعد عند إنشاده لقصر الأبيات . وقوله قد سمعنا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه الزمزمة صوت ضعيف كنحو ما كانت الفرس تفعله عند شربها الماء ويقال أيضا : زمزم الرعد وهو صوت له قبل الهدر وكذلك الكهان كانت لهم زمزمة الله أعلم بكيفيتها ، وأما زمزمة الفرس ، فكانت من أنوفهم . وقول الوليد إن أصله لعذق وإن فرعه لجناة . استعارة من النخلة التي ثبت أصلها ، وقوي وطاب فرعها إذا جنى ، والنخلة هي العذق بفتح العين ورواية ابن إسحاق أفصح من رواية ابن هشام ; لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله ورواية ابن هشام : إن أصله لغدق وهو الماء الكثير ومنه يقال غيدق الرجل إذا كثر بصاقه وأحد أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمى : الغيداق لكثرة عطائه والغيدق أيضا ولد الضب وهو أكبر من الحسل قاله قطرب في كتاب الأفعال والأسماء له .

ما نزل في حق الوليد من القرآن فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة ، وفي ذلك من قوله { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً {11} وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً {12} وَبَنِينَ شُهُوداً {13} وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً {14} ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ {15} كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً {16}} [ المدثر 11 - 16 ] أي خصيما . قال ابن هشام : عنيدا : معاند مخالف . قال رؤبة بن العجاج : ونحن ضرابون رأس العند وهذا البيت في أرجوزة له { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً {17}‏ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ {18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ {19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ {20} ثُمَّ نَظَرَ {21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ {22} } [ المدثر 17 - 22 ] . قال ابن هشام : بسر كره وجهه . قال العجاج مضبر اللحيين بسرا منها يصف كراهية وجهه . وهذا البيت في أرجوزة له { ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ {23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ {24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ {25} } [ المدثر 23 - 25 ] . قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى : في رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفيما جاء به من الله تعالى ، وفي النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به من الله تعالى : { كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ {90}‏ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ {91} فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ {92} عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {93} } [ الحجر : 90 - 93 ] . قال ابن هشام : واحدة العضين عضة يقول عضوه فرقوه . قال رؤبة بن العجاج : وليس دين الله بالمعضى وهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق : فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن لقوا من الناس وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها . ________________________________________ ذرني و من خلقتُ وحيدا فصل وذكر ابن إسحاق قول الله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } الآيات التي نزلت في الوليد وفيها له تهديد ووعيد شديد لأن معنى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ } أي دعني وإياه فسترى ما أصنع به كما قال { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ } [ القلم 44 ] وهي كلمة يقولها المغتاظ إذا اشتد غيظه وغضبه وكره أن يشفع لمن اغتاظ عليه فمعنى الكلام أي لا شفاعة تنفع لهذا الكافر ولا استغفار يا محمد منك ، ولا من غيرك وقوله { وَبَنِينَ شُهُوداً } أي مقيمين معه غير محتاجين إلى الأسفار والغيبة عنه لأن ماله ممدود والمال الممدود عندهم اثنا عشر ألف دينار ، فصاعدا { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي هيأت له وقدمت له مقدمات استدراجا له وقوله تعالى : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } هي عقبة في جهنم يقال لها : الصعود مسيرها سبعون سنة يكلف الكافر أن يصعدها ، فإذا صعدها بعد عذاب طويل صب من أعلاها ، ولا يتنفس ثم لا يزال كذلك أبدا ، كذلك جاء في التفسير . وقوله سبحانه { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } أي لعن كيفما كان تقديره فكيف هاهنا من حروف الشرط وقيل معنى قتل أي هو أهل أن يدعى عليه بالقتل وقد فسر ابن هشام : بسر والبسر أيضا : القهر والبسر حمل الفحل على الناقة قبل وقت الضراب . وفسر عضين وجعله من عضيت أي فرقت ، وفي الحديث " لا تعضية في ميراث إلا ما احتمله القسم " ومعنى هذا الحديث موافق لمذهب ابن القاسم ورأيه في كل ما لا ينتفع به إذا قسم أو كان فيه ضرر على الشريكين ألا يقسم وهو خلاف رأي مالك ، وحجة مالك قول الله تعالى : { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [ النساء 7 ] . وقد قيل في عضين إنه جمع عضة وهي السحر وأنشدوا : أعوذ بربي من النافثيا ت في العقد العاضه المعضه ومنه قولهم يا للعضيهة ويا للأفيكة [ ويا للبهيتة ]

أبو طالب يفخر بنسبه وابن أخيه فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه فقال ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا بالعداوة والأذى وقد طاعوا أمر العدو المزايل وقد حالفوا قوما علينا أظنة يعضون غيظا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة وأبيض عضب من تراث المقاول وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي وأمسكت من أثوابه بالوصائل قياما معا مستقبلين رتاجه لدي حيث يقضى حلفه كل نافل وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل موسمة الأعضاد أو قصراتها مخيسة بين السديس وبازل ترى الودع فيها ، والرخام وزبنة بأعناقها معقودة كالعثاكل ________________________________________ شرح لامية أبي طالب فصل وذكر قصيدة أبي طالب إلى آخرها ، وفيها : وأبيض عضب من تراث المقاول . قد شرحنا الأقيال والمقاول فيما تقدم وتراث أصله وراث من ورثت ، ولكن لا تبدل هذه الواو تاء إلا في مواضع محفوظة وعلتها كثرة وجود التاء في تصاريف الكلمة فالتراث مال قد توورث وتوارثه قوم عن قوم فالتاء مستعملة في التوريث والتوارث وكذلك تجاه البيت التاء مستعملة في التوجه والتوجيه ونحوه فلما ألفوها في تصاريف الكلمة لم ينكروا قلب الواو إليها ، كما فعلوا في ريحان وهو من الروح لكثرة الياء في تصاريف الكلمة كما قدمنا قبل وهي في تراث وبابه أبعد لأن الياء المألوفة في مادة الكلمة زائدة وياء ريحان ليست كذلك وكذلك التكأة من توكأت وتترى من التواتر والتولج من التولج والمتلج لأنهم يقولون اتلج بالتشديد فتصير الواو تاء للإدغام حتى يقولوا : متلج فيجعلونها تاء دون الإدغام . هذا أشبه بقياس ريحان وبابه فإن التاء الأولى من متلج أصلية وهي في متلج إذا ضعفت أصلية أيضا ، فهي هي فقف على هذا الأصل فإنه سر الباب . وأراد بالمقاول آباءه شبههم بالملوك ولما يكونوا ملوكا ، ولا كان فيهم من ملك بدليل حديث أبي سفيان حين قال له هرقل : هل كان في آبائه من ملك ؟ فقال لا . ويحتمل أن يكون هذا السيف الذي ذكر أبو طالب من هبات الملوك لأبيه فقد وهب ابن ذي يزن لعبد المطلب هبات جزلة حين وفد عليه مع قريش ، يهنئونه بظفره بالحبشة وذلك بعد مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعامين . وقوله موسمة الأعضاد أو قصراتها يعني [ معلمة ] بسمة في أعضادها ، ويقال لذلك الوسم السطاع والخباط في الفخذ والرقمة أيضا في العضد ويقال للوسم في الكشح الكشاح ولما في قصرة العنق العلاط والعلطتان والشعب أيضا في العنق وهو كالمحجن وفي العنق وسم آخر أيضا يقال له قيد الفرس . قال الراجز كوم على أعناقها قيد الفرس تنجو إذا الليل تدانى، و التبس ولوسوم الإبل أسماء كثيرة وباب طويل ذكر أبو عبيد أكثره في كتاب الإبل فمنها المشيطنة والمفعاة والقرمة وهي في الأنف وكذلك الجرف والخطاف وهي في العنق والدلو والمشط والفرتاج والثؤثور والدماع في موضع الدمع والصداغ في موضع الصدغ واللجام من الخد إلى العين يقال منه بعير ملجوم والهلال والخراش وهو من الصدغ إلى الذقن . وقوله أو قصراتها جمع قصرة وهي أصل العنق وخفضها بالعطف على الأعضاد ولا يجوز أن تكون في موضع نصب كما تقول هو ضارب الرجل وزيدا في باب اسم الفاعل لأن قوله موسمة الأعضاد من باب الصفة المشبهة وهي لا تعمل إلا مضمرة واسم الفاعل يضمر إذا عطف على المخفوض وذلك أن الصفة لا تعمل بالمعنى ، وإنما تعمل بشبه لفظي بينها ، وبين اسم الفاعل فإذا زال اللفظ ورجع إلى الإضمار لم تعمل وتخالف اسم الفاعل أيضا ; لأن معمولها لا يتقدم عليها ، كما يتقدم المفعول على اسم الفاعل وذلك أن منصوبها فاعل في المعنى ، والفاعل لا يتقدم والصفة لا يفصل بينها وبين منصوبها بالظرف ويجوز ذلك في اسم الفاعل والصفة لا تعمل إلا بمعنى الحال واسم الفاعل يعمل بمعنى الحال والاستقبال نعم ويعمل بمعنى الماضي إذا دخلت عليه الألف واللام ولو روي موسمة الأعضاد بنصب الدال على معنى : موسمة الأعضاد بالتنوين وحذفه لالتقاء الساكنين لجاز كما روي في شعر حندج كبكر مقاناة البياض بالنصب وبالرفع أيضا ، أي البياض منهم على نية التنوين في مقاناة وحذفه لالتقاء الساكنين وأما الخفض فلا خفاء به . وإذا كانت القصرات مخفوضة بالعطف على الأعضاد ففيه شاهد لمن قال هو حسن وجهه كما روى سيبويه حين أنشد كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما وفي حديث أم زرع صفر ردائها ، وملء كسائها مثل حسنة وجهها ، وفي الأمالي من صفة النبي صلى الله عليه وسلم شثن الكفين طويل أصابعه أعني : مثل صفر ردائها . وقوله ترى الودع فيه . الودع والودع بالسكون والفتح خرزات تنظم ويتحلى بها النساء والصبيان كما قال [ السن من جلنزيز عوزم خلق ] والحلم حلم صبي يمرس الودعه وقال الشاعر مثل الجمال عليها يحمل الودع إن الرواة بلا فهم لما حفظوا ولا الجمال بحمل الودع تنتفع لا الودع ينفعه حمل الجمال له ويقال إن هذه الخرزات يقذفها البحر وأنها حيوان في جوف البحر فإذا قذفها ماتت ولها بريق ولون حسن وتصلب صلابة الحجر ، فتثقب ويتخذ منها القلائد واسمها مشتق من ودعته أي تركته ، لأن البحر ينضب عنها ويدعها ، فهي ودع مثل قبض ونفض وإذا قلت الودع بالسكون فهي من باب ما سمي بالمصدر . وقوله والرخام أي ما قطع من الرخام فنظم وهو حجر أبيض ناصع والعثاكل أراد العثاكيل فحذف الياء ضرورة كما قال ابن مضاض وفيها العصافر أراد العصافير وفي أول القصيدة وقد حالفوا قوما علينا أظنة [ جمع ظنين ] أي متهم ولو كان بالضاد مع قوله علينا ، لعاد معناه مدحا لهم كأنه قال أشحة علينا ، كما أنشد عمرو بن بحر [ الجاحظ ] : عليك ألا إن من طاح طائح لو كنت في قوم عليك أشحة وهل يدفع الموت النفوس الشحائح يودون لو خاطوا عليك جلودهم

علينا بسوء أو ملح بباطل أعوذ برب الناس من كل طاعن ومن ملحق في الدين ما لم نحاول ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة وراق ليرقى في حراء ونازل وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وبالله إن الله ليس بغافل وبالبيت حق البيت من بطن مكة إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل وبالحجر المسود إذ يمسحونه على قدميه حافيا غير ناعل وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة وما فيهما من صورة وتماثل وأشواط بين المروتين إلى الصفا ومن كل ذي نذر ومن كل راجل ومن حج بيت الله من كل راكب إلآل إلى مفضى الشراج القوابل وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له يقيمون بالأيدي صدور الرواحل وتوقافهم فوق الجبال عشية وهل فوقها من حرمة ومنازل وليلة جمع والمنازل من منى سراعا كما يخرجن من وقع وابل وجمع إذا ما المقربات أجزفه يؤمون قذفا رأسها بالجنادل وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها تجيز بهم حجاج بكر بن وائل وكندة إذ هم بالحصاب عشية وردا عليه عاطفات الوسائل حليفان شدا عقد ما اختلفا له وشبرقه وخد النعام الحوامل وحطمهم سمر الرماح وشرحه وهل من معيذ يتقي الله عاذل فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ________________________________________ وفيها : وراق ليرقى في حراء ونازل وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ثور جبل بمكة وثبير: جبل من جبالها ذكروا أن ثبيرا كان رجلا من هذيل مات في ذلك الجبل فعرف الجبل به كما عرف أبو قبيس بقبيس بن شالح رجل من جرهم ، كان قد وشى بين عمرو بن مضاض وبين ابنة عمه مية فنذرت ألا تكلمه وكان شديد الكلف بها ، فحلف ليقتلن قبيسا ، فهرب منه في الجبل المعروف به وانقطع خبره فإما مات وإما تردى منه فسمي الجبل أبا قبيس وهو خبر طويل ذكره ابن هشام في غير هذا الكتاب . وقوله وراق ليرقى قد تقدم القول فيه وأصح الروايتين فيه وراق لبرقي حراء ونازل . قال البرقي : هكذا رواه ابن إسحاق وغيره وهو الصواب . قال المؤلف فالوهم فيه إذا من ابن هشام ، أو من البكائي والله أعلم . وقوله وبالحجر الأسود فيه زحاف يسمى : الكف ، وهو حذف النون من مفاعيلن وهو بعد الواو من الأسود ونحوه قول حندج ألا رب يوم لك منهن صالح وموضع الزحاف بعد اللام من ذلك . وقوله إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل الأصائل جمع أصيلة والأصل جمع أصيل وذلك أن فعائل جمع فعيلة والأصيلة لغة معروفة في الأصيل وظن بعضهم أن أصائل جمع آصال على وزن أفعال وآصال جمع أصل نحو أطناب وطنب وأصل جمع أصيل مثل رغف جمع رغيف فأصائل على قولهم جمع جمع الجمع وهذا خطأ بين من وجوه منها : أن جمع جمع الجمع لم يوجد قط في الكلام فيكون هذا نظيره وعن جهة القياس إذ كانوا لا يجمعون الجمع الذي ليس لأدنى العدد فأحرى ألا يجمعوا جمع الجمع وأبين خطأ في هذا القول غفلتهم عن الهمزة التي هي فاء الفعل التي في أصيل وأصل وكذلك هي فاء الفعل في أصائل لأنها فعائل وتوهموها زائدة كالتي في أقاويل ولو كانت كذلك كانت الصاد فاء الفعل وإنما هي عينه كما هي في أصيل وأصل فلو كانت أصائل جمع آصال مثل أقوال وأقاويل لاجتمعت همزة الجمع مع همزة الأصل ولقالوا فيه أواصيل بتسهيل الهمزة الثانية ووجه آخر من الخطأ بين أيضا ، وهو أن أفاعيل جمع أفعال لا بد من ياء قبل آخره كما قالوا في أقاويل فكان يكون أواصيل وليس في أصائل حرف مد ولين قبل آخره إنما هي همزة فعائل ومن الخطأ في قولهم أيضا : أن جعلوا أصلا جمعا كثيرا مثل رغف ثم زعموا أن آصالا جمع له فهم بمنزلة من قال في رغف جمع أرغاف فإن قيل فجمع أي شيء هي آصال ؟ قلنا : جمع أصل الذي هو اسم مفرد في معنى الأصائل لا جمع أصل الذي هو جمع ، فإن قيل فهل يقال أصل واحد كما يقال أصيل واحد ؟ قلنا : قد قال بعض أرباب اللغة ذلك واستشهدوا بقول الأعشى : ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل يوما بأطيب منها نشر رائحة أي دنا الأصيل فإن صح أن الأصل بمعنى الأصيل وإلا فآصال جمع أصيل على حذف الياء الزائدة مثل طوي وأطواء ولا أعرف أحدا قال هذا القول أعني : جمع جمع الجمع غير الزجاجي وابن عزيز . وقوله وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة يعني موضع قدميه حين غسلت كنته رأسه وهو راكب فاعتمد بقدمه على الصخرة حين أمال رأسه ليغسل وكانت سارة قد أخذت عليه عهدا حين استأذنها في أن يطالع تركته بمكة فحلف لها أنه لا ينزل عن دابته ولا يزيد على السلام واستطلاع الحال غيرة من سارة عليه من هاجر ، فحين اعتمد على الصخرة أبقى الله فيها أثر قدمه آية . قال الله سبحانه { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ } [ آل عمران : 97 ] أي منها مقام إبراهيم ، ومن جعل مقاما بدلا من آيات قال المقام جمع مقامة وقيل بل هو أثر قدمه حين رفع القواعد من البيت وهو قائم عليه . وقوله بين المروتين هو كنحو ما تقدم في بطن المكتين والحمتين وعنيزتين مما ورد مثنى من أسماء المواضع وهو واحد في الحقيقة وذكرنا العلة في مجيئه مثنى ومجموعا في الشعر . وفيها قوله وبالمشعر الأقصى إذا قصدوا له ألالا البيت . فالمشعر الأقصى : عرفة وألالا : جبل عرفة . قال النابغة يزرن ألالا سيرهن التدافع وسمي ألالا لأن الحجيج إذا رأوه ألوا في السير أي اجتهدوا فيه ليدركوا الموقف قال الراجز بارك فيك الله من ذي أل مهر أبي الحبحاب لا تشلي والشراج : جمع شرج ، وهو مسيل الماء والقوابل المتقابلة . وفيها قوله وحطمهم سمر الصفاح جمع صفح وهو سطح الجبل والسمر يجوز أن يكون أراد به السمر يقال فيه سمر وسمر بسكون الميم ويجوز نقل ضمة الميم إلى ما قبلها إلى السين كما قالوا في حسن حسن وكذا وقع في الأصل بضم السين غير أن هذا النقل إنما يقع غالبا فيما يراد به المدح أو الذم نحو حسن وقبح كما قال وحسن ذا أدبا . أي حسن ذا أدبا ، وجائز أن يراد بالسمر ههنا جمع : أسمر وسمراء ويكون وصفا للنبات والشجر كما يوصف بالدهمة إذا كان مخضرا ، وفي التنزيل مدهامتان [ الرحمن 64 ] أي خضراوان إلى السواد . وقوله وشبرقه . وهو نبات يقال ليابسه الحلي ، والرطبة : الشبرق . تسد بنا أبواب ترك وكابل يطاع بنا أمر العدا ود أننا ونظعن إلا أمركم في بلابل كذبتم وبيت الله نترك مكة ولما نطاعن دونه ونناضل كذبتم - وبيت الله - نبزى محمدا ونذهل عن أبنائنا والحلائل ونسلمه حتى نصرع حوله نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل وينهض قوم في الحديد إليكم من الطعن فعل الأنكب المتحامل وحتى ترى ذا الضغن يركب ردعه لتلتبسن أسيافنا بالأماثل وإنا - لعمر الله - إن جد ما أرى أخي ثقة حامي الحقيقة باسل بكفي فتى مثل الشهاب سميدع علينا وتأتي حجة بعد قابل شهورا وأياما وحولا مجرما يحوط الذمار غير ذرب مواكل وما ترك قوم - لا أبا لك - سيدا ثمال اليتامى عصمة للأرامل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه فهم عنده في رحمة وفواضل يلوذ به الهلاك من آل هاشم إلى بغضنا وجزآنا لآكل لعمري لقد أجرى أسيد وبكره ولكن أطاعا أمر تلك القبائل وعثمان لم يربع علينا وقنفذ ولم يرقبا فينا مقالة قائل أطاعا أبيا ، وابن عبد يغثهم وكل تولى معرضا لم يجامل كما قد لقينا من سبيع ونوفل نكل لهما صاعا بصاع المكايل فإن يلفيا ، أو يمكن الله منهما ليظعننا في أهل شاء وجامل وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا فناج أبا عمر بنا ثم خاتل يناجي بنا في كل ممسى ومصبح بلى قد تراه جهرة غير حائل ويؤلي لنا بالله ما إن يغشنا من الأرض بين أخشب فمجادل أضاق عليه بغضنا كل تلعة ________________________________________ وقوله نبدي محمدا أي نسلبه ونغلب عليه . وقوله نهوض الروايا . هي الإبل تحمل الماء واحدتها : راوية والأسقية أيضا يقال لها : روايا ، وأصل هذا الجمع رواوي ثم يصير في القياس روائي مثل حوائل جمع : حول ولكنهم قلبوا الكسرة فتحة بعدما قدموا الياء قبلها ، وصار وزنه فوالع وإنما قلبوه كراهية اجتماع واوين واو فواعل الواو التي هي عين الفعل ووجه آخر وهو أن الواو الثانية قياسها أن تنقلب همزة في الجمع لوقوع الألف بين واوين فلما انقلبت همزة قلبوها ياء كما فعلوا في خطايا وبابه مما الهمزة فيه معترضة في الجمع والصلاصل . المزادات لها صلصلة بالماء . وفيها قوله غير ذرب مواكل . وهو مخفف من ذرب والذرب اللسان الفاحش المنطق والمواكل الذي لا جد عنده فهو يكل أموره إلى غيره . وفيها قوله ثمال اليتامى ، أي يثملهم ويقوم بهم يقال هو ثمال مال أي يقوم به . وفيها قوله ليظعننا في أهل شاء وجامل الشاء والشوي : اسم للجمع مثل الباقر والبقير ولا واحد لشاء والشوي من لفظه وإذا قالوا في الواحد شاة فليس من هذا ; لأن لام الفعل في شاة هاء بدليل قولهم في التصغير شويهة وفي الجمع شياه والجامل اسم جمع بمنزلة الباقر . وقوله وكنتم زمانا حطب قدر حطب اسم للجمع مثل ركب وليس بجمع لأنك تقول في تصغيره حطيب وركيب وقوله حطاب أقدر هو جمع حاطب فلا يصغر إلا أن ترده إلى الواحد فتقول حويطبون ومعنى البيت أي كنتم متفقين لا تحطبون إلا لقدر واحدة فأنتم الآن بخلاف ذلك . وفيها قوله من الأرض بين أخشب فمجادل أراد الأخاشب ، وهي جبال مكة ، وجاء به على أخشب لأنه في معنى أجبل مع أن الاسم قد يجمع على حذف الزوائد كما يصغرونه كذلك والمجادل جمع مجدل وهو القصر كأنه يريد ما بين جبال مكة ، فقصور الشام أو العراق ، والفاء من قوله فمجادل تعطي الاتصال بخلاف الواو كقوله بين الدخول فحومل وتقول مطرنا بين مكة فالمدينة إذا اتصل المطر من هذا إلى هذه ولو كانت الواو لم تعط هذا المعنى . بسعيك فينا معرضا كالمخاتل وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا ورحمته فينا ولست بجاهل وكنت امرئ ممن يعاش برأيه حسود كذوب مبغض ذي دغاول فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح كما مر قيل من عظام المقاول ومر أبو سفيان عني معرضا ويزعم أني لست عنكم بغافل يفر إلى نجد وبرد مياهه شفيق ويخفي عارمات الدواخل ويخبرنا فعل المناصح أنه ولا معظم عند الأمور الجلائل أمطعم لم أخذلك في يوم بحدة أولي جدل من الخصوم المساجل ولا يوم خصم إذ أتوك ألدة وإني متى أوكل فلست بوائل أمطعم إن القوم ساموك خطة ________________________________________ وقوله أولي جدل من الخصوم المساجل يروى بالجيم وبالحاء فمن رواه بالجيم فهو من المساجلة في القول وأصله في استقاء الماء بالسجل وصبه فكأنه جمع مساجل على تقدير حذف الألف الزائدة من مفاعل أو جمع مسجل بكسر الميم وهو من نعت الخصوم ومن رواه المساحل بالحاء فهو جمع مسحل وهو اللسان وليس بصفة للخصوم إنما هو مخفوض بالإضافة أي خصماء الألسنة وقال ابن أحمر من خطيب إذا ما انحل مسحله أي لسانه وهو أيضا من السحل وهو الصب ، ومنه حديث أيوب حين فرج عنه فجاءت سحابة فسحلت في بيدره ذهبا ، وجاءت أخرى فسحلت في البيدر الآخر فضة . عقوبة شر عاجلا غير آجل جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا له شاهد من نفسه غير عائل بميزان قسط لا يخس شعيرة بني خلف قيضا بنا والغياطل لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا وآل قصي في الخطوب الأوائل ونحن الصميم من ذؤابة هاشم علينا العدا من كل طمل وخامل وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا فلا تشركوا في أمركم كل واغل فعبد مناف أنتم خير قومكم وجئتم بأمر مخطئ للمفاصل لعمري لقد وهنتم وعجزتم ألان حطاب أقدر ومراجل وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم وخذلاننا ، وتركنا في المعاقل ليهنئ بني عبد مناف عقوقنا وتحتلبوها لقحة غير باهل فإن نك قوما نتئر ما صنعتم نفاهم إلينا كل صقر حلاحل وسائط كانت في لؤي بن غالب وألام حاف من معد وناعل ورهط نفيل شر من وطئ الحصى وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا إذا ما لجأنا دونهم في المداخل ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة لكنا أسى عند النساء المطافل ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم ________________________________________ فصل وفيها : بني خلف قيضا بنا والغياطل لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا قيضا أي معاوضة ومنه قول النبي عليه السلام لذي الجوشن إن شئت قايضتك به المختار من دروع بدر فقال ما كنت لأقيضه اليوم اليوم بشيء يعني : فرسا له يقال له ابن القرحاء . وقال أبو الشيص ليس المقل عن الزمان براض لا تنكري صدي ولا إعراضي خلقا ، وبئس مثوبة المقتاض بدلت من برد الشباب ملاءة والغياطل : بنو سهم ، لأن أمهم الغيطلة وقد تقدم نسبها ، وقيل إن بني سهم سموا بالغياطل لأن رجلا منهم قتل جانا طاف بالبيت سبعا ، ثم خرج من المسجد فقتله فأظلمت مكة ، حتى فزعوا من شدة الظلمة التي أصابتهم والغيطلة الظلمة الشديدة والغيطلة أيضا : الشجر الملتف ، والغيطلة اختلاط الأصوات والغيطلة البقرة الوحشية والغيطلة غلبة النعاس وقوله يخس شعيرة أي ينقص والخسيس الناقص من كل شيء ويروى في غير السيرة يحص بالصاد والحاء مهملة من حص الشعر إذا أذهبه . وقوله من كل طمل وخامل الطمل اللص ، كذا وجدته في كتاب أبي بحر وفي العين الطمل الرجل الفاحش والطمل والطملال الفقير والطمل الذئب . وقوله لقحة غير باهل الباهل الناقة التي لا صرار على أخلافها ، فهي مباحة الحلب يقال ناقة مصرورة إذا كان على خلفها صرار يمنع الفصيل من أن يرضع وليست المصراة من هذا المعنى ، إنما هي التي جمع لبنها في ضرعها ، فهو من الماء الصرى ، وقد غلط أبو علي في البارع فجعل المصراة بمعنى المصرورة وله وجه بعيد وذلك أن يختبئ له بقلب إحدى الراءين ياء مثل قصيت أظفاري ، غير أنه بعيد في المعنى ، وقالت امرأة المغيرة تعاتب زوجها ، وتذكر أنها جاءته كالناقة الباهلة التي لا صرار على أخلافها : أطعمتك مأدومي وأبثثتك مكتومي ، وجئتك باهلا غير ذات صرار ، وفي الحديث لا تورد الإبل بهلا [ أو بهلا ] ، فإن الشياطين ترضعها ، أي لا أصرة عليها . لعمري - وجدنا غبه غير طائل فكل صديق وابن أخت نعده براء إلينا من معقة خاذل سوى أن رهطا من كلاب بن مرة ويحسر عنا كل باغ وجاهل وهنا لهم حتى تبدد جمعهم ونحن الكدى من غالب والكواهل وكان لنا حوض السقاية فيهم كبيض السيوف بين أيدي الصياقل شباب من المطيبين وهاشم ولا حالفوا إلا شر القبائل فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دما كأنهم ضواري أسود فوق لحم خرادل بضرب ترى الفتيان فيه بني جمح عبيد قيس بن عاقل بني أمة محبوبة هندكية بهم نعي الأقوام عند البواطل ولكننا نسل كرام لسادة زهير حساما مفردا من حمائل ونعم ابن أخت القوم غير مكذب إلى حسب في حومة المجد فاضل أشم من الشم البهاليل ينتمي وإخوته دأب المحب المواصل لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد وزينا لمن والاه رب المشاكل فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها إذا قاسه الحكام عند التفاضل فمن مثله في الناس أي مؤمل يوالي إلها ليس عنه بغافل حليم رشيد عادل غير طائش تجر على أشياخنا في المحافل فوالله لولا أن أجيء بسبة من الدهر جدا غير قول التهازل لكنا اتبعناه على كل حالة لدينا ، ولا يعنى بقول الأباطل لقد علموا أن ابننا لا مكذب تقصر عنه سورة المتطاول فأصبح فينا أحمد في أرومة ودافعت عنه بالذرا والكلاكل حدبت بنفسي دونه وحميته وأظهر دينا حقه غير باطل فأيده رب العباد بنصره إلى الخير آباء كرام المحاصل رجال كرام غير ميل نماهم فلا بد يوما مرة من تزايل فإن تك كعب من لؤي صقيبة قال ابن هشام : هذا ما صح لي من هذه القصيدة وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها . ________________________________________ وفيها قوله براء إلينا من معقة خاذل يقال قوم براء [ بالضم ] وبراء بالفتح وبراء بالكسر فأما براء بالكسر فجمع بريء مثل كريم وكرام وأما براء فمصدر مثل سلام والهمزة فيه وفي الذي قبله لام الفعل ويقال رجل براء ورجلان براء وإذا كسرتها أو ضممتها لم يجز إلا في الجمع وأما براء بضم الباء فالأصل فيه برآء مثل كرماء فاستثقلوا اجتماع الهمزتين فحذفوا الأولى ، وكان وزنه فعلاء فلما حذفوا التي هي لام الفعل صار وزنه فعاء وانصرف لأنه أشبه فعالا ، والنسب إليه إذا سميت به براوي ، والنسب إلى الآخرين برائي وبرائي ، وزعم بعضهم إلى أن براء بضم أوله من الجمع الذي جاء على فعال وهي ثمانية ألفاظ فرير وفرار وعرن وعران ولم يصنع شيئا ، وقال النحاس براء بضم الباء . قال ابن هشام : وحدثني من أثق به قال أقحط أهل المدينة ، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكوا ذلك إليه فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى ، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدينة ، فصار حواليها كالإكليل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله ثمال اليتامى عصمة للأرامل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه قال أجل قال ابن هشام : وقوله " وشبرقه " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : والغياطل : من بني سهم بن عمرو بن هصيص ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية . ومطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف . وزهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب . قال ابن إسحاق : وأسيد وبكره عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي . وعثمان بن عبيد الله : أخو طلحة بن عبيد الله التيمي . وقنفذ بن عمير بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . وأبو الوليد عتبة بن ربيعة . وأبي : الأخنس بن شريق الثقفي ، حليف بني زهرة بن كلاب . قال ابن هشام : وإنما سمي الأخنس لأنه خنس بالقوم يوم بدر وإنما اسمه أبي ، وهو من بني علاج وهو علاج بن أبي سلمة بن عوف بن عقبة . والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب . وسبيع بن خالد ، أبو بلحارث بن فهر . ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن العدوية . وكان من شياطين قريش ، وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما في حبل حين أسلما ، فبذلك كانا يسميان القرينين فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم بدر . وأبو عمرو : قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف " وقوم علينا أظنة " : بنو بكر بن عبد مناة بنت كنانة فهؤلاء الذين عدد أبو طالب في شعره من العرب .

ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ينتشر فلما انتشر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العرب ، وبلغ البلدان ذكر بالمدينة ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر وقبل أن يذكر من هذا الحي من الأوس والخزرج ، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود ، وكانوا لهم حلفاء ومعهم في بلادهم . فلما وقع ذكره بالمدينة وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف . قال أبو قيس بن الأسلت أخو بني واقف . ________________________________________

الاستسقاء فصل وذكر حديث استسقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، وهو حديث مروي من طرق كثيرة وبألفاظ مختلفة . وقوله حتى أتاه أهل الضواحي يشكون الغرق . الضواحي : جمع ضاحية وهي الأرض البراز التي ليس فيها ما يكن من المطر ولا منجاة من السيول وقيل ضاحية كل بلد خارجه . وقوله عليه السلام اللهم حوالينا ، ولا علينا كقوله في حديث آخر اللهم منابت الشجر وبطون الأودية وظهور الآكام فلم يقل اللهم ارفعه عنا - هو من حسن الأدب في الدعاء لأنها رحمة الله ونعمته المطلوبة منه فكيف يطلب منه رفع نعمته وكشف رحمته وإنما يسأل سبحانه كشف البلاء والمزيد من النعماء ففيه تعليم كيفية الاستسقاء . وقال اللهم منابت الشجر ولم يقل اصرفها إلى منابت الشجر لأن الرب تعالى أعلم بوجه اللطف وطريق المصلحة كان ذلك بمطر أو بندى أو طل أو كيف شاء وكذلك بطون الأودية والقدر الذي يحتاج إليه من مائها . فصل فإن قيل كيف قال أبو طالب وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ولم يره قط استسقى ، وإنما كانت استسقاءاته عليه السلام بالمدينة في سفر وحضر وفيها شوهد ما كان من سرعة إجابة الله له . فالجواب أن أبا طالب قد شاهد من ذلك أيضا في حياة عبد المطلب ما دله على ما قال روى أبو سلمان حمد بن محمد بن إبراهيم [ بن الخطاب الخطابي ] البستي النيسابوري ، أن رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم قالت تتابعت على قريش سنو جدب قد أقحلت الظلف وأرقت العظم فبينا أنا راقدة اللهم أو مهدمة ومعي صنوى إذ أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يقول يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث معكم هذا إبان نجومه فحي هلا بالحيا والخصب ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما أبيض فظا ، أشم العرنين له فخر يكظم عليه . ألا فليخلص هو وولده وليدلف إليه من كل بطن رجل ألا فليشنوا من الماء وليمسوا من الطيب وليطوفوا بالبيت سبعا ، ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاته ألا فليدع الرجل وليؤمن القوم ألا فغثتم أبدا ما عشتم . قالت فأصبحت مذعورة قد قف جلدي ، ووله عقلي ، فاقتصصت رؤياي فوالحرمة والحرم إن بقي أبطحي إلا قال هذا شيبة الحمد وتتامت عنده قريش ، وانفض إليه الناس من كل بطن رجل فشنوا ومسوا واستلموا واطوفوا ، ثم ارتقوا أبا قبيس وطفق القوم يدفون حوله ما إن يدرك سعيهم مهلة حتى قروا بذروة الجبل واستكفوا جنابيه فقام عبد المطلب ، فاعتضد ابن ابنه محمدا - صلى الله عليه وسلم - فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلام قد أيفع أو قد كرب ثم قال اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم ومسئول غير مبخل وهذه عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك يشكون إليك سنتهم فاسمعن اللهم وأمطرن علينا غيثا مريعا مغدقا ، فما راموا والبيت حتى انفجرت السماء بمائها ، وكظ الوادي بثجيجه . رواه أبو سليمان عن ابن الأعرابي . قال حدثنا محمد بن علي بن البختري ، نا يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، نا عبد العزيز بن عمران عن ابن حويصة قال يحدث مخرمة بن نفيل عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي . وذكر الحديث ورواه بإسناد آخر إلى رقيقة وفيه ألا فانظروا منكم رجلا وسيطا عظاما جساما أوطف الأهداب وأن عبد المطلب قام ومعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أيفع أو كرب وذكر القصة . أبو قيس بن الأسلت ونسبه وشعره في الرسول " صلى الله عليه وسلم " قال ابن هشام : نسب ابن إسحاق أبا قيس هذا ههنا إلى بني واقف ونسبه في حديث الفيل إلى خطمة لأن العرب قد تنسب الرجل إلى أخي جده الذي هو أشهر معه . قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن الحكم بن عمرو الغفاري من ولد نعيلة أخي غفار ، وهو غفار بن مليل ونعيلة بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة وقد قالوا : عتبة بن غزوان السلمي وهو من ولد مازن بن منصور وسليم بن منصور . قال ابن هشام : فأبو قيس بن الأسلت من بني وائل ووائل وواقف وخطمة إخوة من الأوس . قال ابن إسحاق : فقال أبو قيس بن الأسلت - وكان يحب قريشا ، وكان لهم صهرا ، كانت عنده أرنب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي ، وكان يقيم عندهم السنين بامرأته - قصيدة يعظم فيها الحرمة وينهى قريشا فيها عن الحرب ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض ويذكر فضلهم وأحلامهم ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه عنهم الفيل وكيده عنهم فقال مغلغلة عني لؤي بن غالب يا راكبا إما عرضت فبلغن على النأي محزون بذلك ناصب رسول امرئ قد راعه ذات بينكم فلم أقض منها حاجتي ومآربي وقد كان عندي للهموم معرس لها أزمل من بين مذك وحاطب نبيتكم شرجين كل قبيلة وشر تباغيكم ودس العقارب أعيذكم بالله من شر صنعكم كوخز الأشافي وقعها حق صائب وإظهار أخلاق ونجوى سقيمة وإحلال أحرام الظباء الشوازب فذكرهم بالله أول وهلة ذروا الحرب تذهب عنكم في المراحب وقل لهم والله يحكم حكمه هي الغول للأقصين أو للأقارب متى تبعثوها ، تبعثوها ذميمة وتبري السديف من سنام وغارب تقطع أرحاما ، وتهلك أمة شليلا وأصداء ثياب المحارب وتستبدلوا بالأتحمية بعدها كأن قتيريها عيون الجنادب وبالمسك والكافور غبرا سوابغا وحوضا وخيم الماء مر المشارب فإياكم والحرب لا تعلقنكم بعاقبة إذ بينت أم صاحب تزين للأقوام ثم يرونها ذوي العز منكم بالحتوف الصوائب تحرق لا تشوي ضعيفا ، وتنتحي فتعتبروا أو كان في حرب حاطب ألم تعلموا ما كان في حرب داحس طويل العماد ضيفه غير خائب وكم قد أصابت من شريف مسود وذي شيمة محض كريم المضارب عظيم رماد النار يحمد أمره أذاعت به ريح الصبا والجنائب وماء هريق في الضلال كأنما بأيامها والعلم علم التجارب يخبركم عنها امرؤ حق عالم حسابكم والله خير محاسب فبيعوا الحراب ملمحارب واذكروا عليكم رقيبا غير رب الثواقب ولي امرئ فاختار دينا ، فلا يكن لنا غاية قد يهتدى بالذوائب أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم تؤمون والأحلام غير عوازب وأنتم لهذا الناس نور وعصمة لكم سرة البطحاء شم الأرانب وأنتم - إذا ما حصل الناس - جوهر مهذبة الأنساب غير أشائب تصونون أجسادا كراما عتيقة عصائب هلكى تهتدي بعصائب يرى طالب الحاجات نحو بيوتكم على كل حال خير أهل الجباجب لقد علم الأقوام أن سراتكم وأقوله للحق وسط المواكب وأفضله رأيا ، وأعلاه سنة بأركان هذا البيت بين الأخاشب فقوموا ، فصلوا ربكم وتمسحوا غداة أبى يكسوم هادي الكتائب فعندكم منه بلاء ومصدق على القاذفات في رءوس المناقب كتيبته بالسهل تمسي ، ورجله جنود المليك بين ساف وحاصب فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم إلى أهله م الحبش غير عصائب فولوا سراعا هاربين ولم يؤب يعاش بها ، قول امرئ غير كاذب فإن تهلكوا ، نهلك وتهلك مواسم قال ابن هشام : أنشدني بيته " وماء هريق " ، وبيته " فبيعوا الحراب " ، وقوله " ولي امرئ فاختار " ، وقوله على القاذفات في رءوس المناقب أبو زيد الأنصاري وغيره . ________________________________________ ابن الأسلت وقصيدته فصل وذكر ابن هشام كل من سماه أبو طالب في قصيدته أو أشار إليه وعرف بهم تعريفا مستغنيا عن الزيد . وذكر قصيدة أبي قيس صيفي بن الأسلت واسم الأسلت عامر والأسلت هو الشديد الفطس يقال سلت الله أنفه ومن السلت حديث بشر بن عاصم حين أراد عمر أن يستعمله فلما كتب له عهده أبى أن يقبله وقال لا حاجة لي به . إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الولاة يجاء بهم يوم القيامة فيقفون على جسر جهنم فمن كان مطاوعا لله تناوله بيمينه حتى ينجيه ومن كان عاصيا لله انخرق به الجسر إلى واد من نار تلتهب التهابا ، قال فأرسل عمر إلى أبي ذر وإلى سلمان فقال لأبي ذر أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال نعم والله وبعد الوادي واد آخر من نار . قال وسأل سلمان فكره أن يخبره بشيء فقال عمر من يأخذها بما فيها ؟ فقال أبو ذر من سلت الله أنفه وعينيه وأضرع خده إلى الأرض ذكره ابن أبي شيبة . وأول القصيدة يا راكبا إما عرضت فبلغن البيت . المغلغلة الداخلة إلى أقصى ما يراد بلوغه منها ، ومنه تغلغل في البلاد إذا بالغ في الدخول فيها ، وأصله تغلل ومغللة ولكن قلبوا إحدى اللامين غينا ، كما فعلوا في كثير من المضاعف وأصله من الغلل والغلالة فأما الغلل فماء يستره النبات والشجر وأما الغلالة فساترة لما تحتها . وفيها . نبيتكم شرجين . أي فريقين مختلفين ونبئتكم لفظ مشكل وفي حاشية الشيخ نبيتكم شرجين وهو بين في المعنى ، وفيه زحاف خرم ولكن لا يعاب المعنى بذلك وأما لفظ التبيت في هذا البيت فبعيد من معناه والأزمل الصوت والمذكي : الذي يوقد النار والحاطب الذي يحطب لها ، ضرب هذا مثلا لنار الحرب كما قال الآخر ويوشك أن يكون لها ضرام أرى خلل الرماد وميض جمر وإن الحرب أولها الكلام فإن النار بالعودين تذكى وقوله وهي الغول للأدنى ، أي هي الهلاك يقال الغضب غول الحلم أي يهلكه والغول بفتح الغين وجع البطن قاله البخاري في تفسير قوله { لَا فِيهَا غَوْلٌ } وقوله وإحلال أحرام الظباء الشوازب . أي إن بلدكم بلد حرام تأمن فيه الظباء الشوازب التي تأتيه من بعد لتأمن فيه فهي شاربة أي ضامرة من بعد المسافة وإذا لم تحلوا بالظباء فيه فأحرى ألا تحلوا بدمائكم وإحرام الظباء كونها في الحرم ، يقال لمن دخل في الشهر الحرام أو في البلد الحرام : محرم . والأتحمية ثياب رقاق تصنع باليمن والشليل درع قصيرة والأصداء جمع صدأ الحديد والقتير حلق الدرع شبهها بعيون الجراد وأخذ هذا المعنى التنوخي فقال فخاطتها بأعينها الجراد كأثواب الأراقم مزقتها وقوله في وصف الحرب بعاقبة إذ بيتت أم صاحب تزين للأقوام ثم يرونها هو كقول عمرو بن معدي كرب : تسعى ببزتها لكل جهول الحرب أول ما تكون فتية ولت عجوزا غير ذات خليل حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها مكروهة للشم والتقبيل شمطاء جزت رأسها ، فتنكرت فقوله أم صاحب أي عجوزا كأم صاحب لك ، إذ لا يصحب الرجل إلا رجل في سنه وفي جامع البخاري : كانوا إذا وقعت الحرب يأمرون بحفظ هذه الأبيات يعني : أبيات عمرو المتقدمة . وقوله ألم تعلموا ما كان في حرب داحس يذكر معنى داحس إذا ذكره ابن إسحاق بعد هذه القصيدة إن شاء الله تعالى . وقوله فيها : ولي امرئ فاختار دينا فإنما . أي هو ولي امرئ اختار دينا ، والفاء زائدة على أصل أبي الحسن قال في قولهم زيدا فاضرب الفاء معلقة أي زائدة ومن لا يقول بهذا القول يجعل الفاء عاطفة على فعل مضمر كأنه قال ولي امرئ تدين فاختار دينا ، أو نحو هذا ، وقد تقدم شرح باقي القصيدة في آخر قصة الحبشة . وقال فيها : كريم المضارب وفي حاشية كتاب الشيخ لعله الضرائب يريد جمع ضريبة ولا يبعد أيضا أن يكون قال المضارب . يريد أن مضارب سيوفه غير مذمومة ولا راجعة عليه إلا بالثناء والحمد والوصف بالمكارم . وفيها قوله وماء هريق في الضلال . ويروى : في الصلال جمع صلة وهي الأرض التي لا تمسك الماء أي رب ماء هريق في الضلال من أجل السراب لأنه لا يهريق ماء من أجل السراب إلا ضال غير مميز بمواضع الماء وأذاعت به أي بددته فلم ينتفع به وهذا مثل ضربه للنظر في عواقب الأمور ويروى : وما أهريق في أمر ومعناه والذي أهريق في أمر الضلال فوصل ألف القطع ضرورة ويقال أريق الماء وأهريق بالجمع بين الهمزة والهاء وهي أقلها ، ولتعليلها موضع غير هذا . وقوله فيها : بين ساف وحاصب السافي : الذي يرمي بالتراب والحاصب الذي يقذف بالحصباء . وفيها ذكر الجباجب ، وهي منازل منى . كذا قال ابن إسحاق ، وقال البرقي : هي حفر بمنى ، يجمع فيها دم البدن والهدايا ، والعرب تعظمها وتفخر بها ، وقيل الجباجب : الكروش . يقال للكرش جبجبة بفتح الجيم والذي تقدم واحده جبجبة بالضم . حرب داحس قال ابن هشام : وأما قوله ألم تعلموا ما كان في حرب داحس فحدثني أبو عبيدة النحوي : أن داحسا فرس كان لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ، أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عمرو بن زيد بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ، يقال لها : الغبراء . فدس حذيفة قوما وأمرهم أن يضربوا وجه داحس إن رأوه قد جاء سابقا ، فجاء داحس سابقا ، فضربوا وجهه وجاءت الغبراء . فلما جاء فارس داحس أخبر قيسا الخبر ، فوثب أخوه مالك بن زهير فلطم وجه الغبراء فقام حمل بن بدر ، فلطم مالكا . ثم إن أبا الجنيدب العبسي لقي عوف بن حذيفة فقتله ثم لقي رجل من بني فزارة مالكا فقتله فقال حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر فإن تطلبوا منا سوى الحق تندموا قتلنا بعوف مالكا وهو ثأرنا وهذا البيت في أبيات له . وقال الربيع بن زياد العبسي : ترجو النساء عواقب الأطهار أفبعد مقتل مالك بن زهير وهذا البيت في قصيدة له . فوقعت الحرب بين عبس وفزارة فقتل حذيفة بن بدر وأخوه حمل بن بدر ، فقال قيس بن زهير بن جذيمة يرثي حذيفة وجزع عليه

       كم فارس يدعى و ليس بفارس       و على الهباءة فارس ذو مصدق
                      فابكوا حذيفة لن ترثوا مثــله       حـــتى تبيد قبائل لم تخـلق

وهذان البيتان في أبيات له . وقال قيس بن زهير : على أن الفتى حمل بن بدر بغى ، و الظلم مرتعه وخيم وهذا البيت في أبيات له وقال الحارث بن زهير أخو قيس بن زهير : تركت على الهباءة غير فخر حذيفة عنده قصد العوالي وهذا البيت في أبيات له قال ابن هشام : ويقال أرسل قيس داحسا والغبراء وأرسل حذيفة الخطار والحنفاء والأول أصح الحديثين . وهو حديث طويل منعني من استقصائه قطعه حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . حرب داحس فصل وذكر حديث حرب داحس مختصرا ، وداحس اسم فرس كان لقيس بن أبي زهير ومعنى داحس مدحوس كما قيل ماء دافق أي مدفوق والدحس إدخال اليد بقوة في ضيق كما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بغلام يسلخ شاة فأمره أن ينتحي ليريه ثم دحس عليه السلام بيده بين الجلد واللحم حتى بلغ الإبط ثم صلى ، ولم يتوضأ . فداحس سمي بهذا الاسم لأن أمه كانت لرجل من بني تميم ثم من بني يربوع اسمه قرواش بن عوف وكان اسم الفرس : جلوى ، وكان ذو العقال فرسا عتيقا لحوط بن جابر فخرجت به فتاتان له لتسقياه فبصر بجلوى ، فأدلى حين رآها ، فضحك غلمة كانوا هنالك فاستحيت الفتاتان ونكستا رأسيهما ، فأفلت ذو العقال حتى نزا على جلوى ، وقيل ذلك لحوط فأقبل مغضبا ، وهو يسعى حتى ضرب بيده في التراب ثم دحسها في رحم الفرس ، فسطا عليها ، فأخرج ماء الفحل معها ، واشتملت الرحم على بقية الماء وحملت بمهر فسموه داحسا ، وأظهر ما فيه أن يكون مثل لابن وتامر وأن لا يكون فاعلا بمعنى مفعول فهو داحس بن ذي العقال بن أعوج الذي تنسب إليه الخيل الأعوجية في قول بعضهم وقد تقدم غير هذا القول - ابن سبل وكان لغني بن يعصر وفيه يقال إن الجواد بن الجواد بن سبل إن دايموا جاد و إن جاد وبل وفي ذي العقال يقول جرير تمسي جياد الخيل حول بيوتنا من آل أعوج أو لذي العقال وأنشد أفبعد مقتل مالك بن زهير ترجو النساء عواقب الأطهار وفيه إقواء وهو حذف نصف سبب من القسم الأول وقد تكلمنا على معنى الإقواء قبل وأما اختلاف القوافي فيسمى : اكتفاء وإقواء أيضا لأنه من الكفء فكأنه جعل الرفع كفئا للخفض فسوى بينهما ، وفيها قوله ترجو النساء عواقب الأطهار . كقول الأخطل قوم إذا حاربوا شدوا مأزرهم دون النساء و لو باتت بأطهار فيقال إن حرب داحس دامت أربعين سنة لم تحمل فيها أنثى ، لأنهم كانوا لا يقربون النساء ما داموا محاربين وذكر الأصبهاني أن حرب داحس كانت بعد يوم جبلة بأربعين سنة وقد تقدم يوم جبلة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في تلك الأيام وقال لبيد و غنيت حرساً من قبل مجرى داحس لو كان للنفس اللجوج خلود وكان لبيد في حرب جبلة ابن عشر سنين وقوله حرسا أي وقتا من الدهر ويروى سبتا والمعنى واحد وكان إجراء داحس والغبراء على ذات الإصاد موضع في بلاد فزارة وكان آخر أيام حرب داحس بقلهى من أرض قيس ، وهناك اصطلحت عبس ومنولة وهي أم بني فزارة شمخ وعدي ومازن فيقال لهذا الموضع قلهى ، وأما قلهي فموضع بالحجاز وفيه اعتزل سعد بن أبي وقاص حين قتل عثمان وأمر ألا يحدث بشيء من أخبار الناس وألا يسمع منها شيئا ، حتى يصطلحوا ، ويقال إن الحنفاء كانت فرس حذيفة وأنها أجريت مع الغبراء ذلك اليوم . قال الشاعر

                        إذا كان غير الله للمــرة عدة    أتته الرزايا من وجوه الفوائد
                        فقد جرت الحنفاء حتف حذيفة     و كـــان يراه عدة للشدائد

حرب حاطب قال ابن هشام : وأما قوله " حرب حاطب " . فيعني حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، كان قتل يهوديا جارا للخزرج فخرج إليه يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج - وهو الذي يقال له ابن فسحم وفسحم أمه وهي امرأة من القين بن جسر - ليلا في نفر من بني الحارث بن الخزرج فقتلوه فوقعت الحرب بين الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا ، فكان الظفر للخزرج على الأوس ، وقتل يومئذ سويد بن صامت بن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، قتله المجذر بن ذياد البلوي ، واسمه عبد الله حليف بني عوف بن الخزرج . فلما كان يوم أحد خرج المجذر بن ذياد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج معه الحارث بن سويد بن صامت ، فوجد الحارث بن سويد غرة من المجذر فقتله بأبيه . وسأذكر حديثه في موضعه - إن شاء الله تعالى - ثم كانت بينهم حروب منعني من ذكرها واستقصاء هذا الحديث ما ذكرت في حديث حرب داحس . ________________________________________ وأما حرب حاطب الذي ذكرها ، فهي حرب كانت على يد حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الأوس ، فنسبت إليه وكانت بين الأوس والخزرج .

حكيم بن أمية ينهي قومه عن عداوة الرسول قال ابن إسحاق : وقال حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية وقد أسلم ، يورع قومه عما أجمعوا عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم شريفا مطاعا :

                   هل قائلاً قولاً من الحق قـــاعد      عليه و هل غضبان للرشد سامــع
                   و هل ســيد ترجو العشيرة نفعه      لأقصى الموالي و الأقارب جامــع
                   تبــرأت إلا وجه من يملك الصبا      و أهجركم مادام مدل و نـــازع
                   و أسلم وجهي للإله و منطــقي       و لــو راعني من الصديق روائع

ذكر ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه مفتريات قريش وإيذاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءهم فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفى به مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم على كفرهم . قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كانوا يظهرون من عداوته ؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط : سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا ، فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما مر بهم غمزوه ببعض القول قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال أتسمعون يا معشر قريش ؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح . قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول انصرف يا أبا القاسم فوالله ما كنت جهولا . قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه . فبينما هم في ذلك طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا وكذا ، لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه . قال فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه وهو يبكي ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض آل أم كلثوم ابنة أبي بكر أنها قالت رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جبذوه بلحيته وكان رجلا كثير الشعر . قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم إن أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش أنه خرج يوما فلم يلقه أحد من الناس إلا عذبه وآذاه لا حر ولا عبد فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فتدثر من شدة ما أصابه فأنزل الله تعالى عليه يا أيها المدثر قم فأنذر [ المدثر 1 - 2 ] . ________________________________________ ما لقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قومه فصل فيما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه ذكر ابن إسحاق والواقدي والتيمي ، وابن عقبة وغيرهم في هذا الباب أمورا كثيرة تتقارب ألفاظها ومعانيها ، وبعضهم يزيد على بعض فمنها حثو سفهائهم التراب على رأسه ومنها أنهم كانوا ينضدون الفرث والأفحاث والدماء على بابه ويطرحون رحم الشاة في برمته ومنها : بصق أمية بن خلف في وجهه ومنها : وطء عقبة بن أبي معيط على رقبته وهو ساجد عند الكعبة حتى كادت عيناه تبرزان ومنها أخذهم بمخثقه حين اجتمعوا له عند الحجر ، وقد ذكره ابن إسحاق ، وزاد غيره الخبر أنهم خنقوه خنقا شديدا وقام أبو بكر دونه فجبذوا رأسه ولحيته حتى سقط أكثر شعره وأما السب والهجو والتلقيب وتعذيب أصحابه وأحبائه وهو ينظر فقد ذكر من ذلك ابن إسحاق ما في الكتاب وقد قال أبو جهل لسمية أم عمار بن ياسر : ما آمنت بمحمد إلا لأنك عشقته لجماله ثم طعنها بالحربة في قبلها حتى قتلها ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة . السبب في تلقيبه بالمدثر والنذير العريان وذكر ابن إسحاق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دثروني دثروني فأنزل الله تعالى : يا أيها المدثر قم فأنذر قال بعض أهل العلم في تسميته إياه بالمدثر في هذا المقام ملاطفة وتأنيس ومن عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها ، كقوله عليه السلام لحذيفة قم يا نومان وقوله لعلي بن أبي طالب - وقد ترب جنبه قم أبا تراب فلو ناداه سبحانه وهو في تلك الحال من الكرب باسمه أو بالأمر المجرد من هذه الملاطفة لهاله ذلك ولكن لما بدئ بـ يا أيها المدثر أنس وعلم أن ربه راض عنه ألا تراه كيف قال عندما لقي من أهل الطائف من شدة البلاء والكرب ما لقي رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي إلى آخر الدعاء فكان مطلوبه رضا ربه وبه كانت تهون عليه الشدائد . فإن قيل كيف ينتظم يا أيها المدثر مع قوله قم فأنذر وما الرابط بين المعنيين حتى يلتئما في قانون البلاغة ويتشاكلا في حكم الفصاحة ؟ قلنا : من صفته عليه السلام ما وصف به نفسه حين قال أنا النذير العريان وهو مثل معروف عند العرب ، يقال لمن أنذر بقرب العدو وبالغ في الإنذار وهو النذير العريان وذلك أن النذير الجاد يجرد ثوبه ويشير به إذا خاف أن يسبق العدو صوته وقد قيل إن أصل المثل لرجل من خثعم سلبه العدو ثوبه وقطعوا يده فانطلق إلى قومه نذيرا على تلك الحال فقوله عليه السلام أنا النذير العريان أي مثلي مثل ذلك والتدثر بالثياب مضاد للتعري ، فكان في قوله يا أيها المدثر مع قوله قم فأنذر والنذير الجاد يسمى : العريان تشاكل بين والتئام بديع وسماقة في المعنى ، وجزالة في اللفظ . تقديم المفعول على الفعل وقوله بعد هذا : وربك فكبر أي ربك كبر لا غيره لا يكبر عليك شيء من أمر الخلق وفي تقديم المفعول على فعل الأمر إخلاص ومثله قوله إياك نعبد وإياك نستعين أي لا نعبد غيرك [ ولا نستعين إلا بك ] ، ولم يقل نعبدك ونستعينك ، وفي الحديث إذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله تعالى : أخلص لي عبدي العبادة واستعانني عليها ، فهذه بيني وبين عبدي

عتبة بن ربيعة والرئي : فصل وذكر قول عتبة إن كان هذا رئي تراه . ولغة بني تميم رئي بكسر الراء وكذلك يقولون في كل فعيل عين الفعل معه همزة أو غيرها من حروف الحلق يكسرون أوله مثل رحيم وشهيد والرئي : فعيل بمعنى مفعول ولا يكون إلا من الجن ، ولا يكون فعيل بمعنى مفعول في غير الجن . إلا أن يؤثر فيه الفعل نحو جريح وقتيل وذبيح وطحين ولا يقال من الشكر شكير ولا ذكرته فهو ذكير ولا فيمن لطم لطيم إلا أن تغير منه اللطمة كما قالوا : لطيم الشيطان . قال ابن الزبير حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق [ بن العاص ] : ألا إن أبا ذبان قتل لطيم الشيطان وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [ الأنعام 29 ] . وقالوا من الحمد حميد ذهبوا به مذهب كريم وكذلك قالوا في الجن : رئي ، وإن كانت الرؤيا لا تؤثر في المرئي لأنهم ذهبوا به مذهب قرين ونجي .

إسلام حمزة رضي الله عنه قال ابن إسحاق : حدثني رجل من أسلم ، كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاة لعبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة ، فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش ، وأشد شكيمة فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا ، فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم . فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى ، ولم يقف على أحد ، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ، فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرد ذلك علي إن استطعت . فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا ، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه . فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه . ________________________________________ إسلام حمزة فصل وذكر إسلام حمزة وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة وأهيب عم آمنة بنت وهب تزوجها عبد المطلب ، وتزوج ابنه عبد الله آمنة في ساعة واحدة فولدت هالة لعبد المطلب حمزة . وولدت آمنة لعبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أرضعتهما ثويبة كما تقدم وزاد غير ابن إسحاق في إسلام حمزة أنه قال لما احتملني الغضب وقلت : أنا على قوله أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي ، وبت من الشك في أمر عظيم لا أكتحل بنوم ثم أتيت الكعبة ، وتضرعت إلى الله سبحانه أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب فما استتممت دعائي حتى زاح عني الباطل وامتلأ قلبي يقينا - أو كما قال - فغدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما كان من أمري ، فدعا لي بأن يثبتني الله وقال حمزة بن عبد المطلب حين أسلم :

                          حمدت الله حين هدى فؤادي        إلى الإسلام و الدين الحنيف
                          الدين جاء من رب عــزيز    خبير بالعباد بهم لطيف
                          إذا تليت رسائله عـــلينا     تحدر دمع ذي اللب الحصيف
                          رسائل جاء أحمد من هداها      بآيات مبينة الحروف
                          و أحمد مصطفى فينا مطاع      فلا تغشوه بالقول العنيف
                          فلا والله نسلمه لقـــوم       و لما نقض فيهم بالسيوف
                          و نترك منهم قتلى بقــاع      عليها الطير كالورد العكوف
                          و قد خبرت ما صنعت ثقيف     به فجزى القبائل من ثقيف
                          إله الناس شر جزاء قـوم       و لا أسقاهم صوب الخريف

عتبة بن ربيعة يذهب إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال حدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيدا - قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ، ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون فقالوا : بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . قال فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قل يا أبا الوليد أسمع قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا ، حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه قال أقد فرغت يا أبا الوليد " ؟ قال نعم قال " فاسمع مني " ، قال أفعل فقال بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه [ فصلت 1 - 5 ] . ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما ، يسمع منه ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة . يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم .

بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين قريش قال ابن إسحاق : ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء وقريش تحبس من قدرت على حبسه وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة - كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير ، وعن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال اجتمع عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ، والنضر بن الحارث ، أخو بني عبد الدار ، وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام - لعنه الله - وعبد الله بن أبي أمية ، والعاص بن وائل ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان ، وأمية بن خلف ، أو من اجتمع منهم . قال اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، فأتهم فجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعا ، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا له يا محمد إنا قد بعثنا إليك ; لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك - أو كما قالوا له - فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا ، فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا - فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بي ما تقولون ، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم . ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربي ، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك ، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ، ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا ، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإن كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك ، وصنعت ما سألناك ، صدقناك ، وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا - كما تقول - فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه

 ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى ، حتى يحكم الله بيني وبينكم  قالوا : فإذا لم تفعل هذا لنا ، فخذ لنفسك ، سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم 
ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا  - أو كما قال -  فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم  قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك لو شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل  قالوا : يا محمد أفما علم ربك أنا سنجلس معك ، ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا ، إذا لم نقبل منك ما جئتنا به إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا ، فقد أعذرنا إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وهي بنات الله . 

وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله وبالملائكة قبيلا . فلما قالوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمته فهو لعاتكة بنت عبد المطلب - فقال له يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ، ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل - أو كما قال له - فوالله لا أؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول . وأيم الله أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ، ثم انصرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه . ________________________________________ طلب الآيات فصل وذكر ما سأله قومه من الآيات وإزالة الجبال عنهم وإنزال الملائكة عليه وغير ذلك جهلا منهم بحكمة الله تعالى في امتحانه الخلق وتعبدهم بتصديق الرسل وأن يكون إيمانهم عن نظر وفكر في الأدلة فيقع الثواب على حسب ذلك ولو كشف الغطاء وحصل لهم العلم الضروري ، بطلت الحكمة التي من أجلها يكون الثواب والعقاب إذ لا يؤجر الإنسان على ما ليس من كسبه كما لا يؤجر على ما خلق فيه من لون وشعر ونحو ذلك وإنما أعطاهم من الدليل ما يقتضي النظر فيه العلم الكسبي وذلك لا يحصل إلا بفعل من أفعال القلب وهو النظر في الدليل وفي وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول وإلا فقد كان قادرا سبحانه أن يأمرهم بكلام يسمعونه ويغنيهم عن إرسال الرسل إليهم ولكنه سبحانه قسم الأمر بين الدارين فجعل الأمر يعلم في الدنيا بنظر واستدلال وتفكر واعتبار لأنها دار تعبد واختبار وجعل الأمر يعلم في الآخرة بمعاينة واضطرار لا يستحق به ثواب ولا جزاء وإنما يكون الجزاء فيها على ما سبق في الدار الأولى ، حكمة دبرها ، وقضية أحكمها ، وقد قال الله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [ الإسراء 59 ] . يريد - فيما قال أهل التأويل - إن التكذيب بالآيات نحو ما سألوه من إزالة الجبال عنهم وإنزال الملائكة يوجب في حكم الله ألا يلبث الكافرين بها ، وأن يعاجلهم بالنقمة كما فعل بقوم صالح وبآل فرعون ، فلو أعطيت قريش ما سألوه من الآيات وجاءهم بما اقترحوا ثم كذبوا لم يلبثوا ، ولكن الله أكرم محمدا في الأمة التي أرسله إليهم إذ قد سبق في علمه أن يكذب به من يكذب ويصدق به من يصدق وابتعثه رحمة للعالمين بر وفاجر أما البر فرحمته إياهم في الدنيا والآخرة وأما الفاجر فإنهم أمنوا من الخسف والغرق وإرسال حاصب عليهم من السماء . كذلك قال بعض أهل التفسير في قوله وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ الأنبياء 107 ] مع أنهم لم يسألوا ما سألوا من الآيات إلا تعنتا واستهزاء لا على جهة الاسترشاد ودفع الشك فقد كانوا رأوا من دلائل النبوة ما فيه شفاء لمن أنصف قال الله سبحانه أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب [ العنكبوت 51 ] الآية وفي هذا المعنى قيل لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تنبيك بالخبر وقد ذكر ابن إسحاق في غير هذه الرواية أنهم سألوا أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله لهم فنزل جبريل فقال لهم ما شئتم إن شئتم فعلت ما سألتم ثم لا نلبثكم إن كذبتم بعد معاينة الآية فقالوا : لا حاجة لنا بها .

عبد الله بن أبي أمية فصل وذكر قول عبد الله بن أبي أمية له واسم أبي أمية حذيفة والله لا أومن بك حتى تتخذ سلما إلى آخر الكلام وقد أسلم عبد الله بن أبي أمية قبل فتح مكة ، وسيأتي ذكر إسلامه . فلما قام عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو جهل : يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله - أو كما قال - فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ، ما بدا لهم قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا ، فامض لما تريد . فلما أصبح أبو جهل ، أخذ حجرا كما وصف ثم جلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يغدو ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وقبلته إلى الشام ، فكان إذا صلى صلى بين الركن اليماني والحجر الأسود ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وقد غدت قريش ، فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل . فلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما . منتقعا لونه مرعوبا . قد يبست يداه على حجره . حتى قذف الحجر من يده . وقامت إليه رجال قريش . فقالوا له ما لك يا أبا الحكم ؟ قال قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط . فهم بي أن يأكلني . قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك جبريل عليه السلام ، لو دنا لأخذه . فلما قال لهم ذلك أبو جهل . قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي . قال ابن هشام : ويقال النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف قال ابن إسحاق : فقال يا معشر قريش . إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد قد كان محمد فيكم غلاما حدثا ، أرضاكم فيكم . وأصدقكم حديثا . وأعظمكم أمانة . حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به . قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم وقلتم كاهن . لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها . هزجه ورجزه وقلتم مجنون لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم . ________________________________________ هم أبي جهل بإلقاء الحجر وذكر خبر أبي جهل ، وما هم به من إلقاء الحجر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد وقد رواه النسوي بإسناد إلى أبي هريرة قال قال أبو جهل وذكر الحديث إلى قوله فنكص أبو جهل على عقبيه فقالوا : ما لك ؟ فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وخرجه أيضا مسلم وذكر النسوي أيضا بإسناده إلى ابن عباس أن أبا جهل قال له ألم أنهك ؟ فوالله ما بمكة ناد أعز من نادي فأنزل الله تعالى : أرأيت الذي ينهى عبدا إلى قوله فليدع ناديه سندع الزبانية [ العلق 17 - 18 ] .

تفسير أرأيت قال محمد بن يزيد في الكلام حذف تقديره أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أمصيب هو أو مخطئ ؟ وكذلك في قوله أرأيت إن كان على الهدى [ العلق 11 ] كأنه قال أليس من ينهاه بضال وقوله لنسفعن بالناصية [ العلق 15 ] أي لنأخذن بها إلى النار وقيل معنى السفع ههنا : إذلاله وقهره والنادي والندي والمنتدى بمعنى واحد وهو مجلس القوم الذين يتنادون إليه وقال أهل التفسير فيه أقوالا متقاربة قال بعضهم فليدع حيه وقال بعضهم عشيرته وقال بعضهم مجلسه وفي أرأيت معنى : أخبرني ، ولذلك قال سيبويه : لم يجز إلغاؤها ، كما تلغى : علمت إذا قلت : علمت أزيد عندك أم عمرو ، ولا يجوز هذا في : أرأيت ، ولا بد من النصب إذا قلت : أرأيت زيدا ، أبو من هو ؟ قال سيبويه : لأن دخول معنى أخبرني فيها لا يجعلها بمنزلة أخبرني في جميع أحوالها ، قال المؤلف وظاهر القرآن يقضي بخلاف ما قال سيبويه إلا بعد البيان وذلك أنها في القرآن ملغاة لأن الاستفهام هو مطلوبها ، وعليه وقعت في قوله أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم [ العلق 13 ] . فقوله ألم يعلم استفهام وعليه وقعت أرأيت ، وكذلك أرأيت ، وأرأيتكم في الأنعام فإن الاستفهام واقع بعدها نحو هل يهلك إلا القوم الظالمون [ الأنعام 47 ] . وهذا هو الذي منع سيبويه في : أرأيت وأرأيتك أبو من أنت ؟ وأما البيان فالذي قاله سيبويه صحيح ولكن إذا ولى الاستفهام أرأيت ، ولم يكن لها مفعول سوى الجملة وأما في هذه المواضع التي في التنزيل فليست الجملة المستفهم عنها هي مفعول أرأيت ، إنما مفعولها محذوف يدل عليه الشرط ولا بد من الشرط بعدها في هذه الصور لأن المعنى : أرأيتم صنيعكم إن كان كذا ، وكذا ، كما يقول القائل أرأيت إن لقيت العدو أتقاتله أم لا ؟ تقدير الكلام أرأيت رأيك أو صنيعك إن لقيت العدو فحرف الشرط وهو إن دال على ذلك المحذوف ومرتبط به والجملة المستفهم عنها كلام مستأنف منقطع إلا أن فيه زيادة بيان لما يستفهم عنه ولو زال الشرط ووليها الاستفهام لقبح كما قال سيبويه ، ويحسن في : علمت ، وهل علمت وهل رأيت ، وإنما قبحه مع أرأيت خاصة وهي التي دخلها معنى : أخبرني فتدبره .

وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة ، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، وأحاديث رستم وإسفندياذ ، فكان إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال أنا والله يا معشر قريش ، أحسن حديثا منه فهلم إلي فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وإسفندياذ . ثم يقول بماذا محمد أحسن حديثا مني ؟ 

قال ابن هشام : وهو الذي قال فيما بلغني : سأنزل مثل ما أنزل الله قال ابن إسحاق : وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول - فيما بلغني : نزل فيه ثمان آيات من القرآن قول الله عز وجل إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين [ القلم 15 ] وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن . فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفا لهم أمره . وأخبراهم ببعض قوله . وقالا لهم إنكم أهل التوراة . وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . فقالت لهما أحبار يهود سلوه عن ثلاث نأمركم بهن . فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل . وإن لم يفعل فالرجل متقول . فروا فيه رأيكم . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هي ؟ فإن أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي . وإن لم يفعل فهو رجل متقول . فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي حتى قدما مكة على قريش . فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد . قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي ، وإن لم يفعل فالرجل متقول . فروا فيه رأيكم . فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن فانصرفوا عنه فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة . قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح . قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل حين جاءه لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت طنا ، فقال له جبريل وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] . فافتتح السورة - تبارك وتعالى - بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروه عليه من ذلك فقال الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [ الكهف : 1 - 26 ] يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم إنك رسول مني : أي تحقيق لما سألوه عنه من نبوتك . ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا ، لا اختلاف فيه .

لينذر بأسا شديدا من لدنه  أي عاجل عقوبته في الدنيا ، وعذابا أليما في الآخرة من عند ربك الذي بعثك رسولا .  ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا  أي دار الخلد لا يموتون فيها الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال .  وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا  يعني : قريشا في قولهم إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله .  ما لهم به من علم ولا لآبائهم  الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم .  كبرت كلمة تخرج من أفواههم  أي لقولهم إن الملائكة بنات الله . 
إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك  يا محمد  على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا  أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم أي لا نفعل . 

قال ابن هشام : باخع نفسك أي مهلك نفسك ، فيما حدثني أبو عبيدة قال ذو الرمة لشئ نحته عن يديه المقادر ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه وجمعه باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وتقول العرب : قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري ، وأعمل بطاعتي . وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي الأرض وإن ما عليها لفان وزائل وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها . قال ابن هشام : الصعيد  : الأرض وجمعه صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا : دبابة في عظام الرأس خرطوم كأنه بالضحى ترمي الصعيد به وجمعه باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وتقول العرب : قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري ، وأعمل بطاعتي . وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي الأرض وإن ما عليها لفان وزائل وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها . قال ابن هشام : الصعيد  : الأرض وجمعه صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا : فما بقيت إلا الضلوع الجراشع طوى النحز و الأجراز ما في بطونها

وهذا البيت في قصيدة له . ________________________________________ الأساطير وشيء عن الفرس فصل وذكر حديث النضر بن الحارث وما نزل فيه من قول الله تعالى : قالوا أساطير الأولين واحد الأساطير أسطورة كأحدوثة وأحاديث وهو ما سطره الأولون وقيل أساطير جمع أسطار وأسطار جمع  : سطر بفتح الطاء وأما سطر بسكون الطاء فجمعه أسطر وجمع الجمع أساطر بغير ياء وذكر أن النضر بن الحارث كان يحدث قريشا بأحاديث رستم وإسفندياذ ، وما تعلم في بلاد الفرس من أخبارهم وذكر ما أنزل الله في ذلك من قوله وقد قيل فيه نزلت ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله [ الأنعام 93 ] . وأما أحاديث رستم ففي تاريخ الطبري أن رستم بن ريسان كان يحارب كي يستاسب بن كي لهراسب ، بعدما قتل أباه لطراسب ابن كي أجو . وكي في أوائل هذه الأسماء عبارة عن البهاء ويقال عبارة عن إدراك الثأر ويقال لهؤلاء الملوك الكينية من أجل هذا ، وكان رستم الذي يقال له رستم سيد بني ريسان من ملوك الترك ، وكان كي يستاسب قد غضب على ابنه فسجنه حسدا له على ما ظهر من وقائعه في الترك ، حتى صار الذكر له فعندها ظهرت الترك على بلاد فارس ، وسبوا بنتين ليستاسب ، اسم إحداهما : خمانة ، أو نحو هذا ، فلما رأى يستاسب ألا يدين له بقتالهم أطلق ابنه من السجن وهو إسفندياذ ، ورضي عنه وولاه أمر الجيوش فنهد إلى رستم وكانت بينهما ملاحم يطول ذكرها ، لكنه قتل رستم واستباح عساكره ودوخ في بلاد الترك ، واستخرج أختيه من أيديهم ثم مات إسفندياذ قبل أبيه وكان ملك أبيه نحوا من مائة عام ثم عهد إلى بهمن بن إسفندياذ ، فولاه الأمر بعد موته وبهمن بلغتهم الحسن النية ودام ملكه نيفا على مائة عام وكان له ابنان ساسان ودارا ، وقد أملينا في أول الكتاب طرفا من حديث ساسان وبنيه وهم الساسانية الذين قام عليهم الإسلام ورستم آخر مذكور أيضا قبل هذا في أحاديث كي قباذ ، وكان قبل عهد سليمان ، ثم كان رستم وزيرا بعد كي قباذ لابنه كي قاووس ، وكانت الجن قد سخرت له . يقال إن سليمان أمرهم بذلك فبلغ ملكه من العجائب ما لا يكاد أن يصدقه ذوو العقول لخروجها عن المعتاد لكن محمد بن جرير الطبري ذكر منها أخبارا عجيبة . وذكر أنه هم بما هم به نمروذ من الصعود إلى السماء فطرحته الريح وضعضعت أركانه وهدمت بنيانه ثم ثاب إليه بعض جنوده فصار كسائر الملوك يغلب تارة ويغلب بخلاف ما كان قبل ذلك وسار بجنوده إلى اليمن فنهد إليه عمرو ذو الأذعار فهزمه عمرو ، وأخذه أسيرا ، وحبسه في محبس حتى جاء رستم وكان صاحب أمره فاستنقذه من عمرو ، إما بطوع وإما بإكراه ورده إلى بلاد فارس . ولابنه شاوخش مع قراسيات ملك الترك خبر عجيب وكان رستم هو القيم على شاوخش والكافل له في صغره وكان آخر أمر شاوخش بعد عجائب أن قتله قراسيات ، وقام ابنه كي خسرو يطلب بثأره فدارت بينه وبين الترك وقائع لم يسمع بمثلها ، وكان الظفر له فلما ظفروا رأى أمله في أعدائه ما ملأ عينه قرة وقلبه سرورا زهد في الدنيا ، وأراد السياحة في الأرض فتعات به أبناء فارس ، وحذرته من شتات الشمل بعده وشماتة العدو فاستخلف عليهم كي لهراسب ، بن كي اجو ، بن كي كينة بن كي قاووس المتقدم ذكره ولا أدري : هل رستم الذي قتله إسفندياذ هو رستم صاحب كي قاووس ، أم غيره والظاهر أنه ليس به لأن مدة ما بين كي قاووس وكي يستاسب بعيدة جدا ، وأحسبه كما قدمنا أنه كان من الترك ، وهذا كله كان في مدة الكينية وعند اشتغالهم بقتال الترك استعملوا بختنصر البابلي على العراق ، فكان من أموره مع بني إسرائيل و إثخانه فيهم وهدمه لبيت المقدس وإحراقه للتوراة وقتله لأولاد الأنبياء واسترقاقه لنساء ملوكهم ولذراريهم مع عيشه في بلاد العرب حين جاس خلال ديارهم ما هو مشهور في كتب التفاسير ومعلوم عند أصحاب التواريخ . فهذه جملة مختصرة تشرح لك ما وقع في كتاب ابن إسحاق من ذكر رستم وإسفندياذ ، وكانت الكينية قبل مدة عيسى ابن مريم ، أولهم في عهد أفريدون قبل موسى عليه السلام بمئين من السنين وآخرهم في مدة الإسكندر بن قليس والإسكندر هو الذي سلب ملكهم وقتل دارا بن دارا ، وهو آخرهم ثم كانت الأشغانية مع ملوك الطوائف أربعمائة وثمانين عاما ، وقيل أقل من ذلك في قول الطبري ، وقول المسعودي : خمسمائة وعشر سنين في خلال أمرهم بعث عيسى ابن مريم ، ثم كانت الساسانية نحوا من ثلاثين ملكا حتى قام الإسلام ففض خدمتهم . وخضد شوكتهم وهدم هياكلهم وأطفأ نيرانهم التي كانوا يعبدون وذلك كله في خلافة عمر .

عن سورتي الكهف والفرقان - سبب نزول الكهف فصل وذكر ابن إسحاق إرسال قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى يهود وما رجعا به من عندهم من الفصل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن الأمور الثلاثة التي قالت اليهود : إن أخبركم بها فهو نبي وإلا فهو متقول فقال لهم سأخبركم غدا ، ولم يقل إن شاء الله فأبطأ عنه الوحي في قول ابن إسحاق خمسة عشر يوما ، وفي سير التيمي وموسى بن عقبة أن الوحي إنما أبطأ عنه ثلاثة أيام ثم جاء جبريل بسورة الكهف . لم قدم الحمد على الكتاب ؟ وذكر افتتاح الرب سبحانه بحمد نفسه وذكر نبوة نبيه حمده لنفسه تعالى خبر باطنه الأمر والتعليم لعبده كيف يحمده إذ لولا ذلك لاقتضت الحال الوقوف عن تسميته والعبارات عن جلاله لقصور كل عبارة عما هنالك من الجلال وأوصاف الكمال ولما كان الحمد واجبا على العبد قدم في هذه الآية ليقترن في اللفظ بالحمد الذي هو واجب عليه وليستشعر العبد وجوب الحمد عليه وفي سورة الفرقان قال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده وبدأ بذكر الفرقان الذي هو الكتاب المبارك . قال الله سبحانه وهذا كتاب أنزلناه مبارك فلما افتتح السورة ب " تبارك الذي " ، بدأ بذكر الفرقان وهو الكتاب المبارك ثم قال على عبده فانظر إلى تقديم ذكر عبده على الكتاب وتقديم ذكر الكتاب عليه في سورة الفرقان ، وما في ذلك من تشاكل اللفظ والتئام الكلام نرى الإعجاز ظاهرا ، والحكمة باهرة والبرهان واضحا ، وأنشد لذي الرمة . شرح شواهد شعرية دبابة في عظام الرأس خرطوم كأنه بالضحى ترمي الصعيد به يصف ولد الظبية  : والخرطوم  : من أسماء الخمر أي كأنه من نشاطه دبت الخمر في رأسه . وأنشد له أيضا : طوى النحز والأجراز . البيت . والنحز النخس والنحاز داء يأخذ الإبل والنحيزة الغريزة والنحيزة نسيجة كالحزام والضلوع الجراشع . هو جمع جرشع . قال صاحب العين . الجرشع العظيم الصدر فمعناه إذا في البيت على هذا : الضلوع من الهزال قد نتأت وبرزت كالصدر البارز .

حول سورة الكهف قال ابن إسحاق : ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعجب من ذلك . قال ابن هشام : والرقيم : الكتاب الذي رقم فيه بخبرهم وجمعه رقم . قال العجاج ومستقر المصحف المرقم وهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ثم قال تعالى : نحن نقص عليك نبأهم بالحق أي بصدق الخبر عنهم .

إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا   أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم . 

قال ابن هشام : والشطط الغلو ومجاوزة الحق . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : لا ينتهون و لا ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت و الفتل وهذا البيت في قصيدة له .

هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين  . 

قال ابن إسحاق : أي بحجة بالغة .

فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه  

قال ابن هشام : تزاور تميل وهو من الزور وقال امرؤ القيس بن حجر وإني زعيم ان رجعت مملكاً بسير ترى منه الفرانق أزورا وهذا البيت في قصيدة له . وقال أبو الزحف الكليبي يصف بلدا : جأب المندىعن هوانا أزور ينضي المطايا خمسة العشنزر وهذان البيتان في أرجوزة له . و تقرضهم ذات الشمال تجاوزهم وتتركهم عن شمالها . قال ذو الرمة إلى ظغن يقرضن أفواز مشرف شمالاً و عن أيمانهن الفوارس وهذا البيت في قصيدة له . والفجوة السعة وجمعها : الفجاء قال الشاعر ألبست قومك مجزاة و منقصة حتى أبيحوا , و خلوا فجوة الدار

 ذلك من آيات الله  أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم . 
من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد  قال ابن هشام : الوصيد الباب . قال العبسي ، واسمه عبيد بن وهب 

بأرض فلاة لا يسد و صيدها علي و معروفي غير منكر وهذا البيت في أبيات له . والوصيد أيضا : الفناء وجمعه وصائد ووصد ووصدان وأصد وأصدان . ________________________________________ الرقيم وأهل الكهف فصل وذكر الرقيم وفيه سوى ما قاله أقوال . روي عن أنس أنه قال الرقيم : الكلب وعن كعب أنه قال هو اسم القرية التي خرجوا منها ، وقيل هو اسم الوادي وقيل هو صخرة ويقال لوح كتب فيه أسماؤهم ودينهم وقصتهم وقال ابن عباس : كل القرآن أعلم إلا الرقيم والغسلين وحنانا والأواه وقد ذكرت أسماؤهم على الاختلاف في بعض ألفاظها وهي مليخا ، كسليما ، مرطوش بن أنس أريطانس ، أيونس شاطيطوش . وقيل في اسم مدينتهم أفوس ، واختلف في بقائهم إلى الآن فروي عن ابن عباس أنه أنكر أن يكون بقي شيء منهم بل صاروا ترابا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض أصحاب الأخبار غير هذا ، وأن الأرض لم تأكلهم ولم تغيرهم وأنهم على مقربة من القسطنطينية ، فالله أعلم . روي أنهم سيحجون البيت إذا نزل عيسى ابن مريم . ألفيت هذا الخبر في كتاب البدء لابن أبي خيثمة . إعراب أحصى وذكر قول الله تعالى : لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا [ الكهف : 12 ] قد أملينا في إعراب هذه الآية نحوا من كراسة وذكرنا ما وهم فيه الزجاج من إعرابها ; حيث جعل أحصى اسما في موضع رفع على خبر المبتدأ وأمدا : تمييز وهذا لا يصح ; لأن التمييز هو الفاعل في المعنى ، فإذا قلت : أيهم أعلم أبا ، فالأب هو العالم وكذلك إذا قلت أيهم أفره عبدا ، فالعبد هو الفاره فيلزم على قوله إذا أن يكون الأمد فاعلا بالإحصاء وهذا محال بل هو مفعول وأحصى : فعل ماض وهو الناصب له وذكرنا في ذلك الإملاء أن أيهم قد يجوز فيه النصب بما قبله إذا جعلته خبرا ، وذلك على شروط بيناها هنالك لمن أراد الوقوف على حقيقتها ، أي ومواضعها ، وكشفنا أسرارها .

عن الضرب وتزاور الشمس وفائدة القصة وقوله سبحانه فضربنا على آذانهم أي أنمناهم وإنما قيل في النائم ضرب على أذنه لأن النائم ينتبه من جهة السمع والضرب هنا مستعار من ضربت القفل على الباب وذكر قوله تعالى : تزاور عن كهفهم ذات اليمين الآية . وقيل في تقرضهم تحاذيهم وقيل تتجاوزهم شيئا فشيئا من القرض وهو القطع أي تقطع ما هنالك من الأرض وهذا كله شرح اللفظ وأما فائدة المعنى ، فإنه بين أنهم في مقنوة من الأرض لا تدخل عليهم الشمس فتحرقهم وتبلي ثيابهم ويقلبون ذات اليمين وذات الشمال . لئلا تأكلهم الأرض والفائدة العظمى في هذه الصفة بيان كيفية حالهم في الكهف ، وحال كلبهم وأين هو من الكهف ، وأنه بالوصيد منه وأن باب الكهف إلى جهة الشمال للحكمة التي تقدمت وأن هذا البيان لا يكاد يعرفه من رآهم فإن المطلع عليهم يملأ منهم رعبا ، فلا يمكنه تأمل هذه الدقائق من أحوالهم والنبي عليه السلام لم يرهم قط ، ولا سمع بهم ولا قرأ كتابا فيه صفتهم لأنه أمي في أمة أمية وقد جاءكم ببيان لا يأتي به من وصل إليهم حتى إن كلبهم قد ذكر وذكر موضعه وبسطه ذراعيه بالوصيد وهم في الفجوة وفي هذا كله برهان عظيم على نبوته ودليل واضح على صدقه وأنه غير متقول كما زعموا ، فقف بقلبك على مضمون هذه الأوصاف والمراد بها تعصم إن شاء الله مما وقعت فيه الملحدة من الاستخفاف بهذه الآية من كتاب الله وقولهم أي فائدة في أن تكون الشمس تزاور عن كهفهم وهكذا هو كل بيت يكون في مقنوة أي بابه لجهة الشمال فنبه أهل المعاني على الفائدة الأولى المنبئة عن لطف الله بهم حيث جعلهم في مقنوة تزاور عنهم الشمس فلا تؤذيهم فقال لمن اقتصر من أهل التأويل على هذا : فما في ذكر الكلب وبسط ذراعيه من الفائدة وما فيه من معنى اللطف بهم ؟ فالجواب ما قدمناه من أن الله سبحانه لم يترك من بيان حالهم شيئا ، حتى ذكر حال كلبهم مع أن تأملهم متعذر على من اطلع عليهم من أجل الرعب فكيف من لم يرهم ولا سمع بهم لولا الوحي الذي جاءه من الله سبحانه بالبيان الواضح الشافي ، والبرهان الكافي ، والرعب الذي كان يلحق المطلع عليهم قيل كان مما طالت شعورهم وأظفارهم . ومن الآيات في هذه القصة قوله سبحانه في فجوة منه أي في فضاء ومع أنهم في فضاء منه فلا تصيبهم الشمس . قال ابن سلام فهذه آية . قال وكانوا يقلبون في السعة مرتين ومن فوائد الآية أنه أخرج الكلب عن التقليب فقال باسط ذراعيه ومع أنه كان لا يقلب لم تأكله الأرض لأن التقليب كان من فعل الملائكة بهم والملائكة أولياء المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة والكلب خارج من هذه الآية . ألا تراه كيف قال بالوصيد أي بفناء الغار لا داخلا معهم لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب فهذه فوائد جمة قد اشتمل عليها هذا الكلام . قال ابن سلام وإنما كانوا يقلبون في الرقدة الأولى قبل أن يبعثوا . لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا إلى قوله قال الذين غلبوا على أمرهم أهل السلطان والملك منهم لنتخذن عليهم مسجدا ________________________________________ المتنازعون في أمرهم فصل وذكر قول الله سبحانه قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا [ الكهف : 21 ] وقال يعني أصحاب السلطان فاستدل بعض أهل العلم على أنهم كانوا مسلمين بقوله لنتخذن عليهم مسجدا . وذكر الطبري أن أهل تلك المدينة تنازعوا قبل مبعثهم في الأجساد والأرواح . كيف تكون إعادتها يوم القيامة فقال قوم تعاد الأجساد كما كانت بأرواحها ، كما يقوله أهل الإسلام وخالفهم آخرون وقالوا : تبعث الأرواح دون الأجساد كما يقوله النصارى ، وشري بينهم الشر ، واشتد الخلاف واشتد على ملكهم ما نزل بقومه من ذلك فلبس المسوح وافترش الرماد وأقبل على البكاء والتضرع إلى الله أن يريه الفصل فيما اختلفوا فيه فأحيا الله أصحاب الكهف عند ذلك فكان من حديثهم ما عرف وشهر فقال الملك لقومه هذه آية أظهرها الله لكم لتتفقوا ، وتعلموا أن الله عز وجل كما أحيا هؤلاء وأعاد أرواحهم إلى أجسادهم فكذلك يعيد الخلق يوم القيامة كما بدأهم فرجع الكل إلى ما قاله الملك وعلموا أنه الحق .

سيقولون  يعني : أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم  ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب  أي لا علم لهم  ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا  أي لا تكابرهم . 
ولا تستفت فيهم منهم أحدا  فإنهم لا علم لهم بهم . 

________________________________________ عن واو الثمانية فصل وذكر قول الله سبحانه ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قد أفردنا للكلام على هذه الواو التي يسميها بعض الناس واو الثمانية بابا طويلا ، والذي يليق بهذا الموضع أن تعلم أن هذه الواو تدل على تصديق القائلين لأنها عاطفة على كلام مضمر تقديره نعم وثامنهم كلبهم وذلك أن قائلا لو قال إن زيدا شاعر فقلت له وفقيه كنت قد صدقته ، كأنك قلت : نعم هو كذلك وفقيه أيضا ، وفي الحديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيتوضأ بما أفضلت الخمر فقال وبما أفضلت السباع . يريد نعم وبما أفضلت السباع . خرجه الدارقطني . وفي التنزيل وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر [ البقرة 126 ] هو من هذا الباب . فكذلك ما أخبره عنهم من قولهم ويقولون سبعة فقال سبحانه وثامنهم كلبهم وليس كذلك سادسهم كلبهم ورابعهم كلبهم لأنه في موضع النعت لما قبله فهو داخل تحت قوله سبحانه رجما بالغيب ولم يقل ذلك في آخر القصة .

 ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا  أي ولا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا : إني مخبركم غدا . 

واستثن مشيئة الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لخير مما سألتموني عنه رشدا ، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك . ________________________________________ آية الاستثناء فصل وذكر قول الله تعالى : ولا تقولن لشيء وفسره فقال أي استثن شيئة الله . الشيئة مصدر شاء يشاء كما أن الخيفة مصدر خاف يخاف ولكن هذا التفسير وإن كان صحيح المعنى ، فلفظ الآية مشكل جدا ; لأن قوله ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا [ الكهف : 23 ] نهى عن أن يقول هذا الكلام ولم ينهه عن أن يصله بإلا أن يشاء الله فيكون العبد المنهي عن هذا القول منهيا أيضا عن أن يصله بقوله إلا أن يشاء الله هذا محال فقوله إذا : إلا أن يشاء الله استثناء من الله راجع إلى أول الكلام وهذا أيضا إذا تأملته نقض لعزيمة النهي وإبطال لحكمه فإن السيد إذا قال لعبده لا تقم إلا أن يشاء الله أن تقوم فقد حل عقدة النهي لأن مشيئة الله للفعل لا تعلم إلا بالفعل فللعبد إذا أن يقوم ويقول قد شاء الله أن نقوم فلا يكون للنهي معنى على هذا ، فإذا لم يكن رد حرف الاستثناء إلى النهي ولا هو من الكلام الذي نهى العبد عنه فقد تبين إشكاله والجواب أن في الكلام حذفا وإضمارا تقديره ولا تقولن : إني فاعل ذلك غدا إلا ذاكرا إلا أن يشاء الله ، أو ناطقا بأن يشاء الله ومعناه إلا ذاكرا شيئة الله كما قال ابن إسحاق ; لأن الشيئة مصدر وأن مع الفعل في تأويل المصدر وإعراب ذلك المصدر مفعول بالقول المضمر والعرب تحذف القول وتكتفي بالمقول ففي التنزيل فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [ آل عمران : 106 ] أي يقال لهم أكفرتم فحذف القول وبقي الكلام المقول وكذلك قوله تعالى : يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [ الرعد 24 ] أي يقولون سلام عليكم وهو كثير وكذلك إذا قوله إلا أن يشاء الله هي من كلام الناهي له سبحانه ثم أضمر القول وهو الذكر الذي قدمناه وبقي المقول وهو أن يشاء الله وهذا القدر يكفي في هذا المقام وإن كان في الآية من البسط والتفتيش ما هو أكثر من هذا .

ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا  أي سيقولون ذلك .  قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا  أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه . 

________________________________________

ولبثوا في كهفهم  

فصل وفد فسر قوله تعالى : ولبثوا في كهفهم فقال معناه أي سيقولون ذلك وهو أحد التأويلات فيها . وعلى هذا القول قرأه ابن مسعود : وقالوا : لبثوا ، بزيادة قالوا . ثم قال ابن إسحاق : قل ربي أعلم بما لبثوا ، وهو وهم من المؤلف أو غيره وإنما التلاوة قل الله أعلم بما لبثوا وقد قيل إنه إخبار من الله تعالى عن مقدار لبثهم ولكن لما علم استبعاد قريش وغيرهم من الكفار لهذا المقدار وعلم أن فيه تنازعا بين الناس فمن ثم قال قل الله أعلم بما لبثوا وقوله ثلاث مائة سنين وازدادوا أي إنها ثلاثمائة بحساب العجم ، وإن حسبت الأهلة فقد زاد العدد تسعا ، لأن ثلاثمائة سنة بحساب الشمس تزيد تسع سنين بحساب القمر فإن قيل فكيف قال ثلاثمائة سنين ولم يقل سنة وهو قياس العدد في العربية لأن المائة تضاف إلى لفظ الواحد فالجواب أن سنين في الآية بدل مما قبله ليس على حد الإضافة ولا التمييز ولحكمة عظيمة عدل باللفظ عن الإضافة إلى البدل وذلك أنه لو قال ثلاثمائة سنة لكان الكلام كأنه جواب لطائفة واحدة من الناس والناس فيهم طائفتان طائفة عرفوا طول لبثهم ولم يعلموا كمية السنين فعرفهم أنها ثلاثمائة وطائفة لم يعرفوا طول لبثهم ولا شيئا من خبرهم فلما قال ثلاثمائة معرفا للأولين بالكمية التي شكوا فيها ، مبينا للآخرين أن هذه الثلاثمائة سنون وليست أياما ولا شهورا ، فانتظم البيان للطائفتين من ذكر العدد وجمع المعدود وتبين أنه بدل إذ البدل يراد به تبيين ما قبله ألا ترى أن اليهود قد كانوا عرفوا أن لأصحاب الكهف نبأ عجيبا ، ولم يكن العجب إلا من طول لبثهم غير أنهم لم يكونوا على يقين من أنها ثلاثمائة أو أقل ، فأخبر أن تلك السنين ثلاثمائة ثم لو وقف الكلام ههنا لقالت العرب ، ومن لم يسمع بخبرهم ما هذه الثلاثمائة ؟ فقال كالمبين لهم سنين وقد روي معنى هذا التفسير عن الضحاك ، ذكره النحاس . السنة والعام فصل وقال سنين ولم يقل أعواما ، والسنة والعام وإن اتسعت العرب فيهما ، واستعملت كل واحد منهما مكان الآخر اتساعا ، ولكن بينهما في حكم البلاغة والعلم بتنزيل الكلام فرقا ، فخذه أولا من الاشتقاق فإن السنة من سنا يسنو إذا دار حول البئر والدابة هي السانية فكذلك السنة دورة من دورات الشمس وفد تسمى السنة دارا ، ففي الخبر : إن بين آدم ونوح ألف دار أي ألف سنة هذا أصل الاسم ومن ثم قالوا : أكلتهم السنة فسموا شدة القحط سنة قال الله سبحانه ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين [ الأعراف 13 ] ومن ثم قيل أسنت القوم إذا أقحطوا ، وكأن وزنه أفعتوا ، لا أفعلوا ، كذلك قال بعضهم وجعل سيبويه التاء بدلا من الواو فهي عنده أفعلوا ، لأن الجدوبة والخصب معتبر بالشتاء والصيف وحساب العجم إنما هو بالسنين الشمسية بها يؤرخون وأصحاب الكهف من أمة عجمية والنصارى يعرفون حديثهم ويؤرخون به فجاء اللفظ في القرآن بذكر السنين الموافقة لحسابهم وتمم الفائدة بقوله وازدادوا تسعا ليوافق حساب العرب ، فإن حسابهم بالشهور القمرية كالمحرم وصفر ونحوهما وانظر بعد هذا إلى قوله تزرعون سبع سنين دأبا [ يوسف 47 ] الآية ولم يقل أعواما ، نفيه شاهد لما تقدم غير أنه قال ثم يأتي من بعد ذلك عام ولم يقل سنة عدولا عن اللفظ المشترك فإن السنة قد يعبر بها عن الشدة والأزمة كما تقدم فلو قال سنة لذهب الوهم إليها ; لأن العام أقل أياما من السنة وإنما دلت الرؤيا على سبع سنين شداد وإذا انقضى العدد فليس بعد الشدة إلا رخاء وليس في الرؤيا ما يدل على مدة ذلك الرخاء ولا يمكن أن يكون أقل من عام والزيادة على العام مشكوك فيها ، لا تقتضيها الرؤيا ، فحكم بالأقل وترك ما يقع فيه الشك من الزيادة على العام فهاتان فائدتان في اللفظ بالعام في هذا الموطن وأما قوله وبلغ أربعين سنة فإنما ذكر السنين وهي أطول من الأعوام لأنه مخبر عن اكتهال الإنسان وتمام قوته واستوائه فلفظ السنين أولى بهذا الموطن لأنها أكمل من الأعوام وفائدة أخرى : أنه خبر عن السن والسن معتبر بالسنين لأن أصل السن في الحيوان لا يعتبر إلا بالسنة الشمسية لأن النتاج والحمل يكون بالربيع والصيف حتى قيل ربعي للبكير وصيفي للمؤخر قال الراجز إن بني صبية صيفيون أفلح من كان له ربعيون فاستعمله في الآدميين فلما قيل في الفصيل ونحوه ابن سنة وابن سنتين قيل ذلك في الآدميين وإن كان أصله في الماشية لما قدمنا ، وأما قوله وفصاله في عامين فلأنه قال سبحانه يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [ البقرة 189 ] فالرضاع من الأحكام الشرعية وقد قصرنا فيها على الحساب بالأهلة وكذلك قوله يحلونه عاما ويحرمونه عاما ولم يقل سنة لأنه يعني شهر المحرم وربيع إلى آخر العام ولم يكونوا يحسبون بأيلول ولا بتشرين ولا بينير ، وهي الشهور الشمسية وقوله سبحانه فأماته الله مائة عام إخبار منه لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته وحسابهم بالأعوام والأهلة كما وقت لهم سبحانه وقوله سبحانه في قصة نوح فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما [ العنكبوت 140 ] قيل إنما ذكر أولا السنين لأنه كان في شدائد مدته كلها إلا خمسين عاما منذ جاءه الفرج وأتاه الغوث ، ويجوز أن يكون الله - سبحانه - علم أن عمره كان ألفا ، إلا أن الخمسين منها ، كانت أعواما ، فيكون عمره ألف سنة تنقص منها ما بين السنين الشمسية والقمرية في الخمسين خاصة لأن خمسين عاما بحساب الأهلة أقل من خمسين سنة شمسية بنحو عام ونصف فإن كان الله سبحانه قد علم هذا من عمره فاللفظ موافق لهذا المعنى ، وإلا ففي القول الأول مقنع والله أعلم بما أراد فتأمل هذا ، فإن العلم بتنزيل الكلام ووضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها يفتح لك بابا من العلم بإعجاز القرآن وابن هذا الأصل تعرف المعنى في قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ المعارج 4 ] . وقوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ الحجر : 47 ] وأنه كلام ورد في معرض التكثير والتفخيم لطول ذلك اليوم والسنة أطول من العام كما تقدم فلفظها أليق بهذا المقام . وقال فيما سألوه عنه من أمر الرجل الطواف ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا [ الكهف : 83 ] حتى انتهى إلى آخر قصة خبره . وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت أحد غيره فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق . قال ابن إسحاق : حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم ، فيما توارثوا من علمه أن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر ، اسمه مرزبان بن مرذبة اليوناني ، من ولد يونان بن يافث بن نوح . قال ابن هشام : واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية ، فنسبت إليه . قال ابن إسحاق : وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي وكان رجلا قد أدرك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذي القرنين فقال ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب وقال خالد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقول يا ذا القرنين فقال عمر اللهم غفرا ، أما رضيتم أن تسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة ؟ قال ابن إسحاق : والله أعلم أي ذلك كان أقال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ فإن كان قاله فالحق ما قال . ________________________________________ ذكر قصة الرجل الطواف ذي القرنين فصل وذكر قصة الرجل الطواف والحديث الذي جاء فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ملكا مسح الأرض بالأسباب ولم يشرح معنى الأسباب . ولأهل التفسير فيه أقوال متقاربة قالوا في قوله تعالى : وآتيناه من كل شيء سببا [ الكهف : 84 ] أي علما يتبعه وفي قوله تعالى : فأتبع سببا [ الكهف : 85 ] أي طريقا موصلة وقال ابن هشام في غير هذا الكتاب السبب حبل من نور كان ملك يمشي به بين يديه فيتبعه وقد قيل في اسم ذلك الملك زياقيل ، وهذا يقرب من قول من قال سببا أي طريقا ، ويقرب أن يكون تفسيرا لقول النبي " مسح الأرض بالأسباب " ، واختلف في تسميته بذي القرنين كما اختلف في اسمه واسم أبيه فأصح ما جاء في ذلك ما روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال سأل ابن الكواء علي بن أبي طالب ، فقال أرأيت ذا القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ لا نبيا كان ولا ملكا ، ولكن كان عبدا صالحا دعا قومه إلى عبادة الله فضربوه على قرني رأسه ضربتين وفيكم مثله . يعني : نفسه وقيل كانت له ضفيرتان من شعر والعرب تسمي الخصلة من الشعر قرنا ، وقيل إنه رأى في المنام رؤيا طويلة أنه أخذ بقرني الشمس فكان التأويل أنه المشرق والمغرب وذكر هذا الخبر علي بن أبي طالب القيرواني العابد في كتاب البستان له قال وبهذا سمي ذا القرنين وأما اسمه فقال ابن هشام في هذا الكتاب اسمه مرزبى بن مرذبة بذال مفتوحة في اسم أبيه وزاي في اسمه وقيل فيه هرمس وقيل هرديس . وقال ابن هشام في غير هذا الكتاب اسمه الصعب بن ذي مراثد وهو أول التبابعة ، وهو الذي حكم لإبراهيم عليه السلام في بئر السبع حين حاكم إليه فيها ، وقيل إنه أفريدون بن أثفيان الذي قتل الضحاك ، ويروى في خطبة قيس بن ساعدة التي خطبها بسوق عكاظ ، أنه قال فيها : يا معشر إباد أين الصعب ذو القرنين ملك الخافقين وأذل الثقلين وعمر ألفين ثم كان ذلك كلحظة عين وأنشد ابن هشام للأعشى : و الصعب ذو القرنين أصبح بالحنو في جدث أميم مقيم ثاويا وقوله بالحنو يريد حنو قراقر الذي مات فيه ذو القرنين بالعراق وقول ابن هشام في السيرة إنه من أهل مصر ، إنه الإسكندر الذي بنى الإسكندرية ، فعرفت به قول بعيد مما تقدم ويحتمل أن يكون الإسكندر سمي ذا القرنين أيضا تشبيها له بالأول لأنه ملك ما بين المشرق والمغرب فيما ذكروا أيضا ، وأذل ملوك فارس ، وقتل دارا بن دارا ، وأذل ملوك الروم وغيرهم وقال الطبري في الإسكندر وهو اسكندروس بن قليقوس ، ويقال فيه ابن قليس وكانت أمه زنجية وكانت أهديت لدارا أكبر أو سباها ، فوجد منها نكهة استثقلها ، فعولجت ببقلة يقال لها : أندروس ، فحملت منه بدارا الأصغر فلما وضعته ردها ، فتزوجها والد الإسكندر فحملت منه بالإسكندروس ، فاسمه عندهم مشتق من تلك البقلة التي طهرت أمه بها فيما ذكروا ، وذكر عن الزبير أنه قال ذو القرنين هو عبد الله بن الضحاك بن معد [ وقال ابن حبيب في ] المحبر في ذكر ملوك الحيرة ، قال الصعب بن قرين [ بن الهمال ] : هو ذو القرنين ويحتمل أن يكونوا ملوكا في أوقات شتى ، يسمى كل واحد منهم ذا القرنين والله أعلم . والأول كان على عهد إبراهيم عليه السلام وهو صاحب الخضر حين طلب عين الحياة فوجدها الخضر ولم يجدها ذو القرنين حالت بينه وبينها الظلمات التي وقع فيها هو وأجناده في خبر طويل مذكور في بعض التفاسير مشهور عند الأخباريين .

حكم التسمي بأسماء النبيين وأما قول عمر لرجل سمعه يقول يا ذا القرنين لم يكفكم أن تتسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة إن كان عمر قاله بتوقيف من الرسول عليه السلام فهو ملك لا يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الحق وإن كان قاله بتأويل تأوله [ فقد ] خالفه علي في الخبر المتقدم والله أعلم أي الخبرين أصح نقلا ، غير أن الرواية المتقدمة عن علي يقويها ما نقله أهل الأخبار عن ذي القرنين والله أعلم . وكان من مذهب عمر رحمه الله كراهية التسمي بأسماء الأنبياء فقد أنكر على المغيرة تكنيته بأبي عيسى ، وأنكر على صهيب تكنيته بأبي يحيى ، فأخبر كل واحد منهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كناه بذلك فسكت وكان عمر إنما كره من ذلك الإكثار وأن يظن أن للمسلمين شرفا في الاسم إذا سمي باسم نبي أو أنه ينفعه ذلك في الآخرة فكأنه استشعر من رعيته هذا الغرض أو نحوه هو أعلم بما كره من ذلك . وإلا فقد سمى بمحمد طائفة من الصحابة منهم أبو بكر وعلي وطلحة وأبو حذيفة وأبو جهم بن حذيفة وخاطب وخطاب ابنا الحارث كل هؤلاء المحمدين كانوا يكنون بأبي القاسم إلا محمد بن خطاب وسمى أبو موسى ابنا له بموسى ، فكان يكنى به وأسيد بن حضير سمى ابنه بيحيى ، وعلم به النبي عليه السلام فلم ينكر عليه وكان لطلحة عشرة من الولد كلهم يسمى باسم نبي منهم موسى بن طلحة عيسى ، وإسحاق ويعقوب وإبراهيم ومحمد وكان للزبير عشر كلهم يسمى باسم شهيد فقال له طلحة أنا أسميهم بأسماء الأنبياء وأنت تسميهم بأسماء الشهداء ، فقال له الزبير فإني أطمع أن يكون بني شهداء ولا تطمع أنت أن يكون بنوك أنبياء ذكره ابن أبي خيثمة وسمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه إبراهيم والآثار في هذا المعنى كثيرة وفي السنن لأبي داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سموا بأسماء الأنبياء وهذا محمول على الإباحة لا على الوجوب وأما التسمي بمحمد ففي مسند الحارث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ما كان له ثلاثة من الولد ولم يسم أحدهم بمحمد فقد جهل وفي المعيطي عن مالك أنه سئل عمن اسمه محمد ويكنى أبا القاسم فلم ير به بأسا ، فقيل له أكنيت ابنك أبا القاسم واسمه محمد ؟ فقال ما كنيته بها ولكن أهله يكنونه بها ، ولم أسمع في ذلك نهيا ، ولا أرى بذلك بأسا ، وهذا يدل على أن مالكا لم يبلغه أو لم يصح عنده حديث النهي عن ذلك وقد رواه أهل الصحيح - فالله أعلم - ولعله بلغه حديث عائشة أنه عليه السلام - قال " ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي " ؟ وهذا هو الناسخ لحديث النهي والله أعلم وكان ابن سيرين يكره لكل أحد أن يتكنى بأبي القاسم كان اسمه محمدا ، أو لم يكن . وطائفة إنما يكرهونه لمن اسمه محمد وفي المعيطي أيضا أنه سئل عن التسمية بمهدي فكرهه وقال وما علمه بأنه مهدي ، وأباح التسمية بالهادي ، وقال لأن الهادي هو الذي يهدي إلى الطريق وقد قدمنا كراهية مالك التسمي بجبريل . وقد ذكر ابن إسحاق كراهية عمر للتسمي بأسماء الملائكة وكره مالك التسمي بياسين .

أسباب نزول بعض الآيات وعن الروح وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء 85 ] . قال ابن إسحاق : وحدثت عن ابن عباس ، أنه قال لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قالت أحبار يهود يا محمد أرأيت قولك : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا إيانا تريد أم قومك ؟ قال " كلا " ، قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك : أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " إنها في علم الله قليل ،وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه " . قال فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم [ لقمان 27 ] أي إن التوراة في هذا من علم الله قليل . ________________________________________ الروح والنفس فصل وذكر سؤالهم عن الروح وما أنزل الله فيه من قوله تعالى : ويسألونك عن الروح الآية وروي عن ابن إسحاق من غير طريق البكائي أنه قال في هذا الخبر : فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هو جبريل " وهذه الرواية عن ابن إسحاق تدل على خلاف ما روى غيره أن يهود قالت لقريش اسألوه عن الروح فإن أخبركم به فليس بنبي وإن لم يخبركم فهو نبي ، وقال ابن إسحاق فيما تقدم من الحديث اسألوه عن الرجل الطواف وعن الفتية وعن الروح فإن أخبركم وإلا فالرجل متقول فسوى في الخبر بين الروح وغيره واختلف أهل التأويل في الروح المسئول عنه فقال بعضهم هو جبريل لأنه الروح الأمين وروح القدس ، وعلى هذا رواية ابن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش حين سألوه " هو جبريل " ، وقالت طائفة الروح خلق من الملائكة على صور بني آدم وقالت طائفة الروح خلق يرون الملائكة ولا تراهم فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم وروي عن علي أنه قال الروح ملك له مائة ألف رأس لكل رأس مائة ألف وجه في كل وجه مائة ألف فم في كل فم مائة ألف لسان يسبح الله بلغات مختلفة وقالت طائفة الروح الذي سألت عنه يهود هو روح الإنسان ثم اختلف أصحاب هذا القول فمنهم من قال لم يجبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سؤالهم لأنهم سألوه تعنتا واستهزاء فقال الله له قل الروح من أمر ربي ، ولم يأمره أن يبينه لهم وقالت طائفة بل قد أخبرهم الله به وأجابهم عما سألوا ; لأنه قال لنبيه قل الروح من أمر ربي ، وأمر الرب هو الشرع والكتاب الذي جاء به فمن دخل في الشرع وتفقه في الكتاب والسنة عرف الروح فكان معنى الكلام ادخلوا في الدين تعرفوا ما سألتم فإنه من أمر ربي ، أي من الأمر الذي جئت به مبلغا عن ربي ، وذلك أن الروح لا سبيل إلى معرفته من جهة الطبيعة ولا من جهة الفلسفة ولا من جهة الرأي والقياس وإنما يعرف من جهة الشرع فإذا نظرت إلى ما في الكتاب والسنة من ذكره نحو قوله سبحانه ثم سواه ونفخ فيه من روحه [ السجدة 9 ] أي من روح الحياة والحياة من صفات الله سبحانه والنفخ في الحقيقة مضاف إلى ملك ينفخ فيه بأمر ربه وتنظر إلى ما أخبر به الرسول عليه السلام أن الأرواح جنود مجندة وأنها تتعارف وتتشام في الهواء وأنها تقبض من الأجساد بعد الموت وأنها تسأل في القبر فتفهم السؤال وتسمع وترى ، وتنعم وتعذب وتلتذ وتألم وهذه كلها من صفات الأجسام فتعرف أنها أجسام بهذه الدلائل لكنها ليست كالأجساد في كثافتها وثقلها وإظلامها ، إذ الأجساد خلقت من ماء وطين وحمإ مسنون فهو أصلها ، والأرواح خلقت مما قال الله تعالى ، وهو النفخ المتقدم المضاف إلى الملك . والملائكة خلقت من نور كما جاء في الصحيح وإن كان قد أضاف النفخ إلى نفسه فكذلك أضاف قبض الأرواح إلى نفسه فقال الله يتوفى الأنفس حين موتها [ الزمر 42 ] وأضاف ذلك إلى الملك أيضا فقال قل يتوفاكم ملك الموت [ السجدة 11 ] والفعل مضاف إلى الملك مجازا ، وإلى الرب حقيقة فهو أيضا جسم ولكنه من جنس الريح ولذلك سمي روحا من لفظ الريح ونفخ الملك في معنى الريح غير أنه ضم أوله لأنه نوراني ، والريح هواء متحرك وإذا كان الشرع قد عرفنا من معاني الروح وصفاته بهذا القدر فقد عرف من جهة أمره كما قال سبحانه قل الروح من أمر ربي وقوله من أمر ربي أيضا ، ولم يقل من أمر الله ولا من أمر ربكم يدل على خصوص وعلى ما قدمناه من أنه لا يعلمه إلا من أخذ معناه من قول الله سبحانه وقول رسوله بعد الإيمان بالله ورسوله واليقين الصادق والفقه في الدين فإن كان لم يخبر اليهود حين سألوه عنه فقد أحالهم على موضع العلم به .

الفرق بين الروح والنفس فصل ومما يتصل بمعنى الروح وحقيقته أن تعرف هل هي النفس أو غيرها ، وقد كثرت في ذلك الأقوال واضطربت المذاهب فتعلق قوم بظواهر من الأحاديث لا توجب القطع لأنها نقل آحاد وأيضا فإن ألفاظها محتملة للتأويل ومجازات العرف واتساعاتها في الكلام كثيرة فمما تعلقوا به في أن الروح هي النفس قول بلال " أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك " مع قول النبي عليه السلام " إن الله قبض أرواحنا " ، وقوله - عز وجل - الله يتوفى الأنفس والمقبوضة هي الأرواح ولم يفرقوا بين القبض والتوفي ، ولا بين الأخذ في قول بلال " أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك " وبين قول النبي عليه السلام " قبض أرواحنا " ، وتنقيح الأقوال وترجيحها يطول . وقد روى أبو عمر في التمهيد حديثا يدل على خلاف مذهبه في أن النفس هي الروح لكن علله فيه أن الله خلق آدم وجعل فيه نفسا وروحا ، فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووفاؤه ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه ونحو هذا ، وهذا الحديث معناه صحيح إذا تؤمل صح نقله أو لم يصح وسبيلك أن تنظر في كتاب الله أولا ، لا إلى الأحاديث التي تنقل مرة على اللفظ ومرة على المعنى ، وتختلف فيها ألفاظ المحدثين فنقول قال الله تعالى : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ولم يقل من نفسي وكذلك قال ثم سواه ونفخ فيه من روحه [ السجدة 9 ] ولم يقل من نفسه ولا يجوز أيضا أن يقال هذا ، ولا خفاء فيما بينهما من الفرق في الكلام وذلك يدل على أن بينهما فرقا في المعنى ، وبعكس هذا قوله سبحانه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ولم يقل تعلم ما في روحي ، ولا أعلم ما في روحك ، ولا يحسن هذا القول أيضا أن يقوله غير عيسى ، ولو كانت النفس والروح اسمين لمعنى واحد كالليث والأسد لصح وقوع كل واحد منهما مكان صاحبه وكذلك قوله تعالى : ويقولون في أنفسهم ولا يحسن في الكلام يقولون في أرواحهم وقال تعالى : أن تقول نفس ولم يقل أن تقول روح ولا يقوله أعرابي ، فأين إذا كون النفس والروح بمعنى واحد لولا الغفلة عن تدبر كلام الله تعالى ؟ ولكن بقيت دقيقة يعرف معها السر والحقيقة ولا يكون بين القولين اختلاف متباين إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به تكون حياة الجسد عادة أجراها الله تعالى ; لأن العقل يوجب ألا يكون للجسم حياة حتى ينفخ فيه ذلك الروح الذي هو في تجاويف الجسد كما قال ابن فورك وأبو المعالي وأبو بكر المرادي ، وسبقهم إلى نحو منه أبو الحسن الأشعري ، ومعنى كلامهم واحد أو متقارب .


الروح سبب الحياة فصل فإذا ثبت أن الروح سبب الحياة عادة أجراها الله تعالى ، فهو كالماء الجاري في عروق الشجرة صعدا ، حتى تحيا به عادة فنسميه ماء باعتبار أوليته ونسمي أيضا هذا روحا باعتبار أوليته واعتبار النفخة التي هي ريح فما دام الجنين في بطن أمه حيا ، فهو ذو روح فإذا نشأ واكتسب ذلك الروح أخلاقا وأوصافا لم تكن فيه وأقبل على مصالح الجسم كلفا به وعشق مصالح الجسد ولذاته ودفع المضار عنه سمي نفسا ، كما يكتسب الماء الصاعد في الشجرة من الشجرة أوصافا لم تكن فيه فالماء في العنبة مثلا هو ماء باعتبار الأصل والبدأة ففيه من الماء الميوعة والرطوبة وفيه من العنبة الحلاوة وأوصاف أخر فتسميه مصطارا إن شئت ، أو خمرا إن شئت ، أو غير ذلك مما أوجبه الاكتساب لهذه الأوصاف فمن قال إن النفس هي الروح على الإطلاق من غير تقييد فلم يحسن العبارة وإنما فيها من الروح الأوصاف التي تقتضيها نفخة الملك والملك موصوف بكل خلق كريم ولذلك قال في الحديث فمن الروح عفافه وحلمه ووفاؤه وفهمه ومن النفس شهوته وغضبه وطيشه وذلك أن الروح كما قدمنا مازج الجسد الذي فيه الدم ويسمى الدم نفسا ، وهو مجرى الشيطان وقد حكمت الشريعة بنجاسة الدم لسر لعله أن يفهم مما نحن بسبيله فمن يعرف جوهر الكلام وينزل الألفاظ منازلها ، لا يسمي روحا إلا ما وقع به الفرق بين الجماد والحي والذي كان سببا للحياة كما في الكتاب العزيز عند ذكر إحياء النطفة ونفخ الروح فيها ، ولا يقال نفخ النفس فيها إلا عند الاتساع في الكلام وتسمية الشيء بما يئول إليه ومن ههنا سمي جبريل عليه السلام : روحا ، والوحي روحا ، لأن به تكون حياة القلوب قال الله سبحانه أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [ الأنعام 122 ] وقال في الكفار أموات غير أحياء [ النحل 21 ] وقال في النفس ما تقدم وقال إن النفس لأمارة بالسوء [ يوسف 53 ] ولم يقل إن الروح لأمارة لأن الروح الذي هو سبب الحياة لا يأمر بسوء ولا يسمى أيضا نفسا ، كما قدمنا حتى يكتسب من الجسد الأوصاف المذكورة وما كان نحوها ، والماء النازل من السماء جنس واحد فإذا مازج أجساد الشجر كالتفاح والفرسك والحنظل والعشر وغير ذلك اختلفت أنواعه كذلك الروح الباطنة التي هي من عند الله هي جنس واحد وقد أضافها إلى نفسه تشريفا لها حين قال ونفخ فيه من روحه ثم يخالط الأجساد التي خلقت من طين وقد كان في ذلك الطين طيب وخبيث فينزع كل فرع إلى أصله وينزع ذلك الأصل إلى ما سبق في أم الكتاب وإلى ما دبره وأحكمه الحكيم الخبير فعند ذلك تتنافر النفوس أو تتقارب وتتحاب أو تتباغض على حسب التشاكل في أصل الخلقة وهي معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " . وقد كتب بعض الحكماء إلى صديق له " إن نفسي غير مشكورة على الانقياد إليك بغير زمام فإنها صادفت عندك بعض جواهرها ، والشيء يتبع بعضه بعضا " .


الإنسان روح وجسد فصل وقد يعبر بالنفس عن جملة الإنسان روحه وجسده فتقول عندي ثلاثة أنفس ولا تقول عندي ثلاثة أرواح لا يعبر بالروح إلا عن المعنى المتقدم ذكره وإنما اتسع في النفس وعبر بها عن الجملة لغلبة أوصاف الجسد على الروح حتى صار يسمى نفسا ، وطرأ هذا الاسم بسبب الجسد كما يطرأ على الماء في الشجر أسماء على حسب اختلاف أنواع الشجر من حلو وحامض ومر وحريف وغير ذلك فتحصل من مضمون ما ذكرنا ألا يقال في النفس هي الروح على الإطلاق حتى تقيد بما تقدم ولا يقال في الروح هو النفس إلا كما يقال في المني هو الإنسان أو كما يقال للماء المغذي للكرمة هو الخمر أو الخل ، على معنى أنه ستنضاف إليه أوصاف يسمى بها خمرا أو خلا ، فتقييد الألفاظ هو معنى الكلام وتنزيل كل لفظ في موضعه هو معنى البلاغة فافهمه .

النفـــس فصل وإذا ثبت هذا فلم يبق إلا قول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، فذكر النفس لأنه معتذر من ترك عمل أمر به والأعمال مضافة إلى النفس لأن الأعمال جسدانية وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الله قبض أرواحنا فذكر الروح الذي هو الأصل لأنه أنسهم من فزعهم فأعلمهم أن خالق الأرواح يقبضها إذا شاء فلا تنبسط انبساطها في اليقظة وروح النائم وإن وصف بالقبض فلا يدل لفظ القبض على انتزاعه بالكلية . كما لا يدل قوله سبحانه في الظل ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا [ الفرقان : 46 ] على إعدام الظل بالكلية وقوله تعالى : الله يتوفى الأنفس فلم يقل الأرواح لأنه وعظ العباد الغافلين عنه فأخبر أنه يتوفى أنفسهم ثم يعيدها حتى يتوفاها ، فلا يعيدها إلى الحشر لتزدجر النفوس بهذه العظة عن سوء أعمالها ; إذ الآية مكية والخطاب للكفار وقد تنزلت الألفاظ منازلها في الحديث والقرآن وذلك معنى الفصاحة وسر البلاغة .

عن تسيير الجبال وبعث الموتى قال وأنزل الله تعالى عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت . وأنزل عليه في قولهم خذ لنفسك ، ما سألوه أن يأخذ لنفسه أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا ، ويبعث معه ملكا يصدقه بما يقول ويرد عنه وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك أي من أن تمشي في الأسواق وتلتمس المعاش جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا [ الفرقان : 7 - 10 ] . وأنزل عليه في ذلك من قولهم وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا [ الفرقان : 20 ] أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفوا لفعلت . وأنزل الله عليه فيما قال عبد الله بن أبي أمية : وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [ الإسراء 90 - 95 ] . قال ابن هشام : الينبوع ما نبع من الماء من الأرض وغيرها . وجمعه ينابيع . قال ابن هرمة . واسمه إبراهيم بن عبد الله الفهري . و إذا هرقت بكل دار عبرة نزف الشؤون و دمعك الينبوع وهذا البيت في قصيدة له . والكسف القطع من العذاب . وواحدته كسفة . مثل سدرة وسدر . وهي أيضا : واحدة الكسف . والقبيل يكون مقابلة ومعاينة . وهو كقوله تعالى : أو يأتيهم العذاب قبلا أي عيانا . وأنشدني أبو عبيدة لأعشى بني قيس بني ثعلبة أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها كصرخة حبلى يسرتها قبيلها يعني : القابلة لأنها تقابلها ، وتقبل ولدها . وهذا البيت في قصيدة له . ويقال القبيل جمعه قبل وهي الجماعات وفي كتاب الله تعالى : وحشرنا عليهم كل شيء قبلا [ الأنعام 111 ] . فقبل جمع قبيل مثل سبل جمع سبيل وسرر جمع سرير وقمص جمع قميص . والقبيل أيضا : في مثل من الأمثال وهو قولهم ما يعرف قبيلا من دبير أي لا يعرف ما أقبل مما أدبر قال الكميت بن زيد تفرقت الأمور بوجهتيهم فما عرفوا الدبير من القبيل وهذا البيت في قصيدة له ويقال إنما أريد بهذا : الفتل فما فتل إلى الذراع فهو القبيل وما فتل إلى أطراف الأصابع فهو الدبير وهو من الإقبال والإدبار الذي ذكرت . ويقال فتل المغزل . فإذا فتل إلى الركبة فهو القبيل وإذا فتل إلى الورك فهو الدبير . والقبيل أيضا : قوم الرجل . والزخرف الذهب . والمزخرف المزين بالذهب . قال العجاج من طلل أمسى تخال المصحفا رسومه و المذهب المزخرفا وهذان البيتان في أرجوزة له ويقال أيضا لكل مزين مزخرف . ________________________________________


ابن هرمة فصل واستشهد ابن هشام بقول ابن هرمة ونسبه فقال فهري : وإنما هو خلجي ، والخلج اسمه قيس بن الحارث بن فهر ، واختلف في تسمية بني قيس بن الحارث الخلج ، فقيل لأنهم اختلجوا من قريش وسكان مكة ، وقيل لأنهم نزلوا بموضع فيه خلج من ماء ونسبوا إليه وابن هرمة واسمه إبراهيم بن علي بن هرمة وهو شاعر من شعراء الدولة العباسية وبيته و إذا هرقت بكل دار عبرة نزف الشؤون و دمعك الينبوع والشؤون مجاري الدمع وهي أطباق الرأس وهي أربعة للرجل وثلاثة للمرأة كذلك ذكروا عن أهل التشريح وكذلك ذكر قاسم بن ثابت في الدلائل فالله أعلم .

من شرح الآيات وكل ما شرح ابن هشام من الآيات التي تلاها ابن إسحاق ، فقد تقدم ما يحتاج بيانه منه وفي قوله سبحانه بيت من زخرف دليل على أن البيت يراد به القصر والمنزل وإن كان عظيما ، فإنه يسمى بيتا كما قدمنا في شرح بيت القصب في حديث خديجة . قال ابن إسحاق : وأنزل عليه في قولهم إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة . يقال له الرحمن . ولن نؤمن به أبدا : كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب [ الرعد 35 ] . وأنزل عليه فيما قال أبو جهل بن هشام - لعنه الله - وما هم به أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب سورة العلق . قال ابن هشام : لنسفعا : لنجذبن ولنأخذن . قال الشاعر قوم إذا سمعوا الصراخ رأيتهم من بين ملجم مهره أو سافع والنادي : المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورهم وفي كتاب الله تعالى : وتأتون في ناديكم المنكر [ العنكبوت 29 ] وهو الندي . قال عبيد بن الأبرص : اذهب إليك فإني من بني أسد أهل الندي و أهل الجرد و النادي وفي كتاب الله تعالى : وأحسن نديا [ مريم : 73 ] . وجمعه أندية . يقول فليدع أهل ناديه . كما قال تعالى : واسأل القرية [ يوسف 82 ] يريد أهل القرية . قال سلامة بن جندل أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم : يومان يوم مقامات و أندية و يوم سير إلى الأعداء تأويب وهذا البيت في قصيدة له . وقال الكميت بن زيد لا مهاذير في الندي مكاث ير و لا مصمتين بالإفحام وهذا البيت في قصيدة له . ويقال النادي : الجلساء . والزبانية الغلاظ الشداد وهم في هذا الموضع خزنة النار . والزبانية أيضا في الدنيا : أعوان الرجل الذين يخدمونه ويعينونه والواحد زبنية . قال ابن الزبعرى في ذلك مطاعيم في المقرى مطاعين في الوغى زبانية غلب عظامها لحومه يقول شداد . وهذا البيت في أبيات له . وقال صخر بن عبد الله الهذلي ، وهو صخر الغي و من كبير نفر زبانية وهذا البيت في أبيات له . قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى عليه فيما عرضوا عليه من أموالهم قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد [ سبأ : 47 ] . فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوا من الحق وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوا عنه حال الحسد منهم له بينهم وبين اتباعه وتصديقه فعتوا على الله وتركوا أمره عيانا ، ولجوا فيما هم عليه من الكفر فقال قائلهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون أي اجعلوه لغوا وباطلا ، واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوما غلبكم . فقال أبو جهل يوما - وهو يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد أن جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر وأنتم أكثر الناس عددا ، وكثرة أفيعجز كل مائة رجل معكم عن رجل منهم ؟ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا [ المدثر 31 ] إلى آخر القصة فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن وهو يصلي ، يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقا معهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع وإن خفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون شيئا من قراءته وسمع هو شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه قال ابن إسحاق : حدثني داود بن الحصين مولى عمرو بن عثمان ، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثهم أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حدثهم إنما أنزلت هذه الآية ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [ الإسراء 110 ] . من أجل أولئك النفر . يقول لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك ، ولا تخافت بها ، فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به .

خزنة جهنم وأبو الأشدين فصل وذكر ابن إسحاق قول أبي جهل مستهزئا : يزعم محمد أن جنود ربه التي يخوفكم بها تسعة عشر وأنتم الناس إلى آخر القصة . وأهل التفسير يعزون هذه المقالة إلى أبي الأشدين الجمحي واسمه كلدة بن أسيد بن خلف وأبو دهبل الشاعر هو ابن أخيه واسمه وهب بن زمعة بن أسيد بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وكانت عند أبي دهبل التوأمة التي يعرف بها صالح مولى التوأمة وهي أخت عبد الله بن صفوان بن أمية ، ولدت له عبد الرحمن قتل يوم الجمل وأنه قال اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر إعجابا منه بنفسه وكان بلغ من شدته - فيما زعموا - أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدمه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصارعة وقال إن صرعتني آمنت بك ، فصرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرارا ، ولم يؤمن وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب وسيأتي في الكتاب والله أعلم وأما ما قال أهل التأويل في خزنة جهنم التسعة عشر فروي عن كعب أنه قال بيد كل واحد منهم عمود له شعبتان وإنه ليدفع بالشعبة تسعين ألفا إلى النار وقد أملينا في معنى أبواب الجنة وأبواب النار فائدة عددها وتسميتها ، وذكر الزبانية والحكمة في كونهم عددا قليلا مسألة في قريب من جزء فلتنظر هناك .

بهت الرسول صلى الله عليه وسلم أن بشرا يعلمه فصل وذكر قول قريش : إنما يعلمه رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا لا نؤمن بالرحمن فأنزل الله سبحانه وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي كان مسيلمة بن حبيب الحنفي ، ثم أحد بني الدول قد تسمى : الرحمن في الجاهلية وكان من المعمرين ذكر وثيمة بن موسى أن مسيلمة تسمى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم

كبير وأنشد في تفسير الزبانية و من كبير نفر زبانية وجدت في حاشية كتاب الشيخ على هذا البيت كبير حي من هذيل قال المؤلف وفي أسد أيضا : كبير بن غنم بن دودان بن أسد ، ومن ذريته بنو جحش بن ريان بن يعمر بن صبوة بن مرة بن كبير ولعل الراجز أن يكون أراد هؤلاء فإنهم أشهر والله أعلم وبنو كبير أيضا : بطن من بني غامد ، وهم من الأزد ، والذي تقدم ذكره من هذيل هو كبير بن طابخة بن لحيان بن سعد بن هذيل .

أول صحابي جهر بالقرآن قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه قال كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال اجتمع يوما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال عبد الله بن مسعود : أنا ، قالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه قال دعوني فإن الله سيمنعني . قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى ، وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم رافعا بها صوته الرحمن علم القرآن قال ثم استقبلها يقرؤها . قال فتأملوه فجعلوا يقولون . ماذا قال ابن أم عبد ؟ قال ثم قالوا : ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ . ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه فقالوا له هذا الذي خشينا عليك فقال ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا ، قالوا : لا ، حسبك ، قد أسمعتهم ما يكرهون .

الذين استمعوا إلى قراءة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا . فجمعهم الطريق فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ، ثم انصرفوا ، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا . فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها ، قال الأخنس وأنا والذي حلفت به . قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال ماذا سمعت ، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبدا ، ولا نصدقه . قال فقام عنه الأخنس وتركه . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله قالوا يهزءون به قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه لا نفقه ما تقول وفي آذاننا وقر لا نسمع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب قد حال بيننا وبينك فاعمل بما أنت عليه إننا عاملون بما نحن عليه إنا لا نفقه عنك شيئا ، فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قولهم وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا إلى قوله وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [ الإسراء 45 - 46 ] أي كيف فهموا توحيدك ربك إن كنت جعلت على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا ، وبينك وبينهم حجابا بزعمهم أي إني لم أفعل ذلك . نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ الإسراء 47 ] أي ذلك ما تواصوا به من ترك ما بعثتك به إليهم . انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا [ الإسراء 48 ] أي أخطئوا المثل الذي ضربوا لك ، فلا يصيبون به هدى ، ولا يعتدل لهم فيه قول وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أي قد جئت تخبرنا : أنا سنبعث بعد موتنا إذا كنا عظاما ورفاتا ، وذلك ما لا يكون . قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة [ الإسراء 49 - 51 ] . أي الذي خلقكم مما تعرفون فليس خلقكم من تراب بأعز من ذلك عليه . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال سألته عن قول الله تعالى : أو خلقا مما يكبر في صدوركم ما الذي أراد الله به ؟ فقال الموت . ________________________________________

حول آيات من القرآن فصل وذكر استماع أبي جهل وأبي سفيان والأخنس إلى قول أبي جهل فلما تجاذينا على الركب . وقع في الجمهرة الجاذي : المقعي على قدميه قال وربما جعلوا الجاذي والجاثي سواء . وذكر قول الله سبحانه خبرا عنهم جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا [ الإسراء 45 ] قال بعضهم مستور بمعنى : ساتر كما قال كان وعده مأتيا أي آتيا ، والصحيح أن مستورا هنا على بابه لأنه حجاب على القلب فهو لا يرى . وذكر حديث ابن عباس حين سئل عن قوله أو خلقا مما يكبر في صدوركم فقال الموت وهو تفسير يحتاج إلى تفسير ورأيت لبعض المتأخرين فيه قال أراد ابن عباس أن الموت سيفنى كما يفنى كل شيء كما جاء أنه يذبح على الصراط فكان المعنى أن لو كنتم حجارة أو حديدا لأدرككم الفناء والموت ولو كنتم الموت الذي هو كبير في صدوركم فلا بد لكم من الفناء - والله أعلم - بتأويل ذلك وقد بقي في نفسي من تأويل هذه الآية شيء حتى يكمل الله نعمته بفهمها إن شاء الله تعالى - وقوله سبحانه ولوا على أدبارهم نفورا يجوز أن يكون نفورا : جمع نافر فيكون نصبا على الحال ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا ل " ولوا " . ومما أنزل الله في استماعهم ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم [ يونس 42 ] ألا ترى كيف جمع يستمعون والحمل على اللفظ إذا قرب منه أحسن ألا ترى إلى قوله سبحانه ومن يسلم وجهه إلى الله فأفرد حملا على لفظ من وقال في آخر الآية ولا خوف عليهم فجمع حملا على المعنى ، لما بعد عن اللفظ وهكذا كان القياس في قوله ومنهم من يستمعون ولكن لما كانوا جماعة ونزلت الآية فيهم بأعيانهم صار المعنى : ومنهم نفر يستمعون يعني أولئك النفر وهم أبو جهل وأبو سفيان والأخنس بن شريق ، ألا ترى كيف قال بعد ومنهم من ينظر إليك فأفرد حملا على اللفظ لارتفاع السبب المتقدم والله أعلم

ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة قال ابن إسحاق : ثم إنهم عدوا على من أسلم ، واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر ، من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم .

تعذيب بلال وعتقه وكان بلال مولى أبي بكر رضي الله عنهما ، لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وهو بلال بن رباح ، وكان اسم أمه حمامة وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللاتي والعزى ; فيقول وهو في ذلك البلاء أحد أحد قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال كان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك وهو يقول أحد أحد ، فيقول أحد ، أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ، ومن يصنع ذلك به من بني جمح فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا ، حتى مر به أبو بكر الصديق بن أبي قحافة - رضي الله عنه - يوما ، وهم يصنعون ذلك به وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال لأمية بن خلف ألا تتقي الله في هذا المسكين ؟ حتى متى ؟ قال أنت الذي أفسدته ، فأنقذه مما ترى ، فقال أبو بكر أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه به قال قد قبلت فقال هو لك . فأعطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه ذلك وأخذه فأعتقه .

من عتقاء أبي بكر ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة ، شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأم شميس وزنيرة ، وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللاتي والعزى ; فقالت كذبوا - وبيت الله - ما تضر اللاتي والعزى ، وما تنفعان فرد الله بصرها . وأعتق النهدية وبنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها ، وهي تقول والله لا أعتقكما أبدا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه حلا يا أم فلان فقالت حل أنت أفسدتهما فأعتقهما ; قال فبكم هما ؟ قالت بكذا وكذا ، قال قد أخذتهما وهما حرتان أرجعا إليها طحينها ، قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ؟ قال وذلك إن شئتما . ومر بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب ، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها ، حتى إذا مل قال إني أعتذر إليك ، إني لم أترك إلا ملالة فتقول كذلك فعل الله بك ، فابتاعها أبو بكر فأعتقها .

بين أبي بكر وأبيه قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن بعض أهله قال قال أبو قحافة لأبي بكر يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا ، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ، ويقومون دونك ؟ قال فقال أبو بكر رضي الله عنه يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل ، قال فيتحدث أنه ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال له أبوه فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى [ الليل 5 ، 6 ] . إلى قوله تعالى : وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى [ الليل 19 - 21 ] . ________________________________________ المكره على الكفر والمعصية فصل وذكر تعذيب من أسلم وطرحهم في الرمضاء وكانوا يلبسونهم أدراع الحديد حتى أعطوهم بألسنتهم ما سألوا من كلمة الكفر إلا بلالا - رحمه الله - وأنزل الله فيهم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ونزل في عمار وأبيه إلا أن تتقوا منهم تقاة ولما كان الإيمان أصله في القلب رخص للمؤمن في حال الإكراه أن يقول بلسانه إذا خاف على نفسه حتى يأمن . قال ابن مسعود ما من كلمة تدفع عني سوطين إلا قلتها هذا في القول فأما الفعل فتنقسم فيه الحال فمنه ما لا خلاف في جوازه كشرب الخمر إذا خاف على نفسه القتل وإن لم يخف إلا ما دون القتل فالصبر له أفضل وإن لم يخف في ذلك إلا كسجن يوم أو طرف من الهوان خفيف فلا تحل له المعصية من أجل ذلك وأما الإكراه على القتل فلا خلاف في حظره لأنه إنما رخص له فيما دون القتل ليدفع بذلك قتل نفس مؤمنة وهي نفسه فأما إذا دفع عن نفسه بنفس أخرى ، فلا رخصة واختلف في الإكراه على الزنى ، فذكر عن ابن الماجشون أنه قال لا رخصة فيه لأنه لا ينتشر له إلا عن إرادة في القلب أو شهوة وأفعال القلب لا تباح مع الإكراه وقال غيره بل يرخص في ذلك لمن خاف القتل لأن انبعاث الشهوة عند المماسة بمنزلة انبعاث اللعاب عند مضغ الطعام وقد يجوز أكل الحرام إذا أكره عليه .

فصل واختلف الأصوليون في مسألة من الإكراه وهي هل المكره على الفعل مخاطب بالفعل أم لا ؟ فقالت المعتزلة : لا يصح الأمر بالفعل مع الإكراه عليه وقالت الأشعرية ذلك جائز لأن العزم إنما هو فعل القلب وقد يتصور منه في ذلك الحين العزم والنية وهي القصد إلى امتثال أمر الله تعالى ، وإن كان ظاهره أنه يفعله خوفا من الناس وذلك إذا أكره على فرض كالصلاة مثلا ، إذا قيل صل وإلا قتلت ، وأما إذا قيل له إن صليت قتلت ، فظن القاضي أن الخلاف بيننا ، وبين المعتزلة في ذلك وغلطه بعض أصحابه وقالوا : لا خلاف في هذه المسألة أنه مخاطب بالصلاة مأمور بها ، وإن رخص له في تركها ، فليس الترخيص مما يخرجه عن حكم الخطاب وإنما يرفع عنه الإكراه المأثم ولا يخرجه عن أن يكون مخاطبا بها ، وهذا الغلط المنسوب إلى القاضي في هذه المسألة ليس بقول له وإنما حكاه في كتاب التقريب والإرشاد عن طائفة من الفقهاء . قالوا : لا يتصور القصد والإرادة للفعل مع الإكراه عليه . قال القاضي : وهذا باطل لأنه يتصور انكفافه عنه مع الإكراه فكذلك يتصور منه القصد إلى الامتثال له وبه يتعلق التكليف فإنما غلط من نسب إليه من الأصوليين هذا القول الذي أبطله وبين بطلانه وإنما ذكرت ما قالوه قبل أن أرى كلامه في المسألة وأقف على حقيقة مذهبه وهو بريء من الغلط فيها .

تعذيب عمار بن ياسر قال ابن إسحاق : وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه - وكانوا أهل بيت إسلام - إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة ، فيمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول فيما بلغني : صبرا آل ياسر موعدكم الجنة فأما أمه فقتلوها ، وهي تأبى إلا الإسلام . وكان أبو جهل الفاسق الذي يغري بهم في رجال من قريش ، إذا سمع بالرجل قد أسلم ، له شرف ومنعة أنبه وأخزاه وقال تركت دين أبيك وهو خير منك : لنسفهن حلمك ولنفيلن رأيك ، ولنضعن شرفك ، وإن كان تاجرا ، قال والله لنكسدن تجارتك ، ولنهلكن مالك ، وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به

فتنة المعذبين قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير ، قال قلت لعبد الله بن عباس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟ قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له آللاتي والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له أهذا الجعل إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم افتداء منهم مما يبلغون من جهده .

رفض تسليم الوليد لتقتله قريش قال ابن إسحاق : وحدثني الزبير بن عكاشة بن عبد الله بن أبي أحمد أنه حدث أن رجلا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد ، وكانوا قد أجمعوا على أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا ، منهم سلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة . قال فقالوا له - وخشوا شرهم إنا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا ، فإنا نأمن بذلك في غيرهم . قال هذا ، فعليكم به . فعاتبوه وإياكم ونفسه . وأنشأ يقول ألا لا يقتلن أخي عييش فيبقى بيننا أبداً تلاحي احذروا على نفسه فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا . قال فقالوا : اللهم العنه . من يغرر بهذا الخبيث فوالله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلا . قال فتركوه ونزعوا عنه قال وكان ذلك مما دفع الله به عنهم . ________________________________________ آل ياسر فصل وذكر فيمن عذب في الله سمية أم عمار ، وقد ذكرنا قتل أبي جهل لها ، وهي أول شهيد في الإسلام وروي أن عمارا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد بلغ منا العذاب كل مبلغ فقال له النبي صبرا أبا اليقظان ثم قال اللهم لا تعذب أحدا من آل عمار بالنار وسمية أمه وهي بنت خياط كانت مولاة لأبي حذيفة بن المغيرة واسمه مهشم وهو عم أبي جهل وغلط ابن قتيبة فيها ، فزعم أن الأزرق مولى الحارث بن كلدة خلف عليها بعد ياسر فولدت له سلمة بن الأزرق وقال أهل العلم بالنساء إنما سمية أم سلمة بن الأزرق سمية أخرى ، وهي أم زياد بن أبي سفيان لا أم عمار وعمار والحويرث وعبود بنو ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذين ويقال الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن عامر بن حارثة بن زيام بن عنس بن مالك بن أدد بن زيد العنسي المذحجي حليف لبني مخزوم ومن ولد عمار عبد الله بن سعد بن الحسن بن عثمان بن الحسن بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر وهو المقتول بالأندلس قتله عبد الرحمن بن معاوية .

زنيرة وغيرها فصل وذكر زنيرة التي أعتقها أبو بكر وأول اسمها : زاي مكسورة بعدها نون مكسورة مشددة على وزن فعيلة هكذا صحت الرواية في الكتاب والزنيرة واحدة الزنانير وهي الحصا الصغار قاله أبو عبيدة وبعضهم يقول فيها : زنبرة بفتح الزاي وسكون النون وباء بعدها ، ولا تعرف زنبرة في النساء وأما في الرجال فزنبرة بن زبير بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وابنه خالد بن زنبرة وهو الغرق قاله الدارقطني .

أم عميس فصل وذكر أم عميس وكانت لبني تيم بن مرة أعتقها أبو بكر وذكر غير ابن إسحاق هؤلاء الذين عذبوا في الله لما أعطوا بألسنتهم ما سئلوا من الكفر جاءت قبيلة كل رجل منهم بأنطاع الأدم فيها الماء فوضعوهم فيها ، وأخذوهم بأطراف الأنطاع واحتملوهم إلا بلالا .


عن بلال وقول ورقة بن نوفل : لئن قتلتموه يعني : بلالا ، وهو على هذا الحال لأتخذنه حنانا أي لأتخذن قبره منسكا ومسترحما . والحنان : الرحمة وكان بلال رحمه الله يكنى : أبا عبد الكريم وقيل أبا عبد الله وأخته غفرة وقد تقدم في أول الكتاب ذكر عمر مولى غفرة ، وهي هذه . والغفرة الأنثى من أولاد الأراوي والذكر غفر .

ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة قال ابن إسحاق : فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصيب أصحابه من البلاء . وما هو فيه من العافية . بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء . قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد . وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم . فكانت أول هجرة كانت في الإسلام . ________________________________________ باب الهجرة إلى أرض الحبشة وقد ذكرنا نسب الحبشة في أول الكتاب وأما النجاشي فاسم لكل ملك يلي الحبشة ، كما أن كسرى اسم لمن ملك الفرس ، وخاقان اسم لملك الترك كائنا من كان وبطليموس اسم لمن ملك يونان وقد ذكرنا هذا المعنى قبل واسم هذا النجاشي : أصحمة بن أبجر وتفسيره عطية .

أصحاب الهجرة الأولى إلى الحبشة وكان أول من خرج من المسلمين من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية معه امرأته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ، أحد بني عامر بن لؤي ، ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة . ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد . ومن بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار . ومن بني زهرة بن كلاب : عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ومن بني عدي بن كعب : عامر بن ربيعة ، حليف آل الخطاب ، من عنز بن وائل معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب . ومن بني عامر بن لؤي أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، ويقال بل أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر . ويقال هو أول من قدمها . ومن بني الحارث بن فهر : سهيل بن بيضاء ، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث . فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة ، فيما بلغني . قال ابن هشام : وكان عليهم عثمان بن مظعون ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم . قال ابن إسحاق : ثم خرج جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة ، فكانوا بها ، منهم من خرج بأهله معه ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له معه .

المهاجرون من بني هاشم وبني أمية ومن بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر : جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، معه امرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم ، ولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن جعفر ، رجل . ومن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن حمل بن شق بن رقبة بن مخدج الكناني وأخوه خالد بن سعيد بن العاص بن أمية معه امرأته أمينة بنت خلف بن سعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو ، من خزاعة . قال ابن هشام : ويقال همينة بنت خلف . قال ابن إسحاق : ولدت له بأرض الحبشة سعيد بن خالد ، وأمة بنت خالد فتزوج أمة بعد ذلك الزبير بن العوام ، فولدت له عمرو بن الزبير ، وخالد بن الزبير .

المهاجرون من بني أسد وبني عبد شمس ومن حلفائهم من بني أسد بن خزيمة : عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد ; وأخوه عبيد الله بن جحش ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية ، وقيس بن عبد الله رجل من بني أسد بن خزيمة ، معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب بن أمية ، ومعيقيب بن أبي فاطمة وهؤلاء آل سعيد بن العاص ، سبعة نفر . قال ابن هشام : معيقيب من دوس . قال ابن إسحاق : ومن بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وأبو موسى الأشعري ، واسمه عبد الله بن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة ، رجلان .

المهاجرون من بني نوفل وبني أسد ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ، حليف لهم رجل . ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ، والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد ، ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد . وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد ، أربعة نفر .

المهاجرون من بني عبد بن قصي وعبد الدار ولدي قصي ومن بني عبد بن قصي : طليب بن عمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد [ بن قصي ] رجل . ومن بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وسويط بن سعد بن حرملة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن أقيش بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو ، من خزاعة ، وابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار خمسة نفر . ________________________________________ وذكر في أول من خرج إلى الحبشة : عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان حين تزوجها يغنيها النساء أحسن شخصين رأى إنسان رقية و بعلها عثمان ولدت رقية لعثمان ابنه عبد الله وبه كان يكنى ، ومات عبد الله وهو ابن ست سنين وكان سبب موته أن ديكا نقره في عينه فتورم وجهه فمرض فمات . وذلك في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة ثم كني بعد ذلك أبا عمرو ، وهذا هو عبد الله الأصغر . وعبد الله الأكبر هو ابنه من فاختة بنت غزوان وأكبر بنيه بعد هذين عمرو ، ومن بنيه عمر وخالد وسعيد والوليد والمغيرة وعبد الملك وأبان ، وفي السيرة من غير هذه الرواية أن رقية كانت من أحسن البشر وأن رجالا من الحبشة رأوها بأرضهم فكانوا يدركلون إذا رأوها إعجابا منهم بحسنها ، فكانت تتأذى بذلك وكانوا لا يستطيعون لغربتهم أن يقولوا لهم شيئا ، حتى خرج أولئك النفر مع النجاشي إلى عدوه الذي كان ثار عليه فقتلوا جميعا ، فاستراحت منهم وظهر النجاشي على عدوه وروى الزبير في حديث أسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا بلطف إلى عثمان ورقية فاحتبس عليه الرسول فقال له عليه السلام إن شئت أخبرتك ما حبسك ، قال نعم قال وقفت تنظر إلى عثمان ورقية تعجب من حسنهما وذكر ابن إسحاق تسمية المهاجرين إلى أرض الحبشة ، وقد تقدم التعريف ببعضهم وذكرنا سبب إسلام عمرو بن سعيد بن العاص وأنه رأى نورا خرج من زمزم أضاءت له منه نخل المدينة ، حتى رأوا البسر فيها ، فقص رؤياه فقيل له هذه بئر بني عبد المطلب ، وهذا النور فيهم يكون فكان سببا لبداره للإسلام .

رؤيا سعد وخالد ولدي العاص وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذه الرؤيا إنما كانت لأخيه وأن عمرا هو الذي عبرها له وهذا هو الصحيح فيها ، والله أعلم وأما أخوه خالد بن سعيد ، فكان يرى - قبل أن يسلم - نفسه قد أشفى على نار تأجج وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ بحجزته يصرفه عنها ، فلما استيقظ علم أن نجاته من النار على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أظهر إيمانه ضربه أبوه بمقرعة حتى كسرها على رأسه وحلف ألا ينفق عليه وأغرى به إخوته فطردوه وآذوه فانقطع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى هاجر إلى أرض الحبشة - كما ذكر ابن إسحاق - وأبوه سعيد بن العاص أبو أحيحة الذي يقول فيه القائل أبو أحيحة أبو أحيحة من يعتم عمته يضرب و إن كان ذا مال و ذا عدد وكان إذا اعتم لم يعتم قرشي إعظاما له وقد قيل في عمته أيضا ما أنشده عمرو بن بحر الجاحظ : و كان أبو أحيحة و قد علمتم بمكة غير مهتضم ذميم

     و إذا شد العصابة ذات يوم           و قام إلى المجالس و الخصوم
   لقد حرمت على على من كان        يمشي  بمكة غير محتقر لئيم

مات أحيحة الذي كان يكنى به في حرب الفجار ، وأسلم من بنيه أربعة أبان وخالد وعمرو والحكم الذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله ومات أحيحة بن سعيد والعاص بن سعيد وغيرهما من بنيه على الكفر قتل العاص منهم يوم بدر كافرا .

أمة بنت خالد وأبوها وذكر أمة بنت خالد بن سعيد التي ولدت بأرض الحبشة ، قال وتزوجها الزبير بن العوام ، وهي التي كساها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرة وجعل يقول سناه سناه يا أم خالد أي حسن حسن بلغة الحبشة ، وكانت قد تعلمت لسان الحبشة ، لأنها ولدت بأرضهم وولدت للزبير عمرا وخالدا ، يقال إن أباها خالد بن سعيد أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم مات بأجنادين شهيدا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استعمله على صنعاء واليمن ، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أبو بكر أن يستعمله فقال لا أعمل لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبدا ، ويروى أن أباه سعيد بن العاص مرض فقال إن رفعني الله من مرضي لا يعبد إله ابن أبي كبشة بمكة أبدا ، فقال ابنه خالد اللهم لا ترفعه فهلك مكانه هؤلاء بنو سعيد بن العاص بن أمية :

عبد شمس وعثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، ولا يختلف في عبد شمس أنه بالدال وأما عب شمس بن سعيد بن زيد مناة بن تميم ، فقال فيه أبو عبيد والقتبي : عبد شمس كما في الأول . وقال أكثر الناس فيه عب شمس ثم اختلفوا في معناه فقيل معناه عبد شمس ، لكن أدغمت الدال وقيل بل [ عب شمس و ] عب الشمس هو ضوءها أو صفاؤها ، وقيل في المثل هو أبرد من عبقر أي البرد وبعضهم يقول وهو المبرد من عب قر أي بياض قر ومن حب قر أيضا . وفيه قول ثالث أعني : عب شمس . وهو مروي عن ابن عمر . وقال معناه عبء شمس بالهمز . ثم حذفت الهمزة تسهيلا . وعبء الشمس . وعبوها مثله . المهاجرون من بني زهرة وبني هذيل وبهراء ومن بني زهرة بن كلاب : عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة وعامر بن أبي وقاص ، وأبو وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن المطلب . ومن حلفائهم من هذيل : عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل ، وأخوه عتبة بن مسعود . ومن بهراء : المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبي أهوز بن أبي فائش بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة . قال ابن هشام : ويقال هزل بن فاس بن ذر ودهير بن ثور . قال ابن إسحاق : وكان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة وذلك أنه تبناه في الجاهلية وحالفه ستة نفر .

المهاجرون من بني تميم وبني مخزوم ومن بني تيم بن مرة الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم ولدت له بأرض الحبشة موسى بن الحارث وعائشة بنت الحارث وزينب بنت الحارث ، وفاطمة بنت الحارث وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، رجلان .

ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ولدت له بأرض الحبشة زينب بنت أبي سلمة ، واسم أبي سلمة عبد الله واسم أم سلمة هند . وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم

من سيرة الشماس قال ابن هشام : واسم شماس عثمان وإنما سمي شماسا ; لأن شماسا من الشماسة قدم مكة في الجاهلية وكان جميلا فعجب الناس من جماله فقال عتبة بن ربيعة - وكان خال شماس أنا آتيكم بشماس أحسن منه فجاء بابن أخته عثمان بن عثمان ، فسمي شماسا . فيما ذكر ابن شهاب وغيره . قال ابن إسحاق : وهبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأخوه عبد الله بن سفيان ، وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وسلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .

المهاجرون من حلفاء بني مخزوم ومن بني جمح ومن حلفائهم معتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كليب بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو ، من خزاعة ، وهو الذي يقال له عيهامة ثمانية نفر . قال ابن هشام : ويقال حبشية ابن سلول وهو الذي يقال له معتب بن حمراء . ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، وابنه السائب بن عثمان وأخواه قدامة بن مظعون ، وعبد الله بن مظعون ، وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، معه امرأته فاطمة بنت المجلل بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وابناه محمد بن حاطب والحارث بن حاطب ، وهما لبنت المجلل وأخوه حطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار ، وسفيان بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح معه ابناه جابر بن سفيان وجنادة بن سفيان ومعه امرأته حسنة وهي أمهما ، وأخوهما من أمهما : شرحبيل بن حسنة أحد الغوث . قال ابن هشام : شرحبيل بن عبد الله أحد الغوث بن مر ، أخي تميم بن مر .

المهاجرون من بني سهم وبني عدي وبني عامر قال ابن إسحاق : وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح المهاجرون من بني زهرة وبني هذيل وبهراء :، أحد عشر رجلا . ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وعبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهل ، وهشام بن العاص بن وائل بن سعد بن سهم قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم . قال ابن إسحاق : وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وعبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأخ له من أمه من بني تميم يقال له سعيد بن عمرو ، وسعيد بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهشم بن سعد بن سهم ومحمية بن الجزاء حليف لهم من بني زبيد ، أربعة عشر رجلا . ومن بني عدي بن كعب : معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وعروة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وعدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وابنه النعمان بن عدي وعامر بن ربيعة ، حليف لآل الخطاب من عنز بن وائل ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم خمسة نفر . ومن بني عامر بن لؤي : أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر معه امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وأخوه السكران بن عمرو ، معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ومالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وسعد بن خولة ، حليف لهم . ثمانية نفر . قال ابن هشام : سعد بن خولة من اليمن .


المهاجرون من بني الحارث قال ابن إسحاق : ومن بني الحارث بن فهر : أبو عبيدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر ، وسهيل ابن بيضاء وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ولكن أمه غلبت على نسبه فهو ينسب إليها ، وهي دعد بنت جحدم بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر ، وكانت تدعى : بيضاء وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وعياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ، ويقال بل ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث ، وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر ، والحارث بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر . ثمانية نفر .

عدد الذين هاجروا إلى الحبشة فكان جميع من لحق بأرض الحبشة ، وهاجر إليها من المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغارا وولدوا بها ، ثلاثة وثمانين رجلا ، إن كان عمار بن ياسر فيهم وهو يشك فيه . ________________________________________ عمار لم يهاجر إلى الحبشة وشك ابن إسحاق في عمار بن ياسر : هل هاجر إلى أرض الحبشة ، أم لا . والأصح عند أهل السير كالواقدي وابن عقبة . وغيرهما أنه لم يكن فيهم .

حول بني الحارث بن قيس وذكر ابن إسحاق من بني الحارث بن قيس من هاجر إلى أرض الحبشة ، ولم يذكر فيهم تميم بن الحارث . وذكره الواقدي وغيره . والحارث بن قيس كان أبوه من المستهزئين الذي أنزل الله فيهم إنا كفيناك المستهزئين [ الحجر : 95 ] .

حول بني زهرة وطليب بن عبد وذكر من بني زهرة من هاجر إلى أرض الحبشة ، وهم ستة نفر ولم يذكر السابع وهو عبد الله بن شهاب جد محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري ، وكان اسمه عبد الجان فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله مات بمكة بعد الفتح وأخوه عبد الله الأصغر شهد أحدا مع المشركين ثم أسلم . وذكر المطلب بن عبد عوف ولم يذكر أخاه طليبا ، وكلاهما هاجر إلى أرض الحبشة ، ومات فيها ، وهما أخوا أزهر بن عبد عوف .

من شعر الهجرة الحبشية وكان مما قيل من الشعر في الحبشة ، أن عبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، حين أمنوا بأرض الحبشة ، وحمدوا جوار النجاشي ، وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحدا ، وقد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به قال

     يا راكباً بلغن عني مغلغلة              من كان يرجو بلاغ الله و الدين

كل امرئ من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور و مفتون

  أنا وجدنا بلاد الله واسعة         تنجي من الذل و المخزاة و الهون
     فلا تقيموا على ذل الحياة وخزي        في الممات و عيب غير مأمون
      إنا تبعنا رسول الله و اطرحوا           قول النبي و عالوا في الموازين
     فاجعل عذابك بالقوم الذين بغوا          و عائذاً بك أن يعلوا فيطغوني

وقال عبد الله بن الحارث أيضا ، يذكر نفي قريش إياهم من بلادهم ويعاتب بعض قومه في ذلك : أبت كبدي لا أكذبنك قتالهم علي و تأباه علي أناملي

      و كيف قتالي معشراً أدبوكم        على الحق أن لا تأشبوه بباطل
            نفتهم عباد الجن من حر أرضهم         فأضحوا على أمر شديد البلابل
                 فإن تك كانت في عدي أمانة              عدي بن سعد عن تقى ، أو تواصل
             فقد كنت أرجو أن ذلكم فيكم                بحمد الذي لا يطبى بالجعائل
                  و بدلت شبلا شبل كل خبيثة                 بذي فجر مأوى الضعاف الأرامل

من شعر الهجرة الحبشية ومسائله النحوية فصل وأنشد لعبد الله بن الحارث ما قاله في أرض الحبشة ، وفيه قوله ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا و عائذاً بك أن يعلوا فيطغونني أنشده سيبويه فيما ينتصب على الفعل المتروك إظهاره وذلك لحكمة وهي أن الفعل لو ظهر لم يخل أن يكون ماضيا أو مستقبلا ، فالماضي يوهم الانقطاع والمتكلم إنما يريد أنه في مقام العائذ وفي حال عوذ والفعل المستقبل أيضا يؤذن بالانتظار وفعل الحال مشترك مع المستقبل في لفظ واحد وذلك يوهم أنه غير عائذ فكان مجيئه بلفظ الاسم المنصوب على الحال أدل على ما يريد فإن عائذا كقائم وقاعد وهو الذي يسمى عند الكوفيين الدائم فالقائل عائذا بك يا رب إنما يريد أنا في حال عياذ بك ، والعامل في هذه الحال تكلمه ونداؤه أي أقول قولي هذا عائذا ، وليس تقديره عذت ولا أعوذ إنما يريد أن يسمعه ربه أو يراه عائذا به . وقوله أن يعلو يجوز أن تكون أن مع ما بعدها في موضع نصب وفي موضع خفض عند النحويين أما النصب فعلى إضمار الفعل لأنه قال عائذا ، فأعلم أنه خائف فكأنه قال أخاف أن يعلو فيطغوني ، وأما الخفض فعلى إضمار حرف الجر فكأنه قال من أن يعلو ، وهو مذهب الخليل وسيبويه في أن المخففة وأن المشددة نحو قوله تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة [ الأنبياء 92 ] تقديره لأن هذه وجاز إضمار حرف الجر في هذين الموضعين وإن كانت حروف الجر لا تضمر لأنهما موصولتان بما بعدهما ، فطال الاسم بالصلة فجاز حذف الجر تخفيفا . ولقائل أن يقول هذه دعوى ادعيتم أن أن وما بعدها اسم مخفوض وهو لا يظهر فيه الخفض ثم بنيتم التعليل على غير أصل لأن الخفض لم يثبت بعد فنقول إنما علمنا أنه في موضع خفض لوقوعه في موضع لا يقع فيه إلا المخفوض بحرف الجر نحو قوله سبحانه وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله [ التوبة 97 ] ونحو قوله تعالى : أحق أن تقوم فيه [ التوبة 108 ] ونحو قوله أن تضل إحداهما [ البقرة 28 ] . فقوله تعالى : أجدر ألا يعلموا ، معناه بأن لا يعلموا ، فلو كان قبل أن فعل لقلنا : حذف حرف الجر فتعدى الفعل فنصب ولكن أجدر وأحق اسمان لا يعملان فمن ههنا عرف النحويون أنه في موضع خفض إذ لا ناصب له وأما ما اعتلوا به من طول الاسم بالصلة وأن ذلك هو الذي سوغ لهم إضمار حرف الجر فتعليل مدخول ينتقض عليهم بالأسماء الموصولة كالذي ومن وما ، فإنها قد طالت بالصلة ومع ذلك لا يجوز إضمار حرف الجر فيها ، لا تقول خرجت ما عندك ، ولا هربت الذي عندك أي من الذي عندك ، وتقول خرجت أن يراني زيد وفررت أن يراني عمرو ، أي من أن يراني ، ولأن يراني بدل على أن العلة غير ما قالوا ، وهي أن أن مع الفعل ليس باسم محض وإنما هو في تأويل اسم والاسم المحض ما دل عليه حرف الجر فلا بد إذا من إظهار حرف الجر إذا جئت به لأنه اسم قابل لدخول الخوافض عليه وأما أن فحرف محض لا يصح دخول حرف جر عليه ولا على الفعل المتصل به فلا تقول هو اسم مخفوض إنما هو في تأويل اسم مخفوض فمن ههنا فرقت العرب بينه وبين غيره من الأسماء فإذا أدخلت عليه حرف الجر مظهرا جاز لأنه في تأويل اسم وإذا أضمرت حرف الجر جاز أيضا التفاتا إلى أن الحرف الجر لا يدخل على الحرف ولا على الفعل فحسن إسقاطه مراعاة للفظ أن وللفعل الفعل ، وقلنا : هو في موضع خفض على معنى أن الكلام يؤول إلى الاسم المخفوض لا أنه يظهر فيه خفض أو يقدر تقدير المبني الذي منعه البناء من ظهور الخفض فيه حتى يشبه أن فنقول هو اسم مبني على السكون ، لا بل نقول هي حرف والحرف لا يدخل عليه حرف الجر لا مضمرا ولا مظهرا ، وإنما هو تقدير في المعنى ، لا في اللفظ فافهمه .

لا يضاف اسم إلى أن المصدرية فصل واعلم أن [ أن ] التي في تأويل المصدر لا يضاف إليها اسم . تقول هذا موضع أن تقعد ويوم خروجك ، ولا تقول يوم أن تخرج لأنها ليست باسم كما قدمنا ، وإنما تضاف إلى الأسماء المحضة لا إلى التأويل ولا يضاف إليها أيضا اسم الفاعل لا بمعنى المضي ولا بمعنى الاستقبال ولا المصدر إلا على وجه واحد نحو مخافة أن تقوم وذلك إذا أردت معنى المفعول بأن وما بعدها ، وأما على نحو إضافة المصدر إلى الفاعل فلا يجوز ذلك . وإنما تكون فاعلة مع الفعل إذا ذكرته قبلها نحو يسرني أن تقوم وأما مع المصدر مضافا إليها فلا ، وتكون مفعولة مع المصدر ومع الفعل معا ، وكل هذا الأسرار بديعة موضعها غير هذا ، لكني أقول ههنا قولا لائقا بهذا الموضع فإني لم أذكر الخفض بإضمار حرف الجر في أن وإن إلا مساعدة لمن تقدم فعليه بنيت التعليل والتأصيل وإذا أبيت من التقليد فلا إضمار لحروف الجر فيها ، إنما هو النصب بفعل مضمر أو مظهر أما قوله تعالى : أحق أن تقوم فيه فإنما لما قال أحق علم أنه يوجب عليه أن يقوم فيه وكذلك أجدر ألا يعلموا ، ومعنى أجدر أخلق وأقرب ولما ثبتت لهم هذه الصفة اقتضى ذلك ألا يعلموا ; فصار منصوبا في المعنى ، ولو جئت بالمصدر الذي هو اسم محض نحو القيام والعلم لم يصح إضمار هذا الفعل لأن أجدر وأحق ونحوهما اسمان يضافان إلى ما بعدهما ، فلو جئت بالقيام بعد قولك أحق فقلت : أحق قيامك ، لانقلب المعنى . ولو نصبته بإضمار الفعل الذي أضمرت مع أن لم يكن دليل عليه لأن الاسم يطلب الإضافة فيمنع من الإضمار والنصب وإذا وقعت بعده لم يطلب الإضافة لما قدمناه من امتناع إضافة الأسماء إليها ، وإنما اخترنا هذا المذهب ، وآثرناه على ما تقدم من إضمار الخافض لأنا قد نجدها في مواضع مجرورة ولا يجوز إضمار حرف الجر كقولك : سر إلى أن تطلع الشمس ولا يجوز إضمار إلى ههنا ، وكذلك تقول هذا خير من أن تفعل كذا ، ولا يجوز أيضا إضمار من ولو كان حرف الجر معها للعلتين المتقدمتين لاطرد جواز ذلك فيها على الإطلاق وإنما هي أبدا إذا لم يكن معها حرف الجر ظاهرا مفعولة بفعل مضمر وقد تكون فاعلة ولكن بفعل ظاهر نحو يعجبني أن تقوم وأما خرجت أن أرى زيدا فعلى إضمار الإرادة والقصد كأنك أردت : أن أراه أو أن لا أراه لأن كل من فعل فعلا ، فقد أراد به أمرا ما ، لكنك إن جعلت مكانها المصدر لم يجز الإضمار أو قبح لأن المصدر تعمل فيه الأفعال الظاهرة إذا كانت متعدية وتصل إليه بحرف جر إذا لم تكن متعدية وأن مع الفعل لا تعمل فيها الحواس ولا أفعال الجوارح الظاهرة تقول رأيت قيام زيد ولا تقول أن يقوم وسمعت كلامك ، ولا تقول سمعت أن تتكلم وإنما يتعلق بها ، وتعمل فيها الأفعال الباطنة نحو خفت واشتهيت وكرهت ، وما كان في معنى هذا أو قريبا منه فإذا سمع المخاطب أن مع الفعل لم يذهب وهمه بحكم العادة إلا إلى هذه المعاني ، فإن كانت ظاهرة فذاك وإلا اعتقدنا أنها مضمرة وأن الفعل الظاهر دال عليها . وغيرها من الأسماء ليس كذلك إذا وقع قبلها فعل من أفعال الجوارح الظاهرة وقع عليها إن كان متعديا أو وصل بحرف إن كان غير متعد ومنع من الإضمار أنه لفظي ، والإضمار معنوي إلا في باب المفعول من أجله وقد قدمنا فيه سرا بديعا فيما سبق من هذا الكتاب . وقال عبد الله بن الحارث أيضا :

    و تلك قريش تجحد الله حقه           كما جحدت عاد و مدين و الحجر
   فإن أنا لم أبرق فلا يسعنني        من الأرض بر ذو فضاء و لا بحر

بأرض بها عبد الإله محمد أبين مافي النفس إذا بلغ النقر فسمي عبد الله بن الحارث - يرحمه الله - لبيته الذي قال المبرق . ________________________________________ فصل وأنشد لعبد الله بن الحارث شعرا فيه كما جحدت عاد و مدين و الحجر أما عاد فقد تقدم نسبها ، وأما الحجر فليست بأمة ولكنها ديار ثمود . أراد أهل الحجر ، وأما مدين فأمة شعيب ، وهم بنو مديان بن إبراهيم عليه السلام وأمهم قطورا بنت يقطان الكنعانية ، ولدت له ثمانية من الولد تناسلت منهم أمم وقد سميناهم في كتاب التعريف والإعلام وفي أول هذا الكتاب . وفيه أيضا قوله فإن أنا لم أبرق فلا يسعنني . البيت قال وبه سمي المبرق قال المؤلف وفي هذا حجة على الأصمعي حين منع أن يقال أرعد وأبرق ، وذكر له قول الكميت أرعد و أبرق يا زيد فلم يره حجة [ وقال الكميت جرمقاني من أهل الموصل ] ليس بحجة وألحقه بالمحدثين لتأخر زمانه كما فعل بذي الرمة حين احتج عليه بقوله ذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة فأبى أن يقول زوجة بهاء التأنيث وقال طالما أكل ذو الرمة الزيت في حوانيت البقالين وبيت المبرق في هذا حجة بلا خلاف وقد وجد أرعد وأبرق في غير هذا البيت مما تقوم به الحجة أيضا ، وبيت المبرق هذا يحتمل وجها آخر وهو أن يكون من أبرق في الأرض إذا ذهب بها لا من أرعد وأبرق وكذلك وجدته في حاشية كتاب الشيخ على هذا البيت منسوبا للمصعب قال الإبراق الذهاب وفي العين أبرقت الناقة بذنبها إذا ضربت به يمينا وشمالا ، وهو في معنى الذهاب في الأرض لأنه جولان فيها ، وهي البروق قال نهشل بن دارم لأخيه سليط - وقد لامه على ترك الكلام في بعض المواطن لا أحسن تأنامك ولا تكذابك تشول بلسانك شولان البروق . وذكر في الشعر يلين مافي النفس إذا بلغ النقر ويروى : يلين ما في الصدر . والنقر البحث عن الشيء وأكثر ما يقال فيه التنقير واستشهد عبد الله المبرق في غزوة الطائف ، وكان أبوه الحارث من المستهزئين وكان جده قيس أعز قريش في زمانه يروى أن عبد المطلب كان ينفز ابنه عبد الله والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو طفل فيقول كأنه في العز قيس بن عدي في دار قيس الندي ينتدي قاله الزبير بن أبي بكر وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه وكان أمية شريفا في قومه في زمانه ذلك أتيم بن عمرو للذي جاء بغضة و من دونه الشرمان و البرك

    أأخرجتني من بطن مكة آمناً                و أسكنتني في صرح بيضاء تقذع

تريش نبالاً لا يواتيك ريشها و تبري نبالاً ريشها لك أجمع و حاربت أقواماً كراماً أعزة و أهلكت أقواماً بهم كنت تفزع

    ستعلم إن نابتك يوماً ملمة                 و أسلمك الأوباش ما كنت تصنع

وتيم بن عمرو ، الذي يدعو عثمان جمح كان اسمه تيما . ________________________________________ حول لام التعجب فصل وذكر شعر عثمان بن مظعون : أتيم بن عمرو للذي جاء بغضة أراه عجبا للذي جاء والعرب تكتفي بهذه اللام في التعجب كقوله عليه السلام لهذا العبد الحبشي جاء من أرضه وسمائه إلى الأرض التي خلق منها قاله في عبد حبشي دفن بالمدينة ، وقال في جنازة سعد بن معاذ وهو واقف على قبره وتقهقر ثم قال سبحان الله لهذا العبد الصالح ضم عليه القبر ثم فرج عنه وقيل في قوله سبحانه لإيلاف قريش أقوال منها : أنها متعلقة بمعنى التعجب كأنه قال اعجبوا لإيلاف قريش ، وبغضة نصب على التمييز كأنه قال يا عجبا لما جاء به من بغضة ويجوز أن يكون مفعولا من أجله وروى الزبير هذا البيت أتيم بن عمرو الذي فار ضغنه

من معاني شعر ابن مظعون وكذلك روي في هذا الشعر في صرح بيطاء تقدع بالطاء وفتح الباء وكسرها ، وقال بيطاء اسم سفينة وتقدع بالدال أي تدفع وزعم أن تيم بن عمرو وهو جمح سمي جمحا ; لأن أخاه سهم بن عمرو - وكان اسمه زيدا - سابقه إلى غاية فجمح عنها تيم فسمي جمحا ، ووقف عليها زيد فقيل قد سهم زيد فسمي سهما . وقوله ومن دوننا الشرمان . الشرم البحر وقال الشرمان بالتثنية لأنه أراد البحر الملح والبحر العذب وفي التنزيل مرج البحرين والشرم من شرمت الشيء إذا خرقته ، وكذلك البحر من بحرت الأرض إذا خرقتها ، ومنه سميت البحيرة لخرق أذنها والبرك : ما اطمأن من الأرض واتسع ولم يكن منتصبا كالجبال . وقوله في صرح بيضاء . يريد مدينة الحبشة ، وأصل الصرح القصر يريد أنه ساكن عند صرح النجاشي . وقوله تقذع أي تكره كأنه من أقذعت الشيء إذا صادفته قذعا ويقال أيضا : قذعت الرجل إذا رميته بالفحش يريد أن أرض الحبشة مقذوعة وأحسب هذه الرواية تصحيفا ، والصحيح ما قدمناه من قول الزبير وروايته وأنه بيطاء بالطاء وتقدع بالدال . وقوله وأسلمك الأوباش يريد أخلاطا من النحاس يقال : أوشاب وأوباش والأوباش أيضا شجر متفرق والوبش بياض في أظفار الأحداث .

أنساب وذكر فيمن هاجر إلى أرض الحبشة من بني عدي معمر بن عبد الله بن نضلة وقال فيه علي بن المديني : إنما هو معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة . وقال ابن إسحاق : نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد وفي حاشية كتاب الشيخ قال إنما هو نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج وذكر أنه قول مصعب في كتاب النسب . وذكر في بني عدي عروة بن عبد العزى بن حرثان كذا في كتاب المصعب إلا أنه قال عمرو بن أبي أثاثة أو عروة بن أبي أثاثة على الشك وذكره أبو عمر في كتاب الاستيعاب فقال فيه عروة بن أبي أثاثة ويقال ابن أثاثة بن عبد العزى بن حرثان قال وأمه أم عمرو بن العاصي ، فهو أخوه لأم . قال المؤلف وأمهما اسمها : ليلى ، وتلقب بالنابغة وهي من بني ربيعة ثم من بني جلان قال أبو عمر ويقال فيه ابن أبي أثاثة قال المؤلف وقد قدمنا أن المصعب الزبيري شك فيه فقال عروة أو عمرو ، وأما الزبير فقال عمرو بن أبي أثاثة ولم يشك ثم قال أبو عمر لم يذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة ، وذكره الواقدي ، وأبو معشر وموسى بن عقبة ، قال المؤلف وهذا وهم من أبي عمر - رحمه الله - فإن ابن إسحاق ذكره فيهم غير أنه نسبه إلى جده عبد العزى ، وأسقط اسم أبيه أبي أثاثة وقال حين ذكر من هاجر من بني عدي بعد ما عدهم خمسة قال أربعة نفر وهو وهم من ابن إسحاق ، وذكر فيهم مع الخمسة ليلى بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة ، فهم على هذا ستة غير أنه يحتمل أنه يريد أربعة نفر دون حليفهم عامر وما أظنه قصد هذا ; لأن من عادته أن يعد الحلفاء مع الصميم لأن الدعوة تجمعهم .

أم سلمة وذكر أم سلمة وبعلها أبا سلمة توفي عنها بالمدينة ، وخلف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر اسمها هذا ، وقيل في اسمها : رملة وأبوها أبو أمية اسمه حذيفة يعرف بزاد الراكب . وذكر أنها ولدت بأرض الحبشة زينب بنت أبي سلمة ، وكان اسم زينب برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب كانت زينب هذه عند عبد الله بن زمعة وكانت قد دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يغتسل وهي إذ ذاك طفلة فنضح في وجهها من الماء فلم يزل ماء الشباب في وجهها ، حتى عجزت وقاربت المائة وكانت من أفقه أهل زمانها ، وأدركت وقعة الحرة بالمدينة ، وقتل لها في ذلك اليوم ولدان اسم أحدهما : كبير والآخر يزيد بن عبد الله بن زمعة فكانت تبكي على أحدهما : ولا تبكي على الآخر فسئلت عن ذلك فقالت أبكيه لأنه جرد سيفه وقاتل والآخر لا أبكيه لأنه لزم بيته وكف يده حتى قتل وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ابتنى بأم سلمة دخل عليها بيتها في ظلمة فوطئ على زينب فبكت فما كان من الليلة الأخرى دخل في ظلمة أيضا ، فقال انظروا زنابكم أن لا أطأ عليها ، أو قال أخروا ذكره الزبير وفي هذا الحديث توهين لرواية من روى أنه كان يرى بالليل كما يرى بالنهار .

النور الذي كان على قبر النجاشي فصل وذكر حديث عائشة كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبر النجاشي نور وقد خرجه أبو داود من طريق سلمة بن الفضل ، وعن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عائشة وأورده في باب . : النور يرى عند الشهيد وليس في هذا الحديث ولا غيره ما يدل على أن النجاشي مات شهيدا ، وأحسبه أراد أن يشهد بهذا الحديث ما وقع في كتب التاريخ من أن عبد الرحمن بن ربيعة أخا سلمان بن ربيعة الذي يقال له ذو النور وكان على باب الأبواب فقتله الترك زمان عمر فهو لا يزال يرى على قبره نور وبعضد هذا حديث النجاشي ، يقول فإذا كان النجاشي - وليس بشهيد - يرى عنده نور فالشهيد أحرى بذلك لقول الله سبحانه والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم [ الحديد 19 ]

إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمنوا ، واطمأنوا بأرض الحبشة ، وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي ، فيردهم عليهم ليفتنوهم في دينهم ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها ، فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ثم بعثوهما إليه فيهم . فقال أبو طالب - حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه - أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم وعمرو وأعداء العدو الأقارب ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر وأصحابه أو عاق ذلك شاغب وهل نالت أفعال النجاشي جعفرا كريم فلا يشقى لديك المجانب تعلم - أبيت اللعن - أنك ماجد وأسباب خير كلها بك لازب تعلم بأن الله زادك بسطة ينال الأعادي نفعها والأقارب وأنك فيض ذو سجال غزيرة قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى ، لا نؤذى ، ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ثم قدما إلى النجاشي هداياه ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم . قالت فخرجا حتى قدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، وقالا لكل بطريق منهم إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ، ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما : نعم . ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه . قالت ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي . قالت فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما ، فليردهم إلى بلادهم وقومهم . قالت فغضب النجاشي ، ثم قال لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما ، ولا يكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني . ________________________________________ إرسال قريش إلى النجاشي في أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ابن إسحاق أنهم أرسلوا عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة وأهدوا معهما هدايا إلى النجاشي . وعبد الله بن أبي ربيعة هذا كان اسمه بحيرا ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسلم : عبد الله وأبوه أبو ربيعة ذو الرمحين وفيه يقول ابن الزبعرى : وراح علينا فضله وهو عاتم بحيرا بن ذي الرمحين قرب مجلسي واسم أبي ربيعة : عمرو ، وقيل حذيفة وأم عبد الله بن أبي ربيعة : أسماء بنت محربة التميمية وهي أم أبي جهل بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة هذا هو والد عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة الشاعر ووالد الحارث أمير البصرة المعروف بالقباع وكان في أيام عمر واليا على الجند وفي أيام عثمان فلما سمع بحصر عثمان جاء لينصره فسقط عن دابته فمات .

عمارة بن الوليد بن المغيرة فصل وكان معهما في ذلك السفر عمارة بن الوليد بن المغيرة الذي تقدم ذكره حين قالت قريش لأبي طالب خذ عمارة بدلا من محمد وادفع إلينا محمدا نقتله وكان عمارة من أجمل الناس فذكر أصحاب الأخبار أنهم أرسلوه مع عمرو بن العاصي إلى النجاشي ، ولم يذكره ابن إسحاق في رواية ابن هشام ، وذكر حديثه مع عمرو في رواية يونس ولكن في غير هذه القصة المذكورة هاهنا ، ولعل إرسالهم إياه مع عمرو ، كان في المرة الأخرى التي سيأتي ذكرها في السيرة عند حديث إسلام عمرو ، وممن ذكر قصة عمارة بطولها أبو الفرج الأصبهاني ، وذكر أن عمرا سافر بامرأته فلما ركبوا البحر وكان عمارة قد هوي امرأة عمرو وهويته ، فعزما على دفع عمرو ، أو كان ذلك من عمارة على غير قصد فدفع عمرا ، فسقط في البحر فسبح عمرو ، ونادى أصحاب السفينة فأخذوه ورفعوه إلى السفينة فأضمرها عمرو في نفسه ولم يبدها لعمارة بل قال لامرأته - فيما ذكر أبو الفرج - قبلي ابن عمك عمارة لتطيب بذلك نفسه فلما أتيا أرض الحبشة مكر به عمرو ، وقال إني قد كتبت إلى بني سهم ليبرؤوا من دمي لك ، فاكتب أنت لبني مخزوم ليبرؤوا من دمك لي ، حتى تعلم قريش أنا قد تصافينا ، فلما كتب عمارة إلى بني مخزوم وتبرءوا من دمه لبني سهم قال شيخ من قريش : قتل عمارة - والله - وعلم أنه مكر من عمرو ، ثم أخذ عمرو يحرض عمارة على التعرض لامرأة النجاشي ، وقال له أنت امرئ جميل وهن النساء يحببن الجمال من الرجال فلعلها أن تشفع لنا عند الملك في قضاء حاجتنا ; ففعل عمارة فلما رأى عمرو ذلك وتكرر عمارة على امرأة الملك ورأى إنابتها إليه أتى الملك منتصحا ، وجاءه بأمارة عرفها الملك قد كان عمارة أطلع عمرا عليها ، فأدركته غيرة الملك وقال لولا أنه جاري لقتلته ، ولكن سأفعل به ما هو شر من القتل فدعا بالسواحر فأمرهن أن يسحرنه فنفخن في إحليله نفخة طار منها هائما على وجهه حتى لحق بالوحوش في الجبال وكان يرى آدميا فيفر منه وكان ذلك آخر العهد به إلى زمن عمر بن الخطاب ، فجاء ابن عمه عبد الله بن أبي ربيعة إلى عمر واستأذنه في المسير إليه لعله يجده فأذن له عمر فسار عبد الله إلى أرض الحبشة ، فأكثر النشدة عنه والفحص عن أمره حتى أخبر أنه - بحيل يرد مع الوحوش إذا وردت ويصدر معها إذا صدرت فسار إليه حتى كمن له في الطريق إلى الماء فإذا هو قد غطاه شعره وطالت أظفاره وتمزقت عليه ثيابه حتى كأنه شيطان فقبض عليه عبد الله وجعل يذكره بالرحم ويستعطفه وهو ينتفض منه ويقول أرسلني يا بحير أرسلني يا بحير وأبى عبد الله أن يرسله حتى مات بين يديه وهو خبر مشهور اختصره بعض من ألف في السير وطوله أبو الفرج وأوردته على معنى كلامه متحريا لبعض ألفاظه .

حوار بين النجاشي وبين المهاجرين قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن فلما جاءوا ، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ، ولا في دين أحد من هذه الملل قالت فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده - لا نشرك به شيئا - وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قالت فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قالت فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت فقال له جعفر نعم فقال النجاشي : فاقرأه علي قالت فقرأ عليه صدرا من كهيعص قالت فبكى والله النجاشي ، حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يكادون . ________________________________________ عن حديث أصحاب الهجرة مع النجاشي فصل وذكر حديث أصحاب الهجرة مع النجاشي ، وقال له جعفر إلى آخر القصة وليس فيها إشكال وفيه من الفقه الخروج عن الوطن وإن كان الوطن مكة على فضلها ، إذا كان الخروج فرارا بالدين وإن لم يكن إلى إسلام فإن الحبشة كانوا نصارى يعبدون المسيح ولا يقولون هو عبد الله وقد تبين ذلك في هذا الحديث وسموا بهذه مهاجرين وهم أصحاب الهجرتين الذين أثنى الله عليهم بالسبق فقال والسابقون الأولون وجاء في التفسير أنهم الذين صلوا القبلتين وهاجروا الهجرتين وقد قيل أيضا : هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ، فانظر كيف أثنى الله عليهم بهذه الهجرة وهم قد خرجوا من بيت الله الحرام إلى دار كفر لما كان فعلهم ذلك احتياطا على دينهم ورجاء أن يخلى بينهم وبين عبادة ربهم يذكرونه آمنين مطمئنين وهذا حكم مستمر متى غلب المنكر في بلد وأوذي على الحق مؤمن ورأى الباطل قاصرا للحق ورجا أن يكون في بلد آخر - أي بلد كان - يخلى بينه وبين دينه ويظهر فيه عبادة ربه فإن الخروج على هذا الوجه حتم على المؤمن وهذه الهجرة التي لا تنقطع إلى يوم القيامة ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [ البقرة 115 ] . فصل وليس في باقي حديثهم شيء يشرح قد شرح ابن هشام الشيوم وهم الآمنون فيحتمل أن تكون لفظة حبشية غير مشتقة ويحتمل أن يكون لها أصل في العربية وأن تكون من شمت السيف إذا أغمدته ، لأن الآمن مغمد عنه السيف أو لأنه مصون في صوان وحرز كالسيف في غمده . وقوله ضوى إليك فتية أي أووا إليك ، ولاذوا بك ، وأما ضوي بكسر الواو فهو من الضوى مقصور وهو الهزال وقال الشاعر فتى لم تلده بنت عم قريبة فيضوي ، و قد يضوي رديد الغرائب ومنه الحديث اغتربوا لا تضووا ، يقول إن تزويج القرائب يورث الضوى في الولد والضعف في القلب قال الراجز إن بلالاً لم تشنه أمه لم يتناسب خاله و عمه

إضافة العين إلى الله وفيه قومهم أعلى بهم عينا ، أي أبصر بهم أي عينهم وإبصارهم فوق عين غيرهم في أمرهم فالعين هاهنا بمعنى الرؤية والإبصار لا بمعنى العين التي هي الجارحة وما سميت الجارحة عينا إلا مجازا ، لأنها موضع العيان وقد قالوا : عانه يعينه عينا إذا رآه وإن كان الأشهر في هذا أن يقال عاينه معاينة والأشهر في عنت أن يكون بمعنى الإصابة بالعين وإنما أوردنا هذا الكلام لتعلم أن العين في أصل وضع اللغة صفة لا جارحة وأنها إذا أضيفت إلى الباري سبحانه فإنها حقيقة نحو قول أم سلمة لعائشة بعين الله مهواك ، وعلى رسول الله تردين ؟ وفي التنزيل ولتصنع على عيني وقد أملينا في المسائل المفردات مسألة في هذا المعنى ، وفيها الرد على من أجاز التثنية في العين مع إضافتها إلى الله تعالى ، وقاسها على اليدين وفيها الرد على من احتج بقول النبي عليه السلام إن ربكم ليس بأعور وأوردنا في ذلك ما فيه شفاء وأتبعناه بمعان بديعة في معنى عور الدجال فلينظر هنالك . قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا عنهم بما استأصل به خضراءهم . قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا : لا نفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا . قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد قالت ثم غدا عليه من الغد فقال له أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه . قالت فأرسل إليهم ليسألهم عنه . قالت ولم ينزل بنا مثلها قط . فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول - والله - [ فيه ] ما قال الله وما جاءنا به نبينا ، كائنا في ذلك ما هو كائن . قالت فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون في عيسى ابن مريم ؟ قالت فقال [ له ] جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . قالت فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود قالت فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - والشيوم الآمنون - من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ما أحب أن لي دبرا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم - قال ابن هشام : ويقال دبري من ذهب . ويقال فأنتم سيوم والدبر - بلسان الحبشة : الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه . قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار ________________________________________ معنى أن عيسى كلمة الله وروحه وقول جعفر في عيسى : هو روح الله وكلمته ومعنى : كلمته أي قال له كما قال لآدم حين خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ولم يقل فكان لئلا يتوهم وقوع الفعل بعد القول بيسير وإنما هو واقع للحال فقوله فيكون مشعر بوقوع الفعل في حال القول وتوجه الفعل بيسير على القول لا يمكن مستقدم ولا مستأخر فهذا معنى الكلمة وأما روح الله فلأنه نفخة روح القدس في جيب الطاهرة المقدسة والقدس : الطهارة من كل ما يشين أو يعيب أو تقذره نفس أو يكرهه شرع وجبريل روح القدس ، لأنه روح لم يخلق من مني ، ولا صدر عن شهوة فهو مضاف إلى الله سبحانه إضافة تشريف وتكريم لأنه صادر عن الحضرة المقدسة وعيسى عليه السلام صادر عنه فهو روح الله على هذا المعنى ; إذ النفخ قد يسمى : روحا أيضا ، كما قال غيلان [ بن عقبة ذو الرمة ] يصف النار فقلت له ارفعها إليك ، و أحيها بروحك ، و اقدرها لها قيتة بدرا وأضف هذا الكلام في روح القدس ، وفي تسمية النفخ روحا إلى ما ذكرناه قبل في حقيقة الروح وشرح معناه فإنه تكملة له .

المهاجرون وانتصار النجاشي قالت فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه . قالت فوالله ما علمتنا حزنا حزنا قط كانت أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت وسار إليه النجاشي ، وبينهما عرض النيل ، قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ قالت فقال الزبير بن العوام : أنا ، قالوا : فأنت - وكان من أحدث القوم سنا - قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده قالت فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى ، فلمع بثوبه وهو يقول ألا أبشروا ، فقد ظفر النجاشي ، وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده . قالت فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها . قالت ورجع النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده واستوثق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة

قصة تملك النجاشي على الحبشة قال ابن إسحاق : قال الزهري : فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدري ما قوله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ؟ قال قلت : لا ، قال فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي ، وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة ، فقالت الحبشة بينها : لو أنا قتلنا أبا النجاشي ، وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا ، فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا ، فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حينا ونشأ النجاشي مع عمه - وكان لبيبا حازما من الرجال - فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها : والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا ، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه . فمشوا إلى عمه فقالوا : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفناه على أنفسنا ، قال ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم . قالت فخرجوا به إلى السوق فباعوه إلى رجل من التجار بستمائة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته . قالت ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمرج على الحبشة أمرهم . فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره الذي بعتم غدوة فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه الآن . قالت فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه . فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه فقال إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ؟ قالوا : لا نعطيك شيئا ، قال إذن والله أكلمه قالوا : فدونك وإياه . قالت فجاءه فجلس بين يديه فقال أيها الملك ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم فأسلموا إلي غلامي ، وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي ، أدركوني ، فأخذوا غلامي ، ومنعوني دراهمي . قالت فقال لهم النجاشي : لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه يده في يده فليذهب به حيث شاء قالوا : بل نعطيه دراهمه . قالت فلذلك يقول ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه . قلت : وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت لما مات النجاشي ، كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور ________________________________________


النجاشي أصحمة فصل وذكر حديث عائشة عن النجاشي حين رد الله عليه ملكه وأن قومه كانوا باعوه فلما مرج أمر الحبشة ، أخذوه من سيده واستردوه . وظاهر الحديث يدل على أنهم أخذوه منه قبل أن يأتي به بلاده لقوله خرجوا في طلبه فأدركوه وقد بين في حديث آخر أن سيده كان من العرب وأنه استعبده طويلا ، وهو الذي يقتضيه قوله فلما مرج على الحبشة أمرهم وضاق عليهم ما هم فيه وهذا يدل على طول المدة في مغيبه عنهم وقد روي أن وقعة بدر حين انتهى خبرها إلى النجاشي علم بها قبل من عنده من المسلمين فأرسل إليهم فلما دخلوا عليه إذا هو قد لبس مسحا ، وقعد على التراب والرماد فقالوا له ما هذا أيها الملك ؟ فقال إنا نجد في الإنجيل أن الله سبحانه إذا أحدث بعبده وجب على العبد أن يحدث لله تواضعا ، وإن الله قد أحدث إلينا وإليكم نعمة عظيمة وهي أن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - بلغني أنه التقى هو وأعداؤه بواد يقال له بدر كثير الأراك ، كنت أرعى فيه الغنم على سيدي ، وهو من بني ضمرة وأن الله قد هزم أعداءه فيه ونصر دينه فدل هذا الخبر على طول مكثه في بلاد العرب ، فمن هنا - والله أعلم - تعلم من لسان العرب ما فهم به سورة مريم حين تليت عليه حتى بكى ، وأخضل لحيته وروي عنه أنه قال إنا نجد في الإنجيل أن اللعنة تقع في الأرض إذا كانت إمارة الصبيان من فقه حديث الهجرة إلى الحبشة فصل ومما في حديث الهجرة إلى الحبشة من الفقه أن جعفر بن أبي طالب قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف نصلي في السفينة إذا ركبنا في البحر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " صل قائما إلا أن تخاف الغرق خرجه الدارقطني ، ولكن في إسناده مقال وفي مسند ابن أبي شيبة : وصلى أنس في السفينة جالسا . وذكر البخاري عن الحسن يصلي قائما إلا أن يضر بأهلها .

إسلام النجاشي والصلاة عليه قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه قال اجتمعت الحبشة ، فقالوا للنجاشي إنك قد فارقت ديننا ، وخرجوا عليه قال فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا ، وقال اركبوا فيها ، وكونوا كما أنتم فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم وإن ظفرت فاثبتوا . ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن عيسى ابن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم ، ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة ، وصفوا له فقال يا معشر الحبشة ، ألست أحق الناس بكم ؟ قالوا : بلى ، قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا : خير سيرة قال فما لكم ؟ قالوا : فارقت ديننا ، وزعمت أن عيسى عبد قال فما تقولون أنتم في عيسى ؟ قالوا : نقول هو ابن الله فقال النجاشي ، ووضع يده على صدره على قبائه هو يشهد أن عيسى ابن مريم لم يزد على هذا شيئا ، وإنما يعني ما كتب فرضوا وانصرفوا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النجاشي صلى عليه واستغفر له ________________________________________ حول كتاب النجاشي والصلاة عليه فصل وذكر الكتاب الذي كتبه النجاشي ، وجعله بين صدره وقبائه وقال للقوم أشهد أن عيسى لم يزد على هذا ، وفيه من الفقه أنه لا ينبغي للمؤمن أن يكذب كذبا صراحا ، ولا أن يعطي بلسانه الكفر وإن أكره ما أمكنه الحيلة وفي المعاريض مندوحة عن الكذب وكذلك قال أهل العلم في قول النبي عليه السلام ليس بالكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيرا روته أم كلثوم بنت عقبة . قالوا : معناه أن يعرض ولا يفصح بالكذب مثل أن يقول سمعته يستغفر لك ، ويدعو لك ، وهو يعني أنه سمعه يستغفر للمسلمين ويدعو لهم لأن الآخر من جملة المسلمين ويحتال في التعريض ما استطاع ولا يختلق الكذب اختلاقا ، وكذلك في خدعة الحرب يوري ، ويكني ، ولا يختلق الكذب يستحله بما جاء من إباحة الكذب في خدع الحرب هذا كله ما وجد إلى الكناية سبيلا . وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي ، واستغفر له وكان موت النجاشي في رجب من سنة تسع ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس في اليوم الذي مات فيه وصلى عليه بالبقيع ، رفع إليه سريره بأرض الحبشة حتى رآه وهو بالمدينة فصلى عليه وتكلم المنافقون فقالوا : أيصلي على هذا العلج ؟ فأنزل الله تعالى :

وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم  [ آل عمران : 199 ] . ومن رواية يونس عن ابن إسحاق أن أبا نيزر مولى علي بن أبي طالب ، كان ابنا للنجاشي نفسه وأن عليا وجده عند تاجر بمكة فاشتراه منه وأعتقه مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين . 

وذكر أن الحبشة مرج عليها أمرها بعد النجاشي ، وأنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبي نيزر ، وهو مع علي ليملكوه ويتوجوه ولم يختلفوا عليه فأبى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من الله علي بالإسلام قال وكان أبو نيزر من أطول الناس قامة وأحسنهم وجها ، قال ولم يكن لونه كألوان الحبشة ، ولكن إذا رأيته قلت : هذا رجل من العرب

ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ابن إسحاق : ولما قدم عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردهما النجاشي بما يكرهونه وأسلم عمر بن الخطاب - وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره - امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا ، وكان عبد الله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة ، حتى أسلم عمر بن الخطاب ، فلما أسلم قاتل قريشا ، حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة . قال البكائي قال حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم ، قال قال عبد الله بن مسعود : إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم ، قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه قال ابن إسحاق : حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة ، قالت والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب ، حتى وقف علي وهو على شركه - قالت وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا ، وشدة علينا - قالت فقال إنه للانطلاق يا أم عبد الله . قالت فقلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله مخرجا . قالت فقال صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا . قالت فجاء عامر بحاجته تلك فقالت له يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا قال أطمعت في إسلامه ؟ قالت قلت : نعم قال فلا يسلم الذي رأيت ، حتى يسلم حمار الخطاب قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام . قال ابن إسحاق : وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب ، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وكان نعيم بن عبد الله النحام من مكة ، رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم ، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو ، وأختك : فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما ، قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها : " طه " يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم - أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت . قالا له ما سمعت شيئا ، قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا ، وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك : فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبا ، فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها ، قال لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها : " طه " فقرأها ، فلما قرأ منها صدرا ، قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك عمر فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف فقال حمزة بن عبد المطلب : فأذن له فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ائذن له " ، فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه في الحجرة فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه به جبذة شديدة وقال " ما جاء بك يا بن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة " ، فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينتصفون بهما من عدوهم فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد ، أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للإسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، قال فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك قال فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا . قال فقلت : لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها . قال فخرجت فجئته فلم أجده . قال فقلت : فلو أني جئت الكعبة ، فطفت بها سبعا أو سبعين . قال فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي ، وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، وكان مصلاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني . قال فقلت حين رأيته : والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول قال فقلت : لئن دنوت منه أستمع منه لأرو عنه فجئت من قبل الحجر ، فدخلت تحت ثيابها ، فجعلت أمشي رويدا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة . قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي ، فبكيت ودخلني الإسلام فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين ، وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ، ثم يسلك بين دار عباس بن المطلب ، وبين دار بن أزهر بن عبد عوف الزهري ، ثم على دار الأخنس بن شريق ، حتى يدخل بيته وكان مسكنه - صلى الله عليه وسلم - في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان . قال عمر رضي الله عنه فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر ، أدركته ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسي عرفني ، فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ، ثم قال " ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة " ؟ قال قلت : جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فحمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال " قد هداك الله يا عمر " ، ثم مسح صدري ، ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته قال ابن إسحاق : والله أعلم أي ذلك كان ________________________________________ إسلام عمر وحديث خباب فصل في حديث إسلام عمر . ذكره إلى آخره وليس فيه إشكال وكان إسلام عمر والمسلمون إذ ذاك بضعة وأربعون رجلا ، وإحدى عشرة امرأة . وفيه أن خبابا وهو ابن الأرت كان يقرئ فاطمة بنت الخطاب القرآن وخباب تميمي بالنسب وهو خزاعي بالولاء لأم أنمار بنت سباع الخزاعي وكان قد وقع عليه سباء فاشترته وأعتقته فولاؤه لها ، وكان أبوها لعوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة فهو زهري بالحلف وهو ابن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، كان قينا يعمل السيوف في الجاهلية وقد قيل إن أمه كانت أم سباع الخزاعية ، ولم يلحقه سباء ولكنه انتمى إلى حلفاء أمه بني زهرة يكنى : أبا عبد الله وقيل أبا يحيى ، وقيل أبا محمد مات بالكوفة سنة تسع وثلاثين بعدما شهد مع علي صفين والنهروان ، وقيل بل مات سنة سبع وثلاثين . ذكر أن عمر بن الخطاب سأله عما لقي في ذات الله فكشف ظهره فقال عمر ما رأيت كاليوم فقال يا أمير المؤمنين لقد أوقدت لي نار فما أطفأها إلا شحمي .

تطهير عمر ليمس القرآن فصل وفيه ذكر تطهير عمر ليمس القرآن وقول أخته لا يمسه إلا المطهرون والمطهرون في هذه الآية هم الملائكة وهو قول مالك في الموطأ واحتج بالآية الأخرى التي في سورة عبس ولكنهم وإن كانوا الملائكة ففي وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر المس ما يقتضي ألا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين فقد تعلق الحكم بصفة التطهير ولكنه حكم مندوب إليه وليس محمولا على الفرض وكذلك ما كتب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وألا يمس القرآن إلا طاهر ليس على الفرض وإن كان الفرض فيه أبين منه في الآية لأنه جاء بلفظ النهي عن مسه على غير طهارة ولكن في كتابه إلى هرقل بهذه الآية يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة [ آل عمران : 64 ] دليل على ما قلناه وقد ذهب داود وأبو ثور وطائفة ممن سلف منهم الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان إلى إباحة مس المصحف على غير طهارة واحتجوا بما ذكرنا من كتابه إلى هرقل ، وقالوا : حديث عمرو بن حزم مرسل فلم يروه حجة والدارقطني قد أسنده من طرق حسان أفواها : رواية أبي داود الطيالسي عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه عن جده ومما يقوي أن المطهرين في الآية هم الملائكة أنه لم يقل المتطهرون وإنما قال المطهرون وفرق ما بين المتطهر والمطهر أن المتطهر من فعل الطهور وأدخل نفسه فيه كالمتفقه من يدخل نفسه في الفقه وكذلك المتفعل في أكثر الكلام وأنشد سيبويه : وقيس عيلان ومن تقيسا فالآدميون متطهرون إذا تطهروا ، والملائكة مطهرون خلقة والآدميات إذا تطهرن متطهرات وفي التنزيل فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله [ البقرة 222 ] والحور العين مطهرات وفي التنزيل لهم فيها أزواج مطهرة [ النساء 57 ] وهذا فرق بين وقوة لتأويل مالك رحمه الله والقول عندي في الرسول عليه السلام أنه متطهر ومطهر أما متطهر فلأنه بشر آدمي يغتسل من الجنابة ويتوضأ من الحدث وأما مطهر فلأنه قد غسل باطنه وشق عن قلبه وملئ حكمة وإيمانا فهو مطهر ومتطهر واضمم هذا الفصل إلى ما تقدم في ذكر مولده من هذا المعنى ، فإنه تكملة والحمد لله وفي تطهر عمر قبل أن يظهر الإسلام قوة لقول ابن القاسم : إن الكافر إذا تطهر قبل أن يظهر إسلامه ويشهد الشهادتين أنه مجزئ له وقد عاب قول ابن القاسم هذا كثير من الفقهاء وكذلك في خبر إسلام سعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير ، وقد سأله كيف يصنع من يريد الدخول في هذا الدين فقال يتطهر ثم يشهد بشهادة الحق ففعل ذلك هو وأسيد بن حضير وحديث إسلام عمر وإن كان من أحاديث السير فقد خرجه الدارقطني في سننه غير أنه خرج أيضا من طريق أنس أن أخت عمر قالت له إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الصحيفة وفيها سورة طه ، ففي هذه الرواية أنه كان وضوءا ، ولم يكن اغتسالا ، وفي رواية يونس أن عمر حين قرأ في الصحيفة سورة طه انتهى منها إلى قوله لتجزى كل نفس بما تسعى [ طه : 15 ] فقال ما أطيب هذا الكلام وأحسنه وذكر هذا الحديث بطوله وفيه أن الصحيفة كان فيها مع سورة طه : إذا الشمس كورت وأن عمر انتهى في قراءتها إلى قوله علمت نفس ما أحضرت

زيادة في إسلام عمر فصل وذكر ابن سنجر زيادة في إسلام عمر قال حدثنا أبو المغيرة قال نا صفوان بن عمرو ، قال حدثني شريح بن عبيد ، قال قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن قال قلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون قال قلت : كاهن علم ما في نفسي ، فقال ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون إلى آخر السورة قال فوقع الإسلام في قلبي كل موقع وقال عمر حين أسلم : الحمد لله ذي المن الذي وجبت له علينا أياد مالها غير

      و قد بدأنا فكذبنا ، فقال لنا                صدق الحديث نبي عنده الخبر
      و قد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى        ربي عشية قالوا : قد صبا عمر
    و قد ندمتُ على ما كان من زلل      بظلمها حين تتلى عندها السور
      لما دعت ربها ذي العرش جاهدة       و الدمع من عينها عجلان يبتدر

أيقنت أن الذي تدعوه خالقها فكاد تسبقني من عبرة درر

 فقلت : أشهد أن الله خالقنا           و أن أحمد فينا اليوم مشتهر
    نبي صدق أتى بالق من الثقة          وافى الأمانة مافي عوده خور

رواه يونس عن ابن إسحاق . وذكر البزار في إسلام عمر أنه قال فلما أخذت الصحيفة فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم فجعلت أفكر من أي شيء اشتق ثم قرأت فيها : سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم أول الحديد . وجعلت أقرأ وأفكر حتى بلغت : آمنوا بالله ورسوله [ الحديد 7 ] . فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

من تفسير حديث إسلام عمر فصل وفي حديث إسلام عمر قال ما هذه الهينمة والهينمة كلام لا يفهم واسم الفاعل معه مهينم كأنه بتصغير وليس بتصغير ومثله المبيطر والمهيمن والمبيقر بالقاف وهو المهاجر من بلد إلى بلد والمسيطر ولو صغرت واحدا من هذه الأسماء لحذفت الياء الزائدة كما تحذف الألف من مفاعل ، وتلحق ياء التصغير في موضعها ، فيعود اللفظ إلى ما كان فيقال في تصغير مهينم ومبيطر مهينم ومبيطر فإن قيل فهلا قلتم إنه لا يصغر إذ لا يعقل تصغير على لفظ التكبير وإلا فما الفرق ؟ فالجواب أنه قد يظهر الفرق بينهما في مواضع منها : الجمع فإنك تجمع مبيطرا : مباطر بحذف الياء وإذا كان مصغرا لا يجمع إلا بالواو والنون فتقول مبيطرون وذلك أن التصغير لا يكسر لأن تكسيره يؤدي إلى حذف الياء في الخماسي لأنها زائدة كالألف فيذهب معنى التصغير وأما الثلاثي المصغر فيؤدي تكسيره إلى تحريك ياء التصغير أو همزها ، وذلك أن يقال في فليس فلائس فيذهب أيضا معنى التصغير لتصغير لفظ الياء التي هي دالة عليه ولو بنيت اسم فاعل من بيأس لقلت فيه مبيئس ولو سهلت الهمزة حركت الياء فقلت فيه مبييس وتقول في تصغيره إذا صغرته : مبيس بالإدغام كما تقول [ في ] أبوس : أبيس ، ولا تنقل حركة الهمزة إلى الياء إذا سهلت كما تنقلها في اسم الفاعل من بيأس ونحوه إذا سهلت الهمزة وهذه مسألة من التصغير بديعة يقوم على تصحيحها البرهان . حول النهيم وهكذا فصل وفي حديث إسلام عمر فنهمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي زجره والنهيم زجر الأسد والنهامي الحداد والنهام طائر وفيه قول العاصي بن وائل قال هكذا [ خلوا ] عن الرجل وهي كلمة معناها : الأمر بالتنحي ، فليس يعمل فيها ما قبلها ، كما يعمل إذا قلت : اجلس هكذا ، أي على هذه الحال وإن كان لا بد من عامل فيها إذا جعلتها للأمر لأنها كاف التشبيه دخلت على ذا ، وها : تنبيه فيقدر العامل إذا مضمرا ، كأنك قلت : ارجعوا هكذا ، وتأخروا هكذا ، واستغني بقولك : هكذا عن الفعل كما استغني برويدا عن ارفق . قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال لما أسلم أبي عمر قال أي قريش أنقل للحديث ؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي . قال فغدا عليه قال عبد الله بن عمر : فعدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت ، حتى جاءه فقال له أعلمت يا جميل أني قد أسلمت : ودخلت في دين محمد ؟ قال فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعت أبي ، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش ، وهم في أنديتهم حول باب الكعبة ، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ قال يقول عمر من خلفه كذب ولكني قد أسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم . قال وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلثمائة رجل لتركناها لكم أو لتركتموها لنا ، قال فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش ، عليه حلة حبرة وقميص موشى ، حتى وقف عليهم فقال ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ عمر فقال فمه رجل اختار لنفسه أمرا ، فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا ؟ خلوا عن الرجل . قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه . قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ؟ فقال ذلك أي بني العاص بن وائل السهمي قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أنه قال يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ، جزاه الله خيرا ؟ قال يا بني ذاك العاص بن وائل لا جزاه الله خيرا . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو بعض أهله قال قال عمر لما أسلمت تلك الليلة تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت ، قال قلت : أبو جهل - وكان عمر لختمة بنت هشام بن المغيرة - قال فأقبلت حين أصبحت ، حتى ضربت عليه بابه . قال فخرج إلي أبو جهل فقال مرحبا وأهلا يا بن أختي ، ما جاء بك ؟ جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به قال فضرب الباب في وجهي ، وقال قبحك الله وقبح ما جئت به ________________________________________ جميل بن معمر فصل وذكر قول عمر لجميل بن معمر الجمحي إني قد أسلمت ، وبايعت محمدا ، فصرخ جميل بأعلى صوته ألا إن عمر قد صبأ . جميل هذا هو الذي كان يقال له ذو القلبين وفيه نزلت في أحد الأقوال ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه [ الأحزاب : 4 ] ، وفيه قيل و كيف ثوائي بالمدينة بعدما قضى وطراً منه جميل بن معمر وهو البيت الذي تغنى به عبد الرحمن بن عوف في منزله واستأذن عمر فسمعه وهو يتغنى ، وينشد بالركبانية ، وهو غناء يحدى به الركاب فلما دخل عمر قال له عبد الرحمن إنا إذا خلونا ، قلنا ما يقول الناس في بيوتهم وقلب المبرد هذا الحديث وجعل المنشد عمر والمستأذن عبد الرحمن ورواه الزبير كما تقدم وهو أعلم بهذا الشأن .

خبر الصحيفة قال ابن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا ، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم وأن عمر قد أسلم ، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وجعل الإسلام يفشو في القبائل اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم ، وبني المطلب ، على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ، ولا يبتاعوا منهم فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي - قال ابن هشام : ويقال النضر بن الحارث - فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشل بعض أصابعه . قال ابن إسحاق : فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب ، فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه وخرج من بني هاشم : أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب ، إلى قريش ، فظاهرهم .

موقف أبي لهب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة ، حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا ، فقال يا بنت عتبة هل نصرت اللات والعزى ، وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما ؟ قالت نعم فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة قال ابن إسحاق : وحدثت أنه كان يقول في بعض ما يقول يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت فماذا وضع في يدي بعد ذلك ثم ينفخ في يديه ويقول تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد فأنزل الله تعالى فيه تبت يدا أبي لهب وتب قال ابن هشام : تبت خسرت . والتباب الخسران . قال حبيب بن خدرة الخارجي : أحد بني هلال بن عامر بن صعصعة يا طيب إنا في معشر ذهبت مسعاتهم في التبار و التبب وهذا البيت في قصيدة له ________________________________________ حديث الصحيفة التي كتبتها قريش ذكر فيه قول أبي لهب ليديه تبا لكما ، لا أرى فيكما شيئا مما يقول محمد فأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب هذا الذي ذكره ابن إسحاق يشبه أن يكون سببا لذكر الله سبحانه يديه حيث يقول تبت يدا أبي لهب وأما قوله وتب تفسيره ما جاء في الصحيح من رواية مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال لما أنزل الله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين [ الشعراء 214 ] خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الصفا ، فصعد عليه فهتف " يا صباحاه " ، فلما اجتمعوا إليه قال " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي " ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب هكذا قرأ مجاهد والأعمش ، وهي - والله أعلم - قراءة مأخوذة عن ابن مسعود لأن في قراءة ابن مسعود ألفاظا كثيرة تعين على التفسير قال مجاهد : لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس ، ما احتجت أن أسأله عن كثير مما سألته ، وكذلك زيادة قد في هذه الآية فسرت أنه خبر من الله تعالى ، وأن الكلام ليس على جهة الدعاء كما قال تعالى : قاتلهم الله أنى يؤفكون [ التوبة 35 ] ، أي إنهم أهل أن يقال لهم هذا ، فتبت يدا أبي لهب ليس من باب قاتلهم الله ولكنه خبر محض بأن قد خسر أهله وماله واليدان آلة الكسب وأهله وماله مما كسب فقوله تبت يدا أبي لهب تفسيره قوله ما أغنى عنه ماله وما كسب وولد الرجل من كسبه كما جاء في الحديث أي خسرت يداه هذا الذي كسبت ، وقوله وتب تفسيره . سيصلى نارا ذات لهب أي قد خسر نفسه بدخوله النار وقول أبي لهب تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا ، يعني : يديه سبب لنزول تبت يدا كما تقدم . وقوله في الحديث الآخر تبا لك يا محمد سبب لنزول قوله سبحانه وتب فالكلمتان في التنزيل مبنيتان على السببين والآيتان بعدهما تفسير للسببين . تباب يديه وتبابه هو في نفسه والتبب على وزن التلف لأنه في معناه والتباب كالهلاك والخسار وزنا ومعنى ، ولذلك قيل فيه تبب وتباب .

شعر أبي طالب قال ابن إسحاق : فلما اجتمعت على ذلك قريش ، وصنعوا فيه الذي صنعوا ، قال أبو طالب الأ أبلغا عني على ذات بيننا لؤيا وخصا من لؤي بن كعب

 ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا           نبيا كموسى خط في اول الكتب
 وأن عليه في العباد محبة            و لا خير ممن خصه الله بالحب

و إن الذي الصقتم من كتابكم لكم كائن نحسا كراغيه السقب

       أفيقوا أفيقوا , قبل أن يحفر الثرى     و يصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
     و لا تتبعوا أمر الوشاة و تقطعوا            أواصرنا بعد المودة و القرب
       و تستجلبوا حرب عوانا , و ربما            أمر على من ذاقه جلب الحرب
        فلسنا – و رب البيت – نسلم أحمدا         لعزاء من عض الزمان و لا كرب
      و لما تبن منا , و منكم سوالف              و أيد أترت بالقساسية الشهب
         بمعترك ضيق ترى كسر القنا             به و النسور الطخم يعكفن كالشرب
    كأن مجال الخيل في حجراته             و معمعة الأبطال معركة الحرب
         أليس أبونا هاشم شد أزره                 و أوصى بنيه بالطعان و بالضرب
         و لسنا نمل الحرب حتى تملنا             و لا نشتكي ما قد ينوب من النكب
       و لكننا أهل الحفائظ و النهى              إذا طار أرواح الكماة من الرعب

فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا ، حتى جهدوا لا يصل إليهم شيء إلا سرا مستخفيا به من أراد صلتهم من قريش . من جهالة أبي جهل وقد كان أبو جهل بن هشام - فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ، معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد ، وهي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه في الشعب ، فتعلق به وقال أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ؟ والله لا تبرح أنت وطعامك ، حتى أفضحك بمكة . فجاءه أبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد [ بن عبد العزى ] ، فقال ما لك وله ؟ فقال يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال أبو البختري طعام كان لعمته عنده بعثت إليه [ فيه ] ، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها ؟ خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه ووطئه وطأ شديدا ، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيشمتوا بهم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا وسرا وجهارا ، مناديا بأمر الله لا يتقي فيه أحدا من الناس . ________________________________________ من تفسير شعر أبي طالب فصل ذكر شعر أبي طالب : الأ أبلغا عني على ذات بيننا قال قاسم بن ثابت ذات بيننا ، وذات يده وما كان نحوه صفة لمحذوف مؤنث كأنه يريد الحال التي هي ذات بينهم كما قال الله سبحانه وأصلحوا ذات بينكم [ الأنفال 1 ] فكذلك إذا قلت : ذات يده . يريد أمواله أو مكتسباته كما قال عليه السلام أرعاه على زوج في ذات يده وكذلك إذا قلت : لقيته ذات يوم أي لقاءة أو مرة ذات يوم فما حذف الموصوف وبقيت الصفة صارت كالحال لا تتمكن ولا ترفع في باب ما لم يسم فاعله كما ترفع الظروف المتمكنة وإنما هو كقولك : سير عليه شديدا وطويلا ، وقول الخثعمي - واسمه أنس بن مالك [ مدرك ] : عزمت على إقامة ذات صباح ليس هو عندي من هذا الباب وإن كان سيبويه قد جعلها لغة لخثعم ولكنه على معنى إقامة يوم وكل يوم هو ذو صباح كما تقول ما كلمني ذو شفة أي متكلم وما مررت بذي نفس فلا يكون من باب ذات مرة الذي لا يتمكن في الكلام وقد وجدت في حديث قيلة بنت مخرمة ، وهو حديث طويل وقع في مسند ابن أبي شيبة : أن أختها قالت لبعلها : إن أختي تريد المسير مع زوجها حريث بن حسان ذا صباح بين سمع الأرض وبصرها ، فهذا يكون من باب ذات مرة وذات يوم غير أنه ورد مذكرا ; لأنه تشتغل تاء التأنيث مع الصاد وتوالي الحركات فحذفوها ، فقالوا : لقيته ذا صباح وهذا لا يتمكن كما لا يتمكن ذات يوم وذات حين ولا يضاف إليه مصدر ولا غيره . وقول الخثعمي عزمت على إقامة ذي صباح قد أضاف إليه فكيف يضيف إليه ثم ينصبه أو كيف يضارع الحال مع إضافة المصدر إليه ؟ فكذلك خفضه وأخرجه عن نظائره إلا أن يكون سيبويه سمع خثعم يقولون سرت في ذات يوم أو سير عليه ذات يوم برفع التاء فحينئذ يسوغ له أن يقول لغة خثعم ، وأما البيت الذي تقدم فالشاهد له فيه وما أظن خثعم ، ولا أحدا من العرب يجيز التمكن في نحو هذا ، وإخراجه عن النصب والله أعلم . لا التي للتبرئة فصل وفيه و لا خير ممن خصه الله بالحب وهو مشكل جدا لأن لا في باب التبرئة لا تنصب مثل هذا إلا منونا تقول لا خيرا من زيد في الدار ولا شرا من فلان وإنما تنصب بغير تنوين إذا كان الاسم غير موصول بما بعده كقوله تعالى : لا تثريب عليكم اليوم [ يوسف 92 ] . لأن عليكم ليس من صلة التثريب لأنه في موضع الخبر ، وأشبه ما يقال في بيت أبي طالب أن خيرا مخفف من خير كهين وميت [ من هين وميت ] وفي التنزيل خيرات حسان [ الرحمن 70 ] هو مخفف من خيرات . عود إلى شرح شعر أبي طالب وقوله ممن . من متعلقة بمحذوف كأنه قال لا خير أخير ممن خصه الله وخير وأخير لفظان من جنس واحد فحسن الحذف استثقالا لتكرار اللفظ كما حسن ولكن البر من آمن بالله [ البقرة 177 ] . و الحج أشهر معلومات [ البقرة 197 ] لما في تكرار الكلمة مرتين من الثقل على اللسان وأغرب من هذا قول الله تعالى : ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير [ يونس 11 ] أي لو عجله لهم إذا استعجلوا به استعجالا مثل استعجالهم بالخير فحسن هذا الكلام لما في الكلام من ثقل التكرار وإذا حذفوا حرفا واحدا لهذه العلة كقولهم بلحرث بنون فلان وظللت وأحشت فأحرى أن يحذفوا كلمة من حروف فهذا أصل مطرد ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يكون حذف التنوين مراعاة لأصل الكلمة لأن خيرا من زيد إنما معناه أخير من زيد وكذلك شر من فلان إنما أصله أشر على وزن أفعل وحذفت الهمزة تخفيفا ، وأفعل لا ينصرف فإذا انحذفت الهمزة انصرف ونون فإذا توهمتها غير ساقطة التفاتا إلى أصل الكلمة لم يبعد حذف التنوين على هذا الوجه مع ما يقويه من ضرورة الشعر . وقوله بالقساسية الشهب يعني : السيوف نسبها إلى قساس ، وهو معدن حديد لبني أسد ، وقيل اسم للجبل الذي فيه المعدن قال الراجز يصف فأسا : أحضر من معدن ذي قساس كأنه في الحيد ذي الأضراس يرمي به في البلد الدهاس وقال أبو عبيد في القساسية : لا أدري إلى أي شيء نسب والذي ذكرناه قاله المبرد وقوله ذي قساس كما حكى ، ذو زيد أي صاحب هذا الاسم وفي أقيال حمير : ذو كلاع وذو عمرو ، أضيف المسمى إلى اسمه كما قالوا : زيد بطة أضافوه إلى لقبه . وذكر فيه النسور الطخمة ، قيل هي السود الرءوس قاله صاحب العين وقال أيضا : الطخمة سواد في مقدم الأنف . وقوله كراغية السقب يريد ولد الناقة التي عقرها قدار ، فرغا ولدها ، فصاح برغائه كل شيء له صوت فهلكت ثمود عند ذلك فضربت العرب ذلك مثلا في كل هلكة . كما قال علقمة [ بن عبدة ] : رغا فوقهم سقب الماء فداحص بشكته لم يستلب و سليب وقال آخر لعمري لقد لاقت سليم و عامر على جانب الثرثار راغية البكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه فجعلت قريش حين منعه الله منها ، وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته منهم ومنهم من سمي لنا

أبو لهب وامرأته ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار فكان ممن سمي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبد المطلب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب وإنما سماها الله تعالى حمالة الحطب ؟ لأنها كانت - فيما بلغني - تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يمر ، فأنزل الله تعالى فيهما : تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد قال ابن هشام : الجيد العنق . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة يوم تبدي لنا قتيلة عن جيد أسيل تزينه الأطواق وهذا البيت في قصيدة له . وجمعه أجياد . والمسد شجر يدق كما يدق الكتان فتفتل منه حبال . قال النابغة الذبياني - واسمه زياد بن عمرو بن معاوية مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد وهذا البيت في قصيدة له وواحدته مسدة ________________________________________ ذكر أم جميل والمسد وعذابها فصل وذكر أم جميل بنت حرب عمة معاوية وذكر أنها كانت تحمل الشوك وتطرحه في طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله فيها : وامرأته حمالة الحطب قال المؤلف فلما كنى عن ذلك الشوك بالحطب والحطب لا يكون إلا في حبل من ثم جعل الحبل في عنقها ، ليقابل الجزاء الفعل . وقوله من مسد هو من مسدت الحبل إذا أحكمت فتله إلا أنه قال من مسد ولم يقل حبل مسد ولا ممسود لمعنى لطيف ذكره بعض أهل التفسير قال المسد يعبر به في العرف عن حبل الدلو وقد روي أنه يصنع بها في النار ما يصنع بالدلو ترفع بالمسد في عنقها إلى شفير جهنم ثم يرمى بها إلى قعرها هكذا أبدا ، وقولهم أن المسد هو حبل الدلو في العرف صحيح فإنا لم نجده في كلام العرب إلا كذلك كقول [ النابغة ] الذبياني : له صريف صريف القعو بالمسد وقال الآخر وهو يستقي على إبله يا مسد الخوص تعوذ مني إن تك لدنا لينا فإني ما شئت من أشمط مقسئن وقال آخر يارب عبس لا تبارك في أحد في قائم منهم و لا فيمن قعد غير الأولى شدوا بأطراف المسد يريد جمع أينق وأينق جمع ناقة مقلوب وأصله أنوق فقلب وأبدلت الواو ياء لأنها قد أبدلت ياء للكسرة إذا قالوا : نياق وقلبوه فرارا من اجتماع همزتين لو قالوا : أنوق على الأصل يريد أن المسد من جلودها . وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المدينة : قد حرمتها إلا لعصفور قتب أو مسد محالة والمحالة البكرة . وفي حديث آخر أنه حرمها بريدا في بريد إلا المنجدة أو مسد والمنجدة عصا الراعي . وقال أبو حنيفة في النبات كل مسد رشاء وأنشد و بكرة و محوراً صراراً و مسد من أبق مغارا والأبق القنب والزبر الكتان وأنشد أيضا : أنزعها تمطيا و مثا بالمسد المثلوث أو يرثما فقد بان لك بهذا أن المسد حبل البئر وقد جاء في صفة جهنم - أعاذنا الله منها - أنها كطي البئر لها قرنان والقرنان من البئر كالدعامتين للبكرة فقد بان لك بهذا كله ما ذكره أهل التفسير من صفة عذابها أعاذنا الله من عذابه وأليم عقابه وبهذا تناسب الكلام وكثرت معانيه وتنزه عن أن يكون فيه حشو أو لغو - تعالى الله منزله فإنه كتاب عزيز . وقول مجاهد : إنها السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعا لا ينفي ما تقدم إذ يجوز أن يربق في تلك السلسلة أم جميل وغيرها ، فقد قال أبو الدرداء لامرأته يا أم الدرداء إن لله سلسلة تغلي بها مراجل جهنم منذ خلق الله النار إلى يوم القيامة وقد نجاك من نصفها بالإيمان بالله فاجتهدي في النجاة من النصف الآخر بالحض على طعام المسكين وكذلك قول مجاهد : إنها كانت تمشي بالنمائم لا ينفي حملها الشوك وهو في كلام العرب سائغ أيضا ، فقد قال ابن الأسلت لقريش حين اختلفو ا : و نبئتكم شرجين كل قبيلة لها زمل من بين مذك و حاطب فالمذكي الذي يذكي نار العداوة والحاطب الذي ينم ويغري كالمحتطب النار ومن هذا المعنى ، وكأنه منتزع منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل الجنة قتات والقتات هو الذي يجمع القت وهو ما يوقد به النار من حشيش وحطب صغار . عن الجيد والعنق وقوله في جيدها ، ولم يقل في عنقها ، والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الغل ، أو الصفع كما قال تعالى : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا [ يس : 8 ] ويذكر الجيد إذا ذكر الحلي أو الحسن فإنما حسن ههنا ذكر الجيد في حكم البلاغة لأنها امرأة والنساء تحلي أجيادهن وأم جميل لا حلي لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها ، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه فتأمله فإنه معنى لطيف ألا ترى إلى قول الأعشى : يوم تبدي لنا قتيلة عن جيد ولم يقل عن عنق يقول الآخر و أحسن من عقد المليحة جيدها و< يقل عنقها ، ولو قاله لكان غثا من الكلام فإنما يحسن ذكر الجيد حيث قلنا ، وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم [ آل عمران : 21 ] أي لا بشرى لهم إلا ذلك وقول الشاعر [ عمرو بن معدي كرب ] : و خيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم كرب و جيع أ ي لا تحية لهم . كذلك قوله في جيدها حبل من مسد أي ليس ثم جيد يحلى ، إنما هو حبل المسد وانظر كيف قال وامرأته ولم يقل وزوجه لأنها ليست بزوج له في الآخرة ولأن التزويج حلية شرعية وهو من أمر الدين يجردها من هذه الصفة كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط ، فلم يقل زوج نوح وقد قال لآدم اسكن أنت وزوجك [ البقرة 35 ] وقال لنبيه عليه السلام قل لأزواجك وقال وأزواجه أمهاتهم إلا أن يكون مساق الكلام في ذكر الولادة والحمل ونحو ذلك فيكون حينئذ لفظ المرأة لائقا بذلك الموطن كقوله تعالى : وكانت امرأتي عاقرا [ مريم : 5 - 8 ] ، فأقبلت امرأته في صرة [ الذاريات 29 ] لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كان زوجا . غلو في الوصف بالحسن فصل وأنشد شاهدا على الجيد قول الأعشى : يوم تبدي لنا قتيلة عن جيد أسيل تزينه الأطواق وقوله تزينه أي تزيده حسنا ، وهذا من القصد في الكلام وقد أبى المولدون إلا الغلو في هذا المعنى ، وأن يغلبوه فقال في الحماسة حسين بن مطير [ الأسدي ] : مبللة الأطراف زانت عقودها بأحسن مما زينتها عقودها وقال خالد القسري لعمر بن عبد العزيز من تكن الخلافة زينته فأنت زينتها ، ومن تكن شرفته ، فأنت شرفتها ، وأنت كما قال [ مالك ابن أسماء ] : و تزيدين أطيب الطيب طيباً إن تمسيه أين مثلك أينا

   و إذا الدر زان حسن وجوه         كان للدر حسن وجهك زينا

فقال عمر إن صاحبكم أعطى مقولا ، ولم يعط معقولا ، قال المؤلف وإنما لم يحسن هذا من خالد لما قصد به التملق . وإلا فقد صدر مثل هذا المعنى عن الصديق فحسن لما عضده من التحقيق والتحري للحق والبعد عن الملق والخلابة وذلك حين عهد إلى عمر بالخلافة ودفع إليه عهده مختوما ، وهو لا يعرف ما فيه فلما عرف ما فيه رجع إليه حزينا كهيئة الثكلى : يقول حملتني عبئا ألا أضطلع به وأوردتني موردا لا أدري : كيف الصدر عنه فقال له الصديق ما آثرتك بها ، ولكني آثرتها بك ، وما قصدت مساءتك ، ولكن رجوت إدخال السرور على المؤمنين بك ، ومن هاهنا أخذ الحطيئة قوله ما آثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بها الإثر وقد سبك هذا المعنى في النسيب عبد الله بن عباس الرومي ، فقال و أحسن من عقد المليحة جيدها و أحسن من سربالها المتجرد ومما هو دون الغلو وفوق التقصير قول الرضي حليه جيده لا ما يقلده و كحله ما بعينه من الكحل ونحو منه ما أنشده الثعالبي : و ما الحلي إلا حيلة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصر فأما إذا كان الجمال موفراً فحسبك لم يجتج إلى أن يزورا وسمعت القاضي أبا بكر محمد بن العربي يقول حج أبو الفضل الجوهري الزاهد ذات مرة فلما أشرف على الكعبة ، ورأى ما عليها من الديباج تمثل وقال ما علق الحلي على صدرها إلا لما يخشى من العين تقول و الدر على نحرها من علق الشين على الزين وبيت الأعشى المتقدم بعده

   و شتيت كالأقحوان جلاه        الطل فيه عذوبة و اتساق

و أثيث جثل النبات ترويه لعوب غريرة مفتاق

حرة طفلة الأنامل كالدم         لا عانس و لا مهزاق

قال ابن إسحاق : فذكر لي : أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها ، وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فهر من حجارة فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر فقالت يا أبا بكر أين صاحبك ، فقد بلغني أنه يهجوني ؟ والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه أما والله إني لشاعرة ثم قالت مذمماً عصينا و أمره أبينا و دينه قلينا ثم انصرفت ، فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك ؟ فقال ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني قال ابن هشام : قولها : " ودينه قلينا " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وكانت قريش إنما تسمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذمما ، ثم يسبونه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما ، وأنا محمد ________________________________________ الفهر وذكر قول أم جميل لأبي بكر لو وجدت صاحبك لشدخت رأسه بهذا الفهر . المعروف في الفهر التأنيث وتصغيره فهيرة ووقع هاهنا مذكرا . حول قولهم مذمم وحديث خباب وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ألا ترون إلى ما يدفع الله عني من أذى قريش ، يشتمون ويهجون مذمما وأنا محمد " ؟ وأدخل النسوي هذا الحديث في كتاب الطلاق في باب " من طلق بكلام لا يشبه الطلاق فإنه غير لازم " وهو فقه حسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا ترون إلى ما يدفع الله عني فجعل أذاهم مصروفا عنه لما سبوا مذمما ، ومذمما لا يشبه أن يكون اسما له فكذلك إذا قال لها : كلي واشربي ، وأراد به الطلاق لم يلزمه وكان مصروفا عنه لأن مثل هذا الكلام لا يشبه أن يكون عبارة عن الطلاق .

إيذاء أمية بن خلف للرسول صلى الله عليه وسلم . وأمية بن خلف بن وهب بن جذافة بن جمح كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه فأنزل الله تعالى فيه ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة . قال ابن هشام : الهمزة الذي يشتم الرجل علانية ويكسر عينيه عليه ويغمز به . قال حسان بن ثابت : همزتك فاختضعتْ لذل نفس بقافية تأجج كالشواظ وهذا البيت في قصيدة له . وجمعه همزات . واللمزة الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم . قال رؤبة بن العجاج : في ظل عصري باطلي و لمزي وهذا البيت في أرجوزة له وجمعه لمزات . إيذاء العاص للرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : والعاص بن وائل السهمي ، كان خباب بن الأرت ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قينا بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له حتى كان له عليه مال فجاءه يتقاضاه فقال له يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب أو فضة أو ثياب أو خدم ؟ قال خباب بلى . قال فأنظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك ، فوالله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظ في ذلك فأنزل الله تعالى فيه أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب إلى قوله تعالى : ونرثه ما يقول ويأتينا فردا [ هي وما قبلها من سورة مريم : 77 - 80 ] ________________________________________ فصل وذكر حديث خباب مع العاص بن وائل وما أنزل الله فيه من قوله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقد تقدم الكلام على : أرأيت ، وأنه لا يجوز أن يليها الاستفهام كما يلي : علمت ونحوها ، وهي هاهنا : عاملة في الذي كفر وقد قدمنا من القول فيها ما يغني عن إعادته هاهنا ، فلينظر في سورة اقرأ وحديث نزولها

إيذاء أبي جهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - فقال له والله يا محمد لتتركن سب آلهتنا ، أو لنسبن إلهك الذي تعبد . فأنزل الله تعالى فيه ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم [ الأنعام 108 ] فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن سب آلهتهم وجعل يدعوهم إلى الله . ________________________________________

سد الذرائع فصل وذكر قول أبي جهل لتكفن عن سب آلهتنا أو لنسبن إلهك ، فأنزل الله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم [ الأنعام 108 ] الآية . وهذه الآية أصل عند المالكية في إثبات الذرائع ومراعاتها في البيوع وكثير من الأحكام وذلك أن سب آلهتهم كان من الدين فلما كان سببا إلى سبهم الباري - سبحانه - نهى عن سب آلهتهم فكذلك ما يخاف منه الذريعة إلى الربا ، ينبغي الزجر عنه ومن الذرائع ما يقرب من الحرام ومنها ما يبعد فتقع الرخصة والتشديد على حسب ذلك ولم يجعل الشافعي الذريعة إلى الحرام أصلا ، ولا كره شيئا من البيوع التي تتقى فيها الذريعة إلى الربا ، وقال تهمة المسلم وسوء الظن به حرام ومن حجتهم قول عمر بن الخطاب : إنما الربا على من قصد الربا ، وقول النبي عليه السلام إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى فيه أيضا متعلق لهم وقالوا : ونهيه تعالى عن سب آلهتهم لئلا يسب الله تعالى ليس من هذا الباب لأنه لا تهمة فيه لمؤمن ولا تضييق عليه وكما تتقى الذريعة إلى تحليل ما حرم الله فكذلك ينبغي أن يتقى تحريم ما أحل الله فكلا الطرفين ذميم وأحل الله البيع وحرم الربا ، والربا معلوم فما ليس من الربا فهو من البيع والكلام في هذه المسألة للطائفتين والاحتجاج للفريقين يتسع مجاله ويصدنا عن مقصودنا من الكتاب .

إيذاء النضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا ، فدعا فيه إلى الله تعالى ، وتلا فيه القرآن وحذر قريشا ما أصاب الأمم الخالية خلفه في مجلسه إذا قام فحدثهم عن رستم السديد وعن إسفنديار ، وملوك فارس ، ثم يقول والله يا محمد بأحسن حديثا مني ، وما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها . فأنزل الله فيه وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما [ الفرقان : 5 ، 6 ] . ونزل فيه إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ونزل فيه ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم [ الجاثية 7 ، 8 ] . قال ابن هشام : الأفاك الكذاب . وفي كتاب الله تعالى : ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون [ الصافات 151 ، 152 ] . وقال رؤبة لا مرئ أفك قولاً أفكا وهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق : وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما - فيما بلغني - مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس وفي المجلس غير واحد من قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون [ الأنبياء 98 - 100 ] . قال ابن هشام : حصب جهنم كل ما أوقدت به . قال أبو ذؤيب الهذلي واسمه خويلد بن خالد فأطفئ و لا توقد و لا تك محصبا لنار العداة أن تطير شكاتها وهذا البيت في أبيات له . ويروى : ولا تك محضأ . قال الشاعر حضأت له ناري فأبصر ضؤها و ما كان لولا حضأة النار يهتدي عن النضر بن الحارث ورستم فصل حديث النضر بن الحارث وقال في نسبه كلدة بن علقمة وغيره من النساب يقول علقمة بن كلدة وكذلك ألفيته في حاشية كتاب الشيخ أبي بحر عن أبي الوليد وحديث النضر أنه تعلم أخبار رستم وإسفندياز ، وكان يقول اكتتبتها كما اكتتبها محمد ووقع في الأصل اكتتبها كما اكتتبها محمد وفي الرواية الأخرى عن أبي الوليد اكتتبتها كما اكتتبها ، ورستم الشيد بالفارسية معناه ذو الضياء والياء في الشيد والألف سواء ومنه " أرفخشاذ " وقد تقدم شرحه ومنه " جم شاذ " ، وهو من أول ملوك " الأرض " وهو الذي قتله الضحاك " بيوراسب " ، ثم عاش إلى مدة " أفريذون وأبيه جم " ، وبين " أفريذون " وبين " جم " تسعة آباء وقال له حين قتله ما قتلتك بجم وما أنت له بكفء ولكن قتلتك بثور كان في داره وقد تقدم طرف من أخبار رستم وإسفندياز في الجزء قبل هذا .

ابن الزبعرى والأخنس وما قيل فيهما قال ابن إسحاق : ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا : أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم عليهما السلام فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم . فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته فأنزل الله تعالى عليه في ذلك إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم [ الأنبياء 101 ، 102 ] : أي عيسى ابن مريم ، وعزيرا ، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله . ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون [ الأنبياء 26 ، 27 ] . إلى قوله ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين [ الأنبياء 29 ] . ونزل فيما ذكر من أمر عيسى ابن مريم أنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون [ الزخرف 57 ] . أي يصدون عن أمرك بذلك من قولهم . ثم ذكر عيسى ابن مريم فقال إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم [ الزخرف 59 - 61 ] أي ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام فكفى به دليلا على علم الساعة يقول فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ________________________________________ حديث ابن الزبعرى وعزير وذكر حديث ابن الزبعرى ، وقوله إنا نعبد الملائكة وأن النصارى تعبد المسيح إلى آخر كلامه وما أنزل الله في ذلك من قوله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية قال المؤلف ولو تأمل ابن الزبعرى وغيره من كفار قريش الآية لرأى اعتراضه غير لازم من وجهين أحدهما : أنه خطاب متوجه على الخصوص لقريش وعبدة الأصنام وقوله إنا نعبد الملائكة حيدة وإنما وقع الكلام والمحاجة في اللاتي والعزى وهبل وغير ذلك من أصنامهم . والثاني : أن لفظ التلاوة إنكم وما تعبدون ولم يقل ومن تعبدون فكيف يلزم اعتراضه بالمسيح وعزير والملائكة وهم يعقلون والأصنام لا تعقل ومن ثم جاءت الآية بلفظ ما الواقعة على ما لا يعقل وإنما تقع ما على ما يعقل وتعلم بقرينة من التعظيم والإبهام ولعلنا نشرحها ونبينها فيما بعد إن قدر لنا ذلك وسبب عبادة النصارى للمسيح معروف وأما عبادة اليهود عزيرا ، وقولهم فيه إنه ابن الله سبحانه وتعالى عن قولهم وسببه فيما ذكر عبد بن حميد الكشي أن التوراة لما احترقت أيام بخت نصر وذهب بذهابها دين اليهود ، فلما ثاب إليهم أمرهم وجدوا لفقدها أعظم الكرب فبينما عزير يبكي لفقد التوراة ، إذ مر بامرأة جاثمة على قبر قد نشرت شعرها ، فقال لها عزير من أنت ؟ قالت أنا إيليا أم القرى أبكي على ولدي ، وأنت تبكي على كتابك ، وقالت له إذا كان غدا ، فأت هذا المكان فلما أن جاء من الغد للساعة التي وعدته إذا هو بإنسان خارج من الأرض في يده كهيئة القارورة فيها نور فقال له افتح فاك ، فألقاها في جوفه فكتب عزير التوراة - كما أنزلها الله ثم قدر على التوراة بعدما كانت دفنت أن ظهرت فعرضت التوراة ، وما كان عزير كتب فوجدوه سواء فمنها قالوا : إنه ولد الله تعالى عن ذلك .

حصب جهنم وقوله حصب جهنم هو من باب القبض والنفض والحصب بسكون الصاد كالقبض والنفض ومنه الحاصب في قوله سبحانه أن يرسل عليكم حاصبا ويروى : حضب جهنم بضاد معجمة في شواذ القراءات وهو من حضبت النار بمنزلة حضأتها ، يقال أرثتها وأثقبتها وحششتها وأذكيتها وفسر ابن إسحاق قوله يصدون ومن قرأ يصدون فمعناه يعجبون . والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة وكان من أشراف القوم وممن يستمع منه فكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرد عليه فأنزل الله تعالى فيه ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم [ القلم 10 ، 11 ] . إلى قوله تعالى : زنيم ولم يقل زنيم لعيب في نسبه لأن الله لا يعيب أحدا بنسب ولكنه حقق بذلك نعته ليعرف . والزنيم العديد للقوم وقد قال الخطيم التميمي في الجاهلية زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع

ما قيل في الوليد بن المغيرة وأبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة ، قال أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين ؟ فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني : وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ الزخرف 30 ] . إلى قوله تعالى : مما يجمعون وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وعقبة بن أبي معيط ، وكانا متصافيين حسنا ما بينهما . فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع منه فبلغ ذلك أبيا ، فأتى عقبة فقال ألم يبلغني أنك جالست محمدا ، وسمعت منه ثم قال وجهي من وجهك حرام أن أكلمك - واستغلظ من اليمين - إن أنت جلست إليه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل في وجهه . ففعل من ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله . فأنزل الله تعالى فيهما : ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا إلى قوله تعالى : للإنسان خذولا [ الفرقان : 27 - 29 ] .

ومشى أبي بن خلف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعظم بال قد ارفت فقال يا محمد أنت تزعم أن يبعث هذا بعد ما أرم ثم فته بيده ثم نفخه في الريح نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم أنا أقول ذلك ، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا ، ثم يدخلك الله النار . فأنزل الله تعالى فيه  وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون   [ يس : 79 ، 80 ] . 

________________________________________ ما نزل في الأخنس فصل وذكر ما أنزل الله تعالى في الأخنس بن شريق - واسمه أبي من قوله تعالى : عتل بعد ذلك زنيم وقد قيل نزلت في الوليد بن المغيرة ، وقد قيل في الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وقال ابن عباس : نزلت في رجل من قريش له زنمتان كزنمتي الشاة رواه البخاري بإسناده عنه . وفي رواية أخرى أنه قال الزنيم الذي له زنمتان من البشر يعرف بها ، كما تعرف الشاة بزنمتها ، وروي عن ابن عباس أيضا مثل ما قال ابن إسحاق أن الزنيم الملصق بالقوم وليس منهم قال ذلك ابن الأزرق الحروري وقال أما سمعت قول حسان زنيم تداعاه الرجال البيت وقد أنشد ابن هشام هذا البيت مستشهدا به ونسبه للخطيم التميمي ، والأعرف أنه لحسان كما قال ابن عباس ، وأما العتل فهو الغليظ الجافي من قوله تعالى : خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم [ الدخان 47 ] . وقال عليه السلام أنا أنبئكم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر جماع مناع

ما قيل في حق الذين اعترضوا الرسول في الطواف

واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة - فيما بلغني - الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه وإن كان ما نعبد خير مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فأنزل الله تعالى فيهم  قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين   [ الكافرون 1 - 6 ] . أي إن كنتم لا تعبدون إلا الله إلا أن أعبد ما تعبدون فلا حاجة لي بذلك منكم لكم دينكم جميعا ، ولي ديني . 

________________________________________

قل يا أيها الكافرون  

فصل وذكر قولهم الذي أنزل الله فيه قل يا أيها الكافرون إلى آخرها فقال لا أعبد ما تعبدون أي في الحال ولا أنا عابد ما عبدتم أي في المستقبل وكذلك ولا أنتم عابدون ما أعبد فإن قيل كيف يقول لهم ولا أنتم عابدون ما أعبد وهم قد قالوا : هلم فلنعبد ربك ، وتعبد ربنا ، كيف نفى عنهم ما أرادوا وعزموا عليه ؟ فالجواب من وجهين أحدهما : أنه علم أنهم لا يفعلون فأخبر بما علم . الثاني : أنهم لو عبدوه على الوجه الذي قالوه ما كانت عبادة ولا يسمى عابدا لله من عبده سنة وعبد غيره أخرى ، فإن قيل كيف قال ولا أنتم عابدون ما أعبد ولم يقل من أعبد وقد قال أهل العربية إن ما تقع على ما لا يعقل فكيف عبر بها عن الباري تعالى ؟ فالجواب أنا قد ذكرنا فيما قبل أن ما قد تقع على من يعقل بقرينة فهذا أوان ذكرها ، وتلك القرينة الإبهام والمبالغة في التعظيم والتفخيم وهي في معنى الإبهام لأن من جلت عظمته حتى خرجت عن الحصر ، وعجزت الأفهام عن كنه ذاته وجب أن يقال فيه هو ما هو كقول العرب : سبحان ما سبح الرعد بحمده ومنه قوله والسماء وما بناها فليس كونه عالما مما يوجب له من التعظيم ما يوجب له أنه بنى السموات ودحا الأرض فكان المعنى : إن شيئا بناها لعظيم أو ما أعظمه من شيء فلفظ ما في هذا الموضع يؤذن بالتعجب من عظمته كائنا ما كان هذا الفاعل لهذا ، فما أعظمه وكذلك قوله تعالى في قصة آدم : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ولم يقل لمن خلقت ، وهو يعقل لأن السجود لم يجب له من حيث كان يعقل ولا من حيث كان لا يعقل ولكن من حيث أمروا بالسجود له فكائنا ما كان ذلك المخلوق فقد وجب عليهم ما أمروا به فمن هاهنا حسنت ما في هذا الموضع لا من جهة التعظيم له ولكن من جهة ما يقتضيه الأمر من السجود له فكائنا من كان وأما قوله تعالى : لا أعبد ما تعبدون فواقعة على ما لا يعقل لأنهم كانوا يعبدون الأصنام وقوله ولا أنتم عابدون ما أعبد اقتضاها الإبهام وتعظيم المعبود مع أن الحس منهم مانع لهم أن يعبدوا معبوده كائنا ما كان فحسنت ما في هذا الموضع لهذه الوجوه فبهذه القرائن يحسن وقوع ما على أولي العلم وبقيت نكتة بديعة يتعين التنبيه عليها ، وهو قوله تعالى : ولا أنا عابد ما عبدتم بلفظ الماضي ، ثم قال ولا أنتم عابدون ما أعبد بلفظ المضارع في الآيتين جميعا ، إذا أخبر عن نفسه قال ما أعبد ولم يقل ما عبدت ، والنكتة في ذلك أن ما لما فيها من الإبهام - وإن كانت خبرية - تعطي معنى الشرط فكأنه قال مهما عبدتم شيئا ، فإني لا أعبده والشرط يحول المستقبل إلى لفظ الماضي ، تقول إذا قام زيد غدا فعلت كذا ، وإن خرج زيد غدا خرجت ، فما : فيها رائحة الشرط من أجل إبهامها ; فلذلك جاء الفعل بعدها بلفظ الماضي ، ولا يدخل الشرط على فعل الحال ولذلك قال في أول السورة ما تعبدون لأنه حال لأن رائحة الشرط معدومة فيها مع الحال وكذلك رائحة الشرط معدومة في قوله عابدون ما أعبد لأنه - عليه السلام - يستحيل أن يتحول عن عبادة ربه لأنه معصوم فلم يستقم تقديره بمهما ، كما استقام ذلك في حقهم لأنهم في قبضة الشيطان يقودهم بأهوائهم فجائز أن يعبدوا اليوم شيئا ، ويعبدوا غدا غيره ولكن مهما عبدوا شيئا ، فالرسول عليه السلام لا يعبده فلذلك قال ولا أنتم عابدون ما أعبد في الحال وفي المآل لما علم من عصمة الله له ولما علم الله من ثباته على توحيده فلا مدخل لمعنى الشرط في حقه عليه السلام وإذا لم يدخل الشرط في الكلام بقي الفعل المستقبل على لفظه كما تراه ونظير هذه المسألة قوله تعالى : كيف نكلم من كان في المهد صبيا اضطربوا في إعرابها وتقديرها لما كانت من بمعنى الذي ، وجاء بكان على لفظ الماضي ، وفهمها الزجاج فأشار إلى أن من فيها طرف من معنى الشرط ولذلك جاءت كان بلفظ الماضي بعده فصار معنى الكلام من يكن صبيا ، فكيف يكلم ؟ لما أشارت إلى الصبي أن كلموه ولو قالوا : كيف نكلم من هو في المهد الآن لكان الإنكار والتعجب مخصوصا به فلما قالوا : كيف نكلم من كان صار الكلام أبلغ في الاحتجاج للعموم الداخل فيه . إلى هذا الغرض أشار أبو إسحاق وهو الذي أراد وإن لم يكن هذا لفظه فليس المقصود العبارات وإنما المقصود تصحيح المعاني المتلقاة من الألفاظ والإشارات .

ما قيل في حق أبي جهل وأبو جهل بن هشام - لما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفا بها لهم قال يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ؟ قالوا : لا ، قال عجوة يثرب بالزبد والله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقما . فأنزل الله تعالى فيه إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم [ الجاثية 44 - 46 ] . أي ليس كما يقول . قال ابن هشام : المهل كل شيء أذبته ، من نحاس أو رصاص أو ما أشبه ذلك فيما أخبرني أبو عبيدة . وبلغنا عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال كان عبد الله بن مسعود واليا لعمر بن الخطاب على بيت مال الكوفة ، وأنه أمر يوما بفضة فأذيبت فجعلت تلون ألوانا ، فقال هل بالباب من أحد ؟ قالوا : نعم قال فأدخلوهم فأدخلوا فقال إن أدنى ما أنتم راءون شبها بالمهل لهذا وقال الشاعر يسقيه ربي حميم المهل يجرعه يشوي الوجوه فهو في بطنه صهر وقال عبد الله بن الزبير الأسدي فمن عاش منهم عاش عبداً و إن يمت ففي النار يُسقى مهلها و صديدها وهذا البيت في قصيدة له . ويقال إن المهل صديد الجسد . بلغنا أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما حضر أمر بثوبين لبيسين يغسلان فيكفن فيهما ، فقالت له عائشة قد أغناك الله يا أبت عنهما ، فاشتر كفنا ، فقال إنما هي ساعة حتى يصير إلى المهل قال الشاعر شاب بالماء منه مهلاً كريهاً ثم على المنون بعد النهال قال ابن إسحاق : فأنزل الله تعالى فيه والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا [ الإسراء 60 ] ________________________________________ الزقوم فصل وذكر حديث أبي جهل حين ذكر شجرة الزقوم يقال إن هذه الكلمة لم تكن من لغة قريش ، وأن رجلا أخبره أن أهل يثرب : يقولون تزقمت إذا أكلت التمر بالزبد فجعل بجهله اسم الزقوم من ذلك استهزاء وقيل إن هذا الاسم أصلا في لغة اليمن ، وأن الزقوم عندهم كل ما يتقيأ منه . وذكر أبو حنيفة في النبات أن شجرة باليمن يقال لها : الزقوم لا ورق لها وفروعها أشبه شيء برءوس الحيات فهي كريهة المنظر وفي تفسير ابن سلام والماوردي أن شجرة الزقوم في الباب السادس من جهنم أعاذنا الله منها ، وأن أهل النار ينحدرون إليها . قال ابن سلام وهي تحيا باللهب كما تحيا شجرة الدنيا بالمطر . وقوله الملعونة في القرآن أي الملعون آكلها ، وقيل بل هو وصف لها كما يقال يوم ملعون أي مشئوم .

قصة ابن أم مكتوم

ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمع في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أضجره وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا ، وتركه فأنزل الله تعالى فيه  عبس وتولى أن جاءه الأعمى  إلى قوله تعالى :  في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة   أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا ، لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تتصدين به لمن لا يريده . 

قال ابن هشام : ابن أم مكتوم ، أحد بني عامر بن لؤي ، واسمه عبد الله ويقال عمرو ________________________________________ حديث ابن أم مكتوم فصل وذكر حديث ابن أم مكتوم ، وذكر اسمه ونسبه . وأم مكتوم اسمها : عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم . وذكر الرجل الذي كان شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه الوليد بن المغيرة ، وقد قيل كان أمية بن خلف ، وفي حديث الموطأ : عظيم من عظماء المشركين ولم يسمه وفي قوله سبحانه أن جاءه الأعمى من الفقه أن لا غيبة في ذكر الإنسان بما ظهر في خلقته من عمى أو عرج إلا أن يقصد به الازدراء فيلحق المأثم به لأنه من أفعال الجاهلين قال الله تعالى : أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين [ البقرة 67 ] . وفي ذكره إياه بالعمى من الحكمة والإشارة اللطيفة التنبيه على موضع العتب لأنه قال أن جاءه الأعمى فذكر المجيء مع العمى ، وذلك ينبئ عن تجشم كلفة ومن تجشم القصد إليك على ضعفه فحقك الإقبال عليه لا الإعراض عنه فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتوبا على توليه عن الأعمى ، فغيره أحق بالعتب مع أنه لم يكن آمن بعد ألا تراه يقول وما يدريك لعله يزكى الآية ولو كان قد صح إيمانه وعلم ذلك منه لم يعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أعرض لكان العتب أشد والله أعلم وكذلك لم يكن ليخبر عنه ويسميه بالاسم المشتق من العمى ، دون الاسم المشتق من الإيمان والإسلام لو كان دخل في الإيمان قبل ذلك والله أعلم وإنما دخل فيه بعد نزول الآية ويدل على ذلك قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - استدنني يا محمد ولم يقل استدنني يا رسول الله مع أن ظاهر الكلام يدل على أن الهاء في لعله يزكى عائدة على الأعمى ، لا على الكافر لأنه لم يتقدم له ذكر بعد ولعل تعطي الترجي والانتظار ولو كان إيمانه قد تقدم قبل هذا لخرج عن حد الترجي والانتظار للتزكي ، والله أعلم .

العائدون من أرض الحبشة قال ابن إسحاق : وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة ، إسلام أهل مكة ، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة ، بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا ، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا . فكان ممن قدم عليه مكة منهم فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة ، فشهد معه بدرا ، ومن حبس عنه حتى فاته بدر وغيره ومن مات بمكة . منهم من بني عبد شمس بن عبد مناف بن قصي : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، امرأته سهلة بنت سهيل . ومن حلفائهم عبد الله بن جحش بن رئاب ومن بني نوفل بن عبد مناف : عتبة بن غزوان ، حليف لهم من قيس عيلان . ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد . ومن بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وسويبط بن سعد بن حرملة . ومن بني عبد بن قصي : طليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد . ومن بني زهرة بن كلاب : عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والمقداد بن عمرو ، حليف لهم وعبد الله بن مسعود ، حليف لهم . ومن بني مخزوم بن يقظة : أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم وسلمة بن هشام بن المغيرة حبسه عمه بمكة فلم يقدم إلا بعد بدر وأحد والخندق ، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة هاجر معه إلى المدينة ، ولحق به أخواه لأمه أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام ، فرجعا به إلى مكة ، فحبساه بها حتى مضى بدر وأحد والخندق . ومن حلفائهم عمار بن ياسر ، يشك فيه أكان خرج إلى الحبشة أم لا ؟ ومعتب بن عوف بن عامر من خزاعة . ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وابنه السائب بن عثمان وقدامة بن مظعون ، وعبد الله بن مظعون ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي ، وهشام بن العاص بن وائل ، حبس بمكة بعد هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، حتى قدم بعد بدر وأحد والخندق . ومن بني عدي بن كعب : عامر بن ربيعة ، حليف لهم معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة بن غانم . ومن بني عامر بن لؤي : عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس : وعبد الله بن سهيل بن عمرو ، وكان حبس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر إلى المدينة ، حتى كان يوم بدر فانحاز من المشركين إلى رسول الله فشهد معه بدرا ، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى ، معه امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ، والسكران بن عمرو بن عبد شمس ، معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس ، مات بمكة قبل هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته سودة بنت زمعة . ومن حلفائهم سعد بن خولة . ومن بني الحارث بن فهر : أبو عبيدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد ، وسهيل ابن بيضاء . وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال ، وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال " كنيته أبو سعد كما في الإصابة " . فجميع من قدم عليه مكة من أصحابه من أرض الحبشة ثلاثة وثلاثون رجلا ، فكان من دخل منهم بجوار فيمن سمي لنا : عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي دخل بجوار من الوليد بن المغيرة ، وأبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، دخل بجوار من أبي طالب بن عبد المطلب ، وكان خاله . وأم أبي سلمة برة بنت عبد المطلب ________________________________________ قصة الغرانيق وإسلام مكة وذكر ما بلغ أهل الحبشة من إسلام أهل مكة ، وكان باطلا ، وسببه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم فألقى الشيطان في أمنيته أي في تلاوته عند ذكر اللاتي والعزى ، وإنهم لهم الغرانقة العلى ، وإن شفاعتهم لترتجى ، فطار ذلك بمكة فسر المشركون وقالوا : قد ذكر آلهتنا بخير فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخرها ، وسجد المشركون والمسلمون ثم أنزل الله تعالى : فينسخ الله ما يلقي الشيطان الآية فمن هاهنا اتصل بهم في أرض الحبشة أن قريشا قد أسلموا ، ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق من غير رواية البكائي وأهل الأصول يدفعون هذا الحديث بالحجة ومن صححه قال فيه أقوالا ، منها : أن الشيطان قال ذلك وأشاعه . والرسول - عليه السلام - لم ينطق به وهذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل قال لمحمد ما أتيتك بهذا ، ومنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها من قبل نفسه وعنى بها الملائكة إن شفاعتهم لترتجى . ومنها : أن النبي - عليه السلام - قاله حاكيا عن الكفرة وأنهم يقولون ذلك فقالها متعجبا من كفرهم والحديث على ما خيلت غير مقطوع بصحته والله أعلم . وسمى الذين قدموا منهم من أجل ذلك الخبر ، وذكر فيهم طليبا ، وقال في نسبه ابن أبي كبير بن عبد بن قصي ، وزيادة أبي كبير في هذا الموضع لا يوافق عليه وكذلك وجدت في حاشية كتاب الشيخ التنبيه على هذا وذكره أبو عمر ونسبه كما نسبه ابن إسحاق بزيادة أبي كبير وكان بدريا في إحدى الروايتين عن ابن إسحاق ، وكذلك قال الواقدي وابن عقبة ومات بأجنادين شهيدا لا عقب له .

قصة ابن مظعون مع الوليد قال ابن إسحاق : فأما عثمان بن مظعون ، فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عن عثمان قال لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة ، قال والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك - وأصحابي ، وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني - لنقص كبير في نفسي ، فمشى إلى الوليد بن المغيرة ، فقال له يا أبا عبد شمس ، وفت ذمتك ، قد رددت إليك جوارك ، فقال له لم يا بن أخي ؟ لعله آذاك أحد من قومي ، قال لا ، ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره ؟ قال فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية . قال فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري ، قال صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال عثمان صدقت ، قال و كل نعيم لا محالة زائل قال عثمان كذبت ، نعيم الجنة لا يزول . قال لبيد بن ربيعة : يا معشر قريش ، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم ؟ فقال رجل من القوم : إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا ، فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان فقال أما والله يا بن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة . قال يقول عثمان بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ، فقال له الوليد هلم يا بن أخي ، إن شئت فعد إلى جوارك ، فقال لا ________________________________________ تأويل كل شيء ما خلا الله باطل فصل وذكر قول لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل وقصة ابن مظعون إلى آخرها ، وليس فيها ما يشكل غير سؤال واحد وهو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أصدق كلمة قالها الشاعر " قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل فصدقه في هذا القول وهو - عليه السلام - يقول في مناجاته " أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، والجنة حق ، والنار حق ، ولقاؤك حق " . فكيف يجتمع هذا مع قوله ألا كل شيء ما خلا الله باطل فالجواب من وجهين أحدهما : أن يريد بقوله ما خلا الله ما عداه وعدا رحمته التي وعد بها من رحمه والنار وما توعد به من عقابه وما سوى هذا فباطل أي مضمحل والجواب الثاني : أن الجنة والنار وإن كانتا حقا ، فإن الزوال عليهما جائز لذاتهما ، وإنما يبقيان بإبقاء الله لهما ، وأنه يخلق الدوام لأهلهما على قول من جعل الدوام والبقاء معنى زائدا على الذات وهو قول الأشعري وإنما الحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال وهو القديم الذي انعدامه محال ولذلك قال عليه السلام أنت الحق بالألف واللام أي المستحق لهذا الاسم على الحقيقة وقولك الحق ; لأن قوله قديم وليس بمخلوق فيبيد ووعدك الحق كذلك لأن وعده كلامه هذا مقتضى الألف واللام ثم قال والجنة حق ، والنار حق بغير ألف ولام ولقاؤك حق كذلك لأن هذه أمور محدثات والمحدث لا يجب له البقاء من جهة ذاته وإنما علمنا بقاءها من جهة الخبر الصادق الذي لا يجوز عليه الخلف لا من جهة استحالة البقاء عليها ، كما يستحيل على القديم - سبحانه - الذي هو الحق ، وما خلاه باطل فإما جوهر وإما عرض وليس في الأعراض إلا ما يجب له الفناء ولا في الجوهر إلا ما يجوز عليه الفناء والبطول وإن بقي ولم يبطل فجائز أن يبطل . وأما الحق - سبحانه - فليس من الجواهر والأعراض فاستحال عليه ما يجب لهما ، أو يجوز عليهما

أبو سلمة في جوار أبي طالب قال ابن إسحاق : وأما أبو سلمة بن عبد الأسد ، فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة أنه حدثه أن أبا سلمة لما استجار بأبي طالب مشى إليه رجال من بني مخزوم ، فقالوا : يا أبا طالب لقد منعت منا ابن أخيك محمدا ، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا ؟ قال إنه استجار بي ، وهو ابن أختي ، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي ، فقام أبو لهب فقال يا معشر قريش ، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما أراد . قال فقالوا : بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة وكان لهم وليا وناصرا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبقوا على ذلك فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو طالب يحرض أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

     و إن امرئ أبو عتيبة عمه                 لفي روضة ما إن يسام المظالما

أقول له –و أين منه نصيحتي أبا معتب ثبت سوادك قائما

     فلا تقبلن الدهر ما عشت خطة             تسب بها , إما هبطت المواسما
     وول سبيل العجز غيرك منهم               فإنك لم تخلق على العجز لازما
               و حارب فإن الحرب نصف و ما ترى           أخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما
      و كيف و لم يجنوا عليك عظيمة             و لم يخذلوك غانما , أو مغارما
       جزى الله عنا عبد شمس و نوفلا            و تيما و مخزوما عقوقا و مأثما
     بتفريقهم من بعد ود و ألفة                جماعتنا , كيما ينالوا المحارما
         كذبتم و بيت الله نبزى محمدا             و لما تروى يوما لدى الشعب قائما

قال ابن هشام : نبزى : نسلب . قال ابن هشام : وبقي منها بيت تركناه . أبو بكر يرد جوار ابن الدغنة قال ابن إسحاق : وقد كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - كما حدثني : محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنهما ، حين ضاقت عليه مكة ، وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة فأذن له فخرج أبو بكر مهاجرا ، حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين لقيه ابن الدغنة أخو بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد الأحابيش قال ابن إسحاق : والأحابيش : بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة والهون بن خزيمة بن مدركة وبنو المصطلق من خزاعة . قال ابن هشام : تحالفوا جميعا ، فسموا الأحابيش للحلف . ويقال ابن الدغينة . قال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة عن عائشة قالت فقال ابن الدغنة أين يا أبا بكر ؟ قال أخرجني قومي وآذوني ، وضيقوا علي قال ولم ؟ فوالله إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتفعل المعروف وتكسب المعدوم ارجع وأنت في جواري ، فرجع معه حتى إذا دخل مكة ، قام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش ، إني قد أجرت ابن أبي قحافة فلا يعرضن له أحد إلا بخير . قالت فكفوا عنه . قالت وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح فكان يصلي فيه وكان رجلا رقيقا ، إذا قرأ القرآن استبكى . قالت فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته . قالت فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة فقالوا له يا بن الدغنة إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا إنه رجل إذا صلى ، وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي ، وكانت له هيئة ونحو فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء . قالت فمشى ابن الدغنة إليه فقال له يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك ، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه وتأذوا بذلك منك ، فادخل بيتك ، فاصنع فيه ما أحببت ، قال أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ؟ قال فاردد علي جواري ، قال قد رددته عليك . قالت فقام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش ، إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري ، فشأنكم بصاحبكم قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد قال لقيه سفيه من سفهاء قريش ، وهو عامد إلى الكعبة ، فحثا على رأسه ترابا . قال فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة ، أو العاص بن وائل . قال فقال أبو بكر ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه ؟ قال أنت فعلت ذلك بنفسك . قال وهو يقول أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك . ________________________________________ ذكر حديث أبي بكر مع ابن الدغنة وذكر حديث أبي بكر حين لقي ابن الدغنة واسمه مالك وهو سيد الأحابيش ، وقد سماهم ابن إسحاق ، وهم بنو الحارث وبنو الهون من كنانة وبنو المصطلق من خزاعة تحبشوا ، أي تجموا ، فسموا الأحابيش . قيل إنهم تحالفوا عند جبيل يقال له حبشي ، فاشتق لهم منه هذا الاسم . وقوله لأبي بكر إنك لتكسب المعدوم يقال كسبت الرجل مالا ، فتعديه إلى مفعولين . هذا قول الأصمعي ، وحكى غيره أكسبته مالا ، فمعنى تكسب المعدوم أي يكسب غيرك ما هو معدوم عنده والدغنة اسم امرأة عرف بها الرجل والدغن الغيم يبقى بعد المطر حديث نقض الصحيفة قال ابن إسحاق : وبنو هاشم ، وبنو المطلب في منزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها ، ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه فكان هشام لبني هاشم واصلا ، وكان ذا شرف في قومه فكان - فيما بلغني - يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا ، قد أوقره طعاما ، حتى إذا أقبل به فم الشعب ، خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا ، فيفعل به مثل ذلك . قال ابن إسحاق : ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب - فقال يا زهير أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت ، لا يباعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ؟ أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا ، قال ويحك يا هشام فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها ، قال قد وجدت رجلا قال فمن هو ؟ قال أنا ، قال له زهير أبغنا رجلا ثالثا . فذهب إلى المطعم بن عدي ، فقال له يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف ، وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا ، قال ويحك فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا ، قال من هو ؟ قال أنا ، قال أبغنا ثالثا ، قال قد فعلت ، قال من هو ؟ قال زهير بن أبي أمية ، قال أبغنا رابعا فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحوا مما قال لمطعم بن عدي فقال وهل من أحد يعين على هذا ؟ قال نعم قال من هو ؟ قال زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ، قال أبغنا خامسا . فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال نعم ثم سمى له القوم . فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة ، فاجتمعوا هنالك فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها ، وقال زهير أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم . فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا ، ثم أقبل على الناس فقال يأهل مكة ، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة . قال أبو جهل - وكان في ناحية المسجد : كذبت والله لا تشق ، قال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب ما رضينا كتابها حيث كتبت ، قال أبو البختري صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ، ولا نقر به قال المطعم بن عدي : صدقتما ، وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ، ومما كتب فيها ، قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك . فقال أبو جهل هذا أمر قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها ، إلا : " باسمك اللهم " . وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة . فشلت يده فيما يزعمون . قال ابن هشام : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طالب يا عم إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش ، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها ، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان " ، فقال أربك أخبرك بهذا ؟ قال " نعم " ، قال فوالله ما يدخل عليك أحد ، ثم خرج إلى قريش ، فقال يا معشر قريش ، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا ، فهلم صحيفتكم فإن كان كما قال ابن أخي ، فانتهوا عن قطيعتنا ، وانزلوا عما فيها ، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي ، فقال القوم رضينا ، فتعاقدوا على ذلك ثم نظروا ، فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادهم ذلك شرا فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا . ________________________________________ عن الشعب ونقض الصحيفة فصل وذكر نقض الصحيفة وقيام هشام فيها ونسبه فقال هشام بن الحارث بن حبيب وفي الحاشية عن أبي الوليد إنما هو هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث ، وهكذا وقع نسبه في رواية يونس عن ابن إسحاق ، وكان أبوه عمرو أخا نضلة بن هاشم لأمه . وذكر أنه كان يأتي بالبعير قد أوقره بزا بالزاي المعجمة وفي غير نسخة الشيخ أبي بحر برا ، وفي رواية يونس برا أو برا على الشك من الراوي . وذكر أن منصور بن عكرمة كان كاتب الصحيفة فشلت يده وللنساب من قريش في كاتب الصحيفة قولان أحدهما : أن كاتب الصحيفة هو بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، والقول الثاني : أنه منصور بن عبد شرحبيل بن هاشم من بني عبد الدار أيضا ، وهو خلاف قول ابن إسحاق ، ولم يذكر الزبير في كاتب الصحيفة غير هذين القولين والزبيريون أعلم بأنساب قومهم وذكر ما أصاب المؤمنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشعب من ضيق الحصار لا يبايعون ولا يناكحون وفي الصحيح أنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط وورق السمر حتى إن أحدهم ليضع كما تضع الشاة وكان فيهم سعد بن أبي وقاص . روي أنه قال لقد جعت ، حتى إني وطئت ذات ليلة على شيء رطب فوضعته في فمي وبلعته ، وما أدري ما هو إلى الآن وفي رواية يونس أن سعدا قال خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها ، ثم أحرقتها ثم رضضتها ، وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثا وكانوا إذا قدمت العير مكة يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئا من الطعام لعياله فيقوم أبو لهب عدو الله فيقول يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئا ، فقد علمتم ما لي ووفاء ذمتي ، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافا ، حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع وليس في يديه شيء يطعمهم به ويغدو التجار على أبي لهب ، فيربحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعا وعريا ، وهذه إحدى الشدائد الثلاث التي دل عليها تأويل الغطات الثلاث التي غطه جبريل حين قال له اقرأ قال ما أنا بقارئ وإن كان ذلك كان في اليقظة ولكن مع ذلك له في مقتضى الحكمة تأويل وإيماء وقد تقدمت الإشارة إلى هذا قبل وإلى آخر حديث الصحيفة ليس فيها ما يشكل . قال ابن إسحاق : فلما مزقت الصحيفة وبطل ما فيها . قال أبو طالب ، فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا على نأيهم و الله بالناس أرود فيخبرهم أن الصحيفة مزقة و أن كل ما لم يرضه الله مفسد

      تراوحها إفك و سحر مجمع               و لم يلف سحر آخر الدهر يصعد
 تداعى لها من ليس فيها بقرقر              فطائرها في رأسها يتردد

و كانت كفاء رقعة بأثمية ليقطع منها ساعد و مقلد

        و يظعن أهل المكتين فيهربوا              فرائصهم من خشية الشر ترعد
    و يترك حراث يقلب امره                  أيتهم فيهم عند ذاك و ينجد
         و تصعد بين الأخشبين كتيبة               لها حدج سهم و قوس و مرهد
      فمن ينش من حضارة مكة عزه                فعزتنا في بطن مكة أتلد
           نشأنا بها , و الناس فيها قلائل                فلم ننفكك نزداد خيرا و نحمد
            و نطعم حتى يترك الناس فضلهم             إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد
           جزاء الله رهطا بالحجون تبايعوا              على ملأ يهدي لحزم و يرشد
      قعودا لدى خطم الحجون كأنهم            مقاولة بل هم أعز و أمجد
                 أعان عليها كل صقر كأنه                   إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد
        جري على جلى الخطوب كأنه                شهاب بكفي قابس يتوقد
            من الأكرمين من لؤي بن غالب               إذا سيم خسفا وجهه يتربد
                   طويل النجاد خارج نصف ساقه                على وجهه يسقى الغمام و يسعد
                      عظيم الرماد سيد و ابن سيد                  يحض على مقري الضيوف و يحشد
               و يبنى لأبناء العشيرة صالحا                إذا نحن طفنا في البلاد ويمهد
           ألط بهذا الصلح كل مبرأ                    عظيم اللواء أمره ثم يحمد
                 قضوا ما قضوا في ليلهم ثم أصبحوا           على مهل و سائر الناس رقد
                هم رجعوا سهل ابن بيضاء راضيا             و سر أبو بكر بها و محمد
          متى شرك الأقوام في جل امرنا              و كنا قديما قبلها نتودد
                و كنا قديما لا نقر ظلامة                  و ندرك ما شئنا , و لا نتشدد
                   فيا لقصي هل لكم في نفوسكم                 و هل لكم فيما يجيء به غد
                فإني و إياكم كما قال قائل                  لديك البيان لو تكلمت أسود

________________________________________ شرح دالية أبي طالب وقول أبي طالب : ألا قد أتى بحرينا ، يعني الذين بأرض الحبشة ، نسبهم إلى البحر لركوبهم إياه وهكذا وجه النسب إليه وقد قال عليه السلام إذا نشأت بحرية وزعم ابن سيده في كتاب المحكم له أن العرب تنسب إلى البحر بحراني على غير قياس وأنه من شواذ النسب ونسب هذا القول إلى سيبويه والخليل ، ولم يقله سيبويه قط ، وإنما قال في شواذ النسب : تقول في بهراء : بهراني وفي صنعاء : صنعاني كما تقول بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة وعلى هذا تلقاه جميع النحاة وتأولوه من كلام سيبويه ، وإنما شبه على ابن سيده لقول الخليل في هذه المسألة أعني مسألة النسب إلى البحرين ، كأنهم بنوا البحر على بحران ، وإنما أراد لفظ البحرين ألا تراه يقول في كتاب العين تقول بحراني في النسب إلى البحرين ، ولم يذكر النسب إلى البحر أصلا للعلم به وأنه على القياس جار وفي الغريب المصنف عن اليزيدي أنه قال إنما قالوا : بحراني في النسب إلى البحرين ، ولم يقولوا : بحري ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر وما زال ابن سيده يعثر في هذا الكتاب وغيره [ عثرات ] يدمي منها الأظل ، ويدحض دحضات تخرجه إلى سبيل من ضل ألا تراه قال في هذا الباب وذكر بحيرة طبرية ، فقال هي من أعلام خروج الدجال وأن ماءها ييبس عند خروجه والحديث إنما جاء في غير زغر ، وإنما ذكرت بحيرة طبرية في حديث يأجوج ومأجوج وأنهم يشربون ماءها ، وقال في الجمار في غير هذا الكتاب [ إنما ] هي التي ترمى بعرفة ، وهذه هفوة لا تقال وعثرة [ لا ] لعا لها وكم له من هذا إذا تكلم في النسب وغيره ومن النسب إلى البحر قوله عليه السلام لأسماء بنت عميس حين قدمت من أرض الحبشة : البحرية الحبشية فهذا مثل قول أبي طالب : ألا هل أتى بحرينا . وقوله والله بالناس أرود أي أرفق ومنه رويدك ، أي رفقا جاء بلفظ التصغير لأنهم يريدون به تقليلا أي ارفق قليلا ، وليس له مكبر من لفظه لأن المصدر إروادا ، إلا أن يكون من باب تصغير الترخيم وهو أن تصغر الاسم الذي فيه الزوائد فتحذفها في التصغير فتقول في أسود سويد ، وفي مثل إرواد رويد . وقوله من ليس فيها بقرقر أي ليس بذليل لأن القرقر : الأرض الموطوءة التي لا تمنع سالكها ، ويجوز أن يريد به ليس بذي هزل لأن القرقرة : الضحك . وقوله وطائرها في رأسها يتردد . أي حظها من الشؤم والشر وفي التنزيل ألزمناه طائره في عنقه [ الإسراء 13 ] ، وقوله لها حدج سهم وقوس ومرهد وجدت في حاشية كتاب الشيخ مما كتبه عن أبي الوليد الكناني على هذا البيت لعله حدج بضم الحاء والدال جمع حدج على ما حكى الفارسي ، وأنشد شاهدا عليه عن ثعلب : قمنا فآنسنا الحمول والحدج ونظيره ستر وستر ذكر ذلك عنه ابن سيده في محكمه فيكون المعنى : إن الذي يقوم لها مقام الحدج سهم وقوس ومرهد . إلى هنا انتهى ما في حاشية كتاب الشيخ . قال المؤلف وفي العين الحدج حسك القطب [ ما دام رطبا ] فيكون الحدج في البيت مستعارا من هذا ، أي لها حسك ثم فسره فقال سهم وقوس ومرهد هكذا في الأصل بالراء وكسر الميم فيحتمل أن يكون مقلوبا من مرهد مفعل من رهد الثوب إذا مزقه ويعني به رمحا أو سيفا ، ويحتمل أن يكون غير مقلوب ويكون من الرهيد وهو الناعم أي ينعم صاحبه بالظفر أو ينعم هو بالري من الدم وفي بعض النسخ مزهد بفتح الميم والزاي ، فإن صحت الرواية به فمعناه مزهد في الحياة وحرص على الممات والله أعلم . وقوله فيها : إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد . يعني : أيدي المفيضين بالقداح في الميسر وكان لا يفيض معهم في الميسر إلا سخي ، ويسمون من لا يدخل معهم في ذلك البرم . وقالت امرأة لبعلها - وكان برما بخيلا ، ورأته يقرن بضعتين في الأكل أبرما قرونا ويسمونه أيضا : الحصور يريد أبو طالب إنهم يطعمون إذا بخل الناس . والميسر هي الجزور التي تقسم يقال يسرت إذا قسمت ، هكذا فسره القتبي وأنشد أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ألم ييأسوا أني ابن فارس زهدم قال ييسرونني أي يقتسمون مالي ، ويروى : يأسرونني من الأسر . وقوله رفرف الدرع أحرد . رفرف الدرع فضولها ، وقيل في معنى : رفرف خضر فضول الفرش والبسط وهو قول ابن عباس ، وعن علي أنها : المرافق وعن سعيد بن جبير : الرفارف رياض الجنة والأحرد الذي في مشيه تثاقل وهو من الحرد وهو عيب في الرجل . وفيه هم رجعوا سهل ابن بيضاء راضيا سهل هذا هو ابن وهب بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهر ، يعرف بابن البيضاء وهي أمه واسمها : دعد بنت جحدم بن أمية بن ضرب بن الحارث بن فهر ، وهم ثلاثة إخوة سهل وسهيل وصفوان بنو البيضاء . وقوله : و إني و أياهم كما قال قائل لديك البيان لو تكلمت أسود أسود اسم جبل كان قد قتل فيه قتيل فلم يعرف قاتله فقال أولياء المقتول هذه المقالة فذهبت مثلا . وقال حسان بن ثابت يبكي المطعم بن عدي حين مات ويذكر قيامه في نقض الصحيفة أيا عين فابكي سيد القوم و اسفحي بدمع وإن انزفته فاسكبي الدم

و بكي عظيم المشعرين كليهما            على الناس معروفا له ما تكلما 
      فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا              من الناس أبقى مجده اليوم مطعما 
   اجرت رسول الله منهم              فأصبحوا عبيدك , ما لبى مهل و أحرما 
                  فلو سئلت عنه معد بأسرها            و قحطان أو باقي بقية جرهما 
                  لقالوا : هو الموفى بخفرة جاره           و ذمته يوما إذا ما تذمما 
  فما طلعت الشمس المنيرة فوقهم           على مثلهم فيهم أعز و أعظما 
                 و آبى إذا يأبى و ألين شيمة          و أنوم عن جار إذا الليل أظلما 

قال ابن هشام : قوله " كليهما " عن غير ابن إسحاق . قال ابن هشام : وأما قوله " أجرت رسول الله منهم " ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف عن أهل الطائف ، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ، ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير ، فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال إن بني عامر لا تجير على بني كعب . فبعث إلى المطعم بن عدي ، فأجابه إلى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ادخل فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت ، وصلى عنده ثم انصرف إلى منزله فذلك الذي يعني حسان بن ثابت . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا : يمدح هشام بن عمرو لقيامه في الصحيفة هل يوفين بنو أمية ذمة عقدا كما أوفى جوار هشام من معشر لا يغدرون بجارهم للحارث بن حبيب بن سخام و إذا بنو حسل أجاروا ذمة أوفوا و أدوا جارهم بسلام وكان هشام أخا سخام قال ابن هشام : ويقال شحام . ________________________________________ قول حسان في مطعم وهشام بن عمرو فصل وذكر قول حسان في مطعم بن عدي ، ويذكر جواره للنبي - عليه السلام - وذلك حين رجع من الطائف ، وقيامه في أمر الصحيفة فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا من الناس أبقى مجده اليوم مطعما وهذا عند النحويين من أقبح الضرورة لأنه قدم الفاعل وهو مضاف إلى ضمير المفعول فصار في الضرورة مثل قوله جزى ربه عنه عدي بن حاتم غير أنه في هذا البيت أشبه قليلا لتقدم ذكر مطعم ، فكأنه قال أبقي مجد هذا المذكور المتقدم ذكره مطعما . ووضع الظاهر موضع المضمر كما لو قلت : إن زيدا ضربت جاريته زيدا ، أي ضربت جاريته إياه ولا بأس بمثل هذا ، ولا سيما إذا قصدت قصد التعظيم وتفخيم ذكر الممدوح كما قال الشاعر و ما أن أكون أعيب يحيى و يحيى طاهر الأثواب بر ويجوز نصبه عندي على البدل من قوله وبكي عظيم المشعرين ويكون المفعول من قوله أبقى مجده محذوفا ، فكأنه قال أبقاه مجده أبدا ، والمفعول لا قبح في حذفه إذا دل عليه الكلام كما في هذا البيت . وذكر قول حسان في هشام بن عمرو ، وقال فيه للحارث بن حبيب بن سخام وقد تقدم نسبه وهو حبيب بالتخفيف تصغير حب وجعله حسان تصغير حبيب فشدده وليس هذا من باب الضرورة إذ لا يسوغ أن يقال في فليس فليس ولا في كليب كليب في شعر ولا غيره ولكن لما كان الحب والحبيب بمعنى واحد جعل أحدهما مكان الآخر وهو حسن في الشعر وسائغ في الكلام وهشام بن عمرو هذا أسلم ، وهو معدود في المؤلفة قلوبهم وكانوا أربعين رجلا فيما ذكروا . وقوله ابن سخام هو اسم أمه ، وأكثر أهل النسب يقولون فيه شحام بشين معجمة وألفيت في حاشية كتاب الشيخ أن أبا عبيدة النسابة وعوانة يقولون فيه سحام بسين وحاء مهملتين والذي في الأصل من قول ابن هشام : سخام بسين مهملة وخاء معجمة ولفظ شخام من شخم الطعام وخشم إذا تغيرت رائحته قاله أبو حنيفة


إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها - فمشى إليه رجال من قريش - وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا - فقالوا له يا طفيل إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا . قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ، ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه . قال فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي عند الكعبة . قال فقمت منه قريبا ، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال فسمعت كلاما حسنا . قال فقلت في نفسي : واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته . قال فمكثت حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا - للذي قالوا - فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك . قال فعرض علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه قال فأسلمت ، وشهدت شهادة الحق وقلت : يا نبي الله إني امرئ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال اللهم اجعل له آية . قال فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى ، أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم . قال فتحول فوقع في رأس سوطي . قال فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال حتى جئتهم فأصبحت فيهم

إسلام والد الطفيل وزوجته قال فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال فقلت : إليك عني يا أبت فلست معك ، ولست مني ، قال ولم يا بني ؟ قال قلت : أسلمت ، وتابعت دين محمد - صلى الله عليه وسلم - قال أي بني فديني دينك ، قال فقلت : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت . قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه . قال ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم . قال ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني ، قالت لم ؟ بأبي أنت وأمي ، قال قلت : قد فرق بيني وبينك الإسلام وتابعت دين محمد - صلى الله عليه وسلم - قالت فديني دينك ، قال قلت : فاذهبي إلى حنا ذي الشرى - قال ابن هشام : ويقال حمى ذي الشرى - فتطهري منه . ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له به وشل من ماء يهبط من جبل . قال قالت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ، قال قلت : لا ، أنا ضامن لذلك فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا علي ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، فقلت له يا نبي الله أنه قد غلبني على دوس الزنا ، فادع الله عليهم فقال اللهم اهد دوسا ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم قال فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن أسلم معي من قومي ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين ثم لم أزل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال قلت : يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه قال ابن إسحاق : فخرج إليه فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادنا إني حشوت النار في فؤادكا قال ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان معه بالمدينة ، حتى قبض الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها . ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة - ومعه ابنه عمرو بن الطفيل - فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه إني قد رأيت رؤيا ، فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأنه لقيتني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني طلبا حثيثا ، ثم رأيته حبس عني ، قالوا : خيرا . قال أما أنا والله فقد أولتها ، قالوا : ماذا ؟ قال أما حلق رأسي فوضعه وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي وأما المرأة التي أدخلتني فرجها ، فالأرض تحفر لي ، فأغيب فيها ، أما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني ، فقتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجرح ابنه جراحة شديدة ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا ________________________________________ حول حديث طفيل الدوسي وذي الكفين فصل وذكر حديث طفيل بن عمرو الدوسي ، وهو طفيل بن عمرو بن طريف بن العاصي بن ثعلبة بن سليم بن جهم بن دوس إلى آخره وليس فيه إشكال إلا قوله حنا ذي الشرى ، وقد قال ابن هشام : هو حمى ، وهو موضع حموه لصنمهم ذي الشرى ، فإن صحت رواية ابن إسحاق ، فالنون قد تبدل من الميم كما قالوا : حلان وحلام للجدي ويجوز أن يكون من حنوت العود ومن محنية الوادي ، وهو ما انحنى منه . وقوله : يا ذا الكفين لست من عبادكا أراد الكفين بالتشديد فخفف للضرورة غير أن في نسخة الشيخ أن الصنم كان يسمى : ذا الكفين وخفف الفاء بخطه بعد أن كانت مشددة فدل أنه عنده مخفف في غير الشعر فإن صح هذا فهو محذوف اللام كأنه تثنية كفء من كفأت الإناء أو إذا كفئ بمعنى كفء ؟ ثم سهلت الهمزة وألقيت حركتها على الفاء كما يقال الخبء والخب وفي الحديث أن أهل الحاضر من دوس كانوا يتراءونه في الثنية ، وفي سوطه كالقنديل المعلق وذكره المبرد فقال في لفظ الحديث جعلوا ينظرون إلى الجبل وهو يهتف من شدة الضياء والنور وروى ، أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال لما قال طفيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن دوسا غلب عليها الزنى والربا ، فادع الله عليهم قلنا : هلكت دوس ، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم اهد دوسا

من قصة أعشى بن قيس بن ثعلبة قال ابن هشام : حدثني خلاد بن قرة بن خالد الدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم أن أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ] خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تغمتض عيناك ليلة أرمدا و بت كما بات السليم مسهدا

 و ما ذاك من عشق النساء و إنما            تناسيت قبل اليوم خلة مهددا
    و لكن أرى الدهر الذي هو خائن              إذا أصلحت كفاي عاد , فأفسدا
                  كهولا و شبانا فقدت و ثورة           فلله هذا الدهر كيد ترددا
     و ما زلت أبغي المال مذ أنا يافعا           و ليدا و كهلا حين شبي و أمردا
                  و أبتذل العيس المراقيل تعتلي        مسافة ما بين النجير فصرخدا
                  ألا أيها السائلي أين يممت              فإن لها في أهل يثرب موعدا
    فإن تسألي عني , فيا رب سائل          حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
 أجدت برجليها النجاء و راجعت              يداها خنافا لينا غير أحردا
     و فيها – إذا ما هجرت – عجرفية           إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا
     و آليت لا آوي لها من كلالة               و لا من حفى حتى تلاقي محمدا
         متى ما تناخى عند باب ابن هاشم            تراحي , و تلقي من فواضله ندى
 نبيا ترى  ما لا ترون وذكره             أغار لعمري في البلاد و أنجدا
   له صدقات ما تغب و نائل                 و ليس عطاء اليوم ما نعه غدا
      أجدك لم تسمع و صاة محمد                نبي الإله حيث أوصى , و أشهدا
    إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى            و لاقيت بعد الموت من قد تزودا
    ندمت على أن لا تكون كمثله                فترصد للأمر الذي كان أرصدا
   فإياك و الميتات لا تقربنها              و لا تأخذن سهما حديدا , لتفصدا
   و ذا النصب المنصوب لا تنسكنه               و لا تعبد الأوثان و الله فاعبدا
                 و لا تقربن حرة كان سرها               عليك حراما فانحكن أو تأبدا
                 و ذا الرحم القربى فلا تقطعنه               لعاقبة و لا الأسير المقيدا
      و سبح على حين العشيات و الضحى          و لا تحمد الشيطان و الله فاحمدا
      و لا تسخرا من بائس ذي ضرارة              و لا تحسبن المال للمرء مخلدا

مصير الأعشى فلما كان بمكة أو قريبا منها ، اعترضه بعض المشركين من قريش ، فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسلم فقال له يا أبا بصير ، إنه يحرم الزنا ، فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر ما لي فيه من أرب فقال له يا أبا بصير ، فإنه يحرم الخمر فقال الأعشى : أما هذه فوالله إن في النفس منها لعلالات ولكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم . فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ الأعشى وداليته وحمزة والشرف فصل وذكر ابن هشام حديث الأعشى وقصيدته إلى آخرها ، فلما كان قريبا من مكة لقيه بعض المشركين فقال إلى أين يا أبا بصير ؟ الحديث وذكر تحريمه الخمر وتحريمه الزنى ، وقول الأعشى : أما الخمر ففي الناس منها علالات وقال غير ابن هشام : كان القائل للأعشى هذه المقالة أبو جهل . قالها في دار عتبة بن ربيعة ، وكان نازلا عنده قال المؤلف وهذه غفلة من ابن هشام ، ومن قال بقوله فإن الناس مجمعون على أن الخمر لم ينزل تحريمها إلا بالمدينة بعد أن مضت بدر وأحد ، وحرمت في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل وفي الصحيحين من ذلك قصة حمزة حين شربها وغنته القينتان ألا يا حمز للشرف النواء فبقر خواصر الشارفين واجتنب أسنمتها . وقوله للنبي عليه السلام هل أنتم إلا عبيد لآبائي ، وهو ثمل . الحديث بطوله . فإن صح خبر الأعشى ، وما ذكر له في الخمر فلم يكن هذا بمكة ، وإنما كان بالمدينة ، ويكون القائل له أما علمت أنه يحرم الخمر من المنافقين أو من اليهود ، فالله أعلم . وفي القصيدة ما يدل على هذا قوله فإن لها في أهل يثرب موعدا ، وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس ، وهو مقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له أنه يحرم الخمر فرجع فهذا أولى بالصواب وقول الأعشى : أتروى منها هذا العام ثم أعود فأسلم لا يخرجه عن الكفر بإجماع قال الإسفراييني في عقيدته إذا قال المؤمن سأكفر غدا أو بعد غد ، فهو كافر لحينه بإجماع وإذا قال الكافر سأومن غدا ، أو بعد فهو على كفره لا يخرجه عن حكم الكفر إلا إيمانه إذا آمن ولا خلاف في هذا والله المستعان . وقوله ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

لم ينصب ليلة على الظرف لأن ذلك يفسد معنى البيت ولكن أراد المصدر فحذفه والمعنى : اغتماض ليلة أرمد فحذف المضاف إلى الليلة وأقامها مقامه فصار إعرابها كإعرابه وقد روي هذا البيت ليلك بالكاف ومعناه غمض أرمد وقيل بل أرمد على هذه الرواية من صفة الليل أي حال منه على المجاز كما تقول ليلك ساهر . وقوله 

تناسيت قبل اليوم خلة مهددا مهدد فغلل من المهد ولولا قيام الدليل على أن الميم أصلية لحكمنا بأنه مفعل لأن الكلمة الرباعية إذا كان أولها ميما أو همزة فحملها على الزيادة إلا أن يقوم دليل على أنها أصلية والدليل على هذه الكلمة ظهور التضعيف في الدال إذ لو كانت الميم زائدة لما ظهر التضعيف ولقلت فيه مهد كما تقول مرد ومكر ومفر في كل ما وزنه مفعل من المضاعف وإنما الدال في مهدد ضوعفت ليلحق ببناء جعفر . وقوله إذا خلت حرباء الظهيرة اصيدا والأصيد المائل العنق ولما كانت الحرباء تدور بوجهها مع الشمس كيفما دارت كانت في وسط السماء في أول الزوال كالأصيد وذلك أحر ما تكون الرمضاء . يصف ناقته بالنشاط وقوة المشي في ذلك الوقت . وقوله خنافا لينا . في العين : خنفت الناقة تخنف بيديها في السير إذا مالت بهما نشاطا ، وناقة خنوف قال الراجز إن الشواء و النسيل و الرغف و القينة الحسناء و الكأس الأنف للظاعنين الخيل و الخيل خلف وقوله : لينا غير أحردا ، أي تفعل ذلك من غير حرد في يديها ، أي اعوجاج والنجير وصرخد بلدان وأهل النجير أول من ارتد في خلافة أبي بكر بعد أهل دبا وكان أهل دبا قد حاصرهم حذيفة بن أسيد وحاصر أهل النجير زياد بن لبيد بأمر أبي بكر ، حتى نزلوا على حكمه . وأما صرخد فبلد طيب الأعناب وإليه تنسب الخمر الصرخدية . وفي الأمالي : ولذ كطعم الصرخدي تركته . وقوله و آليت لا آلي لها من كلالة ولا من وجى ، أي لا أرق لها ، يقال آويت للضعيف إية ومأوية إذا رقت له كبدك . وقوله أغار لعمري في البلاد و أنجدا المعروف في اللغة غار وأنجد وقد أنشدوا هذا البيت لعمري غار في البلاد و أنجدا . والغور : ما انخفض من الأرض والنجد ما ارتفع منها ، وإنما تركوا القياس في الغور ، ولم يأت على أفعل إلا قليلا ، وكان قياسه أن يكون مثل أنجد وأتهم لأنه من أم الغور ، فقد هبط ونزل فصار من باب غار الماء ونحو ذلك فإن أردت : أشرف على الغور ، قلت : أغار ولا يكون خارجا عن القياس . وقوله و ليس عطاء اليوم مانعه غدا معناه على رفع العطاء ونصب مانع أي ليس العطاء الذي يعطيه اليوم مانعا له غدا من أن يعطيه فالهاء عائدة على الممدوح فلو كانت عائدة على العطاء لقال وليس عطاء اليوم مانعه هو بإبراز الضمير الفاعل لأن الصفة إذا جرت على غير من هي له برز الضمير المستتر بخلاف الفعل وذلك لسر بيناه في غير هذا الموضع لم يذكره الناس ولو نصب العطاء لجاز على إضمار الفعل المتروك إظهاره لأنه من باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره ويكون اسم ليس على هذا مضمرا فيها عائدا على النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : فانكحن أو تأبدا . يريد أو ترهب لأن الراهب أبدا عزب فقيل له متأبدا اشتق من لفظ الأبد . وقوله فالله فاعبدا ، وقف على النون الخفيفة بالألف وكذلك فانكحن أو تأبدا ، ولذلك كتبت في الخط بألف لأن الوقف عليها بالألف وقد قيل في مثل هذا : إنه لم يرد النون الخفيفة وإنما خاطب الواحد بخطاب الاثنين وزعموا أنه معروف في كلام العرب ، وأنشدوا في ذلك فإن تزجراني يا ابن عفان أزدجر و إن تدعاني أحم عرضا ممنعا وأنشدوا أيضا في هذا المعنى : و قلت لصاحبي : لا تحبسانا بنزع أصولها و اجتث شيحا ولا يمكن إرادة النون الخفيفة في هذين البيتين لأنها لا تكون ألفا ، إلا في الوقف وهذا الفعل قد اتصل به الضمير فلا يصح اعتقاد الوقف عليه دون الضمير وحكي أن الحجاج قال يا حرسي اضربا عنقه وقد يمكن فيه حمل الوصل على الوقف ويحتمل أن يريد اضرب أنت وصاحبك : وقد قيل في قوله سبحانه ألقيا في جهنم إن الخطاب لمالك وحده حملا على هذا الباب وقيل بل هو راجع إلى قوله تعالى : سائق وشهيد وفي القصيدة زيادة لم تقع في رواية ابن هشام وهي قوله في وصف الناقة فأما إذا ما أدلجت فترى لها رقيبين نجما لا يغيب و فرقدا وقع هذا البيت بعد قوله لينا غير أحردا . وقوله في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أغار لعمري في البلاد و أنجدا و بعده به أنقذ الله الأنام من العمى و ما كان فيهم من يريع إلى هدى

ذلة أبي جهل قال ابن إسحاق : وقد كان عدو الله أبو جهل بن هشام مع عداوته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبغضه إياه وشدته عليه يذله الله له إذا رآه .

أبو جهل والإراشي قال ابن إسحاق : حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي وكان واعية قال قدم رجل من إراش - قال ابن هشام : ويقال إراشة - بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل فمطله بأثمانها . فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية المسجد جالس فقال يا معشر قريش من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني رجل غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقي ؟ : فقال له أهل ذلك المجلس أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤديك عليه فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله وأنا غريب ابن سبيل وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه يرحمك الله ، قال انطلق إليه وقام معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم اتبعه فانظر ماذا يصنع . قال وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال من هذا ؟ قال محمد فاخرج إلي فخرج إليه وما في وجهه من رائحة قد انتقع لونه فقال أعط هذا الرجل حقه قال نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له قال فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه . قال ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال للإراشي الحق بشأنك ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي حقي . قال وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا : ويحك ماذا رأيت ؟ قال عجبا من العجب والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال له أعط هذا حقه فقال نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه . قال ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء فقالوا له ويلك ما لك ؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط قال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني ________________________________________ حديث الإراشي فصل وذكر حديث الإراشي الذي قدم مكة ، واستعدى على أبي جهل . قال ابن إسحاق : هو من إراش وهو ابن الغوث أو ابن عمرو ، بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ، وهو والد أنمار الذي ولد بحيلة وخثعم . وإراشة الذي ذكر ابن هشام : بطن من خثعم ، وإراشة مذكورة في العماليق في نسب فرعون صاحب مصر ، وفي بلي أيضا بنو إراشة وقوله من [ رجل ] يؤديني على أبي الحكم أي يعينني على أخذ حقي معه وهو من الأداة التي توصل الإنسان إلى ما يريد كأداة الحرب وأداة الصانع فالحاكم يؤدي الخصم أي يوصله إلى مطلبه وقد قيل إن الهمزة بدل من عين ويؤدي وبعدي بمعنى واحد أي يزيل العدوان والعداء وهو الظلم كما تقول هو يشكيك أي يزيل شكواك ، وفي حديث خباب شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء فلم يشكنا معناه على أحد القولين لم يرفع شكوانا ولم يزلها . وقوله فخرج إليه وما في وجهه رائحة أي بقية روح فكان معناه روح باقية فلذلك جاء به على وزن فاعله والدليل على أنه أراد معنى الروح وإن جاء به على بناء فاعلة قول الإراشي في آخر الحديث خرج إلي وما عنده روحه . ركانة ومصارعته قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، قال كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش ، فخلا يوما برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض شعاب مكة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ركانة ألا تتقي الله ، وتقبل ما أدعوك إليه ؟ قال إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرأيت إن صرعتك ، أتعلم أن ما أقول حق ؟ قال نعم قال فقم حتى أصارعك . قال فقام إليه ركانة يصارعه فلما بطش به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضجعه وهو لا يملك من نفسه شيئا ، ثم قال عد يا محمد فعاد فصرعه فقال يا محمد والله إن هذا للعجب أتصرعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري ، قال ما هو ؟ قال أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني ، قال ادعها ، فدعاها ، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فقال لها : ارجعي إلى مكانك . قال فرجعت إلى مكانها قال فذهب ركانة إلى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت أسحر منه قط ، ثم أخبرهم بالذي رأى ، والذي صنع ________________________________________ مصارعة ركانة فصل وذكر حديث ركانة ومصارعته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم مثل هذا الحديث عن أبي الأشدين الجمحي ولعلهما أن يكونا جميعا صارعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم التعريف بأبي الأشدين وباسمه ونسبه وركانة هذا هو ابن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب من مسلمة الفتح وتوفي في خلافة معاوية وهو الذي طلق امرأته ألبتة فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نيته فقال إنما أردت واحدة فردها عليه ومن حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن لكل دين خلقا ، وخلق هذا الدين الحياء ولابنه يزيد بن ركانة صحبة أيضا ، ويروى عن يزد بن ركانة ابنه علي ، وكان علي قد أعطى من الأيد والقوة ما لم يعط أحد ، نزع في ذلك إلى جد ركانة وله في ذلك أخبار ذكرها الفاكهي ، منها : خبره مع يزيد بن معاوية وكان يزيد بن معاوية من أشد العرب ، فصارعه يوما ، فصرعه علي صرعة لم يسمع بمثلها ، ثم حمله بعد ذلك على فرس جموح لا يطلق فعلم علي ما يراد به فلما جمح به الفرس ضم عليه فخذيه ضمة نفق منها الفرس ، وذكر عنه أيضا أنه تأبط رجلين أيدين ثم جرى بهما ، وهما تحت إبطيه حتى صاحا : الموت الموت فأطلقهما .

قدوم وفد النصارى من الحبشة قال ابن إسحاق : ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة - عشرون رجلا ، أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا من مسألة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما أرادوا ، دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الله - عز وجل - وتلا عليهم القرآن فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بمال ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قالوا ، فقالوا لهم سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيرا . ويقال إن النفر من النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان . فيقال - والله أعلم - فيهم نزلت هؤلاء الآيات : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين إلى قوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين [ القصص 52 - 55 ] . قال ابن إسحاق : وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن فقال لي : ما سمع عن علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه والآية من سورة المائدة من قوله ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون إلى قوله : فاكتبنا مع الشاهدين [ المائدة 82 ، 83 ] . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه خباب وعمار وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب ، وأشباههم من المسلمين هزئت بهم قريش ، وقال بعضهم لبعض هؤلاء أصحابه كما ترون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه وما خصهم الله به دوننا . فأنزل الله تعالى فيهم ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم [ الأنعام 52 - 54 ] . ________________________________________ وفد نصارى الحبشة فصل وذكر قدوم وفد النصارى من الحبشة وإيمانهم وما أنزل الله فيهم من قوله تعالى : الذين قالوا إنا نصارى ولم يقل من النصارى ، ولا سماهم هو سبحانه بهذا الاسم وإنما حكى قولهم الذي قالوه حين عرفوا بأنفسهم ثم شهد لهم بالإيمان وذكر أنه أثابهم الجنة وإذا كانوا هكذا فليسوا بنصارى ، هم من أمة محمد - عليه السلام - وإنما عرف النصارى بهذا الاسم لأن مبدأ دينهم كان من ناصرة قرية بالشام فاشتق اسمهم منهم كما اشتق اسم اليهود من يهود بن يعقوب ثم لا يقال لمن أسلم منهم يهودي اسم الإسلام أولى بهم جميعا من ذلك النسب . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له جبر عبد لبني الحضرمي فكانوا يقولون والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بني الحضرمي فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل 103 ] . قال ابن هشام : يلحدون إليه يميلون والإلحاد الميل عن الحق قال رؤبة بن العجاج : إذا تبع الضحاك كل ملحد ( و نحن ضرابون هام العند ) ابن هشام : يعني الضحاك الخارجي ، وهذا البيت في أرجوزة له . ________________________________________ عن غلام المبيعة وصهيب وأبي فكيهة فصل ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس إلى مبيعة غلام . المبيعة مفعلة مثل المعيشة وقد يجوز أن يكون مفعلة بضم العين - وهو قول الأخفش وأما قولهم سلعة مبيعة فمفعولة حذفت الواو منها في قول سيبويه حين سكنوا الياء استثقالا للضمة وفي قول أبي الحسن الأخفش إن الياء بدل من الواو الزائدة في مبيوعة ، ووزنها عنده مقولة بحذف العين وللكلام على هذين المذهبين موضع غير هذا . وذكر صهيبا وأبا فكيهة وسنذكر اسم أبي فكيهة والتعريف به فيما بعد لأنه بدري ، وكذلك صهيب بن سنان ، ونقتصر في هذا الموضع على ذكر اسمه وهو يسار مولى عبد الدار .

سبب نزول سورة الكوثر قال ابن إسحاق : وكان العاص بن وائل السهمي - فيما بلغني - إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه فأنزل الله في ذلك إنا أعطيناك الكوثر ما هو خير لك من الدنيا وما فيها والكوثر : العظيم ________________________________________ الأبتر والكوثر فصل وذكر قول العاص بن وائل إن محمدا أبتر إذا مات انقطع ذكره وأنزل الله تعالى فيه قوله من سورة الكوثر على قول ابن إسحاق ، وأكثر المفسرين . وقيل إن أبا جهل هو الذي قال ذلك . وقد قيل كعب بن الأشرف ويلزم على هذا القول الأخير أن تكون سورة الكوثر مدنية وقد روى يونس عن أبي عبد الله الجعفي عن جابر الجعفي عن محمد بن علي ، قال كان القاسم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيبة فلما قبضه الله قال العاصي : أصبح محمد أبتر من ابنه فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم إنا أعطيناك الكوثر عوضا يا محمد من مصيبتك بالقاسم فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ولم يقل إن شانئك أبتر يتضمن اختصاصه بهذا الوصف لأن هو في مثل هذا الموضع تعطي الاختصاص مثل أن يقول قائل إن زيدا فاسق فلا يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره فإذا قلت : إن زيدا هو الفاسق فمعناه هو الفاسق الذي زعمت فدل على أن بالحضرة من يزعم غير ذلك وهكذا قال الجرجاني وغيره في تفسير هذه الآية أن هو تعطي الاختصاص وكذلك قالوا في قوله سبحانه وأنه هو أغنى وأقنى لما كان العباد يتوهمون أن غير الله قد يغني ، قال هو أغنى وأقنى ، أي لا غيره وكذلك قوله تعالى : وأنه هو أمات وأحيا إذ كانوا قد يتوهمون في الإحياء والإماتة ما توهم النمرود حين قال أنا أحيي وأميت أي أنا أقتل من شئت ، وأستحيي من شئت ، فقال عز وجل وأنه هو أمات وأحيا أي لا غيره وكذلك قوله تعالى وأنه هو رب الشعرى أي هو الرب لا غيره إذ كانوا قد اتخذوا أربابا من دونه منها : الشعرى ، فلما قال وإنه خلق الزوجين وأنه أهلك عادا استغنى الكلام عن هو التي تعطي معنى الاختصاص لأنه فعل لم يدعه أحد ، وإذا ثبت هذا ، فكذلك قوله إن شانئك هو الأبتر أي لا أنت . والأبتر الذي لا عقب له يتبعه فعدمه كالبتر الذي هو عدم الذنب فإذا ما قلت هذا ، ونظرت إلى العاصي ، وكان ذا ولد وعقب وولده عمرو وهشام ابنا العاصي بن وائل فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد وهو ذو ولد ونسل ونفيه عن نبيه وهو يقول ما كان محمد أبا أحد من رجالكم [ الأحزاب : 40 ] الآية . فالجواب أن العاصي - وإن كان ذا ولد - فقد انقطعت العصمة بينه وبينهم فليسوا بأتباع له لأن الإسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه وهم من أتباع محمد عليه السلام ، وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم . كما قرأ أبي بن كعب : " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم والنبي أولى بهم " كما قال الله سبحانه فهم وجميع المؤمنين أتباع النبي في الدنيا ، وأتباعه في الآخرة إلى حوضه وهذا معنى الكوثر ، وهو موجود في الدنيا لكثرة أتباعه فيها ، ليغذي أرواحهم بما فيه حياتهم من العلم وكثرة أتباعه في الآخرة ليسقيهم من حوضه ما فيه الحياة الباقية وعدو الله العاصي على هذا هو الأبتر على الحقيقة إذ قد انقطع ذنبه وأتباعه وصاروا تبعا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك قوبل تعييره للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالبتر بما هو ضده من الكوثر ; فإن الكثرة تضاد معنى القلة ولو قال في جواب اللعين إنا أعطيناك الحوض الذي من صفته كذا وكذا لم يكن ردا عليه ولا مشاكلا لجوابه ولكن جاء باسم يتضمن الخير الكثير والعدد الجم الغفير المضاد لمعنى البتر وأن ذلك في الدنيا والآخرة بسبب الحوض المورود الذي أعطاه فلا يختص لفظ الكوثر بالحوض بل يجمع هذا المعنى كله ويشتمل عليه ولذلك كانت آنيته كعدد النجوم ويقال : هذه الصفة في الدنيا : علماء الأمة من أصحابه ومن بعدهم فقد قال أصحابي كالنجوم وهم يروون العلم عنه ويؤدونه إلى من بعدهم كما ترتوي الآنية في الحوض وتسقي الواردة عليه تقول رويت الماء أي استقيته كما تقول رويت العلم وكلاهما فيه حياة ومنه قيل لمن روى علما أو شعرا : راوية تشبيها بالمزادة أو الدابة التي يحمل عليها الماء وليس من باب علامة ونسابة وفي حديث أبي برزة في صفة الحوض أنها تنزو في أكف المؤمنين يعني الآنية وحصباء الحوض اللؤلؤ والياقوت ويقابلهما في الدنيا الحكم المأثورة عنه ألا ترى أن اللؤلؤ في علم التعبير حكم وفوائد علم وفي صفة الحوض له المسك أي حمأته ويقابله في الدنيا : طيب الثناء على العلماء وأتباع النبي الأتقياء كما أن المسك في علم التعبير ثناء حسن وعلم التعبير من علم النبوءة مقتبس . وذكر في صفة الحوض الطير التي ترده كأعناق البخت ويقابله من صفة العلم في الدنيا ورود الطالبين من كل صقع وقطر على حضرة العلم وانتيابهم إياها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده فتأمل صفة الكوثر معقولة في الدنيا ، محسوسة في الآخرة مدركة بالعيان - هنالك يبين لك إعجاز التنزيل ومطابقة السورة - لسبب - نزولها ، ولذلك قال فضيل : فصل لربك وانحر أي تواضع لمن أعطاك الكوثر بالصلاة له فإن الكثرة في الدنيا تقتضي في أكثر الخلق الكبر وتحدو إلى الفخر والمحيرية ، فلذلك كان عليه السلام طأطأ رأسه عام الفتح حين رأى كثرة أتباعه وهو على الراحلة حتى ألصق عثنونه بالرحل امتثالا لأمر ربه وكذلك أمره بالنحر شكرا له ورفع اليدين إلى النحر في الصلاة عند استقبال القبلة التي عندها ينحر وإليها يهدي معناه الجمع بين الفعلين . النحر المأمور به يوم الأضحى ، والإشارة إليه في الصلاة برفع اليدين إلى النحر كما أن القبلة محجوجة مصلى إليها ، فكذلك ينحر عندها ، ويشار إلى النحر عند استقبالها ، وإلى هذا التفت عليه السلام حين قال من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، ونسك نسكنا فهو مسلم وقد قال الله سبحانه قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [ الأنعام 162 ، 163 ] فقرن بين الصلاة إلى الكعبة ، والنسك إليها ، كما قرن بينهما حين قال فصل لربك وانحر وذكر في صفة الحوض كما بين صنعاء وأيلة وقد جاء فيه أيضا في الصحيح كما بين جرباء وأذرح وبينهما مسافة بعيدة وفي الصحيح أيضا في صفته كما بين عدن أبين إلى عمان وقد تقدم ذكر أبين وأنه ابن زهير بن أيمن بن حمير ، وأن عدن سميت برجل من حمير عدن بها ، أي أقام وتقدم أيضا ما قاله الطبري أن عدن وأبين هما ابنا عدنان أخوا معد وأما عمان بتشديد الميم وفتح العين فهي بالشام قرب دمشق ، سميت بعمان بن لوط بن هاران كان سكنها - فيما ذكروا - وأما عمان بضم العين وتخفيف الميم فهو باليمن سميت بعمان بن سنان وهو من ولد إبراهيم - فيما ذكروا - وفيه نظر إذ لا يعرف في ولد إبراهيم لصلبه من اسمه سنان . وفي صفة الحوض أيضا كما بين الكوفة ومكة ، وكما بين بيت المقدس والكعبة ، وهذه كلها روايات متقاربة المعاني ، وإن كانت المسافات بعضها أبعد من بعض فكذلك الحوض أيضا له طول وعرض وزوايا وأركان فيكون اختلاف هذه المسافات التي في الحديث على حسب ذلك جعلنا الله من الواردين عليه ولا أظمأ أكبادنا في الآخرة إليه . ومما جاء في معنى الكوثر ما رواه ابن أبي نجيح عن عائشة - قالت الكوثر نهر في الجنة لا يدخل أحد إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر وقع هذا الحديث في السيرة من رواية يونس ورواه الدارقطني من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله أعطاني نهرا يقال له الكوثر لا يشاء أحد من أمتي أن يسمع خرير ذلك الكوثر إلا سمعه فقلت : يا رسول الله وكيف ذلك ؟ قال أدخلي أصبعيك في أذنيك وشدي ، فالذي تسمعين فيهما من خرير الكوثر . وروى الدارقطني من طريق جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كفار الأمم كما تذاد الإبل الضالة عن الماء بعصا من عوسج إلا أن هذا الحديث يرويه حرام بن عثمان عن ابني جابر وقد سئل مالك عنه فقال ليس بثقة وأغلظ فيه الشافعي القول وأما قوله - عليه السلام - ومنبري على حوضي فقد قيل في معناه أقوال ويفسره عندي الحديث الآخر وهو قوله عليه السلام وهو على المنبر إني لأنظر إلى حوضي الآن من مقامي هذا فتأمله .

الكوثر في الشعر قال ابن إسحاق : قال لبيد بن ربيعة الكلابي و صاحب ملحوب فجعنا بيومه و عند الرداع بيت آخر كوثر يقول عظيم . قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له . وصاحب ملحوب : عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب مات بملحوب . وقوله : عند الرداع بيت آخر كوثر يعني شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب مات بالرداع . وكوثر أراد الكثير ولفظه مشتق من لفظ الكثير . قال الكميت بن زيد يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان : و أنت كثير يا ابن مروان طيب و كان أبوك ابن العقائل كوثر وهذا البيت في قصيدة له . وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي يصف حمار وحش يحامي الحقيق إذا ما احتدمن و حمحمن في كوثر كالجلال يعني بالكوثر الغبار الكثير شبهه لكثرته عليه بالجلال . وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : حدثني جعفر بن عمرو - قال ابن هشام : هو جعفر بن عمرو بن أمية الضمري - عن عبد الله بن مسلم أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له يا رسول الله ما الكوثر الذي أعطاك الله ؟ قال " نهر كما بين صنعاء إلى أيلة ، آنيته كعدد نجوم السماء ترده طيور لها كأعناق الإبل . قال يقول عمر بن الخطاب : إنها يا رسول الله لناعمة قال " آكلها أنعم منها قال ابن إسحاق : وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال - صلى الله عليه وسلم - من شرب منه لا يظمأ أبدا ________________________________________ استشهاد ابن هشام على معنى الكوثر وذكر ابن هشام في الاستشهاد على معنى الكوثر قول لبيد بن ربيعة : و صاحب ملحوب فجعنا بيومه و عند الرداع بيت آخر كوثر و بالفورة الحراب ذو الفضل عامر فنعم ضياءالطارق المتنور يعني عامر بن مالك ملاعب الأسنة وهو عم لبيد وسنذكر لم سمي ملاعب الأسنة إذا جاء ذكره إن شاء الله تعالى . وصاحب ملحوب : عوف بن الأحوص وقد ذكره ابن هشام . والذي عند الرداع : شريح بن الأحوص في قوله ، وقال غيره هو حبان بن عتبة بن مالك بن جعفر بن كلاب . والرداع : من أرض اليمامة . وملحوب : مفعول من لحبت العود إذا قشرته ، فكأن هذا الموضع سمي ملحوبا ، لأنه لا أكم فيه ولا شجر .

نزول وقالوا لولا أنزل عليه ملك قال ابن إسحاق : ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فقال له زمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث والأسود بن عبد يغوث ، وأبي بن خلف ، والعاص بن وائل لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون [ الأنعام 8 ، 9 ] .

نزول ولقد استهزئ برسل من قبلك قال ابن إسحاق : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف ، وبأبي جهل بن هشام فغمزوه وهمزوه واستهزءوا به فغاظه ذلك فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون [ الأنبياء 41 ] ________________________________________ ذكر حديث المستهزئين وذكر حديث المستهزئين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل الله فيهم من قوله تعالى : ولقد استهزئ برسل من قبلك [ الأنبياء 41 ] الآية . فقال فيها : استهزئ برسل ثم قال فحاق بالذين سخروا معهم ولم يقل استهزءوا ، ثم قال ما كانوا به يستهزئون ولم يقل يسخرون . ولا بد في حكمة في هذا من جهة البلاغة وتنزيل الكلام منازله فقوله استهزئ برسل أي أسمعوا من الكلام الذي يسمى استهزاء ما ساءهم تأنيسا له ليتأسى بمن قبله من الرسل وإنما سمي استهزاء إذا كان مسموعا ، وهو من فعل الجاهلين قال الله تعالى : أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين [ البقرة 67 ] . وأما السخر والسخرى ، فقد يكون في النفس غير مسموع ولذلك تقول سخرت منه كما تقول عجبت منه إلا أن العجب لا يختص بالمعنى المذموم كما يختص السخر وفي التنزيل خبرا عن نوح إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون [ هود : 28 ] ولم يقل نستهزئ بكم كما تستهزئون لأن الاستهزاء ليس من فعل الأنبياء إنما هو من فعل الجاهلين كما قدمنا من قول موسى عليه السلام فالنبي يسخر أي يعجب من كفر من يسخر به ومن سخر عقولهم فإن قلت : فقد قال الله تعالى : الله يستهزئ بهم قلنا : العرب تسمي الجزاء على الفعل باسم الفعل كما قال تعالى : نسوا الله فنسيهم وهو مجاز حسن وأما الاستهزاء الذي كنا بصدده فهو المسمى استهزاء حقيقة ولا يرضى به إلا جهول . ثم قال سبحانه فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون أي حاق بهم من الوعيد المبلغ لهم على ألسنة الرسل ما كانوا يستهزئون به بألسنتهم فنزلت كل كلمة منزلها ، ولم يحسن في حكم البلاغة وضع واحدة مكان الأخرى . وذكر أيضا قوله سبحانه ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا أي لو جعلنا الرسول إليهم من الملائكة لم يكن إلا على صورة رجل ولدخل عليهم من اللبس فيه ما دخل في أمر محمد وقوله لبسنا يدل على أن الأمر كله منه سبحانه فهو يعمي من شاء عن الحق ويفتح بصيرة من شاء وقوله ما يلبسون معناه يلبسون على غيرهم لأن أكثرهم قد عرفوا أنه الحق ، ولكن جحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم فجعلوا ، يلبسون أي يلبس بعضهم على بعض ويلبسون على أهليهم وأتباعهم أي يخلطون عليهم بالباطل تقول العرب : لبست عليهم الأمر ألبسه أي سترته وخلطته ، ومن لبس الثياب لبست ألبس لأنه في معنى كسيت ، وفي مقابلة عريت ، فجاء على وزنه والآخر في معنى : خلطت أو سترت ، فجاء على وزنه .

ذكر الإسراء والمعراج قال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس من إيلياء ، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش ، وفي القبائل كلها . قال ابن إسحاق : كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه - صلى الله عليه وسلم - عن عبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومعاوية بن أبي سفيان ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وابن شهاب الزهري ، وقتادة وغيرهم من أهل العلم وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أسري به - صلى الله عليه وسلم - وكان في مسراه وما ذكر عنه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين فأسري به كيف شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد .

راوية ابن مسعود فكان عبد الله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها - فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم . ثم أتي بثلاثة آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فسمعت قائلا يقول حين عرضت علي إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر غوى ، وغوت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته . قال فأخذت إناء اللبن فشربت منه فقال لي جبريل عليه السلام : هديت وهديت أمتك يا محمد حديث الحسن قال ابن إسحاق : وحدثت عن الحسن أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم في الحجر ، إذ جاءني جبريل فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست ، فأخذ بعضدي ، فقمت معه فخرج إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض ، بين البغل - والحمار - في فخذيه جناحان يحفر بهما رجليه يضع يده في منتهى طرفه فحملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته

حديث قتادة قال ابن إسحاق ، وحدثت عن قتادة أنه قال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما دنوت منه لأركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال ألا تستحي يا براق مما تصنع فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه . قال فاستحيا حتى ارفض عرقا ، ثم قر حتى ركبته ________________________________________ شرح ما في حديث الإسراء من المشكل اتفقت الرواة على تسميته إسراء ولم يسمه أحد منهم سرى ، وإن كان أهل اللغة قد قالوا : سرى وأسرى بمعنى واحد فدل على أن أهل اللغة لم يحققوا العبارة وذلك أن القراء لم يختلفوا في التلاوة من قوله سبحان الذي أسرى بعبده ولم يقل سرى ، وقال والليل إذا يسر ولم يقل يسري ، فدل على أن السرى من سريت إذا سرت ليلا ، وهي مؤنثة تقول طالت سراك الليلة والإسراء متعد في المعنى ، ولكن حذف مفعوله كثيرا حتى ظن أهل اللغة أنهما بمعنى واحد لما رأوهما غير متعديين إلى مفعول في اللفظ وإنما أسرى بعبده أي جعل البراق يسري ، كما تقول أمضيته ، أي جعلته يمضي ، لكن كثر حذف المفعول لقوة الدلالة عليه أو للاستغناء عن ذكره إذ المقصود بالخبر ذكر محمد لا ذكر الدابة التي سارت به وجاز في قصة لوط عليه السلام . أن يقال له فأسر بأهلك : أي فاسر بهم وأن يقرأ فأسر بأهلك بالقطع أي فأسر بهم ما يتحملون عليه من دابة أو نحوها ، ولم يتصور ذلك في السرى بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز أن يقال سرى بعبده بوجه من الوجوه فلذلك لم تأت التلاوة إلا بوجه واحد في هذه القصة فتدبره . وكذلك تسامح النحويون أيضا في الباء والهمزة وجعلوهما بمعنى واحد في حكم التعدية ولو كان ما قالوه أصلا لجاز في : أمرضته أن تقول مرضت به وفي أسقمته : أن تقول سقمت به وفي أعميته أن تقول عميت به قياسا علي أذهبته وأذهبت به ويأبى الله ذلك والعالمون فإنما الباء تعطي مع التعدية طرفا من المشاركة في الفعل ولا تعطيه الهمزة فإذا قلت : أقعدته ، فمعناه جعلته يقعد ولكنك شاركته في القعود فجذبته بيدك إلى الأرض أو نحو ذلك فلا بد من طرف من المشاركة إذا قعدت به ودخلت به وذهبت به بخلاف أدخلته وأذهبته . فإن قلت : فقد قال الله سبحانه ذهب الله بنورهم لذهب بسمعهم وأبصارهم ويتعالى - سبحانه - عن أن يوصف بالذهاب ويضاف إليه طرف منه وإنما معناه أذهب نورهم وسمعهم . قلنا : في الجواب عن هذا : أن النور والسمع والبصر كان بيده سبحانه وقد قال بيده الخير وهذا من الخير الذي بيده وإذا كان بيده فجائز أن يقال ذهب به على المعنى الذي يقتضيه قوله سبحانه بيده الخير كائنا ما كان ذلك المعنى ، فعليه ينبني ذلك المعنى الآخر الذي في قوله ذهب الله بنورهم مجازا كان أو حقيقة ألا ترى أنه لما ذكر الرجس كيف قال ليذهب عنكم الرجس [ الأحزاب : 33 ] . ولم يقل يذهب به وكذلك قال ويذهب عنكم رجز الشيطان [ الأنفال 11 ] تعليقا لعباده حسن الأدب معه حتى لا يضاف إلى القدوس سبحانه - لفظا ومعنى شيء من الأرجاس وإن كانت خلقا له وملكا فلا يقال هي بيده على الخصوص تحسينا للعبارة وتنزيها له وفي مثل النور والسمع والبصر يحسن أن يقال هي بيده فحسن على هذا أن يقال : ذهب به وأما أسرى بعبده فإن دخول الباء فيه ليس من هذا القبيل فإنه فعل يتعدى إلى مفعول وذلك المفعول المسرى هو الذي سرى بالعبد فشاركه بالسرى ، كما قدمنا في قعدت به أنه يعطى المشاركة في الفعل أو في طرف منه فتأمله .

من حديث الحسن قال الحسن في حديثه فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى جبريل عليه السلام معه حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم ثم أتي بإناءين في أحدهما : خمر وفي الآخر لبن . قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن فشرب منه وترك إناء الخمر . قال فقال له جبريل هديت للفطرة وهديت أمتك يا محمد وحرمت عليكم الخمر ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش ، فأخبرهم الخبر . فقال أكثر الناس هذا والله الأمر البين والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرا مقبلة أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة قال فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس ، وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال فقال لهم أبو بكر إنكم تكذبون عليه فقالوا : بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس فقال أبو بكر والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك ؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا نبي الله . أحدثت هؤلاء القوم أنك أتيت المقدس هذه الليلة ؟ قال " نعم " ، قال يا نبي الله فصفه لي ، فإني قد جئته - قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فرفع لي حتى نظرت إليه " - فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر صدقت ، أشهد أنك رسول الله كلما وصف له منه شيئا ، قال صدقت ، أشهد أنك رسول الله حتى انتهى ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق ، فيومئذ سماه الصديق قال الحسن وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا [ الإسراء 60 ] . فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وما دخل فيه من حديث قتادة

الإسراء رؤيا قال ابن إسحاق : وحدثني بعض آل أبي بكر : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما فقد جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن الله أسرى بروحه قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان ، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كانت رؤيا من الله تعالى صادقة فلم ينكر ذلك من قولهما ، لقول الحسن إن هذه الآية نزلت في ذلك قول الله تبارك وتعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء 60 ] . ولقول الله تعالى في الخبر عن إبراهيم عليه السلام إذ قال لابنه يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك [ الصافات 102 ] . ثم مضى على ذلك . فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول تنام عيناي وقلبي يقظان والله أعلم أي ذلك كان قد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله على أي حاليه كان نائما ، أو يقظان كل ذلك حق وصدق ________________________________________ أكان الإسراء يقظة أم مناما فصل وتقدم بين يدي الكلام في هذا الباب هل كان الإسراء في يقظة بجسده أو كان في نومه بروحه كما قال سبحانه الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها [ الزمر 43 ] وقد ذكر ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية أنها كانت رؤيا حق ، وأن عائشة قالت لم تفقد بدنه وإنما عرج بروحه تلك الليلة ويحتج قائل هذا القول بقوله سبحانه وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء 60 ] . ولم يقل الرؤية وإنما يسمى رؤيا ما كان في النوم في عرف اللغة ويحتجون أيضا بحديث البخاري عن أنس بن مالك قال ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم أيهم هو ؟ فقال أوسطهم هو هذا ، وهو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم فكان تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى ، فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء عليهم السلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل . الحديث بطوله وقال في آخره واستيقظ وهو في المسجد الحرام ، وهذا نص لا إشكال فيه أنها كانت رؤيا صادقة وقال أصحاب القول الثاني : قد تكون الرؤيا بمعنى الرؤية في اليقظة وأنشدوا للراعي يصف صائدا : و كبر للرؤيا ، و هش فؤاده و بشر قلباً كان جماً بلابله قالوا : وفي الآية بيان أنها كانت في اليقظة لأنه قال وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ولو كانت رؤيا نوم ما افتتن بها الناس حتى ارتد كثير ممن أسلم ، وقال الكفار : يزعم محمد أنه أتى بيت المقدس ، ورجع إلى مكة ليلته والعير تطرد إليها شهرا مقبلة وشهرا مدبرة ولو كانت رؤيا نوم لم يستبعد أحد منهم هذا ، فمعلوم أن النائم قد يرى نفسه في السماء وفي المشرق والمغرب فلا يستبعد منه ذلك واحتج هؤلاء أيضا بشربه الماء من الإناء الذي كان مغطى عند القوم ووجدوه حين أصبح لا ماء فيه وبإرشاده للذين ند بعيرهم حين أنفرهم حس الدابة وهو البراق حتى دلهم عليه فأخبر أهل مكة بأمارة ذلك حتى ذلك الغرارتين السوداء والبرقاء كما في هذا الكتاب وفي رواية يونس أنه وعد قريشا بقدوم العير التي أرشدهم إلى البعير وشرب إناءهم وأنهم سيقدمون ويخبرون بذلك فقالوا : يا محمد متى يقدمون ؟ فقال " يوم الأربعاء " ، فلما كان ذلك اليوم ولم يقدموا ، حتى كربت الشمس أن تغرب فدعا الله فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف قال ولم يحبس الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع بن نون وهذا كله لا يكون إلا يقظة وذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا القاضي أبو بكر [ بن العربي ] رحمه الله إلى تصديق المقالتين وتصحيح الحديثين وأن الإسراء كان مرتين إحداهما : كان في نومه وتوطئة له وتيسيرا عليه كما كان بدء نبوته الرؤيا الصادقة ليسهل عليه أمر النبوة فإنه عظيم تضعف عنه القوى البشرية وكذلك الإسراء سهله عليه بالرؤيا ، لأن هوله عظيم فجاءه في اليقظة على توطئة وتقدمة رفقا من الله بعبده وتسهيلا عليه ورأيت المهلب في شرح البخاري قد حكى هذا القول عن طائفة من العلماء وأنهم قالوا : كان الإسراء مرتين مرة في نومه ومرة في يقظته ببدنه - صلى الله عليه وسلم - قال المؤلف وهذا القول هو الذي يصح ، وبه تتفق معاني الأخبار ألا ترى أنه قال في حديث أنس الذي قدمنا ذكره أتاه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه ومعلوم أن الإسراء كان بعد النبوة وحين فرضت الصلاة كما قدمنا في الجزء قبل هذا ، وقيل كان قبل الهجرة بعام ولذلك قال في الحديث فارتد كثير ممن كان قد أسلم ، ورواة الحديثين حفاظ فلا يستقيم الجمع بين الروايتين إلا أن يكون الإسراء مرتين وكذلك ذكر في حديث أنس أنه لقي إبراهيم في السماء السادسة وموسى في السابعة وفي أكثر الروايات الصحيحة أنه رأى إبراهيم عند البيت المعمور في السماء السابعة ولقي موسى في السادسة وفي رواية ابن إسحاق أتي بثلاثة آنية أحدها ماء فقال قائل إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وفي إحدى روايات البخاري في الجامع الصحيح أنه أتي بإناء فيه عسل ولم يذكر الماء والرواة أثبات ولا سبيل إلى تكذيب بعضهم ولا توهينهم فدل على صحة القول بأنه كان مرتين وعاد الاختلاف إلى أنه كان كله حقا ، ولكن في حالتين ووقتين مع ما يشهد له من ظاهر القرآن فإن الله سبحانه يقول ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ثم قال ما كذب الفؤاد ما رأى [ النجم 8 - 11 ] فهذا نحو ما وقع في حديث أنس من قوله فيما يراه قلبه وعينه نائمة والفؤاد هو القلب ثم قال أفتمارونه على ما يرى ولم يقل ما قد رأى ، فدل على أن ثم رؤية أخرى بعد هذه ثم قال ولقد رآه نزلة أخرى أي في نزلة نزلها جبريل إليه مرة فرآه في صورته التي هو عليها عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى قال يغشاها فراش من ذهب وفي رواية ينتثر منها الياقوت وثمرها مثل قلال هجر ثم قال ما زاغ البصر ولم يقل الفؤاد كما قال في التي قبل هذه فدل على أنها رؤية عين وبصر في النزلة الأخرى ، ثم قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى وإذا كانت رؤية عين فهي من الآيات الكبرى ، ومن أعظم البراهين والعبر ، وصارت الرؤيا الأولى بالإضافة إلى الأخرى ليست من الكبر لأن ما يراه العبد في منامه دون ما يراه في يقظته لا محالة وكذلك قال في أكثر الأحاديث إنه رأى عند سدرة المنتهى نهرين ظاهرين ونهرين باطنين وأخبره جبريل أن الظاهرين النيل والفرات ، وذكر في حديث أنس أنه رأى هذين النهرين في السماء الدنيا ، وقال له الملك هما النيل والفرات ، أصلهما وعنصرهما ، فيحتمل أن يكون رأى في حال اليقظة منبعهما ، ورأى في المرة الأولى النهرين دون أن يرى أصلهما والله أعلم . فقد جاء في تفسير قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض [ المؤمنون 18 ] أنهما النيل والفرات أنزلا من الجنة من أسفل درجة منها على جناح جبريل ، فأودعهما بطون الجبال ثم إن الله سبحانه سيرفعهما ، ويذهب بهما عند رفع القرآن وذهاب الإيمان فلا يبقى على الأرض خير ، وذلك قوله تعالى : وإنا على ذهاب به لقادرون وفي حديث مسند ذكره النحاس في المعاني بأتم من هذا فاختصره ووقع في كتاب المعلم للمازري قول رابع في الجمع بين الأقوال قال كان الإسراء بجسده في اليقظة إلى بيت المقدس ، فكانت رؤيا عين ثم أسري بروحه إلى فوق سبع سموات ولذلك شنع الكفار قوله وأتيت بيت المقدس في ليلتي هذه ولم يشنعوا قوله فيما سوى ذلك .

شماس البراق فصل ومما يسأل عنه في هذا الحديث شماس البراق حين ركبه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له جبريل أما تستحيي يا براق فما ركبك عبد لله قبل محمد هو أكرم عليه منه فقد قيل في نفرته ما قاله ابن بطال في شرح الجامع الصحيح قال كان ذلك لبعد عهد البراق بالأنبياء وطول الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام وروى غيره في ذلك سببا آخر قال في روايته في حديث الإسراء قال جبريل لمحمد عليه السلام حين شمس به البراق لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ما مسها إلا أنه مر بها ، فقال تبا لمن يعبدك من دون الله وما مسها إلا لذلك وذكر هذه الرواية أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى ، فالله أعلم وقد جاء ذكر الصفراء في مسند البزار ، وأنها كانت صنما بعضه من ذهب فكسرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وفي الحديث الذي خرجه الترمذي من طريق بريدة الأسلمي أنه - عليه السلام - حين انتهى إلى بيت المقدس ، قال جبريل بإصبعه إلى الصخرة فخرقها فشد بها البراق وصلى ، وأن حذيفة أنكر هذه الرواية وقال لم يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة وفي هذا من الفقه على رواية بريدة التنبيه على الأخذ بالحزم مع صحة التوكل ، وأن الإيمان بالقدر كما - روي عن وهب بن منبه - لا يمنع الحازم من توقي المهالك . قال وهب : وجدته في سبعين كتابا من كتب الله القديمة وهذا نحو من قوله صلى الله عليه وسلم قيدها وتوكل فإيمانه صلى الله عليه وسلم بأنه قد سخر له كإيمانه بقدر الله وعلمه بأنه سبق في علم الكتاب ما سبق ومع ذلك كان يتزود في أسفاره ويعد السلاح في حروبه حتى لقد ظاهر بين درعين في غزوة أحد . وربطه للبراق في حلقة الباب من هذا الفن وهو حديث صحيح وقد رواه غير بريدة ووقع في حديث الحارث بن أبي أسامة من طريق أنس ومن طريق أبي سعيد وغيرهما أعني ربطه للبراق في الحلقة التي كانت تربطه فيها الأنبياء غير أن الحديث يرويه داود بن المحبر وهو ضعيف .

معنى قول الملائكة من معك معنى قول الملائكة من معك ومما يسأل عنه قول الملائكة في كل سماء لجبريل من معك ، فيقول محمد فيقولون أوقد بعث إليه فيقول نعم هكذا لفظ الحديث في الصحاح ، ومعنى سؤالهم عن البعث إليه فيما قال بعض أهل العلم أي قد بعث إليه إلى السماء كما قد وجدوا في العلم أنه سيعرج به ولو أرادوا بعثه إلى الخلق لقالوا : أوقد بعث ولم يقولوا إليه مع أنه يبعد أن يخفى عن الملائكة بعثه إلى الخلق فلا يعلمون به إلى ليلة الإسراء . وفي الحديث الذي تقدم في هذا الكتاب بيان أيضا حين ذكر تسبيح ملائكة السماء السابعة ثم تسبيح ملائكة كل سماء ثم يسأل بعضهم بعضا : مم سبحتم حتى ينتهي السؤال إلى ملائكة السماء السابعة فيقولون قضى ربنا في خلفه كذا ، ثم ينتهي الخبر إلى سماء الدنيا - الحديث بطوله وفي هذا ما يدل على أن الملائكة قد علمت بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - حين نبئ وإنما قالت أوقد بعث إليه أي قد بعث إليه بالبراق كما تقدم على أن في حديث أنس أن ملائكة سماء الدنيا قالت لجبريل أوقد بعث كما وقع في السيرة وليس في أول الحديث إليه هذا إنما جاء في حديث الرؤيا التي رآها بقلبه كما قدمنا ، وأن ذلك قبل أن يوحى إليه كما جاء في الحديث بعينه وفي هذا قوة لما تقدم من أن الإسراء كان رؤيا ، ثم كان رؤية ولذلك لم نجد في رواية من الروايات أن الملائكة قالوا : أوقد بعث إليه إلا في ذلك الحديث فالله أعلم .


باب الحفظة وذكر باب الحفظة وأن عليه ملكا يقال له إسماعيل وقد جاء ذكره في مسند الحارث وفيه أن تحت يده سبعون ألف ملك تحت يد كل ملك سبعون ألف ملك هكذا لفظ الحديث في رواية الحارث وفي رواية ابن إسحاق : اثنا عشر ألف ملك هكذا لفظ الحديث وفي مسند الحارث أيضا . وذكر سدرة المنتهى ، فقال لو غطيت بورقة من ورقها هذه الأمة لغطتهم وفي صفتها من رواية الجميع فإذا ثمرها كقلال هجر ، وفي حديث القلتين من كتاب الطهارة من رواية ابن جريج : إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم يحمل الخبث قالوا : والقلتان منها تسعان خمسمائة رطل قال الترمذي : وذلك نحو من خمس قرب وفي تفسير ابن سلام قال عن بعض السلف إنها سميت سدرة المنتهى ، لأن روح المؤمن ينتهي به إليها ، فتصلي عليه هنالك الملائكة المقربون . قال ذلك في تفسير عليين . آدم في سماء الدنيا والأسودة التي رآها فصل وفيه أنه رأى آدم في سماء الدنيا ، وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة وأن جبريل أعلمه أن الأسودة التي عن يمينه هم أصحاب اليمين وفي رواية ابن إسحاق : تعرض عليه أرواح ذريته فإذا نظر إلى الذين عن يمينه ضحك وقد سئل عن هذا ، فقيل كيف رأى عن يمينه أرواح أصحاب اليمين ولم يكن إذ ذاك من أصحاب اليمين إلا نفر قليل ولعله لم يكن مات تلك الليلة منهم أحد ، وظاهر الحديث يقضي أنهم كانوا جماعة . فالجواب أن يقال إن كان الإسراء رؤيا بقلبه فتأويلها أن ذلك سيكون وإن كانت رؤيا عين كما قال ابن عباس وغيره بمعناه أن ذلك أرواح المؤمنين رآها هنالك لأن الله تعالى يتوفى الخلق في منامهم كما قال في التنزيل الله يتوفى الأنفس حين موتها [ الزمر 43 ] فصعد بالأرواح إلى هنالك فرآها ثم أعيدت إلى أجسادها . وجواب آخر وهو أن أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله تعالى في سورة المدثر في قوله تعالى : إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين [ 39 : 45 ] . قال ابن عباس : هم الأطفال الذين ماتوا صغارا ، ولذلك سألوا المجرمين ما سلككم في سقر لأنهم ماتوا قبل أن يعلموا بكفر الكافرين وقد ثبت في الصحيح أن أطفال المؤمنين والكافرين في كفالة إبراهيم عليه السلام وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل حين رآهم في الروضة مع إبراهيم من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال أولاد المؤمنين الذين يموتون صغارا ، فقال له وأولاد الكافرين قال وأولاد الكافرين خرجه البخاري في الحديث الطويل من كتاب الجنائز وخرجه في موضع آخر فقال فيه أولاد الناس فهو في الحديث الأول نص ، وفي الثاني عموم وقد روي في أطفال الكافرين أنهم خدم لأهل الجنة فعلى هذا لا يبعد أن يكون الذي رآه عن يمين آدم من نسم ذريته أرواح هؤلاء وفي هذا ما يدفع تشعيب هذا السؤال والاعتراض منه .

من حكم الماء فصل وفيه شربه من إناء القوم وهو مغطى ، والماء وإن كان لا يملك والناس شركاء فيه وفي النار والكلأ كما جاء في الحديث لكن المستقى إذا أحرزه في وعائه فقد ملكه فكيف استباح النبي صلى الله عليه وسلم شربه وهو ملك لغيره وأملاك الكفار لم تكن أبيحت يومئذ ولا دماؤهم . فالجواب أن العرب في الجاهلية كان في عرف العادة عندهم إباحة الرسل لابن السبيل فضلا عن الماء وكانوا يعهدون بذلك إلى رعائهم ويشترطونه عليهم عند عقد إجارتهم ألا يمنعوا الرسل وهو اللبن من أحد مر بهم وللحكم في العرف في الشريعة أصول تشهد له وقد ترجم البخاري عليه في كتاب البيوع وخرج حديث هند بنت عتبة ، وفيه خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف الصفات التي وصف بها النبي بعض الرسل قال ابن إسحاق : وزعم الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة فقال أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه وأما موسى فرجل آدم طويل ضرب جعد أفتى كأنه من رجال شنوءة وأما عيسى ابن مريم ، فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس تخال رأسه يقطر ماء وليس به ماء أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي ________________________________________ عن دخول بيت المقدس وصفة الأنبياء فصل وذكر فيه أنه دخل بيت المقدس ، ووجد فيه نفرا من الأنبياء فصلى بهم وفي حديث الترمذي الذي قدمناه عن حذيفة أنه أنكر أن يكون صلى بهم وقال ما زال من ظهر البراق حتى رأى الجنة والنار وما وعده الله تعالى ، ثم عاد إلى الأرض وزيادة العدل مقبولة ورواية من أثبت مقدمة على رواية من نفى ، وذكر فيه صفة الأنبياء وقال في عيسى : كأن رأسه يقطر ماء وليس به ماء وكأنه خرج من ديماس والديماس الحمام وأصله دماس ويجمع على دماميس وقد قيل في جمعه دياميس ومثله قيراط ودينار وديباج الأصل فيها كلها : التضعيف ثم قلب الحرف المدغم ياء فلما جمعوا وصغروا ، ردوه إلى أصله فقالوا : قراريط ودنانير [ وقريريط ودنينير ] ، غير أنهم لم يقولوا : دنانير ولا قياريط ، كما قالوا : دياميس وقالوا : دبابيج ودبابيج وأصل الدمس التغطية ومنه ليل دامس وفي هذه الصفة من صفات عيسى عليه السلام إشارة إلى الري والخصب الذي يكون في أيامه إذ أهبط إلى الأرض والله أعلم . وذكر في صفة موسى أنه آدم طوال ولوصفه إياه بالأدمة أصل في كتاب الله تعالى ، قاله الطبري عند تفسير قوله تخرج بيضاء من غير سوء قال في خروج يده بيضاء آية في أن خرجت بيضاء مخالفا لونها لسائر لون جسده وذلك دليل بين على الأدمة التي هي خلاف البياض . وذكر إبراهيم فقال لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه يعني : نفسه وفي آخر هذا الكلام إشكال من أجل أن أشبه منصوب في الموضعين ولكن إذا فهمت معناه عرفت إعرابه ومعناه لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم به منه ثم كرر أشبه توكيدا فصارت لغوا كالمقحم وصاحبكم معطوف على الضمير الذي في أشبه الأول الذي هو نعت لرجل وحسن العطف عليه وإن لم يؤكد بهو كما حسن في قوله تعالى : ما أشركنا ولا آباؤنا من أجل الفصل بلا النافية ولو أسقط من الكلام أشبه الثاني ، لكان حسنا جدا ، ولو أخر صاحبكم فقال ولا أشبه به صاحبكم منه لجاز ويكون فاعلا بأشبه الثانية ويكون من باب قولهم ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد وهي مسألة عذراء لم تفترعها أيدي النحاة بعد ولم يشف منها متقدم منهم ولا متأخر من رأينا كلامه فيها وقد أملينا في غير هذا الكتاب فيها تحقيقا شافيا . قال ابن هشام وكانت صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما - ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب ، قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام إذا نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لم يكن بالطويل الممغط ، ولا القصير المتردد وكان ربعة من القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط كان جعدا رجلا ، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان أبيض مشربا ، أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش الكتد دقيق المسربة أجرد شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع ، كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة وهو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم ________________________________________ صفة النبي

فصل وذكر في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما نعته به علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال  لم يكن بالطويل الممغط  بالغين المعجمة وفي غير هذه الرواية بالعين المهملة وذكر الأوصاف إلى آخرها وقد شرحها أبو عبيد ، فقال عن الأصمعي ، والكسائي وأبي عمرو وغير واحد قوله ليس بالطويل الممعط أي ليس بالبائن الطويل ولا القصير المتردد يعني : الذي تردد خلقه بعضه على بعض وهو مجتمع ليس بسبط الخلق يقول فليس هو كذلك ولكن ربعة بين الرجلين وهكذا صفته - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث آخر  ضرب اللحم بين الرجلين  . 

وقوله ليس بالمطهم قال الأصمعي : هو التام كل شيء منه على حدته فهو بارع الجمال وقال غير الأصمعي المكلثم المدور الوجه يقول ليس كذلك ولكنه مسنون وقوله : مشرب يعني الذي أشرب حمرة والأدعج العين الشديد سواد العين قال الأصمعي : الدعجة هي السواد والجليل المشاش : العظيم العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين وقوله الكتد هو الكاهل وما يليه من جسده وقوله شثن الكفين والقدمين يعني : أنهما إلى الغلظ . وقوله ليس بالسبط ولا الجعد القطط فالقطط الشديد الجعودة مثل شعور الحبشة ، ووقع في غريب الحديث لأبي عبيد التام كل شيء منه على حدته . يقول : ليس كذلك ولكنه بارع الجمال فهذه الكلمة أعني : ليس كذلك مخلة بالشرح وقد وجدته في رواية أخرى عن أبي عبيد بإسقاط يقول كذلك ولكن على نص ذكرناه آنفا . رؤية النبي ربه فصل وقد تكلم العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء فروى مسروق عن عائشة أنها أنكرت أن يكون رآه وقالت من زعم أن محمدا رأى ربه ، فقد أعظم على الله الفرية واحتجت بقوله سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار [ الأنعام 103 ] وفي مصنف الترمذي عن ابن عباس وكعب الأحبار أنه رآه قال كعب إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قلت : يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال رأيت نورا ، وفي حديث آخر من كتاب مسلم أنه قال نورا أنى أراه وليس في هذا الحديث بيان شاف أنه رآه وحكي عن أبي الحسن الأشعري أنه قال رآه بعيني رأسه وفي تفسير النقاش عن ابن حنبل أنه سئل هل رأى محمد ربه فقال رآه رآه رآه حتى انقطع صوته وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وذكر إنكار عائشة أنه رآه فقال الزهري : ليست عائشة أعلم عندنا من ابن عباس ، وفي تفسير ابن سلام عن عروة أنه كان إذ ذكر إنكار عائشة أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه يشتد ذلك عليه وقول أبي هريرة في هذه المسألة كقول ابن عباس أنه رآه ؟ روى يونس عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين قال سأل مروان أبا هريرة هل رأى محمد ربه ؟ قال نعم وفي رواية يونس أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله هل رأى محمد ربه ؟ فقال نعم رآه فقال ابن عمر وكيف رآه فقال ابن عباس كلاما كرهت أن أورده بلفظه لما يوهم من التشبيه ولو صح لكان له تأويل والله أعلم والتحصيل من هذه الأقوال - والله أعلم - أنه رآه لا على أكمل ما تكون الرؤية على نحو ما يراه في حظيرة القدس عند الكرامة العظمى والنعيم الأكبر ولكن دون ذلك وإلى هذا يومي قوله رأيت نورا ونورا أنى أراه في الرؤية الأخرى والله أعلم . وأما الدنو والتدلي فهما خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بعض المفسرين وقيل إن الذي تدلى هو جبريل عليه السلام تدلى إلى محمد حتى دنا منه وهذا قول طائفة أيضا ، وفي الجامع الصحيح في إحدى الروايات منه فتدلى الجبار وهذا مع صحة نقله لا يكاد أحد من المفسرين يذكره لاستحالة ظاهره أو للغفلة عن موضعه ولا استحالة فيه لأن حديث الإسراء إن كان رؤيا رآها بقلبه وعينه نائمة - كما في حديث أنس فلا إشكال فيما يراه في نومه عليه السلام فقد رآه في أحسن صورة ووضع كفه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه رواه الترمذي من طريق معاذ في حديث طويل ولما كانت هذه رؤيا لم ينكرها أحد من أهل العلم ولا استبشعها ، وقد بينا آنفا أن حديث الإسراء كان رؤيا ثم كان يقظة فإن كان قوله فتدلى الجبار في المرة التي كان فيها غير نائم وكان الإسراء بجسده فيقال فيه من التأويل ما يقال في قوله

ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا  فليس بأبعد منه في باب التأويل فلا نكارة فيه كان في نوم أو يقظة وقد أشرنا إلى تمام هذا المعنى في شرح ما تضمنه لفظ القوسين من قوله قاب قوسين في جزء أمليناه في شرح سبحان الله وبحمده تضمن لطائف من معنى التقديس والتسبيح فلينظر هناك وأملينا أيضا في معنى رؤية الرب سبحانه في المنام وفي عرصات القيامة مسألة لقناع الحقيقة في ذلك كاشفة فمن أراد فهم الرؤية والرؤيا فلينظرها هنالك ويقوي ما ذكرناه من معنى إضافة التدلي إلى الرب سبحانه كما في حديث البخاري ما رواه ابن سنجر مسندا إلى شريح بن عبيد ، قال  لما صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء فأوحى إلى عبده ما أوحى ، فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجدا ، فلم يزل يسبح سبحان رب الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى ، قال ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوما أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة وكنت أكثر ما أراه على صورة دحية بن خليفة الكلبي  وكان أحيانا لا يراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال . 

لقاؤه للنبيين فصل ومما سئل عنه من حديث الإسراء وتكلم فيه لقاؤه لآدم في السماء الدنيا ، ولإبراهيم في السماء السابعة وغيرهما من الأنبياء الذين لقيهم في غير هاتين السماءين والحكمة في اختصاص كل واحد منهم بالسماء التي رآه فيها ، وسؤال آخر في اختصاص هؤلاء الأنبياء باللقاء دون غيرهم وإن كان رأى الأنبياء كلهم فما الحكمة في اختصاص هؤلاء الأنبياء بالذكر ؟ وقد تكلم أبو الحسن بن بطال في شرح البخاري على هذا السؤال فلم يصنع شيئا ، ومغزى كلامه الذي أشار إليه أن الأنبياء لما علموا بقدومه عليهم ابتدروا إلى لقائه ابتدار أهل الغائب للغائب القادم فمنهم من أسرع ومنهم من أبطأ . إلى هذا المعنى أشار فلم يزد عليه والذي أقول في هذا : إن مأخذ فهمه من علم التعبير فإنه من علم النبوءة وأهل التعبير يقولون من رأى نبيا بعينه في المنام فإن رؤياه تؤذن بما يشبه حال ذلك النبي من شدة أو رخاء أو غير ذلك من الأمور التي أخبر بها عن الأنبياء في القرآن والحديث. وحديث الإسراء كان بمكة وهي حرم الله وأمنه وقطانها جيران الله لأن فيها بيته فأول ما رأى عليه من الأنبياء آدم الذي كان في أمن الله وجواره فأخرجه عدوه إبليس منها ، وهذه القصة تشبهها الحالة الأولى من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجوار بيته فكربه ذلك وغمه . وأشبهت قصته في هذا قصة آدم مع أن آدم تعرض عليه أرواح ذريته البر والفاجر منهم فكان في السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لأن أرواح أهل الشقاء لا تلج في السماء ولا تفتح لهم أبوابها كما قال الله تعالى ، ثم رأى في الثانية عيسى ويحيى وهما الممتحنان باليهود أما عيسى فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله وأما يحيى فقتلوه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد انتقاله إلى المدينة صار إلى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود آذوه وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله تعالى كما نجى عيسى منهم ثم سموه في الشاة فلم تزل تلك الأكلة تعاوده حتى قطعت أبهره كما قال عند الموت وهكذا فعلوا بابني الخالة عيسى ويحيى ، لأن أم يحيى أشياع بنت عمران أخت مريم ، أمهما : حنة وأما لقاؤه ليوسف في السماء الثالثة فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حال يوسف ، وذلك بأن يوسف ظفر بإخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال لا تثريب عليكم الآية وكذلك نبينا - عليه السلام - أسر يوم بدر جملة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من أطلق ومنهم من قبل فداءه ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهم أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم ثم لقاؤه لإدريس في السماء الرابعة وهو المكان الذي سماه الله مكانا عليا ، وإدريس أول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك مؤذنا بحالة رابعة وهي علو شأنه - عليه السلام - حتى أخاف الملوك وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم ، حين جاءه كتاب للنبي - عليه السلام - ورأى ما رأى من خوف هرقل : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، حتى أصبح يخافه ملك بني الأصفر وكتب عنه بالقلم إلى جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشي وملك عمان ، ومنهم من هادنه وأهدى إليه وأتحفه كهرقل والمقوقس ، ومنهم من تعصى عليه فأظهره الله عليه فهذا مقام علي ، وخط بالقلم كنحو ما أوتي إدريس - عليه السلام - ولقاؤه في السماء الخامسة لهارون المحبب في قومه يؤذن بحب قريش ، وجميع العرب له بعد بغضهم فيه ولقاؤه في السماء السادسة لموسى يؤذن بحالة تشبه حالة موسى حين أمر بغزو الشام فظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها ، وأدخل بني إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك من أرض الشام ، وظهر على صاحب دومة حتى صالحه على الجزية بعد أن أتي به أسيرا ، وافتتح مكة ، ودخل أصحابه البلد الذي خرجوا منه ثم لقاؤه في السماء السابعة لإبراهيم - عليه السلام - لحكمتين إحداهما : أنه رآه عند البيت المعمور مسندا ظهره إليه والبيت المعمور حيال مكة ، وإليه تحج الملائكة كما أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة ، وأذن في الناس بالحج إليها والحكمة الثانية أن آخر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - حجه إلى البيت الحرام ، وحج معه نحو من سبعين ألفا من المسلمين ورؤية إبراهيم عند أهل التأويل تؤذن بالحج لأنه الداعي إليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوبة فقد انتظم في هذا الكلام الجواب عن السؤالين المتقدمين أحدهما : السؤال عن تخصيص هؤلاء بالذكر والآخر السؤال عن تخصيصهم بهذه الأماكن من السماء الدنيا إلى السابعة وكان الحزم ترك التكلف لتأويل ما لم يرد فيه نص عن السلف ولكن عارض هذا الغرض ما يجب من التفكير في حكمة الله والتدبر لآيات الله وقول الله تعالى : إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وقد روي أن " تفكر ساعة خير من عبادة سنة " ما لم يكن النظر والتفكير مجردا من ملاحظة الكتاب والسنة ومقتضى كلام العرب ، فعند ذلك يكون القول في الكتاب والسنة بغير علم عصمنا الله - تعالى - من ذلك وجعلنا من الممتثلين لأمره حيث يقول فاعتبروا يا أولي الأبصار وليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ولولا إسراع الناس إلى إنكار ما جهلوه وغلظ الطباع عن فهم كثير من الحكمة لأبدينا من سر هذا السؤال وكشفنا عن الحكمة في هؤلاء الأنبياء المسلمين في هذه المراتب أكثر مما كشفنا .


البيت المعمور فصل وذكر البيت المعمور ، وأنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك روى ابن سنجر عن علي - رحمه الله - قال البيت المعمور بيت في السماء السابعة يقال له الضراح واسم السماء السابعة عريبا روى أبو بكر الخطيب بإسناد صحيح إلى وهب بن منبه قال من قرأ البقرة وآل عمران يوم الجمعة كان له نور يملأ ما بين عريباء وجريباء وجريبا ، وهي الأرض السابعة وذكر عن عبد الله بن أبي الهذيل قال البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف دحية عند كل دحية سبعون ألف ملك رواه عنه أبو التياح [ يزيد الضبعي ] قال أبو سلمة قلت ما الدحية ؟ قال الرئيس وروى ابن سنجر أيضا من طريق أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال مكة ، وفي السماء السابعة نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة يخر عنه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا ويؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ويصلوا فيه فيفعلون ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا ، [ و ] يولى عليهم أحدهم يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله [ فيه ] إلى أن تقوم الساعة " .

حديث أم هانئ عن الإسراء قال محمد بن إسحاق وكان - فيما بلغني - عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها - واسمها : هند - في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول ما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو في بيتي ، نائم عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى الصبح وصلينا معه قال " يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين " ، ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فتكشف عن بطنه كأنه قبطية مطوية فقلت له يا نبي الله لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ، قال " والله لأحدثنهموه " . قالت فقلت لجارية لي حبشية ويحك اتبعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تسمعي ما يقول الناس وما يقولون له . فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس أخبرهم فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ، قال " آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا ، فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا موجه إلى الشام . ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان وآية ذلك أن عيرهم الآن تصوب من البيضاء ، ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء " . قالت فابتدر القوم الثنية ، فلم يلقهم أول من الجمل كما وصف لهم وسألوهم عن الإناء فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء . وسألوا الآخرين وهم بمكة فقالوا : صدق والله لقد أنفرنا في الوادي الذي ذكره وند لنا بعير فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه حتى أخذناه . فقلت لجبريل يا جبريل مره فليردها إلى مكانها . قال فأمره فقال لها : اخبي ، فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه . فما شبهت رجوعها إلا وقوع الظل . حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها قال أبو سعيد الخدري في حديثه إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لما دخلت السماء الدنيا ، رأيت بها رجلا جالسا تعرض عليه أرواح بني آدم فيقول لبعضها ، إذا عرضت عليه خيرا ويسر به ويقول روح طيبة خرجت من جسد طيب ويقول لبعضها إذا عرضت عليه أف ويعبس بوجهه ويقول روح خبيثة خرجت من جسد خبيث . قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك آدم ، تعرض عليه أرواح ذريته فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها : وقال روح طيبة خرجت من جسد طيب . وإذا مرت به روح الكافر منهم أفف منها ، وكرهها ، وساء ذلك وقال روح خبيثة خرجت من جسد خبيث قال ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما قال ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك . قال قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا . قال ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون السمين الطيب . قال قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن . قال ثم رأيت نساء معلقات بثديهن فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فأكل حرائبهم واطلع على عوراتهم " . عود إلى حديث الخدري ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري قال " ثم أصعدني إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ابن مريم ، ويحيى بن زكريا ، قال ثم أصعدني إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك يوسف بن يعقوب . قال ثم أصعدني إلى السماء الرابعة فإذا فيها رجل فسألته : من هو ؟ قال هذا إدريس - قال يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعناه مكانا عليا - قال ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية عظيم العثلون لم أر كهلا أجمل منه قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران ، قال ثم أصعدني إلى السماء السادسة فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى كأنه من رجال شنوءة فقلت له من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك موسى بن عمران . ثم أصعدني إلى السماء السابعة فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة . لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه قال قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك إبراهيم . قال ثم دخل بي الجنة فرأيت فيها جارية لعساء فسألتها : لمن أنت ؟ وقد أعجبتني حين رأيتها ، فقالت لزيد بن حارثة فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة " قال ابن إسحاق : ومن حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني : أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السموات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها : من هذا يا جبريل ؟ فيقول محمد فيقولون أو قد بعث ؟ فيقول نعم فيقولون حياه الله من أخ وصاحب حتى انتهى به إلى السماء السابعة ثم انتهى به إلى ربه ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ونعم الصاحب كان لكم سألني كم فرض عليك من الصلاة ؟ فقلت خمسين صلاة كل يوم فقال إن الصلاة ثقيلة وإن أمتك ضعيفة فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني ، وعن أمتي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك فرجعت فسألت ربي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت ، فمررت على موسى ، فقال لي مثل ذلك فرجعت فسألته فوضع عني عشرا ، ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك كلما رجعت إليه قال فارجع فاسأل حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة . ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك فقلت : قد راجعت ربي وسألته ، حتى استحييت منه فما أنا بفاعل " ، رواه البيهقي في كتاب دلائل النبوة وابن جرير وابن أبي حاتم فمن أداهن منكم إيمانا بهن واحتسابا لهن كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة . رواه . وفي الحديث غرابة ونكارة ________________________________________ فرض الصلاة فصل وأما فرض الصلاة عليه هنالك ففيه التنبيه على فضلها ، حيث لم تفرض إلا في الحضرة المقدسة ولذلك كانت الطهارة من شأنها ، ومن شرائط أدائها ، والتنبيه على أنها مناجاة الرب وأن الرب تعالى مقبل بوجهه على المصلي يناجيه يقول حمدني عبدي ، أثنى علي عبدي إلى آخر السورة وهذا مشاكل لفرضها عليه في السماء السابعة حيث سمع كلام الرب وناجاه ولم يعرج به حتى طهر ظاهره وباطنه بماء زمزم كما يتطهر المصلي للصلاة وأخرج عن الدنيا بجسمه كما يخرج المصلي عن الدنيا بقلبه ويحرم عليه كل شيء إلا مناجاة ربه وتوجهه إلى قبلته في ذلك الحين وهو بيت المقدس ، ورفع إلى السماء كما يرفع المصلي يديه إلى جهة السماء إشارة إلى القبلة العليا فهي البيت المعمور ، وإلى جهة عرش من يناجيه ويصلي له سبحانه .

فرض الصلوات خمسين فصل وأما فرض الصلوات خمسين ثم حط منها عشرا بعد عشر إلى خمس صلوات . وقد روي أيضا أنها حطت خمسا بعد خمس وقد يمكن الجمع بين الروايتين لدخول الخمس في العشر فقد تكلم في هذا النقص من الفريضة أهو نسخ أم لا ؟ على قولين فقال قوم هو من باب نسخ العبادة قبل العمل بها ، وأنكر أبو جعفر النحاس هذا القول من وجهين أحدهما البناء على أصله ومذهبه في أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل بها ، لأن ذلك عنده من البداء والبداء محال على الله سبحانه . الثاني : أن العبادة إن جاز نسخها قبل العمل بها عند من يرى ذلك فليس يجوز عند أحد نسخها قبل هبوطها إلى الأرض ووصولها إلى المخاطبين قال وإنما ادعى النسخ في هذه الصلوات الموضوعة عن محمد وأمته القاشاني ، ليصحح بذلك مذهبه في أن البيان لا يتأخر ثم قال أبو جعفر إنما هي شفاعة شفعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته ومراجعة راجعها ربه ليخفف عن أمته ولا يسمى مثل هذا نسخا . قال المؤلف أما مذهبه في أن العبادة لا تنسخ قبل العمل بها ، وأن ذلك بداء فليس بصحيح لأن حقيقة البداء أن يبدو للآمر رأي يتبين له الصواب فيه بعد أن لم يكن تبينه وهذا محال في حق من يعلم الأشياء بعلم قديم وليس النسخ من هذا في شيء إنما النسخ تبديل حكم بحكم والكل في سابق علمه ومقتضى حكمته كنسخه المرض بالصحة والصحة بالمرض ونحو ذلك وأيضا بأن العبد المأمور يجب عليه عند توجه الأمر إليه ثلاث عبادات الفعل الذي أمر به والعزم على الامتثال عند سماع الأمر واعتقاد الوجوب إن كان واجبا فإن نسخ الحكم قبل الفعل فقد حصلت فائدتان العزم واعتقاد الوجوب . وعلم الله ذلك منه فصح امتحانه له واختباره إياه وأوقع الجزاء على حسب ما علم من نيته وإنما الذي لا يجوز نسخ الأمر قبل نزوله وقبل علم المخاطب به والذي ذكر النحاس من نسخ العبادة بعد العمل بها ، فليس هو حقيقة النسخ لأن العبادة المأمور بها قد مضت وإنما جاء الخطاب بالنهي عن عملها لا عنها ، وقولنا في الخمس والأربعين صلاة الموضوعة عن محمد وأمته أحد وجهين إما أن يكون نسخ ما وجب على النبي صلى الله عليه وسلم من أدائها ورفع عنه استمرار العزم واعتقاد الوجوب وهذا قد قدمنا أنه نسخ على الحقيقة ونسخ عنه ما وجب عليه من التبليغ فقد كان في كل مرة عازما على تبليغ ما أمر به وقول أبي جعفر إنما كان شافعا ومراجعا ينفي النسخ فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم فشفاعته عليه السلام لأمته كانت سببا للنسخ لا مبطلة لحقيقته ولكن المنسوخ ما ذكرنا من حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ وحكم الصلوات الخمس في خاصته وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم إذ لا يتصور نسخ الحكم قبل بلوغه إلى المأمور كما قدمنا ، وهذا كله أحد الوجهين في الحديث . والوجه الثاني أن يكون هذا خبرا لا تعبدا ، وإذا كان خبرا لم يدخله النسخ ومعنى الخبر أنه عليه السلام أخبره ربه أن على أمته خمسين صلاة ومعناه أنها خمسون في اللوح المحفوظ وكذلك قال في آخر الحديث هي خمس وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها فتأوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها خمسون بالفعل فلم يزل يراجع ربه حتى بين له أنها خمسون في الثواب لا بالعمل . فإن قيل فما معنى نقضها عشرا بعد عشر ؟ قلنا : ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها ، وقد جاء في الحديث أنه يكتب له منها ما حضر قلبه فيها ، وأن العبد يصلي الصلاة فيكتب له نصفها ربعها حتى انتهى إلى عشرها ، ووقف فهي خمس في حق من كتب له عشرها ، وعشر في حق من كتب له أكثر من ذلك وخمسون في حق من كملت صلاته وأداها بما يلزمه من تمام خشوعها وكمال سجودها وركوعها .

أوصاف من الملائكة فصل وذكر أنه عليه السلام لم يلقه ملك من الملائكة إلا ضاحكا مستبشرا إلا مالكا خازن جهنم وذلك أنه لم يضحك لأحد قبله ولا هو ضاحك لأحد ومصداق هذا في كتاب الله تعالى ، قال الله سبحانه عليها ملائكة غلاظ شداد [ التحريم 60 ] وهم موكلون بغضب الله تعالى فالغضب لا يزايلهم أبدا ، وفي هذا الحديث معارضة للحديث الذي في صفة ميكائيل أنه ما ضحك منذ خلق الله جهنم وكذلك يعارضه ما خرج الدارقطني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبسم في الصلاة فلما انصرف سئل عن ذلك فقال " رأيت ميكائيل راجعا من طلب القوم على جناحيه الغبار فضحك إلي فتبسمت إليه " وإذا صح الحديثان فوجه الجمع بينهما : أن يكون لم يضحك منذ خلق الله النار إلى هذه المدة التي ضحك فيها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون الحديث عاما يراد به الخصوص أو يكون الحديث الأول حدث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هذا الحديث الأخير ثم حدث بعد بما حدث به من ضحكه إليه والله أعلم ولم ير مالكا على الصورة التي يراه عليها المعذبون في الآخرة ولو رآه على تلك الصورة ما استطاع أن ينظر إليه .

أكلة الربا في رؤيا المعراج وذكر أكلة الربا وأنهم بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة وهي العطاش والهيام شدة العطش وكان قياس هذا الوصف ألا يقال فيه مهيومة كما لا يقال معطوشة إنما يقال هائم وهيمان وقد يقال هيوم ويجمع على هيم ووزنه فعل بالضم لكن كسر من أجل الياء كما قال تعالى : فشاربون شرب الهيم [ الواقعة 55 ] ولكن جاء في الحديث مهيومة كأنه شيء فعل بها كالمحمومة والمجنونة وكالمنهوم وهو الذي لا يشبع وكان قياس الياء أن تعتل فيقال مهيمة كما يقال مبيعة في معنى مبيوعة ولكن صحت الياء لأنها في معنى الهيومة كما صحت الواو في عور لأنه في معنى أعور كما صحت في اجتوروا لأنه في معنى : تجاوروا ، وإنما رآهم منتفخة بطونهم لأن العقوبة مشاكلة للذنب فآكل الربا يربو بطنه كما أراد أن يربو ماله بأكل ما حرم عليه فمحقت البركة من ماله وجعلت نفخا في بطنه حتى يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وإنما جعلوا بطريق آل فرعون يمرون عليهم غدوا وعشيا لأن آل فرعون هم أشد الناس عذابا يوم القيامة كما قال سبحانه أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر 46 ] . فخصوا بسبيلهم ليعلم أن الذين هم أشد الناس عذابا يطئونهم فضلا عن غيرهم من الكفار وهم لا يستطيعون القيام ومعنى كونهم في طريق جهنم بحيث يمر بالكفار عليهم أن الله سبحانه قد أوقف أمرهم بين أن ينتهوا ، فيكون خيرا لهم وبين أن يعودوا ويصروا ، فيدخلهم النار وهذه صفة من هو في طريق النار قال الله تعالى : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله [ البقرة 275 ] . إلى آخر الآية وفي بعض المسندات أنه رأى بطونهم كالبيوت يعني : أكلة الربا ، وفيها حيات ترى خارج البطون . فإن قيل هذه الأحوال التي وصفها عن أكلة الربا إن كانت عبارة عن حالهم في الآخرة قال فرعون في الآخرة قد أدخلوا أشد العذاب وإنما يعرضون على النار غدوا وعشيا في البرزخ وإن كانت هذه الحال التي رآهم عليها في البرزخ فأي بطون لهم وقد صاروا عظاما ورفاتا ، ومزقوا كل ممزق فالجواب أنه إنما رآهم في البرزخ لأنه حديث عما رأى ، وهذه الحال هي حال أرواحهم بعد الموت وفيها تصحيح لمن قال الأرواح أجساد لطيفة قابلة للنعيم والعذاب فيخلق الله في تلك الأرواح من الآلام ما يجده من انتفخ بطنه حتى وطئ بالأقدام ولا يستطيع من قيام وليس في هذا الحديث دليل على أنهم أشد عذابا من آل فرعون ، ولكن فيه دليل على أنهم يطؤهم آل فرعون وغيرهم من الكفار الذين لم يأكلوا الربا ما داموا في البرزخ إلى أن يقوموا يوم القيامة كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ثم ينادي منادي الله أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر 46 ] وكذلك ما رأى من النساء المعلقات بثديهن يجوز أن يكون رأى أرواحهن وقد خلق فيها من الآلام ما يجده من هذه حاله ويحتمل أيضا أن يكون مثلت له حالهن في الآخرة وذكر الذين يدعون ما أحل الله من نسائهم ويأتون ما حرم عليهم وهذا نص على تحريم إتيان النساء في أعجازهن وقد قام الدليل على تحريمه من الكتاب والسنة والإجماع وقد ذكرنا المواضع التي يقوم منها التحريم على هذه المسألة من كتاب الله ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا ما جاء في ذلك عن ابن عباس من قوله هو الكفر وقول ابن عمر هو اللوطية الصغرى وأما الإجماع فإن المرأة ترد بداء الفرج ولو جاز وطؤها في المسلك الآخر ما أجمعوا على ردها بداء الفرج وقد مهدنا الأدلة على هذه المسألة مفردة في غير هذا الإملاء بما فيه شفاء والحمد لله . الولد لغير رشدة وقوله فأكل حرائبهم الحريبة المال وهو من الحرب وهو السلب يريد أن الولد إذا كان لغير رشدة نسب إلى الذي ولد على فراشه فيأكل من ماله صغيرا ، وينظر إلى بناته من غير أمه وإلى أخواته ولسن بعمات له وإلى أمه وليست بجدة له وهذا فساد كبير وإنما قدم ذكر الأكل من حريبته وماله قبل الاطلاع على عوراته وإن كان الاطلاع على العورات أشنع لأن نفقته عليه أول من حال صغره ثم قد يبلغ حد الاطلاع على عوراته أو لا يبلغ وأيضا فإن الأم أرضعته بلبانها ، ولم تدفعه إلى مرضعة كان الزوج أبا له من الرضاعة وكان حكمه حكم الابن من الرضاعة وفي ذلك نقصان من الشناعة فإن بلغ الصبي ، وتابت الأم ، وأعلمته أنه لغير رشدة ليستعف عن ميراثهم ويكف عن الاطلاع على عوراتهم أو علم ذلك بقرينة حال وجب عليه ذلك وإن كان شر الثلاثة كما جاء في الحديث في ابن الزنا ، وقد تؤول حديث شر الثلاثة على وجوه هذا أقربها إلى الصواب لقوله عليه السلام أكل حرائبهم واطلع على عوراتهم ومن فعل هذا عن عمد وقصد فهو شر الناس وإن لم يعلم فأكله واطلاعه شر عمل وأبواه حين زنيا فارقا ذلك العمل الخبيث لحينهما والابن في عمل خبيث من منشئه إلى وفاته فعمله شر عمل .

حكم الحاكم لا يحل الحرام وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن حكم الحاكم لا يحل حراما ، وذلك أن الولد في حكم الشريعة للفراش إلا أن ينفى باللعان فإذا حكم الحاكم بهذا ، وعلم الولد عند بلوغه خلاف ما حكم به الحاكم لم يحل له بهذا الحكم ما حرم الله عليه من أكل الحرائب والاطلاع على العورات وفي هذا رد لمذهب أبي حنيفة من قوله إن حكم الحاكم قد يحل ما يعلم أنه حرام مثل أن يشهد شاهدان على رجل أنه طلق وهما يعلمان أنه لم يطلق فيقبل القاضي شهادتهما فيطلق المرأة على الرجل فإذا بانت منه كان لأحد الشاهدين أن ينكحها مع علمه بأنه قد شهد زورا ، لم يقل أبو حنيفة بهذا القول في الأموال لقول النبي عليه السلام " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من صاحبه فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " ففي هذا الحديث مع الذي تقدم رد لمذهبه ولا حجة له في أن يقول ذلك مخصوص بالأموال من وجهين أحدهما : أن القياس أصل من أصوله وقياس المسألتين واحد الثاني : أنه قال من حق أخيه ولم يقل من مال أخيه وهذا لفظ يعم الحقوق كلها قال المؤلف وعندي أن أبا حنيفة رحمه الله إنما بنى هذه المسألة على أصله في طلاق المكره فإنه عنده لازم فإذا أكره الرجل على الطلاق وقلنا يلزم الطلاق له فقد حرمت المرأة عليه وإذا حرمت عليه جاز أن ينكحها من شاء فالإثم إنما تعلق في هذا المذهب بالشهادة دون النكاح وقد خالفه فقهاء الحجاز في طلاق المكره وقولهم يعضده الأثر وقول أبي حنيفة يعضده النظر والخوض في هذه المسألة يصدنا عما نحن بسبيله . مكان إدريس فصل وذكره لإدريس في السماء الرابعة مع قوله تعالى : ورفعناه مكانا عليا [ مريم : 57 ] ، مع أنه قد رأى موسى وإبراهيم في مكان أعلى من مكان إدريس فذلك والله أعلم لما ذكر عن كعب الأحبار أن إدريس خص من جميع الأنبياء أن رفع قبل وفاته إلى السماء الرابعة ورفعه ملك كان صديقا له وهو الملك الموكل بالشمس فيما ذكر وكان إدريس سأله أن يريه الجنة فأذن له الله في ذلك فلما كان في السماء الرابعة رآه هنالك ملك الموت فعجب وقال أمرت أن أقبض روح أدريس الساعة في السماء الرابعة فقبضه هنالك فرفعه حيا إلى ذلك المكان العلي خاص له دون الأنبياء .

قول الأنبياء في كل سماء فصل وذكر من قول الأنبياء له في كل سماء مرحبا بالأخ الصالح وقول آدم لإبراهيم بالابن الصالح وقد ذكرنا في أول هذا الكتاب حجة لمن قال إن إدريس ليس بجد لنوح ولا هو من آباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه قال مرحبا بالأخ الصالح ولم يقل بالابن الصالح .

خرافة طلب موسى أن يكون من أمة أحمد وأما اعتناء موسى - عليه السلام - بهذه الأمة وإلحاحه على نبيها أن يشفع لها ، ويسأل التخفيف عنها ، فلقوله - والله أعلم - حين قضي إليه الأمر بجانب الغربي ورأى صفات أمة محمد عليه السلام في الألواح وجعل يقول إني أجد في الألواح أمة صفتهم كذا ، اللهم اجعلهم أمتي ، فيقال له تلك أمة أحمد وهو حديث مشهور فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم كما يعتني بالقوم من هو معهم لقوله اللهم اجعلني منهم والله أعلم .

بعض ما رأى ومما جاء في حديث الإسراء مما لم يذكره ابن إسحاق في مسند الحارث بن أبي أسامة أنه - عليه السلام - ناداه مناد وهو على ظهر البراق يا محمد فلم يعرج عليه ثم ناداه آخر يا محمد يا محمد ثلاثا ، فلم يعرج عليه ثم لقيته امرأة عليها من كل زينة ناشرة يديها ، تقول يا محمد يا محمد حتى تغشته فلم يعرج عليها ، ثم سأل جبريل عما رأى ، فأخبره فقال أما المنادي الأول فداعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك ، وأما الآخر فداعي النصارى ، ولو أجبته لتنصرت أمتك ، وأما المرأة التي كان عليها من كل زينة فإنها الدنيا لو أجبتها لآثرت الدنيا على الآخرة

كفاية الله أمر المستهزئين قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر الله تعالى صابرا محتسبا ، مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى والاستهزاء . وكان عظماء المستهزئين - كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير خمسة نفر من قومهم وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم . من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب : الأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه به فقال اللهم أعم بصره وأثكله ولده ومن بني زهرة بن كلاب : الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة . ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : العاص بن وائل بن هشام . قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم ومن بني خزاعة : الحارث ابن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن لؤي بن ملكان . فلما تمادوا من الشر وأكثروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستهزاء أنزل الله تعالى عليه فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون [ الحجر : 93 - 95 ] . قال ابن إسحاق فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه فمر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات منه حبنا . ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله وذلك أنه مر برجل من خزاعة ، وهو يريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش من رجله ذلك الخدش وليس بشيء ، فانتقض به فقتله . ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شبارقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته ومر به الحارث ابن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحا فقتله . ________________________________________ عن المستهزئين وملكان فصل وذكر حديث المستهزئين الذين أنزل الله فيهم إنا كفيناك المستهزئين [ الحجر : 95 ] وذكر فيهم الحارث ابن الطلاطلة والطلاطلة أمه قال أبو الوليد الوقشي ، والطلاطلة في اللغة الداهية قال أبو عبيد : كل داء عضال فهو طلاطلة وذكر في نسبه عبد عمرو بن ملكان بالضبطين جميعا ، وفي حاشية كتاب الشيخ الحافظ أبي بحر قال قد تقدم من قول ابن حبيب النحوي أن الناس ليس فيهم ملكان بفتح الميم إلا ملكان بن جرم بن زبان بن حلوان عمران بن الحاف بن قضاعة ، وملكان بن عباد بن عياض بن عقبة بن السكون بن أشرس وإخوة عدي هم - تجيب عرفوا بأمهم تجيب بنت دهم بن ثوبان ، وهم من كندة ، وكل من في الناس وغيرهما ملكان مكسور الميم ساكن اللام وقال مشايخ خزاعة : في خزاعة ملكان بفتح الميم قال القاضي : يعني ابن حبيب ملكان بن أفصى بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وقال غير ابن حبيب كالذي يخرج من عبارته أن الذي في خزاعة إنما هو ملكان بن أفصى مثل ملكان بن عدي بن عبد مناة من الرباب الذين منهم ذو الرمة الشاعر ومثل ملكان بن عبد مناة من الرباب أيضا رهط سفيان بن سعيد الثوري . وذكر في المستهزئين الأسود بن عبد يغوث الزهري روى أنه لما أنزل الله تعالى : إنا كفيناك المستهزئين [ الحجر : 95 ] نزل جبريل عليه السلام فحنا ظهر الأسود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالي خالي ، فقال له جبريل خل عنك ، ثم حناه حتى قتله ذكره الدارقطني

الوليد وأبو أزيهر قال ابن إسحاق : فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة هشام بن الوليد والوليد بن الوليد ، وخالد بن الوليد ، فقال لهم أي بني أوصيكم بثلاث فلا تضيعوا فيهن دمي في خزاعة ، فلا تطلنه والله إني لأعلم أنهم منه برآء ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم ورباي في ثقيف ، فلا تدعوه حتى تأخذوه وعقرى عند أبي أزيهر فلا يفوتنكم به . وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا ، ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات . فلما هلك الوليد بن المغيرة ، وثبت بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل الوليد وقالوا : إنما قتله سهم صاحبكم - وكان لبني كعب حلف من بني عبد المطلب بن هاشم - فأبت عليهم خزاعة ذلك حتى تقاولوا أشعارا ، وغلظ بينهم الأمر - وكان الذي أصاب الوليد سهمه رجلا من بني كعب بن عمرو من خزاعة - فقال عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم : إني زعيم أن تسيروا ، فتهربوا و أن تتركوا الظهران تعوى ثعالبه و أن تتركوا ماء بجزعة أطرقا و أن تسألوا : أي الأراك اطايبه فإنا أناس أناس لا تطل دماؤنا و لا يتعالى صاعداً من نحاربه وكانت الظهران والأراك منازل بني كعب من خزاعة . فأجابه الجون بن أبي الجون أخو بني كعب بن عمرو الخزاعي ، فقال و الله لا نؤتي الولي ظلامة و لما قروا يوما تزول كواكبه

        و يصرع منكم مسمن بعد مسمن        و تفتح بعد الموت قسراً مشاربه

إذا ما أكلتم خبزكم و خزيركم فكلكم باكي الوليد و نادبه ثم إن الناس ترادوا وعرفوا أنما يخشى القوم السبة فأعطتهم خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض . فلما اصطلح القوم قال الجون بن أبي الجون و قائلة لما اصطلحنا تعجباً لما قد حملنا للوليد و قائل

     ألم تقسموا تؤتوا الوليد ظلامة         و لما تروا يوماً كثير البلابل

فنحن خلطنا الحرب بالسلم فاستوت فأم هواه آمناً كل راحل ثم لم ينته الجون بن أبي الجون حتى افتخر بقتل الوليد وذكر أنهم أصابوه وكان ذلك باطلا . فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ما حذره . فقال الجون بن أبي الجون ألا زعم المغيرة أن كعباً بمكة منهم قدر كثير

       فلا تفخر مغيرة أن تراها    بها يمشي المعلهج و المهير
  بها آباؤنا , وبها ولدنا       كما أرسى بمثبته ثبير
وما قال المغيرة ذلك إلا    ليعلم شأننا أو يستثير
    فإن دم الوليد يطل إنا       نطل دماء انت بها خبير
       كساه الفاتك الميمون سمهما   زعافا وهو ممتلئ بهير
  فخر ببطن مكة مسلحبا     كأنة عند وجبته بعير
        سيكفيني مطال أبو هشام    صغار جحده الأوبار خور

قال ابن هشام : تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه .

ثورة لمقتل أبي أزيهر قال ابن إسحاق : ثم عدا هشام بن الوليد على أبي أزيهر وهو بسوق ذي المجاز وكان عند أبي سفيان بن حرب بنت أزيهر وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه - فقتله بعقر الوليد الذي كان عنده لوصية أبيه إياه وذلك بعد أن هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ومضى بدر ، وأصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين فخرج يزيد بن أبي سفيان فجمع بني عبد مناف وأبو سفيان بذي المجاز فقال الناس أخفر أبو سفيان في صهره فهو ثائر به ، فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد - وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا ، يحب قومه حبا شديدا - انحط سريعا إلى مكة ، وخشي أن يكون بين قريش حدث في أبي أزيهر فأتى ابنه وهو في الحديد في قومه من بني عبد مناف والمطيبين فأخذ الرمح من يده ثم ضرب به على رأسه ضربة هده منها ، ثم قال له قبحك الله أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس . سنؤتيهم العقل إن قبلوه وأطفأ ذلك الأمر . فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبي أزيهر ويعير أبا سفيان خفرته ويجبنه فقال

     غدا أهل ضوجي ذي المجاز كليهما            و جار ابن حرب بالمغمس ما يغدو

و لم يمنع العير الضروط ذماره و ما منعت مخزاة والدها ند كساك هشام بن الوليد ثيابه فأبل و أخلف مثلها جدداً بعد قضى وطراً منها فأصبح ماجداً و أصبحت رخواً ما تخب و تعدو فلو أن أشياخاً ببدر تشاهدوا لبل نعال القوم معتبط ورد فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس بئس والله ما ظن

آية الربا من البقرة ولما أسلم أهل الطائف كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الذي كان في ثقيف ، لما كان أبوه أوصاه به . قال ابن إسحاق : فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس نزلن في ذلك من طلب خالد الربا : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [ البقرة 278 ] إلى آخر القصة فيها

الهم بأخذ ثأر أبي أزيهر ولم يكن في أبي أزيهر ثأر نعلمه حتى حجز الإسلام بين الناس إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس ، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معهم حتى منعتهم فقال ضرار بن الخطاب في ذلك

      جزى الله عنا أم غيلان صالحا           و نسوتها إذ هن شعث عواطل

فهن دفعن الموت بعد اقترابه و قد برزت للثائرين المقاتل

دعت دعوة دوساً فسالت شعابها       بعز وأدتها الشراج القوابل
    و عمرا جزاه الله عنا خيرا فما ونى        و ما بردت لديه المفاصل
         فجردتُ سيفي ثم قمت بنصله            و عن أي نفس بعد نفسي أقاتل

عمل أم غيلان قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن التي قامت دون ضرار أم جميل ويقال أم غيلان قال ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه . فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل وهي ترى أنه أخوه فلما انتسبت له عرف القصة فقال إني لست بأخيه إلا في الإسلام ، وهو غاز وقد عرفت منتك عليه فأعطاها على أنها ابنة سبيل . قال الراوي : قال ابن هشام : وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد ، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول انج يا بن الخطاب لا أقتلك ، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه ________________________________________ حديث الوليد بن المغيرة فصل وذكر وفاة الوليد بن المغيرة ، وقوله لبنيه وعقرى عند أبي أزيهر الدوسي لا تدعوه . العقر دية الفرج المغصوب وأصله في البكر من أجل التدمية ومنه عقر السرج الفرس : إذا أدماه وبيضة العقر منه لأنهم كانوا يقيسون البكر بالبيضة ليعرفوا بكورتها ، وقيل عقر بضم العين لأنه بمعنى بضع . عن مقتل أبي أزيهر وموقف دوس وذكر قتل هشام بن الوليد لأبي أزيهر وخبر أم غيلان مع ضرار حين أجارته ومن تمام الخبر : أن دوسا لما بلغها مقتل أبي أزيهر الدوسي وثبت على رجال من قريش كانوا عندهم فقتلوا منهم بجير بن العوام أخا الزبير وأرادوا قتل ضرار بن الخطاب ، فأجارته أم غيلان وابنها عوف قال ضرار : لقد أدخلتني بين درعها وبدنها ، حتى إني لأجد تسبيد ركبها ، والتسبيد موضع الحلق من الشعر وكان الذي قتل بجيرا صبيح بن سعد أو مليح بن سعد جد أبي هريرة لأمه لأن أمه أميمة بنت مليح أو صبيح . فصل وذكر شعر عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وفيه و أن تتركوا ماء بجزعة أطرقا والجزعة والجزع بمعنى واحد وهو معظم الوادي ، وقال ابن الأعرابي : هو ما انثنى منه وأطرقا اسم علم لموضع سمي بفعل الأمر للاثنين فهو محكي لا يعرب وقيل إن أصل تسميته بذلك أن ثلاثة نفر مروا بها خائفين فسمع أحدهم صوتا ، فقال لصاحبيه أطرقا ، أي أنصتا ، حتى نرى ما هذا الصوت فسمي المكان بأطرقا ، والله أعلم . وذكر شعر الجون بن أبي الجون وفيه الم تقسموا تؤتوا الوليد ظلامة أراد أن تؤتوا ، ومعناه أن لا تؤتوا كما جاء في التنزيل يبين الله لكم أن تضلوا [ النساء : 176 ] في قول طائفة ومعناه عندي : كره لكم أن تضلوا ، وقد قدمنا في الجزء قبل هذا كلاما على أن ومقتضاها وشيئا من أسرارها فيه غنية وإذا كان الكلام محمولا على معناه فالنصب جائز والرفع جائز أيضا ، كما أنشدوا : ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى بنصب أحضر ورفعه وأنشد سيبويه : و نهنهت نفسي بعدما كدت أفعله يريد أن أفعله وإذا رفعت في هذا الموضع لم يذهب الرفع معنى أن فقد حكى سيبويه : مره يحفرها ، وقدره تقديرين أحدهما : أن يريد الحال أي مره حافرا لها ، والثاني : أن يريد مره أن يحفرها ، وارتفع الفعل لما ذهبت أن من اللفظ وبين ابن جني الفرق بين التقديرين وقال إذا نويت أن فالفعل مستقبل وإذا لم تنوها فالفعل حاضر وهاهنا مسألة من العرب ذكرها الطبري ، قال العرب تقول لمن توجه في أمر تصنع ماذا وتفعل ماذا ؟ على تقدير تريد أن تصنع ماذا ، فإذا قالوا : تريد ماذا لم يكن إلا رفعا ، لأن المعنى الذي يجلب معنى أن الناصبة ليس في قوله تريد إذ لا يستقيم أن تقول تريد أن تريد ماذا ، يعني : أن الإرادة لا تراد .

شعر الجون وذكر شعر الجون أيضا ، وفيه بها يمشي المعلهج و المهير المهير ابن المهورة الحرة والمعلهج المتردد في الإماء كأنه منحوت من أصلين من العلج لأن الأمة علجة ومن اللهج كأن واطئ الأمة قد لهج بها ، فنحت لفظ المعلهج من هذين اللفظين . وفيه كما أرسى بمثبته ثبير كذا صحت الرواية في أرسى بالتخفيف وهو زحاف داخل على زحاف لأن تسكين اللام من مفاعلتن في الوافر زحاف ولكنه حسن كثير فلما كثر شبهه هذا الشاعر بمفاعيل لأنه على وزنه ومفاعيلن يحسن حذف الياء منها في الطويل فيصير فعولن مفاعلن فلذلك أدخل هذا الشاعر الزحاف على مفاعلتن لأنه بعد السكون في وزن مفاعيلن التي تحذف ياؤها حذفا مستحسنا ، فتدبره فإنه مليح في علم العروض

من أسواق العرب فصل وأنشد لحسان بن ثابت غدا أهل ضوجي ذي المجاز بسحرة ضوج الوادي : جانبه وذو المجاز : سوق عند عرفة كانت العرب إذا حجت أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه إلى أيام الحج وكانوا يتفاخرون في سوق عكاظ شهر شوال إذا اجتمعوا ، ويقال عكظ الرجل صاحبه إذا فاخره وغلبه بالمفاخرة فسميت عكاظ لذلك . وذكر لبل نعال القوم معتبط ورد يعني : الدم العبيط .

ما أنزل الله في الربا فصل وذكر ما أنزل الله في الربا الآيات من سورة البقرة وقد قدمنا في حديث بنيان الكعبة من قولهم لا تنفقوا فيها ربا ولا مهر بغي وأن في ذلك دليلا على قدم تحريمه عليهم في شرح إبراهيم عليه السلام أو في غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وذلك أنه من أقبح الأعمال لما فيه من هدم جانب المروءة وإيثار الحرص مع بعد الأمل ونسيان بغتة الأجل وترك التوسعة وحسن المعاملة ومن تأمل أبواب الربا لاح له شر التحريم من جهة الجشع المانع من حسن المعاشرة والذريعة إلى ترك القرض وما فيه وفي التوسعة من مكارم الأخلاق ولذلك قال سبحانه فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [ البقرة 279 ] غضبا منه على أهله ولهذه النكتة قالت عائشة لأم محبة مولاة زيد بن أرقم أبلغي زيدا تعني زيد بن أرقم أن قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكرت لها عنه مسألة من البيوع تشبه الربا ، فقالت أبطل جهاده ولم تقل صلاته ولا صيامه لأن السيئات لا تحبط الحسنات ولكن خصت الجهاد بالإبطال لأنه حرب لأعداء الله وآكل الربا قد أذن بحرب من الله فهو ضده ولا يجتمع الضدان وهذا معنى ذكره أبو الحسن بن بطال في شرح الجامع وتلك المسألة مذكورة في المدونة لكن إسنادها إلى عائشة ضعيف ما عاناه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة قال ابن إسحاق : ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها ، وبهلك عمه أبي طالب وكان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين . فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه ترابا . قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، قال لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك التراب دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها : لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك قال ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب

ما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي طالب والمشركين قال ابن إسحاق : ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريشا ثقله قالت قريش بعضها لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها ، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا ، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا . قال ابن إسحاق : فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس ، قال مشوا إلى أبي طالب فكلموه وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ، وأبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم فقالوا : يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت ، وقد حضرك ما ترى ، وتخوفنا عليك ، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك ، فادعه فخذ له منا ، وخذ لنا منه ليكف عنا ، ونكف عنه وليدعنا وديننا ، وندعه ودينه فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال يا ابن أخي : هؤلاء أشراف قومك ، قد اجتمعوا لك ، ليعطوك ، وليأخذوا منك . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم . قال فقال أبو جهل نعم وأبيك ، وعشر كلمات قال تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه . قال فصفقوا بأيديهم ثم قالوا : أتريد يا محمد أن تجعل الإلهة إلها واحدا . إن أمرك لعجب ثم قال بعضهم لبعض إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا ، وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه . قال ثم تفرقوا . الرسول يرجو أن يسلم أبو طالب

فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله يا ابن أخي ، ما رأيتك سألتهم شططا ; فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إسلامه فجعل يقول له أي عم فأنت فقلها ، أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة . قال فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا ابن أخي ، والله لولا مخافة السبة عليك ، وعلى بني أبيك من بعدي ، وأن تظن قريش أني قلتها جزعا من الموت لقلتها ، لا أقولها إلا لأسرك بها . قال فلما تقارب من أبي طالب الموت قال نظر العباس إليه يحرك شفتيه قال فأصغى إليه بأذنه قال فقال يا ابن أخي ، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمع  

________________________________________ وفاة أبي طالب ووصيته ذكر ابن إسحاق وفاة أبي طالب إلى آخر القصة وفيها قال العباس والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أسمع قال المؤلف شهادة العباس لأبي طالب لو أداها بعدما أسلم ، لكانت مقبولة ولم يرد بقوله لم أسمع لأن الشاهد العدل إذا قال سمعت ، وقال من هو أعدل منه لم أسمع أخذ بقول من أثبت السماع لأن عدم السماع يحتمل أسبابا منعت الشاهد من السمع ولكن العباس شهد بذلك قبل أن يسلم مع أن الصحيح من الأثر قد أثبت لأبي طالب الوفاة على الكفر والشرك وأثبت نزول هذه الآية فيه ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [ التوبة 113 ] وثبت في الصحيح أيضا أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، ويغضب لك ، فهل ينفعه ذلك ؟ قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح وفي الصحيح أيضا من طريق أبي سعيد أنه - عليه السلام - قال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه وفي رواية أخرى : كما يغلي المرجل بالقمقم وهي مشكلة وقال بعض أهل العلم القمقم هو البسر الأخضر يطبخ في المرجل استعجالا لنضجه يفعل ذلك أهل الحاجة وفي رواية يونس عن ابن إسحاق زيادة وهي أنه قال يغلي منها دماغه حتى يسيل على قدميه ومن باب النظر في حكمة الله ومشاكلة الجزاء للعمل أن أبا طالب كان مع رسول الله بجملته متحزيا له إلا أنه مثبت لقدميه على ملة عبد المطلب ، حتى قال عند الموت أنا على ملة عبد المطلب ، فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه ثبتنا الله على الصراط المستقيم . وذكر قول الله تعالى : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [ التوبة 113 ] وقد استغفر عليه السلام يوم أحد فقال اللهم اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون وذلك حين جرح المشركون وجهه وقتلوا عمه . وكثيرا من أصحابه ولا يصح أن تكون الآية نزلت في عمه ناسخة لاستغفاره يوم أحد ، لأن وفاة عمه كانت قبل ذلك بمكة ولا ينسخ المتقدم المتأخر وقد أجيب عن هذا السؤال بأجوبة أن قيل استغفاره لقومه مشروط بتوبتهم من الشرك كأنه أراد الدعاء لهم بالتوبة حتى يغفر لهم ويقوي هذا القول رواية من روى : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وقد ذكرها ابن إسحاق ، رواها عنه بعض رواة الكتاب بهذا اللفظ وقيل مغفرة تصرف عنهم عقوبة الدنيا في المسخ والخسف ونحو ذلك ووجه ثالث وهو أن تكون الآية تأخر نزولها ، فنزلت بالمدينة ناسخة للاستغفار للمشركين فيكون سبب نزولها متقدما ، ونزولها متأخرا لا سيما ، وهي في سورة براءة وبراءة من آخر ما نزل فتكون على هذا ناسخة للاستغفارين جميعا ، وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال له أبو جهل وابن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب ، فقال أنا على ملة عبد المطلب وظاهر الحديث يقتضي أن عبد المطلب مات على الشرك ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلافا في عبد المطلب ، وأنه قد قال فيه مات مسلما لما رأى من الدلائل على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلم أنه لا يبعث إلا بالتوحيد فالله أعلم غير أن في مسند البزار ، وفي كتاب النسوي من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة وقد عزت قوما من الأنصار عن ميتهم لعلك بلغت معهم الكدى ، ويروى الكرى بالراء يعني : القبور فقالت لا ، فقال لو كنت معهم الكدى أو كما قال ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك وقد أخرجه أبو داود ، ولم يذكر فيه حتى يدخلها جد أبيك ، وكذلك لم يذكر فيه ما دخلت الجنة وفي قوله جد أبيك ، ولم يقل جدك يعني : أباه توطئة للحديث الضعيف الذي قدمنا ذكره أن الله أحيا أمه وأباه وآمنا به فالله أعلم ويحتمل أن يكون أراد تخويفها بقوله حتى يدخلها جد أبيك فتتوهم أنه الجد الكافر ومن جدوده عليه السلام إسماعيل وإبراهيم لأن قوله عليه السلام حق ، وبلوغها معهم الكدى لا يوجب خلودا في النار فهذا من لطيف الكناية فافهمه وحكي عن هشام بن السائب أو ابنه أنه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش ، فأوصاهم فقال يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب ، فيكم السيد المطاع وفيكم المقدم الشجاع والواسع الباع واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم بذلكم على الناس الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حزب وعلى حربكم ألب وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش وثباتا للوطأة صلوا أرحامكم ولا تقطعوها ، فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل وسعة في العدد واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكة القرون قبلكم أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيهما شرف الحياة والممات عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام وإني أوصيكم بمحمد خيرا ، فإنه الأمين في قريش ، والصديق في العرب ، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل البر في الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا ، وضعفاؤها أربابا ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها ، وأصفت له فؤادها ، وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي ثم هلك .

ما نزل فيمن طلبوا العهد على الرسول عند أبي طالب قال وأنزل الله تعالى في الرهط الذين كانوا اجتمعوا إليه وقال لهم ما قال وردوا عليه ما ردوا : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق [ ص : 1 ، 2 ] . . إلى قوله تعالى : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة يعنون النصارى ، لقولهم إن الله ثالث ثلاثة - إن هذا إلا اختلاق [ ص : 7 ] ثم هلك أبو طالب - ________________________________________


تفسير المشي في سورة ص فصل وذكر ما أنزل الله تعالى في قولهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم وذكر بعض أهل التفسير أن قولهم امشوا من المشاء لا من المشي والمشاء نماء المال وزيادته يقال مشى الرجل وأمشى : إذا نما ماله قال الشاعر و كل فتى و إن أمشى و أثرى ستخجله عن الدنيا منون وقال الراجز والشاة لا تمشي على الهملع أي لا تكثر والهملع الذئب وقاله الخطابي في معنى الآية كأنهم أرادوا أن المشاء والبركة في صبرهم على آلهتهم وحملها على المشي أظهر في اللغة والله أعلم .

تتابع المصائب بموت خديجة وذكر تتابع المصائب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموت خديجة ثم بموت عمه وذكر الزبير في حديث أسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال تكرهين ما أرى منك يا خديجة وقد يجعل الله في الكره خيرا شعرت أن الله قد أعلمني أنه سيزوجني معك في الجنة مريم ابنة عمران وكلثوم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ، فقالت الله أعلمك بهذا يا رسول الله ؟ فقال نعم فقالت بالرفاء والبنين وذكر أيضا في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعم خديجة من عنب الجنة

الرسول يسعى إلى الطائف قال ابن إسحاق : ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج إليهم وحده .

موقف ثقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، عمد إلى نفر من ثقيف ، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ; وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا . لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه قال ابن هشام : قال عبيد بن الأبرص : و لقد أتاني عن تميم أنهم ذئروا لقتلى عامر و تعصبوا فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وهما فيه ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه . وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح فقال لها : ماذا لقينا من أحمائك ؟ ________________________________________ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وسنذكر السبب في تسميتها بالطائف وأن الدمون رجل من الصدف من حضرموت نزلها ، فقال لأهلها : ألا أبني لكم حائطا يطيف ببلدتكم فبناه فسميت الطائف ، وقيل غير ذلك مما سنذكره . وقوله فيذئرها عليه قد فسره ابن هشام ، وأنشد ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا وفي الحديث لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء قال ذئر النساء على أزواجهن وفسره أبو عبيد بالنشوز على الأزواج وأنشد البيت الذي أنشده ابن هشام ، ومعنى كلامهما واحد . وذكر ما لقي من أشراف ثقيف ، وذكر موسى بن عقبة زيادة في الحديث حين أغروا به سفهاءهم قال وكان يمشي بين سماطين منهم فكلما نقلوا قدما ، رجموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضب نعلاه بالدماء وذكر التيمي كما ذكر ابن عقبة وزاد قال كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه فإذا مشى رجموه وهم يضحكون حتى انتهى إلى الموضع الذي ذكره ابن إسحاق من حائط عتبة وشيبة . قال ابن إسحاق : فجلس إلى ظل حبلة والحبلة الكرمة اشتق اسمها من الحبل لأنها تحمل بالعنب ولذلك فتح حمل الشجرة والنخلة فقيل حمل بفتح الحاء تشبيها بحمل المرأة وقد يقال فيه حمل بالكسر تشبيها بالحمل الذي على الظهر ومن قال في الكرمة حبلة بسكون الباء فليس بالمعروف وقد قال أبو الحسن بن كيسان في " نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة إنه بيع العنب قبل أن يطيب كما جاء في الحديث الآخر من نهيه عن بيع التمر قبل أن يبدو صلاحه وهو قول غريب لم يذهب إليه أحد في تأويل الحديث وقد قال عمر بن الخطاب في الأرضين التي افتتحت في زمانه - وقد قيل له قسمها على الذين افتتحوها - فقال والله لأدعنها حتى يجاهد بها حبل الحبلة يريد أولادها في البطون . ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال والقول الذي ذكره أبو الحسن في حبل الحبلة وقع في كتاب الألفاظ ليعقوب وإنما أشكل عليه وعلى غيره دخول الهاء في الحبلة حتى قالوا فيه أقوالا كلها هباء فمنهم من قال إنما قال الحبلة لأنها بهيمة أو جنينة ومنهم من قال دخلت للجماعة ومنهم من قال للمبالغة وهذا كله ينعكس عليهم بقوله حبل الحبلة فإنه لم تدخل التاء إلا في أحد اللفظين دون الثاني ، وتبطل أيضا على من قال أراد معنى البهيمة بحديث عمر المتقدم وإنما النكتة في ذلك أن الحبل ما دام حبلا لا يدرى : أذكر هو أم أنثى ، لم يسم حبلا ، فإذا كانت أنثى ، وبلغت حد الحمل فحبلت فذاك الحبل هو الذي نهى عن بيعه والأول قد علمت أنوثته بعد الولادة فعبر عنه بالحبلة وصار معنى الكلام أنه نهى عن بيع حبل الجنينة التي كانت حبلا لا يعرف ما هي ثم عرف بعد الوضع وكذلك في الآدميين فإذا لا يقال لها : حبلة إلا بعد المعرفة بأنها أنثى ، وعند ذكر الحبل الثاني لأن هذه الأنثى قبل أن تحبل وهي صغيرة رخلى ، وتسمى أيضا حائلا وأشباه ذلك وقد زال عنها اسم الحبل فإذا حبلت وذكر حبلها وازدوج ذكره مع الحالة الأولى التي كانت فيها حبلا فرق بين اللفظين بتاء التأنيث وخص اللفظ الذي هو عبارة عن الأنثى بالتاء دون اللفظ الذي لا يدرى ما هو أذكر أم أنثى ، وقد كان المعنى قريبا والمأخذ سهلا لا يحتاج إلى هذه الإطالة لولا ما قدمناه من تخليطهم في تأويل هذا الكلام الفصيح البليغ الذي لا يقدر قدره في البلاغة إلا عالم بجوهر الكلام . فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما ذكر لي : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك . قال فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه . ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ؟ قال نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك . فلما جاءهما عداس ، قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ، قالا له ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه . ________________________________________ نور الله ووجهه فصل وذكر دعاءه - عليه السلام - عند الشدة وقوله اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي إلى آخر الدعاء وفيه أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ويسأل عن النور هنا ، ومعنى الوجه وإشراق الظلمات أما الوجه إذا جاء ذكره في الكتاب والسنة فهو ينقسم في الذكر إلى موطنين موطن تقرب واسترضاء بعمل كقوله تعالى : يريدون وجهه وكقوله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى فالمطلوب في هذا الموطن رضاه وقبوله للعمل وإقباله على العبد العامل وأصله أن من رضي عنك ، أقبل عليك ، ومن غضب عليك أعرض عنك ، ولم يرك وجهه فأفاد قوله بوجهك هاهنا معنى الرضى والقبول والإقبال وليس بصلة في الكلام كما قال أبو عبيدة لأن قوله ذلك هراء من القول ومعنى الصلة عنده أنها كلمة لا تفيد إلا تأكيدا للكلام وهذا قول من غلظ طبعه وبعد بالعجمة عن فهم البلاغة قلبه وكذلك قال هو ومن قلده في قوله تعالى : ويبقى وجه ربك [ الرحمن 27 ] أي يبقى ربك ، وكل شيء هالك إلا وجهه أي إلا إياه فعلى هذا قد خلا ذكر الوجه من حكمة وكيف تخلو كلمة منه من الحكمة وهو الكتاب الحكيم ولكن هذا هو الموطن الثاني من مواطن ذكر الوجه والمعنى به ما ظهر إلى القلوب والبصائر من أوصاف جلاله ومجده والوجه لغة ما ظهر من الشيء معقولا كان أو محسوسا ، تقول هذا وجه المسألة ووجه الحديث أي الظاهر إلى رأيك منه وكذلك الثوب ما ظهر إلى بصرك منه والبصائر لا تحيط بأوصاف جلاله وما يظهر لها من ذلك أقل مما يغيب عنها ، وهو الظاهر والباطن - تعالى وجل - وكذلك في الجنة نظر أهلها إلى وجهه سبحانه إنما هو نظر إلى ما يرون من ظاهر جلاله إليهم عند تجليه ورفع الحجاب دونهم وما لا يدركون من ذلك الجلال أكثر مما أدركوا . وقوله سبحانه كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ الرحمن 26 ، 27 ] لما كانت السموات والأرض قد أظهرت من قدرته وسلطانه ما أظهرت أخبر تعالى أن فناءها لا يغير ما علم من سلطانه وظهر إلى البصائر من جلاله فقد كان ذلك الجلال قبل أن يخلقها ، وهو باق بعد فنائها كما كان في القدم فهو ذو الجلال والإكرام قال الحسن معناه تجلل بالبهاء وأكرم من شاء بالنظر إلى وجهه أما الأشعري فذهب في معنى الوجه إلى ما ذهب فيه من معنى العين واليد وأنها صفات لله تعالى لم تعلم من جهة العقول ولا من جهة الشرع المنقول وهذه عجمة أيضا فإنه نزل بلسان عربي مبين فقد فهمته العرب لما نزل بلسانها ، وليس في لغتها أن الوجه صفة ولا إشكال على المؤمن منهم ولا على الكافر في معنى هذه الآي التي احتيج آخر الزمان إلى الكلام فيه مع العجمان لأن المؤمن لم يخش على عقيدته شكا ولا تشبيها ، فلم يستفسر أحد منهم رسول الله عليه السلام ولا سأله عن هذه الآية التي هي اليوم مشكلة عند عوام الناس ولا الكافر في ذلك الزمان لم يتعلق بها في معرض المناقضة والمجادلة كما فعلوا في قوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [ الأنبياء 98 ] ولا قال أحد منهم يزعم محمد أن الله ما يشبهه شيء من خلقه ثم يثبت له وجها ويدين إلى غير ذلك فدل على أنهم لم يروا في الآية إشكالا ، وتلقوا معانيها على غير التشبيه وعرفوا من سمانة الكلام وملاحة الاستعارة أنه معجز فلم يتعاطوا له معارضة ولا توهموا فيه مناقضة وقد أملينا في معنى اليدين والعين مسألة بديعة جدا ، فلتنظر هنالك . وأما النور فعبارة عن الظهور وانكشاف الحقائق الإلهية وبه أشرقت الظلمات أي أشرقت محالها وهي القلوب التي كانت فيها ظلمات الجهالة والشكوك فاستنارت القلوب بنور الله وقد قال المفسرون في قوله تعالى : { مثل نوره } أي مثل نوره في قلب في المؤمن كمشكاة فهو إذا نور الإيمان والمعرفة المجلي لكل ظلمة وشك قال كعب المشكاة مثل لفهمه والمصباح مثل للسانه والزجاجة مثل لصدره أو لقلبه أي قلب محمد صلى الله عليه وسلم وقال أعوذ بنور وجهك ولو قال بنورك لحسن ولكن توسل إليه بما أودع قلبه من نوره فتوسل إلى نعمته بنعمته وإلى فضله ورحمته بفضله ورحمته وقد تكون الظلمات هاهنا أيضا الظلمات المحسوسة وإشراقها جلالتها على خالقها ، وكذلك الأنوار المحسوسة الكل دال عليه فهو نور النور أي مظهره منور الظلمات أي جاعلها نورا في حكم الدلالة عليه سبحانه وتعالى .

خبر عداس فصل وذكر خبر عداس غلام عتبة وشيبة ابني ربيعة حين جاء بالقطف من عندهما إلى آخر القصة وفيه قبول هدية المشرك وأن لا يتورع عن طعامه وسيأتي استقصاء ذلك إن شاء الله تعالى ، وزاد التيمي فيها أن عداسا حين سمعه يذكر يونس بن متى قال والله لقد خرجت منها يعني : نينوى ، وما فيها عشرة يعرفون ما متى ، فمن أين عرفت أنت متى ، وأنت أمي ، وفي أمة أمية ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أخي ، كان نبيا ، وأنا نبي وذكروا أيضا أن عداسا لما أراد سيداه الخروج إلى بدر أمراه بالخروج معهما فقال لهما : أقتال ذلك الرجل الذي رأيته بحائطكما تريدان والله ما تقوم له الجبال فقالا له ويحك يا عداس : قد سحرك بلسانه وعندما لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل الطائف ، ما لقي ودعا بالدعاء المتقدم نزل عليه جبريل ومعه ملك الجبال كما روى البخاري عن عبد الله بن يوسف ، عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عروة أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي عليه السلام هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من أحد ؟ فقال لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت على وجهي ، وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي فقال يا محمد ذلك لك ، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا . هكذا قال في الحديث ابن عبد كلال وهو خلاف ما نسبه ابن إسحاق .

أمر جن نصيبين قال ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الطائف راجعا إلى مكة ، حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى ، وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا . فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن إلى قوله تعالى : { ويجركم من عذاب أليم } وقال تبارك وتعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة . ________________________________________ جن نصيبين فصل وذكر حديث وفد جن نصيبين وما أنزل الله فيهم وقد أملينا أول المبعثين من هذا الكتاب طرفا من أخبارهم وبينا هنالك أسماءهم ونصيبين مدينة بالشام أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم . روي أنه قال رفعت إلي نصيبين حتى رأيتها فدعوت الله أن يعذب نهرها ، وينضر شجرها ، ويطيب ثمرها أو قال ويكثر ثمرها وتقدم في أسمائهم ما ذكره ابن دريد . قال هم منشي وماشي وشاصر وماصر والأحقب ، ولم يزد على تسمية هؤلاء وقد ذكرنا تمام أسمائهم فيما تقدم وفي الصحيح أن الذي أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجن ليلة الجن شجرة وأنهم سألوه الزاد فقال كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدهم . أوفر ما يكون لحما ، وكل بعر علف لدوابهم . زاد ابن سلام في تفسيره أن البعر يعود خضرا لدوابهم ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بالعظم والروث وقال إنه زاد إخوانكم من الجن ولفظ الحديث في كتاب مسلم كما قدمناه كل عظم ذكر اسم الله عليه ولفظه في كتاب أبي داود كل عظم لم يذكر اسم الله عليه وأكثر الأحاديث تدل على معنى رواية أبي داود وقال بعض العلماء رواية مسلم في الجن المؤمنين والرواية الأخرى في حق الشياطين منهم وهذا قول صحيح تعضده الأحاديث إلا أنا نكره الإطالة وفي هذا رد على من زعم أن الجن لا يأكل ولا يشرب وتأولوا قوله - عليه السلام إن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله على غير ظاهره وهم ثلاثة أصناف كما جاء في حديث آخر صنف على صور الحيات وصنف على صور الكلاب سود وصنف ريح طيارة أو قال هفافة ذوو أجنحة وزاد بعض الرواة في الحديث وصنف يخلون ويظعنون وهم السعالي ، ولعل هذا الصنف الطيار هو الذي لا يأكل ولا يشرب إن صح القول المتقدم والله أعلم . وروينا في حديث سمعته يقرأ على الشيخ الحافظ أبي بكر بن العربي بسنده إلى جابر بن عبد الله ، قال بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشي إذ جاءت حية فقامت إلى جنبه وأدنت فاها من أذنه وكانت تناجيه أو نحو هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت قال جابر فسألته ، فأخبرني أنه رجل من الجن ، وأنه قال له مر أمتك لا يستنجوا بالروث ولا بالرمة فإن الله جعل لنا في ذلك رزقا

عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل قال ابن إسحاق : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به . قال ابن إسحاق : فحدثني من أصحابنا ، من لا أتهم عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عباد الديلي أو من حدثه أبو الزناد عنه - قال ابن هشام : ربيعة بن عباد . قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، قال سمعت ربيعة بن عباد يحدثه أبي ، قال إني لغلام شاب مع أبي بمنى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب ، فيقول يا بني فلان إني رسول الله إليكم ، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي ، وتصدقوا بي ، وتمنعوني ، حتى أبين عن الله ما بعثني به قال وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه . قال فقلت لأبي : يا أبت من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول ؟ قال هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب ، أبو لهب . قال ابن هشام : قال النابغة يقعقع خلف رجليه بشن كأنك من جمال بني أقيش قال ابن إسحاق : حدثنا ابن شهاب الزهري : أنه أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه . ________________________________________

ذكر عرض نفسه على القبائل فصل وذكر عرضه نفسه - صلى الله عليه وسلم - على القبائل ليؤمنوا به ولينصروه قبيلة قبيلة فذكر بني حنيفة واسم حنيفة أثال بن لجيم ولجيم تصغير اللجم وهي دويبة قال قطرب وأنشد س إلى سبة مثل جحر اللجم لها ذنب مثل ذيل العرو ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، وسمي حنيفة لحنف كان في رجليه وقيل بل حنيفة أمهم وهي بنت كاهل بن أسد عرفوا بها ، وهم أهل اليمامة ، وأصحاب مسيلمة الكذاب ، وقد أملينا في أول الكتاب سبب نزولهم اليمامة وأول من نزلها منهم . وذكر بيحرة بن فراس العامري وقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفنهدف نحورنا ، للعرب دونك . نهدف أي نجعلها هدفا لسهامهم والهدف الغرض . وذكر قول الشيخ هل لها من تلاف أي تدارك وهو تفاعل من تلافيتهم وهل لذناباها من مطلب مثل ضرب لما فاته منها ، وأصله من ذنابي الطائر إذا أفلت من الحبالة فطلبت الأخذ بذناباه وقال ما تقولها إسماعيلي قط أي ما ادعى النبوة كاذبا أحد من بني إسماعيل .

العرض على بني كلب قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أنه أتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول لهم يا بني عبد الله إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم

العرض على بني حنيفة قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن كعب بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردا منهم .

العرض على بني عامر قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم - يقال له بيحرة بن فراس . قال ابن هشام : فراس بن عبد الله بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش ، لأكلت به العرب ، ثم قال أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء قال فقال له أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن ، حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا : جاءنا فتى من قريش ، ثم أحد بني عبد المطلب ، يزعم أنه نبي ، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا . قال فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال يا بني عامر هل لها من تلاف هل لذناباها من مطلب والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط ، وإنها لحق ، فأين رأيكم كان عنكم

عرض على العرب في المواسم قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده . ________________________________________ عرض نفسه على كندة فصل وذكر عرضه نفسه على كندة ، وهم بنو ثور بن مرة بن أدد بن زيد بن ميسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ على أحد الأقوال بين النسابين في كندة ، وسمي كندة لأنه كند أباه أي عقه وسمى ابنه مرتعا لأنه كان يجعل لمن أتاه من قومه مرتعا ، فهم بنو مرتع بن ثور وقد قيل إن ثورا هو مرتع وكندة أبوه .

في هذا الكتاب تتمة لفائدته فصل وذكر غير ابن إسحاق ما لم يذكر ابن إسحاق مما رأيت إملاء بعضه في هذا الكتاب تتمة لفائدته . ذكر قاسم بن ثابت والخطابي عرضه نفسه على بني ذهل بن ثعلبة ثم على بني شيبان بن ثعلبة فذكر الخطابي وقاسم جميعا ما كان من كلام أبي بكر مع دغفل بن حنظلة الذهلي زاد قاسم تكملة الحديث فرأينا أن نذكر زيادة قاسم فإنها مما تليق بهذا الكتاب قال ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم قال علي : وكان أبو بكر مقدما في كل خير فقال ممن القوم فقالوا : من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بأبي أنت وأمي ، هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة ، ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا وكانت له غديرتان تسقطان على تريبتيه وكان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر فقال أبو بكر كيف العدد فيكم ؟ قال له مفروق إنا لنزيد على الألف ولن تغلب ألف من قلة فقال أبو بكر كيف المنعة فيكم ؟ فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم جد ، فقال أبو بكر كيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟ فقال مفروق إنا لأشد ما نكون غضبا لحين نلقى ، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا ، لعلك أخو قريش ؟ فقال أبو بكر أوقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا ، فقال مفروق قد بلغنا أنه يذكر ذلك فإلى م تدعو إليه يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وإلى أن تؤووني ، وتنصروني ، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق وإلى م تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا { أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } [ الأنعام 151 ] فقال مفروق وإلى م تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم – { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } [ النحل 90 ] فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والله لقد أفك قوم كذبوك ، وظاهروا عليك ، وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا ، وصاحب ديننا ، فقال هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر زلة في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ، ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى ، فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا ، فقال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ، واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنا إنما نزلنا بين صريان اليمامة والسماوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هذان الصريان ؟ فقال أنهار كسرى ، ومياه العرب ، فأما ما كان من أنهار كسرى ، فذنب صاحبيه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب ، فذنبه مغفور وعذره مقبول وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا ، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه هو مما تكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب ، فعلنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم لك ذا ، فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا } [ الأحزاب : 46 ] ثم نهض النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي فقال يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ، فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا صدقاء صبراء وروى في حديث مسند إلى طارق قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين رأيته بسوق ذي المجاز يعرض نفسه على القبائل يقول يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا وخلفه رجل له غديرتان يرجمه بالحجارة حتى أدمى كعبيه يقول يا أيها الناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب فسألت عنه فقيل هو غلام عبد المطلب ، قلت : ومن الرجل يرجمه ؟ فقيل لي : هو عمه عبد العزى أبو لهب وذكر الحديث بطوله . خرجه الدارقطني ، ووقع أيضا في السيرة من رواية يونس .

حديث سويد بن صامت قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري عن أشياخ من قومه قالوا : قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا ، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه وهو الذي يقول

      مقالته بالغيب ساءك ما يفري                ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى

و بالغيب مأثور على ثغرة النحر مقالته كالشهد ما كان شاهدا نميمة غش تبتري عقب الظهر يسرك باديه و تحت أديمة

      من الغل و البغضاء بالنظر الشزر                تبين لك العينان ما هو كاتم
          و خير الموالي من يريش و لا يبري              فرشني بخير طالما قد بريتني

وهو الذي يقول ونافر رجلا من بني سليم ثم أحد بني زعب بن مالك مائة ناقة إلى كاهنة من كهان العرب ، فقضت له . فانصرف عنها هو والسلمي ليس معهما غيرهما ، فلما فرقت بينهما الطريق قال ما لي ، يا أخا بني سليم قال أبعث إليك به قال فمن لي بذلك إذا فتني به ؟ قال أنا ، قال كلا ، والذي نفس سويد بيده لا تفارقني حتى أوتى بمال فاتخذا فضرب به الأرض ثم أوثقه رباطا ثم انطلق به إلى دار بني عمرو بن عوف فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له فقال في ذلك

      كمن كنت تردي بالغيوب و تختل             لا تحسبني يابن زعب بن مالك
  كذلك إن الحازم المتحول                  تحولت قرنا إذا صرعت بعزة

على كل حال خده هو أسفل ضربت به إبط الشمال فلم يزل في أشعار كثيرة كان يقولها : فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه إلى الله وإلى الإسلام فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم وما الذي معك " ؟ قال مجلة لقمان - يعني حكمة لقمان . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها علي فعرضها عليه فقال له إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى علي هو هدى ونور . فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال إن هذا لقول حسن . ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإن كان رجال من قومه ليقولون إنا لنراه قد قتل وهو مسلم . وكان قتله قبل يوم بعاث حديث سويد بن صامت ________________________________________ فصل ذكر حديث سويد بن صامت وشعره . وفي الشعر و بالغيب مأثور على ثغرة النحر يعني السيف ومأثور من الأثر وهو فرند السيف ويقال فيه أثر وإثر . قال الشاعر خفاقاً كلها يتقى بأثر جلاها الصيلعون فأخلوصها أراد يتقي ، وسويد : هو الكامل وهو ابن الصلت بن حوط بن حبيب بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وأمه ليلى بنت عمرو النجارية أخت سلمى بنت عمرو [ بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار [ تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ] أم عبد المطلب بن هاشم ، فسويد هذا ابن خالة عبد المطلب ، وبنت سويد هي أم عاتكة أخت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب ، فهو جدها لأمها واسم أمها : زينب وقيل جليسة بنت سويد ، هكذا ذكره الزبير بن أبي بكر .

ذكر مجلة لقمان فصل وذكر مجلة لقمان وهي الصحيفة وكأنها مفعلة من الجلال والجلالة أما الجلالة فمن صفة المخلوق والجلال من صفة الله تعالى ، وقد أجاز بعضهم أن يقال في المخلوق جلال وجلالة وأنشد و لا ذا ضياع هن يتركن الفقر فلا ذا جلال هبنه لجلالة ولقمان كان نوبيا من أهل أيلة وهو لقمان بن عنقاء بن سرور فيما ذكروا وابنه الذي ذكر في القرآن هو ثأران فيما ذكر الزجاج وغيره وقد قيل في اسمه غير ذلك وليس بلقمان بن عاد الحميري .


إسلام إياس بن معاذ وقصة أبي الحيسر قال ابن إسحاق : وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن لبيد ، قال لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع ، مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم " هل لكم في خير مما جئتم له " ؟ فقالوا له وما ذاك ؟ قال أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب . قال ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن . قال فقال إياس بن معاذ ، وكان غلاما حدثا : أي قوم هذا والله خير مما جئتم له . قال فيأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع ، حفنة من تراب البطحاء ، فضرب بها وجه إياس بن معاذ ، وقال دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا . قال فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج . قال ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك . قال محمود بن لبيد : فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع . ________________________________________ ذكر قدوم أبي الحيسر فصل وذكر قدوم أبي الحيسر أنس بن رافع يطلب الحلف وذلك بسبب الحرب التي كانت بين الأوس والخزرج ، وهي حرب بعاث المذكورة ولهم فيها أيام مشهورة هلك فيها كثير من صناديدهم وأشرافهم وبعاث اسم أرض بها عرفت .

الرسول مع نفر من الخزرج عند العقبة قال ابن إسحاق : فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب ، كما كان صنع في كل موسم . فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه قالوا : لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم قال أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى . فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن . وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا قد عزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم . فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه . فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فروي أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله - راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا .

أسماء الخزرجيين الذين التقوا بالرسول عند العقبة قال ابن إسحاق : وهم - فيما ذكر لي : ستة نفر من الخزرج ، منهم من بني النجار - وهو تيم الله - ثم من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن عمرو بن عامر : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهو ابن عفراء . قال ابن هشام : وعفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار . قال ابن إسحاق : ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق . قال ابن هشام : ويقال عامر بن الأزرق . قال ابن إسحاق : ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد . قال ابن هشام : عمرو بن سواد ، وليس لسواد ابن يقال له غنم . قال ابن إسحاق : ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام . ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد . فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ________________________________________ بدء إسلام الأنصار ولم يكن الأنصار اسما لهم في الجاهلية حتى سماهم الله به في الإسلام وهم بنو الأوس والخزرج ، والخزرج : الريح الباردة وقال بعضهم وهي الجنوب خاصة ودخول الألف واللام في الأوس على حد دخولها في التيم جمع : تيمي وهو من باب رومي وروم لأن الأوس هي العطية أو العوض ومثل هذا إذا كان علما لا يدخله الألف واللام ألا ترى أن كل أوس في العرب غير هذا ، فإنه بغير ألف ولام كأوس بن حارثة الطائي وغيره وكذلك أوس وأويس الذئب قال الراجز ما فعل اليوم أويس بالغنم يا ليت شعري عنه و الأمر عمم وأبوهم حارثة بن ثعلبة [ بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزدي ] ، وهو أيضا : والد خزاعة على أحد القولين وأمهم قيلة بنت كاهل بن عذرة قضاعية ويقال هي بنت جفنة واسمه علبة بن عمرو بن عامر ، وقيل بنت سيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة قاله الزبير بن أبي بكر في كتاب أخبار المدينة . والأنصار : جمع ناصر على غير قياس في جمع فاعل ولكن على تقدير حذف الألف من ناصر لأنها زائدة فالاسم على تقدير حذفها : ثلاثي والثلاثي يجمع على أفعال وقد قالوا في نحوه صاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد . وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للنفر من الأنصار : أمن موالي يهود أنتم " ؟ أي من حلفائهم والمولى يجمع الحليف وابن العم والمعتق والمعتق لأنه مفعل من الولاية وجاء على وزن مفعل لأنه مفزع وملجأ لوليه فجاء على وزن ما هو في معناه . وذكر النفر القادمين في العام الثاني الذين بايعوه بيعة النساء وقد ذكر الله تعالى بيعة النساء في القرآن فقال { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } [ الممتحنة 12 ] الآية فأراد ببيعة النساء أنهم لم يبايعوه على القتال وكانت مبايعته للنساء أن يأخذ عليهن العهد والميثاق فإذا أقررن بألسنتهن قال قد بايعتكن وما مست يده يد امرأة في مبايعة كذلك قالت عائشة وقد روي أنهن كن يأخذن بيده في البيعة من فوق ثوب وهو قول عامر الشعبي ، ذكره عنه ابن سلام في تفسيره والأول أصح وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن المقري النقاش في صفة بيعة النساء وجها ثالثا أورد فيه آثارا ، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه عند المبايعة فيكون ذلك عقدا للبيعة وليس هذا بالمشهور ولا هو عند أهل الحديث بالثبت غير أن ابن إسحاق أيضا قد ذكره في رواية عن يونس عن أبان بن أبي صالح وذكر أنساب الذين بايعوه وسنعيده في بيعة العقبة وغزاة بدر وهناك يقع التنبيه على ما يحتاج إليه بعون الله .

بيعة العقبة الأولى حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى ، فبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب . منهم من بني النجار ثم بني مالك بن النجار أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف ومعاذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهما ابنا عفراء ومن بني زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق . قال ابن هشام : ذكوان ، مهاجري أنصاري . ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، وهم القواقل عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ; وأبو عبد الرحمن وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ، من بني غصينة من بلي ، حليف لهم . قال ابن هشام : وإنما قيل لهم القواقل لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل دفعوا له سهما ، وقالوا له قوقل به بيثرب حيث شئت . قال ابن هشام : القوقلة ضرب من المشي . وقال ابن إسحاق : ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان . ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام . ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد . رجال العقبة من الأوس وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أبو الهيثم بن التيهان ، واسمه مالك قال ابن هشام : التيهان يخفف ويثقل كقوله ميث وميت . رجال العقبة الأولى من بني عمرو ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : عويم بن ساعدة . ________________________________________ وذكر في أنساب المبايعين له في العقبة الأولى في بني سلمة منهم سادرة بن تزيد بن جشم وتزيد بتاء منقوطة باثنتين من فوق ولا يعرف في العرب تزيد إلا هذا ، وتزيد بن الحاف بن قضاعة ، وهم الذين تنسب إليهم الثياب التزيدية وأما سلمة بكسر اللام فهم من الأنصار سمي بالسلمة واحدة السلام وهي الحجارة قال الشاعر ذاك خليلي و ذو يعاتبني يرمي ورائي بالسهم و السلمة وفي جعفي سلمة بن عمرو بن دهل بن مروان بن جعفي وفي جهينة سلمة بن نصر بن غطفان قاله ابن حبيب النسابة في الصحابة عمرو بن سلمة أبو بريدة الجرمي الذي أم قومه وهو ابن ست سنين أو سبع وفي الرواة عبد الله بن سلمة وينسب إلى بني سلمة هؤلاء سلمي بالفتح كما ينسب إلى بني سلمة وهم بطنان من بني عامر يقال لهم السلمات يقال لأحدهم سلمة الخير وللآخر سلمة الشر ابنا قصير بن كعب بن ربيعة بن عامر وأما بنو سليمة بياء ففي دوس ، وهم بنو سليمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس ، وسليمة هذا هو أخو جذيمة الأبرش وهو الذي قتل أخاه مالكا بسهم قتل خطأ ويقال في النسب إليه سلمي أيضا وهو القياس وقد قيل سليمي كما قيل في عميرة عميري . وذكر بني جدارة من بني النجار وجدارة وخدارة أخوان وغيره يقول في جدارة خدارة بالخاء المضمومة وهكذا قيده أبو عمرو ، كذلك ذكره ابن دريد في الاشتقاق وهو أشبه بالصواب لأنه أخو خدرة وكثيرا ما يجعلون أسماء الإخوة مشتقة بعضها من بعض . وذكر القواقل وهم بنو عمرو بن غنم بن مالك وذكر تسميتهم القواقل وأن ذلك لقولهم إذا أجاروا أحدا : قوقل حيث شئت ، وفي الأنصار : القواقل والجعادر وهما بطنان من الأوس ، وسبب تسميتهما : واحد في المعنى ، أما الجعادر فكانوا إذا أجاروا أحدا أعطوه سهما ، وقالوا له جعدر حيث شئت ، كما كانت القواقل تفعل وهم بنو زيد بن عمرو بن مالك بن ضبيعة [ بن زيد ] يقال لهم كسر الذهب وهما جميعا من الأوس . قال الشاعر فإن لنا بين الجواري وليدة مقابلة بين الجعادر و الكسر متى تدع في الزيدين زيد بن مالك و زيد بن عمرو تأتها عزة الخفر وذكر فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم ينسبه ولا نسبه في أهل العقبة الثانية ولا في غزوة بدر وهو مالك بن التيهان واسم التيهان أيضا مالك بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعون بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري حليف بني عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة ، ثم شهد بدرا ، واختلف في وقت وفاته فأصح ما قيل فيه إنه شهد مع علي صفين وقتل فيها رحمه الله وأحسب ابن إسحاق وابن هشام تركا نسبه على جلالته في الأنصار وشهوده هذه المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاختلاف فيه فقد وجدت في شعر عبد الله بن رواحة حين أضاف أبو الهيثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزله ومعه أبو بكر وعمر فذبح لهم عناقا وأتاهم بقنو من رطب الحديث بطوله فقال ابن رواحة في ذلك فلم أرَ كالإسلام عزاً لأهله و لا مثل أضياف لأراشي معشرا فجعل إرشيا كما ترى ، والإراشي منسوب إلى إراشة في خزاعة ، أو إلى إراش بن لحيان بن الغوث فالله أعلم أهو أنصاري بالحلف أم بالنسب المذكور قبل هذا ، ونقلته من قول أبي عمر في الاستيعاب وقد قيل إنه بلوي من بني إراشة بن فاران بن عمرو بن بلي ، والهيثم في اللغة فرخ [ النسر أو ] ، العقاب والهيثم أيضا ضرب من العشب فيما ذكر أبو حنيفة وبه سمي الرجل هيثما أو بالمعنى الأول وأنشد رعت بقران الحزن روضاً منورا عميماً من الظلاع و الهيثم الجعد

بيعة العقبة قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن ( أبي ) مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت ، قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف . فإن وفيتم فلكم الجنة . وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر قال ابن إسحاق وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عائذ الله بن عبد الله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك فأخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر ________________________________________ ذكر بيعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء ألا يسرقوا ، ولا يزنوا إلى آخر الآية وقيل في قوله عز وجل خبرا عن بيعة النساء { ولا يأتين ببهتان } أنه الولد تنسبه إلى بعلها ، وليس منه وقيل هو الاستمتاع بالمرأة فيما دون الوطء كالقبلة والجسة ونحوها ، والأول يشبه أن يبايع عليه الرجال وكذلك قيل في قوله تعالى : { ولا يعصينك في معروف } أنه النوح وهذا أيضا وليس من شأن الرجال فدل على ضعف قول من خصه بالنوح وخص البهتان بإلحاق الولد بالرجل وليس منه وقيل يفترينه بين أيديهن يعني : الكذب وعيب الناس بما ليس فيهم وأرجلهن يعني : المشي في معصية ولا يعصينك في معروف أي في خير تأمرهن به والمعروف اسم جامع لمكارم الأخلاق وما عرف حسنه ولم تنكره القلوب وهذا معنى يعم الرجال والنساء وذكر ابن إسحاق في رواية يونس فيما أخذه عليه السلام عليهن أن قال ولا تغششن أزواجكن قالت إحداهن وما غش أزواجنا فقال أن تأخذي من ماله فتحابي به غيره


مصعب بن عمير ووفد العقبة قال ابن إسحاق : فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى المقرئ بالمدينة مصعبا وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض . ________________________________________ هجرة مصعب بن عمير فصل وذكر هجرة مصعب بن عمير وهو المقرئ وهو أول من سمي بهذا ، أعني المقرئ يكنى أبا عبد الله كان قبل إسلامه من أنعم قريش عيشا وأعطرهم وكانت أمه شديدة الكلف به وكان يبيت وقعب الحيس عند رأسه يستيقظ فيأكل فلما أسلم أصابه من الشدة ما غير لونه وأذهب لحمه ونهكت جسمه حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه وعليه فروة قد رفعها ، فيبكي لما كان يعرف من نعمته وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها ، فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها ، وكان بنوها يحشون فاها بشجار وهو عود فيصبون فيه الحساء لئلا تموت وسنذكر اسمها ونسبها عند ذكره في البدريين إن شاء الله تعالى ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكره فيقول ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير ذكره الواقدي . وذكر أيضا بإسناد له قال كان مصعب بن عمير فتى مكة شبابا وجمالا وسنا وكان أبواه يحبانه وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال . وذكر أن منزله كان على أسعد بن زرارة منزل بفتح الزاي وكذلك كل ما وقع في هذا الباب من منزل فلان على فلان فهو بالفتح لأنه أراد المصدر ولم يرد المكان وكذا قيده الشيخ أبو بحر بفتح الزاي وأما أم قيس بنت محصن المذكورة في هجرة بني أسد ، فاسمها آمنة وهي أخت عكاشة وهي التي ذكرت في الموطأ وأنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أول جمعة أقيمت بالمدينة قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه أبي أمامة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال كنت قائد أبي ، كعب بن مالك ، حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة . قال فمكث حينا على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له . قال فقلت في نفسي : والله إن هذا بي لعجز ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ؟ قال فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له . قال فقلت له يا أبت ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟ قال أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت ، من حرة بني بياضة ، يقال له نقيع الخضمات ، قال قلت : وكم أنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا ________________________________________


أول جمعة فصل وذكر أول من جمع بالمدينة وهو أبو أمامة وذكر غيره أن أول من جمع بهم مصعب بن عمير ، لأنه أول من قدم المدينة من المهاجرين ثم قدم بعده ابن أم مكتوم ، وقد ذكرنا في أول الكتاب من جمع في الجاهلية بمكة فخطب وذكر وبشر بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتباعه وهو كعب بن لؤي ويقال أنه أول من سمى العروبة الجمعة ومعنى العروبة الرحمة فيما بلغني عن بعض أهل العلم وكانت قريش تجتمع إليه فيها فيما حكى الزبير بن بكار ، فيخطبهم فيقول أما بعد فاعلموا وتعلموا إنما الأرض لله مهاد والجبال أوتاد والسماء بناء والنجوم سمل ثم يأمرهم بصلة الرحم ويبشرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقول حرمكم يا قوم عظموه فسيكون له نبأ عظيم ويخرج منه نبي كريم ثم يقول في شعر ذكره على غفلة يأتي النبي محمد فيخبر أخباراً صدوق خبير بها صروف رأيناها تقلب أهلها لها عقد ما يستحيل مريرها ثم يقول يا ليتني شاهد فحواء دعوته إذا قريش تبغي الحق خذلانا ظوأما أول من جمع في الإسلام فهو من ذكرنا . نقيع الخضمات وذكر ابن إسحاق أنه جمع بهم أبو أمامة عند هزم النبيت في بقيع يقال له بقيع الخضمات . بقيع بالباء وجدته في نسخة الشيخ أبي بحر وكذلك وجدته في رواية يونس عن ابن إسحاق ، وذكره البكري في كتاب معجم ما استعجم من أسماء البقع أنه نقيع بالنون ذكره في باب النون والقاف وقال هزم النبيت : جبل على بريد من المدينة ، وفي غريب الحديث أنه عليه السلام حمى غرز النقيع قال الخطابي : النقيع : القاع والغرز شبه الثمام وسيأتي تفسيره فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ومعنى الخضمات من الخضم وهو الأكل بالفم كله والقضم بأطراف الأسنان ويقال هو أكل اليابس والخضم أكل الرطب فكأنه جمع خضمة وهي الماشية التي تخضم فكأنه سمي بذاك لخضب كان فيه وأما البقيع بالباء فهو أقرب إلى المدينة منه بكثير وأما بقيع الخبجبة بخاء وجيم وباءين فجاء ذكره في سنن أبي داود : والخبجبة شجرة عرف بها .

الجمعة فصل وتجميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة وتسميتهم إياها بهذا الاسم وكانت تسمى العروبة - كان عن هداية من الله تعالى لهم قبل أن يؤمروا بها ، ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فاستقر فرضها واستمر حكمها ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة أضلته اليهود والنصارى ، وهداكم الله إليه . ذكر الكشي ، وهو عبد بن حميد قال نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم – المدينة ، وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموا الجمعة قال الأنصار : لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه ونذكر الله ونصلي ونشكر أو كما قالوا ، فقالوا : يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى ، فاجعلوا يوم العروبة كانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين فذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا من شاة وذلك لقلتهم فأنزل الله - عز وجل - في ذلك { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } [ الجمعة 9 ] . قال المؤلف ومع توفيق الله لهم إليه فيبعد أن يكون فعلهم ذلك عن غير إذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فقد روى الدارقطني عن عثمان بن أحمد بن السماك قال نا أحمد بن محمد بن غالب الباهلي ، قال نا محمد بن عبد الله أبو زيد المدني ، قال نا المغيرة بن عبد الرحمن ، قال حدثني مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، قال أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بمكة ولا يبدي لهم فكتب إلى مصعب بن عمير : أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم فاجمعوا نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين قال فأول من جمع : مصعب بن عمير ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم – المدينة ، فجمع عند الزوال من الظهر وأظهر ذلك ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أضلته اليهود والنصارى ، وهداكم الله إليه فيما ذكر أهل العلم أن اليهود أمروا بيوم من الأسبوع يعظمون الله فيه ويتفرغون لعبادته فاختاروا من قبل أنفسهم السبت فألزموه في شرعهم كذلك النصارى أمروا على لسان عيسى بيوم من الأسبوع فاختاروا من قبل أنفسهم الأحد فألزموه شرعا لهم . قال المؤلف وكان اليهود إنما اختاروا السبت لأنهم اعتقدوه اليوم السابع ثم زادوا لكفرهم أن الله استراح فيه تعالى الله عن قولهم لأن بدء الخلق عندهم الأحد وآخر الستة الأيام التي خلق الله فيها الخلق الجمعة وهو أيضا مذهب النصارى ، فاختاروا الأحد لأنه أول الأيام في زعمهم وقد شهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - للفريقين بإضلال اليوم وقال في صحيح مسلم : إن الله خلق التربة يوم السبت فبين أن أول الأيام التي خلق الله فيها الخلق السبت وآخر الأيام الستة إذا الخميس وكذلك قال ابن إسحاق فيما ذكر عنه الطبري ، وفي الأثر أن يوم الجمعة سمي الجمعة لأنه جمع فيه خلق آدم روي ذلك عن سلمان وغيره وقد قدمنا في حديث الكشي أن الأنصار سموه جمعة لاجتماعهم فيه فهداهم الله إلى التسمية وهداهم إلى اختيار اليوم وموافقة الحكمة أن الله تعالى لما بدأ فيه خلق أبينا آدم وجعل فيه بدء هذا الجنس وهو البشر وجعل فيه أيضا فناءهم وانقضاءهم إذ فيه تقوم الساعة وجب أن يكون يوم ذكر وعبادة لأنه تذكرة بالمبدأ وتذكرة بالمعاد وانظر إلى قوله تعالى :{ فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } [ الجمعة 9 ] وخص البيع لأنه يوم يذكر باليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة مع أنه وتر للأيام التي قبله في الأصح من القول والله يحب الوتر لأنه من أسمائه فكان من هدى الله لهذه الأمة أن ألهموا إليه ثم أقروا عليه لما وافقوا الحكمة فيه فهم الآخرون السابقون يوم القيامة كما قال عليه السلام كما أن اليوم الذي اختاروه سابق لما اختارته اليهود والنصارى ، ومتقدم عليه ولذلك كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة السجدة في صبح يوم الجمعة رواه سعيد بن إبراهيم عن الأعرج عن أبي هريرة ورواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه عن سعيد بن جبير أيضا عروة بن عبد الرحمن ذكره البزار ، ورواه الترمذي في كتاب العلل له عن الأحوص ورواه أيضا عن أبي الأحوص وعن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من ذكر الستة الأيام واتباعها بذكر خلق آدم من طين وذلك في يوم الجمعة تنبيها منه عليه السلام على الحكمة وتذكرة للقلوب بهذه الموعظة . وأما قراءته { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } في الركعة الثانية فلما فيها من ذكر السعي وشكر الله لهم عليه يقول { وكان سعيكم مشكورا } مع ما في أولها من ذكر بدء خلق الإنسان وأنه لم يكن قبل شيئا مذكورا ، وقد قال في يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فنبه بقراءته إياها على التأهب للسعي المشكور عليه والله أعلم ألا ترى أنه كان كثيرا ما يقرأ في صلاة الجمعة أيضا بهل أتاك حديث الغاشية وذلك أن فيها : لسعيها راضية كما في سورة الجمعة { فاسعوا إلى ذكر الله } فاستحب عليه السلام أن يقرأ في الثانية ما فيه رضاهم بسعيهم المأمور به في السورة الأولى .

لفظ الجمعة ولفظ الجمعة مأخوذ من الاجتماع كما قدمنا وكان على وزن فعلة وفعلة لأنه في معنى قربة وقربة والعرب تأتي بلفظ الكلمة على وزن ما هو في معناها ، وقالوا : عمرة فاشتقوا اسمها من عمارة المسجد الحرام ، وبنوه على فعلة لأنها وصلة وقربة إلى الله ولهذا الأصل فروع في كلام العرب ، ونظائر لهذين الاسمين يفيتنا تتبعه عما نحن بسبيله وفيما قدمناه ما هو أكثر من لمحة دالة وقالوا في الجمعة جمع بتشديد الميم كما قالوا عيد إذا شهد العيد وعرف إذا شهد عرفة ولا يقال في غير الجمعة إلا جمع بالتخفيف وفي البخاري : أول من عرف بالبصرة ابن عباس ، والتعريف إنما هو بعرفات فكيف بالبصرة ولكن معناه أنه رضي الله عنه إذا صلى العصر يوم عرفة أخذ في الدعاء والذكر والضراعة إلى الله تعالى إلى غروب الشمس كما يفعل أهل عرفة .

أيام الأسبوع وليس في تسميته هذه الأيام والاثنين إلى الخميس ما يشد قول من قال إن أول الأسبوع الأحد وسابعها السبت كما قال أهل الكتاب لأنها تسمية طارئة وإنما كانت أسماؤها في اللغة القديمة شيار وأول وأهون وجبار ودبار ومؤنس والعروبة وأسماؤها بالسريانية قبل هذا أبو جاد هوز حطي إلى آخرها ، ولو كان الله تعالى ذكرها في القرآن بهذه الأسماء المشتقة من العدد لقلنا : هي تسمية صادقة على المسمى بها ، ولكنه لم يذكر منها إلا الجمعة والسبت وليسا من المشتقة من العدد ولم يسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالأحد والاثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا لتسميتها ، ولعل قومه أن يكونوا أخذوا معاني هذه الأسماء من أهل الكتاب المجاورين لهم فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعا لهم وإلا فقد قدمنا ما ورد في الصحيح من قوله عليه السلام إن الله خلق التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد الحديث والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث وأعنف في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود في أن الأحد هو الأول ويوم الجمعة سادس لا وتر وإنما الوتر في قولهم يوم السبت مع ما ثبت من قوله عليه السلام أضلته اليهود والنصارى ، وهداكم الله إليه وما احتج به الطبري من حديث آخر فليس في الصحة كالذي قدمناه وقد يمكن فيه التأويل أيضا ، فقف بقلبك على حكمة الله تعالى في تعبد الخلق به لما فيه من التذكرة بإنشاء هذا الجنس ومبدئه كما قدمنا ، ولما فيه أيضا من التذكرة بأحدية الله سبحانه وانفراده قبل الخلق بنفسه فإنك إذا كنت في الجمعة وتفكرت في كل جمعة قبله حتى يترقى وهمك إلى الجمعة التي خلق فيها أبوك آدم ثم فكرت في الأيام الستة التي قبل يوم الجمعة وجدت في كل يوم منها جنسا من المخلوقات موجودا إلى السبت ثم انقطع وهمك فلم تجد في الجمعة التي تلي ذلك السبت وجودا إلا للواحد الصمد الوتر فقد ذكرت الجمعة من تفكر بوحدانية الله وأوليته فوجب أن يؤكد في هذا اليوم توحيد القلب للرب بالذكر له كما قال تعالى :{ فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } الجمعة . وأن يتأكد ذلك الذكر بالعمل وذلك بأن يكون العمل مشاكلا لمعنى التوحيد فيكون الاجتماع في مسجد واحد من المساجد وإلى إمام واحد من الأئمة ويخطب ذلك الإمام فيذكر بوحدانية الله تعالى وبلقائه فيشاكل الفعل القول والقول المعتقد فتأمل هذه الأغراض بقلبك ، فإنها تذكرة بالحق وقد زدنا على ما شرطنا في أول الكتاب معاني لم تكن هنالك وعدنا بها ، ولكن الكلام يفتح بعضه باب بعض ويحدو المتكلم قصد البيان إلى الإطالة ولا بأس بالزيادة من الخير والله المستعان . إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير قال ابن إسحاق : وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ، ودار بني ظفر ، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر . قال ابن هشام : واسم ظفر كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس - قالا : على بئر يقال لها : بئر مرق ، فجلسا في الحائط ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير لا أبالك لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ، ولا أجد عليه مقدما ، قال فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق الله فيه قال مصعب إن يجلس أكلمه . قال فوقف عليهما متشتما ، فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره ؟ قال أنصفت ، ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا : فيما يذكر عنهما : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال ما أحسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي . فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا ، قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما ، وقف على النادي قال له سعد ما فعلت ؟ قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما فقالا : نفعل ما أحببت ، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليخفروك قال فقام سعد مغضبا مبادرا ، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئا ، ثم خرج إليهما ، فلما رآهما سعد مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير أي مصعب جاءك والله سيد من ورائه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان - قال فقال له مصعب أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ؟ قالا : تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير . قال فلما رآه قومه مقبلا ، قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله . قالا : فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو صيفي ، وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعون فوقف بهم عن الإسلام فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، وقال فيما رأى من الإسلام وما اختلف الناس فيه من أمره أرب الناس أشياء ألمت يلق الصعب منها بالذلول أرب الناس إذ ما ضللنا فيسر لنا لمعروف السبيل

   فلولا ربنا كنا يهودا          َوما دين اليهود بذى شكول
  ولولا ربنا كنا نصارى      مع الرهبان في جبل الجليل

ولكنا خلقاً إذا خلقاً حنيفا دينا عن كل جيل تسوق الهدى ترسف مذعنات مكشفة المناكب في الجلول قال ابن هشام : أنشدني قوله فلولا ربنا ، وقوله لولا ربنا ، وقوله مكشفة المناكب في الجلول رجل من الأنصار ، أو من خزاعة . ________________________________________ إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسمع أهل مكة هاتفا يهتف ويقول قبل إسلام سعد فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخلاف فحسبوا أنه يريد بالسعدين القبيلتين سعد هذيم من قضاعة ، وسعد بن زيد مناة بن تميم ، حتى سمعوه يقول فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً و يا سعد الخزرجين الغطارف

     أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا             على الله في لبفردوس منية عارف

فعلموا حينئذ أنه يريد سعد بن معاذ وسعد بن عبادة . هل يغتسل الكافر إذا أسلم ؟ وذكر فيه اغتسالهما حين أسلما بأمر مصعب بن عمير لهما بذلك فذلك السنة في كل كافر يسلم ثم اختلف في نية الكافر إذا أسلم باغتساله فقال بعضهم ينوي به رفع الجنابة عن نفسه وقال بعضهم ينوي التعبد ولا حكم للجنابة في حقه لأن معنى الأمر به استباحة الصلاة والكافر لا يصلي ، وإن كان مخاطبا في أصح القولين ولكنه أمر مشروط بالإيمان فإذا لم يكن الإيمان - وهو الشرط الأول - فأجدر بأن يكون - الشرط الثاني - وهو الغسل من الجنابة غير مقيد بشيء فإذا أسلم هدم الإسلام ما كان قبله فلم يجب عليه إعادة صلاة مضت وإذا سقطت الصلوات سقطت عنها شروطها ، واستأنف الأحكام الشرعية فتجب عليه الصلوات من حين يسلم بشروط أدائها من وضوء وغسل من جنابة إذا أجنب بعد إسلامه وغير ذلك من شروط صحة الصلاة ورأيت لبعض المتأخرين أن اغتساله سنة لا فريضة وليس عندي بالبين لأن الله سبحانه يقول{ إنما المشركون نجس } [ التوبة 28 ] وحكم النجاسة إنما يرفع بالطهارة ولم يحكم عليهم بالتنجيس لموضع الجنابة لأنه قد علق الحكم بصفة الشرك . والحكم المعلل بالصفة مرتبط بها فإذا ارتفع حكم الشرك بالإيمان لم يبق للجنابة حكم كما إذا كان المسلم جنبا ، ثم بال فالطهور من الجنابة يرفع عنه حكم الحدث الأصغر وهو حدث الوضوء لأن الطهارة الصغرى داخلة في الكبرى ، وتطهره من تنجيس الشرك بإيمانه هو أيضا بالإضافة إلى الطهر من الجنابة الطهارة الكبرى ، فينبغي أن تكون مغنية عنها ، كما كانت الطهارة من الجنابة مغنية عن الطهارة من الحدث إذ ليست واحدة من هذه الطهارات مزيلة لعين نجاسة فيها ، فينبغي بعد هذا أن أمره بالاغتسال تعبد والحكم بأنه غير فرض تحكم والله أعلم غير أن الترمذي خرج حديث قيس بن عاصم حين أسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل . قال الترمذي : وعلى هذا العمل عند أهل العلم يستحبون للكافر إذا أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه فقال يستحبون وجعلها مسألة استحباب .


من شرح شعر ابن الأسلت فصل وذكر شعر أبي قيس بن الأسلت وفيه قوله و لولا ربنا لكنا يهودا و ما دين اليهود بذي شكول أراد جمع : شكل وشكل الشيء - بالفتح - هو مثله والشكل بالكسر الدل والحسن فكأنه أراد أن دين اليهود بدع فليس له شكول أي ليس له نظير في الحقائق ولا مثيل يعضده من الأمر المعروف المقبول وقد قال الطائي : وقلت : أخي . قالوا : أخ من قرابة فقلت لهم إن الشكول أقارب

              قريبي في رأيي و ديني و مذهبي        و إن باعدتنا في الخطوب المناسب

وقال فيه مع الرهبان في جبل الجليل الجليل بالجيم الثمام وهذا الجبل من جبال الشام معروف بهذا الاسم .

أمر العقبة الثانية قال ابن إسحاق : ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج من الأنصار المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، من أوسط أيام التشريق حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته والنصر لنبيه وإعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله .

البراء بن معرور وصلاة الكعبة قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة أن أخاه عبد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، قال خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا ، ومعنا البراء بن معرور ، سيدنا وكبيرنا ، فلما وجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا ، فوالله ما أدري ، أتوافقونني عليه أم لا ؟ قال قلنا : وما ذاك ؟ قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر يعني : الكعبة ، وأن أصلي إليها . قال فقلنا ، والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه . قال فقال إني لمصل إليها قال فقلنا له لكنا لا نفعل . قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة . قال وقد كنا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه . قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفانه ؟ فقلنا : لا ; قال فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال قلنا : نعم - قال وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس . قال فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل " ؟ قال نعم هذا البراء بن معرور ، سيد قومه وهذا كعب بن مالك . قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر ؟ قال نعم . فقال البراء بن معرور : يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال " قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . قال فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام . قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا ، نحن أعلم به منهم . قال ابن هشام : وقال عون بن أيوب الأنصاري : و منا المصلي أول الناس مقبلاً على كعبة الرحمن بين المشاعر يعني البراء بن معرور . وهذا البيت في قصيدة له . ________________________________________ ذكر البراء بن معرور ، وصلاته إلى القبلة ذكر حديث كعب بن مالك حين حج في نفر من قومه مع البراء بن معرور ، فكانوا يصلون إلى بيت المقدس ، وكان البراء يصلي إلى الكعبة الحديث - إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فقه قوله لو صبرت عليها : أنه لم يأمره بإعادة ما قد صلى ; لأنه كان متأولا . قبلة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس ، وهو قول ابن عباس ، وقالت طائفة ما صلى إلى بيت المقدس إلا مذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا ، فعلى هذا يكون في القبلة نسخان نسخ سنة بسنة ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة فروي عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس ، وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة والله أعلم . قال الله تعالى له في الآية الناسخة { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة 150 ] أي من أي جهة جئت إلى الصلاة وخرجت إليها فاستقبل الكعبة كنت مستدبرا لبيت المقدس أو لم تكن لأنه كان بمكة يتحرى في استقباله بيت المقدس أن تكون الكعبة بين يديه وتدبر قوله تعالى : { ومن حيث خرجت فول وجهك } وقال لأمته وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ولم يقل حيثما خرجتم وذلك أنه كان عليه السلام إمام المسلمين فكان يخرج إليهم إلى كل صلاة ليصلي بهم وكان ذلك واجبا عليه إذ كان الإمام المقتدى به فأفاد ذكر الخروج في خاصته في هذا المعنى ، ولم يكن حكم غيره هكذا ، يقتضي الخروج ولا سيما النساء ومن لا جماعة عليه وكرر الباري تعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف من الناس اليهود ، لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له أنه كان أول نسخ نزل وكفار قريش قالوا : ندم محمد على فراق ديننا فسيرجع إليه كما رجع إليه قبلتنا ، وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل وقد فارق قبلة إبراهيم وإسماعيل وآثر عليها قبلة اليهود ، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } [ البقرة 150 ] على الاستثناء المنقطع أي لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون وقال سبحانه { الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } [ البقرة 147 ] أي من الذين شكوا وامتروا ، ومعنى : الحق من ربك أي الذي أمرتك به من التوجه إلى البيت الحرام ، هو الحق الذي كان عليه الأنبياء قبلك فلا تمتر في ذلك وقال { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق } [ البقرة 144 ] وقال { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } [ البقرة 146 ] أي يكتمون ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء وروى أبو داود السنجري في كتاب الناسخ والمنسوخ له وهو في روايتنا عنه بسند رفيع حدثنا الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي قال أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزار ، قال أنا أبو علي بن شاذان قال أنا أبو بكر الفقيه النجار أحمد بن سليمان عنه قال نا أحمد بن صالح ، قال نا عنبسة بن يونس عن ابن شهاب قال كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل بيته قال فسرت معه وهو ولي عهد قال ومعه خالد بن يزيد بن معاوية قال سليمان وهو جالس فيه والله إن في هذه القبلة التي صلى إليها المسلمون والنصارى لعجبا ، قال خالد بن يزيد أما والله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأقرأ التوراة ، فلم يجدها اليهود في الكتاب الذي أنزله الله عليهم ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة فلما غضب الله تعالى على بني إسرائيل رفعه فكانت صلاتهم إلى الصخرة عن مشاورة منهم " ، وروى أبو داود أيضا أن يهوديا خاصم أبا العالية في القبلة فقال أبو العالية : إن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام ، فكانت الكعبة قبلة وكانت الصخرة بين يديه وقال اليهودي : بيني وبينك مسجد صالح النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو العالية : فإني صليت في مسجد صالح وقبلته الكعبة ، وأخبر أبو العالية أنه رأى مسجد ذي القرنين وقبلته الكعبة ، وروي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لجبريل وددت أن الله حولني عن قبلة اليهود ، فيقول له جبريل إنما أنا عبد مأمور وروى غيره أنه كان يتبعه بصره إذا عرج إلى السماء حرصا على أن يأمره بالتوجه إلى الكعبة ، فأنزل الله تعالى : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } [ البقرة 144 ] .

إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه قال كعب ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق . قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة . قال فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا .

امرأتان في البيعة قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع .

العباس والأنصار قال فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب ، فقال يا معشر الخزرج - قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار ، الخزرج ، خزرجها وأوسها - إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ; ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون إنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . قال فقلنا له قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت .

عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار قال فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا [ عن كابر ] . قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم . قال ابن هشام : ويقال الهدم الهدم : أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم . قال كعب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس . ________________________________________ أم عمارة وأم منيع في بيعة العقبة الأخرى وذكر بيعة العقبة ، وذكر عدة أصحاب بيعة العقبة ، وأنهم كانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين وهما : أم عمارة وهي نسيبة بنت كعب امرأة زيد بن عاصم شهدت بيعة العقبة وبيعة الرضوان ، وشهدت يوم اليمامة ، وباشرت القتال بنفسها ، وشاركت ابنها عبد الله في قتل مسيلمة فقطعت يدها ، وجرحت اثني عشر جرحا ، ثم عاشت بعد ذلك دهرا ، وكان الناس يأتونها بمرضاهم لتستشفي لهم فتمسح بيدها الشلاء على العليل وتدعو له فقل ما مسحت بيدها ذا عاهة إلا برئ . والأخرى : أسماء بنت عمرو أم منيع وقد رفع في نسبها ونسب الأخرى ابن إسحاق ، ويروى أن أم عمارة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى للنساء شيئا ، فأنزل الله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات } [ الأحزاب : 35 ] الآية . قول البراء بن معرور : وذكر قول البراء بن معرور ، وهو أول من ضرب بيده على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيعة على اختلاف في ذلك قد ذكره ابن إسحاق ، فقال نبايعك على أن نمنعك مما نمنع منه أزرنا ، أراد نساءنا ، والعرب تكني عن المرأة بالإزار وتكني أيضا بالإزار عن النفس وتجعل الثوب عبارة عن لابسه كما قال رموها بأثواب خاف فلا تُرى لها شبهاً إلا النعام المنفر أي بأبدان خفاف فقوله مما نمنع أزرنا يحتمل الوجهين جميعا ، وقد قال الفارسي في قول الرجل الذي كتب إلى عمر من الغزو يذكره بأهله ألا أبلغ أب حفص رسولاً فدى لك من أخي ثقة إزاري قال الإزار كناية عن الأهل وهو في موضع نصب بالإغراء أي احفظ إزاري ، وقال ابن قتيبة : الإزار في هذا البيت كناية عن نفسه ومعناه فدا لك نفسي ، وهذا القول هو المرضي في العربية والذي قاله الفارسي بعيد عن الصواب لأنه أضمر المبتدأ وأضمر الفعل الناصب للإزار ولا دليل عليه لبعده عنه وبعد البيت ما يدل على صحة القول المختار وهو قلائصنا هداك الله مهلاً شغلنا عنكم زمن الحصار فنصب قلائصنا بالإضمار الذي جعله الفارسي ناصبا للإزار . ترجمة البراء والبراء بن معرور يكنى أبا بشر بابنه بشر بن البراء وهو الذي أكل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشاة المسمومة فمات ومعرور اسم أبيه معناه مقصود يقال عره واعتره إذا قصد والبراء هذا ممن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - على قبره بعد موته وكبر أربعا ، وفي هذا الحديث الصلاة على القبر وقد رويت من ست طرق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله أحمد بن حنبل ، وذكرها كلها أبو عمر في التمهيد وزاد ثلاث طرق لم يذكرها ابن حنبل فهي إذا تروى من - تسع طرق أعني أن - تسعة من الصحابة رووا صلاته عليه السلام على القبر فمنهم ابن عباس ، وأنس بن مالك وبريدة وأبو هريرة ، وزيد بن ثابت ، وعامر بن فهيرة وأبو قتادة الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وعبادة بن الصامت ، وحديثه مرسل وأصحها إسنادا حديث ابن عباس وأبي هريرة .

والهدم الهدم وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمبايعين له " بل الدم الدم والهدم الهدم وقال ابن هشام : الهدم بفتح الدال . قال ابن قتيبة : كانت العرب تقول عند عقد الحلف والجوار دمي دمك وهدمي هدمك ، أي ما هدمت من الدماء هدمته أنا ، ويقال أيضا : بل اللدم اللدم والهدم الهدم ، وأنشد : ثم الحقي بهدمي و لدمي فاللدم جمع لادم وهم أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات وهو من لدمت صدره إذا ضربته . والهدم قال ابن هشام : الحرمة وإنما كنى عن حرمة الرجل وأهله بالهدم لأنهم كانوا أهل نجعة وارتحال ولهم بيوت يستخفونها يوم ظعنهم فكلما ظعنوا هدموها ، والهدم بمعنى المهدوم كالقبض بمعنى المقبوض ثم جعلوا الهدم وهو البيت المهدوم عبارة عما حوى ، ثم قال هدمي هدمك أي رحلتي مع رحلتك أي لا أظعن وأدعك وأنشد يعقوب تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما كأنها هدم في الجفر منقاض



أسماء النقباء الاثني عشر وتمام خبر العقبة النقباء من الخزرج قال ابن هشام : من الخزرج - فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي - أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو تيم الله بن ثعلبة عمرو بن الخزرج [ بن حارثة ] وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ، وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك [ الأغر ] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ، ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ; والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج . قال ابن هشام : هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج . قال ابن إسحاق : وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - قال ابن هشام : ويقال ابن خنيش .

النقباء من الأوس ومن الأوس أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل [ بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس [ بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ] بن مالك بن الأوس [ بن حارثة ] ورفاعة بن عبد المنذر بن زبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس .

شعر كعب بن مالك عن النقباء قال ابن هشام : وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولا يعدون رفاعة . وقال كعب بن مالك يذكرهم فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري : وحان غداة الشعب والحين واقع أبلغ أبيا أنه قال رأيه بمرصاد أمر الناس راء وسامع أبى الله ما منتك نفسك إنه بأحمد نور من هدى الله ساطع وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا وألب وجمع كل ما أنت جامع فلا تزغبن في حشد أمر تريده أباه عليك الرهط حين تبايعوا ودونك فاعلم أن نقض عهودنا وأسعد يأباه عليك ورافع أباه البراء وابن عمرو كلاهما لأنفك إن حاولت ذلك جادع وسعد أباه الساعدي ومنذر بمسلمه لا يطمعن ثم طامع وما ابن ربيع إن تناولت عهده وإخفاره من دونه السم ناقع وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة بمندوحة عما تحاول يافع وفاء به والقوقلي بن صامت وفاء بما أعطى من العهد خانع أبو هيثم أيضا وفي بمثلها فهل أنت عن أحموقة الغي نازع وما ابن حضير إن أردت بمطمع ضروح لما حاولت م الأمر مانع وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه عليك بنحس في دجى الليل طالع أولاك نجوم لا يغبك منهم فذكر كعب فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم يذكر رفاعة . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم ، وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا : نعم ________________________________________ من ولي النقباء فصل وذكر الاثني عشر نقيبا ، وشعر كعب فيهم إلى آخره وليس فيه ما يشكل وإنما جعلهم عليه السلام اثني عشر نقيبا اقتداء بقوله تعالى في قوم موسى : { وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } [ المائدة 12 ] وقد سمينا أولئك النقباء بأسمائهم في كتاب التعريف والإعلام فلينظر هنالك . وروي عن الزهري أنه قال قال النبي عليه السلام للأوس والخزرج حين قدم عليهم النقباء : لا يغضبن أحدكم فإني أفعل ما أومر وجبريل عليه السلام إلى جنبه يشير إليهم واحدا بعد واحد وروي في المعيطي عن مالك بن أنس أنه روى حديث النقباء عن شيخ من الأنصار ، قال مالك وكنت أعجب كيف جاء هذا رجلان من قبيلة ورجل من أخرى حتى حدثت بهذا الحديث وأن جبريل هو الذي ولاهم وأشار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم .

ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قبل المبايعة قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة : أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري ، أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله - إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ؟ قال " الجنة " . قالوا : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعوه . وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم . وأما عبد الله بن أبي بكر فقال ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي ابن سلول فيكون أقوى لأمر القوم . فالله أعلم أي ذلك كان . قال ابن هشام : سلول امرأة من خزاعة ، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث . أول صحابي ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية قال ابن إسحاق : فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده وبنو عبد الأشهل يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان . قال ابن إسحاق : قال الزهري : حدثني معبد بن كعب بن مالك ، فحدثني في حديثه عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك ، قال كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ، ثم بايع بعد القوم .

الشيطان وبيعة العقبة فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : " يا أهل الجباجب " - والجباجب : المنازل - هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب - قال ابن هشام : ويقال ابن أزيب استمع أي عدو الله أما والله لأفرغن لك

الرسول لا يستجيب لطلب الحرب من الأنصار قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا إلى رحالكم . قال فقال له العباس بن عبادة بن نضلة : والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم قال فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا . ________________________________________

تفسير بعض ما وقع في ما وجدته وذكر أن الشيطان صرخ من رأس العقبة بأنفذ صوت . قال الشيخ أبو بحر هكذا وقع في الأمهات وأصلحناه عن القاضي أبي الوليد بأبعد قال المؤلف ولا معنى لهذا الإصلاح لأن وصف الصوت بالنفاذ صحيح هو أفصح من وصفه بالبعد وقد مضى في حديث عمر مع الكاهن قال لقد سمعت من صوت العجل صوتا ما سمعت أنفذ منه وفي الصحيح أن الله تعالى يحشر الخلق يوم القيامة في صردح واحد فينفذهم البصر ويسمعهم الداعي . وكذلك وجدته في رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق : بأنفذ صوت كما كان في الأصل . وقوله " يا أهل الجباجب " ، يعني : منازل منى ، وأصله أن الأوعية من الأدم كالزبيل ونحوه يسمى : جبجبة فجعل الخيام والمنازل لأهلها كالأوعية وقوله عليه السلام حين صرخ إبليس " يا أهل الجباجب ، . هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب قال ابن هشام : ويقال ابن أزبب كذا تقيد في هذا الموضع أزب العقبة وقال ابن ماكولا : أم كرز بنت الأزب بن عمرو بن بكيل من همدان جدة العباس أم أمه سيلة ، وقال لا يعرف الأزب في الأسماء إلا هذا ، وأزب العقبة ، وهو اسم شيطان ووقع في هذه النسخة في غزوة أحد إزب العقبة بكسر الهمزة وسكون الزاي وفي حديث ابن الزبير ما يشهد له حين رأى رجلا طوله شبران على بردعة رحله [ فأخذ السوط فأتاه فقال " ما أنت " ؟ فقال أزب ، قال " وما أزب " ؟ قال رجل من الجن ; فضربه على رأسه بعود السوط حتى باص أي هرب وقال يعقوب في الألفاظ الأزب : القصير . وحديث ابن الزبير ذكره العتبي في الغريب فالله أعلم أي اللفظين أصح ؟ وابن أزيب في رواية ابن هشام يجوز أن يكون فعيلا من الإزب أيضا ، والأزيب البخيل وأزيب اسم ريح من الرياح الأربع والأزيب الفزع أيضا ، والأزيب الرجل المتقارب المشي وهو على وزن أفعل قاله صاحب العين ويحتمل أن يكون ابن أزيب من هذا أيضا ، وأما البخيل فأزيب على وزن فعيل لأن يعقوب حكى في الألفاظ امرأة أزيبة ولو كان عن وزن أفعل في المذكر لقيل في المؤنث زيبا إلا أن فعيلا في أبنية الأسماء عزيز وقد قالوا في ضهياء وهي التي لا تحيض من النساء فعلى جعلوا الهمزة زائدة وهي عندي فعيل لأن الهمزة في قراءة عاصم لام الفعل في قوله تعالى : يضاهون والضهيأ من هذا لأنها تضاهي الرجل أي تشبهه ويقال فيه ضهياء بالمد فلا إشكال فيها أنها للتأنيث على لغة من قال ضاهيت بالياء وقد يجوز أن يكون أزيب وأزيبة مثل أرمل وأرملة فلا - يكون فعيلا . وروى أبو الأشهب عن الحسن قال لما بويع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى صرخ الشيطان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا أبو لبينى قد أنذر بكم فتفرقوا

مجادلة جلة قريش للأنصار في شـأن البيعة فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . قال فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه . قال وقد صدقوا ، لم يعلموه . قال وبعضنا ينظر إلى بعض . قال ثم قام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان . قال فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي وقال والله لتنتعلنهما . قال يقول أبو جابر مه أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه . قال قلت : لا والله لا أردهما ، فأل والله صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه . قال ابن إسحاق : وحدثنا عبد الله بن أبي بكر : أنهم أتوا عبد الله بن أبي ابن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول فقال لهم إن هذا الأمر جسيم ، ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان قال فانصرفوا عنه . ________________________________________

تذكير فعيل وتأنيثها فصل وذكر الحارث بن هشام حين رمى بنعليه إلى جابر قال وكان عليه نعلان جديدان والنعل مؤنثة ولكن لا يقال جديدة في الفصيح من الكلام وإنما يقال ملحفة جديد لأنها في معنى مجددة أي مقطوعة فهي من باب كف خضيب وامرأة قتيل قال سيبويه : ومن قال جديدة فإنما أراد معنى حديثة أراد سيبويه أن حديثة بمعنى حادثة وكل فعيل بمعنى فاعل يدخله التاء في المؤنث .

قريش تطلب الأنصار وتأسر سعد بن عبادة قال ونفر الناس من منى ، فتنطس القوم الخبر ، فوجدوه قد كان وخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا . فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير . خلاص سعد بن عبادة قال سعد فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال قال ابن هشام : الطويل الحسن قال رؤبة يمطوه من شعشاع غير مودن . يعني عنق البعير غير قصير يقول مودن اليد أي ناقص اليد يمطوه من السير شعشاع حلو من الرجال . قال قلت في نفسي : إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا ، قال فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة . قال قلت في نفسي : لا والله ما عندهم بعد هذا من خير . قال فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال قلت : بلى ، والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قال ويحك فاهتف . باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما . قال ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما : إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ، قالا : من هو ؟ قال سعد بن عبادة . قالا : صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يظلموا ببلده قال فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم فانطلق . وكان الذي لكم سعدا ، سهيل بن عمرو ، أخو بني عامر بن لؤي قال ابن هشام : وكان الرجل الذي أوى إليه أبا البختري بن هشام . قال ابن إسحاق : وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر : تداركت سعداً عنوة فأخذته و كان شفاء لو تداركت منذرا و لو نلته طلت هناك جراحه و كانت حرياً أن يهان و يهدرا قال ابن هشام : ويروى : وكان حقيقا أن يهان ويهدرا قال ابن إسحاق : فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا لست إلى سعد ولا المرء منذر على شرف البرقاء يهوين حسرا فلولا أبو وهب لمرت قصائد وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا أتفخر بالكتان لما لبسته بقرية كسرى أو بقرية قيصر فلا تك كالوسنان يحلم أنه عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا ولا تك كالثكلى وكانت بمعزل بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا ولا تك كالشاة التي كان حتفها ولم يخشه سهما من النبل مضمرا ولا تك كالعاوي فأقبل نخره كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا فإنا ومن يهدي القصائد نحونا ________________________________________ من ألقاب الطويل وذكر قول سعد حين أسرته قريش : فأتاني رجل وضيء شعشاع . والشعشع والشعشعاني والشعشعان الطويل من الرجال وكذلك السلهب والصعقب والشوقب و [ الشرعب ] والشرجب والخبق والشوذب الطويل مع رقة في أسماء كثيرة . معاني الكلمات وقوله أوى إليه رجل أي رق له يقال أوى إيه [ وأوية ] مأوية . وقوله فتنطس القوم الخبر أي أكثروا البحث عنه والتنطس تدقيق النظر . قال الراجز [ رؤبة بن العجاج ] و قد أكون عندها نقريساً طاب بأدواء النساء نطيسا وذكر قول ضرار بن الخطاب : و كان شفاء لو تداركت منذرا وضرار بن الخطاب : وضرار كان شاعر قريش وفارسها ، ولم يكن في قريش أشعر منه [ عبد الله ] ثم ابن الزبعرى بن قيس بن عدي ، وكان جده مرداس رئيس بني محارب بن فهر في الجاهلية يسير فيهم بالمرباع وهو ربع الغنيمة وكان أبوه أيام الفجار رئيس بني محارب بن فهر أسلم ضرار عام الفتح . حول قصيدة حسان وذكر قول حسان يجيبه لست إلى عمرو و لا المرء منذر إذ ما مطايا القوم أصبحن ضمرا يعني بعمرو عمرو بن خنيس والد المنذر . يقول لست إليه ولا إلى ابنه المنذر أي أنت أقل من ذلك والمنذر بن عمرو هذا يقال له أعنق ليموت هو أحد النقباء كما ذكر ابن إسحاق وذكر ابن إسحاق في المؤاخاة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بينه وبين أبي ذر الغفاري وأنكر ذلك الواقدي محمد بن عمر وقال إنما آخى بينه وبين طليب بن عمرو . قال وكيف يواخي بينه وبين أبي ذر والمواخاة كانت قبل بدر وأبو ذر كان إذ ذاك غائبا عن المدينة ، ولم يقدم إلا بعد بدر وقد قطعت بدر المواخاة ونسخها قوله سبحانه وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم [ الأنفال 175 ] وللمنذر بن عمرو حديث واحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس له غيره يرويه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده عن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد عن السهو قبل التسليم وعبد المهيمن ضعيف . وقول حسان بحفر ذراعيها ، لم ترض محفرا ولا تك كالشاة التي كان حتفها تقوله العرب في مثل قديم فيمن أثار على نفسه شرا كالباحث عن المدية وأنشد أبو عثمان [ الجاحظ ] عمرو بن بحر . [ للفرزدق ] : فأصبح يبغي نفسه من يجيرها وكان يجير الناس من سيف مالك إلى مدية تحت التراب تثيرها وكان كعنز السوء قامت بظلفها

قصة صنم عمرو بن الجموح فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها ، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة وشريفا من أشرافهم وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناة كما كانت الأشراف يصنعون تتخذه إلها تعظمه وتطهره فلما أسلم فتيان بني سلمة معاذ بن جبل وابنه معاذ بن عمرو ، في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه فإذا أصبح عمرو ، قال ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ؟ قال . ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ، ثم قال أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه . فإذا أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطهره ويطيبه ثم يغدون عليه إذا أمسى ، فيفعلون به مثل ذلك . فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره وطيبه ، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك . فلما أمسى ونام عمرو ، غدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار سلمة فيها عذر من عذر الناس ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به إسلام عمرو بن الجموح فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت فلما رآه وأبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم برحمة الله وحسن إسلامه . فقال حين أسلم ، وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة أنت وكلب وسط بئر في قرن والله لو كنت إلها لم تكن الآن فتشناك عن سوء الغبن أف لملقاك إلها مستدن الواهب الرزاق ديان الدين الحمد لله العلي ذي المنن أكون في ظلمة قبر مرتهن هو الذي أنقذني من قبل أن بأحمد المهدي النبي المرتهن ________________________________________ إسلام عمرو بن الجموح وصنمه فصل في إسلام عمرو بن الجموح ، وذكر صنمه الذي كان يعبده واسمه مناة وزنه فعلة من منيت الدم وغيره إذا صببته ، لأن الدماء كانت تمنى عنده تقربا إليه ومنه سميت الأصنام الدمى ، وفي الحديث لا والدمى لا أرى بما تقول بأسا ، وكذلك مناة الطاغية التي كانوا يهلون إليها بقديد والحظ من هذا المطلع ما في قوله تعالى : { ومناة الثالثة الأخرى } النجم من الفائدة جعلها ثالثة للات والعزى ، وأخرى بالإضافة إلى مناة التي كان يعبدها عمرو بن الجموح وغيره من قومه فهما مناتان وإحداهما عن الأخرى بالإضافة إلى صاحبتها . وقوله الآن فتشناك عن سوء الغبن الغبن في الرأي يقال غبن رأيه كما يقال سفه نفسه فنصبوا ، لأن المعنى : خسر نفسه وأوبقها وأفسد رأيه ونحو هذا . وقوله إلها مستدن من السدانة وهي خدمة البيت وتعظيمه . وقوله ديان الدين الدين جمع دينة وهي العادة ويقال لها دين أيضا ، وقال ابن الطثرية واسمه يزيد : له عند ليلى دينة يستدينها أرى سبعة يسعون للوصل كلهم فما صار لي في القسم إلا ثنينها فألقيت سهمي بينهم حين أوخشوا ويجوز أن يكون أراد بالدين الأديان أي هو ديان أهل الأديان ولكن جمعها على الدين لأنها ملل ونحل كما قالوا في جمع : الحرة : حرائر لأنهن في معنى الكرائم والعقائل وكذلك مرائر الشجر وإن كانت الواحدة مرة ولكنها في معنى فعيلة لأنها عسيرة في الذوق وشديدة على الأكل وكريهة إليه .

شروط البيعة قي العقبة الأخيرة قال ابن إسحاق : وكان في بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى ، كانت الأولى على بيعة النساء وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب فلما أذن الله له فيها ، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة . قال ابن إسحاق : فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه الوليد عن جده عبادة بن الصامت ، وكان أحد النقباء ، قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .

أسماء من شهد العقبة قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الأوس والخزرج ، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين . شهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل نقيب لم يشهد بدرا . وأبو الهيثم بن التيهان ، واسمه مالك شهد بدرا . وسلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل شهد بدرا ، ثلاثة نفر . قال ابن هشام : ويقال : ابن زعوراء بفتح العين . قال ابن إسحاق : ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : ظهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة وأبو بردة بن نيار واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن دهني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، حليف لهم شهد بدرا ونهير [ أبو بهير ] بن الهيثم من بني نابي بن مجدعة بن حارثة ثلاثة نفر . ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس ، نقيب شهد بدرا ، فقتل به مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدا . قال ابن هشام : ونسبه ابن إسحاق في بني عمرو بن عوف وهو من بني غنم بن السلم لأنه ربما كانت دعوة الرجل في القوم ويكون فيهم فينسب إليهم . قال ابن إسحاق : ورفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو ، نقيب شهد بدرا . وعبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك - واسم البرك امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو شهد بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة ويقال أمية بن البرك ، فيما قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان بن [ حارثة ] بن ضبيعة [ بن حرام ] لهم من بلي ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وعويم بن ساعدة شهد بدرا وأحدا والخندق خمسة نفر . فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا . وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج : أبو أيوب وهو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، مات بأرض الروم غازيا في زمن معاوية بن أبي سفيان . ومعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، وهو ابن عفراء ، وأخوه عوف بن الحارث ، شهد بدرا وقتل به شهيدا ، وهو الذي قتل أبا جهل بن هشام بن المغيرة وهو لعفراء - ويقال رفاعة بن الحارث بن سواد فيما قال ابن هشام - وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار . شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب مات قبل بدر ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى ، وهو أبو أمامة . ستة نفر . ومن بني عمرو بن مبذول - ومبذول عامر بن مالك بن النجار : سهل بن عتيك بن نعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو ، شهد بدرا . رجل . ومن بني عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة - قال ابن هشام : حديلة بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج - أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك ، شهد بدرا . وأبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك ، شهد بدرا . رجلان . ومن بني مازن بن النجار قيس بن أبي صعصعة ، واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن شهد بدرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على الساقة يومئذ . وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن . رجلان . فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلا . قال ابن هشام : عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء هذا الذي ذكره ابن إسحاق ، إنما هو غزية بن عطية بن خنساء .

من شهدها من بلحارث بن الخزرج قال ابن إسحاق : ومن بلحارث بن الخزرج : سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك [ الأغر ] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث نقيب شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا . وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك [ الأغر ] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وعبد الله بن رواحة [ بن ثعلبة ] بن امرىء القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الأغر ] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث نقيب شهد بدرا وأحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، إلا الفتح وما بعده وقتل يوم مؤتة شهيدا أميرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بن زيد بن مالك [ الأغر ] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث أبو النعمان بن بشير شهد بدرا . وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد [ مناة ] بن الحارث بن الخزرج [ بن حارثة ] شهد بدرا ، وهو الذي أري النداء للصلاة فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به . وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك [ الأغر ] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث [ بن الخزرج ] شهد بدرا وأحدا والخندق وقتل يوم بني قريظة شهيدا ، طرحت عليه رحى من أطم من آطامها فشدخته شدخا شديدا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - إن له لأجر شهيدين وعقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن جدارة بن عوف بن الحارث [ بن الخزرج ] وهو أبو مسعود وكان أحدث من شهد العقبة سنا ، مات في أيام معاوية لم يشهد بدرا سبعة نفر . ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة شهد بدرا . وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة شهد بدرا . قال ابن هشام : ويقال ودفة قال ابن إسحاق : وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة شهد بدرا . ثلاثة نفر . ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق نقيب . وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق [ بن عامر بن زريق بن عبد حارثة ] ، وكان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه بمكة وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فكان يقال له مهاجري أنصاري ، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا . وعباد بن قيس بن عامر بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، شهد بدرا . والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق ، وهو أبو خالد شهد بدرا . أربعة نفر . ________________________________________


تفسير بعض الأنساب فصل وذكر ابن إسحاق تسمية من حضر العقبة ، وذكر أنسابهم إلا أبا الهيثم بن التيهان وقد ذكرنا اسمه واسم أبيه وما قيل في نسبه في ذكر العقبة الأولى . وذكر قطبة بن عامر ، والقطبة فيما ذكر أبو حنيفة واحدة القطب وهي شوكة مدحرجة فيها ثلاث شويكات وهي تشبه حسك السعدان وقد بان بنعت أبي حنيفة له أنه الذي نسميه ببلادنا حمص الأمير . والقطبة طرف النصل . وذكر ذكوان بن عبد قيس ، ونسبه إلى عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن رواحة بن غضب بن جشم والغضب في اللغة الشديد الحمرة وجشم معدول عن جاشم وهو من جشمت الأمر [ تكلفته على مشقة ] كما عدلوا عمر عن عامر وقد أملينا جزءا في أسرار ما ينصرف وما لا ينصرف شرحنا فيه فائدة العدل عن فاعل إلى فعل وما حقيقة العدل والمقصود به ولم لم يعدل عن أسماء الأجناس ولم لم يكن إلا في الصفات ولم لم يكن من الصفات إلا في مثل عامر وزافر وقاثم ولم يكن في مالك وصالح وسالم ولم خص فعل هذا البناء بالعدل إليه وهل عدل إلى بناء غيره أم لا ولم منع الخفض والتنوين إذا كان معدولا إلى هذا البناء فمن اشتاق إلى معرفة هذه الأسرار فلينظرها هنالك فإن ابن جني قد حام في كتاب الخصائص على بعضها ، فما ورد وصأصأ فما فقح . وذكر في بني بياضة عمرو بن وذقة بذال معجمة وقال ابن هشام : وذفة بدال مهملة وهو الأصح ، والودفة الروضة الناعمة سميت بذلك لأنها تقطر ماء من نعمتها ، والأداف الذكر وأصله وداف سمي بذلك الموضع قطر الماء والمني منه ويقال للروضة الناعمة الدقرى ، وعمرو بن ودفة هذا هو البياضي الذي روى عنه مالك في كتاب الصلاة ولم يسمه وفي الأنصار [ من قبائل الخزرج ] بنو النجار ، وهم تيم الله بن ثعلبة ، سمي النجار فيما ذكروا لأنه نجر وجه رجل بقدوم وقيل كان نجارا ، وثعلبة في العرب كثير في الرجال وقل ما يسمون بثعلب وإن كان ذلك هو القياس كما يسمون بنمر وسبع وذئب ولكن الثعلب اسم مشترك إذ يقال ثعلب الرمح وثعلب الحوض وهو مخرج الماء منه وفي الحديث حتى قام أبو لبابة يسد ثعلب مربده بردائه فكأنهم عدلوا عن التسمية بثعلب لهذا الاشتراك مع أن الثعلبة أحمى لأدراصها وأغير على أجرائها من الثعلب . ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ; ثم من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم نقيب وهو الذي تزعم بنو سلمة أنه كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط له واشترط عليه ثم توفي قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وابنه بشر بن البراء بن معرور ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، ومات بخيبر من أكلة أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي سم فيها - وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل بني سلمة من سيدكم يا بني سلمة ؟ فقالوا : الجد بن قيس ، على بخله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي داء أكبر من البخل سيد بني سلمة الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ، والطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ، وقتل يوم الخندق شهيدا . ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا . ويزيد بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد شهد بدرا . ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد . والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ، شهد بدرا ، ويزيد بن خدام أو [ ابن حرام أو خدارة ] بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد . وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد [ بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ] ، شهد بدرا . قال ابن هشام : ويقال جبار بن صخر بن أمية بن خناس . قال ابن إسحاق : والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد [ وهو ابن عم الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان ] ، شهد بدرا . أحد عشر رجلا . ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثم من بني كعب بن سواد كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب . رجل . ومن بني غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا . وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم شهد بدرا . ويزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم وهو أبو المنذر شهد بدرا . وأبو اليسر واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم [ بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ] ، شهد بدرا . وصيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم . خمسة نفر . قال ابن هشام : صيفي بن أسود بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد وليس لسواد ابن يقال له غنم . قال ابن إسحاق : ومن بني نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي ، شهد بدرا ، وقتل بالخندق شهيدا . وعمرو بن غنمة بن عدي بن نابي ، وعبس بن عامر بن عدي بن نابي ، شهد بدرا . وعبد الله بن أنيس ، حليف لهم من قضاعة . وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي . خمسة نفر . قال ابن إسحاق : ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام نقيب شهد بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا ، وابنه جابر بن عبد الله . ومعاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ، شهد بدرا . وثابت بن الجذع - والجذع ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام - شهد بدرا ، وقتل بالطائف شهيدا . وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام شهد بدرا . قال ابن هشام : عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة . قال ابن إسحاق : وخديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر [ أو القراقر ] حليف لهم من بلي ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد ، يقال أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، وكان في بني سلمة شهد بدرا ، والمشاهد كلها ومات بعمواس عام الطاعون بالشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإنما ادعته بنو سلمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة . لأمه . سبعة نفر . قال ابن هشام : أوس ابن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد . قال ابن إسحاق : ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف نقيب شهد بدرا والمشاهد كلها قال ابن هشام : هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج . قال ابن إسحاق : والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف ، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأقام معه بها فكان يقال له مهاجري أنصاري وقتل يوم أحد شهيدا . وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ، حليف لهم من بني غصينة من بلي . وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة : أربعة نفر وهم القواقل . ومن بني سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج ، وهم بنو الحبلى - قال ابن هشام : الحبلى : سالم بن غنم بن عوف ، وإنما سمي الحبلى - لعظم بطنه رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم ، شهد بدرا ، وهو أبو الوليد . قال ابن هشام : ويقال رفاعة ابن مالك ومالك ابن الوليد بن عبد الله بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم . قال ابن إسحاق : وعقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ، حليف لهم شهد بدرا ، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من المدينة إلى مكة ، فكان يقال له مهاجري أنصاري . قال ابن هشام : رجلان . قال ابن إسحاق : ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج : سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة نقيب والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن جشم بن الخزرج بن ساعدة ، نقيب شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يقال له أعنق ليموت . رجلان قال ابن إسحاق : فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان منهم يزعمون أنهما قد بايعتا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء إنما كان يأخذ عليهن فإن أقررن قال اذهبن فقد بايعتكن ومن بني مازن بن النجار نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن [ بن النجار ] ، وهي أم عمارة كانت شهدت الحرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معها أختها . وزوجها زيد بن عاصم بن كعب . وابناها : حبيب بن زيد ، وعبد الله بن زيد ، وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة الكذاب الحنفي ، صاحب اليمامة ، فجعل يقول له أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ فيقول نعم فيقول أفتشهد أني رسول الله ؟ فيقول : لا أسمع فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يده لا يزيده على ذلك إذا ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصلى عليه وإذا ذكر له مسيلمة قال لا أسمع - فخرجت إلى اليمامة مع المسلمين فباشرت الحرب بنفسها ، حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها اثنا عشر جرحا ، من بين طعنة وضربة . قال ابن إسحاق : حدثني هذا الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ومن بني سلمة: أم منيع؛ واسمها: أسماء بنت عمروبن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ________________________________________ وذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني سلمة من سيدكم ؟ فقالوا جد بن قيس على بخل فيه فقال وأي داء أكبر من البخل ؟ بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء وروي عن الزهري وعامر الشعبي أنهما قالا في هذا الحديث عن النبي عليه السلام بل سيدكم عمرو بن الجموح وقال شاعر الأنصار في ذلك لمن قال منا من تعدون سيدا وقال رسول الله والحق قوله نبخله فيها ، وما كان أسودا فقالوا له جد بن قيس على التي وحق لعمرو وعندنا أن يسودا فسود عمرو بن الجموح لجوده ذكر خديج بن سلامة البلوي فصل وذكر خديج بن سلامة البلوي وهو خديج بخاء منقوطة مفتوحة ودال مكسورة كذا ذكره الدارقطني وغيره وذكره الطبري ، وقال شهد العقبة ، ولم يشهد بدرا ، وقال يكنى أبا رشيد وذكر معاذ بن جبل ونسبه إلى أدي بن سعد بن علي أخي سلمة وقد انفرض عقب أدي وآخر من مات منهم عبد الرحمن بن معاذ بن جبل ، وقد يقال في أدي أيضا : أذن في غير رواية ابن إسحاق وابن هشام . وذكر أن معاذ بن جبل مات في طاعون عمواس ، هكذا تقيد في النسخة عمواس بسكون الميم وقال فيه البكري في كتاب المعجم من أسماء البقع عمواس بفتح الميم والعين وهي قرية بالشام عرف الطاعون بها لأنه منها بدأ وقيل إنما سمي طاعون عمواس لأنه عم وآسى أي جعل بعض الناس أسوة بعض . وذكر يزيد بن ثعلبة بن خزمة بسكون الزاي كذا قال فيه ابن إسحاق وابن الكلبي وقال الطبري فيه خزمة بتحريك الزاي وهو بلوي من بني عمارة بفتح العين وتشديد الميم ولا يعرف عمارة في العرب إلا هذا ، كما لا يعرف عمارة بكسر العين إلا أبي بن عمارة الذي يروي حديثا في المسح على الخفين وقد قيل فيه عمارة بضم العين وأما سوى هذين فعمارة بالضم غير أن الدارقطني ذكر عن محمد بن حبيب عن ابن الكلبي في نسب قضاعة : قال مدرك بن عبد الله القمقام بن عمارة بن ذويد بن مالك . وفي النساء عمارة بنت نافع وهي أم محمد بن عبد الله بن عبد الرزاق ، وفي الأنصار خزمة سوى هذا المذكور بفتح الزاي كثير . وذكر بني الحبلى والنسب إليه حبلي بضم الحاء والباء قاله سيبويه على غير قياس النسب وتوهم بعض من ألف في العربية أن سيبويه قال فيه حبلي بفتح الباء لما ذكره مع جذمي في النسب إلى جذيمة ولم يذكره سيبويه معه لأنه على وزنه ولكن لأنه شاذ مثله في القياس الذي ذكرناه عن سيبويه من تقييده بالضم ذكره أبو علي القالي في البارع وقال هكذا تقيد في النسخ الصحيحة من سيبويه ، وحسبك من هذا أن جميع المحدثين يقولون أبو عبد الرحمن الحبلي بضمتين لا يختلفون في ذلك فدل هذا كله على غلط من نسب إلى سيبويه أنه فتح الباء .

نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال بسم الله الرحمن الرحيم . قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين معذب في أيديهم وبين هارب في البلاد فرارا منهم منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من بالمدينة وفي كل وجه فلما عتت قريش على الله عز وجل وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } أي أني ، إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون الدين لله أي حتى يعبد الله لا يعبد معه غيره


الإذن لمسلمي مكة بالهجرة قال ابن إسحاق : فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها . فخرجوا أرسالا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة ، والهجرة إلى المدينة .

المهاجرون إلى المدينة

هجرة أبي سلمة وزوجه وحديثها عما لقيا فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش ، من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، واسمه عبد الله هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار ، خرج إلى المدينة مهاجرا قال ابن إسحاق : فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة عن جدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل إلي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري ، ثم خرج بي يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتك هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه . قالت وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد ، رهط أبي سلمة فقالوا : لا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا . قالت فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد ، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة . قالت ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني . قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي ، حتى أمسي سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي ، أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت . قالت ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني . قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة . قالت وما معي أحد من خلق الله . قالت فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي ، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال أو ما معك أحد ؟ قالت فقلت : لا والله إلا الله وبني هذا . قال والله ما لك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي ، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني ، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري ، فحط عنه ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني ، وقال اركبي . فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي . فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعا إلى مكة . قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة . ________________________________________ متى أسلم عثمان بن أبي طلحة فصل وذكر هجرة أم سلمة وصحبة عثمان بن طلحة لها ، وهو يومئذ على كفره وإنما أسلم عثمان في هدنة الحديبية ، وهاجر قبل الفتح مع خالد بن الوليد ، وقتل يوم أحد إخوته مسافع وكلاب والحارث وأبوهم وعمه عثمان بن أبي طلحة قتل أيضا يوم أحد كافرا وبيده كانت مفاتيح الكعبة ودفعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وإلى ابن عمه شيبة بن أبي عثمان بن أبي طلحة ، وهو جد بني شيبة حجبة الكعبة ، واسم أبي طلحة جدهم عبد الله بن عبد العزى ، وقتل عثمان رحمه الله شهيدا بأجنادين في أول خلافة عمر .

هجرة عامر وزوجه وهجرة بني جحش قال ابن إسحاق : ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة ، حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب . ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة ، أعلاها وأسفلها ، بغير قائد وكان شاعرا ، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم - فغلقت دار بني جحش هجرة فمر بها عتبة بن ربيعة . والعباس بن عبد المطلب ، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردم وهم مصعدون إلى أعلى مكة ، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ليس فيها ساكن فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال وكل دار وإن طالت سلامتها يوما ستدركها النكباء والحوب قال ابن هشام : وهذا البيت لأبي دؤاد الإيادي في قصيدة له . والحوب التوجع . قال ابن إسحاق : ثم قال عتبة أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها فقال أبو جهل وما تبكي عليه من قل بن قل . قال ابن هشام : القل : الواحد . قال لبيد بن ربيعة : كل بني حرة مصيرهم قل وإن أكثرت من العدد قال ابن إسحاق : ثم قال هذا عمل ابن أخي هذا ، فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا وقطع بيننا فكان منزل أبي سلمة بن عبد الأسد وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن جحش ، وأخيه أبي أحمد بن جحش على مبشر بن عبد المنذر بن نبر بقباء في بني عمرو بن عوف ثم قدم المهاجرون أرسالا ، وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم عبد الله بن جحش ، وأخوه أبو أحمد بن جحش ، وعكاشة بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب وأربد بن جميرة . قال ابن هشام : ويقال ابن حميرة . قال ابن إسحاق : ومنقذ بن نباتة وسعيد بن رقيش ومحرز بن نضلة ويزيد بن رقيش ، وقيس بن جابر ، وعمرو بن محصن ومالك بن عمرو ، وصفوان بن عمرو ، وثقف بن عمرو ، وربيعة بن أكثم والزبير بن عبيد ، وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبد الله بن جحش . ومن نسائهم زينب بنت جحش ، وأم حبيب بنت جحش وجذامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيب بنت ثمامة وآمنة [ أو أميمة ] بنت رقيش وسخبرة بنت تميم وحمنة بنت جحش . ________________________________________ هجرة بني جحش وذكر هجرة بني جحش وهم عبد الله وأبو أحمد واسمه عبد وقد كان أخوهم عبيد الله أسلم ثم تنصر بأرض الحبشة ، وزينب بنت جحش أم المؤمنين التي كانت عند زيد بن حارثة ونزلت فيها : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ] وأم حبيب بنت جحش التي كانت تستحاض وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وحمنة بنت جحش التي كانت تحت مصعب بن عمير ، وكانت تستحاض أيضا ، وقد روي أن زينب استحيضت أيضا ، ووقع في الموطأ أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وكانت تستحاض ولم تك قط زينب عند عبد الرحمن بن عوف ، ولا قاله أحد والغلط لا يسلم منه بشر وإنما كانت تحت عبد الرحمن أختها أم حبيب ويقال فيها أم حبيبة غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرني أن أم حبيب كان اسمها : زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم ولا غلط والله أعلم . وكان اسم زينب بنت جحش : برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب وكذلك زينب بنت أم سلمة ربيبته عليه السلام كان اسمها برة فسماها زينب كأنه كره أن تزكي المرأة نفسها بهذا الاسم وكان اسم جحش بن رئاب برة بضم الباء فقالت زينب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لو غيرت اسم أبي ، فإن البرة صغيرة فقيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : لو أبوك مسلما لسميته باسم من أسمائنا أهل البيت ، ولكني قد سميته جحشا . والجحش أكبر من البرة . ذكر هذا الحديث مسندا في كتاب المؤتلف والمختلف أبو الحسن الدارقطني الشعر الذي تمثل به أبو سفيان فصل ذكر البيت الذي تمثل به أبو سفيان حين مر بدار بني جحش تخفق أبوابها ، وهو قوله وكل بيت وإن طالت سلامته يوما ستدركه النكباء والحوب كل امرئ بلقاء الموت مرتهن كأنه غرض للموت منصوب والشعر لأبي دؤاد الإيادي واسمه حنظلة بن شرقي وقيل جارية بن الحجاج ذكر دار بني جحادة ، وأنها عند دار أبان بن عثمان بالردم والردم حفر بالقتلى في الجاهلية فسمي الردم ، وذلك في حرب كانت بين بني جمح وبين بني الحارث بن فهر ، وكانت الدبرة فيها على بني الحارث ولذلك قل عددهم فهم أقل قريش عددا . وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب وهو يذكر هجرة بني أسد بن خزيمة من قومه إلى الله تعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيعابهم في ذلك حين دعوا إلى الهجرة ولو حلفت بين الصفا أم أحمد ومروتها بالله برت يمينها لنحن الألى كنا بها ، ثم لم نزل بمكة حتى عاد غثا سمينها بها خيمت غنم بن دودان وابتنت وما إن غدت غنم وخف قطينها إلى الله تغدو بين مثنى وواحد ودين رسول الله بالحق دينها وقال أبو أحمد بن جحش أيضا : لما رأتني أم أحمد غاديا بذمة من أخشى بغيب وأرهب تقول فإما كنت لا بد فاعلا فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب فقلت لها : بل يثرب اليوم وجهنا وما يشإ الرحمن فالعبد يركب إلى الله وجهي والرسول ومن يقم إلى الله يوما وجهه لا يخيب فكم قد تركنا من حميم مناصح وناصحة تبكي بدمع وتندب ترى أن وترا نأينا عن بلادنا ونحن نرى أن الرغائب نطلب دعوت بني غنم لحقن دمائهم وللحق لما لاح للناس ملحب أجابوا بحمد الله لما دعاهم إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا كفوجين أما منهما فموفق على الحق مهدي ، وفوج معذب طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا ورعنا إلى قول النبي محمد فطاب ولاة الحق منا وطيبوا نمت بأرحام إليهم قريبة ولا قرب بالأرحام إذ لا نقرب فأي ابن أخت بعدنا يأمننكم وأية صهر بعد صهري ترقب ستعلم يوما أينا إذ تزايلوا وزيل أمر الناس للحق أصوب قال ابن هشام : قوله : " ولتنأ يثرب " ، وقوله " إذ لا نقرب " ، عن غير ابن إسحاق . قال ابن هشام : يريد بقوله " إذ " إذا ، كقول الله عز وجل { إذ الظالمون موقوفون عند ربهم } قال أبو النجم العجلي : ثم جزاه الله عنا إذ جزى جنات عدن في العلالي والعلا . ________________________________________ وذكر ابن إسحاق شعر أبي أحمد بن جحش وفيه إ لى الله وجهي والرسول ومن يقم إلى الله يوما وجهه لا يخيب هكذا يروى بكسر الباء على الإقواء ولو روي بالرفع لجاز على الضرورة ويكون تقديره فلا يخيب بإضمار الفاء في مذهب أبي العباس وفي مذهب سيبويه : يجوز أيضا لا على إضمار الفاء ولكن على نية التقديم للفعل على الشرط كما أنشدوا : إنك إن يصرع أخوك تصرع وهو مع إن أحسن لأن التقدير إنك تصرع إن يصرع أخوك ، وأنشدوا أيضا : من يفعل الحسنات الله يشكره على هذا التقدير وفي الشعر أيضا : ولا قرب بالأرحام إذ لا تقرب وتأول ابن هشام إذ هنا بمعنى : إذا وهو خطأ من وجهين أحدهما : أن الفعل المضارع لا يحسن بعد إذا مع حرف النفي وإنما يحسن بعد إذ كقوله سبحانه { إذ يقول المنافقون } [ الأنفال 49 ] ولو قلت : سآتيك إذا تقول كذا ، كان قبيحا إذا أخرتها ، أو قدمت الفعل لما في إذا من معنى الشرط وإنما يحسن هذا في حروف الشرط مع لفظ الماضي ، تقول سآتيك إن قام زيد وإذا قام زيد ويقبح سآتيك إن يقم زيد لأن حرف الشرط إذا أخر ألغي وإذا ألغي لم يقع الفعل المعرب بعده غير أنه حسن في كيف نحو قوله سبحانه ينفق كيف يشاء [ المائدة 64 ] و فيبسطه في السماء كيف يشاء [ الروم : 48 ] لسر بديع لعلنا نذكره إن وجدنا لشفرتنا محزا ، ويحسن الفعل المستقبل مع إذا بعد القسم كقوله تعالى : والليل إذا يسر [ الفجر 4 ] لانعدام معنى الشرط فيه فهذا وجه والوجه الثاني : أن إذ بمعنى إذا غير معروف في الكلام ولا حكاه ثبت وما استشهد به من قول رؤبة ليس على ما ظن إنما معناه ثم جزاه الله ربي إن جزى ، أي من أجل أن نفعني وجزى عني ، كما قال تعالى : { يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا } [ البقرة 48 ] جزى : مضمر عائد على الرجل الممدوح وإذ بمعنى أن المفتوحة كذا قال سيبويه في سواد الكتاب ويشهد له قوله سبحانه { بعد إذ أنتم مسلمون } [ آل عمران : 80 ] وعليه يحمل قوله سبحانه { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم } [ الزخرف 39 ] وغفل النسوي عما في الكتاب من هذا ، وجعل الفعل المستقبل الذي بعد لن عاملا في الظرف الماضي ، فصار بمنزلة من يقول سآتيك اليوم أمس وهذا هراء من القول وغفلة عما في كتاب سيبويه ، وليت شعري ما يقول في قوله سبحانه { وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } [ الأحقاف : 11 ] فإن جوز وقوع المستقبل في الظرف الماضي على أصله الفاسد فكيف يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لا سيما مع السين وهو قبيح أن تقول غدا سآتيك ، فإن قلت : غدا فسآتيك ، فكيف إن زدت على هذا وقلت : أمس فسآتيك ، وإذ على أصله بمنزلة أمس فهذه فضائح لا غطاء عليها . فإن قال قائل فكيف الوجه في قوله سبحانه { ولو ترى إذ وقفوا } [ الأنعام 30 ] وكذلك { ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم } [ السجدة 12 ] أليس هذا كما قال ابن هشام بمعنى إذا التي تعطي الاستقبال ؟ قيل له وكيف تكون بمعنى إذا ، وإذا لا يقع بعدها الابتداء والخبر ، وقد قال سبحانه { إذ المجرمون ناكسو رءوسهم } وإنما التقدير ولو ترى ندمهم وحزنهم في ذلك اليوم بعد وقوفهم على النار فإذ ظرف ماض على أصله ولكن بالإضافة إلى حزنهم وندامتهم فالحزن والندامة واقعان بعد المعاينة والتوقيف فقد صار وقت التوقيف ماضيا بالإضافة إلى ما بعده والذي بعده هو مفعول ترى ، وهذا نحو مما يتوهم في قوله سبحانه { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } [ الكهف : 71 ] فيتوهم أن إذا هاهنا بمعنى إذ لأنه حديث قد مضى ، وليس كما يتوهم بل هي على بابها ، والفعل بعدها مستقبل بالإضافة إلى الانطلاق لأنه بعده والانطلاق قبله ولولا حتى ، ما جاز أن يقال إلا انطلقا إذ ركبا ، ولكن معنى الغاية في حتى دل على أن الركوب كان بعد الانطلاق وإذا كان بعده فهو مستقبل بالإضافة إليه وكذلك مسألتنا الحزن وسوء الحال الذي هو مفعول لترى ، وإن كان غير مذكور في اللفظ فهو بعد وقت الوقوف فوقف الوقوف ماض بالإضافة إليه وإذ لم يكن بد من حذف فكذلك نقدر حذفا في قوله تعالى : { وإذ لم يهتدوا به } [ الأحقاف : 11 ] ونحوه لأنها وإن كانت بمعنى أن فلا بد لها من تعلق كأنه قال جزيتم بهذا من أجل أن ظلمتم أو من أجل أن لم يهتدوا به ضلوا . وذكر في نساء بني جحش جذامة بنت جندل وأحسبه أراد جذامة بنت وهب بن محصن وهي المذكورة في حديث الرضاع في الموطأ وقال فيها خلف بن هشام البزار : جذامة بالذال المنقوطة هكذا ذكر عنه مسلم بن الحجاج ، والمعروف جدامة بالدال وقد يقال فيها جدامة بالتشديد والجدامة قصب الزرع وأملى علينا أبو بكر الحافظ وكتبت عنه بخط يدي قال المبارك بن عبد الجبار عن أبي إسحاق البرمكي عن محمد بن زكريا بن حبويه عن أبي عمر الزاهد المطرز قال الجدامة بتشديد الدال طرف السعفة وبه سميت المرأة وكانت جدامة بنت وهب تحت أنيس بن قتادة الأنصاري وأما جدامة بنت جندل فلا تعرف في آل جحش الأسديين ولا في غيرهم ولعله وهم وقع في الكتاب وأنها بنت وهب بن محصن بنت أخي عكاشة بن محصن كما قدمنا والله أعلم . وذكر في بني أسد ثقف بن عمرو ، ويقال فيه ثقاف شهد هو وأخوه مدلاج [ أو مدلج ] بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وقال موسى بن عقبة قتل يوم خيبر قتله أسير [ بن رزام ] اليهودي . وذكر فيهم أم حبيب بنت ثمامة وهي مما أغفله أبو عمر في كتابه وأغفل أيضا ذكر ثمام بن عبيدة وهو ممن ذكره ابن إسحاق في هذه الجملة المذكورين من بني أسد . وذكر ابن إسحاق في هذه الجملة أربد بن جميرة الأسدي بالجيم وقاله ابن هشام : حميرة بالحاء ورواه إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بخلاف ما رواه البكائي وابن هشام ، فقال فيه ابن حمير بتشديد الياء كأنه تصغير حمار . وذكر فيهم محرز بن نضلة ولم يرفع نسبه وهو ابن نضلة بن عبد الله بن مرة بن غنم بن دودان بن أسد [ بن خزيمة ] قتل في غزوة ذي قرد شهيدا ، وكان قد شهد بدرا ، وكان يعرف بالأخرم ويلقب فهيرة وقال فيه موسى بن عقبة بن محرز بن وهب ولم يقل ابن نضلة . وذكر ابن إسحاق أيضا يزيد بن رقيش ، وبعضهم يقول فيه أربد ولا يصح ، وهو ابن رقيش بن رئاب بن يعمر بن كبير بن غنم بن دودان وذكر فيهم ربيعة بن أكثم ولم ينسبه وهو ابن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن نفير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد يكنى : أبا يزيد وكان قصيرا دحدحا قتل يوم خيبر بالنطاة قتله الحارث اليهودي .

هجرة عمر وقصة عياش معه قال ابن إسحاق : ثم خرج عمر بن الخطاب ، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي حتى قدما المدينة . فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب ، قال اتعدت ، لما أردنا الهجرة إلى المدينة ، أنا وعياش بن أبي ربيعة [ واسمه عمرو ويلقب ذا الرمحين ] ، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار ، فوق سرف ، وقلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه . قال فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب ، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن . فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة ، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما ، حتى قدما علينا المدينة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم بمكة فكلماه وقالا : إن أمك قد ندرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ، ولا تستظل من شمس حتى تراك ، فرق لها ، فقلت له يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت . قال فقال أبر قسم أمي ، ولي هنالك مال فآخذه قال فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا ، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما . قال فأبى علي إلا أن يخرج معهما ; فلما أبى إلا ذلك قال قلت له أما إذ قد فعلت ما فعلت ، فخذ ناقتي هذه فإنه ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها ، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها : فخرج عليها معهما ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا ابن أخي ، والله لقد استغلظت بعيري هذا ، أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال بلى . قال فأناخ وأناخا ليتحول عليها ، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة ، وفتناه فافتتن قال ابن إسحاق : فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة : أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ، ثم قالا : يا أهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا ________________________________________


هجرة عمر وعياش ذكر فيها تواعدهم التناضب بكسر الضاد كأنه جمع تنضب [ واحدته تنضبة ] وهو ضرب من الشجر تألفه الحرباء . قال الشاعر لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا إني أتيح له حرباء تنضبة ويقال لثمره الممتع وهو فنعلل أدغمت النون في الميم وظاهر قول سيبويه : أنه فعلل وأنه مما لحقته الزيادة بالتضعيف والقول الأول يقويه أن مثله الهندلع وهو نبت وتتخذ من هذا الشجر القسي كما تتخذ من النبع والشوط والشريان والسراء والأشكل ودخان التنضب ذكره أبو حنيفة في النبات . وقال الجعدي : ضحيا دواخن من تنضب كأن الغبار الذي غادرت شبه الغبار بدخان التنضب لبياضه . وقال آخر [ عقيل بن علقة المري ] : بأسفل علكد دواخن تنضب وهل أشهدن خيلا كأن غبارها وأضاة بني غفار على عشرة أميال من مكة ، والأضاة الغدير ، كأنها مقلوب من وضأة على وزن فعلة واشتقاقه من الوضاءة بالمد وهي النظافة لأن الماء ينظف وجمع الأضاة إضاء وقال النابغة [ في صفة الدروع ] : وهن إضاء صافيات الغلائل علين بكديون وأبطن كرة [ وأضيات وأضوات وأضا وإضون ] . وهذا الجمع يحتمل أن يكون غير مقلوب فتكون الهمزة بدلا من الواو المكسورة في وضاء وقياس الواو المكسورة تقتضي الهمز على أصل الاشتقاق ويكون الواحد مقلوبا لأن الواو المفتوحة لا تهمز مع أن لام الفعل غير همزة وقد يجوز أن يكون الجمع محمولا على الواحد فيكون مقلوبا مثله ويقال أضاءة بالمد وقد يجمع أضاة على إضين قاله أبو حنيفة وأنشد محافر كأسرية الإضينا الأسرية جمع سري وهو الجدول ويقال له أيضا : السعيد .

كتاب عمر إلى هشام بن العاصي قال ابن إسحاق : وحدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن عمر في حديثه قال فكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم قال وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } [ الزمر 53 - 55 ] . قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي قال فقال هشام بن العاصي : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى ، أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها ، حتى قلت اللهم فهمنيها . قال فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا ، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا . قال فرجعت إلى بعيري ، فجلست عليه فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة

الوليد بن الوليد وعياش وهشام قال ابن هشام : فحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة " من لي بعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاصي " ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة : أنا لك يا رسول الله بهما ، فخرج إلى مكة ، فقدمها مستخفيا ، فلقي امرأة تحمل طعاما ، فقال لها : أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت أريد هذين المحبوسين - تعنيهما - فتبعها حتى عرف موضعهما ، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ، ثم أخذ مروة . فوضعها تحت قيديهما ، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه " ذو المروة " . لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما ، فعثر فدميت أصبعه فقال وفي سبيل الله ما لقيت هل أنت إلا أصبع دميت ثم قدم بهما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم المدينة ________________________________________ قول هشام بن العاص فصل وذكر نزول الآية { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر 53 ] الآية في المستضعفين بمكة وقول هشام بن العاص ففاجأتني وأنا بذي طوى . طوى : مقصور موضع بأسفل مكة ، ذكر أن آدم لما أهبط إلى الهند ، ومشى إلى مكة ، وجعل الملائكة تنتظره بذي طوى ، وأنهم قالوا له يا آدم ما زلنا ننتظرك هاهنا منذ ألفي سنة وروي أن آدم كان إذا أتى البيت خلع نعليه بذي طوى ، وأما ذو طواء بالمد فموضع آخر بين مكة والطائف هكذا ذكره البكري ، وأما طوى بضم الطاء والقصر المذكور في التنزيل فهو بالشام اسم للوادي المقدس وقد قيل ليس باسم له وإنما هو من صفة التقديس أي المقدس مرتين .

منازل المهاجرين بالمدينة قال ابن إسحاق : ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ، ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي - وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده - وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وواقد بن عبد الله التميمي ، حليف لهم وخولي بن أبي خولي ومالك بن أبي خولي حليفان لهم . قال ابن هشام : أبو خولي من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل . قال ابن إسحاق : وبنو البكير أربعة هم إياس بن البكير ، وعاقل بن البكير ، وعامر بن البكير ، وخالد بن البكير وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة . ثم تتابع المهاجرون ، فنزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان ، وصهيب بن سنان على خبيب بن إساف أخي بلحارث بن الخزرج بالسنح . قال ابن هشام : ويقال يساف فيما أخبرني عنه ابن إسحاق . ويقال بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة أخي بني النجار . قال ابن هشام : وذكر لي عن أبي عثمان النهدي أنه قال بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش : أتيتنا صعلوكا حقيرا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ، والله لا يكون ذلك ، فقال لهم صهيب أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم . قال فإني جعلت لكم مالي . قال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ربح صهيب ربح صهيب " . ________________________________________ نزول طلحة وصهيب على خبيب بن إساف فصل وذكر نزول طلحة وصهيب على خبيب بن إساف ويقال فيه يساف بياء مفتوحة في غير رواية الكتاب وهو إساف بن عنبة ولم يكن حين نزول المهاجرين عليه مسلما في قول الواقدي بل تأخر إسلامه حتى خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر قال خبيب فخرجت معه أنا ورجل من قومي ، وقلنا له نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال أسلمتما ؟ فقلنا : لا ، فقال ارجعا ، فإنا لا نستعين بمشرك وخبيب هو الذي خلف على بنت خارجة بعد أبي بكر الصديق واسمها : حبيبة وهي التي يقول فيها أبو بكر عند وفاته ذو بطن بنت خارجة أراها جارية وهي بنت خارجة بن أبي زهير والجارية أم كلثوم بنت أبي بكر مات خبيب في خلافة عثمان وهو جد خبيب بن عبد الرحمن الذي يروي عنه مالك في موطئه .

منزل حمزة وزيد وأبي مرثد وابنه وأنسة وأبي كبشة قال ابن إسحاق : ونزل حمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو مرثد كناز بن حصن . قال ابن هشام : ويقال ابن حصين - وابنه مرثد الغنويان حليفا حمزة بن عبد المطلب ، وأنسة وأبو كبشة ، موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة ; ويقال بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة أخي بني النجار . كل ذلك يقال ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وأخوه الطفيل بن الحارث ، والحصين بن الحارث ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب وسويبط بن سعد بن حريملة أخو بني عبد الدار وطليب بن عمير أخو بني عبد بن قصي ، وخباب مولى عتبة بن غزوان ، على عبد الله بن سلمة ، أخي بلعجلان بقباء . ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج ، في دار بلحارث بن الخزرج . ونزل الزبير بن العوام ، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى ، على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة دار بني جحجبى . ونزل مصعب بن عمير بن هاشم ، أخو بني عبد الدار على سعد بن معاذ بن النعمام أخي بني عبد الأشهل في دار بني عبد الأشهل . ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسالم مولى أبي حذيفة . قال ابن هشام : سالم مولى أبي حذيفة سائبة لثبيتة [ أو نبيتة ] بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، سيبته فانقطع إلى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه فقيل سالم مولى أبي حذيفة ويقال كانت ثبيتة بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة فأعتقت سالما سائبة . فقيل سالم مولى أبي حذيفة . قال ابن إسحاق : ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبد الأشهل في دار عبد الأشهل . ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار ، فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل . وكان يقال نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة ، وذلك أنه كان عزبا ، فالله أعلم أي ذلك كان . ________________________________________ أبو كبشة وذكر أنسة وأبا كبشة في الذين نزلوا على كلثوم بن الهدم ، فأما أنسة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم فهو من مولدي السراة ، ويكنى : أبا مسروح ، وقيل أبا مشرح شهد بدرا ، والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات في خلافة أبي بكر ، وأبو كبشة اسمه سليم يقال إنه من فارس ، ويقال من مولدي أرض دوس ، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات في خلافة عمر في اليوم الذي ولد فيه عروة بن الزبير ، وأما الذي كانت كفار قريش تذكره وتنسب النبي عليه السلام إليه وتقول قال ابن أبي كبشة وفعل ابن أبي كبشة ، فقيل فيه أقوال قيل إنها كنية أبيه لأمه وهب بن عبد مناف ، وقيل كنية أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى ، وقيل إن سلمى أخت عبد المطلب كان يكنى أبوها أبا كبشة ، وهو عمرو بن لبيد وأشهر من هذه الأقوال كلها عند الناس أنهم شبهوه برجل كان يعبد الشعرى وحده دون العرب ، فنسبوه إليه لخروجه عن دين قومه . وذكر الدارقطني اسم أبي كبشة هذا في المؤتلف والمختلف فقال اسمه وجز بن غالب وهو خزاعي ، وهو من بني غبشان . وذكر نزولهم بقباء وهو مسكن بني عمرو بن عوف وهو على فرسخ من المدينة ، وهو يمد ويقصر ويؤنث ويذكر ويصرف ولا يصرف وأنشد أبو حاتم في صرفه ولأقبلن الخيل لابة ضرغد ولأبغينكم قبا [ و ] عوارضا وكذلك أنشده قاسم بن ثابت في الدلائل قبا بضم القاف و [ فتح ] الباء وهو عند أهل العربية تصحيف منهما جميعا ، وإنما هو كما أنشده سيبويه : قنا وعوارضا ، لأن قنا جبل عند عوارض يقال له ولجبل آخر معه قنوان وبينهما وبين قباء مسافات وبلاد فلا يصح أن يقرن قباء الذي عند المدينة مع عوارض وقنوين وكذا قال البكري في معجم ما استعجم وأنشد [ لمعقل بن ضرار بن سنان الملقب بالشماخ ] . والليل بين قنوين رابض كأنها لما بدا عوارض وقباء : مأخوذ من القبو وهو الضم والجمع قاله أبو حنيفة وقال القوابي : هن اللواتي يجمعن العصفر واحدتهن قابية . قال وأهل العربية يسمون الضمة من الحركات قبوا ، وأما قولهم لا والذي أخرج قوبا من قابية يعنون الفرخ من البيضة فمن قال فيه قابية بتقديم الباء فهو القبو الذي يقدم ومن قال فيه قابية فهو من لفظ القوب لأنها تتقوب عنه أي تتقشر قال الكميت يصف النساء من الأمثال قابية وقوب لهن وللمشيب ومن علاه وفي حديث عمر فكانت قابية قوب عامها ، يعني : العمرة في أشهر الحج وقد ذكر أن قباء اسم بئر عرفت القرية بها .

سالم مولى أبي حذيفة فصل وذكر سالما مولى أبي حذيفة الذي كان أبو حذيفة قد تبناه كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا ، وكان سائبة أي لا ولاء عليه لأحد وذكر المرأة التي أعتقته سائبة وهي ثبيتة بنت يعار وقد قيل في اسمها بثينة ذكره أبو عمر وذكر عن الزهري أنه كان يقول فيها : بنت تعار وقال ابن شيبة في المعارف اسمها سلمى [ وقال ابن حبان : يقال لها : ليلمة ] ويقال في اسمها أيضا : عمرة وقد أبطل التسبيب في العتق كثير من العلماء وجعلوا الولاء لكل من أعتق أخذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملا له على العموم ولما روي أيضا عن ابن مسعود أنه قال لا سائبة في الإسلام ورأى مالك ميراث السائبة لجماعة المسلمين ولم ير ولاءه لمن سيبه فكان للتسييب والعتق عنده حكمان مختلفان وسالم هذا هو الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل أن ترضعه ليحرم عليها ، فأرضعته وهو ذو لحية . فإن قيل كيف جاز له أن ينظر إلى ثديها ، فقد روي في ذلك أنها حلبت له في مسعط وشرب اللبن ذكر ذلك محمد بن حبيب .

خبر الندوة وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا " ، فيطمع أبو بكر أن يكونه .

الملأ من قريش يتشاورون في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : ولما رأت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم . فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه . قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الرحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا : من الشيخ ؟ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش ، من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب . ومن بني نوفل بن عبد مناف طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عارم بن نوفل ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة . ومن بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام . ومن بني مخزوم : أبو جهل بن هشام . ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح : أمية بن خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش . فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . قال فتشاوروا ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم . فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي . والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت . فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه رأيا غير هذا . قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه . فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم . قال فقال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له . ________________________________________

اجتماع قريش للتشاور في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه تمثل إبليس - حين أتاهم - في صورة شيخ جليل وانتسابه إلى أهل نجد . قوله في صورة شيخ جليل يقول جل الرجل وجلت المرأة إذا أسنت قال الشاعر وما حظها أن قيل عزت وجلت ويقال منه جللت يا رجل بفتح اللام وقياسه جللت لأن اسم الفاعل منه جليل ، ولكن تركوا الضم في المضاعف كله استثقالا له مع التضعيف إلا في لببت ، فأنت لبيب حكاه سيبويه بالضم على الأصل . وإنما قال لهم إني من أهل نجد فيما ذكر بعض أهل السيرة لأنهم قالوا : لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لأن هواهم مع محمد فلذلك تمثل لهم في صورة شيخ نجدي وقد ذكرنا في خبر بنيان الكعبة أنه تمثل في صورة شيخ نجدي أيضا ، حين حكموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر الركن من يرفعه " ، فصاح الشيخ النجدي : يا معشر قريش : أقد رضيتم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذوي أسنانكم فإن صح هذا الخبر فلمعنى آخر تمثل نجديا ، وذلك أن نجدا منها يطلع قرن الشيطان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قيل له وفي نجدنا يا رسول الله ؟ قال " هنالك الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان " ، فلم يبارك عليها ، كما بارك على اليمن والشام وغيرها ، وحديثه الآخر أنه نظر إلى المشرق فقال إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان وفي حديث ابن عمر أنه حين قال هذا الكلام ووقف عند باب عائشة ونظر إلى المشرق فقاله وفي وقوفه عند باب عائشة ناظرا إلى المشرق يحذر من الفتن وفكر في خروجها إلى المشرق عند وقوع الفتنة تفهم من الإشارة واضمم إلى هذا قوله عليه السلام حين ذكر نزول الفتن أيقظوا صواحب الحجر والله أعلم . وذكر تشاورهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن بعضهم أشار بأن يحبس في بيت وبعضهم بإخراجه عليه السلام من بين أظهرهم ونفيه ولم يسئ قائل هذا القول وقال ابن سلام الذي أشار بحبسه هو أبو البختري بن هشام والذي أشار بإخراجه ونفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عمرو ، أحد بني عامر بن لؤي ، وقول أبي جهل نسيبا وسيطا ، هو من السطة في العشيرة وقد تقدم في باب تزويجه خديجة معنى الوسيط وأين يكون مدحا .

مما يقال عن ليلة الهجرة

فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه . قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب " نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام . 

قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها . قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال " أنا أقول ذلك أنت أحدهم " ، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس : { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم } إلى قوله { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمدا ، قال خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده . فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي - رضي الله عنه - عن الفراش فقالوا : والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا . ________________________________________ وأما قوله على بابه يتطلعون فيرون عليا وعليه برد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظنونه إياه فلم يزالوا قياما حتى أصبحوا ، فذكر بعض أهل التفسير السبب المانع لهم من التقحم عليه في الدار مع قصر الجدار وأنهم إنما جاءوا لقتله فذكر في الخبر أنهم هموا بالولوج عليه فصاحت امرأة من الدار فقال بعضهم لبعض والله إنها للسبة في العرب أن يتحدث عنا أنا تسورنا الحيطان على بنات العم وهتكنا ستر حرمتنا ، فهذا هو الذي أقامهم بالباب حتى أصبحوا ينتظرون خروجه ثم طمست أبصارهم عنه حين خرج وفي قراءة الآيات الأول من سورة يس من الفقه التذكرة بقراءة الخائفين لها اقتداء به عليه السلام فقد روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر فضل يس أنها إن قرأها خائف أمن أو جائع شبع أو عار كسي أو عاطش سقي حتى ذكر خلالا كثيرة

الآيات التي نزلت في تربص المشركين بالنبي قال ابن إسحاق : وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } [ الأنفال 30 ] ، وقول الله عز وجل { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } [ الطور : 30 ] . قال ابن هشام : المنون الموت . وريب المنون ما يريب ويعرض منها . قال أبو ذؤيب الهذلي : والدهر ليس بمعتب من يجزع أمن المنون وريبها تتوجع وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة . قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا " ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك . ________________________________________ وذكر ابن إسحاق ما أنزل الله في ذلك وشرح ابن هشام ريب المنون وأنشد قول أبي ذؤيب : أمن المنون وريبه تتفجع والمنون يذكر ويؤنث فمن جعلها عبارة عن المنية أو حوادث الدهر أنث ومن جعلها عبارة عن الدهر ذكر وريب المنون ما يريبك من تغير الأحوال فيه سميت المنون لنزعها منن الأشياء أي قواها ، وقيل بل سميت منونا لقطعها دون الآمال من قولهم جبل منين أي مقطوع وفي التنزيل قوله تعالى : { فلهم أجر غير ممنون } [ التين 6 ] أي غير مقطوع .

الهجرة إلى المدينة قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها . قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث . قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عني من عندك ; فقال يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال " إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة " . قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال " الصحبة " . قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا ، فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الديل بن بكر [ وهو من بني عبد بن عدي - هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي - عن البخاري ] ، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما . ________________________________________ إذن الله سبحانه لنبيه بالهجرة ذكر فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم أتى بيت أبي بكر في الظهيرة قالت عائشة وفي البيت أنا وأختي أسماء فقال أخرج من معك ، فقال أبو بكر إنما هما بنتاي يا رسول الله . وقال في جامع البخاري : إنما هم أهلك يا رسول الله وذلك أن عائشة قد كان أبوها أنكحها من قبل ذلك وكذلك روي عن أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر ويقال في اسم أبيها : رومان بفتح الراء أيضا ، فقال ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام في حديث طويل ثابت اختصرته : إن أبا بكر حين هاجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم خلف بناته بمكة فلما قدموا المدينة أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه وأرسل أبو بكر عبد الله بن أريقط [ الديلي ] ، وأرسل معهم خمسمائة درهم فاشتروا بها ظفرا بقديد ثم قدموا مكة فخرجوا بسودة بنت زمعة وبفاطمة وبأم كلثوم . قالت عائشة وخرجت أمي معهم ومع طلحة بن عبيد الله مصطحبين فلما كنا بقديد نفر البعير الذي كنت عليه أنا وأمي : أم رومان في محفة فجعلت أمي تنادي : وابنيتاه واعروساه وفي رواية يونس عن ابن إسحاق ، وفيه قالت عائشة فسمعت قائلا يقول - ولا أرى أحدا - ألقى خطامه فألقيته من يدي ، فقام البعير يستدير به كأن إنسانا تحته يمسكه حتى هبط البعير من الثنية ، فسلم الله فقدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبني المسجد وأبياتا له فنزلت مع أبي بكر ونزلت سودة بنت زمعة في بيتها ، فقال أبو بكر ألا تبني بأهلك يا رسول الله فقال " لولا الصداق " ، قالت فدفع إليه ثنتي عشرة أوقية ونشا ، والنش : عشرون درهما وذكرت الحديث . ورواه ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .

لم اشتريت الراحلة ؟ وفي حديث ابن إسحاق أن أبا بكر قد أعد راحلتين فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة وهي أفضلهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيرا ليس لي ، فقال أبو بكر هو لك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بالثمن " ، فقال أبو بكر بالثمن يا رسول الله فركبها فسئل بعض أهل العلم لم لم يقبلها إلا بالثمن وقد أنفق أبو بكر عليه من ماله ما هو أكثر من هذا فقبل ؟ وقد قال عليه السلام " ليس من أحد أمن علي في أهل ومال من أبي بكر " ، وقد دفع إليه حين بنى بعائشة ثنتي عشرة أوقية ونشا ، فلم يأب من ذلك ؟ فقال المسئول إنما ذلك لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالهما ، وهو قول حسن حدثني بهذا بعض أصحابنا عن الفقيه الزاهد أبي الحسن بن اللوان رحمه الله . ذكر ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام : ذكر ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام أن الناقة التي ابتاعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر يومئذ هي ناقته التي تسمى بالجدعاء وهي غير العضباء التي جاء فيها الحديث حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ناقة صالح وأنها تحشر معه يوم القيامة فقال له رجل وأنت يومئذ على العضباء يا رسول الله فقال " لا . ابنتي فاطمة تحشر على العضباء وأحشر أنا على البراق ويحشر هذا على ناقة من نوق الجنة " وأشار إلى بلال . وذكر أذانه في الموقف في حديث طويل يرويه عبد الحميد بن كيسان عن سويد بن عمير وعبد الحميد مجهول عندهم . وفي مسند البزار عن أنس قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على العضباء وليست بالجدعاء فهذا من قول أنس إنها غير الجدعاء وهو الصحيح لأنها غنمت وأخذ صاحبها العقيلي بالمدينة فقال بم أخذتني يا محمد وأخذت سابقة الحاج يعني : العضباء فقال أخذتك بجريرة حلفائك .

بكاء الفرج من أبي بكر وذكر ابن إسحاق في قول عائشة - رضي الله عنها - ما كنت أرى أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي من الفرح . قالت ذلك لصغر سنها ، وأنها لم تكن علمت بذلك قبل وقد تطرقت الشعراء لهذا المعنى ، فأخذته استحسانا له فقال الطائي يصف السحاب عيون أزهارها تبكي من الفرح دهم إذا وكفت في روضه طفقت وقال أبو الطيب وزاد على هذا المعنى : فمن فرح النفس ما يقتل فلا تنكرن لها صرعة وقال بعض المحدثين سيزورني فاستعبرت أجفاني ورد الكتاب من الحبيب بأنه من فرط ما قد سرني أبكاني غلب السرور علي حتى إنه تبكين في فرح وفي أحزان يا عين صار الدمع عندك عادة

الذين كانوا يعلمون بالهجرة قال ابن إسحاق ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، حين خرج إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر . أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ مكة والمدينة فصل ومن قوله عليه السلام حين خرج من مكة ، ووقف على الحزورة ، ونظر إلى البيت فقال " والله إنك لأحب أرض الله إلي وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " . يرويه الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء يرفعه وبعضهم يقول فيه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهو من أصح ما يحتج به في تفضيل مكة على المدينة ، وكذلك حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا : " إن صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه " فإذا كانت الأعمال تبعا للصلاة فكل حسنة تعمل في الحرم ، فهي بمائة ألف حسنة وقد جاء هذا منصوصا من طريق ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال " من حج ماشيا كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم " ، قيل وما حسنات الحرم ؟ قال " الحسنة فيه بمائة ألف حسنة " [ قال عطاء ولا أحسب السيئة إلا مثلها ] أسنده البزار .

الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار قال ابن إسحاق فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما ، يأتيهما إذا أمسى في الغار . وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما . قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الذين قاموا بشؤون الرسول في الغار قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم . وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر . وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه يرعى في رعيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به

لم سميت أسماء بذات النطاقين فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر ذات النطاق لذلك . قال ابن هشام : وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين . وتفسيره أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر .

راحلة النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : فلما قرب أبو بكر رضي الله عنه الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم له أفضلهما ، ثم قال اركب فداك أبي وأمي ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لا أركب بعيرا ليس لي " . قال فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، قال " لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به " ؟ قال كذا وكذا ، قال " قد أخذتها به " ، قال هي لك يا رسول الله . فركبا وانطلقا . وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق . ________________________________________ حديث الغار وهو غار في جبل ثور ، وهو الجبل الذي ذكره في تحريم المدينة ، وأنها حرام ما بين عير إلى ثور وهو وهم في الحديث لأن ثورا من جبال مكة ، وإنما لفظ الحديث عند أكثرهم ما بين عير إلى كذا ، كان المحدث قد نسي اسم المكان فكنى عنه بكذا . وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل فيما شرح من الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخله وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة قال قاسم وهي شجرة معروفة فحجبت عن الغار أعين الكفار . وقال أبو حنيفة الراءة من أغلاث الشجر وتكون مثل قامة الإنسان ولها خيطان وزهر أبيض تحشى به المخاد ، فيكون كالريش لخفته ولينه لأنه كالقطن أنشد كمثل الراء لبده الصقيع ترى ودك الشريف على لحاهم وفي مسند البزار : أن الله تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار وأرسل حمامتين وخشيتين فوقعتا على وجه الغار وأن ذلك مما صد المشركين عنه وأن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين وروي أن أبا بكر - رضي الله عنه حين دخله وتقدم إلى دخوله - قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقيه بنفسه رأى فيه جحرا فألقمه عقبه لئلا يخرج منه ما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح عن أنس قال قال أبو بكر - رضي الله عنه - لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وهما في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ظنك باثنين الله ثالثهما وروي أيضا أنهم لما عمي عليهم الأثر جاءوا بالقافة فجعلوا يقفون الأثر حتى انتهوا إلى باب الغار وقد أنبت الله عليه ما ذكرنا في الحديث قبل هذا ، فعندما رأى أبو بكر رضي الله عنه القافة اشتد حزنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال إن قتلت فإنما ، أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة فعندها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحزن إن الله معنا " ، ألا ترى كيف قال لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه ولأنه أيضا رأى ما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من النصب وكونه في ضيقة الغار مع فرقة الأهل ووحشة الغربة وكان أرق الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفقهم عليه فحزن لذلك وقد روي أنه قال نظرت إلى قدمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم في الغار وقد تفطرتا دما ، فاستبكيت ، وعلمت أنه عليه السلام لم يكن تعود الحفاء والجفوة وأما الخوف فقد كان عنده من اليقين بوعد الله بالنصر لنبيه . ما يسكن خوفه وقول الله تعالى : فأنزل الله سكينته عليه قال أكثر أهل التفسير يريد على أبي بكر وأما الرسول فقد كانت السكينة عليه وقوله { وأيده بجنود لم تروها } الهاء في أيده راجعة على النبي والجنود الملائكة أنزله عليه في الغار فبشروه بالنصر على أعدائه فأيده ذلك وقواه على الصبر [ و ] قيل أيده بجنود لم تروها ، يعني : يوم بدر وحنين وغيرهما من مشاهده وقد قيل الهاء راجعة على النبي عليه السلام في الموضعين جميعا وأبو بكر تبع له فدخل في حكم السكينة بالمعنى ، وكان في مصحف حفصة فأنزل الله سكينته عليهما ، وقيل إن حزن أبي بكر كان عندما رأى بعض الكفار يبول عند الغار فأشفق أن يكونوا قد رأوهما ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحزن فإنهم لو رأونا لم يستقبلونا بفروجهم عند البول ولا تشاغلوا بشيء عن أخذنا " ، والله أعلم . الرد على الرافضة فيما بهتوا به أبا بكر فصل وزعمت الرافضة أن في قوله عليه السلام لأبي بكر لا تحزن غضا من أبي بكر وذما له فإن حزنه ذلك إن كان طاعة فالرسول عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق إلا أنه معصية فيقال لهم على جهة الجدل قد قال الله لمحمد عليه السلام فلا يحزنك قولهم [ يس : 76 ] وقال { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } [ آل عمران : 176 ] وقال لموسى : { خذها ولا تخف } [ طه : 21 ] وقالت الملائكة للوط لا تخف ولا تحزن فإن زعمتم أن الأنبياء حين قيل لهم هذا كانوا في حال معصية فقد كفرتم ونقضتم أصلكم في وجوب العصمة للإمام المعصوم في زعمكم فإن الأنبياء هم الأئمة المعصومون بإجماع وإنما قوله لا تحزن وقول الله لمحمد لا يحزنك ، وقوله لأنبيائه مثل هذا تسكين لجأشهم وتبشير لهم وتأنيس على جهة النهي الذي زعموا ، ولكن كما قال سبحانه { تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا } [ فصلت 30 ] وهذا القول إنما يقال لهم عند المعاينة وليس إذ ذاك أمر بطاعة ولا نهي عن معصية . ووجه آخر من التحقيق وهو أن النهي عن الفعل لا يقتضي كون المنهي فيه فقد نهى الله نبيه عن أشياء ونهى عباده المؤمنين فلم يقتض ذلك أنهم كانوا فاعلين لتلك الأشياء في حال النهي لأن فعل النهي فعل مستقبل فكذلك قوله لأبي بكر لا تحزن لو كان الحزن كما زعموا لم يكن فيه على أبي بكر - رضي الله عنه - ما ادعوا من الغض وأما ما ذكرناه نحن من حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان طاعة فلم ينهه عنه الرسول عليه السلام إلا رفقا به وتبشيرا له لا كراهية لعمل وإذا نظرت المعاني بعين الإنصاف لا بعين الشهوة والتعصب للمذاهب لاحت الحقائق واتضحت الطرائق والله الموفق للصواب .

معية الله مع رسوله وصاحبه وانتبه أيها العبد المأمور بتدبر كتاب الله تعالى لقوله { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } [ التوبة 40 ] كيف كان معهما بالمعنى ، وباللفظ أما المعنى فكان معهما بالنصر والإرفاد والهداية والإرشاد وأما اللفظ فإن اسم الله تعالى كان يذكر إذا ذكر رسوله وإذا دعي فقيل يا رسول الله أو فعل رسول الله ثم كان لصاحبه كذلك يقال يا خليفة رسول الله وفعل خليفة رسول الله فكان يذكر معهما ، بالرسالة وبالخلافة ثم ارتفع ذلك فلم يكن لأحد من الخلفاء ولا يكون .

أبو جهل يضرب أسماء بنت أبي بكر قال ابن إسحاق : فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت قلت : لا أدري والله أين أبي . قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا ، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي .

خبر الجني الذي تغنى بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم قالت ثم انصرفوا . فمكثنا ثلاث ليال وما ندري أي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول رفيقين حلا خيمتي أم معبد جزى الله رب الناس خير جزائه فأفلح من أمسى رفيق محمد هما نزلا بالبر ثم تروحا ومقعدها للمؤمنين بمرصد ليهن بني كعب مكان فتاتهم

نسب أم معبد قال ابن هشام : أم معبد بنت كعب ، امرأة من بني كعب ، من خزاعة . وقوله " حلا خيمتي " و " هما نزلا بالبر ثم تروحا " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وعبد الله بن أرقط دليلهما . قال ابن هشام : ويقال عبد الله بن أريقط .

آل أبي بكر بعد هجرته قال ابن إسحاق : فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف فانطلق بها معه . قالت فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قالت قلت : كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال . قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك .

خبر سراقة بن مالك قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه قال فأومأت إليه بعيني : أن اسكت ثم قلت : قليلا ، إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت . قال ثم مكثت ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لامتي ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ; فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " قال وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المائة الناقة . قال فركبت على أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " . قال فأبيت إلا أن أتبعه . قال فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي ، عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ ، قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره . فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار . قال فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني ، وأنه ظاهر . قال فناديت القوم فقلت : أنا سراقة بن جعشم : أنظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم معي شيء تكرهونه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قل له وما تبتغي منا ؟ قال فقال ذلك أبو بكر ، قال قلت : تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك . قال اكتب له يا أبا بكر فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة ثم ألقاه إلي فأخذته ، فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة . قال فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار . قال فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك إليك ، ماذا تريد ؟ قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة . قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابك لي ، أنا سراقة بن جعشم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاء وبر ادنه قال فدنوت منه فأسلم . ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أذكره إلا أني قلت : يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ؟ قال نعم في كل ذات كبد رطبة أجر . قال ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي . قال ابن هشام : عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم . ________________________________________ حديث سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ثم المدلجي أحد بني مدلج بن مرة بن تميم بن عبد مناة بن كنانة . وقد ذكر ابن إسحاق حديثه حين بذلت قريش مائة ناقة لمن رد عليهم محمدا عليه السلام وأن سراقة استقسم بالأزلام فخرج السهم الذي يكره وهو الذي كان فيه مكتوبا لا تضره إلى آخر القصة وأن قوائم فرسه حين قرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساخت في الأرض وتبعها عثان وهو الدخان وجمعه عواثن . وذكر غير ابن إسحاق أن أبا جهل لامه حين رجع بلا شيء فقال وكان شاعرا لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه أبا حكم والله لو كنت شاهدا رسول ببرهان فمن ذا يقاومه ؟ علمت ولم تشكك بأن محمدا أرى أمره يوما ستبدو معالمه عليك بكف القوم عنه فإنني بأمر يود الناس فيه بأسرهم بأن جميع الناس طرا يسالمه وقد قدمنا في هذا الكتاب عند ذكر كسرى ما فعله عمر بن الخطاب حين أتي بتاج كسرى ، وسواريه ومنطقته وأنه دعا بسراقة ، وكان أزب الذراعين فحلاه حلية كسرى ، وقال له ارفع يديك ، وقل الحمد لله الذي سلب هذا كسرى الملك الذي كان يزعم أنه رب الناس وكساها أعرابيا من بني مدلج . فقال ذلك سراقة وإنما فعلها عمر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد بشر بها سراقة حين أسلم ، وأخبره أن الله سيفتح عليه بلاد فارس ، ويغنمه ملك كسرى ، فاستبعد ذلك سراقة في نفسه وقال أكسرى ملك الملوك ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حليته ستجعل عليه تحقيقا للوعد وإن كان أعرابيا بوالا على عقبيه ولكن الله يعز بالإسلام أهله ويسبغ على محمد وأمته نعمته وفضله .

خبر سراقة بن مالك قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه قال فأومأت إليه بعيني : أن اسكت ثم قلت : قليلا ، إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت . قال ثم مكثت ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لامتي ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ; فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " قال وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المائة الناقة . قال فركبت على أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " . قال فأبيت إلا أن أتبعه . قال فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي ، عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ ، قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره . فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار . قال فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني ، وأنه ظاهر . قال فناديت القوم فقلت : أنا سراقة بن جعشم : أنظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم معي شيء تكرهونه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قل له وما تبتغي منا ؟ قال فقال ذلك أبو بكر ، قال قلت : تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك . قال اكتب له يا أبا بكر فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة ثم ألقاه إلي فأخذته ، فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة . قال فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار . قال فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك إليك ، ماذا تريد ؟ قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة . قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابك لي ، أنا سراقة بن جعشم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاء وبر ادنه قال فدنوت منه فأسلم . ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أذكره إلا أني قلت : يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ؟ قال نعم في كل ذات كبد رطبة أجر . قال ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي . قال ابن هشام : عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم . ________________________________________ حديث سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ثم المدلجي أحد بني مدلج بن مرة بن تميم بن عبد مناة بن كنانة . وقد ذكر ابن إسحاق حديثه حين بذلت قريش مائة ناقة لمن رد عليهم محمدا عليه السلام وأن سراقة استقسم بالأزلام فخرج السهم الذي يكره وهو الذي كان فيه مكتوبا لا تضره إلى آخر القصة وأن قوائم فرسه حين قرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساخت في الأرض وتبعها عثان وهو الدخان وجمعه عواثن . وذكر غير ابن إسحاق أن أبا جهل لامه حين رجع بلا شيء فقال وكان شاعرا لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه أبا حكم والله لو كنت شاهدا رسول ببرهان فمن ذا يقاومه ؟ علمت ولم تشكك بأن محمدا أرى أمره يوما ستبدو معالمه عليك بكف القوم عنه فإنني بأمر يود الناس فيه بأسرهم بأن جميع الناس طرا يسالمه وقد قدمنا في هذا الكتاب عند ذكر كسرى ما فعله عمر بن الخطاب حين أتي بتاج كسرى ، وسواريه ومنطقته وأنه دعا بسراقة ، وكان أزب الذراعين فحلاه حلية كسرى ، وقال له ارفع يديك ، وقل الحمد لله الذي سلب هذا كسرى الملك الذي كان يزعم أنه رب الناس وكساها أعرابيا من بني مدلج . فقال ذلك سراقة وإنما فعلها عمر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد بشر بها سراقة حين أسلم ، وأخبره أن الله سيفتح عليه بلاد فارس ، ويغنمه ملك كسرى ، فاستبعد ذلك سراقة في نفسه وقال أكسرى ملك الملوك ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حليته ستجعل عليه تحقيقا للوعد وإن كان أعرابيا بوالا على عقبيه ولكن الله يعز بالإسلام أهله ويسبغ على محمد وأمته نعمته وفضله . وفي السير من رواية يونس شعر لأبي بكر رضي الله عنه في قصة الغار ونحن في سدف من ظلمة الغار قال النبي ولم يزل يوقرني وقد توكل لي منه بإظهار لا تخش شيئا ; فإن الله ثالثنا كيد الشياطين كادته لكفار وإنما كيد من تخشى بوادره وجاعل المنتهى منهم إلى النار والله مهلكهم طرا بما كسبوا إما عدوا وإما مدلج ساري وأنت مرتحل عنهم وتاركهم قوم عليهم ذوو عز وأنصار وهاجر أرضهم حتى يكون لنا وسد من دون من تخشى بأستار حتى إذا الليل وارتنا جوانبه ينعبن بالقرم نعبا تحت أكوار سار الأريقط يهدينا وأينقه وكل سهب رقاق الترب موار يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها من مدلج فارس في منصب وار حتى إذا قلت : قد أنجدن عارضها كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري يردي به مشرف الأقطار معتزم من دونها لك نصر الخالق الباري فقال كروا فقلت : إن كرتنا فانظر إلى أربع في الأرض غوار أن يخسف الأرض بالأحوى وفارسه قد سخن في الأرض لم يحفر بمحفار فهيل لما رأى أرساغ مقربه وتأخذوا موثقي في نصح أسرار فقال هل لكم أن تطلقوا فرسي وأن أعور منهم عين عوار وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم يطلق جوادي وأنتم خير أبرار فادعوا الذي هو عنكم كف عورتنا يا رب إن كان منه غير إخفار فقال قولا رسول الله مبتهلا ومهره مطلقا من كلم آثار فنجه سالما من شر دعوتنا وفاز فارسه من هول أخطار فأظهر الله إذ يدعو حوافره

حديث أم معبد وذكر عن أسماء بنت أبي بكر حين خفي عليها ، وعلى من معها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدروا أين توجه حتى أتى رجل من الجن يسمعون صوته ولا يرونه فمر على مكة والناس يتبعونه وهو ينشد هذه الأبيات رفيقين حلا خيمتي أم معبد جزى الله رب الناس خير جزائه فأفلح من أمسى رفيق محمد هما نزلا بالبر ثم ترحلا ومقعدها للمؤمنين بمرصد ليهن بني كعب مقام فتاتهم به من فعال لا يجازي وسودد فيالقصي ما زوى الله عنكم فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها له بصريح ضرة الشاة مزبد دعاها بشاة حائل فتحلبت يرددها في مصدر ثم مورد فغادرها رهنا لديها بحالب ويروى أن حسان بن ثابت لما بلغه شعر الجني وما هتف به في مكة قال يجيبه وقد سر من يسري إليهم ويغتدي لقد خاب قوم عنهم نبيهم وحل على قوم بنور مجدد ترحل عن قوم فضلت عقولهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد هداهم به بعد الضلالة ربهم عمايتهم هاد بها كل مهتد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ركاب هدى حلت عليهم بأسعد لقد نزلت منه إلى أهل يثرب ويتلو كتاب الله في كل مشهد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله فتصديقه في اليوم أو في ضحى الغد وإن قال في يوم مقالة غائب بصحبته من يسعد الله يسعد ليهن أبا بكر سعادة جده وزاد يونس في روايته أن قريشا لما سمعت الهاتف من الجن أرسلوا إلى أم معبد وهي بخيمتها ، فقالوا : هل مر بك محمد الذي من حليته كذا ، فقالت لا أدري ما تقولون وإنما ضافني حالب الشاة الحائل وكانوا أربعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وقد تقدم التعريف به وطرف من ذكر فضائله في هجرة الحبشة ، والرابع عبد الله بن أريقط الليثي ولم يكن إذ ذاك مسلما ، ولا وجدنا من طريق صحيح أنه أسلم بعد ذلك وجاء في حديث أنهم استأجروه وكان هاديا خريتا ، والخريت الماهر بالطريق الذي يهتدي بمثل خرت الإبرة ويقال له الخوتع أيضا قال الراجز يضل فيها الخوتع المشهر

نسب أم معبد وزوجها وأما أم معبد التي مر بخيمتها ، فاسمها : عاتكة بنت خالد إحدى بني كعب من خزاعة ، وهي أخت حبيش بن خالد وله صحبة ورواية ويقال له الأشعر وأخوها : حبيش بن خالد سيأتي ذكره والخلاف في اسمه وخالد الأشعر أبوهما ، هو ابن حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة . وزوجها أبو معبد يقال إن له رواية أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - توفي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرف اسمه وكان منزل أم معبد بقديد ، وقد روي حديثها بألفاظ مختلفة متقاربة المعاني ، وقد رواه ابن قتيبة في غريب الحديث وتقصى شرح ألفاظه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم معبد وكان القوم مرملين مسنتين فطلبوا لبنا أو لحما يشترونه فلم يجدوا عندها شيئا ، فنظر إلى شاة في كسر الخيمة خلفها الجهد عن الغنم فسألها : هل بها من لبن ؟ فقالت هي أجهد من ذلك فقال أتأذنين لي أن أحلبها ، فقالت بأبي أنت وأمي ، إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا بالشاة فاعتقلها ، ومسح ضرعها ، فتفاجت ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط أي يشبع الجماعة حتى يربضوا فحلب فيه حتى ملأه وسقى القوم حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب فيه مرة أخرى عللا بعد نهل ثم غادره عندها ، وذهبوا فجاء أبو معبد وكان غائبا فلما رأى اللبن قال ما هذا يا أم معبد أنى لك هذا والشاء عازب حيال ولا حلوبة بالبيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك فقال صفيه يا أم معبد فوصفته بما ذكر القتبي وغيره في الحديث ومما ذكره القتبي فشربوا حتى أراضوا جعله القتبي من استراض الوادي : إذا استنقع ومن الروضة وهي بقية الماء في الحوض وأنشد وروضة سقيت فيه نضوي ورواه الهروي حتى آرضوا على وزن آمنوا ، أي ضربوا بأنفسهم إلى الأرض من الري ، وفي حديث آخر أن آل أبي معبد كانوا يؤرخون بذلك اليوم ويسمونه يوم الرجل المبارك يقولون فعلنا كيت وكيت قبل أن يأتينا الرجل المبارك أو بعدما جاء الرجل المبارك ثم إنها أتت المدينة بعد ذلك بما شاء الله ومعها ابن صغير قد بلغ السعي فمر بالمدينة على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم الناس على المنبر فانطلق إلى أمه يشتد ، فقال لها : يا أمتاه إني رأيت اليوم الرجل المبارك فقالت له يا بني ويحك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ومما يسأل عنه في هذا الحديث أن يقال هل استمرت تلك البركة في شاة أم معبد بعد ذلك اليوم أم عادت إلى حالها ؟ وفي الخبر عن هشام بن حبيش الكعبي قال أنا رأيت تلك الشاة وإنها لتأدم أم معبد وجميع صرمها ، أي أهل ذلك الماء وفي الحديث أيضا من الغريب في وصف الشاة قال ما كان فيها بصرة وهي النقط من اللبن تبصر بالعين . طريق الهجرة قال ابن إسحاق : فلما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط ، سلك بهما أسفل مكة ، ثم مضى بهما على الساحل ، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان ، ثم سلك بهما على أسفل أمج ، ثم استجاز بهما ، حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قديدا ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار ، ثم سلك بهما ثنية المرة ، ثم سلك بهما لقفا . قال ابن هشام : ويقال لفتا . قال معقل بن خويلد الهذلي328 - نزيعاً محلباً من أهل لفت لحى بين أثلة و النجام قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال مجاح ، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح مجاح ، ثم تبطن بهما مرجح من ذي الغضوين - قال ابن هشام : ويقال العضوين - ثم بطن ذي كشر ، ثم أخذ بهما على الجداجد ، ثم على الأجرد ، ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعداء مدلجة تعهن ، ثم على العبابيد . قال ابن هشام : ويقال العبابيب ويقال العثيانة . يريد العبابيب . قال ابن إسحاق : ثم أجاز بهما الفاجة ، ويقال القاحة ، فيما قال ابن هشام . ________________________________________

بلاد في طريق الهجرة وذكر أن دليلهما سلك بهما عسفان . قال المؤلف رضي الله عنه وقد روي عن كثير أنه قال سمي عسفان لتعسف السيول فيه وسئل عن الأبواء الذي فيه قبر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم : لم سمي الأبواء ؟ فقال لأن السيول تتبوأه أي تحل به وبعسفان فيما روي كان مسكن الجذماء ورأيت في بعض المسندات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعسفان وبه الجذماء فأسرع المشي ولم ينظر اليهم ، وقال إن كان شيء من العلل يعدي فهو هذا وهذا الحديث هو من روايتي ، لأنه في مسند الحارث بن أبي أسامة ، وقد تقدم اتصال سندي به وكنت رأيته قبل في مسند وكيع بن الجراح وليس فيه إسناد . فصل وذكر أن دليلهم سلك بهم أمج ثم ثنية المرة ، كذا وجدته مخفف الراء مقيدا ، كأنه مسهل الهمزة من المرأة . وذكر لقفا بفتح اللام مقيدا في قول ابن إسحاق ، وفي رواية ابن هشام : لفتا ، واستشهد ابن هشام بقول معقل [ بن خويلد ] الهذلي نزيعاً محلباً من أهل لفت لحى بين أثلة و النجام وألفيت في حاشية الشيخ على هذا الموضع قال لفت بكسر اللام ألفيته في شعر معقل هذا في أشعار هذيل في نسختي ، وهي نسخة صحيحة جدا ، وكذلك ألفاه من وثقته وكلفته أن ينظر فيه لي في شعر معقل هذا في أشعار هذيل مكسور اللام في نسخة أبي علي القالي المقروءة على الزيادي ثم على الأحول ثم قرأتها على ابن دريد رحمه الله وفيها صريحا محلبا ، وكذلك كان الضبط في هذا الكتاب قديما ، حتى ضبطه بالفتح عن القاضي ، وعلى ما وقع في غيرها . انتهى كلام أبي بحر . وقد ذكر أبو عبيد البكري : لفتا ، فقيده بكسر اللام كما ذكر أبو بحر وأنشد قبله لعمرك ما خشيت ، و قد بلغنا جبال الجوز من بلد تهام صريحا محلبا البيت . وذكر المواضع التي سلك عليها ، وذكر فيها مجاجا بكسر الميم وجيمين وقال ابن هشام : ويقال فيها : مجاج بالفتح وقد ألفيت شاهدا لرواية ابن إسحاق في لقف ، وفيه ذكر مجاحا بالحاء المهملة بعد الجيم وهو قول محمد بن عروة بن الزبير : لعن الله بطن لقف مسيلا و جاحا و ما أحب مجاحا لقبت ناقتي به و بلقف بلداً مجدباً و أرضاً شحاحاً قال ابن هشام : ثم هبط بهما العرج ، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم ، يقال له أوس بن حجر على جمل له - يقال له ابن الرداء - إلى المدينة ، وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ثم خرج بهما دليلهما من العرج ، فسلك بهما ثنية العائر ، عن يمين ركوبة - ويقال ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام حتى هبط بهما بطن رئم ، ثم قدم بهما قباء ، على بني عمرو بن عوف ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل . ________________________________________

قصة أوس بن حجر وذكر قدومهم على أوس بن حجر وهو أوس بن عبد الله بن حجر الأسلمي وبعضهم يقول فيه ابن حجر وهو قول الدارقطني ، والمعروف ابن حجر بضم الحاء وقد تقدم في المبعث ذكر من اسمه حجر في أنساب قريش ، ومن يسمى : حجرا من غيرهم بسكون الجيم ومن يسمى الحجر بكسر الحاء فانظره هنالك عند ذكر خديجة وأمها ، ولا يختلف في أوس بن حجر أنه بفتحتين . وذكر أن أوسا حمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جمل له يقال له ابن الرداء وفي رواية يونس بن بكير بن إسحاق يقال له الرداح وفي الخطابي أنه قال لغلامه مسعود وهو مسعود بن هنيدة اسلك بهم المخارق بالقاف قال والصحيح المخارم يعني : مخارم الطريق وفي النسوي أن مسعودا هذا قال فكنت آخذ بهم أخفاء الطريق . وفقه هذا أنهم كانوا خائفين فلذلك كان يأخذ بهم أخفاء الطريق ومخارقه وذكر النسوي في حديث مسعود هذا : أن أبا بكر قال له ائت أبا تميم فقل له يحملني على بعير ويبعث إلينا بزاد ودليل يدلنا ، ففي هذا أن أوسا كان يكنى أبا تميم وأن مسعودا هذا قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظ عنه حديثا في الخمس وحديثا في صلاة الإمام بالواحد والاثنين ذكره النسوي في هذا الحديث غير أنه قال في مسعود هذا : غلام فروة الأسلمي . وقال أبو عمر قد قيل في أوس هذا إن اسمه تميم ويكنى أبا أوس فالله أعلم . وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمسعود حين انصرف إلى سيده مر سيدك أن يسم الإبل في أعناقها قيد الفرس فلم تزل تلك سمتهم في إبلهم وقد ذكرنا في شرح قصيدة أبي طالب عند قوله موسمة الأعضاد أسماء السمات كالعراض والخباط والهلال وذكرنا قيد الفرس ، وأنه سمة في أعناقها ، وقول الراجز قوم على أعناقها قيد الفرس تنجو إذا الليل تدانى و التبس

النزول بقباء قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة . حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود ، وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا ، فصرخ بأعلى صوته يا بني قيبلة هذا جدكم قد جاء . قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك . ________________________________________ متى قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة ؟ كان قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة من ربيع الأول وفي شهر أيلول من شهور العجم ، وقال غير ابن إسحاق قدمها لثمان خلون من ربيع الأول وقال ابن الكلبي خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة سنة وكانت بيعة العقبة أوسط أيام التشريق .

المنازل التي نزلت بقباء قال ابن إسحاق : فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد : ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة . ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم : إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة . وذلك أنه كان عزبا لا أهل له وكان منزل العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة : بيت العزاب . فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا . ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف ، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح . ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج . وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم .

سهيل بن حنيف وامرأة مسلمة فكان علي بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها ، مسلمة . قال فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه . قال فاستربت بشأنه فقلت لها : يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال احتطبي بهذا ، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق . قال ابن إسحاق : وحدثني هذا ، من حديث علي رضي الله عنه هند بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه . ________________________________________ كلثوم بن الهدم فصل وذكر ابن إسحاق نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كلثوم بن الهدم ، وكلثوم هذا كنيته أبو قيس ، وهو كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، وكان شيخا كبيرا مات بعد قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بيسير هو أول من مات من الأنصار بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ثم مات بعده أسعد بن زرارة بأيام وسعد بن خيثمة ، وأنه كان يقال لبيته بيت العزاب هكذا روي وصوابه الأعزب لأنه جمع عزب يقال رجل عزب وامرأة عزب ، وقد قيل امرأة عزبة بالتاء .

بناء مسجد قباء قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده . ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة . وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك فالله أعلم أي ذلك كان . فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة . ________________________________________ تأسيس مسجد قباء فصل وذكر تأسيس مسجد قباء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسسه لبني عمرو بن عوف ثم انتقل إلى المدينة ، وذكر ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسسه كان هو أول من وضع حجرا في قبلته ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر ثم أخذ الناس في البنيان . في الخطابي عن الشموس بنت النعمان [ بن عامر بن مجمع الأنصارية ] قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجد قباء يأتي بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه فيأتي الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره يقال صهره وأصهره إذا ألصقه بالشيء ومنه اشتقاق الصهر في القرابة وهذا المسجد أول مسجد بني في الإسلام وفي أهله نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا [ التوبة 108 ] فهو على هذا المسجد الذي أسس على التقوى ، وإن كان قد روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال هو مسجدي هذا وفي رواية أخرى قال وفي الآخر خير كثير وقد قال لبني عمرو بن عوف حين نزلت لمسجد أسس على التقوى ، ما الطهور الذي أثنى الله به عليكم ؟ فذكروا له الاستنجاء بالماء بعد الاستجمار بالحجر فقال هو ذاكم فعليكموه وليس بين الحديثين تعارض كلاهما أسس على التقوى ، غير أن قوله سبحانه من أول يوم يقتضي مسجد قباء لأن تأسيسه كان في أول يوم من حلول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار معجزته والبلد الذي هو مهاجره .

التاريخ العربي وفي قوله سبحانه من أول يوم وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها ، ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر [ فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر ] فيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام والذي أمر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسس المساجد . وعبد الله آمنا كما يحب ، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه من أول يوم أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن فإن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا هذا من الآية فهو الظن بأفهامهم فهم أعلم الناس بكتاب الله وتأويله وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح وإن كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد فقد علم ذلك منهم قبل أن يكونوا وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أول يوم إلا بإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو قرينة حال فتدبره ففيه معتبر لمن اذكر وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر والحمد لله .

من ودخولها على الزمان وليس يحتاج في قوله من أول يوم إلى إضمار كما قرره بعض النحاة من تأسيس أول يوم فرارا من دخول من على الزمان ولو لفظ بالتأسيس لكان معناه من وقت تأسيس أول يوم فإضماره للتأسيس لا يفيد شيئا ، ومن تدخل على الزمان وغيره ففي التنزيل من قبل ومن بعد والقبل والبعد زمان وفي الحديث ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تطلع الشمس إلى أن تغرب وفي شعر النابغة [ في وصف سيوف ] : تورثن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب تقد السلوقي المضاعف نسجه و يوقدن بالصفاح نار الحباحب ويوقدن بالصفاح نار الحباحب ] وبين من الداخلة على الزمان وبين منذ فرق بديع قد بيناه في شرح آية الوصية .

القبائل تعترضه لينزل عندها

فأتاه عتبان بن مالك ، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف فقالوا : يا رسول الله . أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، لناقته فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة ، تلقاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، في رجال من بنى بياضة فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا ، إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها . فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، في رجال من بني ساعدة فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد بن الربيع ، وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة ، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها . فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار وهم أخواله دنيا - أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو ، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس ، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا : يا رسول الله هلم إلى أخوالك ، إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها ، فانطلقت  

مبرك الناقة بدار بني مالك بن النجار

حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار ، بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ثم من بني مالك بن النجار وهما في حجر معاذ ابن عفراء ، سهل وسهيل ابني عمرو . فلما بركت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها - لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ ابن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو ، وهما يتيمان لي ، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا  

________________________________________ تحلحل وتلحلح فصل وذكر لقاء كل قبيلة من الأنصار له يقولون هلم إلينا يا رسول الله إلى العدد والعدة فيقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة حتى بركت بموضع مسجده وقال تحلحلت ورزمت وألقت بجرانها أي بعنقها ، وفسره ابن قتيبة على تلحلح أي لزم مكانه . ولم يبرح وأنشد أناس إذا قيل انفروا قد أتيتم أقاموا على أثقالهم و تلحلحوا قال وأما تحلحل بتقديم الحاء على اللام فمعناه زال عن موضعه وهذا الذي قاله قوي من جهة الاشتقاق فإن التلحلح يشبه أن يكون من لححت عينه إذا التصقت وهو ابن عمي لحا . وأما التحلحل فاشتقاقه من الحل والانحلال بين لأنه انفكاك شيء من شيء ولكن الرواية في سيرة ابن إسحاق : تحلحلت بتقديم الحاء على اللام وهو خلاف المعنى إلا أن يكون مقلوبا من تلحلحت فيكون معناه لصقت بموضعها ، وأقامت على المعنى الذي فسره ابن قتيبة في تلحلحت . وأما قوله ورزمت فيقال رزمت الناقة رزوما إذا أقامت من الكلال ونوق رزمى ، وأما أرزمت بالألف فمعناه رغت ورجعت في رغائها ، ويقال منه أرزم الرعد وأرزمت الريح قاله صاحب العين وفي غير هذه السيرة أنها لما ألقت بجرانها في دار بني النجار جعل رجل من بني سلمة وهو جبار بن صخر ينخسها رجاء أن تقوم فتبرك في دار بني سلمة ، فلم تفعل .

المربد وصاحباه وقوله كان المسجد مربدا . المربد والجرين [ والجرن والمجرن ] والمسطح وهو بالفارسية مشطاح والجوخار والبيدر والأندر لغات بمعنى واحد للموضع الذي يجعل فيه الزرع والتمر للتيبيس وأنشد أبو حنيفة في المسطح [ لتميم بن مقبل ] : ترى الأمعز المحزو فيه كأنه من الحر في نحر الظهيرة مسطح قال والمحزو من حزوت الشيء إذا أظهرته . والمسطح هو بالفارسية مشطح وأما المسطح الذي ، هو عود الخباء فعربية . وذكر أن ذلك المربد كان لسهل وسهيل ابني عمرو يتيمين في حجر معاذ ابن عفراء ولم يعرفهما بأكثر من هذا ، وقال موسى بن عقبة : كانا يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وهما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار شهد سهيل منهما بدرا ، والمشاهد كلها ، ومات في خلافة عمر يشهد سهل بدرا ، وشهد غيرها ومات قبل أخيه سهيل .

المسجد والمسكن قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجدا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، ودأبوا فيه فقال قائل من المسلمين لذاك منا العمل المضلل لئن قعدنا والنبي يعمل وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون اللهم ارحم الأنصار والمهاجره لا عيش إلا عيش الآخره قال ابن هشام : هذا كلام وليس برجز . قال ابن إسحاق : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار ________________________________________ حول بنيان المسجد فصل وذكر بنيان المسجد إلى آخر القصة وفي الصحيح أنه قال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم [ هذا ] حين أراد أن يتخذه مسجدا ، [ فقالوا : لا ، والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله وفي رواية أخرى في الصحيح أيضا : ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدا وقد ترجم البخاري على هذه المسألة لفقه وهو أن البائع أولى بتسمية الثمن الذي يطلبه قال أنس وكان في موضع المسجد نخل وخرب ومقابر مشركين فأمر بالقبور فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطعت ويروى في هذا الحديث نخل وحرث مكان قوله وخرب وروي عن الشفاء بنت عبد الرحمن الأنصارية قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بنى المسجد يؤمه جبريل إلى الكعبة ويقيم له القبلة



عمار والفئة الباغية قال فدخل عمار بن ياسر ، وقد أثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلوني ، يحملون علي ما لا يحملون . قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده كان رجلا جعدا ، وهو يقول ويح ابن سمية ، ليسوا بالذين يقتلونك ، إنما تقتلك الفئة الباغية

ارتجاز علي وارتجز علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ لا يستوي من يعمر المساجدا يدأب فيه قائماً و قاعدا و من يرى عن الغبار حائدا قال ابن هشام : سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا : بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به فلا يدرى : أهو قائله أم غيره .

مشادة عمار قال ابن إسحاق : فأخذها عمار بن ياسر ، فجعل يرتجز بها . قال ابن هشام : فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي ، عن ابن إسحاق ، وقد سمى ابن إسحاق الرجل .

الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بعمار قال ابن إسحاق : فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية ، والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك . قال وفي يده عصا . قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بل ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه ________________________________________ وذكر فيه قول الرجل لعمار قد سمعت ما تقول يا ابن سمية . قال ابن هشام : وقد سمى ابن إسحاق الرجل وكره ابن هشام أن يسميه كي لا يذكر أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكروه فلا ينبغي إذا البحث على اسمه .

سمية أم عمار وسمية أم عمار وقد تقدم التعريف بها في الهجرة الأولى ونبهنا على غلط ابن قتيبة فيها فإنه جعلها وسمية أم زياد واحدة وسمية أم زياد كانت للحارث بن كلدة المتطبب والأولى : مولاة لبني مخزوم وهي سمية بنت خباط ، كما تقدم وكان أهدى سمية إلى الحرث رجل من ملوك اليمن : يقال له أبو جبر وذلك أنه عالجه من داء كان به فبرئ فوهبها له وكانت قبل أبي جبر لملك من ملوك الفرس وفد عليه أبو جبر فأهداها إليه الملك ذكره ابن قتيبة ، وفي جامع معمر بن راشد أن عمارا كان ينقل في بنيان المسجد لبنتين لبنة عنه ولبنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس ينقلون لبنة واحدة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس أجر ولك أجران وآخر زادك من الدنيا شربة لبن وتقتلك الفئة الباغية فلما قتل يوم صفين دخل عمرو على معاوية فزعا ، فقال قتل عمار فقال معاوية فماذا ؟ فقال عمرو : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول تقتله الفئة الباغية فقال معاوية دحضت في بولك ، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله من أخرجه ؟ إضافة بناء أول مسجد إلى عمار قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا ، عن الشعبي ، قال إن أول من بنى مسجدا عمار بن ياسر . ________________________________________ إضافة بناء المسجد إلى عمار وذكر ابن إسحاق في هذا الموضع الحديث الوارد في عمار وهو أول من بنى لله مسجدا عمار بن ياسر ، فيقال كيف أضاف إلى عمار بنيان المسجد وقد بناه معه الناس ؟ فيقول إنما عنى بهذا الحديث مسجد قباء ، لأن عمارا هو الذي أشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - ببنيانه وهو جمع الحجارة له فلما أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم استتم بنيانه عمار .

أطوار بناء المسجد كذلك ذكر ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه وبني مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسقف بالجريد وجعلت قبلته من اللبن ويقال بل من حجارة منضودة بعضها على بعض وجعلت عمده من جذوع النخل فنخرت في خلافة عمر فجردها ، فلما كان عثمان بناه بالحجارة المنقوشة بالقصة وسقفه بالساج وجعل قبلته من الحجارة فلما كانت أيام بني العباس بناه محمد بن أبي جعفر المتسمي بالمهدي ووسعه وزاد فيه وذلك في سنة ستين ومائة ثم زاد فيه المأمون بن الرشيد في سنة ثنتين ومائتين وأتقن بنيانه ونقش فيه هذا ما أمر به عبد الله المأمون في كلام كثير كرهت الإطالة بذكره . ثم لم يبلغنا أن أحدا غير منه شيئا ، ولا أحدث فيه عملا .

بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأما بيوته عليه السلام فكانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها جريد وبعضها من حجارة مرضومة بعضها فوق بعض مسقفة بالجريد أيضا . وقال الحسن بن أبي الحسن كنت أدخل بيوت النبي عليه السلام وأنا غلام مراهق فأنال السقف بيدي ، وكانت حجره - عليه السلام - أكسية من شعر مربوطة في خشب عرعر وفي تاريخ البخاري أن بابه - عليه السلام - كان يقرع بالأظافر أي لا حلق له ولما توفي أزواجه عليه السلام خلطت البيوت والحجر بالمسجد وذلك في زمن عبد الملك فلما ورد كتابه بذلك ضج أهل المدينة بالبكاء كيوم وفاته عليه السلام وكان سريره خشبات مشدودة بالليف بيعت زمن بني أمية فاشتراها رجل بأربعة آلاف درهم قاله ابن قتيبة . وهذا يدل على أن بيوته عليه السلام إذا أضيفت إليه فهي إضافة ملك كقوله تعالى : لا تدخلوا بيوت النبي [ الأحزاب : 53 ] وإذا أضيفت إلى أزواجه كقوله وقرن في بيوتكن [ الأحزاب : 33 ] فليست بإضافة ملك وذلك أن ما كان ملكا له عليه السلام فليس بموروث عنه .

الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب حتى بني له مسجده ومساكنه ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رحمة الله عليه ورضوانه . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي رهم السماعي قال حدثني أبو أيوب قال لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو فقلت له يا نبي الله بأبي أنت وأمي ، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فاظهر أنت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل فقال يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا ، أن نكون في سفل البيت . قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ، ما لنا لحاف غيرها ، ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم - منه شيء فيؤذيه . قال وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة ، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلا أو ثوما ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر ليده فيه أثرا قال فجئته فزعا ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك ، وكنت إذا رددته علينا ، تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك ، نبتغي بذلك البركة ; قال إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة ، وأنا رجل أناجي ، فأما أنتم فكلوه . قال فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد ________________________________________ حب حباب فصل وذكر حديث أم أيوب وقولها : انكسر حب لنا . الحب جرة كبيرة جمعه [ أحب وحباب ] حببة مثل جحر وجحرة [ وأجحار وجحر ] وكأنه أخذ لفظه من حباب الماء أو من حببه وحبابه بالألف ترافعه . قال الشاعر كأن صلا جهيزة حين تمشي حباب الماء يتبع الحبابا والحبب بغير ألف نفاخات بيض صغار تكون على وجه الشراب قاله ابن ثابت .

الثوم وذكر قوله عليه السلام لأم أيوب - حين رد عليها الثريد من أجل الثوم أنا رجل أناجي وروى غيره حديث أم أيوب وقال فيه إن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الإنس وروي أن خصيف بن الحارث قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله الحديث الذي ترويه عنك أم أيوب أن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الإنس أصحيح هو ؟ قال نعم

مصير منزل أبي أيوب ومنزل أبي أيوب الذي نزل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - تصير بعده إلى أفلح مولى أبي أيوب فاشتراه منه بعدما خرب وتثلمت حيطانه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار بعد حيلة احتالها عليه المغيرة ذكرها الزبير ثم أصلح المغيرة ما وهى منه وتصدق به على أهل بيت من فقراء المدينة ، فكان بعد ذلك ابن أفلح يقول للمغيرة خدعتني ، فيقول له المغيرة لا أفلح من ندم . هذا معنى ما ذكره الزبير بن أبي بكر .

تلاحق المهاجرين قال ابن إسحاق : وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق بمكة منهم أحد ، إلا مفتون أو محبوس ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهل دور مسمون بنو مظعون من جمح وبنو جحش بن رئاب ، حلفاء بني أمية وبنو البكير ، من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب ، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ليس فيها ساكن .

قصة أبي سفيان مع بني جحش

ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عدا عليها أبو سفيان بن حرب فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي ; فلما بلغ بني جحش . ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا خيرا منها في الجنة ؟ قال بلى ; قال فذلك لك  فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس لأبي أحمد يا أبا أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله عز وجل فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأبي سفيان 

أمر عواقبه ندامه أبلغ أبا سفيان عن تقضي بها عنك الغرامه دار ابن عمك بعتها الناس مجتهد القسامه وحليفكم بالله رب طوقتها طوق الحمامه اذهب بها ، اذهب بها . انتشار الإسلام ومن بقي على شركه قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة حتى بني له فيها مسجده ومساكنه واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها ، إلا ما كان من خطمة وواقف ووائل وأمية وتلك أوس الله وهم حي من الأوس ، فإنهم أقاموا على شركهم . ________________________________________ من قصة أبي سفيان مع بني جحش وذكر قول أبي أحمد بن جحش لأبي سفيان تقضي بها عنك الغرامه دار ابن عمك بعتها طوقتها طوق الحمامه اذهب بها اذهب بها أبو أحمد هذا اسمه عبد وقيل ثمامة والأول أصح ، وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان وبهذا السبب تطرق أبو سفيان إلى بيع دار بني جحش إذ كانت بنته فيهم . مات أبو أحمد بعد أخته زينب أم المؤمنين في خلافة عمر . وقوله لأبي سفيان طوقتها طوق الحمامه منتزع من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من غصب شبرا من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين وقال طوق الحمامه لأن طوقها لا يفارقها ولا تلقيه عن نفسها أبدا ، كما يفعل من لبس طوقا من الآدميين ففي هذا البيت من السمانة وحلاوة الإشارة وملاحة الاستعارة ما لا مزيد عليه وفي قوله طوق الحمامة رد على من تأول قوله عليه السلام طوقه من سبع أرضين أنه من الطاقة لا من الطوق في العنق وقاله الخطابي في أحد قوليه مع أن البخاري قد رواه فقال في بعض روايته له خسف به إلى سبع أرضين وفي مسند ابن أبي شيبة : من غصب شبرا من أرض جاء به إسطاما في عنقه والأسطام كالحلق من الحديد وسطام السيف حده .

الخطبة الأولى وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع . ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضل عليك ؟ فما قدمت لنفسك ؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ________________________________________ الخطبة فصل وذكر خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيها يقول الله عز وجل لعبده ألم أوتك مالا وأفضل عليك ، فماذا قدمت وفي غير هذا الكتاب زيادة وهي ألم أوتك مالا ، وجعلتك تربع وتدسع ؟ وفسره ابن الأنباري فقال هو مثل وأصله أن الرئيس من العرب كان يربع قومه أي يأخذ المرباع إذا غزا ويدسع أي يعطي ويدفع من المال لمن شاء ومنه قولهم فلان ضخم الدسيعة .

الخطبة الثانية قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى ، فقال إن الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى ، قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا ، ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد الصالح الحديث ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم ________________________________________

الحب وذكر خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية وفيها : أحبوا الله من كل قلوبكم يريد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله وإضافة الحب إلى الله تعالى من عبده مجاز حسن لأن حقيقة المحبة إرادة يقارنها استدعاء للمحبوب إما بالطبع وإما بالشرع وقد كشفنا معناها بغاية البيان في شرح قوله عليه السلام إن الله [ تعالى ] جميل يحب الجمال ونبهنا هنالك على تقصير أبي المعالي رحمه الله في شرح المحبة في كتاب الإرادة من كتاب الشامل فلتنظر هنالك .

من شرح الخطبة وقوله عليه السلام لا تملوا كلام الله وذكره فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي . الهاء في قوله فإنه لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله سبحانه ولكنها ضمير الأمر والحديث فكأنه قال إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار فالأعمال إذا كلها من خلق الله قد اختار منها ما شاء قال سبحانه وربك يخلق ما يشاء ويختار [ القصص 68 ] ، وقوله قد سماه خيرته من الأعمال يعني : الذكر وتلاوة القرآن لقوله سبحانه ويختار فقد اختاره من الأعمال . وقوله والمصطفى من عباده أي وسمي المصطفى من عباده بقوله الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [ الحج : 75 ] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم فلا تكون من على هذا للتبعيض إنما تكون لابتداء الغاية لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم . والتأويل الأول أقرب مأخذا والله أعلم بما أراد رسوله . وقوله في أول الخطبة إن الحمد لله أحمده هكذا برفع الدال من قوله الحمد لله وجدته مقيدا مصححا عليه وإعرابه ليس على الحكاية ولكن على إضمار الأمر كأنه قال إن الأمر الذي أذكره وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله الحمد لله وليس تقديم إن في اللفظ من باب تقديم الأسماء لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به والله أعلم . وكانت خطبته في تلك الأيام على جذع فلما صنع له المنبر من طرفاء الغابة ، وصنعه له عبد لامرأة من الأنصار اسمه باقوم خار الجذع خوار الناقة الخلوج حتى نزل عليه السلام فالتزمه وقال لو لم ألتزمه ما زال يخور إلى يوم القيامة ثم دفنه وإنما دفنه لأنه قد صار حكمه حكم المؤمن لحبه وحنينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ينظر إلى قوله تعالى : كشجرة طيبة [ إبراهيم 24 ] الآية وإلى قوله عليه السلام في النخلة مثلها كمثل المؤمن وحديث خوار الجذع وحنينه منقول نقل التواتر لكثرة من شاهد خواره من الخلق وكلهم نقل ذلك أو سمعه من غيره فلم ينكره .

كتاب الموادعة لليهود قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم نفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل . قال ابن هشام : المفرح المثقل بالدين والكثير العيال . قال الشاعر إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة و تحمل أخرى أ فرحتك الودائع

وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال . في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا ، وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ، ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وإن البر دون الإثم وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإن بطانة يهود كأنفسهم وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وإنه لا ينحجز على ثأر جرح وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا ، وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم وإنه لم يأثم امرئ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وإنه لا يجار حرمة إلا بإذن أهلها ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها ، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصلحونه ويلبسونه وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة  

قال ابن هشام : ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة . قال ابن إسحاق : وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ________________________________________

كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين اليهود شرط لهم فيه وشرط عليهم وأمنهم فيه على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وكانت أرض يثرب لهم قبل نزول الأنصار بها ، فلما كان سيل العرم ، وتفرقت سبأ نزلت الأوس والخزرج بأمر طريفة الكاهنة وأمر عمران بن عامر فإنه كان كاهنا أيضا وبما سجعت به لكل قبيلة من سبأ ، فسجعت لبني حارثة بن ثعلبة . وهم الأوس والخزرج أن ينزلوا يثرب ذات النخل فنزلوها على يهود وحالفوهم وأقاموا معهم فكانت الدار واحدة . متى دخل اليهود يثرب ؟ والسبب في كون اليهود بالمدينة وهي وسط أرض العرب مع أن اليهود أصلهم من أرض كنعان أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق من أرض الحجاز ، وكانت منازلهم يثرب والجحفة إلى مكة ، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى ، فوجه إليهم جيشا ، وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدا ، ففعلوا وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلاما حسنا ، فرقوا له ويقال للملك الأرقم بن أبي الأرقم فيما ذكر الزبير ثم رجعوا إلى الشام وموسى قد مات فقالت بنو إسرائيل لهم قد عصيتم وخالفتم فلا نئويكم فقالوا : نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها ، فرجعوا إلى يثرب ، فاستوطنوها وتناسلوا بها إلى أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم . هذا معنى ما ذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الكبير المعروف بكتاب الأغاني ، وإن كان الزبير قد ذكره أيضا في أخبار المدينة ، ولا أحسب هذا صحيحا لبعد عمر موسى عليه السلام والذي قال غيره إن طائفة من بني إسرائيل لحقت بأرض الحجاز حين دوخ بخت نصر البابلي في بلادهم وجاس خلال ديارهم فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز كقريظة والنضير وسكنوا خيبر والمدينة ، وهذا معنى ما ذكر الطبري والله أعلم .

اسم يثرب وأما يثرب فاسم رجل نزل بها أول من العماليق فعرفت باسمه وهو يثرب بن قاين بن عبيل بن مهلايل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم ، وفي بعض هذه الأسماء اختلاف وبنو عبيل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول وبذلك سميت الجحفة ، فلما احتلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره لها هذا الاسم أعني : يثرب لما فيه من لفظ التثريب وسماها طيبة والمدينة . فإن قلت : وكيف كره اسما ذكرها الله في القرآن به وهو المقتدي بكتاب الله وأهل أن لا يعدل عن تسمية الله ؟ قلنا : إن الله - سبحانه - إنما ذكرها بهذا الاسم حاكيا عن المنافقين إذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم [ الأحزاب : 13 ] فنبهه بما حكى عنهم أنهم قد رغبوا عن اسم سماها الله به ورسوله وأبوا إلا ما كانوا عليه في جاهليتهم والله سبحانه قد سماها : المدينة ، فقال غير حاك عن أحد : ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله [ التوبة 120 ] ، وفي الخبر عن كعب الأحبار قال إنا نجد في التوراة يقول الله للمدينة يا طابة يا طيبة يا مسكينة لا تقبلي الكنوز أرفع أجاجيرك على أجاجير القرى وقد روي هذا الحديث عن علي بن أبي طالب يرفعه وروي أيضا أن لها في التوراة أحد عشر اسما : المدينة وطابة وطيبة والمسكينة والجابرة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة وروي في معنى قوله وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق [ الإسراء 80 ] أنها المدينة ، وأن مخرج صدق مكة و سلطانا نصيرا الأنصار .

تفسير على ربعاتهم وفي الكتاب بنو فلان على ربعاتهم . هكذا رواه أبو عبيد عن ابن بكير عن عقيل بن خالد [ من عقيل الأبلي ] عن الزهري ورواه عن عبد الله بن صالح بهذا الإسناد فقال رباعتهم . الألف بعد الباء ثم قال أبو عبيد : يقال فلان على رباعه قومه إذا كان نقيبهم ووافدهم . قال المؤلف وكسر الراء فيه القياس على هذا المعنى ، لأنها ولاية وإن جعل الرباعة مصدرا فالقياس فتح الراء أي على شأنهم وعادتهم من أحكام الديات والدماء يتعاقلون معاقلهم الأولى : جمع : معقلة ومعقلة من العقل وهو الدية .

من كلمات الكتاب وقال في الكتاب وألا يترك مفرح وفسره ابن هشام كما فسره أبو عبيد أنه الذي أثقله الدين وأنشد البيت الذي أنشده أبو عبيد : إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة و تحمل أخرى أفرحتك الودائع أي أثقلتك يجوز أن يكون من أفعال السلب أي سلبتك الفرح كما قيل أقسط الرجل إذا عدل أي أزال القسط وهو الاعوجاج ويجوز أن تكون الفاء مبدلة من باء فيكون من البرح وهو الشدة تقول لقيت من فلان برحا أي شدة وذكر أبو عبيد رواية أخرى مفرج بالجيم وذكر في معناه أقوالا ، منها أنه الذي لا ديوان له ومنها : أنه القتيل بين القريتين لا يدرى من قتله ومنها أنه في معنى المقرح بالحاء أي الذي لا شيء له وقد أثقله الدين أو نحو هذا فيقضى عنه من بيت المال . وفيه ولا يوتغ إلا نفسه أي لا يوبق ويهلك إلا نفسه يقال وتغ الرجل وأوتغه غيره قاله أبو عبيد . ومعنى قوله يبيء هو من البواء أي المساواة ومنه قول مهلهل حين قتل ابنا للحارث بن عباد بؤبشسع نعل كليب . وقوله إن البر دون الإثم أي إن البر والوفاء ينبغي أن يكون حاجزا عن الإثم . وقوله وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره أي إن الله وحزبه المؤمنين على الرضى به وقال أبو عبيد في كتاب الأموال إنما كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتاب قبل أن تفرض الجزية وإذ كان الإسلام ضعيفا . قال وكان لليهود إذ ذاك نصيب في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين كما شرط عليهم في هذا الكتاب النفقة معهم في الحروب .

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قال ابن إسحاق : وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال - فيما بلغنا ، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال هذا أخي فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين وكان حمزة بن عبد المطلب ، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل ، أخو بني سلمة أخوين . قال ابن هشام : وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة . قال ابن إسحاق : وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن أبي قحافة وخارجة بن زهير ، أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعتبان بن مالك ، أخو بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله وسعد بن معاذ بن النعمان ، أخو بني عبد الأشهل ، أخوين . وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن الربيع ، أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين . والزبير بن العوام ، وسلامة بن سلامة بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين . ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود ، حليف بني زهرة أخوين وعثمان بن عفان ، وأوس بن ثابت بن المنذر أخو بني النجار أخوين وطلحة بن عبيد الله ، وكعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، أخوين . وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي بن كعب ، أخو بني النجار : أخوين ومصعب بن عمير بن هاشم ، وأبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار أخوين وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن وقش ، أخو بني عبد الأشهل أخوين . وعمار بن ياسر ، حليف بني مخزوم وحذيفة بن اليمان ، أخو بني عبد عبس حليف بني عبد الأشهل أخوين ويقال ثابت بن قيس بن الشماس أخو بلحارث بن الخزرج ، خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بن ياسر : أخوين . وأبو ذر وهو برير بن جنادة الغفاري والمنذر بن عمرو ، المعنق ليموت أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج : أخوين . قال ابن هشام : وسمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة . قال ابن إسحاق : وكان حاطب بن أبي بلتعة ، حليف بني أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف أخوين وسلمان الفارسي ، وأبو الدرداء ، عويمر بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين . قال ابن هشام : عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد . قال ابن إسحاق : وبلال ، مولى أبي بكر رضي الله عنهما ، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ، ثم أحد الفزع أخوين . فهؤلاء من سمي لنا ، ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه .

بلال يوصي بديوانه لأبي رويحة فلما دون عمر بن الخطاب الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج إلى الشام ، فأقام بها مجاهدا ، فقال عمر لبلال إلى من تجعل ديوانك يا بلال ؟ قال مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا ، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني ، فضم إليه وضم ديوان الحبشة إلى خثعم ، لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام . أبو أمامة قال ابن إسحاق : وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة ، والمسجد يبنى ، أخذته الذبحة أو الشهقة . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقو العرب يقولون لو كان نبيا لم يمت صاحبه ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا " . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري : أنه لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة ، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو أمامة نقيبهم فقالوا له يا رسول الله إن هذا قد كان منا حيث قد علمت ، فاجعل منا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم " أنتم أخوالي ، وأنا بما فيكم ، وأنا نقيبكم " وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض . فكان من فضل بني النجار الذي يعدون على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم . ________________________________________ المؤاخاة بين الصحابة فصل المؤاخاة بين الصحابة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه حين نزلوا المدينة ، ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [ الأنفال 75 ] أعني في الميراث ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة فقال إنما المؤمنون إخوة يعني في التواد وشمول الدعوة . وذكر مؤاخاته بين أبي ذر والسنذر بن عمرو ، وقد ذكرنا إنكار الواقدي لذلك في آخر حديث بيعة العقبة .

نسب أبي الدرداء فصل وذكر مؤاخاة سلمان وأبي الدرداء وأبو الدرداء اسمه عويمر بن عامر وقيل عويمر بن زيد بن ثعلبة وقيل عويمر بن مالك بن ثعلبة بن عمرو بن قيس بن أمية من بلحارث بن الخزرج ، أمه تحبة بنت وقد بن عمرو بن الإطنابة وامرأته أم الدرداء اسمها : خيرة بنت أبي حدرد وأم الدرداء الصغرى ، اسمها : جمانة مات أبو الدرداء بدمشق سنة اثنين وثلاثين وقيل سنة أربع وثلاثين .

نسب الفزع فصل وذكر مؤاخاة أبي رويحة وبلال وسماه عبد الله بن عبد الرحمن ، وقال هو أحد الفزع لم يبينه بأكثر من هذا ، والفزع عند أهل النسب هو ابن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وأفتل هو خثعم . وقد تقدم في أول الكتاب لم سمي خثعما وهو ابن أنمار ، وقد تقدم خلاف النسابين فيما بعد أنمار . والفزع هذا بفتح الزاي وأما الفزع بسكونها ، فهو الفزع بن عبد الله بن ربيعة [ بن جندل ] ، وكذلك الفزع في خزاعة ، وفي كلب هما ساكنان أيضا قاله ابن حبيب وقال الدارقطني : الفزع بفتح الزاي رجل يروي عن ابن عمر . وذكر آخر في الرواة أيضا بفتح الزاي يروي حديثا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لأبي رويحة الخثعمي لواء عام الفتح وأمره أن ينادي " من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن " .


مؤاخاة حاطب بن أبي بلتعة فصل وذكر مؤاخاة حاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة وقال في حاطب حليف بني أسد ، وقال غيره كان عبدا لعبيد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى ، وقيل كان من مذحج ، والأشهر أنه من لخم بن عدي واسم أبي بلتعة عمرو بن أشد بن معاذ . والبلتعة من قولهم تبلتع الرجل إذا تظرف قاله أبو عبيد في الغريب المصنف .

خبر الأذان قال ابن إسحاق : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهرهم وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها ، بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقا كبوق يهود الذين يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة

رؤيا عبد الله بن زيد فبينما هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج ، النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس ؟ قال وما تصنع به ؟ قال قلت : ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قال قلت : وما هو ؟ قال تقول الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها ، فإنه أندى صوتا منك . فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب ، وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلله الحمد على ذلك " . رؤيا عمر في الأذان قال ابن إسحاق : حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه قال ابن هشام : وذكر ابن جريج ، قال قال لي عطاء سمعت عبيد بن عمير الليثي يقول

ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة . فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى ، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي  . 

ما كان يقوله بلال في الفجر قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن امرأة من بني النجار قالت كان بيتي من أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر فإذا رآه تمطى ، ثم قال اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا على دينك . قالت والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة . ________________________________________ بدء الأذان ذكر حديث عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ، هكذا ذكره وأكثر النساب يقولون زيد بن عبد ربه وثعلبة أخو زيد ذكر حديثه عندما شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأذان فقال بعضهم ناقوس كناقوس النصارى ، وقال بعضهم بوق كبوق اليهود ، وفي غير السيرة أنهم ذكروا الشبور وهو البوق . قال الأصمعي للمفضل وقد نازعه في معنى بيت من الشعر فرفع المفضل صوته فقال الأصمعي لو نفخت في الشبور ما نفعك ، تكلم كلام النمل وأصب وذكروا أيضا القنع وهو القرن وقال بعضهم هو تصحيف إنما هو القبع والقنع أولى بالصواب لأنه من أقنع صوته إذا رفعه وقال بعضهم بل نوقد نارا ، ونرفعها ، فإذا رآها الناس أقبلوا إلى الصلاة وقال بعضهم بل نبعث رجلا ينادي بالصلاة فبينما هم في ذلك أري عبد الله بن زيد الرويا التي ذكر ابن إسحاق ، فلما أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يلقيها على بلال ، قال يا رسول الله أنا رأيتها ، وأنا كنت أحبها لنفسي ، فقال " ليؤذن بلال " ، ولتقم أنت ففي هذا من الفقه جواز أن يؤذن الرجل ويقيم غيره وهو معارض لحديث زياد بن عبد الله الصدئي حين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم " من أذن فهو أحق أن يقيم " ، في حديث طويل إلا أنه يدور على عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وهو ضعيف والأول أصح منه . قال أبو داود : وتزعم الأنصار أن عبد الله بن زيد حين رأى النداء كان مريضا ، ولولا ذلك لأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان وقد تكلمت العلماء في الحكمة التي خصت الأذان بأن رآه رجل من المسلمين في نومه ولم يكن عن وحي من الله لنبيه كسائر العبادات والأحكام الشرعية وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له " إنها لرؤيا حق " ، ثم بنى حكم الأذان عليها ، وهل كان ذلك عن وحي من الله له أم لا ؟ وليس في الحديث دليل على أن قوله ذلك كان عن وحي وتكلموا : لم لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل أذن قط مرة من عمره دهره أم لا ؟ . فأما الحكمة في تخصيص الأذان برؤى رجل من المسلمين ولم يكن عن وحي فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أريه ليلة الإسراء وأسمعه مشاهدة فوق سبع سموات وهذا أقوى من الوحي فلما تأخر فرض الأذان إلى المدينة ، وأرادوا إعلام الناس بوقت الصلاة تلبث الوحي حتى رأى عبد الله الرؤيا ، فوافقت ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك قال

إنها لرؤيا حق إن شاء الله  ، وعلم حينئذ أن مراد الحق بما رآه في السماء أن يكون سنة في الأرض وقوى ذلك عنده موافقة رؤيا عمر للأنصاري مع أن السكينة تنطق على لسان عمر واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين لما فيه من التنويه من الله لعبده والرفع لذكره فلأن يكون ذلك على غير لسانه أنوه به وأفخم لشأنه وهذا معنى بين فإن الله سبحانه يقول   ورفعنا لك ذكرك   [ الشرح 4 ] فمن رفع ذكره أن أشاد به على لسان غيره . فإن قيل ومن روى أنه أري النداء من فوق سبع سموات قلنا : هو في مسند أبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار . 

حدثنا أبو بكر محمد بن طاهر الإشبيلي سماعا وإجازة عن أبي علي الغساني عن أبي عمر النمري بإسناده إلى البزار ، قال البزار : نا محمد بن عثمان بن مخلد نا أبي عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بدابة يقال لها البراق فذهب يركبها ، فاستصعبت فقال لها جبريل : اسكني فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد - صلى الله عليه وسلم - قال فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن - تبارك وتعالى - قال فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا جبريل من هذا " ؟ فقال والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا ، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه فقال " الملك الله أكبر الله أكبر " ، قال فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر ثم قال الملك أشهد أن لا إله إلا الله ، قال فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا ، قال فقال الملك أشهد أن محمدا رسول الله . قال فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أرسلت محمدا ، قال الملك حي على الصلاة حي على الفلاح ثم قال الملك الله أكبر الله أكبر ، قال فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي أنا لا إله إلا أنا ، قال ثم أخذ الملك بيد محمد - صلى الله عليه وسلم - فقدمه فأم أهل السماء فيهم آدم ونوح قال أبو جعفر محمد بن علي : يومئذ أكمل الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الشرف على أهل السموات والأرض . قال المؤلف وأخلق بهذا الحديث أن يكون صحيحا لما يعضده ويشاكله من أحاديث الإسراء فبمجموعها يحصل أن معاني الصلاة كلها وأكثرها ، قد جمعها ذلك الحديث أعني الإسراء لأن الله - سبحانه - رفع الصلاة التي هي مناجاة عن أن تفرض في الأرض لكن بالحضرة المقدسة المطهرة وعند الكعبة العليا ، وهي البيت المعمور ، وقد ذكرنا طرفا من هذا الغرض ونبذا من هذا المقصد في شرح حديث الإسراء وينضاف إليها في هذا الحديث ذكر الأذان الذي تضمنه حديث البزار مع ما روي أيضا أنه مر وهو على البراق بملائكة قيام وملائكة ركوع وملائكة سجود وملائكة جلوس والكل يصلون لله فجمعت له هذه الأحوال في صلاته وحين مثل بالمقام الأعلى ، ودنا فتدلى ألهم أن يقول التحيات لله إلى قوله الصلوات لله فقالت الملائكة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقالت الملائكة أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله فجمع ذلك له في تشهده . وانظر بقلبك كيف شرع له عليه السلام ولأمته أن يقولوا تسع مرات في اليوم والليلة في تسع جلسات في الصلوات الخمس بعد ذكر التحيات السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين فيحيون ويحيون تحية من عند الله مباركة طيبة ، ومن قوله السلام علينا كما قيل لهم فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله ومن ثم قال الطيبات المباركات كما في رواية ابن عباس في التشهد انظر إلى هذا كله كيف حيا وحيي تسع مرات حيته ملائكة كل سماء وحياهم ثم ملائكة الكرسي ثم ملائكة العرش فهذه تسع فجعل التشهد في الصلوات على عدد تلك المرات التي سلم فيها وسلم عليه وكلها تحيات لله أي من عند الله مباركة طيبة ، هذا إلى نكت ذكرناها في شرح سبحان الله وبحمده فإذا جمعت بعض ما ذكرناه إلى بعض عرفت جملة من أسرار الصلاة وفوائدها الجلية دون الخفية وأما بقية أسرارها وما تضمنته أحاديث الإسراء من أنوارها ، وما في الأذان من لطائف المعاني والحكم في افتتاحه بالتكبير وختمه بالتكبير مع التكرار وقول لا إله إلا الله في آخره وأشهد أن لا إله إلا الله في أوله وما تحت هذا كله من الحكم الإلهية التي تملأ الصدور هيبة وتنور القلوب بنور المحبة وكذلك ما تضمنته الصلاة في شفعها ووترها والتكبير في أركانها ، ورفع اليدين في افتتاحها ، وتخصيص البقعة المكرمة بالتوجه إليها ، مع فوائد الوضوء من الأحداث لها ، فإن في ذلك كله من فوائد الحكمة ولطائف المعرفة ما يزيد في ثلج الصدور ويكحل عين البصيرة بالضياء والنور ونعوذ بالله أن ننزع في ذلك بمنزع فلسفي أو مقالة بدعي أو رأي مجرد من دليل شرعي ولكن بتلويحات من الشريعة وإشارات من الكتاب والسنة يعضد بعضها بعضا ، وينادي بعضها بتصديق بعض { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [ النساء 82 ] . لكن أضربنا في هذا الكتاب عن بث هذه الأسرار فإن ذلك يخرج عن الغرض المقصود ويشغل عما صمدنا إليه في أول الكتاب ووعدنا به الناظر فيه من شرح لغات وأنساب وآداب والله المستعان . وقد عرفت رؤيا عبد الله بن زيد وكيفيتها برواية ابن إسحاق وغيره ولم تعرف كيفية رؤيا عمر حين أري النداء وقد قال قد رأيت مثل الذي رأى ، لكن في مسند الحارث بيان لها . روى الحارث [ بن أبي أسامة ] في مسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " أول من أذن بالصلاة جبريل أذن بها في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بها ، فقال عليه السلام لبلال " سبقك بها عمر " ، وذكر باقي الحديث . وظاهر هذا الحديث أن عمر سمع ذلك في اليقظة وكذلك رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان رآها ، وهو بين النائم واليقظان قال ولو شئت لقلت : كنت يقظانا . فصل وأما قول السائل هل أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه قط ، فقد روى الترمذي من طريق يدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم فنزع بعض الناس بهذا الحديث إلى أنه أذن بنفسه وأسنده الدارقطني بإسناد الترمذي إلا أنه لم يذكر عمر بن الرماح ، ووافقه فيما بعده من إسناد ومتن لكنه قال فيه فقام المؤذن فأذن ولم يقل أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمتصل يقضي على المجمل المحتمل والله أعلم . قال ابن إسحاق : فلما اطمأنت برسول الله صلى الله عليه وسلم داره وأظهر الله بها دينه وسره بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس ، أخو بني عدي بن النجار . قال ابن هشام : أبو قيس صرمة بن أبي أنس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار قال ابن إسحاق : وكان رجلا قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء وهم بالنصرانية ، ثم أمسك عنها ، ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا تدخله عليه فيه طامث ولا جنب وقال أعبد رب إبراهيم حين فارق الأوثان وكرهها ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلم وحسن إسلامه وهو شيخ كبير وكان قوالا لله عز وجل في جاهليته يقول أشعارا في ذلك حسانا - وهو الذي يقول

      يقول أبو قيس و أصبح غاديا           ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا
فأوصيكم بالله و البر و التقى           و أعراضكم و البر بالله أول
    و إن قومكم سادوا فلا تحسدوهم       و إن كنتم على الرياسة فاعدلوا
   و إن نزلت إحدى الدواهي بقومكم      فأنفسكم دون العشيرة فاجعلوا
        و إن تاب غرم فادح فارفقوهم          و ما حملوكم في الملمات فاحملوا
            و إن أنتم أمعرتم فتعففوا                 و إن كان فضل الخير فيكم فأفضلوا

قال ابن هشام : ويروى : و إن ناب أمر فادح فاردفوهم

حديث صرمة بن أبي أنس واسم أبي أنس قيس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عمرو بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري وهو الذي أنزل الله فيه وفي عمر رضي الله عنهما : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم [البقرة 187 ] إلى قوله وعفا عنكم فهذه في عمر ثم قال وكلوا واشربوا إلى آخر الآية فهذه في صرمة بن أبي أنس وذلك أن إتيان النساء ليلا في رمضان كان محرما عليهم في أول الإسلام بعد النوم وكذلك الأكل والشرب كان محرما عليهم بعد النوم فأما عمر فأراد امرأته ذات ليلة فقالت له إني قد نمت ، فقال كذبت ثم وقع عليها ، وأما صرمة فإنه عمل في حائطه وهو صائم فجاء الليل وقد جهده الكلال فغلبته عينه قبل أن يفطر فجاءته امرأته بطعام كانت قد صنعته له فوجدته قد نام فقالت له الخيبة لك حرم عليك الطعام والشراب فبات صائما ، وأصبح إلى حائطه يعمل فيه فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طليح قد جهده العطش مع ما به من الجوع والنصب فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بقصته فرق عليه السلام ودمعت عيناه فأنزل الله تعالى الرخصة وجاء بالفرج بدأ بقصة عمر لفضله فقال فالآن باشروهن ثم بصرمة فقال وكلوا واشربوا قال بعض أشياخ الصوفية هذه العناية من الله أخطأ عمر خطيئة فرحمت الأمة بسببها . من شرح شعره وذكر من شعر صرمة فأوصيكم بالله و البر و التقى و أعراضكم و البر بالله أول برفع البر على الابتداء وأول خبر له وقد يحتمل في الظاهر أن يكون ظرفا في موضع الخبر ، ولكن لا يجوز ذلك في هذه الظروف المبنية على الضم أن تكون خبر المبتدإ لا تقول الصلاة قبل إلا أن تقول قبل كذا ، ولا الخروج بعد إلا أن تقول بعد كذا ، وذلك لسر دقيق قد حوم عليهما ابن جني فلم يصب المفصل والذي منع من ذلك أن هذه الغايات إنما تعمل فيها الأفعال الملفوظ بها لأنها غايات لأفعال متقدمة فإذا لم تأت بفعل يعمل فيها ، لم تكن غاية لشيء مذكور وصار العامل فيها معنويا ، وهو الاستقرار وهي مضافة في المعنى إلى شيء والشيء المضاف إليه معنوي ، لا لفظي ، فلا يدل العامل المعنوي على معنوي آخر إنما يدل عليه الظاهر اللفظي ، فتأمله فالضمة في أول على هذا حركة إعراب لا حركة بناء ولو قال ابدأ بالبر أول لكانت حركة بناء لكن من رواه والبر بالله أول بخفض الراء من البر فأول حينئذ ظرف مبني على الضم يعمل فيه أوصيكم . وفيه و إن أنتم أمعرتم فتعففوا الإمعار الفقر . قال ابن إسحاق : وقال أبو قيس صرمة أيضا طلعت شمسه وكل هلال سبحوا الله شرق كل صباح ليس ما قال ربنا بضلال عالم السر والبيان لدينا في وكور من آمنات الجبال وله الطير تستريد وتأوي في حقاف وفي ظلال الرمال وله الوحش بالفلاة تراها كل دين إذا ذكرت عضال وله هودت يهود ودانت كل عيد لربهم واحتفال وله شمس النصارى وقاموا رهن بؤس وكان ناعم بال وله الراهب الحبيس تراه وصلوها قصيرة من طوال يا بني الأرحام لا تقطعوها ربما يستحل غير الحلال واتقوا الله في ضعاف اليتامى عالما يهتدي بغير السؤال واعلموا أن لليتيم وليا إن مال اليتيم يرعاه والي ثم مال اليتيم لا تأكلوه إن خزل التخوم ذو عقال يا بني التخوم لا تخزلوها واحذروا مكرها ومر الليالي يا بني الأيام لا تأمنوها ق ما كان من جديد وبالي واعلموا أن مرها لنفاد الخل وى وترك الخنا وأخذ الحلال واجمعوا أمركم على البر والتق ________________________________________ ومن شعره سبحوا الله شرق كل صباح طلعت شمسه و كل هلال الشرق طلوع الشمس وهو من أسمائها أيضا ، وكذلك الشرق بفتح الراء وكل هلال بالنصب على الظرف أي وقت كل هلال ولو قلت في مثل هذا : وكل قمر على الظرف لم يجز لأن الهلال قد أجري مجرى المصادر في قولهم الليلة الهلال فلذلك صح أن يكون ظرفا لأن المصادر قد تكون ظروفا لمعان وأسرار ليس هذا موضعا لذكرها ، ولو خفضت وكل هلال عطفا على صباح لم يجز لأن الشرق لا يضاف إلى الهلال كما يضاف إلى الصباح . وفيه و له شمس النصارى ......... يعني دين الشمامسة وهم الرهبان لأنهم يشمسون أنفسهم يريدون تعذيب النفوس بذلك في زعمهم وفيه يا بني الأرحام لا تقطعوها بنصب الأرحام وهو أجود من الرفع في هذا الموضع للنهي . وقوله وصلوها قصيرة من طوال وقد أملينا فيها في غير هذا الكتاب ما نعيده هاهنا بحول الله وأملينا أيضا في معنى الرحم واشتقاق الأم لإضافة الرحم إليها ، ووضعها فيه عند خلق آدم وحواء ، وكون الأم أعظم حظا في البر من الأب مع أنها في الميراث دونه أسرارا بديعة ومعاني لطيفة أودعناها كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية فلتنظر هنالك . وأما قوله قصيرة من طوال فيحتمل تأويلين أحدهما : أن يريد صلوا قصرها من طولكم أي كونوا أنتم طوالا بالصلة والبر إن قصرت هي وفي الحديث أنه قال لأزواجه أسرعكن لحوقا بي : أطولكن يدا فاجتمعن يتطاولن فطالتهن سودة فماتت زينب أولهن أراد الطول بالصدقة والبر فكانت تلك صفة زينب بنت جحش . والتأويل الآخر أن يريد مدحا لقومه بأن أرحامهم قصيرة النسب ولكنها من قوم طوال كما قال أحب من النسوان كل طويلة لها نسب في الصالحين قصير وقال الطائي : أنتم بنو النسب القصير و طولكم باد على الكرباء و الأشراف والنسب القصير أن يقول أنا ابن فلان فيعرف وتلك صفة الأشراف ومن ليس بشريف لا يعرف حتى يأتي بنسبة طويلة يبلغ بها رأس القبيلة . وقد قال رؤبة قال لي النسابة من أنت انتسب فقلت : رؤبة بن العجاج ، فقال قصرت وعرفت . وقوله إن خزل التخوم ذو عقال التخوم جمع : تخومة ومن قال تخم في الواحد قال في الجمع تخوم بضم التاء وأراد بها الأرف [ أو الأرث ] وهي الحدود وقال أبو حنيفة التخوم والتخوم حدود البلاد والقرى ، ولم يذكر في حدود الأحقال الأرف . والعقال . ما يمنع الرجل من المشي ويعقلها يريد أن الظلم يخلف صاحبه ويعقله عن السباق ويحبسه في مضايق الاحتقاق . وقال أبو قيس صرمة أيضا ، يذكر ما أكرمهم الله تبارك وتعالى به من الإسلام وما خصهم الله به من نزول رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم يذكر لو يلقى صديقا مواتيا ثوى في قريش بضع عشرة حجة فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا ويعرض في أهل المواسم نفسه فأصبح مسرورا بطيبة راضيا فلما أتانا أظهر الله دينه وكان له عونا من الله باديا وألفى صديقا واطمأنت به النوى وما قال موسى إذ أجاب المناديا يقص لنا ما قال نوح لقومه قريبا ولا يخشى من الناس نائيا فأصبح لا يخشى من الناس واحدا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا بذلنا له الأموال من حل مالنا ونعلم أن الله أفضل هاديا ونعلم أن الله لا شيء غيره جميعا وإن كان الحبيب المصافيا نعادي الذي عادى من الناس كلهم تباركت قد أكثرت لاسمك داعيا أقول إذا أدعوك في كل بيعة حنانيك لا تظهر علي الأعاديا أقول إذا جاوزت أرضا مخوفة وإنك لا تبقي لنفسك باقيا فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة إذا هو لم يجعل له الله واقيا فوالله ما يدري الفتى كيف يتقي إذا أصبحت ربا وأصبح ثاويا ولا تحفل النخل المعيمة ربها قال ابن هشام : البيت الذي أوله فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة والبيت الذي يليه فوالله ما يدري الفتى كيف يتقي لأفنون التغلبي وهو صريم بن معشر في أبيات له ________________________________________ وذكر قصيدته اليائية وقال فيها : فطأ معرضا . البيت قال ابن هشام : هو لأفنون التغلبي واسمه صريم بن معشر [ بن ذهل بن تيم بن عمرو بن عمرو بن مالك بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ] . قال المؤلف وسمي أفنونا في قول ابن دريد لبيت قاله فيه أو نحو هذا اللفظ . والأفنون الغصن الناعم والأفنون أيضا العجوز الفانية وأفنون هو الذي يقول لو أنني كنت من عاد و من إرم غذي بها و لقمان و ذي جدن

    لما وقوا بأخيهم من مهولة                   أخا السكون و لا جاروا عن السنون
   أنى جزوا عامر سوءى بفعله              أم كيف يجزونني السوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به           رئمان أنف أنف إذا ما ضن باللبن

وقول ابن هشام في البيتين فطأ معرضا والذي بعده أنهما لأفنون التغلبي مذكور عند أهل الأخبار ولها سبب ذكروا أن أفنونا خرج في ركب فمروا بربوة تعرف بالإلهة وكان الكاهن قبل ذلك قد حدثه أنه يموت بها ، فمر بها في ذلك الركب فلما أشرفوا عليها وأعلم باسمها ، كره المرور بها ، وأبوا أصحابه إلا أن يمروا بها ، وقالوا له لا تنزل عندها ، ولكن نجوزها سعيا ، فلما دنا منها بركت به ناقته على حية فنزل لينظر فنهشته الحية فمات فقبره هنالك وقيل في حديثه إنه مر بها ليلا ، فلم يعرف بها حتى ربض البعير الذي كان عليه وعلم أنه عند الإلهة فجزع فقيل له لا بأس عليك ، فقال فلم ربض البعير فأرسلها مثلا . ذكره يعقوب وعندما أحس بالموت قال هذين البيتين اللذين ذكر ابن إسحاق وبعدهما : كفى حزناً أن يرحل الركب غدوة و أترك في جنب الإله ثاويا

الأعداء من يهود قال ابن إسحاق : ونصبت عند ذلك أحبار يهود . لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا ، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ، ممن كان على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه فظهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر ، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجحودهم الإسلام . وكانت أحبار يهودهم الذين يسألون - رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها . من يهود بني النضير منهم حيي بن أخطب ، وأخواه أبو ياسر بن أخطب ، وجدي بن أخطب وسلام بن مشكم ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع الأعور وهو الذي قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر - والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وعمرو بن جحاش ، وكعب بن الأشرف وهو من طيئ ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف وكردم بن قيس ، حليف كعب بن الأشرف فهؤلاء من بني النضير .

من يهود بني ثعلبة ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد الله بن صوريا الأعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صلوبا ، ومخيريق ، وكان حبرهم أسلم .

من يهود بني قينقاع ومن بني قينقاع زيد بن اللصيت - ويقال ابن اللصيت - فيما قال ابن هشام - وسعد بن حنيف ، ومحمود بن سيحان ، وعزير بن أبي عزير ، وعبد الله بن صيف . قال ابن هشام : ويقال ابن ضيف . قال ابن إسحاق : وسويد بن الحارث ، ورفاعة بن قيس ، وفنحاص وأشيع ونعمان بن أضا ، وبحري بن عمرو ، وشأس بن عدي ، وشأس بن قيس ، وزيد بن الحارث ونعمان بن عمرو ، وسكين بن أبي سكين ، وعدي بن زيد ، ونعمان بن أبي أوفى ، أبو أنس ومحمود بن دحية ومالك بن صيف . قال ابن هشام : ويقال ابن ضيف . قال ابن إسحاق : وكعب بن راشد وعازر ورافع بن أبي رافع ، وخالد وأزار بن أبي أزار . قال ابن هشام : ويقال آزر بن آزر . قال ابن إسحاق : ورافع بن حارثة ، ورافع بن حريملة ، ورافع بن خارجة ، ومالك بن عوف ورفاعة بن زيد بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله . فهؤلاء من بني قينقاع .

من يهود بني قريظة ومن بني قريظة : الزبير بن باطا بن وهب وعزال بن شمويل ، وكعب بن أسد ، وهو صاحب عقد بني قريظة الذي نقض عام الأحزاب ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة ، والنحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، ووهب بن زيد ، ونافع بن أبي نافع ، وأبو نافع وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف ، وكردم بن زيد وأسامة بن حبيب ، ورافع بن رميلة وجبل بن أبي قشير ، ووهب بن يهوذا ، فهؤلاء من بني قريظة . ________________________________________ تسمية اليهود الذين نزل فيهم القرآن ذكر فيهم جدي بن أخطب بالجيم وهو أخو حيي بن أخطب ، وأما حدي بالحاء فذكره الدارقطني في نسب عتيبة بن الحارث بن شهاب بن حدي التميمي فارس العرب . وذكر عزير بن أبي عزير وألفيت بخط الحافظ أبي بحر في هذا الموضع يقول عزيز بن أبي عزيز بزايين قيدناه في الجزء قبل . وذكر ثعلبة بن الفطيون والفطيون كلمة عبرانية وهي عبارة عن كل من ولي أمر اليهود ، وملكهم كما أن النجاشي عبارة عن كل من ملك الحبشة ، وخاقان ملك الترك ، وقد تقدم من هذا الباب جملة . وذكر فيهم عبد الله بن صوريا الأعور وكان أعلمهم بالتوراة ذكر النقاش أنه أسلم لما تحقق من صفات محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة ، وأنه هو وليس في سيرة ابن إسحاق ذكر إسلامه .

من يهود بني زريق ومن يهود بني زريق : لبيد بن أعصم وهو الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه .

من يهود بني حارثة ومن يهود بني حارثة : كنانة بن صوريا .

من يهود بني عمرو ومن يهود بني عمرو بن عوف : قردم بن عمرو .

من يهود بني النجار ومن يهود بني النجار : سلسلة بن برهام . فهؤلاء أحبار اليهود ، أهل الشرور والعداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأصحاب المسألة والنصب لأمر الإسلام الشرور ليطفئوه إلا ما كان من عبد الله بن سلام ومخيريق . ________________________________________ يهود المدينة فصل وقوله ومن يهود بني زريق ، ومن يهود بني حارثة ، وذكر قبائل من الأنصار ، وإنما اليهود بنو إسرائيل ، وجملة من كان منهم بالمدينة وخيبر إنما هم [ بنو ] قريظة [ وبنو ] النضير وبنو قينقاع ، غير أن في الأوس والخزرج من قد تهود وكان من نسائهم من تنذر إذا ولدت إن عاش ولدها أن تهوده لأن اليهود عندهم كانوا أهل علم وكتاب وفي هؤلاء الأبناء الذين تهودوا نزلت لا إكراه في الدين [ البقرة 256 ] حين أراد آباؤهم إكراههم على الإسلام في أحد الأقوال . السحر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما لبيد بن الأعصم الذي ذكره من يهود بني زريق ، وقال هو الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه يعني من الأخذة وهي ضرب من السحر . في الخبر أن القاسم بن محمد ابن الحنفية ، كان مؤخذا عن مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يدخله وكان لبيد هذا قد سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم وجعل سحره في مشط ومشاطة . وروي مشاقة بالقاف وهي مشاقة الكتان وجف طلعة ذكر هي فحال النخل وهو ذكاره . والجف : غلاف للطلعة ويكون لغيرها ، ويقال للجف القيقاء وتصنع منه آنية يقال لها : التلاتل [ جمع : تلتلة ] قاله أبو حنيفة ودفنه في بئر ذي أروان ، وأكثر أهل الحديث يقولون ذوران تحت راعوفة البئر [ أو أرعوفتها ] ، وهي صخرة في أسفله يقف عليها المائح وهذا الحديث مشهور عند الناس ثابت عند أهل الحديث غير أني لم أجد في الكتب المشهورة كم لبث - رسول الله صلى الله عليه وسلم - بذلك السحر حتى شفي منه ثم وقعت على البيان في جامع معمر بن راشد . روى معمر عن الزهري ، قال سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يخيل إليه أنه يفعل الفعل وهو لا يفعله وقد طعنت المعتزلة في هذا الحديث وطوائف من أهل البدع وقالوا : لا يجوز على الأنبياء أن يسحروا ، ولو جاز أن يسحروا ، لجاز أن يجنوا . ونزع بقوله عز وجل والله يعصمك من الناس [ المائدة 67 ] والحديث ثابت خرجه أهل الصحيح ولا مطعن فيه من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن العصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم وأما أبدانهم فإنهم يبتلون فيها ، ويخلص إليهم بالجراحة والضرب والسموم والقتل والأخذة التي أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفن إنما كانت في بعض جوارحه دون بعض . أما قوله سبحانه والله يعصمك من الناس فإنه قد روي أنه كان يحرس في الغزو حتى نزلت هذه الآية فأمر حراسه أن ينصرفوا عنه وقال لا حاجة لي بكم فقد عصمني الله من الناس أو كما قال

فقه حديث السحر وأما ما فيه من الفقه فإن عائشة قالت له هلا تنشرت ، فقال أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا وهو حديث مشكل في ظاهره وإنما جاء الإشكال فيه من قبل الرواة فإنهم جعلوا جوابين لكلامين كلاما واحدا ، وذلك أن عائشة قالت له أيضا : هلا استخرجته ، أي هلا استخرجت السحر من الجف والمشاطة حتى ينظر إليه فلذلك قال وأكره أن أثير على الناس شرا ، قال ابن بطال : كره أن يخرجه . فيتعلم منه بعض الناس فذلك هو الشر الذي كرهه . قال المؤلف ويجوز أن يكون الشر غير هذا ، وذلك أن الساحر كان من بني زريق فلو أظهر سحره للناس وأراهم إياه لأوشك أن يريد طائفة من المسلمين قتله ويتعصب له آخرون من عشيرته فيثور شر كما ثار في حديث الإفك من الشر ما سيأتي بيانه . وقول عائشة هلا استخرجته هو في حديثين رواهما البخاري جميعا ، وأما جوابه لها في حديث هلا تنشرت : بقوله أما أنا فقد شفاني الله وجوابه لها حين قالت هلا استخرجته بأن قال أكره أن أثير على الناس شرا ، فلما جمع الراوي بين الجوابين في حديث واحد استغلق الكلام وإذا نظرت الأحاديث متفرقة تبينت ، وعلى هذا النحو شرح هذا الحديث ابن بطال . وأما الفقه الذي أشرنا إليه فهو إباحة النشرة من قول عائشة هلا تنشرت ، ولم ينكر عليها قولها . وذكر البخاري عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن النشرة للذي يؤخذ عن أهله فقال لا بأس لم ينه عن الصلاح إنما نهي عن الفساد ومن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ومن الناس من كره النشرة على العموم ونزع بحديث خرجه أبو داود مرفوعا : أن النشرة من عمل الشيطان وهذا - والله أعلم - في النشرة التي فيها الخواتم والعزائم وما لا يفهم من الأسماء العجمية ولولا الإطالة المخرجة لنا عن غرضنا لقدرنا الرخصة بالآثار وهذا القدر كاف والله المستعان . وكانت عقد السحر أحد عشر عقدة فأنزل الله تعالى المعوذتين أحد عشر آية فانحلت بكل آية عقدة قال تعالى : ومن شر النفاثات في العقد ولم يقل النفاثين وإنما كان الذي سحره رجلا والجواب أن الحديث قد رواه إسماعيل القاضي ، وزاد في روايته أن زينب اليهودية أعانت لبيد بن الأعصم على ذلك السحر مع أن الأخذة في الغالب من عمل النساء وكيدهن .

إسلام عبد الله بن سلام قال ابن إسحاق : وكان من حديث عبد الله بن سلام ، كما حدثني بعض أهله عنه . وعن إسلامه حين أسلم ، وكان حبرا عالما ، قال لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمتي خالدة بنة الحارث تحتي جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت ، فقالت لي عمتي ، حين سمعت تكبيري : خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت ، قال فقلت لها : أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به . قالت أي ابن أخي ، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال فقلت لها : نعم . قال فقالت فذاك إذا . قال ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، ثم رجعت إلى أهل بيتي ، فأمرتهم فأسلموا . قال وكتمت إسلامي من يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله إن يهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك ، وتغيبني عنهم ثم تسألهم عني ، حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني . قال فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه . وسألوه ثم قال لهم أي رجل الحصين بن سلام فيكم ؟ قالوا : سيدنا وابن سيدنا ، وحبرنا وعالمنا . قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومن به وأصدقه وأعرفه فقالوا : كذبت ثم وقعوا بي ، قال فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها . ________________________________________ إسلام عبد الله بن سلام سلام هو بتخفيف اللام ولا يوجد من اسمه سلام بالتخفيف في المسلمين لأن السلام من أسماء الله فيقال عبد السلام ويقال سلام بالتشديد وهو كثير وإنما سلام بالتخفيف في اليهود ، وهو والد عبد الله بن سلام منهم . ذكر فيه قول عمته خالدة أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة وهذا الكلام في معنى قوله عليه السلام إني لأجد نفس الساعة بين كتفي وفي معنى قوله نذير لكم بين يدي عذاب شديد [ سبأ : 46 ] ومن كان بين يدي طالبه فنفس الطالب بين كتفيه وكأن النفس في هذا الحديث عبارة عن الفتن المؤذنة بقيام الساعة وكان بدؤها حين ولى أمته ظهره خارجا من بين ظهرانيهم إلى الله تعالى ، ألا تراه يقول في حديث آخر وأنا أمان لأمتي ، فإذا ذهبت أتى أمتي ما يوعدون فكانت بعده الفتنة ثم الهرج المتصل بيوم القيامة ونحو من هذا قوله عليه السلام " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، يعني السبابة والوسطى ، وهو حديث يرويه أنس بن مالك ، وابن بريدة عن أبيه وجبير بن مطعم ، وجابر بن سمرة وأبو هريرة وسهل بن سعد كلهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث سهل سبقتها بما سبقت هذه هذه يعني : الوسطى والسبابة وفي بعض ألفاظ الحديث إن كادت لتسبقني . ورواه أيضا : أبو جبيرة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جئت أنا والساعة كهاتين سبقتها كما سبقت هذه هذه في نفس من الساعة أو في نفس الساعة " ، خرجها الطبري بجميع أسانيدها ، وبعضها في الصحيحين وفي بعضها زيادة على بعض . وخالدة بنت الحارث قد ذكر إسلامها ، وهي مما أغفله أبو عمر في كتاب الصحابة وقد استدركناها عليه في جملة الاستدراكات التي ألحقناها بكتابه .

حديث مخيريق قال ابن إسحاق : وكان من حديث مخيريق ، وكان حبرا عالما ، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد ، وكان يوم أحد يوم السبت ، قال يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق . قالوا : إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم . ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد - صلى الله عليه وسلم - يصنع فيها ما أراه الله . فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل . فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول " مخيريق خير يهود " . وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها ________________________________________ وذكر حديث مخيريق ، وقال فيه مخيريق خير يهود ، ومخيريق مسلم ولا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى ، ولا خير اليهود ، لأن أفعل من كذا إذا أضيف فهو بعض ما أضيف إليه . فإن قيل وكيف جاز هذا ؟ قلنا : لأنه قال خير يهود ولم يقل خير اليهود ، ويهود اسم علم كثمود يقال إنهم نسبوا إلى يهود بن يعقوب ثم عربت الذال دالا ، فإذا قلت : اليهود بالألف واللام احتمل وجهين النسب والدين الذي هو اليهودية أما النسب فعلى حد قولهم التيم في التيميين ، وأما الدين فعلى حد قولك : النصارى والمجوس أعني : أنها صفة لا أنها نسب إلى أب . وفي القرآن لفظ ثالث لا يتصور فيه إلا معنى واحد وهو الدين دون النسب وهو قوله سبحانه وقالوا كونوا هودا أو نصارى [ البقرة 135 ] . بحذف الياء ولم يقل كونوا يهود لأنه أراد التهود وهو التدين بدينهم ولو قال كونوا يهودا بالتدين لجاز أيضا على أحد الوجهين المتقدمين ولو قيل لقوم من العرب : كونوا يهود بغير تنوين . لكان محالا ، لأن تبديل النسب حقيقة محال وقد قيل في هود : جمع هائد وهو في معنى ما قلناه فلتعرف الفرق بين قولك هودا بغير ياء ويهودا بالياء والتنوين ويهود بغير تنوين فإنها تفرقة حسنة صحيحة والله أعلم ولم يسلم من أحبار يهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنان . وقد جاء في الحديث لو اتبعني عشرة من اليهود لم يبق في الأرض يهودي إلا اتبعني رواه أبو هريرة . وسمع كعب الأحبار أبا هريرة يحدث فقال له إنما الحديث اثنا عشر من اليهود ومصداق ذلك في القرآن وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا فسكت أبو هريرة . قال ابن سيرين : أبو هريرة أصدق من كعب . قال يحيى بن سلام كلاهما : ( صدق ) ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد لو اتبعني عشرة من اليهود بعد هذين اللذين قد أسلما .

شهادة عن صفية قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه . قالت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل قباء ، في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي ، حيي بن أخطب ، وعمي : أبو ياسر بن أخطب ، مغلسين . قالت فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس . قالت فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى . قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما التفت إلي واحد منهما ، مع ما بهما من الغم . قالت وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي : حيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال نعم والله قال أتعرفه وتثبته ؟ قال نعم قال فما في نفسك منه ؟ قال عداوته والله ما بقيت

من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار منافقو بني عمرو قال ابن إسحاق : وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمي لنا من المنافقين من الأوس والخزرج ، والله أعلم . من الأوس ، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ; ثم من بني لوذان بن عمرو بن عوف زوي بن الحارث . منافقو حبيب ومن بني حبيب بن عمرو بن عوف جلاس بن سويد بن الصامت ، وأخوه الحارث بن سويد .

من نفاق جلاس وجلاس الذي قال - وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر . فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - عمير بن سعد ، أحدهم وكان في حجر جلاس خلف جلاس على أمه بعد أبيه فقال له عمير بن سعد : والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدا ، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك ولئن صمت عليها ليهلكن ديني ، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى . ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال جلاس فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كذب علي عمير وما قلت ما قال عمير بن سعد . فأنزل الله عز وجل فيه يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير [ التوبة 74 ] . قال ابن هشام : الأليم الموجع . قال ذو الرمة يصف إبلا : وترفع من صدور شمردلات يصك وجوهها وهج أليم وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الخير والإسلام .

ارتداد الحارث بن سويد وغدره وأخوه الحارث بن سويد ، الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد . خرج مع المسلمين وكان منافقا ، فلما التقى الناس عدا عليهما ، فقتلهما ثم لحق بقريش . قال ابن هشام : وكان المجذر بن ذياد قتل سويد بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سويد غرة المجذر بن ذياد ليقتله بأبيه فقتله وحده وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد . قال ابن إسحاق : قتل سويد بن صامت معاذ ابن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه . فأنزل الله تبارك وتعالى فيه - فيما بلغني عن ابن عباس - كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين [ آل عمران : 86 ] إلى آخر القصة . ________________________________________ ذكر المنافقين فصل وذكر تبتلا من المنافقين قال وكان أدلم والأدلم الأسود الطويل من كل شيء . وقيل لجماعة النمل ديلم لسوادهم من كتاب العين . وذكر الحارث بن سويد ، وقتله للمجذر بن ذياد . واسم المجذر عبد الله والمجذر الغليظ الخلق . وذكر أن الله تعالى أنزل في الحارث بن سويد وارتداده كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم [ آل عمران : 86 ] فقيل إن هذه الآية مقصورة على سببها مخصوصة بمن سبق في علم الله أنه لا يهديه من كفره ولا يتوب عليه من ظلمه وإلا فالتوبة مفروضة وقد تاب قوم بعد ارتدادهم فقبلت توبتهم . وقيل ليس فيها نفي لقبول التوبة فإنه قال كيف يهدي الله ولم يقل لا يهدي الله على أنه قد قال في آخرها : والله لا يهدي القوم الظالمين وذلك يرجع إلى الخصوص كما قدمنا أو إلى معنى الهداية في الظلمة التي عند الصراط بالنور التام يوم القيامة فإن ذلك منتف عمن مات غير تائب من كفره وظلمه . والله أعلم .

منافقو بني ضبيعة ومن بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بجاد بن عثمان بن عامر .

منافقو بني لوذان ومن بني لوذان بن عمرو بن عوف نبتل بن الحارث وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني : من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان رجلا جسيما أدلم ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذي قال إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه . فأنزل الله عز وجل فيه ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [ التوبة 61 ] . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض رجال بلعجلان أنه حدث أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إنه يجلس إليك رجل أدلم ثائر شعر الرأس أسفع الخدين أحمر العينين كأنهما قدران من صفر كبده أغلظ من كبد الحمار ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره . وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث فيما يذكرون . منافقو بني ضبيعة ومن بني ضبيعة أبو حبيبة بن الأزعر وكان ممن بنى مسجد الضرار ، وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلخ القصة . ومعتب الذي قال يوم أحد : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا [ آل عمران : 154 ] إلى آخر القصة . وهو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط . فأنزل الله عز وجل فيه وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا والحارث بن حاطب .

معتب وابنا حاطب بدريون وليسوا منافقين قال ابن هشام : معتب بن قشير ، وثعلبة والحارث ابنا حاطب وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم وقد نسب ابنا إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر . قال ابن إسحاق : وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ; ويخرج وهم ممن كان بنى مسجد الضرار ، وعمرو بن خذام ، وعبد الله بن نبتل .

من بني ثعلبة ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف جارية بن عامر بن العطاف وابناه زيد ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار . وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره وكان يصلي بهم فيه ثم إنه لما أخرب المسجد وذهب رجال من بني عمرو بن عوف كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم وكان زمان عمر بن الخطاب ، كلهم في مجمع ليصلي بهم فقال لا ، أوليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار ؟ فقال لعمر يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم ولكني كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا لا قرآن معهم فقدموني أصلي بهم وما أرى أمرهم إلا على أحسن ما ذكروا فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه .



من بني أمية ومن بني أمية بن زيد بن مالك وديعة بن ثابت ، وهو ممن بنى مسجد الضرار ، وهو الذي قال إنما كنا نخوض ونلعب . فأنزل الله تبارك وتعالى : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون [ المائدة 65 ] . إلى آخر القصة .

من بني عبيد ومن بني عبيد بن زيد بن مالك خذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره وبشر ورافع ابنا زيد .

من بني النبيت ومن بني النبيت - قال ابن هشام : النبيت عمرو بن مالك بن الأوس - قال ابن إسحاق : ثم من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : مربع بن قيظي ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد : لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيا ، أن تمر في حائطي ، وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فهذا الأعمى ، أعمى القلب ، أعمى البصيرة . فضربه سعد بن زيد ، أخو بني عبد الأشهل بالقوس فشجه وأخوه أوس بن قيظي وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق : يا رسول الله إن بيوتنا عورة ، فأذن لنا فلنرجع إليها . فأنزل الله تعالى فيه يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا . قال ابن هشام : عورة أي معورة للعدو وضائعة وجمعها : عورات قال النابغة الذبياني متى تلقهم لا تلق للبيت عورة ولا الجار محروما ولا الأمر ضائعا وهذا البيت في أبيات له . والعورة ( أيضا ) : عورة الرجل وهي حرمته . والعورة ( أيضا ) السوأة - قال ابن إسحاق : ومن بني ظفر واسم ظفر كعب بن الحارث بن الخزرج حاطب بن أمية بن رافع وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات فحمل إلى دار بني ظفر . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت فجعلوا يقولون أبشر يا ابن حاطب بالجنة . قال فنجم نفاقه حينئذ فجعل يقول أبوه أجل جنة والله من حرمل . غررتم والله هذا المسكين من نفسه . قال ابن إسحاق : وبشير بن أبيرق وهو أبو طعمة سارق الدرعين الذي أنزل الله تعالى فيه ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما وقزمان : حليف لهم . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إنه لمن أهل النار . فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا حتى قتل بضعة نفر من المشركين فأثبتته الجراحات فحمل إلى دار بني ظفر ، فقال له رجال من المسلمين أبشر يا قزمان ، فقد أبليت اليوم وقد أصابك ما ترى في الله قال بماذا أبشر فوالله ما قاتلت إلا حمية عن قومي ; فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه . ________________________________________ ذكر حديث بشير بن أبيرق سارق الدرعين وذكر أن الله أنزل فيه ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم [ النساء 107 ] الآية وكان من قصة الدرعين وقصة بشير أن بني أبيرق وهم ثلاثة بشير ومبشر وبشر نقبوا مشربة أو نقبها بشير وحده على ما قال ابن إسحاق ، وكانت المشربة لرفاعة بن زيد وسرقوا أدراعا له وطعاما فعثر على ذلك فجاء ابن أخيه قتادة بن النعمان يشكو بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء أسيد بن عروة بن أبيرق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين فأبنوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة وجعل يجادل عنهم حتى غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتادة ورفاعة فأنزل الله تعالى : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم [ النساء 107 ] الآية وأنزل الله عز وجل ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا [ النساء 112 ] وكان البريء الذي رموه بالسرقة لبيد بن سهل : قالوا : ما سرقناه وإنما سرقه لبيد بن سهل ، فبرأه الله فلما أنزل الله تعالى فيهم ما أنزل هرب ابن أبيرق السارق إلى مكة ، ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيد فقال فيها حسان بن ثابت بيتا ، يعرض فيه بها ، فقالت إنما أهديت لي شعر حسان ، وأخذت رحله فطرحته خارج المنزل وقالت حلقت وسلقت وخرقت إن بت في منزلي ليلة سوداء فهرب إلى خيبر ، ثم إنه نقب بيتا ذات ليلة فسقط الحائط عليه فمات . ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي ، وذكره الكشي والطبري بألفاظ مختلفة وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره ووقع اسمه في أكثر التفاسير طعمة بن أبيرق وفي كتب الحديث بشير بن أبيرق وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه بشير أبو طعمة فليس طعمة إذا اسما له وإنما هو أبو طعمة كما ذكر ابن إسحاق في هذه الرواية والله أعلم . وفي رواية يونس أيضا أن الحائط الذي سقط عليه كان بالطائف لا بخيبر كما قال ابن سلام وأن أهل الطائف قالوا حينئذ ما فارق محمدا من أصحابه من فيه خير . والأبيات التي رمى بها حسان المرأة وهي من بني عمرو بن عوف وقد تقدم اسمها : ما سارق الدرعين إذ كنت ذاكرا بذي كرم من الرجال أوادعه وقد أنزلته بنت سعد فأصبحت ينازعها جاراستها وتنازعه ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم وفيكم نبي عنده الوحي واضعه وقع هذا البيت في كتاب سيبويه . وذكر الشعر والخبر بطوله ابن إسحاق في رواية يونس عنه . فصل وأنشد ابن هشام : لدم الوليد وراء الغيب بالحجر والبيت لتميم بن أبي بن مقبل واللدم الضرب والغيب العائر من الأرض . من بني عبد الأشهل قال ابن إسحاق : ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة يعلم إلا أن الضحاك بن ثابت ، أحد بني كعب رهط سعد بن زيد ، قد كان يتهم بالنفاق وحب يهود . قال حسان بن ثابت : أعيت على الإسلام أن تتمجدا من مبلغ الضحاك أن عروقه كبد الحمار ولا تحب محمدا أتحب يهدان الحجاز ودينهم ما استن آل في الفضاء وخودا دينا لعمري لا يوافق ديننا وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته - فيما بلغني - ومعتب بن قشير ، ورافع بن زيد ، وبشر وكانوا يدعون بالإسلام فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان حكام أهل الجاهلية فأنزل الله عز وجل فيهم ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا [ النساء 60 ] إلى آخر القصة .

من الخزرج ومن الخزرج ، ثم من بني النجار رافع بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، وقيس بن عمرو بن سهل .

من بني جشم ومن بني جشم بن الخزرج ، ثم من بني سلمة : الجد بن قيس ، وهو الذي يقول يا محمد ائذن لي ، ولا تفتني . فأنزل الله تعالى فيه ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [ التوبة 49 ] . إلى آخر القصة .

من بني عوف ومن بني عوف بن الخزرج : عبد الله بن أبي ابن سلول وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون وهو الذي قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل في غزوة بني المصطلق . وفي قوله ذلك نزلت سورة المنافقين بأسرها . وفيه وفي وديعة - رجل من بني عوف - ومالك بن أبي نوفل وسويد ، وداعس وهم من رهط عبد الله بن أبي ابن سلول وعبد الله بن أبي ابن سلول . فهؤلاء النفر من قومه الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبتوا ، فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ، وإن قوتلتم لننصرنكم . فأنزل الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون ثم القصة من السورة حتى انتهى إلى قوله كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين [ الحشر 16 ] .

من أسلم من أحبار يهود نفاقا قال ابن إسحاق : وكان ممن تعوذ بالإسلام ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق من أحبار يهود .

من بني قينقاع من بني قينقاع : سعد بن حنيف ، وزيد بن اللصيت ونعمان بن أوفى بن عمرو ، وعثمان بن أوفى ، وزيد بن اللصيت ، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسوق بني قينقاع ، وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله ودل الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ناقته إن قائلا قال يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته ؟ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها ، فهي في هذا الشعب ، قد حبستها شجرة بزمامها فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصف " ورافع بن حريملة ، وهو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حين مات قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ورفاعة بن زيد بن التابوت وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت عليه الريح وهو قافل من غزوة بني المصطلق ، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها ; فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوا ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد رفاعة بن زيد بن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح وسلسلة بن برهام . وكنانة بن صوريا .

طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزئون بدينهم فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا ، فقام أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب ، إلى عمرو بن قيس ، أحد بني غنم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد وهو يقول أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة ، أحد بني النجار فلببه بردائه ثم نتره نترا شديدا ، ولطم وجهه ثم أخرجه من المسجد وأبو أيوب يقول له أف لك منافقا خبيثا : أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام : أي ارجع من الطريق التي جئت منها . قال الشاعر وقد باء بالظلم من كان ثم فولى وأدبر أدراجه وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو ، وكان رجلا طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها . قال يقول خدشتني يا عمارة قال أبعدك الله يا منافق فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام : اللدم الضرب ببطن الكف . قال تميم بن أبي بن مقبل لدم الوليد وراء الغيب بالحجر وللفؤاد وجيب تحت أبهره قال ابن هشام : الغيب ما انخفض من الأرض . والأبهر عرق القلب . قال ابن إسحاق : وقام أبو محمد رجل من بني النجار ، كان بدريا ، وأبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل ، وكان قيس غلاما شابا ، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد . وقام رجل من بلخدرة بن الخزرج ، رهط أبي سعيد الخدري يقال له عبد الله بن الحارث ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو ، وكان ذا جمة فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا ، على ما مر به من الأرض حتى أخرجه من المسجد . قال يقول المنافق لقد أغلظت يا ابن الحارث فقال له إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل الله فيك ، فلا تقربن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فإنك نجس . وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا ، وأفف منه وقال غلب عليك الشيطان وأمره . فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم . ________________________________________ باب إخراج المنافقين وذكر ابن إسحاق في باب إخراج المنافقين من المسجد أبا محمد وقال هو رجل من بني النجار ، ولم يعرفه بأكثر من هذا ، وهو أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار يعد في الشاميين وهو الذي زعم أن الوتر واجب فقال عبادة كذب أبو محمد وهو معدود في البدريين عند الواقدي وطائفة ولم يذكره ابن إسحاق فيهم .

ما نزل من البقرة في المنافقين ويهود ما نزل في الأحبار ففي هؤلاء من أخبار يهود والمنافقين من الأوس والخزرج ، نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها - فيما بلغني - والله أعلم . يقول الله سبحانه وبحمده الم ذلك الكتاب لا ريب فيه أي لا شك فيه . قال ابن همام قال ساعدة بن جؤية الهذلي فلا ريب أن قد كان ثم لحيم فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به وهذا البيت في قصيدة له والريب ( أيضا ) : الريبة . قال خالد بن زهير الهذلي كأنني أريبه بريب قال ابن هشام : ومنهم من يرويه كأنني أربته بريب وهذا البيت في أبيات له . وهو ابن أخي أبي ذؤيب الهذلي . هدى للمتقين أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويرجون رحمته بالتصديق بما جاءهم منه الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أي يقيمون الصلاة بفرضها ، ويؤتون الزكاة احتسابا لها : والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك أي يصدقونك بما جئت به من الله عز وجل وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم . وبالآخرة هم يوقنون أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان أي هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ، وبما جاءك من ربك أولئك على هدى من ربهم أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم وأولئك هم المفلحون أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا . إن الذين كفروا أي بما أنزل إليك ، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون أي أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق لك ، فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك ، فكيف يستمعون منك إنذارا أو تحذيرا ، وقد كفروا بما عندهم من علمك . ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا ، يعني بما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك حتى يؤمنوا به وإن آمنوا بكل ما كان قبلك ، ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم . فهذا في الأحبار من يهود فيما كذبوا به من الحق بعد معرفته . ________________________________________ ذكر ما أنزل الله في المنافقين فصل وذكر ما أنزل الله في المنافقين والأحبار ومن يهود من صدر سورة البقرة واستشهد ابن هشام على الريب بمعنى الريبة بقول خالد بن زهير ابن أخت أبي ذؤيب ، واسم أبي ذؤيب : خويلد بن خالد والرجز الذي استشهد ببيت منه كنت إذا أتيته من غيب يا قوم ما لي وأبا ذؤيب كأنني أربته بريب يشم عطفي ويمس ثوبي وكان أبو ذؤيب قد اتهمه بامرأته فلذلك قال هذا . وذكر ابن إسحاق : والذين يقيمون الصلاة وأغفل التلاوة وإنما هو الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة [ البقرة 3 ] . وكذلك وجدته منبها عليه في حاشية الشيخ وفي الإيمان بالغيب أقوال منها أن الغيب هاهنا ما بعد الموت من أمور الآخرة ومعها : أن الغيب القدر ومعها قول من قال إن الغيب القلب أي يؤمنون بقلوبهم وقيل يؤمنون بالغيب أي بالله عز وجل وأحسن ما في هذه الأقوال قول الربيع بن أنس ، أي يؤمنون بظهر الغيب أي ليسوا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا لقوا الذين آمنوا ويكفرون إذا غابوا عنهم ويدل على صحة هذا التأويل بسياقة الكلام مع قوله عز وجل يخشون ربهم بالغيب فلا يحتمل قوله يخشون ربهم بالغيب إلا تأويلا واحدا ، فإليه يرد ما اختلف فيه . وقوله سبحانه لا ريب فيه وقد ارتاب فيه كثير من الناس قيل هو على الخصوص في المؤمنين أي لا ريب فيه عند . قال المؤلف رضي الله عنه وهذا ضعيف لأن التبرئة تعطي العموم وأصح منه . أن الكلام ظاهره الخبر ، ومعناه النهي أي لا ترتابوا ، وهذا النهي عام لا يخصص وأدق من هذا أن يكون خبرا محضا عن القرآن أي ليس فيه ما يريب تقول رابني منك كذا وكذا ، إذا رأيت ما تنكر وليس في القرآن ما تنكره العقول . والريب وإن كان مصدرا فقد يعبر به عن الشيء الذي يريب كما يعبر بالضيف عن الضائف وبالطيف عن الخيال الطائف ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ليوم لا ريب فيه فهذا خبر لأن النهي لا يكون في موضع الصفة . وقوله لا ريب فيه في موضع الصفة ليوم والحياة بعد الموت ليس فيه ما يريبك ، لأن من قدر على البدأة فهو على الإعادة أقدر وليس الريب بمعنى الشك على الإطلاق لأنك تقول رابني منك رائب ولا تقول شكني ، بل تقول ارتبت كما تقول شككت ، فالارتياب قريب من الشك .

ما نزل في منافقي الأوس والخزرج

ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين  يعني المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم .  يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض  أي شك  فزادهم الله مرضا  أي شكا  ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون  أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب . يقول الله تعالى :  ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم  من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق وخلاف ما جاء به الرسول  قالوا إنا معكم  أي إنا على مثل ما أنتم عليه .  إنما نحن مستهزئون  أي إنما نستهزئ بالقوم ونلعب بهم . يقول الله عز وجل  الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون  


تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام يعمهون يحارون . تقول العرب : رجل عمه وعامه أي حيران . قال رؤبة بن العجاج يصف بلدا : أعمى الهدى بالجاهلين العمه وهذا البيت في أرجوزة له . فالعمه جمع عامه وأما عمه فجمعه عمهون . والمرأة عمهة وعمهاء .

أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى  أي الكفر بالإيمان  فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين  

قال ابن إسحاق : ثم ضرب لهم مثلا ، فقال تعالى : كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون أي لا يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم به ونفاقهم فيه فتركهم الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ، ولا يستقيمون على حق صم بكم عمي فهم لا يرجعون أي لا يرجعون إلى الهدى ، صم بكم عمي عن الخير لا يرجعون إلى خير ولا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين قال ابن هشام : الصيب المطر وهو من صاب يصوب مثل قولهم السيد من ساد يسود والميت من مات يموت وجمعه صيائب . قال علقمة بن عبدة ، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم : صواعقها لطيرهن دبيب كأنهم صابت عليهم سحابة وفيها : سقتك روايا المزن حيث تصوب فلا تعدلي بيني وبين مغمر وهذان البيتان في قصيدة له . قال ابن إسحاق : أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم على مثل ما وصف من الذي هو ( في ) ظلمة الصيب يجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت . يقول والله منزل ذلك بهم . من النقمة أي هو محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين . ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أي لما تركوا من الحق بعد معرفته إن الله على كل شيء قدير . ________________________________________ وذكر قول الله سبحانه في قلوبهم مرض وأصل المرض الضعف وفتور الأعضاء وهو هاهنا ضعف اليقين وفتور القلب عن كد النظر وعطف فزادهم الله وإن كان الفعل لا يعطف على الاسم ولا على مثل هذه الجملة لو قلت : في الدار زيد فأعطيته درهما لم يجز ولكن لما كان في معنى قوله في قلوبهم مرض كمعنى مرضت قلوبهم صح عطف الفعل عليه . ثم قال يا أيها الناس اعبدوا ربكم للفريقين جميعا ، من الكفار والمنافقين أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : الأنداد الأمثال واحدهم ند . قال لعبيد بن ربيعة : بيديه الخير ما شاء فعل أحمد الله فلا ند له وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر ، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه . وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا أي في شك مما جاءكم به فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله أي من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فقد تبين لكم الحق فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر . ثم رغبهم وحذرهم نقض الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم وشأن أبيهم آدم عليه السلام وأمره وكيف صنع به حين خالف عن طاعته ثم قال يا بني إسرائيل للأحبار من يهود اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاها به فرعون وقومه وأوفوا بعهدي الذي أخذت في أعناقكم لنبي أحمد إذا جاءكم أوف بعهدكم أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم وإياي فارهبون أي أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون أي أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي . ثم عدد عليهم أحداثهم فذكر لهم العجل وما صنعوا فيه وتوبته عليهم وإقالته إياهم ثم قولهم أرنا الله جهرة تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : جهرة أي ظاهرا لنا لا شيء يستره عنا . قال أبو الأخزر الحماني واسمه قتيبة يجهر أجواف المياه السدم وهذا البيت في أرجوزة له . يجهر يقول يظهر الماء ويكشف عنه ما يستره من الرمل وغيره . قال ابن إسحاق : وأخذ الصاعقة إياهم عند ذلك لغرتهم ثم إحياؤه إياهم بعد موتهم وتظليله عليهم الغمام وإنزاله عليهم المن والسلوى ، وقوله لهم وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة أي قولوا ما آمركم به أحط به ذنوبكم عنكم وتبديلهم ذلك من قوله استهزاء بأمره وإقالته إياهم ذلك بعد هزئهم .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : المن : شيء كان يسقط في السحر على شجرهم فيجتنونه حلوا مثل العسل فيشربونه ويأكلونه . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا لو أطعموا المن والسلوى مكانهم وهذا البيت في قصيدة له . والسلوى : طير واحدتها : سلواة ويقال إنها السمانى ، ويقال للعسل ( أيضا ) : السلوى . وقال خالد بن زهير الهذلي ألذ من السلوى إذا ما نشورها وقاسمها بالله حقا لأنتم وهذا البيت في قصيدة له . وحطة أي حط عنا ذنوبنا . قال ابن إسحاق : وكان من تبديلهم ذلك كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوأمة بنت أمية بن خلف ، عن أبي هريرة ومن لا أتهم عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا منه سجدا يزحفون وهم يقولون حنط في شعير . قال ابن هشام : ويروى : حنطة في شعيرة قال ابن إسحاق : واستسقاء موسى لقومه وأمره ( إياه ) أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت لهم منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط عين يشربون منها ، قد علم كل سبط عينه التي منها يشرب ________________________________________ وذكر قوله سبحانه يا بني إسرائيل ووهم في التلاوة فقال يا أهل الكتاب كما وهم في أول السورة . وبنو إسرائيل : هم بنو يعقوب وكان يسمى : إسرائيل أي سري الله لكن لم يذكروا في القراءة إلا أضيفوا إلى إسرائيل ولم يسموا فيه بنو يعقوب ومتى ، ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب لم يسم إسرائيل وذلك لحكمة فرقانية وهو أن القوم لما خوطبوا بعبادة الله وفكروا بدين أسلافهم موعظة لهم وتنبيها من غفلتهم سموا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله فإن إسرائيل اسم مضاف إلى الله تعالى في التأويل . ألا ترى : كيف نبه على هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين دعا إلى الإسلام قوما ، يقال لهم بنو عبد الله فقال لهم يا بني عبد الله إن الله قد حسن اسم أبيكم يحرضهم بذلك على ما يقتضيه اسمهم من العبودية لله فكذلك قوله سبحانه يا بني إسرائيل إنما ورد في معرض التذكرة لهم بدين أبيهم وعبوديته لله فكان ذكرهم بهذا الاسم أليق بمقام التذكرة والتحريض من أن يقول لهم يا بني يعقوب ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره بإسحاق ثم يعقوب كان لفظ يعقوب أولى بذلك المقام لأنها موهبة بعقب أخرى ، وبشرى عقب بها بشرى وإن كان اسم يعقوب عبرانيا ، ولكن لفظه موافق للعربي في العقب والتعقيب فانظر مشاكلة الاسمين للمقامين فإنه من باب النظر في إعجاز القرآن وبلاغة ألفاظه وتنزيل الكلام في منازله اللائقة به . وقولهم لموسى عليه السلام لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها قال ابن هشام : الفوم الحنطة . قال أمية بن الصلت الثقفي : قطع كالوذيل في نقي فوم فوق شيزي مثل الجوابي عليها

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : الوذيل قطع الفضة والفوم القمح واحدته فومة . وهذا البيت في قصيدة له .

وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم  

قال ابن إسحاق : فلم يفعلوا . ورفعه الطور فوقهم ليأخذوا ما أوتوا ; والمسخ الذي كان فيهم إذ جعلهم قردة بأحداثهم والبقرة التي أراهم الله عز وجل بها العبرة في القتيل الذي اختلفوا فيه حتى بين الله لهم أمره بعد التردد على موسى عليه السلام في صفة البقرة وقسوة قلوبهم بعد ذلك حتى كانت كالحجارة أو أشد قسوة . ثم قال تعالى : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق وما الله بغافل عما تعملون ثم قال لمحمد عليه الصلاة السلام ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وليس قوله يسمعون التوراة ، أن كلهم قد سمعها ، ولكنه فريق منهم أي خاصة . قال ابن إسحاق ، فيما بلغني عن بعض أهل العلم قالوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله فأسمعنا كلامه حين يكلمك ، فطلب ذلك موسى عليه السلام من ربه فقال له نعم مرهم فليطهروا ، أو ليطهروا ثيابهم وليصوموا ، ففعلوا . ثم خرج بهم حتى أتى بهم الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجدا ، وكلمه ربه فسمعوا كلامه تبارك وتعالى ، يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا عنه ما سمعوا ، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل فلما جاءهم حرف فريق منهم ما أمرهم به وقالوا : حين قال موسى لبني إسرائيل إن الله قد أمركم بكذا وكذا ، قال ذلك الفريق الذي ذكر الله عز وجل إنما قال كذا وكذا ، خلافا لما قال الله لهم فهم الذين عنى الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا أي بصاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة . وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان فيهم . فأنزل الله عز وجل فيهم وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أي تقرون بأنه نبي ، وقد عرفتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه وهو يخبركم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا ; اجحدوه ولا تقروا لهم به . يقول الله عز وجل أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام ، عن أبي عبيدة إلا أماني إلا قراءة لأن الأمي الذي يقرأ ولا يكتب . يقول لا يعلمون الكتاب إلا ( أنهم ) يقرءونه . قال ابن هشام : عن أبي عبيدة ويونس أنهما تأولا ذلك عن العرب في قول الله عز وجل حدثني أبو عبيدة بذلك . قال ابن هشام : وحدثني يونس بن حبيب النحوي وأبو عبيدة أن العرب تقول تمنى ، في معنى قرأ . وفي كتاب الله تبارك وتعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته قال وأنشدني أبو عبيدة النحوي : وآخره وافى حمام المقادر تمنى كتاب الله أول ليله وأنشدني أيضا : تمني داود الزبور على رسل تمنى كتاب الله في الليل خاليا وواحدة الأماني أمنية . والأماني ( أيضا ) : أن يتمنى الرجل المال أو غيره . قال ابن إسحاق : وإن هم إلا يظنون أي لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه وهم يجحدون نبوتك بالظن .

وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون  


دعوى اليهود قلة العذاب في الآخرة ورد الله عليهم قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب . فأنزل الله في ذلك من قولهم وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به يحيط كفره بما له عند الله من حسنة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون أي خلد أبدا . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا ، لا انقطاع له . قال ابن إسحاق : ثم قال ( الله عز وجل ) يؤنبهم وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل أي ميثاقكم لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون أي تركتم ذلك كله ليس بالتنقص . وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : تسفكون تصبون . تقول العرب : سفك دمه أي صبه وسفك الزق أي هراقه . قال الشاعر وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا سفكنا دماء البدن في تربة الحال قال ابن هشام : يعني " بالحال " : الطين الذي يخالطه الرمل وهو الذي تقول له العرب : السهلة . وقد جاء في الحديث إن جبريل لما قال فرعون : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل أخذ من حال البحر وحمأته فضرب به وجه فرعون . ( والحال مثل الحمأة ) . قال ابن إسحاق : ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون على أن هذا حق من ميثاقي عليكم ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان أي أهل الشرك حتى يسفكوا دماءهم معهم ويخرجوهم من ديارهم معهم وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم وهو محرم عليكم في كتابكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( أي ) أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفارا بذلك .

فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون  فأنبهم الله عز وجل بذلك من فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم . 

فكانوا فريقين منهم بنو قينقاع ولفهم حلفاء الخزرج ، والنضير وقريظة ولفهم حلفاء الأوس . فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان . لا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا ، ولا حلالا ولا حراما ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أساراهم تصديقا لما في التوراة ، وأخذ به بعضهم من بعض يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم ويطلون ما أصابوا من الدماء وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى حين أنبهم بذلك أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض أي تفاديه بحكم التوراة وتقتله وفي حكم التوراة أن لا تفعل تقتله وتخرجه من داره وتظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا . ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج . فيما بلغني - نزلت هذه القصة . ثم قال تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات أي الآيات التي وضعت على يديه من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام والخبر عن كثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل ، الذي أحدث الله إليه . ثم ذكر كفرهم بذلك كله فقال أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ثم قال تعالى : وقالوا قلوبنا غلف في أكنة يقول الله عز وجل بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال قالوا : فينا والله وفيهم نزلت هذه القصة كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون لنا : إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم من قريش فاتبعناه كفروا به . يقول الله فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده أي أن جعله في غيرهم فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : فباءوا بغضب أي اعترفوا به واحتملوه . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها كصرخة حبلى يسرتها قبيلها قال ابن هشام : يسرتها : أجلستها للولادة . وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : فالغضب على الغضب لغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة ، وهي معهم وغضب بكفرهم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحدث الله إليهم . ثم أنبهم برفع الطور عليهم واتخاذهم العجل إلها دون ربهم يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب عند الله فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول الله جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم أي بعلمهم بما عندهم من العلم بك ، والكفر بذلك فيقال لو تمنوه يوم قال ذلك لهم ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات . ثم ذكر رغبتهم في الحياة الدنيا وطول العمر فقال تعالى : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة اليهود ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر أي ما هو بمنجيه من العذاب وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما ضيع مما عنده من العلم . ثم قال الله تعالى : قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله

سؤال اليهود الرسول وإجابته لهم عليه الصلاة والسلام قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن ( عبد ) الرحمن بن أبي حسين المكي عن شهر بن حوشب الأشعري أن نفرا من أحبار يهود جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن فإن فعلت ذلك اتبعناك وصدقناك وآمنا بك . قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقنني ؟ قالوا : نعم قال فاسألوا عما بدا لكم قالوا : فأخبرنا كيف يشبه الولد أمه وإنما النطفة من الرجل ؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه ؟ قالوا : اللهم نعم . قالوا : فأخبرنا كيف نومك ؟ فقال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أن نوم الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان ؟ فقالوا : اللهم نعم قال فكذلك نومي ، تنام عيني وقلبي يقظان . قالوا : فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها ، وأنه اشتكى شكوى ، فعافاه الله منها ، فحرم على نفسه حب الطعام والشراب إليه شكرا لله فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها ؟ قالوا : اللهم نعم . قالوا : فأخبرنا عن الروح ؟ قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمونه جبريل وهو الذي يأتيني ؟ قالوا : اللهم نعم ولكنه يا محمد لنا عدو ، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء ولولا ذلك لاتبعناك ، قال فأنزل الله عز وجل فيهم قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين إلى قوله تعالى : أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان أي السحر وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر

إنكار اليهود نبوة سليمان بن داود عليه السلام ورد الله عليهم قال ابن إسحاق : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين قال بعض أحبارهم ألا تعجبون من محمد ، يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا ، والله ما كان إلا ساحرا . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا أي باتباعهم السحر وعملهم به . وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما كان على الظهر فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار كتابه صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر ، فيما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى : ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة ، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما وإني أنشدكم بالله ، وأنشدكم بما أنزل عليكم وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى ، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله إلا أخبرتموني : هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد ؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم . قد تبين الرشد من الغي - فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه . تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : شطؤه فراخه وواحدته شطأة . تقول العرب : قد أشطأ الزرع إذا أخرج فراخه . وآزره عاونه فصار الذي قبله مثل الأمهات . قال امرؤ القيس بن حجر الكندي : بمحنية قد آزر الضال نبتها مجر جيوش غانمين وخيب وهذا البيت في قصيدة له . وقال حميد بن مالك الأرقط أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة زرعا وقضبا مؤزر النبات وهذا البيت في أرجوزة له . وسوقه غير مهموز جمع ساق لساق الشجرة . ما نزل في أبي ياسر وأخيه قال ابن إسحاق : وكان ممن نزل فيه القرآن بخاصة من الأحبار وكفار يهود الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل - فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بن رئاب - أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة البقرة الم ذلك الكتاب لا ريب فيه فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود فقال تعلموا والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه الم ذلك الكتاب فقالوا : أنت سمعته ؟ فقال نعم فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له يا محمد ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك : الم ذلك الكتاب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى ، قالوا : أجاءك بها جبريل من عند الله ؟ فقال نعم قالوا : لقد بث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أكل أمته غيرك ، فقال حيي بن أخطب ، وأقبل على من معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأكل أمته إحدى وسبعون سنة ؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره ؟ قال نعم قال ماذا ؟ قال المص قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومائة سنة هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال نعم الر قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتان هل مع هذا غيره يا محمد ؟ قال نعم المر قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ؟ ثم قاموا عنه فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون وإحدى وستون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة فقالوا : لقد تشابه علينا أمره . فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قال ابن إسحاق : وقد سمعت من لا أتهم من أهل العلم يذكر أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في أهل نجران ، حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى ابن مريم عليه السلام . قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه قد سمع أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في نفر من يهود ولم يفسر ذلك لي . فالله أعلم أي ذلك كان . ________________________________________ حديث أبي ياسر بن أخطب فصل وذكر ابن إسحاق حديث أبي ياسر بن أخطب وأخيه حيي بن أخطب حين سمعا المص ونحوها من الحروف وأنهم أخذوا تأويلها من حروف أبجد إلى قوله لعله قد جمع لمحمد وأمته هذا كله . قال المؤلف وهذا القول من أحبار يهود وما تأولوه من معاني هذه الحروف محتمل حتى الآن أن يكون من بعض ما دلت عليه هذه الحروف المقطعة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكذبهم فيما قالوا من ذلك ولا صدقهم . وقال في حديث آخر لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : آمنا بالله وبرسوله . وإذا كان في حد الاحتمال وجب أن يفحص عنه في الشريعة هل يشير إلى صحته كتاب أو سنة فوجدنا في التنزيل وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ووجدنا في حديث زمل الخزاعي حين قص على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا ، وقال فيها : رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات ؟ وإلى جنبه ناقة عجفاء كأنك تبعثها ، ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها ، وقال في المنبر ودرجاته الدنيا : سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفا والحديث وإن كان ضعيف الإسناد فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه قال الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم منها . وقد مضت منه سنون أو قال مئون وصحح أبو جعفر الطبري هذا الأصل وعضده بآثار وذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثت أنا والساعة كهاتين ، وإنما سبقتها بما سبقت هذه هذه يعني : الوسطى والسبابة وأورد هذا الحديث من طرق كثيرة صححها وأورد منها قوله عليه السلام لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم يعني : خمسمائة عام وقد خرج هذا الحديث الأخير أبو داود أيضا . قال الطبري : وهذا في معنى ما قبله يشهد له ويبينه فإن الوسطى تزيد على السبابة بنصف سبع أصبع كما أن نصف يوم من سبعة نصف سبع . قال المؤلف وقد مضت الخمسمائة من وفاته إلى اليوم بنيف عليها ، وليس في قوله لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم ما ينفي الزيادة على النصف ولا في قوله بعثت أنا والساعة كهاتين ما يقطع به على صحة تأويله فقد قيل في تأويله غير هذا ، وهو أن ليس بينه وبين الساعة نبي غيره ولا شرع غير شرعه مع التقريب لحينها ، كما قال سبحانه اقتربت الساعة وانشق القمر و أتى أمر الله فلا تستعجلوه ولكن إذا قلنا : إنه - عليه السلام - بعث في الألف الآخر بعدما مضت منه سنون ونظرنا بعد إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفا يجمعها : قولك : ألم يسطع نص حق كره ثم نأخذ العدد على حساب أبي جاد فنجد ق مائة و : ر مائتين و : س ثلاثمائة فهذه ستمائة و : ع سبعين و : ص ستين فهذه سبعمائة وثلاثون و : ن خمسين و : ك عشرين فهذه ثمانمائة و : م أربعين و : ل ثلاثين فهذه ثمانمائة وسبعون و : ي عشرة . و : ط تسعة و : أ واحد فهذه ثمانمائة وتسعون و : ح ثمانية و : ه خمسة فهذه تسعمائة وثلاثة ولم يسم الله سبحانه في أوائل السور إلا هذه الحروف فليس يبعد أن يكون من بعض مقتضياتها وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين لما قدمناه في حديث الألف السابع الذي بعث فيه عليه السلام غير أن الحساب محتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته وكل قريب بعضه من بعض فقد جاء أشراطها ، ولكن لا تأتيكم إلا بغتة وقد روي أن المتوكل العباسي سأل جعفر بن عبد الواحد القاضي ، وهو عباسي أيضا : عما بقي من الدنيا ، فحدثه بحديث يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال إن أحسنت أمتي ، فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة وإن أساءت فنصف يوم ففي هذا الحديث تتميم للحديث المتقدم وبيان له إذ قد انقضت الخمسمائة والأمة باقية والحمد لله .


معاني الحروف في أوائل السور فصل ولهذه الحروف في أوائل السور معان جمة وفوائد لطيفة وما كان الله تعالى لينزل في الكتاب ما لا فائدة فيه ولا ليخاطب نبيه وذوي ألباب من صحبه بما لا يفهمون وقد أنزله بيانا للناس وشفاء لما في الصدور ففي تخصيصه هذه الحروف الأربعة عشر بالذكر دون غيرها حكمة بل حكم وفي إنزالها مقطعة على هيئة التهجي فوائد علمية وفقهية وفي تخصيصه إياها بأوائل السور وفي أن كانت في بعض السور دون بعض فوائد أيضا ، وفي اقتران الألف باللام وتقدمها عليها معان وفوائد وفي إرداف الألف واللام بالميم تارة وبالراء أخرى ، ، ولا توجد الألف واللام في أوائل السور إلا هكذا مع تكررها ثلاث عشرة مرة فوائد أيضا ، وفي إنزال الكاف قبل الهاء والهاء قبل الياء ثم العين ثم الصاد من كهيعص معان أكثرها تنبه عليها آيات من الكتاب وتبين المراد بها لمن تدبرها . والتدبر والتذكر واجب على أولي الألباب والخوض في إيراد هذه المعاني ، والقصد لإيضاح ما لاح لي عند الفكر والنظر فيها ، مع إيراد الشواهد على ذلك من كتاب وأثر وعربية ونظر يخرجنا عن مقصود الكتاب وينأى بنا عن موضوعه والمراد به ويقتضي إفراد جزء أشرح ما أمكن من ذلك ولعله أن يكون إن ساعد القدر والله المستعان وهو ولي التوفيق لا شريك له .

كفر اليهود به صلى الله عليه وسلم بعد استفتاحهم به وما نزل في ذلك قال ابن إسحاق : وكان فيما بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء بن معرور ، أخو بني سلمة يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام بن مشكم ، أحد بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين

ما نزل في نكران مالك بن الصيف العهد إليهم بالنبي قال ابن إسحاق : وقال مالك بن الصيف ، حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه والله ما عهد إلينا في محمد عهد ، وما أخذ له علينا من ميثاق . فأنزل الله فيه أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون



ما نزل في قول أبي صلوبا " ما جئتنا بشيء نعرفه " وقال أبو صلوبا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية فنتبعك لها . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون

ما نزل في قول ابن حريملة ووهب وقال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : سواء السبيل وسط السبيل . قال حسان بن ثابت : بعد المغيب في سواء الملحد يا ويح أنصار النبي ورهطه وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .

ما نزل في صد حيي وأخيه الناس عن الإسلام قال ابن إسحاق : وكان حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب ، من أشد يهود للعرب حسدا ، إذ خصهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا . فأنزل الله تعالى فيهما : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير

تنازع اليهود والنصارى عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : ولما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم . وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى لست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ، أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به أي يكفر اليهود بعيسى ، وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى عليه السلام بالتصديق بعيسى عليه السلام وفي الإنجيل ما جاء به عيسى عليه السلام من تصديق موسى عليه السلام وما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يد صاحبه .

ما نزل في طلب ابن حريملة أن يكلمه الله قال ابن إسحاق : وقال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ما نزل في سؤال ابن صوريا للنبي عليه الصلاة والسلام بأن يتهود وقال عبد الله بن صوريا الأعور الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهد وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله تعالى في ذلك من قول عبد الله بن صوريا وما قالت النصارى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ثم القصة إلى قول الله تعالى : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون

مقالة اليهود عند صرف القبلة إلى الكعبة قال ابن إسحاق : ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة ، وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ; أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها ، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه فأنزل الله تعالى فيهم سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله أي من الفتن أي الذين ثبت الله وما كان الله ليضيع إيمانكم أي إيمانكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم واتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة وطاعتكم نبيكم فيها : أي ليعطينكم أجرهما جميعا إن الله بالناس لرءوف رحيم ثم قال تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : شطره نحوه وقصده . قال عمرو بن أحمر الباهلي - وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان - يصف ناقة له . تعدو بنا شطر جمع و هي قاعدة قد كارب العقد من إيفادها الحقبا وهذا البيت في قصيدة له . وقال قيس بن خويلد الهذلي يصف ناقته فشطرها نظر العينين محسور إن النعوس بها داء مخامرها وهذا البيت في أبيات له . قال ابن هشام : والنعوس ناقته وكان بها داء فنظر إليها نظر حسير من قوله وهو حسير .

وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين  

قال ابن إسحاق : إلى قوله تعالى : الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ________________________________________

ذكر تحويل القبلة فصل وذكر تحويل القبلة وما قالته جماعة يهود حين قالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك ، وهم السفهاء من الناس فيهم نزلت هذه الآية . وقال سيقول بلفظ الاستقبال لتقدم العلم القديم بأنهم سيقولون ذلك أي لم آمركم بتحويلها إلا وقد علمت أن سيقولون ما قالوه وقد ذكرنا في حديث الهجرة قصة البراء بن معرور فوائد في معنى تحويل القبلة فلتنظر هنالك وأنشد في تفسير الشطر بيت ابن أحمر تعدو بنا شطر جمع و هي قاعدة قد كارب العقد من إيفادها الحقبا وألفيت في حاشية الشيخ على هذا البيت ما هذا نصه قال من إيفادها : من إشرافها ، كذا قال محمد بن عبد الله البرقي ، وقال كارب موضع قارب ووقع في شعر ابن أحمر تغدو بنا عرض جمع وهي موقدة قد قارب الغرض من إيفادها الحقبا تعدو : من العدو بنا وبرحلي : يعني غلامه . عرض جمع : يعني مكة ، وعرض أحب إلي وعرض كثرة الناس عن الأصمعي ، وموفدة أي مشرفة . أوفد إذا أشرف وروى غيره وهي عاقدة يريد عنقها لاويتها والغرض البطان وهو حزام الرحل . من إيفادها ، أي إشرافها ، وقد اقتادت نصبت عنقها وعصرت بذنبها وتخامصت ببطنها فقرب كل واحد من الغرض والحقب من صاحبه بذلك . هنا انتهى ما كتبه الشيخ على هذا البيت وأوردته وقبل البيت فقال حي فإن الركب قد نصبا أنشأت أسأله عن حال رفقته

كتمانهم ما في التوراة من الحق وسأل معاذ بن جبل ، أخو بني سلمة وسعد بن معاذ ، أخو بني عبد الأشهل وخارجة بن زيد أخو بلحارث بن الخزرج ، نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم عنه . فأنزل الله تعالى فيهم إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون

جوابهم للنبي عليه الصلاة والسلام حين دعاهم إلى الإسلام قال ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ، ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم وخيرا منا . فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما : وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون

جمعهم في سوق بني قينقاع

ولما أصاب الله عز وجل قريشا يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع ، حين قدم المدينة ، فقال يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشا ، فقالوا له يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش ، كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم  قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار   [ آل عمران : 12 ، 13 ] . 

________________________________________


ما أنزل الله في بني قينقاع فصل وذكر ما أنزل الله سبحانه في بني قينقاع وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم لو حاربتنا ، لعلمت أنا نحن الناس قل للذين كفروا ستغلبون إلى قوله يرونهم مثليهم رأي العين فمن قرأه يرونهم بالياء فمعناه أن الكفار يرون المؤمنين مثليهم وإن كانوا أقل منهم لما كثرهم بالملائكة . فإن قيل وكيف وهو يقول في آية أخرى : ويقللكم في أعينهم قيل كان هذا قبل القتال عندما حزر الكفار المؤمنين فرأوهم قليلا ، فتجاسروا عليهم ثم أمدهم الله بالملائكة فرأوهم كثيرا فانهزموا ، وقيل إن الهاء في يرونهم عائدة على الكفار وإن المؤمنين رأوهم مثليهم وكانوا ثلاثة أمثالهم فقللهم في عيون المؤمنين وأما من قرأها بالتاء فيجوز أن يكون الخطاب لليهود أي ترون المشركين يوم بدر مثلي المؤمنين وذلك أنهم كانوا ألفا ، فانخذل عنهم الأخنس بن شريق ببني زهرة فصاروا سبعمائة أو نحوها ، ويجوز أن يكون الخطاب للمشركين أي ترون أيها المشركون المؤمنين مثليهم حين أمدهم الله بالملائكة فيعود الكلام إلى المعنى الأول الذي قدمناه في قراءة من قرأ بالياء . وفي الآية تخليط عن الفراء أضربنا عن ذكره وجل ما ذكرناه آنفا مذكور في التفاسير بألفاظ مختلفة .

دخوله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس قال ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو ، والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد ؟ قال على ملة إبراهيم ودينه قالا : فإن إبراهيم كان يهوديا . فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلم إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه . فأنزل الله تعالى فيهما : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون

اختلاف اليهود والنصارى في إبراهيم عليه السلام

وقال أحبار يهود ونصارى نجران ، حين اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا ، فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى من أهل نجران : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا . فأنزل الله عز وجل فيهم  يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين   

ما نزل فيما هم به بعضهم من الإيمان غدوة والكفر عشية وقال عبد الله بن صيف ، وعدي بن زيد ، والحارث بن عوف ، بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ويرجعون عن دينه فأنزل الله تعالى فيهم يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

ما نزل في قول أبي رافع والنجراني " أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى وقال أبو رافع القرظي ، حين اجتمعت الأحبار من يهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ وقال رجل من أهل نجران نصراني ، يقال له الربيس ( ويروى : الريس ، والرئيس ) : أوذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ أو كما قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره فما بذلك بعثني الله ولا أمرني أو كما قال . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون إلى قوله تعالى : بعد إذ أنتم مسلمون قال ابن هشام : الربانيون العلماء الفقهاء السادة واحدهم رباني . قال الشاعر منها الكلام ورباني أحبار لو كنت مرتهنا في القوس أفتنني تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : القوس صومعة الراهب . وأفتنني ، لغة تميم . وفتنني ، لغة قيس . قال جرير لاستنزلتني وذا المسحين في القوس لا وصل إذ صرمت هند ولو وقفت أي صومعة الراهب . والرباني : مشتق من الرب وهو السيد . وفي كتاب الله فيسقي ربه خمرا ، أي سيده . قال ابن إسحاق : ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ________________________________________ وذكر ابن هشام في الربانيين أنهم العلماء الفقهاء السادة وفي البخاري عن بعض أهل العلم قال الربانيون الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره وقيل نسبوا إلى علم الرب والفقه فيما أنزل وزيدت فيه الألف والنون لتفخيم الاسم وأنشد ابن هشام : منها الكلام ورباني أحبار لو كنت مرتهنا في القوس أفتنني وقال القوس الصومعة ومن كلام العرب : أنا بالقوس وأنت بالقرقوس فكيف نجتمع ؟ وقال في أفتنني : هي لغة تميم وفرق سيبويه بين فتنته وأفتنته وجعله من قول الخليل قال أفتنته صيرته مفتتنا أو نحو هذا ، وفتنته ، جعلت فيه فتنة كما تقول كحلته جعلت في عينيه كحلا ، ومآل هذا الفرق إلى أن فتنته صرفته فجاء على وزنه لأن المفتون مصروف عن حق وأفتنته بمعنى أضللته وأغويته ، فجاء على وزن ما هو في معناه وأما فتنت الحديدة في النار فعلى وزن فعلت ، لا غير لأنها في معنى : خبرتها ، وبلوتها ونحو ذلك .

ما نزل في أخذ الميثاق عليهم قال ابن إسحاق : ثم ذكر ما أخذ الله عليهم وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه إذ هو جاءهم وإقرارهم فقال وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين إلى آخر القصة .

سعيهم في الوقيعة بين الأنصار قال ابن إسحاق : ومر شأس بن قيس ، وكان شيخا قد عسا ، عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج . في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار . فأمر فتى شابا من يهود كان معهم فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار .

شيء عن يوم بعاث وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس عن الخزرج ، وكان على الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهلي أبو أسيد بن حضير ; وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي ، فقتلا جميعا . قال ابن هشام : قال أبو قيس بن الأسلت فعاودني له حزن رصين على أن قد فجعت بذي حفاظ أعض برأسه عضب سنين فإما تقتلوه فإن عمرا وهذان البيتان في قصيدة له . وحديث يوم بعاث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : سنين مسنون من سنه إذا شحذه . قال ابن إسحاق : ففعل . فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس ، وجبار بن صخر ، أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم رددناها الآن جذعة فغضب الفريقان جميعا ، وقالوا : قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة - والظاهرة الحرة - السلاح السلاح . فخرجوا إليها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال " يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بين قلوبكم " ، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس . فأنزل الله تعالى في شأس بن قيس وما صنع قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون وأنزل الله في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون إلى قوله تعالى وأولئك لهم عذاب عظيم

ما نزل في قولهم " ما آمن إلا شرارنا " : قال ابن إسحاق : ولما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه قالت أحبار يهود أهل الكفر منهم ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : آناء الليل ساعات الليل وواحدها : إني . قال المتنخل الهذلي واسمه مالك بن عويمر يرثي أثيلة ابنه في كل إني قضاه الليل ينتعل حلو ومر كعطف القدح شيمته وهذا البيت في قصيدة له . وقال لبيد بن ربيعة يصف حمار وحش غوي سقاه في التجار نديم يطرب آناء النهار كأنه وهذا البيت في قصيدة له ويقال إني مقصور فيما أخبرني يونس . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين . ________________________________________ تفسير آناء الليل فصل وذكر ابن هشام في تفسير آناء الليل قال واحد الآناء إني واستشهد عليه بقول الهذلي ثم أغرب بما حدثه به يونس فقال ويقال إني فيما حدثني يونس بن حبيب وهذا الذي قاله آخرا هو لغة القرآن قال الله تعالى : غير ناظرين إناه

ذكر جمل من الآيات المنزلة في قصص الأحبار فصل وذكر ابن إسحاق جملا من الآيات المنزلة في قصص الأحبار ومسائلهم كلها واضحة والتكلم عليها يخرج عن غرض الكتاب إلى تفسير القرآن وفي جملتها قوله تعالى : أيان مرساها وقال الفراء في أيان هي كلمتان جعلت واحدة والأصل أي آن والآن والأوان بمعنى واحد كما يقال راح ورياح وأنشد نشاوى تسافوا بالرياح المفلفل وقد ذكر الهروي في أيان وجها آخر قال يجوز أن يكون أصله أيوان فاندغمت الياء في الواو مثل قيام .

ما نزل في نهي المسلمين عن مباطنة اليهود قال ابن إسحاق : وكان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود ، لما كان بينهم من الجوار والحلف فأنزل الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله أي تؤمنون بكتابكم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم كنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إلى آخر القصة .

ما كان بين أبي بكر وفنحاص

ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود فوجد منهم ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ، وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر من أحبارهم يقال له أشيع فقال أبو بكر لفنحاص ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، فقال فنحاص لأبي بكر والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر لأنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا ، كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا . قال فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا ، وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك ، أي عدو الله . قال فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما ، إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال وضربت وجهه . فجحد ذلك فنحاص وقال ما قلت ذلك . فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر  لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق  ونزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما بلغه في ذلك من الغضب  ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور  . ثم قال فيما قال فنحاص والأحبار معه من يهود  وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم  يعني فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، أن يقول الناس علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على هدى ولا حق ويحبون أن يقول الناس قد فعلوا  . 

أمرهم المؤمنين بالبخل قال ابن إسحاق : وكان كردم بن قيس ، حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن عمرو ، وحيي بن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار كانوا يخالطونهم ينتصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون علام يكون . فأنزل الله فيهم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله أي من التوراة ، التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله وكان الله بهم عليما .

جحدهم الحق قال ابن إسحاق : وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود إذا كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوى لسانه وقال أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ، ثم طعن في الإسلام وعابه . فأنزل الله فيه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ( أي راعنا سمعك ) ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور وكعب بن أسد ، فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا ، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق ، قالوا : ما تعرف ذلك يا محمد فجحدوا ما عرفوا ، وأصروا على الكفر فأنزل الله تعالى فيهم يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : نطمس نمسحها فنسويها ، فلا يرى فيها عين ولا أنف ولا فم ولا شيء مما يرى في الوجه وكذلك فطمسنا أعينهم المطموس العين الذي ليس بين جفنيه شق . ويقال طمست الكتاب والأثر فلا يرى منه شيء . قال الأخطل واسمه الغوث بن هبيرة بن الصلت التغلبي يصف إبلا كلفها ما ذكر شطون ترى حرباءها يتململ وتكليفناها كل طامسة الصوى وتكليفناها كل طامسة الصوى شطون ترى حرباءها يتململ وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن هشام : واحدة الصوى : صوة . والصوى : الأعلام التي يستدل بها على الطرق والمياه . قال ابن هشام : يقول مسحت فاستوت بالأرض فليس فيها شيء ناتئ .

النفر الذين حزبوا الأحزاب قال ابن إسحاق : وكان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار ووحوح بن عامر وهوذة بن قيس . فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير . فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول فسلوهم دينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم فقالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : الجبت ( عند العرب ) : ما عبد من دون الله تبارك وتعالى . والطاغوت كل ما أضل عن الحق . وجمع الجبت جبوت وجمع الطاغوت طواغيت . قال ابن هشام : وبلغنا عن ابن أبي نجيح أنه قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا قال ابن إسحاق : إلى قوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما

إنكارهم التنزيل قال ابن إسحاق : وقال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم فقال لهم أما والله إنكم لتعلمون أني رسول من الله إليكم قالوا : ما نعلمه وما نشهد عليه . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا

اجتماعهم على طرح الصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية العامريين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري . فلما خلا بعضهم ببعض قالوا : لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن رجل يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب : أنا ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، فانصرف عنهم فأنزل الله تعالى فيه وفيما أراد هو وقومه يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ادعاؤهم أنهم أحباء الله وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وشأس بن عدي ، فكلموه وكلمهم رسول الله ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ، نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله تعالى فيهم وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير إنكارهم نزول كتاب بعد موسى عليه السلام قال ابن إسحاق : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم غير الله وعقوبته فأبوا عليه وكفروا بما جاءهم به فقال لهم معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب : يا معشر يهود اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حريملة ، ووهب بن يهوذا : ما قلنا لكم هذا قط ، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشرا ولا نذيرا بعد فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير . ثم قص عليهم خبر موسى وما لقي منهم وانتقاضهم عليه وما ردوا عليه من أمر الله حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبة ________________________________________ وذكر آية التيه وحبس بني إسرائيل فيه أربعين سنة عقوبة من الله تعالى لمخالفتهم أمره حين فزعوا من الجبارين لعظم أجسامهم وقال لهم رجلان وهما يوشع بن نون من سبط يوسف وكالب بن يوفيا من سبط يامين ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون فلما عصوهما دعا عليهم موسى ، فتاهوا ، أي تحيروا ، وكانوا ستمائة ألف مقاتل فتاهوا في ستة فراسخ من الأرض يمشون النهار كله ثم يمسون حيث أصبحوا ، ويصبحون حيث أمسوا . وفي ذلك السنين أنزل عليهم المن والسلوى ، لأنهم شغلوا عن المعاش بالتيه في الأرض وأبقيت عليهم ثيابهم لا تخلق ولا تتسخ وتطول مع الصغير إذا طال وفيها استسقى لهم موسى ، فأمر أن يأخذ حجرا من الطور ، فيضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وفيها ظلل عليهم الغمام لأنهم كانوا في البرية فظللوا من الشمس وذلك أن موسى كان ندم حين دعا عليهم لما رأى من جهدهم وحيرتهم في التيه فكان يدعو الله لهم في هذه الأمور لئلا يهلكوا في التيه جوعا أو عريا أو عطشا ، فلما آسى عليهم قال له لا تأس على القوم الفاسقين أي للذين فسقوا أي خرجوا عن أمرك - ومات في أيام التيه جميع كبارهم إلا يوشع وكالب فما دخل الأرض على الجبارين إلا خلوفهم وأبناؤهم وقيل إن موسى مات في تلك السنين أيضا ولم يشهد الفتح مع يوشع وقيل بل كان مع يوشع حين افتتحها .

رجوعهم إلى النبي في حكم الرجم قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري أنه سمع رجلا من مزينة من أهل العلم يحدث سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة حدثهم أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت فقالوا : ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فسلوه كيف الحكم فيهما ، وولوه الحكم عليهما ، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية - والتجبية الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين - فاتبعوه فإنما هو ملك وصدقوه وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه . فأتوه فقالوا : يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما ، فقد وليناك الحكم فيهما . فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال يا معشر يهود أخرجوا إلي علماءكم فأخرج له عبد الله بن صوريا . قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض بني قريظة أنهم قد أخرجوا إليه يومئذ مع ابن صوريا ، أبا ياسر بن أخطب ووهب بن يهوذا ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا . فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا من أعلم من بقي بالتوراة . قال ابن هشام : من قوله " وحدثني بعض بني قريظة - إلى أعلم من بقي بالتوراة " من قول ابن إسحاق ، وما بعده من الحديث الذي قبله . فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا فألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة يقول له يا ابن صوريا ، أنشدك الله وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ قال اللهم نعم أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ولكنهم يحسدونك . قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار . ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فأنزل الله تعالى فيهم يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا ، وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الحكم عن مواضعه . ثم قال يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه أي الرجم فاحذروا إلى آخر القصة . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن يزيد بن ركانة عن إسماعيل بن طلحة بن إبراهيم عن ابن عباس ، قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما ، فرجما بباب مسجده فلما وجد اليهودي مس الحجارة قام إلى صاحبته فجنأ عليها ، يقيها مس الحجارة حتى قتلا جميعا . قال وكان ذلك مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في تحقيق الزنا منهما . قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن نافع مولى عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر ، لما حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما ، دعاهم بالتوراة وجلس حبر منهم يتلوها ، وقد وضع يده على آية الرجم قال فضرب عبد الله بن سلام يد الحبر ثم قال هذه يا نبي الله آية الرجم يأبى أن يتلوها عليك ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكم يا معشر يهود ما دعاكم إلى ترك حكم الله وهو بأيديكم ؟ قال فقالوا : أما والله إنه قد كان فينا يعمل به حتى زنى رجل منا بعد إحصانه من بيوت الملوك وأهل الشرف فمنعه الملك من الرجم ثم زنى رجل بعده فأراد أن يرجمه فقالوا : لا والله حتى ترجم فلانا ، فلما قالوا له ذلك اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التجبية وأماتوا ذكر الرجم والعمل به . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أول من أحيا أمر الله وكتابه وعمل به ثم أمر بهما فرجما عند باب مسجده قال عبد الله بن عمر : فكنت فيمن رجمهما . ________________________________________ ذكر المرجومة من اليهود فصل وذكر المرجومة من اليهود ، وأن صاحبها الذي رجم معها حنا عليها بنفسه ليقيها الحجارة . حنا بالحاء تقيد في إحدى الروايتين عن أبي الوليد وكذلك في الموطأ من رواية يحيى ، فجعل يحنى عليها ، وفي الرواية الأخرى عن أبي الوليد جنأ بالجيم والهمز وعلى هذه الرواية فسره أبو عبيد ، والجناء الانحناء قال الشاعر عوف بن محلم وبدلتني بالشطاط الجنا وكنت كالصعدة تحت السنان وفي حنوه عليها من الفقه أنهما لم يكونا في حفرتين كما ذهب إليه كثير من الفقهاء في سنة الرجم وكذلك روي عن علي رحمه الله أنه حفر لشراحة بنت مالك الهمدانية حين رجمها . وأما الأحاديث فأكثرها على ترك الحفر للمرجوم واسم هذه المرجومة بسرة فيما ذكر بعض أهل العلم وفي قصتهما أنزل الله وكيف يحكمونك وعندهم التوراة الآية إلى قوله يحكم بها النبيون الذين أسلموا يعني محمدا ، ومن حكم بالرجم قبله لأنه حكم بالرجم لأولئك اليهود الذين تحاكموا إليه والربانيون . يعني : عبد الله بن سلام وابن صوريا من الأحبار بما استحفظوا من كتاب الله لأنهم حفظوا أن الرجم في التوراة ، لكنهم بدلوا وغيروا ، وكانوا عليه شهداء لأنهم شهدوا بذلك على اليهود إلى قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فحكم بالرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يبين لك أن الرجم في القرآن وعلى هذا فسره مالك فيما بلغني ، ولذلك قال عليه السلام للرجلين لأحكمن بينكما بكتاب الله فحكم بالرجم كما في الكتاب المنزل على موسى ، وعلى محمد صلى الله عليهما ، وقد قيل في معنى الحديث أقوال غير هذا ، والصحيح ما ذكرنا . واستشهد ابن هشام في تفسير الجهرة بقول أبي الأخزر الحماني . واسمه قتيبة وحمان هو ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، فقال يجهر أفواه المياه السدم يقال ماء سدام إذا غطاه الرمل وجمعه سدم وجمعه على سدم غريب ويقال أيضا سدام وأسدام ونحو من قوله يجهر قول عائشة رضي الله عنها في أبيها . واجتهر لهم عين الرواء وأنشد في تفسير القوم وأنه البر : فوق شيزى مثل الجوابي عليها قطع كالوذيل في نقي فوم الشيزى : خشب أسود تصنع منه الجفان [ مفردها : جفنة وهي القصعة والجوابي : جمع جابية الحوض يجبى فيه الماء للإبل ] ، والوذيل جمع وذيلة وهي السبيكة من الفضة . قال الشاعر وتريك وجها كالوذي لة لا ريان ممتلئ ولا جهم < 428 - ومنه قول عمرو بن العاص لمعاوية أما والله لقد ألفيت أمرك ، وهو أشد انفضاحا من حق الكهول . كذلك رواه الهروي وقال ابن قتيبة : الكهدل فما زلت أرمه بوذائله وأصله بوصائله حتى تركته على مثل فلكة المدر . حق الكهول بيت العنكبوت وكما قاله الهروي قاله أبو عمر الزاهد في كتاب الياقوت كما وقع في غريب الحديث للقتبي قاله أبو عبد الله بن القزاز في الكتاب الكبير قال الكهدل العنكبوت وقيل في الكهول إنه ثدي العجوز وفي العين الوذيلة المرآة وقيل في الفوم إنه الثوم واختاره ابن قتيبة ، واحتج بأنه في مصحف عبد الله بن مسعود : وثومها ، ولا حجة في هذا لما ذكره أبو حنيفة في النبات أن الثوم هو البر ، وأنه يقال بالفاء وبالثاء ومن الشاهد على الفوم وأنه البر قول أبي أحيحة بن الجلاح ، وقيل هو لأبي محجن الثقفي قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا سكن المدينة عن زراعة فوم وأنشد في بعض ما فسر بيت الأخطل قال وهو الغوث بن هبيرة بن الصلت يكنى أبا مالك والمعروف غياث بن الغوث بن هبيرة بن الصلت وسمي الأخطل لقوله لعمرك إنني وابني جعيل وأمهما لاستار لئيم كل أربعة إستار قيل إن كعب بن جعيل قال له في خبر جرى بينهما ، والأخطل يومئذ غلام يقرزم أي كما يبتدي يقول قبح ذاك الوجه غب الحمه فقال الأخطل ولم يكن وفعل كعب بن جعيل أمه فقال جعيل إنك لأخطل

ظلمهم في الدية قال ابن إسحاق : وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين إنما أنزلت في الدية بين بني النضير وبين بني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير وكان لهم شرف يؤدون الدية كاملة وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية فتحدثوا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء . قال ابن إسحاق : فالله أعلم أي ذلك كان .

قصدهم الفتنة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : وقال كعب بن أسد ، وابن صلوبا ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر فأتوه فقالوا له يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود ولم يخالفونا ، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله عليهم . فأنزل الله فيهم وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .

جحودهم نبوة عيسى عليه السلام قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر منهم أبو ياسر بن أخطب ، ونافع بن أبي نافع ، وعازر بن أبي عازر وخالد وزيد وإزار بن أبي إزار وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال رسول الله نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته وقالوا : لا نؤمن بعيسى ابن مريم ولا بمن آمن به . فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ادعاؤهم أنهم على الحق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة ، وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ؟ قال بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها ، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من إحداثكم قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا ، فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك ، فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين

إشراكهم بالله قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم النحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، وبحري بن عمرو ، فقالوا له يا محمد أما تعلم مع الله إلها غيره ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لا إله إلا هو بذلك بعثت ، وإلى ذلك أدعو . فأنزل الله فيهم وفي قولهم قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون

نهيه تعالى للمؤمنين عن موادتهم وكان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهما . فأنزل الله تعالى فيهما : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين إلى قوله وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون .

سؤالهم عن قيام الساعة وقال جبل بن أبي قشير ، وشمويل بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد أخبرنا ، متى تقوم الساعة إن كنت نبيا كما تقول ؟ فأنزل الله تعالى فيهما : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ الأعراف 187 ] .


تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : أيان مرساها متى مرساها . قال قيس بن الحدادية الخزاعي فجئت ومخفى السر بيني وبينها لأسألها أيان من سار راجع ؟ وهذا البيت في قصيدة له . و مرساها منتهاها ، وجمعه مراس . قال الكميت بن زيد الأسدي والمصيبين باب ما أخطأ النا س ومرسى قواعد الإسلام وهذا البيت في قصيدة له ومرسى السفينة حتى تنتهي . وحفي عنها - على التقديم والتأخير - يقول يسألونك عنها كأنك حفي بهم فتخبرهم بما لا تخبر به غيرهم . والحفي : البر المتعهد . وفي كتاب الله إنه كان بي حفيا [ مريم : 47 ] . وجمعه أحفياء . وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة : فإن تسألي عني فيا رب سائل حفي عن الأعشى به حيث أصعدا وهذا البيت في قصيدة له . والحفي أيضا : المستحفي عن علم الشيء المبالغ في طلبه .

ادعاؤهم أن عزيرا ابن الله قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى أبو أنس ومحمود بن دحية وشأس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا له كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون [ التوبة 30 ] إلى آخر القصة .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : يضاهئون أي يشاكل قولهم قول الذين كفروا ، نحو أن تحدث بحديث فيحدث آخر بمثله فهو يضاهيك .

طلبهم كتابا من السماء قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ، ونعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وعزير بن أبي عزير ، وسلام بن مشكم ، فقالوا : أحق يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند الله فإنا لا نراه متسقا كما تتسق التوراة ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله . تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به فقالوا عند ذلك وهم جميع فنحاص وعبد الله بن صوريا ، وابن صلوبا ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وأشيع وكعب بن أسد ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة : يا محمد أما يعلمك هذا إنس ولا جن ؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله وإني لرسول الله تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة ; فقالوا : يا محمد فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به . فأنزل الله تعالى فيهم . وفيما قالوا : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ الإسراء 88 ] . تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : الظهير العون . ومنه قول العرب : تظاهروا عليه أي تعاونوا عليه . قال الشاعر يا سمي النبي أصبحت للدي ن قواما وللإمام ظهيرا أي عونا ; وجمعه ظهراء .

سؤالهم له صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين قال ابن إسحاق : وقال حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، وأبو رافع وأشيع وشمويل بن زيد ، لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك . ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله تعالى فيه مما كان قص على قريش ، وهم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط .

تهجمهم على ذات الله وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك قال ابن إسحاق : وحدثت عن سعيد بن جبير أنه قال أتى رهط من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه . قال فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه فقال خفض عليك يا محمد وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [ الإخلاص 1 - 4 ] . قال فلما تلاها عليهم قالوا : صف لنا يا محمد كيف خلقه ؟ كيف ذراعه ؟ كيف عضده ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم . فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له مثل ما قال له أول مرة وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه . يقول الله تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [ الزمر 67 ] . قال ابن إسحاق : وحدثني عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك الناس أن يتساءلوا بينهم حتى يقول قائلهم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [ الإخلاص 1 - 4 ] . ثم ليتفل الرجل عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم . تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : الصمد الذي يصمد إليه ويفزع إليه قالت هند بنت معبد بن نضلة تبكي عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة عميها الأسديين وهما اللذان قتل النعمان بن المنذر اللخمي ، وبني الغريين اللذين بالكوفة عليهما :




. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الجزء الثالث

الجزء الرابع

الروض الآنف الجزء الرابع غزوة ذي قرد ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك ، كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية سلع . ثم صرخ واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق بالقوم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ، ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى ، ثم قال خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع قال فيقول قائلهم أويكعنا هو أول النهار تسابق الفرسان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو ، وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود حليف بني زهرة ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار ، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء ، أحد بني عبد الأشهل وسعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبد الأشهل وأسيد بن ظهير ، أخو بني حارثة بن الحارث يشك فيه وعكاشة بن محصن أخو بني أسد بن خزيمة ; ومحرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة وأبو عياش وهو عبيد بن زيد بن الصامت ، أخو بني زريق . فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليهم سعد بن زيد فيما بلغني ، ثم قال اخرج في طلب القوم ، حتى ألحقك في الناس  

نصيحة الرسول لأبي عياش وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا ، هو أفرس منك فلحق بالقوم ؟ قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم ضربت الفرس ، فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أعطيته أفرس منك ، وأنا أقول أنا أفرس الناس فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وكان ثامنا ، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير ، أخا بني حارثة والله أعلم أي ذلك كان . ولم يكن سلمة يومئذ فارسا ، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه . فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا . مقتل محرز بن نضلة قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة - وكان يقال لمحرز الأخرم ويقال له قمير - وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط ، حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جاما ، فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ؟ قال نعم فأعطينه إياه . فخرج عليه فلم يلبث أن بذ الخيل بجمامه حتى أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار . قال وحمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس ، فلم يقدر عليه حتى وقف على آريه من بني عبد الأشهل فلم يقتل من المسلمين غيره قال ابن هشام : وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز وقاص بن مجزر المدلجي ، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم . أسماء أفراس المسلمين قال ابن إسحاق : وكان اسم فرس محمود ذا اللمة . قال ابن هشام : وكان اسم فرس سعد بن زيد : لاحق واسم فرس المقداد بعزجة ويقال سبحة واسم فرس عكاشة بن محصن ذو اللمة واسم فرس أبي قتادة : حزوة وفرس عباد بن بشر لماع وفرس أسيد بن ظهير : مسنون وفرس أبي عياش جلوة . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك : أن مجزرا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن يقال له الجناح فقتل مجزر واستلبت الجناح . قتلى المشركين ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين . استعمال ابن أم مكتوم على المدينة قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم . قال ابن إسحاق : فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة ، فاسترجع الناس وقالوا : قتل أبو قتادة ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه

وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار ، وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا ، واستنقذوا بعض اللقاح وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد وتلاحق به الناس فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الأكوع : يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : إنهم الآن ليغبقون في غطفان  

تقسيم الفيء بين المسلمين فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا ، وأقاموا عليها ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة . ________________________________________ غزوة ذي قرد ويقال فيه قرد بضمتين هكذا ألفيته مقيدا عن أبي علي والقرد في اللغة الصوف الرديء يقال في مثل عثرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة . أسماء أفراس المسلمين وذكر ابن إسحاق في هذه الغزوة أسماء خيل جماعة ممن حضرها ، فذكر بعزجة فرس المقداد ، والبعزجة شدة جري في مغالبة كأنه منحوت من بعج إذا شق وعز أي غلب . وأما سبحة فمن سبح إذا علا علوا في اتساع ومنه سبحان الله وسبحات الله عظمته وعلوه لأن الناظر المفكر في [ الله ] سبحانه يسبح في بحر لا ساحل له وقد ذكرنا في معنى هذه الكلمة حقائق ودقائق أسرار في شرح سبحان الله وبحمده . وأما حزوة فمن حزوت الطير إذا زجرتها ، أو من حزوت الشيء إذا أظهرته . قال الشاعر ترى الأمعز المحزو فيه كأنه من الحر واستقباله الشمس مسطح وجلوة من جلوت السيف وجلوت العروس كأنها تجلو الفم عن قلب صاحبها ، ومسنون من سننت الحديدة إذا صقلتها . سلمة بن الأكوع وذكر سلمة بن الأكوع ، واسم الأكوع سنان وخبر سلمة في ذلك اليوم أطول مما ذكره ابن إسحاق ، وأعجب فإنه استلب وحده في ذلك اليوم من العدو وهو راجل قبل أن تلحق به الخيل ثلاثين بردة وثلاثين درقة وقتل منهم بالنبل كثيرا ، فكلما هربوا أدركهم وكلما راموه أفلت منهم وشهرة حديثه تغني عن سرده فإنه في كتب الحديث المشهورة وقيل إن سلمة هذا هو الذي كلمه الذئب وقيل إن الذي كلمه الذئب هو أهبان بن صيفي وهو حديث مشهور . شرح اليوم يوم الرضع وقوله اليوم يوم الرضع يريد يوم اللئام أي يوم جبنهم وفي قولهم لئيم راضع أقوال ذكرها ابن الأنباري . قيل الراضع هو الذي رضع اللؤم في ثديي أمه أي غذي به وقيل هو الذي يرضع ما بين أسنانه يستكثر من الجشع بذلك . وشاهد هذا القول قول امرأة من العرب تذم رجلا : إنه لأكلة ثكلة يأكل من جشعه خلله أي ما يتخلل بين أسنانه . قال ابن قتيبة : ولم أسمع في الجشع والحرص أبلغ من هذا ، ومن قولهم هو يثير الكلاب من مرابضها ، أي يلتمس تحتها عظما يتعرقه وقيل في اللئيم الراضع غير ما ذكرناه مما هو معروف عند الناس ومذكور في كتبهم . وقوله اليوم يوم الرضع بالرفع فيهما ، وبنصب الأول ورفع الثاني ، حكى سيبويه : اليوم يومك ، على أن تجعل اليوم ظرفا في موضع خبر للثاني ، لأن ظروف الزمان يخبر بها عن زمان مثلها إذا كان الظرف يتسع ولا يضيق على الثاني ، مثل أن تقول الساعة يومك ، وقد قيل في قوله تعالى : فذلك يومئذ يوم عسير [ المدثر 90 ] أن يومئذ ظرف ليوم عسير وذلك أن ظروف الزمان أحداث وليست بجثث فلا يمتنع فيها مثل هذا ، كما لا يمتنع في سائر الأحداث . امرأة الغفاري وما نذرت مع الرسول

وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر ، فلما فرغت قالت يا رسول الله إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها ; قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله  

والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى الزبير المكي عن الحسن بن أبي الحسن البصري . ________________________________________ وقوله عليه السلام للغفارية واسمها ليلى ، ويقال هي امرأة أبي ذر حين أخبرته أنها نذرت إن الله نجاها ، عليها أن تنحرها ، قال فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونحاك بها ، ثم تنحرينها إنه لا نذر في معصية الله ولا في ما لا تملكين فيه حجة للشافعي ومن قال بقوله إن ما أحرزه العدو من مال إنه لهم بلا ثمن قبل القسم وبعده لأنه لا يخرجه من ملكه حوز العدو له وقال مالك هو أولى به قبل القسم وصاحبه بعد القسم أولى به بالثمن وفيه قولان آخران لأهل العراق . حول النذر والطلاق والعتق وقوله عليه السلام إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين وقوله عليه السلام لا نذر لأحد فيما لا يملك ولا طلاق لأحد فيما لا يملك ولا عتق لأحد فيما لا يملك حديث مروي من طريق عبد الله بن عمرو ، ومن طريق أبي هريرة ولكنه لم يخرج في الصحيحين لعلل في أسانيده وقد قال بهذا الحديث أن لا طلاق قبل الملك جماعة من الصحابة وفقهاء التابعين وفقهاء الأمصار وسواء عندهم عين امرأة أو لم يعين وإليه مال البخاري رحمه الله ورواه ابن كنانة عن مالك وابن وهب ، واحتج ابن عباس في هذه المسألة بقوله تعالى : إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن [ الأحزاب : 49 ] قال فإذا لا طلاق إلا بعد نكاح وقال شريك القاضي : النكاح عقد والطلاق حل ، فلا يكون الحل إلا بعد العقد . شعر حسان في ذي قرد وكان مما قيل من الشعر في يوم ذي قرد قول حسان بن ثابت لولا الذي لاقت ومس نسورها بجنوب ساية أمس في التقواد للقينكم يحملن كل مدجج حامي الحقيقة ماجد الأجداد ولسر أولاد اللقيطة أننا سلم غداة فوارس المقداد كنا ثمانية وكانوا جحفلا لجبا فشكوا بالرماح بداد كنا من القوم الذين يلونهم ويقدمون عنان كل جواد كلا ورب الراقصات إلى منى يقطعن عرض مخارم الأطواد حتى نبيل الخيل في عرصاتكم ونئوب بالملكات والأولاد رهوا بكل مقلص وطمرة في كل معترك عطفن روادي أفنى دوابرها ولاح متونها يوم تقاد به ويوم طراد فكذاك إن جيادنا ملبونة والحرب مشعلة بريح غواد وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي جنن الحديد وهامة المرتاد أخذ الإله عليهم لحرامه ولعزة الرحمن بالأسداد كانوا بدار ناعمين فبدلوا أيام ذي قرد وجوه عباد غضب سعد على حسان ومحاولة حسان استرضاءه قال ابن هشام : فلما قالها حسان غضب عليه سعد بن زيد ، وحلف أن لا يكلمه أبدا ; قال انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد فاعتذر إليه حسان وقال والله ما ذاك أردت ، ولكن الروي وافق اسم المقداد ، وقال أبياتا يرضي بها سعدا : إذا أردتم الأشد الجلدا أو ذا غناء فعليكم سعدا سعد بن زيد لا يهد هدا فلم يقبل منه سعد ولم يغن شيئا . ________________________________________ من شرح شعر حسان أعضاء الخيل وذكر شعر حسان لولا الذي لاقت ومس نسورها يعني : الخيل والنسر كالنواة في باطن الحافر وفي الفرس عشرون عضوا ، كل عضو منها يسمى باسم طائر فمنها النسر والنعامة والهامة والسمامة والسعدانة وهي الحمامة والقطاة الذباب والعصفور والغراب والصرد والصقر والخرب والناهض وهو فرخ العقاب والخطاب ذكرها وبقيتها الأصمعي ، وروى فيها شعرا لأبي حزرة جرير وهو وأقب كالسرحان تم له ما بين هامته إلى النسر رحبت نعامته ووفر فرخه وتمكن الصردان في النحر وأناف بالعصفور في سعف هام أشم موثق الجذر وازدان بالديكين صلصله ونبت دجاجته عن الصدر والناهضان أمر جلزهما فكأنما عثما على كسر مسحنفر الجنبين ملتئم ما بين شيمته إلى الغر وصفت سماناه وحافره وأديمه ومنابت الشعر وسما الغراب لموقعيه معا فأبين بينهما على قدر واكتن دون قبيحه خطافه ونأت سمامته على الصقر وتقدمت عنه القطاة له فنأت بموقعها عن الحر وسما على نقويه دون حداته خربان بينهما مدى الشبر يدع الرضيم إذا جرى فلقا بتوائم كمواسم سمر ركبن في محض الشوى سبط كفت الوثوب مشدد الأسر بداد وفجار وقوله فشكوا بالرماح بداد . بداد من التبدد وهو التفرق وهو في موضع نصب غير أنه مبني ونصبه كانتصاب المصدر إذا قلت : مشيت القهقرى ، وقعدت القرفصاء وكأنه قال طعنوا الطعنة التي يقال لها بداد وبداد مثل فجار من قوله احتملت فجار جعلوه اسما علما للمصدر كما قالوا : فحملت برة فجعل برة علما للبر وسر هذه العلمية في هذا الموطن أنهم أرادوا الفعل الأتم الذي يسمى باسم ذلك الفعل حقيقة فقد يقول الإنسان بر فلان وفجر أي قارب أن يفعل ذلك ، أو فعل منه بعضه فإذا قال فعلت برة فإنما يريد البر الذي يسمى برا على الحقيقة فجاء بالاسم العلم الذي هو عبارة عن مسماه حقيقة إذ لا يتصور هذا الضرب من المجاز في الأعلام وكذلك إذا أراد الفجور على الحقيقة وأراد رفع المجاز سماه فجاز تحقيقا للمعنى ، أي مثل هذه الفعلة ينبغي أن تسمى باسم الفجور حقيقة وكذلك قالوا في النداء يا فساق ويا فسق فجاءوا بالصيغة المعروفة العلمية المعروفة مع النداء خاصة أي إن هذا الاسم ينبغي أن يكون اسمه الذي يدعى به إذ الاسم العلم ألزم لمسماه من اسم مشتق من فعل فعله لأن الفعل لا يثبت والاسم العلم يثبت فهذا هو معزاهم في هذه الأسماء التي هي على صيغ الأعلام في هذه المواطن فتأملها ، وقد بسطنا هذه الغرض بسطا شافيا في أسرار ما ينصرف وما لا ينصرف فلتنظر هنالك فثم ترى سر بنائها على الكسر مع ما يتصل بمعانيها إن شاء الله وألفيت في حاشية الشيخ رحمه الله على قوله فشكوا بالرماح فشلوا باللام الرواية الصحيحة وحقيقة المعنى ، ووقع في الأصلين فشكوا بالكاف كما في هذا الأصل . إلى هاهنا انتهى كلام الشيخ والشل باللام الطرد والشك بالكاف الطعن كما قال شك الفريصة بالمدرى فأنفذها شك المبيطر إذ يشفي من العضد عود إلى شرح شعر حسان وقوله رهوا أي مشيا بسكون ويقال لمستنقع الماء أيضا رهو والرهو أسماء الكركي والرهو المرآة الواسعة . وقوله روادي ، أي تردي بفرسانها ، أي تسرع . شعر آخر لحسان في يوم ذي قرد وقال حسان بن ثابت في يوم ذي قرد أظن عيينة إذ زارها بأن سوف يهدم فيها قصورا فأكذبت ما كنت صدقته وقلتم سنغنم أمرا كبيرا فعفت المدينة إذ زرتها وآنست للأسد فيها زئيرا فولوا صراعا كشد النعام ولم يكشفوا عن ملط حصيرا أمير علينا رسول المليك أحبب بذاك إلينا أميرا رسول نصدق ما جاءه ويتلو كتابا مضيئا منيرا ________________________________________ قصيدة أخرى لحسان وقول حسان في خيل عيينة فولوا سراعا كشد النعا م ولم يكشفوا عن ملط حصيرا أي لم يغنموا بعيرا ، ولا كشفوا عنه حصيرا يعني : بالحصير ما يكنف به حول الإبل من عيدان الحظيرة والملط من قولهم لطت الناقة وألطت بذنبها إذا أدخلته بين رجليها . شعر كعب في يوم ذي قرد وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس أتحسب أولاد اللقيطة أننا على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس وإنا أناس لا نرى القتل سبة ولا ننثني عند الرماح المداعس وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا ونضرب رأس الأبلج المتشاوس نرد كماة المعلمين إذا انتخوا بضرب يسلي نخوة المتقاعس بكل فتى حامي الحقيقة ماجد كريم كسرحان الغضاة مخالس يذودون عن أحسابهم وتلادهم ببيض تقد الهام تحت القوانس فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم بما فعل الإخوان يوم التمارس إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم ولا تكتموا أخباركم في المجالس وقولوا زللنا عن مخالب خادر به وحر في الصدر ما لم يمارس قال ابن هشام : أنشدني بيته " وإنا لنقري الضيف " أبو زيد . شعر شداد لعيينة قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي ، في يوم ذي قرد لعيينة بن حصن وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك فهلا كررت أبا مالك وخيلك مدبرة تقتل ذكرت الإياب إلى عسجر وهيهات قد بعد المقفل وطمنت نفسك ذا ميعة مسح الفضاء إذا يرسل إذا قبضته إليك الشما ل جاش كما اضطرم المرجل فلما عرفتم عباد الإل ه لم ينظر الآخر الأول عرفتم فوارس قد عودوا طراد الكماة إذا أسهلوا إذا طردوا الخيل تشقى بهم فضاحا وإن يطردوا ينزلوا فيعتصموا في سواء المقا م بالبيض أخلصها الصيقل غزوة بني المصطلق قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ثم غزا بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ست . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال نميلة بن عبد الله الليثي . سبب الغزوة قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه . مقتل ابن صبابة خطأ وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر يقال له هشام بن صبابة ، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ . ________________________________________ غزوة بني المصطلق وهم بنو جذيمة بن كعب من خزاعة ، فجذيمة هو المصطلق وهو مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت . وذكر المريسيع ، وهو ماء لخزاعة وهو من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد . وذكر سنان بن وبرة وقال غيره هو سنان بن تميم من جهينة بن سود بن أسلم حليف الأنصار . فتنة

فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث فقال أوقد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .

ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال مر به عباد بن بشر فليقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها ، فارتحل الناس حول فتنة ابن أبي ونفاقه وقد مشى عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به - وكان في قومه شريفا عظيما - فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على ابن أبي ابن سلول ودفعا عنه . قال ابن إسحاق : فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا نبي الله والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال وأي صاحب يا رسول الله ؟ قال عبد الله بن أبي . قال وما قال ؟ قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإن قومه لينظمون له الحرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا . ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي . ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع ; يقال له بقعاء . فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوها ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار . فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان عظيما من عظماء يهود وكهفا للمنافقين مات في ذلك اليوم ما نزل في ابن أبي من القرآن

ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال هذا الذي أوفى الله بأذنه  وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .

موقف عبد الله من أبيه قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عبد الله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل ( رجلا ) مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا . وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ، حين بلغه ذلك من شأنهم كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ; قال قال عمر قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري ________________________________________ تحريم دعوى الجاهلية وذكر أنه نادى : يا للأنصار ونادى جهجاه الغفاري يا للمهاجرين ولم يذكر ما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعهما ، وفي الصحيح أنه عليه السلام حين سمعهما منهما ، قال دعوها فإنها منتنة يعني : إنها كلمة خبيثة لأنها من دعوى الجاهلية وجعل الله المؤمنين إخوة وحزبا واحدا ، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة يا للمسلمين فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه للفقهاء فيها ثلاثة أقوال أحدها : أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا ، حين سمع يا لعامر فأقبل يشتد بعصبة له . والقول الثاني : أن فيها الجلد دون العشرة لنهيه عليه السلام أن يجلد أحد فوق العشرة إلا في حد والقول الثالث اجتهاد الإمام في ذلك على حسب ما يراه من سد الذريعة وإغلاق باب الشر إما بالوعيد وإما بالسجن وإما بالجلد . فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها قلنا : قد قال دعوها فإنها منتنة فقد أكد النهي فمن عاد إليها بعد هذا النهي وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم لها بالإنتان وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها ، كما فعل أبو موسى رحمه الله بالجعدي فلا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها والعقوبة عليها . جهجاه وأما جهجاه فهو ابن مسعود بن سعد بن حرام وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وهو كان صاحب هذه القصة فيما روى ابن أبي شيبة والبزار ، وقد قيل أيضا : إن الرجل الذي قال فيه عليه السلام هذه المقالة هو ثمامة بن أثال الحنفي ، ذكره ابن إسحاق ، وقيل بل هو أبو بصرة [ جميل بن بصرة ] الغفاري ، قاله أبو عبيد ، ومات جهجاه هذا بعد قتل عثمان رحمه الله أخذته الأكلة في ركبته فمات منها ، وكان قد كسر بركبته عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم - التي كان يخطب بها ، وذلك أنه انتزعها من عثمان حين أخرج من المسجد ومنع من الصلاة فيه فكان هو أحد المعينين عليه حتى كسر العصا على ركبته فيما ذكروا ، فابتلي بما ابتلي به من الأكلة . نعوذ بالله من عقوبته ونستجير به من الأهواء المضلة . موقف عبد الله الصحابي من أبيه المنافق ودلالته وذكر مقالة عبد الله بن أبي ، وأن ابنه عبد الله بن عبد الله استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه من أجل تلك المقالة وفي هذا العلم العظيم والبرهان النير من أعلام النبوة فإن العرب كانت أشد خلق الله حمية وتعصبا ، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده تقربا إلى الله وتزلفا إلى رسوله مع أن الرسول - عليه السلام - أبعد الناس نسبا منهم وما تأخر إسلام قومه وبني عمه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به لقيل قوم أرادوا الفخر برجل منهم وتعصبوا له فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبه من كان منهم أو من غيرهم علم أن ذلك عن بصيرة صادقة ويقين قد تغلغل في قلوبهم ورهبة من الله أزالت صفة قد كانت سدكت في نفوسهم من أخلاق الجاهلية لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى ، وهو القادر على ما يشاء وأما عبد الله بن عبد الله فكان من كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان اسمه حباب وبه كان يكنى أبوه فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله مات شهيدا باليمامة رضي الله عنه وروى الدارقطني مسندا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على جماعة فيهم عبد الله بن أبي فسلم عليهم ثم ولى ، فقال عبد الله لقد عنا ابن أبي كبشة في هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يأتيه برأس أبيه فقال لا ، ولكن بر أباك وذكر ابن إسحاق في هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغته مقالة عبد الله بن أبي : متن الناس يومهم ذلك ويروى مشى ، فأما متن فقال صاحب العين يقال ساروا سيرا مماتنا ، أي بعيدا . قدوم مقيس مسلما وشعره قال ابن إسحاق : وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما ، فيما يظهر فقال يا رسول الله جئتك مسلما ، وجئتك أطلب دية أخي ، قتل خطأ . فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة ; فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا فقال في شعر يقوله شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا تضرج ثوبيه دماء الأخادع وكانت هموم النفس من قبل قتله تلم فتحميني وطاء المضاجع حللت به وتري وأدركت ثؤرتي وكنت إلى الأوثان أول راجع ثأرت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع وقال مقيس بن صبابة أيضا : جللته ضربة باءت لها وشل من ناقع الجوف يعلوه وينصرم فقلت والموت تغشاه أسرته لا تأمنن بني بكر إذ ظلموا شعار المسلمين قال ابن هشام : وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق : يا منصور ، أمت أمت . قتلى بني المصطلق قال ابن إسحاق : وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس ، وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكا وابنه وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم يقال له أحمر أو أحيمر . أمر جويرية بنت الحارث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا ، فشاء قسمه في المسلمين وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها قالت عائشة فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله عليه وسلم ما رأيت ، فدخلت عليه فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت وما هو يا رسول الله ؟ قال أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ; قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت . قالت وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار ، فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها قال ابن هشام : ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث ، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله المدينة ، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء فرغب في بعيرين منها ، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق ، في شعب كذا وكذا ؟ فقال الحارث أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله فأسلم الحارث وأسلم معه ابنان له وناس من قومه وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما ، فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودفعت إليه ابنته جويرية فأسلمت وحسن إسلامها ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربعمائة درهم ________________________________________ حول حديث جويرية " ملاحة ومليح " فصل وذكر جويرية بنت الحارث ، ووقوعها في السهم لثابت بن قيس ، أو لابن عم له ثم جاءت تستعين في كتابتها ، قالت عائشة وكانت امرأة حلوة ملاحة . الملاح أبلغ من المليح في كلام العرب ، وكذلك الوضاء أبلغ من الوضيء والكبار كذلك أبلغ من الكبير غير أنه لا يوصف الباري سبحانه بهذا اللفظ فيقال فيه كبار بمعنى كبير لأنه على بنية الجمع نحو ضراب وشهاد فكان لفظ الكبير ونحوه أبعد من الاشتراك وأدل على الوحدانية والله أعلم . وأما معنى : الملاحة فذهب قوم إلى أنها من الملحة وهي البياض ، تقول العرب : عنب ملاحي والصحيح في معنى المليح ، أنه مستعار من قولهم طعام مليح إذا كان فيه من الملح بقدر ما يصلحه ولذلك إذا بالغوا في المدح قالوا : مليح قزيح فمليح من ملحت القدر وقزيح من قزحتها إذا طيبت نكهتها بالأفاوية وهي الأقزاح وبذلك على بعد هذا المعنى من البياض قولهم في الأسود مليح وفي العينين إذا اشتد سوادهما وحسنهما كما جاء في تفسير قوله سبحانه وألقيت عليك محبة مني [ طه : 29 ] . أنها ملاحة في العينين وقال الأصمعي : الحسن في العينين والجمال في الأنف والملاحة في الفم . وقالت امرأة خالد بن صفوان لبعلها : إنك لجميل يا أبا صفوان فقال وكيف وليس عندي رداء الجمال ولا برنسه ولا عموده ؟ ثم قال عموده الطول وأنا ربعة وبرنسه سواد الشعر وأنا أشمط ورداؤه البياض ، وأنا آدم ولكن قولي : إنك مليح ظريف . فعلمها أن الملاحة قد تكون من صفة الآدم فهي إذا ليست من معنى البياض في شيء وإنما هي ضد المساسة . غيرة نساء النبي والنظر إلى المرأة وقول عائشة في جويرية فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها . فيه ما كان عليه أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغيرة عليه والعلم بموقع الجمال منه كما قد روي أنه - عليه السلام - أنه خطب امرأة فأرسل عائشة لتنظر إليها ، فلما رجعت إليه قالت ما رأيت طائلا ، فقال بلى لقد رأيت : خالا قد خدها اقشعرت منه كل شعرة في جسدك . وأما نظره عليه السلام لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف فإنما ذلك لأنها كانت امرأة مملوكة ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها ، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء وجائز أن يكون نظر إليها ، لأنه نوى نكاحها ، كما نظر إلى المرأة التي قالت له إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله فصعد فيها النظر ثم صوب ثم أنكحها من غيره وقد ثبت عنه عليه السلام الرخصة في النظر إلى المرأة عند إرادة نكاحها ، وقال للمغيرة حين شاوره في نكاح امرأة لو نظرت إليها ، فإن ذلك أحرى أن يؤدم بينكما وقال مثل ذلك لمحمد بن مسلمة حين أراد نكاح ثبيتة بنت الضحاك ، وقد أجازه مالك في إحدى الروايتين عنه ذكرها ابن أبي زيد . وفي مسند البزار من طريق أبي بكرة لا حرج أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد تزوجها ، وهي لا تشعر وفي تراجم البخاري : النظر إلى المرأة قبل التزويج وأورد في الباب قوله عليه السلام لعائشة : أريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير فكشفت عن وجهك ، فقال هذه امرأتك ، فقلت : إن يكن من عند الله يمضه وهذا استدلال حسن . وفي قوله إن يكن من عند الله سؤال لأن رؤياه وحي فكيف يشك في أنها من عند الله . والجواب أنه لم يشك في صحة الرؤيا ، ولكن الرؤيا قد تكون على ظاهرها ، وقد تكون لمن هو نظير المرء أو سميه فمن هاهنا تطرق الشك ما بين أن تكون على ظاهرها ، أو لها تأويل كذلك وسمعت شيخنا يقول في معنى هذا الحديث ولغيره فيه قول لا أرضاه فلا يخلو نظره عليه السلام إليها من أحد الأمرين أو يكون ذلك قبل أن يضرب الحجاب وإلا فقد قال الله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وهو إمام المتقين وقدوة الورعين صلى الله عليه وسلم . جويرية وأما جويرية فهي بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائد بن مالك بن جذيمة ، وجذيمة المصطلق من خزاعة ، كان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية وقد روي مثل هذا في حديث ميمونة بنت الحارث وكذلك زينب بنت جحش ، كان اسمها برة أيضا ، وزينب بنت أبي سلمة ربيبته عليه السلام كان اسمها برة فسماهن جمع بغير ذلك الاسم توفيت جويرية في شهر ربيع الأول سنة ست أو خمس وخمسين من الهجرة وكانت قبل أن تسبى عند مسافع بن صفوان الخزاعي . ما نزل من القرآن في حق الوليد بن عقبة قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بعد إسلامهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فلما سمعوا به ركبوا إليه فلما سمع بهم هابهم فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد هموا بقتله ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يغزوهم فبينا هم على ذلك قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك حين بعثته إلينا ، فخرجنا إليه لنكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة فانشمر راجعا ، فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله ووالله ما جئنا لذلك فأنزل الله تعالى فيه وفيهم يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم إلى آخر الآيات . [ الحجرات 6 - 8 ] . وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك كما حدثني من لا أتهم عن الزهري ، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ، حتى إذا كان قريبا من المدينة ، وكان معه عائشة في سفره ذلك قال فيها أهل الإفك ما قالوا . خبر الإفك في غزوة بني المصطلق سنة ست قال ابن إسحاق : حدثنا الزهري ، عن علقمة بن وقاص وعن سعيد بن جبير ، وعن عروة بن الزبير ، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال كل قد حدثني بعض هذا الحديث وبعض القوم كان أوعى له من بعض وقد جمعت لك الذي حدثني القوم . الهدي في السفر مع الزوجات قال محمد بن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عن عائشة وعبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة عن نفسها ، حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا ، فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان عنها ثقة فكلهم حدث عنها ما سمع قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه كما كان يصنع فخرج سهمي عليهن معه فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث الإفك

قالت وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق لم يهيجهن اللحم فيثقلن وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ، ثم يأتي القوم الذين يرحلون لي ويحملونني ، فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به . قالت فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا ، فبات به بعض الليل ثم أذن في الناس بالرحيل فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي ، وفي عنقي عقد لي ، فيه جزع ظفار ، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري ، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي ، فلم أجده وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم حلافى ، الذين كانوا يرحلون لي البعير وقد فرغوا من راحلته فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير ولم يشكوا أني فيه ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب قد انطلق الناس .

قالت فتلففت بجلبابي ، ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتقدت لرجع إلي . قالت فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي ، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس فرأى سوادي ، فأقبل حتى وقف علي وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متلففة في ثيابي ، قال ما خلفك يرحمك الله ؟ قالت فلما كلمته ، ثم قرب البعير فقال اركبي واستأخر عني . قالت فركبت ، وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا ، يطلب الناس فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتعج العسكر ووالله ما أعلم بشيء من ذلك . ثم قدمنا المدينة ، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ولا يبلغني من ذلك شيء وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا ، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ، كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك فأنكرت ذلك منه كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني - قال ابن هشام : وهي أم رومان ، واسمها زينب بنت عبد دهمان ، أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة - قال كيف تيكم ، لا يزيد على ذلك قال ابن إسحاق : قالت حتى وجدت في نفسي ، فقلت : يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لي : لو أذنت لي ، فانتقلت إلى أمي ، فمرضتني ؟ قال لا عليك . قالت فانتقلت إلى أمي ، ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة وكنا قوما عربا ، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم ، نعافها ونكرهها ، إنما كنا نذهب في فسح المدينة ، وإنما كانت النساء يخرجن كل ليلة في حوائجهن فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها ، فقالت تعس مسطح ومسطح لقب واسمه عوف قالت قلت : بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا ، قالت أوما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟ قالت قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك قالت قلت : أوقد كان هذا ؟ قالت نعم والله فقد كان . قالت فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ، ورجعت ، فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ; قالت وقلت لأمي : يغفر الله لك ، تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا قالت أي بنية خفضي عليك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ، لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها . قالت وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ، ويقولون عليهم غير الحق والله ما علمت منهم إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا ، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي . قالت وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن من نسائه امرأة تناصيني في المنزلة عنده غيرها ، فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيرا وأما حمنة بنت جحش ، فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادني لأختها ، فشقيت بذلك . فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفكهم وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج ، فمرنا بأمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم قالت فقام سعد بن عبادة ، وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا ، فقال كذبت لعمر الله لا تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا ، فقال أسيد كذبت لعمر الله ولكنك منافق تجادل عن المنافقين قالت وتساور الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر . ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي . ( قالت ) : فدعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وأسامة بن زيد فاستشارهما ، فأما أسامة فأثنى علي خيرا وقاله ثم قال يا رسول الله أهلك ولا نعلم منهم إلا خيرا ، وهذا الكذب والباطل وأما علي فإنه قال يا رسول الله إن النساء لكثير وإنك لقادر على أن تستخلف وسل الجارية فإنها ستصدقك . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ليسألها ، قالت فقام إليها علي بن أبي طالب ، فضربها ضربا - 30 - شديدا ، ويقول اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فتقول والله ما أعلم إلا خيرا ، وما كنت أعيب على عائشة شيئا ، إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله ________________________________________ حديث الإفك فيه من الغريب قول عائشة والنساء يومئذ لم يهيجهن اللحم فيثقلن . التهييج انتفاخ في الجسم قد يكون من سمن وقد يكون من آفة قال الأصمعي أو غيره هجمت على حي من العرب بواد خصيب وإذا ألوانهم مصفرة ووجوههم مهيجة فقلت لهم ما بالكم ؟ واديكم أخصب واد وأنتم لا تشبهون المخاصب فقال لي شيخ منهم إن بلدنا ليست له ريح يريد أن الجبال أحاطت به فلا تذهب الرياح وباءه ولا رمده . صفوان بن المعطل وفيه ذكر صفوان بن المعطل بن ربيضة بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي ، ثم الذكواني يكنى أبا عمرو ، وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به ولذلك تخلف في هذا الحديث الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا ، وقد روي في تخلفه سبب آخر وهو أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس . ويشهد لصحة هذا حديث أبي داود أن امرأة صفوان اشتكت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرت أشياء منها أنه لا يصلي الصبح فقال صفوان يا رسول الله إني امرئ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له النبي عليه السلام فإذا استيقظت فصل وقد ضعف البزار حديث أبي داود هذا في مسنده . وقتل صفوان بن المعطل شهيدا في خلافة معاوية واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها ، وهي منكسرة حتى مات وذلك بالجزيرة بموضع يقال له شمطاط . تفسير أسقطوا وفيه من غير رواية ابن إسحاق أنهم دعوا الجارية فسألوها حتى أسقطوا لها به يريد أفصحوا بالأمر ونقروا عنه يقال ساقطته الحديث مساقطة وأسقطوا به في هذا المعنى قال أبو حية [ النميري ] : إذا هن ساقطن الحديث كأنه سقاط حصى المرجان من سلك ناظم كذا فسره أبو الحسن بن بطال وفيما ذكر ابن إسحاق من رواية الشيباني عنه أنهم أداروا الجارية على الحديث ولم يصرخوا لها حتى فطنت بما أرادوا ، فقالت ما أعلم عليها عيبا ، الحديث . وأما ضرب علي للجارية وهي حرة ولم تستوجب ضربا ، ولا استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضربها ، فأرى معناه أنه أغلظ لها بالقول وتوعدها بالضرب واتهمها أن تكون خانت الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه مع إدلاله وأنه كان من أهل البيت ، وفي غير حديث ابن إسحاق قالت الجارية والله ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر . بريرة وأما بريرة فهي مولاة عائشة - رضي الله عنها - التي اشترتها من بني كاهل فأعتقتها ، وخيرت في زوجها ، وكان عبدا لبني جحش . هذه رواية أهل المدينة ، وفي رواية أهل العراق أنه كان حرا ، وهي رواية الأسود بن يزيد عن عائشة والأولى رواية عروة والقاسم بن محمد عن عائشة وكذلك يقولون بتخيير الأمة إذا عتقت وإن كان بعلها حرا ، وقول أهل الحجاز على حسب روايتهم فلا يرون تخييرها ، إلا إذا كان زوجها عبدا ، وعاشت بريرة حتى روى عنها الحديث بعض التابعين . قال عبد الملك بن مروان : كنت أجالس بريرة قبل أن ألي هذا الأمر فتقول لي : يا أبا عبد الملك إن فيك خصالا خليقة بهذا الأمر فإن وليت هذا الأمر فاتق الله في الدماء فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الرجل ليحال بينه وبين الجنة بعد أن ينظر إليها بمحجمة دم أراقها من مسلم في غير حق والبريرة واحدة البرير وهو ثمر الأراك . أم رومان وأما أم رومان ، وهي أم عائشة فقد مر ذكرها في هذا الحديث وهي زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن دهمان ، وهي من كنانة واختلف في عمود نسبها ، ولدت لأبي بكر عائشة وعبد الرحمن وكانت قبل أبي بكر عند عبد الله بن الحارث بن سخبرة فولدت له الطفيل وتوفيت أم رومان سنة ست من الهجرة ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبرها ، وقال اللهم إنه لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك ، وفي رسولك وقال من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين ، فلينظر إلى أم رومان وهم للبخاري وروى البخاري حديثا عن مسروق ، وقال فيه " سألت أم رومان وهي أم عائشة عما قيل فيها " ومسروق ولد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف فلم ير أم رومان قط ، فقيل إنه وهم في الحديث وقيل بل الحديث صحيح وهو مقدم على ما ذكره أهل السيرة من موتها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تكلم شيخنا أبو بكر - رحمه الله - على هذا الحديث واعتنى به لإشكاله فأورده من طرق ففي بعضها : حدثتني أم رومان ، وفي بعضها عن مسروق عن أم رومان معنعنا ، قال رحمه الله والعنعنة أصح فيه وإذا كان الحديث معنعنا كان محتملا ، ولم يلزم فيه ما يلزم في حدثنا ، وفي سألت ، لأن للراوي أن يقول عن فلان وإن لم يدركه وهو كثير في الحديث . تناصبني أو تناصيني : وقول عائشة لم تكن امرأة تناصبني في المنزلة عنده غيرها ، هكذا في الأصل تناصبني ، والمعروف في الحديث تناصيني من المناصاة وهي المساواة وأصله من الناصية . القرآن وبراءة عائشة قالت ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي ، وهي تبكي معي ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا عائشة ، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس فاتقي الله وإن كنت قد قارفت سوءا ، مما يقول الناس فتوبي إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده قالت فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئا ، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما . قالت وايم الله لأنا كنت أحقر في نفسي ، وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به في المساجد ويصلى به ولكني قد كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني ، لما يعلم من براءتي ، أو يخبر خبرا ، فأما قرآن ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك . قالت فلما لم أر أبوي يتكلمان قالت قلت لهما : ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت فقالا : والله ما ندري بماذا نجيبه قالت والله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام قالت فلما أن استعجما علي استعبرت فبكيت ، ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا . والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم أني منه بريئة لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني . قالت ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ يوسف 18 ] . قالت فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه فسجي بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت ولا باليت ، قد عرفت أني بريئة وأن الله عز وجل غير ظالمي ، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما ، فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس قالت ثم سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله براءتك ، قالت قلت : بحمد الله ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك ثم أمر بمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد ، قالت له امرأته أم أيوب يا أبا أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال بلى ، وذلك الكذب أكنت يا أم أيوب فاعلة ؟ قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك قالت فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك فقال تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم [ النور 11 وما بعدها ] ، وذلك حسان بن ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا . قال ابن هشام : ويقال وذلك عبد الله بن أبي وأصحابه . قال ابن هشام : والذي تولى كبره عبد الله بن أبي ، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في هذا الحديث قبل هذا . ثم قال تعالى : لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا أي فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ثم قال إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم فلما نزل هذا في عائشة ، وفيمن قال لها ما قال قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ، وأدخل علينا قالت فأنزل الله في ذلك ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : يقال كبره وكبره في الرواية وأما في القرآن فكبره بالكسر . قال ابن هشام : ولا يأتل أولو الفضل منكم ولا يأل أولو الفضل منكم . قال امرؤ القيس بن حجر الكندي : ألا رب خصم فيك ألوى رددته نصيح على تغذاله غير مؤتل وهذا البيت في قصيدة له ويقال ولا يأتل أولو الفضل ولا يحلف أولو الفضل وهو قول الحسن بن أبي الحسن البصري ، فيما بلغنا عنه . وفي كتاب الله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم [ البقرة 226 ] وهو من الألية والألية اليمين . قال حسان بن ثابت : آليت ما في جميع الناس مجتهدا مني ألية بر غير إفناد وهذا البيت في أبيات له سأذكرها إن شاء الله في موضعها . فمعنى : أن يؤتوا في هذا المذهب أن لا يؤتوا ، وفي كتاب الله عز وجل يبين الله لكم أن تضلوا [ النساء : 176 ] يريد أن لا تضلوا ، ويمسك السماء أن تقع على الأرض [ الحج : 65 ] يريد أن لا تقع على الأرض وقال ابن مفرغ الحميري : لا ذعرت السوام في وضح الصب ح مغيرا ولا دعيت يزيدا يوم أعطي مخافة الموت ضيما والمنايا يرصدنني أن أحيدا يريد أن لا أحيد وهذان البيتان في أبيات له . قال ابن إسحاق : قالت فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا . ابن المعطل يهم بقتل حسان قال ابن إسحاق : ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف حين بلغه ما كان يقول فيه وقد كان حسان قال شعرا مع ذلك يعرض بابن المعطل فيه وبمن أسلم من العرب من مضر ، فقال أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفريعة أمسى بيضة البلد قد ثكلت أمه من كنت صاحبه أو كان منتشبا في برثن الأسد ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه من دية فيه يعطاها ولا قود ما البحر حين تهب الريح شامية فيغطئل ويرمي العبر بالزبد يوما بأغلب مني حين تبصرني ملغيظ أفري كفري العارض البرد أما قريش فإني لن أسالمهم حتى ينيبوا من الغيات للرشد ويتركوا اللات والعزى بمعزلة ويسجدوا كلهم للواحد الصمد ويشهدوا أن ما قال الرسول لهم حق ويوفوا بعهد الله والوكد فاعترضه صفوان بن المعطل ، فضربه بالسيف ثم قال كما حدثني يعقوب بن عتبة : تلق ذباب السيف عني فإنني غلام إذا هوجيت لست بشاعر قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل ، حين ضرب حسان فجمع يديه إلى عنقه بحبل ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج ، فلقيه عبد الله بن رواحة ، فقال ما هذا ؟ قال ما أعجبك ضرب حسان بالسيف والله ما أراه إلا قد قتله قال له عبد الله بن رواحة : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت ؟ قال لا والله قال لقد اجترأت ، أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فدعا حسان وصفوان بن المعطل ، فقال ابن المعطل يا رسول الله : آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب فضربته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان أحسن يا حسان أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام ثم قال أحسن يا حسان في الذي أصابك قال هي لك يا رسول الله قال ابن هشام : ويقال أبعد أن هداكم الله للإسلام . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بيرحاء ، وهي قصر بني حديلة اليوم بالمدينة وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان في ضربته وأعطاه سيرين ، أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان ، قالت وكانت عائشة تقول لقد سئل عن ابن المعطل فوجده رجلا حصورا ، ما يأتي النساء ثم قتل بعد ذلك شهيدا . ________________________________________ شعر حسان في التعريض بابن المعطل وذكر قول حسان أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفريعة أمسى بيضة البلد يعني بالجلابيب الغرباء وبيضة البلد يعني : منفردا ، وهي كلمة يتكلم بها في المدح تارة وفي معنى القل أخرى ، يقال فلان بيضة البلد أي أنه واحد في قومه عظيم فيهم وفلان بيضة البلد يريد أنه ذليل ليس معه أحد . وأما قوله قد ثكلت أمه من كنت صاحبه فقد يجوز أن يكون قوله من مبتدأ وقد ثكلت أمه في موضع الخبر المقدم عليه ويجوز أن يكون من مفعولا بثكلت وأضمر قبل الذكر مع اتصال الضمير بالفاعل فيكون مثل قوله جزى ربه عني عدي بن حاتم ومثل قوله أبقى اليوم مجده مطعما وقد تقدم القول فيه . وقوله فيغطئل يريد البحر أي يهيج ويعتلم وأصل هذه الكلمة من الغيطلة وهي الظلمة وأصلها : يغطال مثل يسواد ، لكنه همز الألف لئلا يجتمع ساكنان وإن كان اجتماعهما في مثل هذا الموضع حسنا كقوله تبارك وتعالى : ولا الضالين ولكنهما في الشعر لا يجتمعان إلا في عروض واحدة وهي المتقارب ومع هذا فقد قرأ أيوب بن أبي تميمة [ كيسان ] السختياني ولا الضالين بهمزة مفتوحة وقرأ عمرو بن عبيد : إنس قبلهم ولا جان [ الرحمن 56 ] وأنشد الخطابي : سقى مطغيات المحل سكبا وديمة عظام ابن ليلى حيث كان رميمها فأصبح منها كل واد وتلعة حدائق خضرا مزهئرا عميمها أنشد خاطمها زأمها أن تهربا فإن قيل الهمزة في هذا كله مفتوحة وفي قوله يغطئل مكسورة وكذلك في الحديث الصحيح أسود مربئد في رواية . قلنا : إنما كسرت الهمزة في مزهئر ومربئد ويغطئل ، بعد أن فتحت في الماضي ، فقيل اغطأل وازهأر فصار على وزن اطمأن فجاء اسم الفاعل والمستقبل على ذلك القياس مكسورا كما يكسر في مطمئن . تفسير العجب وقول ثابت لعبد الله بن رواحة أما أعجبك ضرب حسان بالسيف معناه أما جعلك تعجب تقول عجبت من الشيء وأعجبني الشيء إذا كان ذلك العجب من مكروه أو محبوب وهو عند الناس بمعنى سرني لا غير وفي الحديث وكلام العرب شواهد كثيرة على هذا المعنى منها في الكامل فلأعجبني أن أعجبه بكاء أبيه وفي حديث ذكره عن عبد الرحمن بن حسان ، وكذلك أنشد ألا هزئت بنا قرشية يهتز منكبها تقول لي : ابن قيس ذا وبعض الشيب يعجبها . وقال كعب بن زهير : لو كنت أعجب من شيء لأعجبني سعي الفتى ، وهو مخبوء له القدر له - 30 - وقوله عليه السلام أتشوهت على قومي أن هداهم الله معناه أقبحت ذلك من فعلهم حين سميتهم بالجلابيب من أجل هجرتهم إلى الله وإلى رسوله ؟ بيرحاء وقوله فأعطاه عوضا منها بيرحاء ، وذكر بعضهم أن هذه البئر سميت بيرحاء ، بزجر الإبل عنها ، وذلك أن الإبل يقال لها إذا زجرت عن الماء وقد رويت حا حا ، وهكذا كان الأصيلي يقيده برفع الراء إذا كان الاسم مرفوعا ، وبالمد وغير الأصيلي يقول بيرحا بالفتح على كل حال وبالقصر يجعله اسما واحدا ، وقد حكي عن بعضهم فيه بيرحا ، بفتح الباء مع القصر وفي الصحيح أن أبا طلحة دفع بيرحاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلها صدقة فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلها في الأقربين فقسمها بين أبي وحسان وفسر البخاري وأبو داود القرابة التي بين أبي طلحة وبينهما قالا : فأما حسان فهو ابن المنذر بن ثابت بن حرام وأبو طلحة هو زيد بن سهل بن حرام فهذه قرابة قريبة وأما أبي ، فيجتمع معه في الأب السادس وهو عمرو بن مالك بن النجار وقد كان أبي غنيا ، فكيف ترك من هو أقرب منه وخصه ؟ والوجه في ذلك أن أبيا كان ابن عمة أبي طلحة وهي صهيلة بنت الأسود بن حرام وهو معروف عند أهل النسب فمن أجل ذلك النسب خصه بها ، لا من أجل النسب الذي ذكرناه فإنه بعيد وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم اجعلها في الأقربين حول براءة عائشة وفي المسند من حديث عائشة أنه لما أنزل الله براءتها قام إليها أبو بكر فقبل رأسها ، فقالت له هلا كنت عذرتني ، فقال أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ، إن قلت بما لا أعلم وكان نزول براءة عائشة - رضي الله عنها - بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين . قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء وباطل فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم فلا رفعت سوطي إلي أناملي وكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس كلهم تقاصر عنه سورة المتطاول فإن الذي قد قيل ليس بلائط ولكنه قول امرئ بي ماحل قال ابن هشام : بيته " عقيلة حي " والذي بعده وبيته " له رتب عال " عن أبي زيد الأنصاري . قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن امرأة مدحت بنت حسان بن ثابت عند عائشة ، فقالت حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت عائشة : لكن أبوها . شعر في هجاء حسان ومسطح قال ابن إسحاق : وقال قائل من المسلمين في ضرب حسان وأصحابه في فريتهم على عائشة - قال ابن هشام : في ضرب حسان وصاحبيه لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم وسخطة ذي العرش الكريم فأترحوا وآذوا رسول الله فيها فجللوا مخازي تبقى عمموها وفضحوا وصبت عليهم محصدات كأنها شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح ________________________________________ شعر حسان في مدح عائشة وقول حسان في عائشة : حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حصان فعال بفتح الحاء يكثر في أوصاف المؤنث وفي الأعلام منها ، كأنهم قصدوا بتوالي الفتحات مشاكلة خفة اللفظ لخفة المعنى ، أي المسمى بهذه الصفات خفيف على النفس وحصان من الحصن والتحصن وهو الامتناع على الرجال من نظرهم إليها ، وقالت جارية من العرب لأمها : يا أمتا أبصرني راكب يسير في مسحنفر لاحب جعلت أحثي التراب في وجهه حصنا وأحمي حوزة الغائب فقالت لها أمها : الحصن أدنى لو تآبيته من حثيك الترب على الراكب ذكر هذه الأبيات أحمد بن أبي سعيد السيرافي في شرح أبيات الإيضاح والرزان والثقال بمعنى واحد وهي القليلة الحركة . وقوله وتصبح غرثى من لحوم الغوافل أي خميصة البطن من لحوم الناس أي اغتيابهم وضرب الغرث مثلا ، وهو عدم الطعم وخلو الجوف وفي التنزيل أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [ الحجرات 12 ] ضرب المثل لأخذه في العرض بأكل اللحم لأن اللحم ستر على العظم والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه من ستر . وقال ميتا ، لأن الميت لا يحس ، وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب ثم هو في التحريم كأكل لحم الميت . وقوله من لحوم الغوافل يريد العفائف الغافلة قلوبهن عن الشر كما قال سبحانه إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات [ النور 23 ] جعلهن غافلات لأن الذي رمين به من الشر لم يهممن به قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة عنه وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف . وقوله له رتب عال على الناس كلهم الرتب ما ارتفع من الأرض وعلا ، والرتب أيضا : قوة في الشيء وغلظ فيه والسورة رتبة رفيعة من الشرف مأخوذة اللفظ من سور البناء . وقوله فإن الذي قد قيل ليس بلائط أي بلاصق يقال ما يليط ذلك بفلان أي ما يلصق به ومنه سمي الربا : لياطا ، لأنه ألصق بالبيع وليس ببيع . وفي الكتاب الذي كتب لثقيف وما كان من دين ليس فيه رهن فإنه لياط مبرأ من الله . وسيأتي حديثه مفسرا إن شاء الله . وقوله في الشعر فلا رفعت سوطي إلي أناملي دعاء على نفسه وفيه تصديق لمن قال إن حسان لم يجلد في الإفك ولا خاض فيه وأنشدوا البيت الذي ذكره ابن إسحاق : لقد ذاق حسان الذي كان أهله على خلاف هذا اللفظ لقد ذاق عبد الله ما كان أهله وحمنة إذ قالوا : هجيرا ومسطح ما نزل في حق أصحاب الإفك وذكر ما أنزل الله تعالى في أصحاب الإفك وقوله تعالى : إذ تلقونه بألسنتكم [ النور 15 ] وكانت عائشة - رضي الله عنها تقرؤها : إذ تلقونه بألسنتكم من الولق وهو استمرار اللسان بالكذب . وأما إقامة الحد عليهم ففيه التسوية بين أفضل الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأدنى الناس درجة في الإيمان لا يزاد القاذف على الثمانين وإن شتم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينقص منها ، فإن قذف قاذف اليوم إحدى أمهات المؤمنين سوى عائشة ، فيتوجه فيه للفقهاء قولان أحدهما : أن يجلد ثمانين كما يقتضيه عموم التنزيل وكما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذين قذفوا أهله قبل نزول القرآن ببراءتها ، وأما بعد نزول القرآن ببراءتها فيقتل قاذفها قتل كفر ولا يصلى عليه ولا يورث لأنه كذب الله تعالى . والقول الثاني في قاذف أمهات المؤمنين غير عائشة - رضي الله عنهن أن يقتل أيضا ، وبه كان يأخذ شيخنا - رحمه الله تعالى - ويحتج بقوله تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة [ الأحزاب : 57 ] الآية وإذا قذف أزواج النبي عليه السلام فقد سبه . فمن أعظم الإذاية أن يقال عن الرجل قرنان وإذا سب نبي بمثل هذا فهو كفر صراح وقد قال المفسرون في قوله تعالى : فخانتاهما أي خانتا في الطاعة لهما ، والإيمان وما بغت امرأة نبي قط ، أي ما زنت . إهداء سيرين إلى حسان وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى حسان جاريته بضرب صفوان بن المعطل له وهذه الجارية اسمها سيرين بنت شمعون أخت مارية سرية النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أم عبد الرحمن بن حسان الشاعر وكان عبد الرحمن يفخر بأنه ابن خالة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روت سيرين هذه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا قالت رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خللا في قبر إبراهيم ابنه فأصلحه وقال إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يصلحه أمر الحديبية في آخر سنة ست ، وذكر بيعة الرضوان والصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة شهر رمضان وشوالا ، وخرج في ذي القعدة معتمرا ، لا يريد حربا قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي . قال ابن إسحاق : واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش الذي صنعوا ، أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت ، فأبطأ عليه كثير من الأعراب ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار من لحق به من العرب ، وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا ، وساق معه الهدي سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة نفر وكان جابر بن عبد الله ، فيما بلغني ، يقول كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة . قال الزهري : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي - قال ابن هشام : ويقال بسر - فقال يا رسول الله هذه قريش ، قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش ، فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ________________________________________ غزوة الحديبية يقال فيها : الحديبية بالتخفيف وهو الأعرف عند أهل العربية . قال الخطابي : أهل الحديث يقولون الحديبية بالتشديد والجعرانة كذلك وأهل العربية يقولونهما : بالتخفيف وقال البكري : أهل العراق يشددون الراء والياء في الجعرانة والحديبية وأهل الحجاز يخففون وقال أبو جعفر النحاس سألت كل من لقيته ممن أثق بعلمه عن الحديبية فلم يختلفوا على أنها بالتخفيف . العراق يشددون الراء والياء في الجعرانة والحديبية ، وأهل الحجاز يخففون وقال أبو جعفر النحاس سألت كل من لقيته ممن أثق بعلمه عن الحديبية ، فلم يختلفوا على أنها بالتخفيف . الميقات والإشعار فصل وذكر خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - معتمرا إلى مكة ، ولم يذكر في حديثه من أين أحرم وفي الصحيح من رواية الزهري أنه أحرم من ذي الحليفة وهو خلاف ما يروى عن علي رحمه الله من قوله إن تمام العمرة أن تحرم بها من دويرة أهلك وهذا من قول علي متأول فيمن كان منزله من وراء الميقات فهو الذي يحرم من دويرة أهله كما يحرم أهل مكة من مكة في الحج . وفيه أنه أشعر الهدي وهو خلاف قول النخعي وأهل الكوفة في قولهم إن الإشعار منسوخ بنهيه عن المثلة ويقال لهم إن النهي عن المثلة كان بإثر غزوة أحد فلا يكون الناسخ متقدما على المنسوخ . الكوفة في قولهم إن الإشعار منسوخ بنهيه عن المثلة ويقال لهم إن النهي عن المثلة كان بإثر غزوة أحد ، فلا يكون الناسخ متقدما على المنسوخ . من شرح حديث الحديبية وفيه أنهم مروا بطريق أجرد ومعناه كثير الحجارة والجرد الحجر . وفيه أنه بعث عينا له من خزاعة إلى مكة ، فدل على أنه يجوز للرجل أن يسافر وحده إذا مست الحاجة إلى ذلك أو كان في ذلك صلاح للمسلمين . وفي البخاري والنسوي أن عينه الذي أرسل جاءه بغدير الأشطاط والأشطاط جمع شط وهو السنام قال الراجز شطا رميت فوقه بشط وشط الوادي : أيضا جانبه وبعضهم يقول فيه الأشظاظ بالظاء المعجمة واسم عينه ذلك بسر بن سفيان بن عمرو بن عمير الخزاعي وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بديل ابن أم أصرم وهو بديل بن سلمة إلى خزاعة يستنفرهم إلى قتال أهل مكة عام الفتح . وفيه أن قريشا خرجت ومعها العوذ المطافيل . العوذ جمع عائذ وهي الناقة التي معها ولدها ، يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا ألبانها ، ولا يرجعوا ، حتى يناجزوا محمدا وأصحابه في زعمهم وإنما قيل للناقة عائذ وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها ، لأنها عاطف عليه كما قالوا : تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها ، لأنها في معنى نامية وزاكية ، وكذلك عيشة راضية لأنها في معنى صالحة ومن نحو هذا قوله والهدي معكوفا [ الفتح 25 ] وإن كان عاكفا ، لأنه محبوس في المعنى ، فتحول وزنه في اللفظ إلى وزن ما هو في معناه كما قالوا في المرأة تهراق الدماء وقياسه تهريق الدماء ولكنه في معنى : تستحاض فحول إلى وزن ما لم يسم فاعله الدماء منصوبة على المفعول كما كانت . وقوله في بئر الحديبية : إنما يتبرض ماؤها تبرضا من البرض وهو الماء الذي يقطر قليلا قليلا ، والبارض من النبات الذي كأنه يقطر من الري والنعمة . قال الشاعر رعى بارض البهمى جميما وبسرة وصمعاء حتى آنفته نصالها يقال لكل شيء في أوله بسرة حتى للشمس عند طلوعها ، وصمعاء متحدة قد شوكت قاله أبو حنيفة . الرسول صلى الله عليه وسلم يسلك طريقا غير طريق قريش ثم قال من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها ؟ قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله قال فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب فلما خرجوا منه وقد شق ذلك على المسلمين وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس " قولوا : نستغفر الله ونتوب إليه " ; فقالوا ذلك فقال " والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل " . فلم يقولوها قال ابن شهاب : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمش ، في طريق تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة قال فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم رجعوا راكضين إلى قريش ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته فقالت الناس خلأت الناقة قال " ما خلأت وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال للناس " انزلوا " ، قيل له يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب . فغرزه في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن . قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم : أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن أبي حارثة ، وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن هشام : أفصى بن حارثة . قال ابن إسحاق : وقد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله أعلم أي ذلك كان . وقد أنشدت أسلم أبياتا من شعر قالها ناجية قد ظننا أنه هو الذي نزل بالسهم فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها ، وناجية في القليب يميح على الناس فقالت يا أيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدنكا يثنون خيرا ويمجدونكا قال ابن هشام : ويروى : إني رأيت الناس يمدحونكا - 44 - قال ابن إسحاق : فقال ناجية وهو في القليب يميح على الناس قد علمت جارية يمانيه أني أنا المائح واسمي ناجيه وطعنة ذات رشاش واهيه طعنتها عند صدور العاديه ________________________________________ وذكر أن رجلا من أسلم سلك بهم طريقا وعرا أجرل يقال إن ذلك الرجل هو ناجية الأسلمي وهو سائق بدنه وهو ناجية بن جندب ويقال فيه ابن عمير وكان اسمه ذكوان ، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم ناجية حين نجا من كفار قريش ، وعاش إلى زمن معاوية وأما صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور في حديث آخر في الموطإ وغيره فاسمه ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله بن قمير بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة ، وهو لحي بن حارثة جد خزاعة ، وذؤيب هذا هو والد قبيصة بن ذؤيب القاضي صاحب عبد الملك بن مروان ، وعاش ذؤيب إلى خلافة معاوية أيضا . وذكر في نسب أسلم بن أفصى بن أبي حارثة وهو وهم وقد أصلحه ابن هشام ، فقال هو حارثة يعني ابن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد ، ويحتمل أن يكون ابن إسحاق لم يهم فيه ولكنه نسبه إلى أبي حارثة بن عمرو بن عامر ، وهو عم حارثة بن ثعلبة وحارثة هو أبو الأوس والخزرج . وذكر قوله عليه السلام لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة الحديث وفي غير رواية ابن إسحاق عن الزهري أنه قال والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش ولم يقل في الحديث إن شاء الله وقد تكلموا في ذلك فقيل إنما أسقط الاستثناء لأنه أمر واجب كان قد أمر به ألا تراه يقول في الحديث إنما أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ، ولن يضيعني وقيل إن إسقاط الاستثناء إنما هو من الراوي إما نسيه وإما لم يحفظه . وفي الحديث أو تنفرد هذه السالفة . السالفة صفحة العنق وانفرادها عبارة عن القتل أو الذبح وفي الرجز الذي أنشده يا أيها المائح دلوي دونكا لو قال دونك دلوي لكان الدلو في موضع نصب على الإغراء فلما قدمها على دونك ، لم يجز نصبها بدونك ، ولكنه بفعل آخر كأنه قال املأ دلوي ، فقوله دونكا أمر بعد أمر . فقال الزهري في حديثه فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي ، في رجال من خزاعة ، فكلموه وسألوه ما الذي جاء به ؟ فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا ، وإنما جاء زائرا للبيت ، ومعظما لحرمته ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش ، إنكم تعجلون على محمد إن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا هذا البيت ، فاتهموهم وجبهوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا ، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدث بذلك عنا العرب . قال الزهري : وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها ، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة . قال ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف ، أخا بني عامر بن لؤي ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال هذا رجل غادر فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما قال لبديل وأصحابه فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان وكان يومئذ سيد الأحابيش ، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ; فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا من قوم يتألهون ، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى ، فقال لهم ذلك . قال فقالوا له اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن الحليس غضب عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا عاقدناكم . أيصد عن بيت الله من جاء معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد . قال فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به - 44 - وفيه قوله صلى الله عليه وسلم في الحليس إن هذا من قوم يتألهون أي يعظمون أمر الإله ومنه قول رؤبة سبحن واسترجعن من تأله أي من تنسك وتعظيم لله سبحانه . قال الزهري في حديثه ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي ; فقال يا معشر قريش ، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم أنكم والد وإني ولد - وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي ، قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم . فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال يا محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل . قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا . قال وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقال امصص بظر اللات ، أنحن نتكشف عنه ؟ قال من هذا يا محمد ؟ قال هذا ابن أبي قحافة ، قال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها ، قال ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه قال والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد . قال فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك ، قال فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة من هذا يا محمد ؟ قال " هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة " ، قال أي غدر وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس قال ابن هشام : أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف ، فتهايج الحيان من ثقيف : بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية وأصلح ذلك الأمر . قال ابن إسحاق : قال الزهري : فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه وأخبره أنه لم يأت يريد حربا . فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه . فرجع إلى قريش ، فقال يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا ، فروا رأيكم قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش ، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس : أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين رجلا ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا ، فأخذوا أخذا ، فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل . ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ، ومعظما لحرمته قال ابن إسحاق : فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إن شئت أن تطوف بالبيت فطف فقال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم . واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل . ________________________________________ وصف الجمع بالمفرد وقول عروة بن مسعود لقريش قد عرفتم أنكم والد أي كل واحد منكم كالوالد وقيل معناه أنتم حي قد ولدني ، لأنه كان لسبيعة بنت عبد شمس ، وقد يجوز أن يقال في الجماعة هم لي صديق وعدو . وفي التنزيل وحسن أولئك رفيقا [ النساء 69 ] فيفرد لأنه صفة لفريق وحزب ويقبح أن تقول قومك ضاحك أو باك وإنما يحسن هذا إذا وصفت بصديق ورفيق وعدو لأنها صفة تصلح للفريق والحزب لأن العداوة والصداقة صفتان متضادتان فإذا كان على أحدهما الفريق الواحد كان الآخر على ضدها ، وكانت قلوب أحد الفريقين في تلك الصفة على قلب رجل واحد في عرف العادة فحسن الإفراد وليس يلزم مثل هذا في القيام والقعود ونحوه حتى يقال هم قاعد أو قائم كما يقال هم صديق لما قدمناه من الاتفاق والاختلاف . وأما قوله تعالى : يخرجكم طفلا [ غافر 67 ] ، بلفظ الإفراد وقال في موضع آخر وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم [ النور 59 ] فالأحسن في حكم البلاغة أن يعبر عن الأطفال الرضع بالطفل في الواحد والجميع لأنهم مع حدثان الولادة كالجنس الذي يقع على القليل والكثير بلفظ واحد ألا ترى أن بدء الخلق طين ثم مني ، والمني جنس لا يتميز بعضه من بعض فلذلك لا يجمع وكذلك الطين ثم يكون الخلق علقا ، وهو الدم فيكون ذلك جنسا ، ثم يخرجهم الله طفلا ، أي جنسا تاليا للعلق والمني لا يكاد يتميز بعضهم من بعض إلا عند آبائهم فإذا كبروا وخالطوا الناس وعرف الناس صورهم بعضهم من بعض فصاروا كالرجال والفتيان قيل فيهم حينئذ أطفال كما يقال رجال وفتيان ولا يعترض على هذا الأصل بالأجنة أنهم مغيبون في البطون فلم يكونوا كالجنس الظاهر للعيون كالماء والطين والعلق وإنما جمع الجنين على أجنة وحسن ذلك فيه لأنه تبع للبطن الذي هو فيه ويقوي هذا الغرض الذي صمدنا إليه في الطفل قول رجل من بني مجاعة لعمر بن عبد العزيز وقد سأله هل بقي من كهول بني مجاعة أحد ؟ قال نعم وشكير كثير فانظر كيف قال الكهول وجمع ، وقال في الصغار شكير كما تقول حشيش ونبات فتفرد لأنه جنس واحد والطفل في معنى الشكير ما داموا رضعا ، حتى يتميزوا بالأسماء والصور عند الناس فهذا حكم البلاغة ومساق الفصاحة فافهمه . وأما قول عروة جمعت أوشاب الناس يريد أخلاطا ، وكذلك الأوباش . وقوله في حديث المغيرة أما المال فلست منه في شيء فيه من الفقه أن أموال المشركين حرام إذا أمنوك وأمنتهم وإنما يحل بالمحاربة والمغالبة لا عند طمأنينتهم إليك وأمنتهم منك ، فإن ذلك هو الغدر وفي هذا المعنى آثار قد مضى بعضها ، وسيأتي بعضها في غزوة خيبر وغيرها . وفيه أنهم كانوا يتدلكون بنخامة النبي - صلى الله عليه وسلم إذا تنخم . وفي ذلك دليل على طهارة النخامة خلافا للنخعي وما يروى في ذلك عن سلمان الفارسي . وحديث إذا تنخم أحدكم في الصلاة أبين في الحجة لأن حديث السيرة يحتمل الخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم . بيعة الرضوان قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل لا نبرح حتى نناجز القوم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة . فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت وكان جابر بن عبد الله يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر . فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها ، إلا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة فكان جابر بن عبد الله يقول والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته . قد ضبأ إليها ، يستتر بها من الناس . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل . قال ابن هشام : فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي . قال ابن هشام : وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان فضرب بإحدى يديه على الأخرى . أمر الهدنة قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، أخا بني عامر بن لؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له ائت محمدا فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا . فأتاه سهيل بن عمرو ; فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ، قال قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح . فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر ، أليس برسول الله ؟ قال بلى . قال أولسنا بالمسلمين ؟ قال بلى ، قال أوليسوا بالمشركين ؟ قال بلى ، قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال " بلى " ، قال أولسنا بالمسلمين ؟ قال " بلى " ، قال أوليسوا بالمشركين ؟ قال " بلى " ، قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال " أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ، ولن يضيعني " قال فكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرا . علي يكتب شروط الصلح قال ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال فقال سهيل لا أعرف هذا ، ولكن اكتب باسمك اللهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اكتب باسمك اللهم " ، فكتبها ، ثم قال " اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو " ، قال فقال سهيل لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه خزاعة في عهد محمد وبنو بكر في عهد قريش فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم وأنك ترجع عنا عامك هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثا ، معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها . ________________________________________ حول المصالحة فصل وذكر مصالحة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقريش وشرطهم أن لا يأتيه منهم أحد ممن هو على دينه إلا رده عليهم وفي هذا الحديث مصالحة المشركين على غير مال يؤخذ منهم وذلك جائز إذا كان بالمسلمين ضعف وقد تقدم مصالحتهم على مال يعطونه في غزوة الخندق ، واختلف هل يجوز صلحهم إلى أكثر من عشر سنين ؟ فقال بعضهم يجوز ذلك إذا رآه الإمام وقالت طائفة لا يتجاوز في صلحهم إلى أكثر من عشر سنين وحجتهم أن حظر الصلح هو الأصل بدليل آية القتال وقد ورد التحديد بالعشر في حديث ابن إسحاق فحصلت الإباحة في هذا المقدار متحققة وبقيت الزيادة على الأصل وهو الحظر وفيه الصلح على أن يرد المسلم إلى دار الكفر وهذا منسوخ عند أبي حنيفة بحديث سرية خالد حين وجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خثعم ، وفيهم ناس مسلمون فاعتصموا بالسجود فقتلهم خالد فوداهم النبي - صلى الله عليه وسلم - نصف الدية وقال أنا بريء من مسلم بين مشركين وقال فقهاء الحجاز : هو جائز ولكن للخليفة الأكبر لا لمن دونه وفيه نسخ السنة بالقرآن على أحد القولين فإن هذا العهد كان يقتضي أن لا يأتيه مسلم إلا رده فنسخ الله تعالى ذلك في النساء خاصة فقال عز وجل فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة 10 ] هذا على رواية عقيل بن خالد عن الزهري ، فإنه قال في الحديث أن لا يأتيه أحد ، وأحد يتضمن الرجال والنساء والأحسن أن يقال في مثل هذا تخصيص عموم لا نسخ على أن بعض حذاق الأصوليين قد قال في العموم إذا عمل بمقتضاه في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتقد فيه العموم ثم ورد التخصيص فهو نسخ وهو قول حسن وفي رواية أخرى أن لا يأتيه رجل . فهذا اللفظ لا يتناول النساء . وقالت طائفة إنما استجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - رد المسلمين إليهم في هذا الصلح لقوله عليه السلام لا تدعوني قريش إلى خطة يعظمون فيها الحرم إلا أجبتهم إليها وفي رد المسلم إلى مكة عمارة البيت وزيادة خير له في الصلاة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت ، فكان هذا من تعظيم حرمات الله تعالى ، فعلى هذا القول يكون حكما مخصوصا بمكة وبالنبي صلى الله عليه وسلم ويكون غير جائز لمن بعده كما قال العراقيون . حكم المهاجرات فصل وذكر قول الله سبحانه إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن [ الممتحنة 1 ] . هذا عند أهل العلم مخصوص بنساء أهل العهد والصلح وكان الامتحان أن يستحلف المرأة المهاجرة أنها ما خرجت ناشزا ولا هاجرت إلا لله ولرسوله فإذا حلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها ، وإن كانت من غير أهل العهد لم تستحلف ولم يرد صداقها . وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم محا اسمه وهو رسول الله وكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله لأنه قول حق كله وظن بعض الناس أنه كتب بيده وفي البخاري أنه كتب وهو لا يحسن الكتابة فتوهم أن الله تعالى أطلق يده بالكتابة في تلك الساعة خاصة وقال هي آية فيقال له كانت تكون آية لولا أنها مناقضة لآية أخرى ، وهو كونه أميا لا يكتب وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فكيف يطلق الله يده لتكون آية ؟ وإنما الآية أن لا يكتب والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا ، وإنما معنى : كتب أي أمر أن يكتب . وكان الكاتب في ذلك اليوم علي بن أبي طالب ، وقد كتب له عدة من أصحابه منهم عبد الله بن الأرقم ، وخالد بن سعيد ، وأخوه أبان ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول ، وأبي بن كعب القاري ، وقد كتب له أيضا في بعض الأوقات أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكتب له كثيرا معاوية بن أبي سفيان بعد عام الفتح وكتب له أيضا الزبير بن العوام ، ومعيقيب بن أبي فاطمة والمغيرة بن شعبة ، وشرحبيل بن حسنة وخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وجهيم بن الصلت وعبد الله بن رواحة ، ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وحنظلة الأسيدي وهو حنظلة بن الربيع وفيه يقول الشاعر بعد موته إن سواد العين أودى به حزن على حنظلة الكاتب والعلاء بن الحضرمي ، ذكرهم عمر بن شبة في كتاب الكتاب له . باسمك اللهم وأما قول سهيل بن عمرو له ولكن اكتب باسمك اللهم فإنها كلمة كانت قريش تقولها ولقولهم لها سبب قد ذكرناه في كتاب التعريف والإعلام وأول من قالها أمية بن أبي الصلت ، ومنه تعلموها وتعلمها هو من رجل من الجن في خبر طويل ذكره المسعودي وهو الخبر الذي لخصناه في الكتاب المذكور . عيبة مكفوفة فصل وذكر في الكتاب وأن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة أي صدور منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة وضرب العيبة مثلا ، وقال الشاعر وكادت عياب الود منا ومنهم وإن قيل أبناء العمومة تصفر وقال صلى الله عليه وسلم الأنصار كرشي وعيبتي فضرب العيبة مثلا لموضع السر ، وما يعتد به من ودهم . والكرش وعاء يصنع من كرش البعير يجعل فيه ما يطبخ من اللحم يقال ما وجدت لهذه البضعة فاكرش أي إن الكرش قد امتلأ فلم يسعها فمه . ويضرب أيضا هذا مثلا ، كما قال الحجاج ما وجدت إلى دم فلان فاكرش . وقوله ولا إغلال هي الخيانة يقال فلان مغل الأصبع أي خائن اليد . قال الشاعر حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن بالغدر خائنة مثل الأصبع والإسلال السرقة والخلسة ونحوها ، وهي السلة . قالوا في المثل الخلة تدعو إلى السنة . جندل بن سهيل فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ; قال " صدقت " ، فجعل ينتره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا ، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم قال فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب . قال وبدني قائم السيف منه . قال يقول عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية . ________________________________________ أبو جندل وصاحبه في الخمر فصل وذكر خروج أبي جندل يرسف في الحديد . أبو جندل هو العاص بن سهيل وأما أخوه عبد الله بن سهيل ، فكان قد فر يوم بدر إلى المسلمين فلحق بهم وشهد بدرا ، والمشاهد كلها ، وقتل يوم اليمامة شهيدا ، وأما أبو جندل فاستشهد مع أبيه بالشام في خلافة عمر وهو الذي شرب الخمر متأولا لقوله تبارك وتعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين [ المائدة 93 ] فجلده أبو عبيدة بأمر عمر وجلد صاحبه وهو ضرار ، ثم إن أبا جندل أشفق من الذنب حتى قال لقد هلكت ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه إن الذي زين لك الخطيئة هو الذي حظر عليك التوبة بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب [ غافر 1 وما بعدها ] الآية . وكان شربها معه ضرار بن الخطاب ، وأبو الأزور فلما أمر عمر أن يجلدوا ، قالوا : دعنا نلقى العدو فإن قتلنا فذاك وإلا حددتمونا ، فقتل أبو الأزور وحد الآخران . الذين شهدوا على الصلح فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص ، وهو يومئذ مشرك وعلي بن أبي طالب وكتب وكان هو كاتب الصحيفة . فصل وذكر قول عمر - رضي الله عنه - فعلام نعطى الدنية في ديننا ، هي فعيلة من الدناءة وأصلها الهمز وفي غير رواية ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إني عبد الله ولست أعصيه وهو ناصري وأنه أتى أبا بكر - رضي الله عنه - فقال له مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فجاوبه أبو بكر بمثل ما جاوبه به النبي صلى الله عليه وسلم حرفا بحرف ثم قال له يا عمر الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر وما شككت منذ أسلمت إلا تلك الساعة وفي هذا أن المؤمن قد يشك ، ثم يجدد النظر في دلائل الحق فيذهب شكه وقد روي عن ابن عباس أنه قال هو شيء لا يسلم منه أحد ، ثم ذكر ابن عباس قول إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ولكن ليطمئن قلبي [ البقرة 260 ] ولولا الخروج عما صمدنا إليه في هذا الكتاب لذكرنا ما للعلماء في قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم ولكن ليطمئن قلبي وذكرنا النكتة العظمى في ذلك ولعلنا أن نلقى لها موضعا ، فنذكرها . والشك الذي ذكره عمر وابن عباس ما لا يصر عليه صاحبه وإنما هو من باب الوسوسة التي قال فيها عليه السلام مخبرا عن إبليس الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة الإحلال قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربا في الحل وكان يصلي في الحرم ، فلما فرغ من الصلح قدم إلى هديه فنحره ثم جلس فحلق رأسه وكان الذي حلقه فيما بلغني ، في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون . ________________________________________ موقف أم سلمة في الحديبية وفي غير رواية ابن إسحاق من الصحيح أنه عليه السلام دخل على أم سلمة وشكا إليها ما لقي من الناس حين أمرهم أن يحلقوا وينحروا ، فلم يفعلوا لما بهم من الغيظ فقالت يا رسول الله اخرج إليهم فلا تكلمهم حتى تحلق وتنحر فإنهم إذا رأوك قد فعلت ذلك لم يخالفوك . ففعل صلى الله عليه وسلم وفعل الناس وكان الذي حلق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم خراش بن أمية [ بن ربيعة بن الفضل بن منقذ بن عفيف بن كليب بن حبشية ابن سلول ] الخزاعي [ ثم الكلبي ] وهو الذي كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ إلى مكة فعقروا جمله وأرادوا قتله فحينئذ بعث إليهم عثمان بن عفان رضي الله عنه ففي تركهم للبدار دليل على أن الأمر ليس على الفور كما ذهب إليه بعض الأصوليين وفيه أنهم حملوا الأمر على غير الوجوب لقرينة وهي أنهم رأوه لم يحلق ولم ينحر ولم يقصر فلما رأوه قد فعل اعتقدوا وجوب الأمر وامتثلوه . وفيه أيضا إباحة مشاورة النساء وذلك أن النهي عن مشاورتهن إنما هو عندهم في أمر الولاية خاصة كذلك قال أبو جعفر النحاس في شرح هذا الحديث . المحلقون والمقصـرون قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس ، قال حلق رجال يوم الحديبية ، وقصر آخرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين " ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال يرحم الله المحلقين " ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال " يرحم الله المحلقين " ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال " والمقصرين " ، فقالوا : يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ؟ قال " لم يشكوا . وقال عبد الله بن أبي نجيح : حدثني مجاهد ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هدياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة يغيط بذلك المشركين ________________________________________ المقصرون فصل وذكر ابن إسحاق استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة . ولم يكن المقصر يومئذ من أصحابه إلا رجلين أحدهما عثمان بن عفان ، والآخر أبو قتادة الأنصاري ، كذلك جاء في مسند حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . نزول سورة الفتح قال الزهري في حديثه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلا ، حتى إذا كان بين مكة والمدينة ، نزلت سورة الفتح إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما . ذكر البيعة ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه حتى انتهى إلى ذكر البيعة فقال جل ثناؤه إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما . ذكر من تخلف ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال حين استفزهم للخروج معه فأبطئوا عليه سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا . ثم القصة عن خبرهم حتى انتهى إلى قوله سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل . . ثم القصة عن خبرهم وما عرض عليهم من جهاد القوم أولي البأس الشديد . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال فارس . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن الزهري أنه قال أولو البأس الشديد حنيفة مع الكذاب . ثم قال تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا . ذكر كف الرسول عن القتال ثم ذكر محبسه وكفه إياه عن القتال بعد الظفر منه بهم يعني النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ثم قال تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ثم قال تعالى : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله . تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : المعكوف المحبوس قال أعشى بني قيس بن ثعلبة وكأن السموط عكفه السل ك بعطفي جيداء أم غزال وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم والمعرة الغرم أي أن تصيبوا منهم ( معرة ) بغير علم فتخرجوا ديته فأما إثم فلم يخشه عليهم . قال ابن هشام : بلغني عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل . وأشباههم . قال ابن إسحاق : ثم قال تبارك وتعالى : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية يعني سهيل بن عمرو حين حمي أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأن محمدا رسول الله ثم قال تعالى : فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها أي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . ثم قال تعالى : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا أي لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى ، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف يقول محلقين رءوسكم ومقصرين معه لا تخافون فعلم من ذلك ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا صلح الحديبية . يقول الزهري : فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضا ، والتقوا ، فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر . قال ابن هشام : والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة ، في قول جابر بن عبد الله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف . ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح مجيء أبي بصير إلى المدينة وطلب قريش له قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثا رجلا من بني لؤي ومعه مولى لهم فقدما رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، فانطلق إلى قومك ، قال يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا قتل أبي بصير للعامري ومقالة الرسول في ذلك فانطلق معهما ، حتى إذا كان بذي الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه فقال أبو بصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال نعم قال أنظر إليه ؟ قال انظر إن شئت . قال فاستله أبو بصير ، ثم علاه به حتى قتله وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعا ، قال إن هذا الرجل قد رأى فزعا ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويحك ما لك ؟ " قال قتل صاحبكم صاحبي . فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا بالسيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله وفت ذمتك ، وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن به أو يعبث بي . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال . أبو بصير وزملاؤه في العيص ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلا ، وكانوا قد ضيقوا على قريش ، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ولا تمر بهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم بهم . فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا عليه المدينة . قال ابن هشام : فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري أسند ظهره إلى الكعبة ، ثم قال والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودى هذا الرجل فقال أبو سفيان بن حرب والله إن هذا لهو السفه والله لا يودى ثلاثا ، فقال في ذلك موهب بن رباح أبو أنيس حليف بني زهرة قال ابن هشام : أبو أنيس أشعري . شعر موهب في ودي أبي بصير أتاني عن سهيل ذرء قول فأيقظني وما بي من رقاد فإن تكن العتاب تريد مني فعاتبني فما بك من بعادي أتوعدني وعبد مناف حولي بمخزوم ألهفا من تعادي فإن تغمز قناتي لا تجدني ضعيف العود في الكرب الشداد أسامي الأكرمين أبا بقومي إذا وطئ الضعيف بهم أرادي هم منعوا الظواهر غير شك إلى حيث البواطن فالعوادي بكل طمرة وبكل نهد سواهم قد طوين من الطراد لهم بالخيف قد علمت معد رواق المجد رفع بالعماد ابن الزبعرى يرد على موهب فأجابه عبد الله بن الزبعرى ، فقال وأمسى موهب كحمار سوء أجاز ببلدة فيها ينادي فإن العبد مثلك لا يناوي سهيلا ضل سعيك من تعادي فأقصر يا ابن قين السوء عنه وعد عن المقالة في البلاد ولا تذكر عتاب أبي يزيد فهيهات البحور من الثماد ________________________________________ أبو بصـير وذكر حديث أبي بصير واختلف في اسمه فقيل عبيد بن أسيد بن جارية وقيل عتبة . وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم له حين قتل أحد الرجلين ويل أمه محش حرب وفي الصحيح ويل أمه مسعر حرب يقال حششت النار وأرثتها ، وأذكيتها ، وأثقبتها وسعرتها بمعنى واحد وسمي الأسعر الجعفي أسعر بقوله فلا يدعني قومي لسعد بن مالك لئن لم أسعر عليهم وأثقب وكان اسمه مرثد بن حمران ومالك في هذا البيت هو مذحج ، وأما لحوق أبي بصير بسيف البحر ففي رواية معمر عن الزهري ، أنه كان يصلي بأصحابه هنالك حتى لحق بهم أبو جندل بن سهيل فقدموه لأنه قرشي ، فلم يزل أصحابه يكثرون حتى بلغوا ثلاثمائة وكان أبو بصير كثيرا ما يقول هنالك الله العلي الأكبر من ينصر الله فسوف ينصر فلما جاءهم الفرج من الله تعالى ، وكلمت قريش النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤربهم إليه لما ضيقوا عليهم ورد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بصير في الموت يجود بنفسه فأعطي الكتاب فجعل يقرؤه ويسر به حتى قبض والكتاب على صدره فبني عليه هناك مسجد يرحمه الله . عمرة وفي الحديث من غير السيرة أن المسلمين حين حلقوا في ذلك اليوم وهم بالحل قد منعوا أن يدخلوا الحرم جاءت الريح فاحتملت شعورهم حتى ألقتها في الحرم ، فاستبشروا بقبول الله عمرتهم . ذكره أبو عمر . والعمرة مشتقة من عمارة المسجد الحرام وبنيت على فعلة لأنها في معنى قربة ووصلة إلى الله تعالى ، وليس قول من قال إنها الزيارة في اللغة ببين ولا في قول الأعشى حجة لهم لأنه محتمل التأويل وهو قوله وجاشت النفس لما جاء فلهم وراكب جاء من تثليث معتمر قتل أبي بصير للكافر فصل ومما يسأل عنه في حديث أبي بصير قتله الرجل الكافر وهو في العهد أكان ذلك حراما أم مباحا له وظاهر الحديث رفع الحرج عنه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يثرب ، بل مدحه وقال ويل أمه محش حرب . فإن قيل وكيف يكون ذلك جائزا له وقد حقن الصلح الدماء ؟ قلنا : إنما ذلك في حق أبي بصير على الخصوص لأنه دافع عن نفسه ودينه ومن قتل دون دمه فهو شهيد وإنما لم يطالبه رسول الله صلى الله عليه وسلم - بدية . ولأن أولياء المقتول لم يطالبوه إما لأنهم كانوا قد أسلموا ، وإما لأن الله شغلهم عن ذلك حتى انتكث العهد وجاء الفتح . فإن قيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدي من قتل خطأ من أهل الصلح كما ودى العامريين وغيرهما قلنا : عن هذا جوابان أحدهما : أن أبا بصير كان قد رده إلى المشركين فصار في حكمهم ولم يكن في فئة المسلمين وحزبهم فيحكم عليه بما يحكم عليهم . والجواب الثاني : أنه إن كان قتل عمدا ، ولم يكن قتل خطأ كما كان قتل العامريين ، وقد قال عمر بن الخطاب : لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا [ ولا صلحا ولا اعترافا ] . أمر المهاجرات بعد الهدنة الرسول صلى الله عليه وسلم يأبى رد أم كلثوم قال ابن إسحاق : وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل أبى الله ذلك . حول آية المهاجرات المؤمنات قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، قال دخلت عليه وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة ، صاحب الوليد بن عبد الملك وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر قال ابن هشام : واحدة العصم عصمة وهي الحبل والسبب . قال عشي بني قيس بن ثعلبة إلى المرء قيس نطيل السرى ونأخذ من كل حي عصم وهذا البيت في قصيدة له .

واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم  

قال فكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم  ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم  فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم إن هم فعلوا ، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ولم يردد لهن صداقا ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد  

قال ابن إسحاق : وسألت الزهري عن هذه الآية وقول الله عز وجل فيها : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون فقال يقول إن فات أحدا منكم أهله إلى الكفار ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل الذي يأخذون معكم فعرضوهم في فيء إن أصبتموه فلما نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات . . . إلى قول الله عز وجل ولا تمسكوا بعصم الكوافر كان ممن طلق عمر بن الخطاب ، طلق امرأته قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة وأم كلثوم بنت جرول أم عبيد الله بن عمر الخزاعية فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجل من قومه وهما على شركهما . بشرى فتح مكة وتعجيل بعض المسلمين قال ابن هشام : حدثنا أبو عبيدة أن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قدم المدينة : ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال " بلى ، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ " قالوا : لا ، قال فهو كما قال لي جبريل عليه السلام ________________________________________ من مواقف عمر في الحديبية فصل وقول عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم ألم تعدنا أنا تأتي البيت ونطوف به ؟ فقال " نعم وذكر الحديث . كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أري ذلك في منامه ورؤيا الأنبياء وحي ثم أنزل الله تعالى : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق [ الفتح 27 ] الآية ويسأل عن قوله إن شاء الله آمنين ما فائدة هذا الاستثناء وهو خبر واجب ؟ وفي الجواب أقوال أحدها : أنه راجع إلى قوله آمنين لا إلى نفس الدخول وهذا ضعيف لأن الوعد بالأمان قد اندرج في الوعد بالدخول . الثاني : أنه وعد على الجملة والاستثناء راجع إلى التفصيل إذ لا يدري كل إنسان منهم هل يعيش إلى ذلك أم لا ، فرجع الشك إلى هذا المعنى ، لا إلى الأمر الموعود به وقد قيل إنما هو تعليم للعباد أن يقولوا هذه الكلمة ويستعملونها في كل فعل مستقبل أعني : إن شاء الله . بيعة الشجرة وأول من بايع فصل وذكر بيعة الشجرة ، وسببها ، ولم يذكر أول من بايع وذكر الواقدي أن أول من بايع بيعة الرضوان سنان بن أبي سنان الأسدي . وقال موسى بن عقبة : أول من بايع أبو سنان واسمه وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن الأسدي ، وقال الواقدي : كان أبو سنان أسن من أخيه عكاشة بعشر سنين شهد بدرا ، وتوفي يوم بني قريظة ويروى أنه حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم ابسط يدك أبايعك ، قال علام تبايعني ؟ قال على ما في نفسك يا رسول الله وأما سنان ابنه فهو أيضا بدري ، مات سنة ثلاث وثلاثين وأما مبايعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة في إحدى الروايتين عن جابر وألفا وخمسمائة في الرواية الأخرى عنه فبايعوه في قول جابر على أن لا يفروا . قال ولم يبايعوه على الموت . وقال سلمة بن الأكوع : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت قال الترمذي : وكلا الحديثين صحيح لأن بعضهم بايع على أن لا يفروا ، ولم يذكروا الموت وبعضهم قال أبايعك على الموت . ما قاله أبو جندل فصل ومما قاله أبو جندل بن سهيل أيام كونه مع أبي بصير بسيف البحر أبلغ قريشا عن أبي جندل أنا بذي المروة فالساحل في معشر تخفق أيمانهم بالبيض فيها والقنا الذابل يأبون أن تبقى لهم رفقة من بعد إسلامهم الواصل أو يجعل الله لهم مخرجا والحق لا يغلب بالباطل فيسلم المرء بإسلامه أو يقتل المرء ولم يأتل ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع بسم الله الرحمن الرحيم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم وولي تلك الحجة المشركون ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكانت بيضاء . ________________________________________ غزوة خيبر ذكر البكري أن أرض خيبر سميت باسم رجل من العماليق . نزلها وهو خيبر بن قانية بن مهلايل وكذلك قال في الوطيح ، وهو من حصونها أنه سمي بالوطيح بن مازن رجل من ثمود ولفظه مأخوذ من الوطح وهو ما تعلق بالأظافر ومخالب الطير من الطين . قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك، قال فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا إنا إذا قوم بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمك الله ; فقال عمر بن الخطاب : وجبت والله يا رسول الله لو أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا ، وكان قتله فيما بلغني ، أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل فكلمه كلما شديدا ، فمات منه فكان المسلمون قد شكوا فيه وقالوا : إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبره بقول الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون . ________________________________________ شرح هنة والحداء وذكر ابن إسحاق قوله عليه السلام لسلمة بن الأكوع خذ لنا من هناتك . الهنة كناية عن كل شيء لا تعرف اسمه أو تعرفه فتكني عنه وأصل الهنة هنهة وهنوة . قال الشاعر [ أرى ابن نزار قد جفاني وقلني ] على هنوات شأنها متتابع وفي البخاري : أن رجلا قال لابن الأكوع ألا تنزل فتسمعنا من هنيهاتك صغره بالهاء ولو صغره على لغة من قال هنوات لقال هنياتك ، وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يحدو بهم والإبل تستحث بالحداء ولا يكون الحداء إلا بشعر أو رجز وقد ذكرنا أول من سن حداء الإبل وهو مضر بن نزار ، والرجز شعر وإن لم يكن قريضا ، وقد قيل ليس بشعر وإنما هي أشطار أبيات وإنما الرجز الذي هو شعر سداسي الأجزاء نحو مقصورة ابن دريد أو رباعي الأجزاء نحو قول الشاعر يا مر يا خير أخ نازعت در الحلمة واحتج من قال في مشطور الرجز أنه ليس بشعر أنه قد جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان لا يجري على لسانه الشعر وقد روي أنه أنشد هذا الرجز الذي قاله ابن الأكوع في هذا الحديث وقال أيضا إما متمثلا وإما منشئا : هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وفي هذا الرجز من غير رواية ابن إسحاق مما وقع في البخاري وغيره فاغفر فداء لك ما أبقينا ويروى ما اقتفينا أي ما تتبعنا من الخطايا ، من قفوت الأثر واقتفيته . وفي التنزيل ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء 36 ] ، وأما قوله ما أبقينا ، أي ما خلفنا مما اكتسبنا ، أو يكون معناه ما أبقينا من الذنوب فلم نحقق التوبة منه كما ينبغي . وقوله فداء لك قد قيل إن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي اغفر لنا تقصيرنا في حقك وطاعتك ، إذ لا يتصور أن يقال لله تبارك وتعالى مثل هذا الكلام وذلك أن معنى قولهم فداء لك أي فداء لك أنفسنا وأهلونا ، وحذف الاسم المبتدأ لكثرة دوره في الكلام مع العلم به وإنما يفدي الإنسان بنفسه من يجوز عليه الفناء . استعمال الكلمة في غير موضعها وأقرب ما قيل فيه من الأقوال إلى الصواب أنها كلمة يترجم بها عن محبة وتعظيم فجاز أن يخاطب بها من لا يجوز في حقه الفداء ولا يجوز عليه الفناء قصدا لإظهار المحبة والتعظيم له وإن كان أصل الكلمة ما ذكرنا ، فرب كلمة ترك أصلها ، واستعملت في غير ما وضعت له أول كما جاءوا بلفظ القسم في غير موضع القسم إذا أرادوا تعجبا واستعظاما لأمر كقوله عليه السلام في حديث الأعرابي من رواية إسماعيل بن جعفر أفلح وأبيه إن صدق ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله تبارك وتعالى ، لا سيما برجل مات على الكفر وإنما هو تعجب من قول الأعرابي والمتعجب منه هو مستعظم ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظ حتى قيل على الوجه . وقال الشاعر فإن تك ليلى استودعتني أمانة فلا وأبي أعدائها لا أخونها لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها ، ولكنه ضرب من التعجب وقد ذهب أكثر شراح الحديث إلى النسخ في قوله : أفلح وأبيه قالوا : نسخه قوله عليه السلام لا تحلفوا بآبائكم وهذا قول لا يصح ، لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يحلف قبل النسخ بغير الله ويقسم بقوم كفار وما أبعد هذا من شيمته - صلى الله عليه وسلم - تالله ما فعل هذا قط ، ولا كان له بخلق . وقال قوم رواية إسماعيل بن جعفر مصحفة وإنما هو أفلح والله إن صدق . وهذا أيضا منكر من القول واعتراض على الأثبات العدول فيما حفظوا ، وقد خرج مسلم في كتاب الزكاة قوله عليه السلام لرجل سأله أي الصدقة أفضل ؟ فقال وأبيك لأنبئك أو قال لأخبرنك وذكر الحديث وخرج في كتاب البر والصلة قوله لرجل سأله من أحق الناس بأن أبره أو قال أصله ؟ فقال وأبيك لأنبئك صل أمك ، ثم أباك ثم أدناك فأدناك فقال في هذه الأحاديث كما ترى وأبيك ، فلم يأت إسماعيل بن جعفر إذا في روايته بشيء إمر ولا بقول بدع وقد حمل عليه في روايته رجل من علماء بلادنا وعظماء محدثيها ، وغفل - عفا الله عنه - عن الحديثين اللذين تقدم ذكرهما ، وقد خرجهما مسلم بن الحجاج . وفي تراجم أبي داود في كتاب الإيمان في مصنفه ما يدل على أنه كان يذهب إلى قول من قال بالنسخ وأن القسم بالآباء كان جائزا ، والذي ذكرناه ليس من باب الحلف بالآباء كما قدمنا ، ولا قال في الحديث وأبي ، وإنما قال وأبيه أو وأبيك بالإضافة إلى ضمير المخاطب أو الغائب وبهذا الشرط يخرج عن معنى الحلف إلى معنى التعجب الذي ذكرناه . قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه وأنا فيهم " قفوا " ، ثم قال اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله . قال وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار . فنزلنا خيبر ليلا ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذانا ، فركب وركبنا معه فركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش قالوا : محمد والخميس معه فأدبروا هرابا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . قال ابن إسحاق : حدثنا هارون عن حميد عن أنس بمثله . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر فبني له فيها مسجد ثم على الصبهاء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم وبين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر ، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر . وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالا مالا ، ويفتتحها حصنا حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وبنتي عم لها ، فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه . وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين . ________________________________________ الإسناد عن عطاء بن أبي مروان وذكر ابن إسحاق حديثه عليه السلام حين أشرف على خيبر ، وقال في إسناده عن عطاء بن [ أبي ] مروان وهذا هو الصحيح في هذا الإسناد لأن عطاء بن أبي مروان الأسلمي معروف في أهل المدينة يكنى أبا مصعب قاله البخاري في التاريخ وبعض من يروي السيرة يقول في هذا الإسناد عن عطاء بن أبي رباح ، عن مروان الأسلمي والصحيح ما قدمناه . المكاتل فصل وذكر حديث أنس حين استقبلتهم عمال خيبر بمساحيهم ومكاتلهم المكاتل جمع مكتل وهي القفة العظيمة سميت بذلك لتكتل الشيء فيها ، وهو تلاصق بعضه ببعض والكتلة ومن التمر ونحوه فصيحة وإن ابتذلتها العامة . خربت خيبر وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين رآهم الله أكبر خربت خيبر . فيه إباحة التفاؤل وقوة لمن استجاز الرجز وقد قدمنا في ذلك قولا مقنعا ، وذلك أنه رأى المساحي والمكاتل وهي من آلة الهدم ، والحفر مع أن لفظ المسحاة من سحوت الأرض إذا قشرتها ، فدل ذلك على خراب البلدة التي أشرف عليها ، وفي غير رواية ابن هشام قال حين ذكر المساحي كانوا يؤتون الماء إلى زرعهم معناه يسوقون . والأتي هي الصافية . الخميس وقول اليهود : محمد والخميس سمي الجيش العظيم خميسا ، لأن له ساقة ومقدمة وجناحين وقلبا ، لا من أجل تخميس الغنيمة فإن الخمس من سنة الإسلام وقد كان الجيش يسمى خميسا في الجاهلية وقد ذكرنا الشاهد على ذلك فيما تقدم . تدني الحصون وقوله يتدنى الحصون أي يأخذ الأدنى فالأدنى . ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى الناس عن أمور سماها لهم . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبد الله بن أبي سليط عن أبيه . قال أتانا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع عن إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي وعن أكل كل ذي ناب من السباع وعن بيع المغانم حتى تقسم قال ابن إسحاق : وحدثني سلام بن كركرة عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ولم يشهد جابر خيبر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر أذن لهم في أكل لحوم الخيل . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني قال غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها : جربة فقام فينا خطيبا ، فقال يا أيها الناس إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره يعني إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدث عن عبادة بن الصامت ، قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين وقال ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين . قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال . ________________________________________ حكم أكل لحوم الحمر الأهلية والخيل وذكر نهيه عليه السلام عن أكل لحوم الحمر الأهلية وحديث جابر أنه نهى عليه السلام يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأرخص لهم في لحوم الخيل أما الحمر الأهلية فمجتمع على تحريمها إلا شيئا يروى عن ابن عباس وعائشة وطائفة من التابعين . وحجة من أباحها قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم [ الأنعام 145 ] الآية وهي مكية وحديث النهي عن الحمر كان بخيبر فهو المبين للآية والناسخ للإباحة ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لرجل استفتاه في أكل الحمار الأهلي يقال في اسمه غالب بن أبحر المزني : أطعم أهلك من سمين مالك وهو حديث ضعيف لا يعارض بمثله حديث النهي مع أنه محتمل لتأويلين أحدهما : أن يكون الرجل ممن أصابته مسغبة شديدة فأرخص له فيه أو يكون ذلك منسوخا بالتحريم على أن بعض رواة الحديث زاد فيه بيانا ، وهو قوله عليه السلام للرجل إنما نهيت عن حوالي القرية أو جوالي القرية على اختلاف في الرواية وأما حديث جابر في إباحة الخيل فصحيح ويعضده حديث أسماء أنها قالت ضحينا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفرس وقال بإباحة لحوم الخيل الشافعي والليث وأبو يوسف وذهب مالك والأوزاعي إلى كراهة ذلك وقد روي من طريق خالد بن الوليد أنه عليه السلام نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال والخيل وقد خرجه أبو داود ، وحديث الإباحة أصح غير أن مالكا رحمه الله نزع بآية من كتاب الله وهي أن الله جل ذكره ذكر الأنعام فقال ومنها تأكلون ثم ذكر الخيل والبغال والحمير فقال لتركبوها وزينة هذا انتزاع حسن . ووجه الدليل من الآية أنه قال والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع [ النحل 5 ] فذكر الدفء والمنافع والأكل ثم أفرد الخيل والبغال والحمير بالذكر ثم جاء بلام العلة والنسب فقال لتركبوها أي لهذا سخرتها لكم فوجب أن لا يتعدى ما سخرت له وأما نهيه يوم خيبر عن لحوم الجلالة وعن ركوبها ، فهي التي تأكل الجلة وهو الروث والبعر وفي السنن للدارقطني أنه عليه السلام نهى عن أكل الجلالة حتى تعلف أربعين يوما وهذا نحو مما روي عنه عليه السلام أنه كان لا يأكل الدجاج المخلاة حتى تقصر ثلاثة أيام . ذكره الهروي . الورق وذكر في الحديث نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الفضة بالفضة وإباحة بيع الذهب بالورق فدل على أن الورق والفضة شيء واحد وقد فرق بينهما أبو عبيد في كتاب الأموال فقال الرقة والورق ما كان سكة مضروبة فإن كان حليا أو حلية ، أو نقرا لم يسم ورقا ، يريد بهذه التفرقة أن لا زكاة في حلي الفضة والذهب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر الزكاة قال في الرقة الخمس وحين ذكر الربا قال الفضة بالفضة . قال المؤلف وفي هذا الحديث الذي ذكره ابن إسحاق ، وفي أحاديث سواه قد تتبعتها ما يدل على خلاف ما قال منها قوله عليه السلام في صفة الحوض يصب فيه ميزابان من الجنة أحدهما [ من ذهب والآخر ] من ورق وفي حديث عرفجة حين أصيب أنفه يوم الكلاب قال فاتخذت أنفا من ورق الحديث في شواهد كثيرة تدل على أن الفضة تسمى ورقا على أي حال كانت . وقوله بالذهب العين والورق العين يريد النقد لأن الغائب تسمى ضمارا ، كما قال وعينه كالكالئ الضمار وسمي الحاضر عينا لموضع المعاينة فالعين في الأصل مصدر عنته أعينه إذا أبصرته بعينك ، وسمي المفعول بالمصدر ونحو منه الصيد لأنه مصدر صدت أصيد وقد جاء في التنزيل لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم المائدة 95 ] فسماه بالمصدر ولعلك أن تلحظ من هذا المطلع معنى العين من قوله تعالى : ولتصنع على عيني [ طه : 39 ] فقد أملينا فيها ، وفي مسألة اليد مسألتين لا يعدل بقيمتهما الدنيا بحذافيرها . متى حرم نكاح المتعة ؟ فصل ومما يتصل بحديث النهي عن أكل الحمر تنبيه على إشكال في رواية مالك عن ابن شهاب ، فإنه قال فيها : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الأهلية وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر أن المتعة حرمت يوم خيبر ، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبد الله بن محمد فقال فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر ، وعن المتعة فمعناه على هذا اللفظ ونهى عن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم فهو إذا تقديم وتأخير وقع في لفظ ابن شهاب ، لا في لفظ مالك لأن مالكا قد وافقه على لفظه جماعة من رواة ابن شهاب ، وقد اختلف في تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال إن ذلك كان في غزوة تبوك ، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء والمشهور في تحريم نكاح المتعة رواية الربيع بن سبرة عن أبيه أن ذلك كان عام الفتح . وقد خرج مسلم الحديث بطوله وفي هذا الحديث أيضا حديث آخر خرجه أبو داود أن تحريم نكاح المتعة كان في حجة الوداع ، ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس ، فهو موافق لمن قال عام الفتح فتأمله والله المستعان . شأن بني سهم فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم : أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه فقال اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه . مقتل مرحب اليهودي قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وجاز من الأموال ما جاز انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحا ، فحاصره رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة . قال ابن هشام : وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، يا منصور ، أمت أمت . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله ، قال خرج مرحب اليهودي من حصنهم قد جمع سلاحه يرتجز وهو يقول قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب إذا الليوث أقبلت تخرب إن حماي للحمى لا يقرب وهو يقول من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك ، فقال قد علمت خيبر أني كعب مفرج الغمى جريء صلب إذ شبت الحرب تلتها الحرب معي حسام كالعقيق عضب نطؤكم حتى يذل الصعب نعطي الجزاء أو يفيء النهب بكف ماض ليس فيه عتب قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري : قد علمت خيبر أني كعب وأنني متى تشب الحرب ماض على الهول جريء صلب معي حسام كالعقيق عضب بكف ماض ليس فيه عتب ندككم حتى يذل الصعب قال ابن هشام : ومرحب من حمير . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن سهل ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ؟ قال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر قتل أخي بالأمس فقال فقم إليه " اللهم أعنه عليه . قال فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله مقتل ياسر أخي مرحب قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر وهو يقول من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب : يقتل ابني يا رسول الله قال بل ابنك يقتله إن شاء الله فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير . قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة : أن الزبير كان إذا قيل له والله إن كان سيفك يومئذ لصارما عضبا ، قال والله ما كان صارما ، ولكني أكرهته . شأن علي يوم خيبر قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته وكانت بيضاء فيما قال ابن هشام ، إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل فرجع ولم يك فتح وقد جهد ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ثم رجع ولم يك فتح وقد جهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار . قال يقول سلمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضوان الله عليه وهو أرمد فتفل في عينه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك . قال يقول سلمة فخرج والله بها يأنح يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت ؟ قال أنا علي بن أبي طالب . قال يقول اليهودي . علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال . قال فما رجع حتى فتح الله على يديه . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده فتناول علي عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه . أمر أبي اليسر قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم ؟ قال أبو اليسر فقلت : أنا يا رسول الله قال فافعل قال فخرجت أشتد مثل الظليم فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال اللهم أمتعنا به قال فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد كأنه ليس معي شيء حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوهما فأكلوهما ، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكا ، فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال " أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من آخرهم هلكا ________________________________________ وذكر قوله - عليه السلام - لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويفتح على يديه وفي غير رواية ابن إسحاق : فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها ومعناه من الدوكة والدوكة وهو اختلاط الأصوات . علي ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر أن عليا - رضي الله عنه - انطلق بالراية يأنح وفي غير رواية ابن إسحاق يؤج ، فمن رواه يأنح فهو من الأنيح وهو علو النفس يقال فرس أنوح من هذا ، ويروى عن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى رجلا يأنج ببطنه فقال ما هذا ؟ فقال بركة من الله فقال بل هو عذاب عذبك به . ومن رواه يؤج ، فمعناه يسرع يقال أجت الناقة تؤج إذا أسرعت في مشيها ، وزاد الشيباني عن ابن إسحاق في هذا الحديث حين ذكر أن عليا كان أرمد وأن النبي صلى الله عليه وسلم - تفل في عينيه فبرأ قال فما وجعت عينه حتى مضى سبيله قال وكان علي يلبس القباء المحشو الثخين في شدة الحر فلا يبالي بالحر ويلبس الثوب الخفيف في شدة البرد فلا يبالي بالبرد وسئل عن ذلك فأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له يوم خيبر حين رمدت عينه أن يشفيه الله وأن يجنبه الحر والبرد فكان ذلك . صاحب المغانم وابن مغفل فصل وذكر حديث عبد الله بن مغفل حين احتمل جراب الشحم وأراد صاحب المغانم أخذه منه ولم يذكر اسم صاحب المغانم وروي عن ابن وهب أنه قال كان على المغانم يوم خيبر أبو اليسر كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري هكذا وجدته في بعض كتب الفقه مرويا عن ابن وهب ، ولم يتصل لي به إسناد . صفية أم المؤمنين قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها ; فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعزبوا عني هذه الشيطانة وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال فيما بلغني حين رأى بتلك اليهودية ما رأى : أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ؟ وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر . ________________________________________ الصفي والمرباع فصل وذكر صفية بنت حيي وأمها بردة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل المذكور في الموطإ وأنه اصطفاها لنفسه وفي حديث آخر عن عائشة قالت كانت صفية من الصفي والصفي ما يصطفيه أمير الجيش لنفسه قال الشاعر [ عبد الله بن غنمة الضبي يخاطب بسطام بن قيس ] :

لك المرباع منها والصفايا [ وحكمك والنشيطة والفضول ] فالمرباع ربع الغنيمة . والصفي ما يصطفى للرئيس وكان هذا في الجاهلية فنسخ المرباع بالخمس وبقي أمر الصفي . مصدر أموال النبي صلى الله عليه وسلم وزواجه من صفية وكانت أموال النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه من الصفي والهدية تهدى إليه وهو في بيته لا في الغزو من بلاد الحرب ومن خمس الخمس وروى يونس عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري قال حدثني عثمان بن كعب القرظي ، قال حدثني رجل من بني النضير كان في حجر صفية بنت حيي من رهطها يقال له ربيع عن صفية بنت حيي قالت ما رأيت أحدا قط أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيته ركب بي من خيبر حين أفاء الله عليه على ناقته ليلا فجعلت أنعس فيضرب رأسي مؤخرة الرحل فيمسني بيده ويقول " يا هذه مهلا يا ابنة حيي " ، حتى إذا جاء الصهباء ، قال " أما إني أعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك ، إنهم قالوا لي : كذا ، وقالوا لي : كذا " . وحديث اصطفائه صفية يعارضه في الظاهر الحديث الآخر عن أنس أنها صارت لدحية فأخذها منه وأعطاه سبعة أرأس ويروى أنه أعطاه بنتي عمها عوضا منها ، ويروى أيضا أنه قال له خذ رأسا آخر مكانها ولا معارضة بين الحديثين فإنما أخذها من دحية قبل القسم وما عوضه منها ليس على جهة البيع ولكن على جهة النفل والهبة والله أعلم . غير أن بعض رواة الحديث في المسند الصحيح يقولون فيه إنه اشترى صفية من دحية وبعضهم يزيد فيه بعد القسم فالله أعلم أي ذلك كان . وكان أمر الصفي أنه كان عليه السلام إذا غزا في الجيش اختار من الغنيمة قبل القسم رأسا وضرب له بسهم مع المسلمين فإذا قعد ولم يخرج مع الجيش ضرب له بسهم ولم يكن له صفي ، ذكره أبو داود ، وأمر الصفي بعد الرسول عليه السلام لإمام المسلمين في قول أبي ثور وخالفه جمهور الفقهاء وقالوا : كان خصوصا للنبي عليه السلام . صداق صفية وقوله أعتقها ، وجعل عتقها صداقها ، هو صحيح في العقل وقال به كثير من العلماء ومن لم يقل به من الفقهاء تأوله خصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم أو منسوخا ، وممن لم يقل به مالك بن أنس ، وجماعة سواه لا يرون مجرد العتق يغني عن صداق . بقية أمر خيبر

وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع وكان عنده كنز بني النضير فسأله عنه فجحد أن يكون يعرف مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة " أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك ؟ " قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤذيه فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة  

صلح خيبر وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ففعل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها : الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين . فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم وأن يحقن دماءهم ويخلوا له الأموال ففعل . وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أخو بني حارثة فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها ; فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم فصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر فيئا بين المسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب . ________________________________________ حنش الصنعاني وذكر حديث حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت . هو حنش بن عبد الله السبائي جاء إلى الأندلس مع موسى بن نصير وهو الذي ابتنى جامع سرقسطة وأسس جامع قرطبة أيضا فيما ذكروا وتوهم البخاري أنه حنش بن علي وأن الاختلاف في اسم أبيه وقد فرق بينهما علي بن المديني فقال حنش بن علي السبائي من صنعاء الشام ومنها أبو الأشعث الصنعاني وحنش بن عبد الله السبائي من صنعاء اليمن وكلاهما يروي عن علي فمن ههنا دخل الوهم على البخاري هكذا ذكر أبو بكر الخطيب ويروى عن علي أيضا حنش بن ربيعة وحنش بن المعتمر وهما غير هذين . وطء منهي عنه وفيه أن لا توطأ حامل من السبايا حتى تضع وذكر باقي الحديث وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه نظر إلى أمة مجح أي مقرب فسأل عن صاحبها فقيل إنه يلم بها فقال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره وذكر الحديث . فهذا وجه في معنى قوله لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره معنى إتيان الحبالى من السبايا فإن فعل فالولد مختلف في إلحاقه به فقال مالك والشافعي : لا يلحق به وقال الليث يلحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم كيف يستعبده وقد غذاه في سمعه وبصره علي يقتل مرحبا فصل ومما يتصل بقصة مرحب اليهودي مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من غير رواية الكتاب قول علي أنا الذي سمتني أمي حيدره أضرب بالسيف رءوس الكفره أكيلهم بالصاع كيل السندره أي أجزيهم بالوفاء والسندرة شجرة يصنع منها مكاييل عظام . حيدرة وفي قوله رضي الله عنه سمتني أمي حيدره ثلاثة أقوال ذكرها قاسم بن ثابت أحدها : أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد والأسد هو الحيدرة . الثاني : أن أمه فاطمة بنت أسد حين ولدته كان أبوه غائبا فسمته باسم أبيها أسد فقدم أبوه فسماه عليا . الثالث أنه لقب في صغره بحيدرة لأن الحيدرة المعتلي لحما مع عظم بطن وكذلك كان علي رضي الله عنه ولذلك قال بعض اللصوص حين فر من سجنه الذي كان يسمى نافعا وقيل فيه يافع أيضا بالياء ولو أني مكثت لهم قليلا لجروني إلى شيخ بطين من حصون خيبر وذكر شقا والنطاة وشق بالفتح أعرف عند أهل اللغة كذلك قيده البكري . وذكر وادي خاص من أرض خيبر . وقال أبو الوليد إنما هو وادي خلص باللام والأول تصحيف . وقال البكري : هو خلص باللام وأنشد البكري لخالد بن عامر وإن بخلص خلص آرة بدنا نواعم كالغزلان مرضى عيونها الشاة المسمومة فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها : الذراع فأكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها ; فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها ; وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال " ما حملك على ذلك ؟ " قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك . فقلت : إن كان ملكا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر قال فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل . قال ابن إسحاق : وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر . قال فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة . ________________________________________ الشاة المسمومة فصل وذكر حديث الشاة المسمومة وأكل بشر بن البراء منها وفيه أن الذراع كانت تعجبه لأنها هادي الشاة وأبعدها من الأذى فلذلك جاء مفسرا في هذا اللفظ . فأما المرأة التي سمته فقال ابن إسحاق : صفح عنها وقد روى أبو داود أنه قتلها ووقع في كتاب شرف المصطفى أنه قتلها وصلبها وهي زينب بنت الحارث بن سلام وقال أبو داود : وهي أخت مرحب اليهودي وروى أيضا مثل ذلك ابن إسحاق . ووجه الجمع بين الروايتين أنه عليه السلام صفح عنها أول لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقم لنفسه فلما مات بشر بن البراء من تلك الأكلة قتلها وذلك أن بشرا لم يزل معتلا من تلك الأكلة حتى مات منها بعد حول وقال النبي صلى الله عليه وسلم عند موته ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري وكان ينفث منها مثل عجم الزبيب . وتعادني أي تعتادني المرة بعد المرة قال الشاعر ألاقي من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العداد والأبهر عرق مستبطن القلب . قال ابن مقبل وللفؤاد وجيب تحت أبهره لدم الوليد وراء الغيب بالحجر وقد روى معمر بن راشد في جامعه عن الزهري أنه قال أسلمت فتركها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال معمر هكذا قال الزهري : أسلمت والناس يقولون قتلها وأنها لم تسلم وفي جامع معمر بن راشد أيضا أن أم بشر بن البراء قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في المرض الذي مات منه ما تتهم يا رسول الله فإني لا أتهم ببشر إلا الأكلة التي أكلها معك بخيبر فقال وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك فهذا أوان قطعت أبهري . رجوع الرسول إلى المدينة قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى فحاصر أهله ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة . مقتل غلام للرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن زيد عن سالم مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة قال فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيني . قال ابن هشام : جذام أخو لخم . قال فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله فقلنا : هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفس محمد بيده إن شملته الآن لتحترق عليه في النار كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر قال فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لي قال فقال يقد لك مثلهما من النار . أمر ابن مغفل والجراب قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مغفل المزني قال أصبت من فيء خيبر جراب شحم فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي . قال فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها فأخذ بناحيته وقال هلم هذا نقسمه بين المسلمين قال قلت : لا والله لا أعطيكه قال فجعل يجابذني الجراب . قال فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك . قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم لا أبا لك خل بينه وبينه قال فأرسله فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه . أبو أيوب يحرس الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة بنائه بصفية قال ابن إسحاق : ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بخيبر أو ببعض الطريق وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك . فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له وبات أبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار متوشحا سيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى مكانه قال ما لك يا أبا أيوب ؟ قال يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها وكانت حديثة عهد بكفر فخفتها عليك فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني بلال يغلبه النوم وهو يرقب الفجر قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري عن سعيد بن المسيب قال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر فكان ببعض الطريق قال من آخر الليل من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال أنا يا رسول الله أحفظه عليك . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل الناس فناموا وقام بلال يصلي فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي ثم استند إلى بعيره واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب فقال ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ " قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال " صدقت " ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فلما سلم أقبل على الناس فقال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها " فإن الله تبارك وتعالى يقول وأقم الصلاة لذكري - شعر ابن لقيم في فتح خيبر قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد أعطى ابن لقيم العبسي حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر فقال ابن لقيم العبسي في خيبر : رميت نطاة من الرسول بفيلق شهباء ذات مناكب وفقار واستيقنت بالذل لما شيعت ورجال أسلم وسطها وغفار صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة والشق أظلم أهله بنهار جرت بأبطحها الذيول فلم تدع إلا الدجاج تصيح في الأسحار ولكل حصن شاغل من خيلهم من عبد أشهل أو بني النجار ومهاجرين قد اعلموا سماهم فوق المغافر لم ينوا لفرار ولقد علمت ليغلبن محمد وليثوين بها إلى أصفار فرت يهود يوم ذلك في الوغى تحت العجاج غمائم الأبصار قال ابن هشام : فرت كشفت كما تفر الدابة بالكشف عن أسنانها يريد كشفت عن جفون العيون غمائم الأبصار يريد الأنصار . ________________________________________ الحال والمعرفة لفظا فصل وذكر في أشعار خيبر قول العبسي . وفي آخره فرت يهود يوم ذلك في الوغى تحت العجاج غمائم الأبصار وهو بيت مشكل غير أن في بعض النسخ وهي قليلة عن ابن هشام أنه قال فرت فتحت من قولك : فررت الدابة إذا فتحت فاها . وغمائم الأبصار هي مفعول فرت وهي جفون أعينهم هذا قول وقد يصح أن يكون فرت من الفرار وغمائم الأبصار من صفة العجاج وهو الغبار ونصبه على الحال من العجاج وإن كان لفظه لفظ المعرفة عند من ليس بشاذ في النحو . ولا ماهر في العربية وأما عند أهل التحقيق فهو نكرة لأنه لم يرد الغمائم حقيقة وإنما أراد مثل الغمائم فهو مثل قول امرئ القيس بمنجرد قيد الأوابد هيكل فقيدها هنا نكرة لأنه أراد مثل القيد ولذلك نعت به منجردا أو جعله في معنى مقيد وكذلك قول عبدة بن الطبيب تحية من غادرته غرض الردى فنصب غرضا على الحال وأصح الأقوال في قوله سبحانه زهرة الحياة الدنيا [ طه : 131 ] أنه حال من المضمر المخفوض لأنه أراد التشبيه بالزهرة من النبات ومن هذا النحو قولهم جاء القوم الجماء الغفير انتصب على الحال وفيه الألف واللام وهو من باب ما قدمناه من التشبيه وذلك أن الجماء هي بيضة الحديد تعرف بالجماء والصلعاء فإذا جعل معها المغفر فهي غفير فإذا قلت : جاءوا الجماء الغفير فإنما أردت العموم والإحاطة بجميعهم أي جاءوا جيئة تشملهم وتستوعبهم كما تحيط البيضة الغفير بالرأس فلما قصدوا معنى التشبيه دخل الكلام الكثير كما تقدم وكذلك قولهم تفرقوا أيدي سبا وأيادي سبا أي مثل أيدي سبا فحسنت فيه الحال لذلك والذي قلناه في معنى الجماء الغفير رواه أبو حاتم عن أبي عبيدة وكان علامة بكلام العرب ولم يقع سيبويه على هذا الغرض في معنى الجماء فجعلها كلمة شاذة عن القياس واعتقد فيها التعريف وقرنها بباب وحده وفي باب وحده أسرار قد أمليناها في غير هذا الكتاب ومسألة وحده تختص بباب وحده وهذا الذي ذكرنا من التنكير بسبب التشبيه إنما يكون إذا شبهت الأول باسم مضاف وكان التشبيه بصفة متعدية إلى المضاف إليه كقوله قيد الأوابد أي مقيد الأوابد ولو قلت : مررت بامرأة القمر على التشبيه لم يجز لأن الصفة التي وقع بها التشبيه غير متعدية إلى القمر فهذا شرط في هذه المسألة ومما يحسن فيه التنكير وهو مضاف إلى معرفة اتفاق اللفظين كقوله له صوت صوت الحمار وزئير زئير الأسد فإن قلت : فما بال الجماء الغفير جاز فيها الحال وليست بمضافة ؟ قلنا : لم تقل العرب جاء القوم البيضة فيكون مثل ما قدمناه من قولك : مررت بهذا القمر وإنما قالوا : الجماء الغفير بالصفة الجامعة بينها وبين ما هي حال منه وتلك الصفة الجمم وهو الاستواء والغفر وهي التغطية فمعنى الكلام جاءوا جيئة مستوية لهم موعبة لجميعهم فقوي معنى التشبيه بهذا الوصف فدخل التنكير لذلك وحسن النصب على الحال وهي حال من المجيء .

حديث المرأة الغفارية قال ابن إسحاق : وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ولم يضرب لهن بسهم . قال ابن إسحاق : حدثني سليمان بن سحيم عن أمية بن أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد سماها لي قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار فقلنا : يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا وهو يسير إلى خيبر فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا فقال على بركة الله . قالت فخرجنا معه وكنت جارية حدثة فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله . قالت فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ونزلت عن حقيبة رحله وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال ما لك ؟ لعلك نفست قالت قلت : نعم قال فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمركبك . قالت فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رضخ لنا من الفيء وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها وعلقها بيده في عنقي فوالله لا تفارقني أبدا . قالت فكانت في عنقها حتى ماتت ثم أوصت أن تدفن معها . قالت وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحا وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت ________________________________________ حول حديث المرأة الغفارية فصل وذكر حديث الغفارية التي شهدت خيبر ولم يسمها وقد يقال اسمها ليلى ويقال هي امرأة أبي ذر الغفاري وقولها : رضخ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصل الرضخ أن تكسر من الشيء الرطب كسرة فتعطيها وأما الرضح بالحاء المهملة فكسر اليابس الصلب قال الشاعر كما تطاير عن مرضاحه العجم من أحكام الماء وقولها : أمرني أن أجعل في طهوري ملحا . فيه رد على من زعم من الفقهاء أن الملح في الماء إذا غير طعمه صيره مضافا طاهرا غير مطهر وفي هذا الحديث ما يدفع قوله ومن طريق النظر أن المخالط للماء إذا غلب على أحد أوصافه الثلاثة الطعم أو اللون أو الرائحة كان حكم الماء كحكم المخالط له فإن كان طاهرا غير مطهر كان الماء به كذلك وإذا كان لا طاهرا ولا مطهرا كالبول كان الماء لمخالطته كذلك وإن كان المخالط له طاهرا مطهرا كالتراب كان الماء طاهرا مطهرا والملح إن كان ماء جامدا فهو في الأصل طاهر مطهر وإن كان معدنيا ترابيا فهو كالتراب في مخالطة الماء فلا معنى لقول من جعله ناقلا للماء عن حكم الطهارة والتطهير ووقع في رواية يونس في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عام الفتح من جفنة فيها ماء وكافور ومحمل هذه الرواية عندي إن صحت على أنه قصد بها التطيب وأنه لم يكن محدثا ولأبي حنيفة في هذه الرواية متعلق لترخيصه . شهداء خيبر قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين من قريش ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح . ومن بني أسد بن عبد العزى : عبد الله بن الهبيب ، ويقال ابن الهبيب فيما قال ابن هشام ، بن أهيب بن سحيم بن غيرة من بني سعد بن ليث حليف لبني أسد ، وابن أختهم . ومن الأنصار ثم من بني سلمة بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضيل بن النعمان . رجلان . ومن بني زريق مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق . ومن الأوس ثم من بني عبد الأشهل محمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة . ومن بني عمرو بن عوف أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف والحارث بن حاطب ; وعروة بن مرة بن سراقة ، وأوس بن القائد وأنيف بن حبيب وثابت بن أثلة ، وطلحة . ومن بني غفار : عمارة بن عقبة ، رمي بسهم . ومن أسلم : عامر بن الأكوع ، والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم . قال ابن هشام : الأسود الراعي من أهل خيبر . وممن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة مسعود بن ربيعة ، حليف لهم من القارة . ومن الأنصار بني عمرو بن عوف أوس بن قتادة . أمر الأسود الراعي في حديث خيبر قال ابن إسحاق : وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني : أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له كان فيها أجيرا لرجل من يهود فقال يا رسول الله اعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ويعرضه عليه - فلما أسلم قال يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود فأخذ حفنة من الحصى فرمى بها في وجوهها ، وقال ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبدا ، فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها ، حتى دخلت الحصن ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة قط ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع خلفه وسجي بشملة كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا : يا رسول الله لم أعرضت عنه ؟ قال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين قال ابن إسحاق : وأخبرني عبد الله بن أبي نجيح أنه ذكر له أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت ( له ) زوجتاه من الحور العين عليه تنفضان التراب عن وجهه وتقولان ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك ________________________________________ من شهداء خيبر وذكر فيمن استشهد بخيبر أبا الضياح بن ثابت ولم يسمه وقال الطبري : اسمه النعمان بن ثابت بن النعمان ، وقال غيره اسمه عمير . وذكر فيمن استشهد عامر بن الأكوع ، وهو الذي رجع عليه سيفه فقتله فشك الناس فيه فقالوا : قتله سلاحه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه جاهد مجاهد ، وقل عربي ، مشابها مثله وفي رواية مشى به مثله ويروى أيضا : نشأ بها مثله كل هذا يروى في الجامع الصحيح وهذا اضطراب من رواة الكتاب فمن قال مشى بها مثله فالهاء عائدة على المدينة ، كما تقول ليس بين لابتيها مثل فلان يقال هذا في المدينة ، وفي الكوفة ، ولا يقال في بلد ليس حوله لابتان أي حرتان ويجوز أن تكون الهاء عائدة على الأرض كما قال سبحانه كل من عليها فان [ الرحمن 26 ] . الحال من النكرة ومن رواه مشابها مفاعلا من الشبه فهو حال من عربي والحال من النكرة لا بأس به إذا دلت على تصحيح معنى كما جاء في الحديث فصلى خلفه رجال قياما . الحال هاهنا مصححة لفقه الحديث أي صلوا في هذه الحال ومن احتج في الحال من النكرة بقولهم وقع أمر فجأة فلم يصنع شيئا ، لأن فجأة ليس حالا من أمر إنما هو حال من الوقوع كما تقول جاءني رجل مشيا ، فليس مشيا حال من رجل كما توهموا ، وإنما هي حال من المجيء لأن الحال هي صاحب الحال وتنقسم أقساما : حال من فاعل كقولك : جاء زيد ماشيا ، وحال من الفعل كقولك : جاء زيد مشيا وركضا ، وحال من المفعول كقولك : جاءني القوم جالسا ، فهي صفة المفعول في وقت وقوع الفعل عليه أو صفة الفاعل في وقت وقوع الفعل منه أو صفة الفعل في وقت وقوعه ونعني بالفعل المصدر . أمر الحجاج بن علاط السلمي قال ابن إسحاق : ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمي ، ثم البهزي فقال يا رسول الله إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله فأذن له قال إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالا من قريش يتسمعون الأخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالا ، فهم يتحسسون الأخبار ويسألون الركبان فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال ولم يكونوا علموا بإسلامي ، عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز ، قال قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم قال فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون إيه يا حجاج قال قلت : هزم هزيمة لم يسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط ، وأسر محمد أسرا ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم . قال فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم . قال قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر ، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك قال ابن هشام : ويقال من فيء محمد . قال ابن إسحاق قال فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به . قال وجئت صاحبتي فقلت ، مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع لعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار قال فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به ؟ قال فقلت : وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ؟ قال نعم . قال قلت : فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء فإني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ . قال حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت : احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثا ، ثم قل ما شئت ، قال أفعل . قلت : فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم يعني صفية بنت حيي ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه فقال ما تقول يا حجاج ؟ قال قلت : إي والله فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي ، فرقا من أن أغلب عليه فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب ، قال حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وتحلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا : يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة ، قال كلا ، والله الذي حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على بنت ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه قالوا : من جاءك بهذا الخبر ؟ قال الذي جاءكم بما جاءكم به ولقد دخل عليكم مسلما ، فأخذ ماله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه . قالوا : يا لعباد الله انفلت عدو الله أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن قال ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك . ________________________________________ حديث الحجاج بن علاط فصل وذكر حديث الحجاج بن علاط السلمي : وقد ذكرنا في حديث إسلامه خبرا عجيبا اتفق له مع الجن ، وهو والد نصر بن حجاج الذي حلق عمر رأسه ونفاه من المدينة لما سمع قول المرأة فيه ألا سبيل إلى خمر فأشربها أم لا سبيل إلى نصر بن حجاج وهذه المرأة هي الفريعة بنت همام ويقال إنها أم الحجاج بن يوسف ولذلك قال له عروة بن الزبير : يا ابن المتمنية وكان من أحسن الناس لمة ووجها ، فأتى الشام ، فنزل على أبي الأعور السلمي فهويته امرأته وهواها ، وفطن أبو الأعور لذلك بسبب يطول ذكره فابتنى له قبة في أقصى الحي فكان بها ، فاشتد ضناه بالمرأة حتى مات كلفا بها ، وسمي المضنى وضربت به الأمثال . وذكر الأصبهاني في كتاب الأمثال له خبره بطوله . وقوله الحجاج بن علاط والعلاط وشم في العنق ويقال له العلطة أيضا ، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لا بد لي أن أقول فقال له " قل " ، يعني التكذب فأباحه له لأنه من خدع الحرب وقال المبرد إنما صوابه أتقول إذا أردت معنى التكذب وأخذ هذا المعنى حبيب فقال بحسب امرئ أثنى عليك بأنه يقول وإن أربى فلا يتقول أي يقول الحق إذا مدحك ، وإن أفرط فليس إفراطه بتقول . تفسير أولى لك وذكر غير ابن إسحاق في حديث حجاج أن قريشا قالت حين أفلتهم أولى له وهي كلمة معناها : الوعيد وفي التنزيل أولى لك فأولى [ القيامة 34 ] ، فهي على وزن أفعل من ولي أي قد وليه الشر ، وقال الفارسي : هي اسم علم ولذلك لم ينصرف وجدت هذا في بعض مسائله ولا تتضح لي العلمية في هذه الكلمة وإنما هو عندي كلام حذف منه والتقدير الذي تصير إليه من الشر أو العقوبة أولى لك ، أي ألزم لك ، أي إنه يليك ، وهو أولى لك ، مما فررت منه فهو في موضع رفع ولم ينصرف لأنه وصف على وزن أفعل وقول الفارسي هو في موضع نصب جعله من باب تبا له غير أنه جعله علما لما رآه غير منون . شعر حسان عن خيبر قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في يوم خيبر قول حسان بن ثابت : بئسما قاتلت خيابر عما جمعوا من مزارع ونخيل كرهوا الموت فاستبيح حماهم وأقروا فعل اللئيم الذليل أمن الموت يهربون فإن ال موت موت الهزال غير جميل حسان يعتذر عن أيمن وقال حسان بن ثابت أيضا ، وهو يعذر أيمن ابن أم أيمن بن عبيد ، وكان قد تخلف عن خيبر ، وهو من بني عوف بن الخزرج ، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أم أسامة بن زيد ، فكان أخا أسامة لأمه على حين أن قالت لأيمن أمه جبنت ولم تشهد فوارس خيبر وأيمن لم يجبن ولكن مهره أضر به شرب المديد المخمر ولولا الذي قد كان من شأن مهره لقاتل فيهم فارسا غير أعسر ولكنه قد صده فعل مهره وما كان منه عنده غير أيسر قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد هذه الأبيات لكعب بن مالك وأنشدني : ولكنه قد صده شأن مهره وما كان لولا ذاكم بمقصر ________________________________________ أم أيمن فصل وذكر شعر حسان في ابن أم أيمن واسم أبيه عبيد ، واسم أمه أم أيمن بركة وهي أم أسامة بن زيد ، يقال لها : أم الظباء قال الواقدي : اسمها بركة بنت ثعلبة [ بن عمرو بن حصن بن مالك بن مسلمة بن عمرو بن النعمان ] وكانت أمة لعبد الله بن عبد المطلب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أم أيمن أمي بعد أمي ويقال كانت لآمنة بنت وهب أم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي التي هاجرت على قدميها من مكة إلى المدينة ، وليس معها أحد ، وذلك في حر شديد فعطشت فسمعت حفيفا فوق رأسها ، فالتفتت فإذا دلو قد أدليت لها من السماء فشربت منها ، فلم تظمأ أبدا ، وكانت تتعهد الصوم في حمارة القيظ لتعطش فلا تعطش وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزورها ، وكان الخليفتان يزورانها بعده وقد روي مثل قصتها عن أم شريك الدوسية أنها عطشت في سفر فلم تجد ماء إلا عند يهودي وأبى أن يسقيها إلا أن تدين بدينه فأبت إلا أن تموت عطشا ، فدليت لها دلو من السماء فشربت ثم رفعت الدلو وهي تنطر . ذكر خبرها ابن إسحاق في السيرة من غير رواية ابن هشام ، وهو أطول مما ذكرناه . وقول حسان وأيمن لم يجبن ولكن مهره أضر به شرب المديد المخمر المديد وقع في الأصل وهو معروف ولكن ألفيت في حاشية الشيخ عن ابن دريد المريد براء والمريس أيضا ، وهو تمر ينقع ثم يمرس وأنشد مسنفات تسقى ضياح المريد شعر ناجية في يوم خيبر قال ابن إسحاق : وقال ناجية بن جندب الأسلمي يا لعباد الله فيم يرغب ما هو إلا مأكل ومشرب وجنة فيه نعيم معجب وقال ناجية بن جندب الأسلمي أيضا : أنا لمن أنكرني ابن جندب يا رب قرن في مكري أنكب طاح بمغدى أنسر وثعلب قال ابن هشام : وأنشدني بعض الرواة للشعر قوله " في مكري " ، و " طاح بمغدى " . شعر كعب في يوم خيبر وقال كعب بن مالك في يوم خيبر ، فيما ذكر ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري ونحن وردنا خيبرا وفروضه بكل فتى عاري الأشاجع مذود جواد لذي الغايات لا واهن القوى جريء على الأعداء في كل مشهد عظيم رماد القدر في كل شتوة ضروب بنصل المشرفي المهند يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة من الله يرجوها وفوزا بأحمد يذود ويحمي عن ذمار محمد ويدفع عنه باللسان وباليد وينصره من كل أمر يريبه يجود بنفس دون نفس محمد يصدق بالأنبياء بالغيب مخلصا يريد بذاك الفوز والعز في غد أبو أيوب في حراسة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين بات يحرسه حرسك الله يا أبا أيوب كما بت تحرس نبيه . قال المؤلف فحرس الله أبا أيوب بهذه الدعوة حتى إن الروم لتحرس قبره ويستسقون به ويستصحون وذلك أنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين فلما بلغوا القسطنطينة مات أبو أيوب هنالك وأوصى يزيد أن يدفنه في أقرب موضع من مدينة الروم ، فركب المسلمون ومشوا به حتى إذا لم يجدوا مساغا ، دفنوه فسألتهم الروم عن شأنهم فأخبروهم أنه كبير من أكابر الصحابة فقالت الروم ليزيد ما أحمقك وأحمق من أرسلك أأمنت أن ننبشه بعدك ، فنحرق عظامه فأقسم لهم يزيد لئن فعلوا ذلك لنهدمن كل كنيسة بأرض العرب ، ولننبشن قبورهم فحينئذ حلفوا لهم بدينهم ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا ، فروى ابن القاسم عن مالك ، قال بلغني أن الروم يستسقون بقبر أبي أيوب رحمه الله فيسقون . ذكر مقاسم خيبر وأموالها قال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة ، فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين وكانت الكتيبة خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقا من شعير وثلاثين وسقا من تمر وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها ، وكان وادياها ، وادي السريرة ، ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما ، نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلاثة عشر سهما ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم . من قسمت عليهم خيبر وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فارس ، فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم وكان لكل راجل سهم فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل فكانت ثمانية عشر سهما جمع . قال ابن هشام : وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل وهجن الهجين . قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأسا ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان وأسيد بن حضير وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حزام من بني سلمة وعبيد السهام . قال ابن هشام : وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس . قال ابن إسحاق : وسهم ساعدة وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس . فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع وتابعه السرير ، ثم كان الثاني سهم بياضة ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم وفيه قتل محمود بن مسلمة ، فهذه نطاة . ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سهم عبد الرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيد وبني حرام ثم سهم حارثة ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس وهو سهم اللفيف جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ، وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي . ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص ، بين قرابته وبين نسائه وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم معها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ولعلي بن أبي طالب مائة وسق ولأسامة بن زيد مائتي وسق وخمسين وسقا من نوى ، ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقا ، ولبني جعفر خمسين وسقا ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق للصلت منها أربعون وسقا ، ولأبي نبقة خمسين وسقا ولركانة بن عبد يزيد خمسين وسقا ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقا ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقا ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنه الحصين بن الحارث مائة وسق ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقا ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقا ، ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقا ، ولأم رميثة أربعين وسقا ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقا ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقا ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقا ، ولأم الحكم ثلاثين وسقا ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقا ، ولابن الأرقم خمسين وسقا ، ولعبد الرحمن بن أبي بكر أربعين وسقا ، ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقا ، ولأم الزبير أربعين وسقا ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقا ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقا ، ولأم طالب أربعين وسقا ، ولأبي بصرة عشرين وسقا ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقا ، ولعبد الله بن وهب وابنتيه تسعين وسقا ، لابنيه منها أربعين وسقا ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقا ، ولملكو بن عبدة ثلاثين وسقا ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبعمائة وسق . قال ابن هشام : قمح وشعير وتمر ونوى وغير ذلك قسمه على قدر حاجتهم وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر ولهذا أعطاهم أكثر . بسم الله الرحمن الرحيم ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر قسم لهن مائة وسق وثمانين وسقا ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقا ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقا ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقا ، ولأم رميثة خمسة أوسق . شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب . وصاة الرسول عند موته قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، قال لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث أوصى للرهاويين بجاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بجاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر ، وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ، وألا يترك بجزيرة العرب دينان . أمر فدك في خبر خيبر قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعدما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب . تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام : تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ويزيد بن قيس ، وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن . قال ابن هشام : ويقال عزة بن مالك ، وأخوه مران بن مالك . قال ابن هشام : مروان بن مالك . قال ابن إسحاق : وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله . ________________________________________ قسم أموال خيبر وأراضيها أما قسم غنائمها ، فلا خلاف فيه وفي كل مغنم بنص القرآن كما تقدم في غزاة بدر وأما أرضها ، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين من حضرها من أهل الحديبية وأخرج الخمس لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وقد تقدم الكلام في معنى : فلله وللرسول وما معنى لسهم الله وسهم الرسول ولولا الخروج عما صمدنا إليه لذكرنا سرا بديعا وفقها عجيبا في قوله تعالى : فلله وللرسول ولذي القربى باللام ولم يقل ذلك في اليتامى والمساكين وقال وللرسول وقال في أول السورة قل الأنفال لله والرسول وقال في آية الفيء ما أفاء الله على رسوله فلله وللرسول ولم يقل رسوله وكل هذا لحكمة وحاشا لله أن يكون حرف من التنزيل خاليا من حكمة . وقال أبو عبيد في كتاب الأموال : قسم النبي صلى الله عليه وسلم أرض خيبر أثلاثا أثلاثا ، السلالم والوطيح والكتيبة ، فإنه تركها لنوائب المسلمين وما يعروهم وفي هذا ما يقوي أن الإمام مخير في أرض العنوة إن شاء قسمها أخذا بقول الله سبحانه واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية فيجريها مجرى الغنيمة وإن شاء وقفها كما فعل عمر - رضي الله عنه - أخذا بقول الله تعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى إلى قوله والذين جاءوا من بعدهم فاستوعبت آية الفيء جميع المسلمين ومن يأتي بعدهم فسمى آية القرى فيئا وسمى الأخرى غنيمة فدل على افتراقهما في الحكم كما افترقا في التسمية وكما اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال منهم من يرى قسم الأرض كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وهو قول الشافعي ، ومنهم من يراها وقفا على المسلمين لبيت مالهم ومنهم من يقول بتخيير الإمام في ذلك فكذلك افترق رأي الصحابة عند افتتاح البلاد فكان رأي الزبير القسم فكلم عمرو بن العاص حين افتتح مصر في قسمها فكتب عمرو بذلك إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه عمر أن دعها ، ولا تقسمها ، حتى يجاهد منها حبل الحبلة وقد شرحنا هذه الكلمة في المبعث قبل هذا بأجزاء وكذلك استأمر عمر - رضي الله عنه - الصحابة في قسم أرض السواد حين افتتحت فكان رأي علي مع رأي عمر - رضي الله عنهما - أن يقفها ، ولا يقسمها ، وأرض السواد أولها من تخوم الموصل مدامع الماء إلى عبادان من الساحل عن يسار دجلة ، وفي العرض من جبال حلوان إلى القادسية متصلا بالعذيب من أرض العرب ، كذا قال أبو عبيد ، وكانت العرب تقول دلع البر لسانه في السواد لأن الأرض القادسية كلسان في البرية داخل في سواد العراق ، حكاها الطبري . ولما سار عمر إلى الشام ، وكان بالجابية شاور فيما افتتح من الشام : أيقسمها ؟ فقال له معاذ إن قسمتها لم يكن لمن يأتي بعد من المسلمين شيء أو نحو هذا ، فأخذ بقول معاذ فألح عليه بلال في جماعة من أصحابه وطلبوا القسم فلما أكثروا ، قال اللهم اكفني بلالا وذويه فلم يأت الحول ، ومنهم على الأرض عين تطرف وكانت أرض الشام كلها عنوة إلا مدائنها ، فإن أهلها صالحوا عليها ، وكذلك بيت المقدس فتحها عمر صلحا بعد أن وجه إليها خالد بن ثابت الفهمي فطلبوا منه الصلح فكتب بذلك إلى عمر وهو بالجابية ، فقدمها ، وقبل صلح أهلها . وأرض السواد كلها عنوة إلا الحيرة فإن خالد بن الوليد صالح أهلها ، وكذلك أرض بلقيا أيضا صلح وأخرى يقال لها : الليس . وأرض خراسان عنوة إلا ترمذ فإنها قلعة منيعة وقلاع سواها ، وأما أرض مصر ، فكان الليث بن سعد قد اقتنى بها مالا وعاب ذلك عليه جماعة منهم يحيى بن أيوب ومالك بن أنس ، لأن أرض العنوة لا تشترى ، وكان الليث يروي عن يزيد بن أبي حبيب ، أنها فتحت صلحا ، وكلا الخبرين حق لأنها فتحت صلحا أول ثم انتكثت بعد فأخذت عنوة فمن هاهنا نشأ الخلاف في أمرها ، قاله أبو عبيد ، وقد احتج من قال بالقسم في أرض العنوة بأن عمر لم يقف أرض السواد وغيرها حتى استطاب نفوس المفتتحين لها ، وأعطاهم حتى أرضاهم ورووا أن أم كرز البجلية سألت سهم أبيها في أرض السواد وأبت أن تتركه فيئا ، حتى أعطاها عمر راحلة وقطيفة حمراء وثمانين دينارا ، وكذلك رووا عن جرير بن عبد الله البجلي في سهمه بأرض العراق نحوا من هذا ، وقال من يحتج للفريق الآخر إنما ترضى عمر جريرا ، لأنه كان نفله تلك الأرض فكانت ملكا له حتى مات وكذلك أم كرز كان سهم أبيها نفلا أيضا ، جاءت بذلك كله الآثار الثابتة والله المستعان . أبو نبقة وذكر فيمن قسم له يوم خيبر أبا نبقة قسم له خمسين وسقا ، واسمه علقمة بن المطلب ويقال عبد الله بن علقمة ، وقال أبو عمر هو مجهول وقال ابن الفرضي أبو نبقة بن المطلب بن عبد مناف ، واسم أبي نبقة عبد الله ومن ولده محمد بن العلاء بن الحسين بن عبد الله بن أبي نبقة ومن ولده أبو الحسين المطلبي إمام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يحيى بن الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحسين بن العلاء بن المغيرة بن أبي نبقة بن المطلب بن عبد مناف . أم الحكم وذكر فيهم أم الحكم وهي بنت الزبير بن عبد المطلب أخت ضباعة هكذا قال أم الحكم والمعروف فيها أنها أم حكيم وكانت تحت ربيعة بن الحارث ، وأما أم حكم فهي بنت أبي سفيان وهي من مسلمة الفتح ولولا ذلك لقلت : إن ابن إسحاق إياها أراد لكنها لم تشهد خيبر ، ولا كانت أسلمت بعد . أم رمثة وغيرها وذكر فيمن قسم له أم رمثة ولا تعرف إلا بهذا الخبر ، وشهودها فتح خيبر . وذكر بحينة بنت الحارث . وبحينة تصغير بحنة وهي نخلة معروفة قاله أبو حنيفة ولفظها من البحونة وهي جلة التمر وهي أم عبد الله ابن بحينة الفقيه وهو ابن مالك بن القشب الأزدي . القسم للنساء من المغنم وفي قسمه لهؤلاء النساء حجة للأوزاعي لقوله إن النساء يقسم لهن مع الرجال في المغازي ، وأكثر الفقهاء لا يرون للنساء مع الرجال قسما ، ولكن يرضخ لهن من المغنم أخذا بحديث أم عطية قالت كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنداوي الجرحى ، ونمرض المرضى ويرضخ لنا من المغنم . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عبد الله بن أبي بكر ، يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين ويهود فيخرص عليهم فإذا قالوا : تعديت علينا ; قال إن شئتم فلكم وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود بهذا قامت السموات والأرض وإنما خرص عليهم عبد الله بن رواحة عاما واحدا ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله فكان جبار بن صخر بن أمية ابن خنساء أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة . فأقامت يهود على ذلك لا يرى بهم المسلمون بأسا في معاملتهم حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه . قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة وحدثني أيضا بشير بن يسار ، مولى بني حارثة عن سهل بن أبي حثمة قال أصيب عبد الله بن سهل بخيبر وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمرا ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها ; قال فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له شأنه فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنا ، وكان صاحب الدم وكان ذا قدم من القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر . قال ابن هشام : ويقال كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فنسلمه إليكم ؟ " قالوا : يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم قال " أفيحلفون بالله خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرءون من دمه ؟ " قالوا : يا رسول الله ما كنا لنقبل أيمان يهود ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم قال فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة قال سهل فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبد الرحمن بن بجيد بن قيظي أخي بني حارثة قال محمد بن إبراهيم وأيم الله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه وإنه قال له والله ما هكذا كان الشأن ولكن سهلا أوهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار : إنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا . فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن شعيب مثل حديث عبد الرحمن بن بجيد إلا أنه قال في حديثه دوه أو ائذنوا بحرب . فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده عمر يجلي يهود خيبر قال ابن إسحاق : وسألت ابن شهاب الزهري : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك ؟ . فأخبرني ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمها بين المسلمين ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم وأقركم ما أقركم الله فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدرا من إمارته ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ففحص عمر ذلك حتى بلغه الثبت فأرسل إلى يهود فقال " إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم " ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به أنفذه له ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر قال خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال فعدي علي تحت الليل وأنا نائم على فراشي ، ففدعت يداي من مرفقي ، فلما أصبحت أستصرخ علي صاحباي فأتياني فسألاني : من صنع هذا بك ؟ فقلت : لا أدري ; قال فأصلحا من يدي ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه فقال هذا عمل يهود ثم قام في الناس خطيبا فقال أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم مع عدوهم على الأنصاري قبله لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فإني مخرج يهود فأخرجهم قسمة عمر لوادي القرى بين المسلمين قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن مكنف ، أخي بني حارثة ، قال لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار ، وخرج معه جبار بن صخر بن أمية ابن خنساء ، أخو بني سلمة ، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت وهما قسما خيبر بين أهلها ، على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها . وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى ، لعثمان بن عفان خطر ولعبد الرحمن بن عوف خطر ولعمر بن أبي سلمة خطر ولعامر بن أبي ربيعة خطر ولعمرو بن سراقة خطر ولأشيم خطر . قال ابن هشام : ويقال ولأسلم ولبني جعفر خطر ولمعيقيب خطر ولعبد الله بن الأرقم خطر ولعبد الله وعبيد الله خطران ولابن عبد الله بن جحش خطر ولابن البكير خطر ولمعتمر خطر ولزيد بن ثابت خطر ولأبي بن كعب خطر ولمعاذ ابن عفراء خطر ولأبي طلحة وحسن خطر ولجبار بن صخر خطر ولجابر بن عبد الله بن رئاب خطر ولمالك بن صعصعة وجابر بن عبد الله بن عمرو خطر ولابن حضير خطر ولابن سعد بن معاذ خطر ولسلامة بن سلامة خطر ولعبد الرحمن بن ثابت وأبي شريك خطر ولأبي عبس بن جبر خطر ولمحمد بن مسلمة خطر ولعبادة بن طارق خطر . قال ابن هشام : ويقال لقتادة . قال ابن إسحاق : ولجبر بن عتيك نصف خطر ولابني الحارث بن قيس نصف خطر ولابن حزمة والضحاك خطر فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمها . قال ابن هشام : الخطر النصيب . يقال أخطر لي فلان خطرا . ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح عن الشعبي : أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدري بأيهما أنا أسر : بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر ؟ قال ابن إسحاق : وكان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فحملهم في سفينتين فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية . من بني هاشم بن عبد مناف : جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ، معه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية وابنه عبد الله بن جعفر ، وكانت ولدته بأرض الحبشة . قتل جعفر بمؤتة من أرض الشام أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل . ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد - قال ابن هشام : ويقال همينة بنت خلف - وابناه سعيد بن خالد وأمه بنت خالد ولدتهما بأرض الحبشة . قتل خالد بمرج الصفر في خلافة أبي بكر الصديق بأرض الشام ؟ وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني ، هلكت بأرض الحبشة . قتل عمرو بأجنادين من أرض الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . ولعمرو بن سعيد يقول أبوه سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلا إذا شب واشتدت يداه وسلحا أتترك أمر القوم فيه بلابل تكشف غيظا كان في الصدر موجحا ولعمرو وخالد يقول أخوهما أبان بن سعيد بن العاص ، حين أسلما وكان أبوهم سعيد بن العاص هلك بالظريبة من ناحية الطائف ، هلك في مال له بها : ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد لما يفتري في الدين عمرو وخالد أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا يعينان من أعدائنا من نكايد فأجابه خالد بن سعيد ، فقال أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ولا هو من سوء المقالة مقصر يقول إذا اشتدت عليه أموره ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر فدع عنك ميتا قد مشى لسبيله وأقبل على الأدنى الذي هو أفقر ومعيقيب بن أبي فاطمة خازن عمر بن الخطاب على بيت مال المسلمين وكان إلى آل سعيد بن العاص ؟ وأبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أربعة نفر . ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الأسود بن نوفل بن خويلد . رجل . ومن بني عبد الدار بن قصي : جهم بن قيس بن عبد شرحبيل معه ابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم وكانت معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود هلكت بأرض الحبشة ، وابناه لها . رجل . ومن بني زهرة بن كلاب : عامر بن أبي وقاص وعتبة بن مسعود حليف لهم من هذيل . رجلان . ومن بني تيم بن مرة بن كعب : الحارث بن خالد بن صخر وقد كانت معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة هلكت بأرض الحبشة . رجل . ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عثمان بن ربيعة بن أهبان . رجل . ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، محمية بن الجزء حليف لهم من بني زبيد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على خمس المسلمين . رجل . ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : معمر بن عبد الله بن نضلة . رجل . ومن بني عامر بن لؤي بن غالب : أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ؟ ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس ، معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس . رجلان . ومن بني الحارث بن فهران بن مالك : الحارث بن عبد قيس بن لقيط . رجل . وقد كان حمل معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك هنالك من المسلمين . فهؤلاء الذين حمل النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري في السفينتين فجميع من قدم في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر رجلا . ________________________________________ المصافحة والمعانقة فصل وذكر قدوم أصحاب السفينة من أرض الحبشة ، وفيهم جعفر بن أبي طالب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم التزمه وقبل بين عينيه وقد احتج بهذا الحديث الثوري على مالك بن أنس في جواز المعانقة وذهب مالك إلى أنه خصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم وما ذهب إليه سفيان من حمل الحديث على عمومه أظهر وقد التزم النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ، حين قدم عليه من مكة . وأما المصافحة باليد عند السلام ففيها أحاديث معها قوله عليه السلام تمام تحيتكم المصافحة ومعها حديث آخر أن أهل اليمن حين قدموا المدينة صافحوا الناس بالسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أهل اليمن قد سنوا لكم المصافحة ثم ندب إليها بلفظ لا أذكره الآن غير أن معناه تنزل عليها مائة رحمة تسعون معها للبادئ وعن مالك فيها روايتان الإباحة والكراهة ولا أدري ما وجه الكراهية في ذلك . ولد جعفر والنجاشي وكان جعفر قد ولد له بأرض الحبشة محمد وعون وعبد الله وكان النجاشي قد ولد له مولود يوم ولد عبد الله فأرسل إلى جعفر يسأله كيف أسميت ابنك ؟ فقال أسميته عبد الله فسمى النجاشي ابنه عبد الله وأرضعته أسماء بنت عميس امرأة جعفر مع ابنها عبد الله فكانا يتواصلان بتلك الأخوة . ضبط أجنادين وذكر عمرو بن سعيد ، وأنه استشهد بأجنادين هكذا تقيد في الأصل بكسر الدال وفتح أوله وكذا سمعت الشيخ الحافظ أبا بكر ينطق به وقيدناه عن أبي بكر بن طاهر عن أبي علي الغساني إجنادين بكسر أوله وفتح الدال . وقال أبو عبيد البكري في كتاب معجم ما استعجم أجنادين بفتح أوله وفتح الدال وقال كأنه تثنية أجناد . القادسية ويوم الهرير وذكر عمرو بن عثمان التيمي ، وأنه قتل بالقادسية مع سعد بن أبي وقاص والقادسية آخر أرض العرب ، وأول أرض السواد وفي أيامها قتل رستم ملك الفرس في يوم من أيامها يسمى يوم الهرير وكان قد أقبل بالفيلة وجموع لم يسمع بمثلها ، والمسلمون في عدد دون العشر من عدد المجوس فكان الظفر للمسلمين وكان الأمير عليهم سعد بن أبي وقاص ، وخبرها طويل يشتمل على أعاجيب من فتح الله تعالى على هذه الأمة استقصاها سيف بن عمر في كتاب الفتوح ثم الطبري بعده وسميت القادسية برجل من الهرة وكان كسرى قد أسكنه بها اسمه قادس وقيل وسميت بقوم نزلوها من قادس وقادس بخراسان ، وأما القادس في لغة العرب فمن أسماء السفينة . عن بعض القادمين من الحبشة فصل وذكر فيمن قدم من أرض الحبشة هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، واسم أبي حذيفة مهشم وذكر الواقدي هشاما . هذا فيمن قدم من الحبشة غير أنه قال فيه هاشم ولم يذكره موسى بن عقبة ، ولا أبو معشر في القادمين من الحبشة . وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة ، ولم يقدم إلا بعد بدر ولم يحمل النجاشي في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قدم بعد ذلك ومن هلك بأرض الحبشة ، من مهاجرة الحبشة من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، أسد خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وابنته حبيبة بنت عبيد الله وبها كانت تكنى أم حبيبة بنت أبي سفيان وكان اسمها رملة . خرج مع المسلمين مهاجرا ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر بها وفارق الإسلام ومات هنالك نصرانيا ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته من بعده أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة قال خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلما ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر قال فكان إذا مر بالمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتحنا وصأصأتم أي قد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد . وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه للنظر صأصأ قبل ذلك فضرب ذلك له ولهم مثلا : أي أنا قد فتحنا أعيننا فأبصرنا ، ولم تفتحوا أعينكم فتبصروا ، وأنتم تلتمسون ذلك . قال ابن إسحاق : وقيس بن عبد الله رجل من بني أسد بن خزيمة ، وهو أبو أمية بنت قيس التي كانت مع أم حبيبة ؟ وامرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب ، كانتا ظئري عبيد الله بن جحش ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان فخرجا بهما معهما حين هاجرا إلى أرض الحبشة . رجلان . ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، قتل يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا ، وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد ، هلك بأرض الحبشة . رجلان . ومن بني عبد الدار بن قصي : أبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار . رجلان . ومن بني زهرة بن كلاب بن مرة : المطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد ( بن ) الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، هلك بأرض الحبشة ، ولدت له هنالك عبد الله بن المطلب فكان يقال إن كان لأول رجل ورث أباه في الإسلام رجل . ومن بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي : عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، قتل بالقادسية مع سعد بن أبي وقاص . رجل . ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب : هبار بن سفيان بن عبد الأسد قتل بأجنادين من أرض الشام ، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ؟ وأخوه عبد الله بن سفيان ، قتل عام اليرموك بالشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشك فيه أقتل ثم أم لا ؟ وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة ، ثلاثة نفر . ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، وابناه محمد والحارث معه امرأته فاطمة بنت المجلل هلك حاطب هنالك مسلما ، فقدمت امرأته وابناه وهي أمهما ، في إحدى السفينتين وأخوه خطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار هلك هنالك مسلما ، فقدمت امرأته فكيهة في إحدى السفينتين ؟ وسفيان بن معمر بن حبيب وابناه جنادة وجابر وأمهما معه حسنة وأخوهما لأمهما شرحبيل ابن حسنة وهلك سفيان وهلك ابناه جنادة وجابر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ستة نفر . ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الشاعر هلك بأرض الحبشة ، وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وهو رسول ( رسول ) الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ، والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي ، ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي ، وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخ له من أمه من بني تميم ، يقال له سعيد بن عمرو ، قتل بأجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وسعيد بن الحارث بن قيس ، قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والسائب بن الحارث بن قيس ، جرح بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل يوم فحل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقال قتل يوم خيبر ، يشك فيه وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهشم بن سعد بن سهم ، قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد ، منصرفة من اليمامة ، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . أحد عشر رجلا . ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ، هلك بأرض الحبشة ، وعدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان هلك بأرض الحبشة . رجلان . وقد كان مع عدي ابنه النعمان بن عدي فقدم النعمان مع من قدم من المسلمين من أرض الحبشة ، فبقي حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فاستعمله على ميسان ، من أرض البصرة ، فقال أبياتا من شعر وهي ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا في الجوسق المتهدم فلما بلغت أبياته عمر قال نعم والله إن ذلك ليسوءني ، فمن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وعزله . فلما قدم عليه اعتذر إليه وقال والله يا أمير المؤمنين ما صنعت شيئا مما بلغك أني قلته قط ، ولكني كنت امرئ شاعرا ، وجدت فضلا من قول فقلت فيما تقول الشعراء فقال له عمر وأيم الله لا تعمل لي على عمل ما بقيت ، وقد قلت ما قلت ومن بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر : سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حنبل بن عامر ، وهو كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة . رجل . ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : عثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد ، وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر ، وعياض بن زهير بن أبي شداد . ثلاثة نفر . فجميع من تخلف عن بدر ولم يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ومن قدم بعد ذلك ومن لم يحمل النجاشي في السفينتين أربعة وثلاثون رجلا . وهذه تسمية جملة من هلك منهم ومن أبنائهم بأرض الحبشة

من بني عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب ، حليف بني أمية ، مات بها نصرانيا .

ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي : عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد . ومن بني جم ح : حاطب بن الحارث وأخوه حطاب بن الحارث . ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبد الله بن الحارث بن قيس . ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف وعدي بن نضلة . سبعة نفر . ومن أبنائهم من بني تيم بن مرة : موسى بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر . رجل . ________________________________________ وذكر فيمن قدم من الحبشة عبد الله بن حذافة وأنه الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى . وذكر أيضا سليط بن عمرو ، وأنه كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة . فأما كسرى فهو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ومعنى أبرويز المظفر فيما ذكر المسعودي ، وهو الذي كان غلب الروم ; فأنزل الله في قصتهم الم غلبت الروم في أدنى الأرض وأدنى الأرض هي بصرى وفلسطين ، وأذرعات من أرض الشام ، قاله الطبري . من رسل النبي إلى الملوك والرؤساء وذكر أبو رفاعة وثيمة بن موسى بن الفرات ، قال قدم عبد الله بن حذافة على كسرى قال يا معشر الفرس إنكم عشتم بأحلامكم لعدة أيامكم بغير نبي ولا كتاب ولا تملك من الأرض إلا ما في يديك ، وما لا تملك منها أكثر وقد ملك قبلك ملوك أهل دنيا وأهل آخرة فأخذ أهل الآخرة بحظهم من الدنيا ، وضيع أهل الدنيا حظهم من الآخرة فاختلفوا في سعي الدنيا ، واستووا في عدل الآخرة وقد صغر هذا الأمر عندك أنا أتيناك به وقد والله جاءك من حيث خفت ، وما تصغيرك إياه بالذي يدفعه عنك ، ولا تكذيبك به بالذي يخرجك منه وفي وقعة ذي قار على ذلك دليل فأخذ الكتاب فمزقه ثم قال لي ملك هنيء لا أخشى أن أغلب عليه ولا أشارك فيه وقد ملك فرعون بني إسرائيل ، ولستم بخير منهم فما يمنعني أن أملككم وأنا خير منه فأما هذا الملك فقد علمنا أنه يصير إلى الكلاب وأنتم أولئك تشبع بطونكم وتأبى عيونكم فأما وقعة ذي قار فهي بوقعة الشام . فانصرف عنه عبد الله . وإنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن حذافة بإرساله إلى كسرى ، لأنه كان يتردد عليهم كثيرا ويختلف إلى بلادهم وكذلك سليط بن عمرو كان يختلف إلى اليمامة ، قال وثيمة لما قدم سليط بن عمرو العامري على هوذة وكان كسرى قد توجه قال يا هوذة إنك سودتك أعظم حائلة وأرواح في النار وإنما السيد من منع بالإيمان ثم زود التقوى ، وإن قوما سعدوا برأيك فلا تشق به وإني آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فإن قبلت نلت ما رجوت ، وأمنت ما خفت ، وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهول المطلع فقال هوذة يا سليط سودني من لو سودك شرفت به وقد كان لي رأي أختبر به الأمور ففقدته فموضعه من قلبي هواء فاجعل لي فسحة يرجع إلي رأيي ، فأجيبك به إن شاء الله . قال ومن شعر عبد الله بن حذافة في رسالته إلى كسرى وقدومه عليه أبى الله إلا أن كسرى فريسة لأول داع بالعراق محمدا تقاذف في فحش الجواب مصغرا لأمر العريب الخائضين له الردى فقلت له أرود فإنك داخل من اليوم في البلوى ومنتهب غدا فأقبل وأدبر حيث شئت ، فإننا لنا الملك فابسط للمسالمة اليدا وإلا فأمسك قارعا سن نادم أقر يذل الخرج أو مت موحدا سفهت بتمزيق الكتاب وهذه بتمزيق ملك الفرس يكفي مبددا وقال هوذة بن علي في شأن سليط أتاني سليط والحوادث جمة فقلت لهم ماذا يقول سليط ؟ فقال التي فيها علي غضاضة وفيها رجاء مطمع وقنوط فقلت له غاب الذي كنت أجتلي به الأمر عني فالصعود هبوط وقد كان لي والله بالغ أمره أبا النضر جأش في الأمور ربيط فأذهبه خوف النبي محمد فهوذة فه في الرجال سقيط فأجمع أمري من يمين وشمأل كأني ردود للنبال لقيط فأذهب ذاك الرأي إذ قال قائل أتاك رسول للنبي خبيط رسول رسول الله راكب ناضح عليه من أوبار الحجاز غبيط سكرت ودبت في المفارق وسنة لها نفس عالي الفؤاد غطيط أحاذر منه سورة هاشمية فوارسها وسط الرجال عبيط فلا تعجلني يا سليط فإننا نبادر أمرا والقضاء محيط وسنذكر بقية إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وما قالوا وما قيل لهم فيما بعد إن شاء الله مهاجرات الحبشة وجميع من هاجر إلى أرض الحبشة من النساء من قدم منهن ومن هلك هنالك ست عشرة امرأة سوى بناتهن اللاتي ولدن هنالك من قدم منهن ومن هلك هنالك ومن خرج به معهن حين خرجن . من قريش ، من بني هاشم : رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بني أمية : أم حبيبة بنت أبي سفيان ومعها ابنتها حبيبة خرجت بها من مكة ، ورجعت بها معها . ومن بني مخزوم : أم سلمة بنت أبي أمية ، قدمت معها بزينب ابنتها من أبي سلمة ولدتها هنالك . ومن بني تيم بن مرة : ريطة بنت الحارث بن جبيلة هلكت بالطريق وبنتان لها كانت ولدتهما هنالك عائشة بنت الحارث وزينب بنت الحارث هلكن جميعا ، وأخوهن موسى بن الحارث من ماء شربوه في الطريق وقدمت بنت لها ولدتها هنالك فلم يبق من ولدها غيرها ، يقال لها : فاطمة . ومن بني سهم بن عمرو : رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة . ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم . ومن بني عامر بن لؤي : سودة بنت زمعة بن قيس ، وسهلة بنت سهيل بن عمرو وابنة المجلل وعمرة بنت السعدي بن وقدان ، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو . ومن غرائب العرب أسماء بنت عميس بن النعمان الخثعمية وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكنانية وفكيهة بنت يسار ، وبركة بنت يسار وحسنة أم شرحبيل ابن حسنة . وهذه تسمية من ولد من أبنائهم بأرض الحبشة . ومن بني هاشم : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب . ومن بني عبد شمس : محمد بن أبي حذيفة وسعيد بن خالد بن سعيد ، وأخته أمة بنت خالد . ومن بني مخزوم : زينب بنت أبي سلمة بن الأسد ومن بني زهرة : عبد الله بن المطلب بن أزهر . ومن بني تيم : موسى بن الحارث بن خالد ، وأخواته عائشة بنت الحارث وفاطمة بنت الحارث وزينب بنت الحارث . الرجال منهم خمسة عبد الله بن جعفر ، ومحمد بن أبي حذيفة وسعيد بن خالد وعبد الله بن المطلب ، وموسى بن الحارث . ومن النساء خمس أمة بنت خالد وزينب بنت أبي سلمة ، وعائشة وزينب وفاطمة بنات الحارث بن خالد بن صخر حديث النوم عن الصلاة وذكر حديث نوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة مقفله من خيبر ، وهذه الرواية أصح من قول من قال كان ذلك في غزاة حنين ، ومن قال في روايته للحديث كان ذلك عام الحديبية ، فليس ذلك بمخالف للرواية الأولى ، وأما رواية ابن إسحاق للحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا ، فهكذا رواه مالك وأكثر أصحاب الزهري ، ورواه عنه صالح بن أبي الأخضر ، وقال فيه عن أبي هريرة قاله الترمذي ، وقال أبو داود : قد رواه أيضا عن الزهري مسندا يونس بن يزيد ومعمر من طريق أبان العطار عن معمر عنه وكذلك رواه الأوزاعي مسندا أيضا ، وذكر فيه هو وأبان العطار أنه أذن وأقام في تلك الصلاة حين خرج من الوادي ، ولم يذكر الأذان من رواة الحديث إلا قليل . عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من عمير أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان ورمضان وشوالا ، يبعث فيما بين ذلك في غزوه وسراياه صلى الله عليه وسلم ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي . ويقال لها عمرة القصاص لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فدخل مكة في ذي القعدة في الشهر الحرام الذي صدوه فيه من سنة سبع . وبلغنا عن ابن عباس أنه قال فأنزل الله في ذلك والحرمات قصاص [ البقرة 194 ] . قال ابن إسحاق : وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك وهي سنة سبع فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه وتحدثت قريش بينها أن محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة . قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم عن ابن عباس ، قال صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ، ثم قال رحم الله امرئ أراهم اليوم من نفسه قوة ثم استلم الركن ، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليماني ، مشى حتى يستلم الركن الأسود ، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها . فكان ابن عباس يقول كان الناس يظنون أنها ليست عليهم . وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها ، فمضت السنة بها . ________________________________________ عمرة القضية ويروى أيضا : عمرة القضاء ويقال لها : عمرة القصاص وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص [ البقرة 194 ] وهذه الآية فيها نزلت فهذا الاسم أولى بها ، وسميت عمرة القضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا عليها ، لا لأنه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها ، فإنها لم تك فسدت بصدهم عن البيت بل كانت عمرة تامة متقبلة حتى إنهم حين حلقوا رءوسهم بالحل احتملتها الريح فألقتها في الحرم ، فهي معدودة في عمر النبي صلى الله عليه وسلم وهي أربع عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة ، والعمرة التي قرنها مع حجه في حجة الوداع فهو أصح القولين أنه كان قارنا في تلك الحجة وكانت إحدى عمره عليه السلام في شوال كذلك روى عروة عن عائشة وأكثر الروايات أنهن كن كلهن في ذي القعدة إلا التي قرن مع حجه كذلك روى الزهري ، وانفرد معمر عن الزهري بأنه عليه السلام كان قارنا ، وأن عمره كن أربعا بعمرة القران . وأما حجاته عليه السلام فقد روى الترمذي أنه حج ثلاث حجات ثنتين بمكة وواحدة بالمدينة وهي حجة الوداع ولا ينبغي أن يضاف إليه في الحقيقة إلا حجة الوداع وإن كان حج مع الناس إذ كان بمكة كما روى الترمذي ، فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكماله لأنه كان مغلوبا على أمره وكان الحج منقولا عن وقته كما تقدم في أول الكتاب فقد ذكر أنهم كانوا ينقلونه على حسب الشهور الشمسية ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما ، وهذا هو الذي منع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحج من المدينة ، حتى كانت مكة دار إسلام وقد كان أراد أن يحج مقفله من تبوك ، وذلك بإثر فتح مكة بيسير ثم ذكر أن بقايا المشركين يحجون ويطوفون عراة فأخر الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده وذلك في السنة التاسعة ثم حج في السنة العاشرة بعد امحاء رسوم الشرك وانحسام سير الجاهلية ولذلك قال في حجة الوداع إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض . حكم العمرة والعمرة واجبة في قول أكثر العلماء وهو قول ابن عمر وابن عباس ، وقال الشعبي : ليست بواجبة وذكر عنه أنه كان يقرؤها : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة 196 ] بالرفع لا يعطفها على الحج . وقال عطاء هي واجبة إلا على أهل مكة ، ويكره مالك أن يعتمر الرجل في العام مرارا ، وهو قول الحسن وابن سيرين ، وجمهور العلماء على الإباحة في ذلك وهو قول علي وابن عباس وعائشة والقاسم بن محمد قالوا : يعتمر الرجل في العام ما شاء . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقيله أعرف حق الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله قال ابن هشام : نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقتل على التأويل من أقر بالتنزيل . ________________________________________ تفسير شعر عمار وذكر قول عبد الله بن رواحة وهو آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلوا بني الكفار عن سبيله نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله ويروى اليوم نضربكم على تأويله بسكون الباء وهو جائز في الضرورة نحو قول امرئ القيس فاليوم أشرب غير مستحقب ولا يبعد أن يكون جائزا في الكلام إذا اتصل بضمير الجمع فقد روي عن ابن عمرو أنه كان يقرأ يأمركم وينصركم وهذان البيتان الأخيران هما لعمار بن ياسر كما قال ابن هشام ، قالهما يوم صفين وهو اليوم الذي قتل فيه عمار قتله أبو الغادية الفزاري وابن جزء اشتركا فيه . قال ابن إسحاق : وحدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب . قال ابن هشام : وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل وكانت أم الفضل تحت العباس فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم . قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا ، فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ، في نفر من قريش ، في اليوم الثالث وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ; فقالوا له إنه قد انقضى أجلك ، فاخرج عنا ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما عليك لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه ؟ قالوا : لا حاجة لنا في طعامك ، فاخرج عنا . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة أتاه بها بسرف فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة . قال ابن هشام : فأنزل الله عز وجل عليه فيما حدثني أبو عبيدة لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا يعني خيبر . ________________________________________ حكم الزواج للمحرم فصل وذكر تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لميمونة بنت الحارث الهلالية ، وأمها هند بنت عوف الكنانية إلى آخر قصتها ، وفيه أن حويطب بن عبد العزى ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث اخرج عنا ، وقد كان أراد أن يبتني بميمونة في مكة ، ويصنع لهم طعاما ، فقال له حويطب لا حاجة لنا بطعامك فاخرج عنا ، فقال له سعد " يا عاضا ببظر أمه أرضك وأرض أمك ؟ هي دونه ؟ فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وخرج وفاء لهم بشرطهم وابتنى بها بسرف وبسرف ، كانت وفاتها رضي الله عنها حين ماتت وذلك سنة ثلاث وستين وقيل سنة ست وستين وصلى عليها ابن عباس ، ويزيد بن الأصم ، وكلاهما ابن أخت لها ، ويقال فيها نزلت وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي [ الأحزاب : 50 ] في أحد الأقوال وذلك أن الخاطب جاءها ، وهي على بعيرها ، فقالت البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف الناس في تزويجه إياها أكان محرما أم حلالا ، فروى ابن عباس أنه تزوجها محرما ، واحتج به أهل العراق في تجويز نكاح المحرم وخالفهم أهل الحجاز ، واحتجوا بنهيه عليه السلام عن أن ينكح المحرم أو ينكح وزاد بعضهم فيه أو يخطب من رواية مالك وعارضوا حديث ابن عباس بحديث يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وخرج الدارقطني والترمذي أيضا من طريق أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال . وروى الدارقطني من طريق ضعيف عن أبي هريرة أنه تزوجها وهو محرم كرواية ابن عباس . وفي مسند البزار من حديث مسروق وعائشة رضي الله عنها ، قالت تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم واحتجم وهو محرم وإن لم تذكر في هذا الحديث ميمونة فنكاحها أرادت وهو حديث غريب وخرج البخاري حديث ابن عباس ، ولم يعقله هو ولا غيره وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال غلط ابن عباس أو قال وهم ما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال ولما أجمعوا عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها محرما ، ولم ينقل عنه أحد من المحدثين غير ذلك استغربت استغرابا شديدا ما رواه الدارقطني في السنن من طريق أبي الأسود يتيم عروة ومن طريق مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال فهذه الرواية عنه موافقة لرواية غيره فقف عليها ، فإنها غريبة عن ابن عباس ، وقد كان من شيوخنا رحمهم الله من يتأول قول ابن عباس : تزوجها محرما أي في الشهر الحرام وفي البلد الحرام ، وذلك أن ابن عباس رجل عربي فصيح فتكلم بكلام العرب ، ولم يرد الإحرام بالحج وقد قال الشاعر قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ودعا فلم أر مثله مخذولا وذلك أن قتله كان في أيام التشريق والله أعلم أأراد ذلك ابن عباس ، أو لا . ذكر غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ومقتل جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة . قال ابن إسحاق : فأقام بها بقية ذي الحجة وولي تلك الحجة المشركون والمحرم وصفرا وشهري ربيع وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس . فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم . فلما ودع عبد الله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى ، فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا [ مريم : 71 ] ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة : لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي أرشده الله من غاز وقد رشدا قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ثم قال فثبت الله ما أتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلة الله يعلم أني ثابت البصر أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منه فقد أزرى به القدر قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منه فقد أزرى به القدر فثبت الله ما أتاك من حسن في المرسلين ونصرا كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلة فراسة خالفت فيك الذي نظروا يعني المشركين وهذه الأبيات في قصيدة له . ________________________________________ غزوة مؤتة وهي مهموزة الواو وهي قرية من أرض البلقاء من الشام ، وأما الموتة بلا همز فضرب من الجنون وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في صلاته أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وفسره راوي الحديث فقال " نثفه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة " . تفسير وإن منكم إلا واردها ذكر في هذه الغزوة قول عبد الله بن رواحة حين ذكر قول الله تعالى : وإن منكم إلا واردها [ مريم : 71 ] فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود وقد تكلم العلماء فيها بأقوال منها أن الخطاب متوجه إلى الكفار على الخصوص واحتج قائلو هذه المقالة بقراءة ابن عباس : وإن منهم إلا واردها ، وقالت طائفة الورود ههنا هو الإشراف عليها ومعاينتها ، وحكوا عن العرب : وردت الماء فلم أشرب . وقالت طائفة الورود ههنا هو المرور على الصراط لأنه على متن جهنم أعاذنا الله منها ، وروي أن الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين فيها ، ثم ينادي مناد خذي أصحابك ودعي أصحابي وقالت طائفة الورود أن يأخذ العبد بحظ منها ، وقد يكون ذلك في الدنيا بالحميات فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى كير من جهنم وهو حظ كل مؤمن من النار قال ابن إسحاق : ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم قال عبد الله بن رواحة : خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مشيع وخليل ثم مضوا حتى نزلوا معان ، من أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب ، من أرض البلقاء ، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم عليهم رجل من بلي ثم أحد إراشة يقال له مالك بن زافلة . فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له . قال فشجع الناس عبد الله بن رواحة ، وقال يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة لا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة . قال فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك جلبنا الخيل من أجإ وفرع تغر من الحشيش لها العكوم حذوناها من الصوان سبتا أزل كأن صفحته أديم أقامت ليلتين على معان فأعقب بعد فترتها جموم فرحنا والجياد مسومات تنفس في مناخرها السموم فلا وأبي مآب لنأتينها وإن كانت بها عرب وروم فعبأنا أعنتها فجاءت عوابس والغبار لها بريم بذي لجب كأن البيض فيه إذا بررت قوانسها النجوم فراضية المعيشة طلقتها أسنتها فتنكح أو تئيم قال ابن هشام : " ويروى : جلبنا الخيل من آجام قرح " ، وقوله " فعبأنا أعنتها " عن غير ابن إسحاق . ________________________________________ شرح شعر ابن رواحة وذكر شعر عبد الله بن رواحة وفيه تقر من الحشيش لها العكوم تقر : أي يجمع بعضها إلى بعض والعكوم جمع عكم . وفيه من الغبار لها بريم البريم خيط تحتزم به المرأة والبريم أيضا : لفيف الناس وأخلاطهم ويقال هم بريمان أي لونان مختلطان . وفيه أقامت ليلتين على معان قال الشيخ أبو بحر معان بضم الميم وجدته في الأصلين وأصلحه علينا القاضي - رحمه الله - حين السماع معان بفتح الميم وهو اسم موضع وذكره البكري بضم الميم وقال هو اسم جبل والمعان أيضا : حيث تحبس الخيل والركاب ويجتمع الناس ويجوز أن يكون من أمعنت النظر أو من الماء المعين فيكون وزنه فعالا ، ويجوز أن يكون من العون فيكون وزنه مفعلا ، وقد جنس المعري بهذه الكلمة فقال معان من أحبتنا معان تجيب الصاهلات بها القيان وقوله فراضية المعيشة طلقتها أي المعيشة المرضية وبناها على فاعلة لأن أهلها راضون لأنها في معنى صالحة وقد تقدم طرف من القول في هذا المعنى . قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله فوالله إنه ليسير ليلة إذا سمعته وهو ينشد أبياته هذه إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك أنعم وخلاك ذم ولا أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مشتهي الثواء وردك كل ذي نسب قريب إلى الرحمن منقطع الإخاء هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء فلما سمعتهن معه بكيت . قال فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل قال ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز يا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول الليل هديت فانزل ________________________________________ وقوله وخلاك ذم ، أي فارقك الذم ، فلست بأهل له وقد أحسن في قوله فشأنك أنعم وخلاك ذم بعد قوله إذا بلغتني ، وأحسن أيضا من اتبعه في هذا المعنى ، كقول أبي نواس وإذا المطي بنا بلغن محمدا فظهورهن على الرجال حرام وكقول الآخر نجوت من حل ومن رحلة يا ناق إن قربتني من قثم وقد أساء الشماخ حيث يقول إذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بدم الوتين ويذكر عن الحسن بن هانئ أنه كان يشنؤه إذ ذكر هذا البيت وذكر مهلهل بن يموت بن المزرع عن أبي تمام أنه قال كان الحسن يشنأ الشماخ وأنا ألعنه من أجل قوله هذا .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم للغفارية بئس ما جزيتيها يشد الغرض المتقدم ويشهد لصحته  . 

وقوله مستنهي الثواء مستفعل من النهاية والانتهاء أي حيث انتهى مثواه ومن رواه مشتهي الثواء أي لا أريد رجوعا . وقوله حذوناها من الصوان سبتا أي حذوناها نعالا من حديد جعله سبتا لها ، مجازا . وصوان من الصون أي يصون حوافرها ، أو أخفافها ، إن أراد الإبل فهو فعال من الصون فقد كانوا يحذونها السريح وهو جلد يصون أخفافها ، وأظهر من هذا أن يكون أراد بالصوان يبيس الأرض أي لا سبت له إلا ذلك ووزنه فعلان من قولهم نخلة خاوية أي يابسة وأنشد أبو علي قد أوبيت كل ماء فهي صاوية مهما تصب أفقا من بارق تشم ويشهد لمعنى الصوان هنا قول النابغة الذبياني يرى وقع الصوان حد نسورها فهن لطاف كالصعاد الذوابل وعين الفعل في صوان ولامه واو وأدخل صاحب العين في باب الصاد والواو والياء هذا اللفظ فقال صوي يصوي : إذا يبس ونخلة صاوية ولو كان مما لامه ياء لقيل في صوان صيان كما قيل طيان وريان ولكن لما انقلبت الواو ياء من أجل الكثرة توهم الحرف من ذوات الياء . وقول عبد الله هل أنت إلا نطفة في شنة النطفة القليل في الماء والشنة السقاء البالي ، فيوشك أن تهراق النطفة وينخرق السقاء ضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده . لقاء الروم قال ابن إسحاق : فمضى العباس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل ، من الروم والعرب ، بقرية من قرى البلقاء يقال لها : مشارف ، ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبأ لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عبادة بن مالك . قال ابن هشام : ويقال عبادة بن مالك . مقتل ابن حارثة قال ابن إسحاق : ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم . إمارة جعفر ومقتله ثم أخذها جعفر فقاتل بها . حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ، فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل . فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام . وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ، ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها

قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء . ويقال إن رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين . 

استشهاد جعفر وابن رواحة قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، قال فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها ، وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه ما لي أراك تكرهين الجنه قد طال ما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه وقال أيضا : يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت يريد صاحبيه زيدا وجعفرا ثم نزل . فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثم انتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل . عمل خالد ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا : أنت قال ما أنا بفاعل . فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس . تنبؤ الرسول بما حدث قال ابن إسحاق : ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا قال ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم قال لقد رفعوا إلي في الجنة ، فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت : عم هذا ؟ فقيل لي : مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى حزن الرسول على جعفر قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن أم عيسى الخزاعية عن أم جعفر بنت محمد بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس ، قالت لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منا - قال ابن هشام : ويروى : أربعين منيئة - وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم . قالت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتيني ببني جعفر قالت فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال ( نعم أصيبوا هذا اليوم . قالت فقمت أصيح واجتمعت إلي النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم وحدثني عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن . قالت فدخل عليه رجل فقال يا رسول الله إن النساء عنيننا وفتننا ، قال فارجع إليهن فأسكتهن . قالت فذهب ثم رجع فقال له مثل ذلك - قال تقول وربما ضر التكلف أهله - قالت قال فاذهب فأسكتهن فإن أبين فاحث في أفواههن التراب قالت وقلت في نفسي : أبعدك الله فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وعرفت أنه لا يقدر على أن يحثي في أفواههن التراب قال ابن إسحاق : وقد كان قطبة بن قتادة العذري ، الذي كان على ميمنة المسلمين قد حمل على مالك بن رافلة فقتله فقال قطبة بن قتادة : طعنت ابن زافلة بن الإر اش برمح مضى فيه ثم انحطم ضربت على جيده ضربة فمال كما مال غصن السلم وسقنا نساء بني عمه غداة رقوقين سوق النعم قال ابن هشام : قوله " ابن الإراش " عن غير ابن إسحاق . والبيت الثالث عن خلاد بن قرة ؟ ويقال مالك بن رافلة . كاهنة حدس قال ابن إسحاق : وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ، قد قالت لقومها من حدس - وقومها بطن يقال لهم بنو غنم - أنذركم قوما خزرا - ينظرون شزرا ، ويقولون الخيل تترى ، ويهريقون دما عكرا . فأخذوا بقولها ، واعتزلوا من بين لخم ، فلم تزل بعد أثري حدس . وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة بطن من حدس فلم يزالوا قليلا بعد . فلما انصرف خالد بالناس أقبل بهم قافلا . ________________________________________ عقر جعفر فرسه ومقتله وأما عقر جعفر فرسه ولم يعب ذلك عليه أحد ، فدل على جواز ذلك إذا خيف أن يأخذها العدو ، فيقاتل عليها المسلمين فلم يدخل هذا في باب النهي عن تعذيب البهائم وفعلها عبثا غير أن أبا داود خرج هذا الحديث فقال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن مسلمة عن محمد بن إسحاق عن ابن عباد يعني : يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال حدثني أبي الذي أرضعني ، وهو أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزاة غزاة مؤتة ، قال والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل . قال أبو داود : وليس هذا الحديث بالقوي وقد جاء فيه نفي كثير عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في جعفر فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وقال دخلت الجنة البارحة فرأيت جعفرا يطير مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم وعن سعيد بن المسيب ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل لي جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة في خيمة من در على أسرة فرأيت زيدا وعبد الله وفي أعناقهما صدود ورأيت جعفرا مستقيما . فقيل لي : إنهما حين غشيهما الموت أعرضا بوجوههما ، ومضى جعفر فلم يعرض وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة حين جاء نعي جعفر تقول واعماه فقال على مثل جعفر فلتبك البواكي وكان أبو هريرة يقول ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر وقال عبد الله بن جعفر : كنت إذا سألت عليا حاجة فمنعني أقسم عليه بحق جعفر فيعطيني معنى الجناحين ومما ينبغي الوقوف عليه في معنى الجناحين أنهما ليسا كما يسبق إلى الوهم على مثل جناحي الطائر وريشه لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها ، وفي قوله عليه السلام إن الله خلق آدم على صورته تشريف له عظيم وحاشا لله من التشبيه والتمثيل ولكنها عبارة عن صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر كما أعطيتها الملائكة وقد قال الله تعالى لموسى : واضمم يدك إلى جناحك [ طه : 33 ] فعبر عن العضد بالجناح توسعا ، وليس ثم طيران فكيف بمن أعطي القوة على الطيران مع الملائكة أخلق به إذا : أن يوصف بالجناح مع كمال الصورة الآدمية وتمام الجوارح البشرية وقد قال أهل العلم في أجنحة الملائكة ليست كما يتوهم من أجنحة الطير ولكنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة واحتجوا بقوله تعالى : أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع [ فاطر 1 ] فكيف تكون كأجنحة الطير على هذا ، ولم ير طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة فكيف بستمائة جناح كما جاء في صفة جبريل عليه السلام ، فدل على أنها صفات لا تنضبط كيفيتها للفكر ولا ورد أيضا في بيانها ، خبر فيجب علينا الإيمان بها ، ولا يفيدنا علما إعمال الفكر في كيفيتها ، وكل امرئ قريب من معاينة ذلك . فإما أن يكون من الذين تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون وإما أن يكون من الذين تقول لهم الملائكة وهم باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون . فضل ابن رواحة وأما عبد الله بن رواحة فقد ذكر ابن إسحاق ما ذكر من فضائله . وذكر قوله للنبي صلى الله عليه وسلم فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا وروى غيره أنه عليه السلام قال له قل شعرا تقتضبه اقتضابا ، وأنا أنظر إليك ، فقال من غير روية إني تفرست فيك الخير الأبيات حتى انتهى إلى قوله فثبت الله ما آتاك من حسن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة فضل زيد وأما زيد فقد تقدم التعريف به وبجملة من فضائله في أحاديث المبعث وحسبك بذكر الله له باسمه في القرآن ولم يذكر أحد من الصحابة باسمه سواه وقد بينا النكتة في ذلك في كتاب التعريف والأعلام فلينظر هنالك . كيف تلقى الجيش ؟ قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، قال لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم ، وأعطوني ابن جعفر . فأتي بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه . قال وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون يا فرار فررتم في سبيل الله ؟ قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن بعض آل الحارث بن هشام : وهم أخواله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟ قال والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم في سبيل الله حتى قعد في بيته فما يخرج شعر قيس في الاعتذار عن تقهقر خالد قال ابن إسحاق : وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم قيس بن المسحر اليعمري ، يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس فوالله لا تنفك نفسي تلومني على موقفي والخيل قابعة قبل وقفت بها لا مستجيرا فنافذا ولا مانعا من كان حم له القتل على أنني آسيت نفسي بخالد ألا خالد في القوم ليس له مثل وجاشت إلي النفس من نحو جعفر بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل وضم إلينا حجزتيهم كليهما مهاجرة لا مشركون ولا عزل فبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت وحقق انحياز خالد بمن معه . قال ابن هشام : فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ، ففتح الله عليهم وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ رجوع أهل مؤتة فصل وذكر رجوع أهل مؤتة وما لقوا من الناس إذ قالوا لهم يا فرار فررتم في سبيل الله ورواية غير ابن إسحاق أنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - نحن الفرارون يا رسول الله ؟ فقال " بل أنتم الكرارون وقال لهم أنا فئتكم يريد أن من فر متحيزا إلى فئة المسلمين فلا حرج عليه وإنما جاء الوعيد فيمن فر عن الإمام ولم يتحيز إليه أي لم يلجأ إلى حوزته فيكون معه فالمتحيز متفيعل من الحوز ولو كان وزنه متفعلا ، كما يظن بعض الناس لقيل فيه متحوز . وروي أن عمر رضي الله عنه حين بلغه قتل أبي عبيد بن مسعود وأصحابه في بعض أيام القادسية ، قال هلا تحيزوا إلينا ، فإنا فيئة لكل مسلم . وذكر ابن إسحاق مخاشاة خالد بن الوليد بالناس يوم مؤتة . والمخاشاة المحاجزة وهي مفاعلة من الخشية لأنه خشي على المسلمين لقلة عددهم فقد قيل كان العدو مائتي ألف من الروم ، وخمسين ألفا من العرب ، ومعهم من الخيول والسلاح ما ليس مع المسلمين وفي قول ابن إسحاق : وكان العدو مائة ألف وخمسين ألفا ، وقد قيل إن المسلمين لم يبلغ عددهم في ذلك اليوم ثلاثة آلاف ومن رواه حاشى بالحاء المهملة فهو من الحشى ، وهي الناحية وفي رواية قاسم بن أصبغ عن ابن قتيبة في المعارف أنه سئل عن قوله حاشى بهم فقال معناه انحاز بهم وشعر قطبة بن قتادة يدل على أنه قد كان ثم ظفر ومغنم لقوله وسقنا نساء بني عمه غداة رقوقين سوق النعم وفي هذا الشعر أنه قتل رئيسا منهم وهو مالك بن رافلة وقد اختلف في ذلك كما ذكر ابن إسحاق ، فقال ابن شهاب : فأخذ خالد الراية حتى فتح الله على المسلمين فأخبر أنه قد كان ثم فتح وفي الراية الأخرى حين قيل لهم يا فرار دليل على أنه قد كان ثم محاجزة وترك للقتال حتى قالوا : نحن الفرارون فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم فالله أعلم . طعام التعزية وغيرها فصل وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يصنع لآل جعفر طعام فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم وهذا أصل في طعام التعزية وتسميه العرب الوضيمة كما تسمي طعام العرس الوليمة وطعام القادم من السفر النقيعة وطعام البناء الوكيرة وكان الطعام الذي صنع لآل جعفر فيما ذكر الزبير في حديث طويل عن عبد الله بن جعفر قال فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنته ثم آدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا ، قال عبد الله فأكلت منه وحبسني النبي صلى الله عليه وسلم مع إخوتي في بيته ثلاثة أيام . شعر حسان في بكاء قتلى مؤتة قال ابن إسحاق : وكان مما بكى به أصحاب مؤتة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول حسان بن ثابت : تأوبني ليل بيثرب أعسر وهم إذا ما نوم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت لي عبرة سفوحا وأسباب البكاء التذكر بلى إن فقدان الحبيب بلية وكم من كريم يبتلى ثم يصبر رأيت خيار المؤمنين تواردوا شعوب وخلفا بعدهم يتأخر فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيد وعبد الله حين تتابعوا جميعا وأسباب المنية تخطر غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم إلى الموت ميمون النقيبة أزهر أغر كضوء البدر من آل هاشم أبي إذا سيم الظلامة مجسر فطاعن حتى مال غير موسد لمعترك فيه قنا متكسر فصار مع المستشهدين ثوابه جنان وملتف الحدائق أخضر وكنا نرى في جعفر من محمد وفاء وأمرا حازما حين يأمر فما زال في الإسلام من آل هاشم دعائم عز لا يزلن ومفخر هم جبل الإسلام والناس حولهم رضام إلى طود يروق ويقهر بهاليل منهم جعفر وابن أمه علي ومنهم أحمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم تفرج اللأواء في كل مأزق عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر هم أولياء الله أنزل حكمه عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر ________________________________________ من شعر حسان في رثاء جعفر وذكر قول حسان يرثي جعفرا : تأوبني ليل بيثرب أعسر أعسر بمعنى : عسر وفي التنزيل يوم عسر [ القمر 8 ] ، وفيه أيضا : عسير والمعنى متقارب فمن قال عسر [ يعسر ] قال عسير بالياء ومن قال عسر يعسر قال في الاسم عسر وأعسر مثل حمق وأحمق . وفي هذا الشعر قوله بهاليل منهم جعفر وابن أمه علي ومنهم أحمد المتخير البهاليل جمع بهلول وهو الوضيء الوجه مع طول . وقوله معهم أحمد المتخير فدعا به بعض الناس لما أضاف أحمد المتخير إليهم وليس بعيب لأنها ليست بإضافة تعريف وإنما هو تشريف لهم حيث كان منهم وإنما ظهر العيب في قول أبي نواس كيف لا يدنيك من أمل من رسول الله من نفره لأنه ذكر واحدا ، وأضاف إليه فصار بمنزلة ما عيب على الأعشى : شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر وكان حيان أسن من جابر وأشرف فغضب على الأعشى حيث عرفه بجابر واعتذر إليه من أجل الروي فلم يقبل عذره ووجدت في رسالة المهلهل بن يموت بن المزرع قال قال علي بن الأصفر وكان من رواة أبي نواس قال لما عمل أبو نواس أيها المنتاب على عفره أنشدنيها فلما بلغ قوله كيف لا يدنيك من أمل من رسول الله من نفره وقع لي أنه كلام مستهجن في غير موضعه إذ كان حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضاف إليه ولا يضاف إلى أحد ، فقلت له أعرفت عيب هذا البيت ؟ قال ما يعيبه إلا جاهل بكلام العرب ، وإنما أردت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القبيل الذي هذا الممدوح منه أما سمعت قول حسان بن ثابت شاعر دين الإسلام وما زال في الإسلام من آل هاشم دعائم عز لا نرام ومفخر بهاليل منهم جعفر وابن أمه علي ومعهم أحمد المتخير وقوله بهم تفرج اللأواء في كل مأزق عماس . .... المأزق المضيق من مضائق الحرب والخصومة وهو من أزقت الشيء إذا ضيقته ، وفي قصة ذي الرمة قال سمعت غلاما يقول لغلمة قد أزقتم هذه الأوقة حتى جعلتموها كالميم ثم أدخل منجمه يعني : عقبة فيها ، فنجنجه حتى أفهقها ، أي حركه حتى وسعها . والعماس المظلم والأعمس الضعيف البصر وحفرة معمسة أي مغطاة قال الشاعر فإنك قد غطيت أرجاء هوة معمسة لا يستبان ترابها بثوبك في الظلماء ثم دعوتني فجئت إليها سادرا لا أهابها أنشده ابن الأنباري في خبر لزرارة بن عدس . شعر كعب في بكاء قتلى مؤتة وقال كعب بن مالك : قام العيون ودمع عينك يهمل سحا كما وكف الطباب المخضل في ليلة وردت علي همومها طورا أخن وتارة أتململ واعتادني حزن فبت كأنني ببنات نعش والسماك موكل وكأنما بين الجوانح والحشى مما تأوبني شهاب مدخل وجدا على النفر الذين تتابعوا يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا صلى الإله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل صبروا بمؤتة للإله نفوسهم حذر الردى ومخافة أن ينكلوا فمضوا أمام المسلمين كأنهم فنق عليهن الحديد المرفل إذ يهتدون بجعفر ولوائه قدام أولهم فنعم الأول حتى تفرجت الصفوف وجعفر حيث التقى وعث الصفوف مجدل فتغير القمر المنير لفقده والشمس قد كسفت وكادت تأفل قرم علا بنيانه من هاشم فرعا أشم وسؤددا ما ينقل قوم بهم عصم الإله عباده وعليهم نزل الكتاب المنزل فضلوا المعاشر عزة وتكرما وتغمدت أحلامهم من يجهل لا يطلقون إلى السفاه حباهم ويرى خطيبهم بحق يفصل بيض الوجوه ترى بطون أكفهم تندى إذا اعتذر الزمان الممحل وبهديهم رضي الإله لخلقه وبجدهم نصر النبي المرسل ________________________________________ حول شعر كعب وذكر شعر كعب وفيه سحا كما وكف الطباب المخضل الطباب جمع طبابة وهي سير بين خرزتين في المزادة فإذا كان غير محكم وكف منه الماء والطباب أيضا : جمع طبة وهي شقة مستطيلة . وقوله طورا أخن . الخنين بالخاء المنقوطة حنين ببكاء فإذا كان بالحاء المهملة فليس معه بكاء ولا دمع . الاستقاء للقبور عند العرب وقوله وسقى عظامهم الغمام المسبل يرد قول من قال إنما استسقت العرب لقبور أحبتها لتخصب أرضها فلا يحتاجون إلى الانتقال عنها لمطلب النجعة في البلاد . وقال قاسم بن ثابت في الدلائل فهذا كعب يستسقي لعظام الشهداء بمؤتة وليس معهم وكذلك قول الآخر سقى مطغيات المحل جودا وديمة عظام ابن ليلى حيث كان رميمها فقوله حيث كان رميمها يدل على أنه ليس مقيما معه وإنما استسقاؤهم لأهل القبور استرحام لهم لأن السقي رحمة وضدها عذاب . وقوله كأنهم فنق جمع : فنيق وهو الفحل كما قال الآخر وهو طخيم معي كل فضفاض الرداء كأنه إذا ما سرت فيه المدام فنيق وقوله فتغير القمر المنير لفقده والشمس قد كسفت وكادت تأفل قوله حق ، لأنه إن كان عنا بالقمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله قمرا ، ثم جعله شمسا ، فقد كان تغير بالحزن لفقد جعفر وإن كان أراد القمر نفسه فمعنى الكلام ومغزاه حق أيضا ، لأن المفهوم منه تعظيم الحزن والمصاب وإذا فهم مغزى الشاعر في كلامه والمبالغ في الشيء فليس بكذب ألا ترى إلى قوله عليه السلام أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه أراد به المبالغة في شدة أدبه لأهله فكلامه كله حق - صلى الله عليه وسلم - وكذلك قالوا في مثل قول الشاعر [ طفيل الغنوي ] : إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما قال إنما أراد فعلنا فعلة شنيعة عظيمة فضرب المثل بهتك حجاب الشمس وفهم مقصده فلم يكن كذبا ، وإنما الكذب أن يقول فعلنا ، وهم لم يفعلوا ، وقتلنا وهم لم يقتلوا . شعر حسان في بكاء جعفر بن أبي طالب وقال حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ولقد بكيت وعز مهلك جعفر حب النبي على البرية كلها ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي من للجلاد لدى العقاب وظلها بالبيض حين تسل من أغمادها ضربا وإنهال الرماح وعلها بعد ابن فاطمة المبارك جعفر خير البرية كلها وأجلها رزءا وأكرمها جميعا محتدا وأعزها متظلما وأذلها للحق حين ينوب غير تنحل كذبا وأنداها يدا وأقلها فحشا وأكثرها إذا ما يحتدى فضلا وأبذلها ندى وأبلها بالعرف غير محمد لا مثله حي من أحياء البرية كلها ________________________________________ من شعر حسان في رثاء جعفر وذكر أبيات حسان وفي بعضها تضمين نحو قوله وأذلها ، ثم قال في أول بيت آخر للحق وكذلك قال في بيت آخر وأقلها ، وقال في الذي بعده فحشا ، وهذا يسمى التضمين . وذكر قدامة في كتاب نقد الشعر أنه عيب عند الشعراء ولعمري إن فيه مقالا ، لأن آخر البيت يوقف عليه فيوهم الذم في مثل قوله وأذلها ، وكذلك وأقلها ، وقد غلب الزبرقان على المخبل السعدي واسمه كعب بكلمة قالها المخبل أشعر منه ولكنه لما قال يهجوه وأبوك بدر كان ينتهز الخصي وأبي الجواد ربيعة بن قتال وصل الكلام بقوله وأبي ، وأدركه بهر أو سعلة فقال له الزبرقان فلا بأس إذا ، فضحك من المخبل وغلب عليه الزبرقان وإذا كان هذا معيبا في وسط البيت فأحرى أن يعاب في آخره إذا كان يوهم الذم ولا يندفع ذلك الوهم إلا بالبيت الثاني ، فليس هذا من التحصين على المعاني والتوقي للاعتراض . شعر حسان في بكاء ابن حارثة وابن رواحة وقال حسان بن ثابت في يوم مؤتة يبكي زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة : عين جودي بدمعك المنزور واذكري في الرخاء أهل القبور واذكري مؤتة وما كان فيها يوم راحوا في وقعة التغوير حين راحوا وغاروا ثم زيد نعم مأوى الضريك والمأسور حب خير الأنام طرا جميعا سيد الناس حبه في الصدور ذاكم أحمد الذي لا سواه ذاك حزني له معا وسروري إن زيدا قد كان منا بأمر ليس أمر المكذب المغرور ثم جودي للخزرجي بدمع سيدا كان تم غير نزور قد أتانا من قتلهم ما كفانا فبحزن نبيت غير سرور وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة : كفى حزنا أني رجعت وجعفر وزيد وعبد الله في رمس أقبر قضوا نحبهم لما مضوا لسبيلهم وخلفت للبلوى مع المتغبر ثلاثة رهط قدموا فتقدموا إلى رد مكروه من الموت أحمر ________________________________________ وقول حسان عين جودي بدمعك المنزور النزر القليل ولا يحسن ههنا ذكر القليل ولكنه من نزرت الرجل إذا ألحجت عليه ونزرت الشيء إذا استنفدته ، ومنه قول عمر - رحمه الله - نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأصح فيه التخفيف قال الشاعر فخذ عفو من تهواه لا تنزرنه فعند بلوغ الكدر نق المشارب وقوله يوم راحوا في وقعة التغوير هو مصدر غورت إذا توسط القائلة من النهار ويقال أيضا : أغور فهو مغور وفي حديث الإفك مغورين في نحر الظهيرة وإنما صحت الواو في مغور وفي أغور من هذا ، لأن الفعل بني فيه على الزوائد كما يبنى استحوذ وأغيلت المرأة وليس كذلك أغار على العدو ولا أغار الحبل . شهداء مؤتة وهذه تسمية من استشهد يوم مؤتة : من قريش ، ثم من بني هاشم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن حارثة رضي الله عنه . ومن بني عدي بن كعب : مسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة ومن بني مالك بن حسل : وهب بن سعد بن أبي سرح . ومن الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة ، وعباد بن قيس . ومن بني غنم بن مالك بن النجار : الحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة بن عبد بن عوف بن غنم . ومن بني مازن بن النجار سراقة بن عمرو بن عطية ابن خنساء قال ابن هشام : وممن استشهد يوم مؤتة ، فيما ذكر ابن شهاب . من بني مازن بن النجار : أبو كليب وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول وهما لأب وأم . ومن بني مالك بن أفصى : عمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى . قال ابن هشام : ويقال أبو كلاب وجابر ابنا عمرو . ________________________________________ وذكر فيمن استشهد بمؤتة أبا كليب بن أبي صعصعة . وقال ابن هشام : فيه أبو كلاب وهو المعروف عندهم وقال أبو عمر لا يعرف في الصحابة أحد يقال له أبو كليب . ذكر الأسباب الموجبة المسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا . ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير ، وكان الذي هاج ما بين بني بكر وخزاعة أن رجلا من بني الحضرمي واسمه مالك بن عباد - وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن - خرج تاجرا ، فلما توسط أرض خزاعة ، عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي - وهم منخر بني كنانة وأشرافهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم . قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من بني الديل ، قال كان بنو الأسود بن رزن يؤدون في الجاهلية ديتين ديتين ونودي دية دية لفضلهم فينا . قال ابن إسحاق : فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به . فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم كما حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وغيرهم من علمائنا : أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده . قال ابن إسحاق : فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة ، وأرادوا أن يصيبوا منه ثأرا بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم وليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ، ماء لهم فأصابوا منهم رجلا ، وتحاوزوا واقتتلوا ، ورفدت بني بكر قريش بالسلام وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال كلمة عظيمة لا إله له اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلا يقال له منبه وكان منبه رجلا مفئودا خرج هو ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد ، وقال له منبه يا تميم انج بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت قتلوني أو تركوني لقد أنبت فؤادي ، وانطلق تميم فأفلت وأدركوا منبها فقتلوه فلما دخلت خزاعة مكة ، لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء ودار مولى لهم يقال له رافع فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره عن منبه . شعر تميم في الاعتذار من فراره عن منبه لما رأيت بني نفاثة أقبلوا يغشون كل وتيرة وحجاب صخرا ورزنا لا عريب سواهم يزجون كل مقلص خناب وذكرت ذحلا عندنا متقادما فيما مضى من سالف الأحقاب ونشيت ريح الموت من تلقائهم ورهبت وقع مهند قضاب وعرفت أن من يثقفوه يتركوا لحما لمجرية وشلو غراب قومت رجلا لا أخاف عثارها وطرحت بالمتن العراء ثيابي ونجوت لا ينجو نجائي أحقب علج أقب مشمر الأقراب تلحى ولو شهدت لكان نكيرها بولا يبل مشافر القبقاب القوم أعلم ما تركت منبها عن طيب نفس فاسألي أصحابي قال ابن هشام : وتروى لحبيب بن عبد الله ( الأعلم ) الهذلي وبيته " وذكرت ذحلا عندنا متقادما " عن أبي عبيدة وقوله " خناب " و " علج أقب مشمر الأقراب " عنه أيضا . ________________________________________ بدء فتح مكة ذكر في الأسود بن رزن الكناني بفتح الراء وذكر الشيخ الحافظ أبو بحر أن أبا الوليد أصلحه رزنا بكسر الراء قال والرزن نقرة في حجر يمسك الماء وفي كتاب العين الرزن أكمة تمسك الماء والمعنى متقارب وذكر أن بني رزن من بني بكر وقد قيل فيه الدئل وقد أشبعنا القول فيه في أول الكتاب وما قاله اللغويون والنسابون وذكرنا هنالك كل ديل في العرب ، وكل دول والحمد لله . حول شعر تميم وذكر شعر تميم بن أسد ، وفيه يزجون كل مقلص خناب الخناب الطويل من الخيل وقع ذلك في الجمهرة ويقال الخناب الواسع المنخرين والخنابة جانب الأنف وفي العين الخناب الرجل الضخم وهو الأحمق أيضا ، والمقلص من الخيل المنضم البطن والقوائم وإن قلت : المقلص بكسر اللام فهو من قلصت الإبل إذا شمرت قاله صاحب العين . وفيه ظل عقاب وهي الراية وكان اسم راية النبي - صلى الله عليه وسلم - العقاب والدليل على أنه يقال لكل راية عقاب قول قطري بن الفجاءة ويكنى أبا نعامة رئيس الخوارج : يا رب ظل عقاب قد وفيت بها مهري من الشمس والأبطال تجتلد وفيه يبل مشافر القبقاب القبقاب أراد به الفرج والقبقب والقبقاب البطن أيضا . شعر الأخزر في الحرب بين كنانة وخزاعة قال ابن إسحاق : وقال الأخزر بن لعط الديلي فيما كان بين كنانة وخزاعة في تلك الحرب ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا رددنا بني كعب بأفوق ناصل حبسناهم في دارة العبد رافع وعند بديل محبسا غير طائل بدار الذليل الآخذ الضيم بعدما شفينا النفوس منهم بالمناصل حبسناهم حتى إذا طال يومهم نفخنا لهم من كل شعب بوابل نذبحهم ذبح التيوس كأننا أسود تبارى فيهم بالقواصل هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم وكانوا لدى الأنصاب أول قاتل كأنهم بالجزع إذ يطردونهم قفا ثور حفان النعام الجوافل بديل يرد على الأخزر فأجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب وكان يقال له بديل ابن أم أصرم ، فقال تفاقد قوم يفخرون ولم ندع لهم سيدا يندوهم غير نافل أمن خيفة القوم الألى تزدريهم تجيز الوتير خائفا غير آيل وفي كل يوم نحن نحبو حباءنا لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل ونحن صبحنا بالتلاعة داركم بأسيافنا يسبقن لوم العواذل ونحن منعنا بين بيض وعتود إلى خيف رضوى من مجر القنابل ويوم الغميم قد تكفت ساعيا عبيس فجعناه بجلد حلاحل أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم بجعموسها تنزون أن لم نقاتل كذبتم وبيت الله ما إن قتلتم ولكن تركنا أمركم في بلابل قال ابن هشام قوله " غير نافل " ، وقوله " إلى خيف رضوى " عن غير ابن إسحاق . شعر حسان في الحرب بين كنانة وخزاعة قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت في ذلك لحا الله قوما لم ندع من سراتهم لهم أحدا يندوهم غير ناقب أخصيي حمار مات بالأمس نوفلا متى كنت مفلاحا عدو الحقائب ________________________________________ حول شعر الأخزر وذكر قول الأخزر وفيه قفا ثور حفان النعام الجوافل قفا ثور يعني : الجبل وقفا ظرف للفعل الذي قبله وقال قفا ثور ولم ينون لأنه اسم علم مع ضرورة الشعر وقد تكلمنا على هذا فيما قبل ولو قال قفا ثور بنصب الراء وجعله غير منصرف لم يبعد لأن ما لا تنوين فيه وهو غير معرب بألف ولام ولا إضافة فلا يدخله الخفض لئلا يشبه ما يضيفه المتكلم إلى نفسه وقفا ثور بهذا اللفظ تقيد في الأصل وظاهر كلام البرقي في شرح هذا البيت أنه بفاثور لأنه قال الفاثور سبيكة الفضة وكأنه شبه المكان بالفضة لنقائه واستوائه فإن كانت الرواية كما قال فهو اسم موضع والفاثور خوان من فضة ويقال . إبريق من فضة قيل ذلك في قول جميل وصدر كفاثور اللجين وجيد وفي قول لبيد حقائبهم راح عتيق ودرمك ومسك وفاثورية وسلاسل وكما قال البرقي : ألفيته في نسخ صحيحة سوى نسخة الشيخ وإن صح ما في نسخة الشيخ فهو كلام حذف منه ومعناه قفا فاثور ، وحسن حذف الفاء الثانية كما حسن حذف اللام الثانية في قولهم علماء بني فلان لا سيما مع ضرورة الشعر وترك الصرف لأنه جعله اسم بقعة ومن الشاهد على أن فاثور اسم بقعة قول لبيد ويوم طعنتم فاسمعدت وفودكم بأجماد فاثور كريم مصابر أي أنا كريم مصابر ولذلك قال البكري ولم يذكر فيه اختلافا ، وقال هو اسم جبل يعني فاثور ، وقال ابن مقبل حي محاضرهم شتى وجمعهم دوم الإياد وفاثور إذا انتجعوا وقال لبيد ولدى النعمان مني موطن بين فاثور آفاق فالدخل وحقان النعام صغارها ، وهو مرفوع لأنه خبر كأن . حول شعر بديل وذكر شعر بديل ابن أم أصرم ، وفيه غير آيل هو فاعل من آل إذا رجع ولكنه قلب الهمزة التي هي بدل من الواو ياء لئلا تجتمع همزتان وكانت الياء أولى بها لانكسارها . وفيه ذكر عييس ووقع في بعض روايات الكتاب عبيس بالباء المنقوطة بواحدة من أسفل . وفيه أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم بجعموسها .......... أي رمت به بسرعة وهو كناية عن ضرب من الحرث يسمج وصفه . شعر عمرو الخزاعي للرسول يستنصره ورده عليه قال ابن إسحاق : فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وكان في عقده وعهده خرج عمرو بن سالم الخزاعي ، ثم أحد بني كعب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك الله نصرا أعتدا وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا إن سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعا وسجدا يقول قتلنا وقد أسلمنا . قال ابن هشام : ويروى أيضا : فانصر هداك الله نصرا أيدا قال ابن هشام : ويروى أيضا : نحن ولدناك فكنت ولدا قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نصرت يا عمرو بن سالم " ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ابن ورقاء يشكو إلى الرسول بالمدينة

ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس " كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة " . ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا الذي صنعوا . فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء قال من أين أقبلت يا بديل ؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ، قال أو ما جئت محمدا ؟ قال لا ; فلما راح بديل إلى مكة ، قال أبو سفيان لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى ، فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا  . 

________________________________________ حول شعر عمرو بن سالم وذكر أبيات عمرو بن سالم وفيها : قد كنتم ولدا وكنا والدا يريد أن بني عبد مناف أمهم من خزاعة ، وكذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية والولد بمعنى الولد . وقوله ثمت أسلمنا ، هو من السلم لأنهم لم يكونوا آمنوا بعد غير أنه قال ركعا وسجدا ، فدل على أنه كان فيهم من صلى لله فقتل والله أعلم . وذكر فيه الوتير ، وهو اسم ماء معروف في بلاد خزاعة ، والوتير في اللغة الورد الأبيض وقد يكون منه بري ، فمحتمل أن يكون هذا الماء سمي به وأما الورد الأحمر فهو الحوجم ويقال للورد كله جل قاله أبو حنيفة ، وكأن لفظ الحوجم من الحجمة وهي حمرة في العينين يقال منه رجل أحجم . أبو سفيان يحاول المصالحة

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟ قال بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت رجل مشرك نجس ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر . 

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه لم يرد عليه شيئا ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به . ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي غلام يدب بين يديها ، فقال يا علي ، إنك أمس القوم بي رحما ، وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا ، فاشفع لي إلى رسول الله فقال ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه . فالتفت إلى فاطمة فقال يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت والله ما بلغ بني ذاك أن يجير بين الناس وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني ; قال والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك شيئا ، ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك ; قال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال لا والله ما أظنه ولكني لا أجد لك غير ذلك . فقام أبو سفيان في المسجد فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش ، قالوا : ما وراءك ؟ قال جئت محمدا فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئا ، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى العدو . قال ابن هشام : أعدى العدو . قال ابن إسحاق : ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئا أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال أمرني أن أجير بين الناس ففعلت ، قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال لا ، قالوا : ويلك والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت . قال لا والله ما وجدت غير ذلك ________________________________________ ما قال عمر لأبي سفيان ومعناه وذكر قول عمر رضي الله عنه فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به وهو كلام مفهوم المعنى ، وقد تقدم أن مثل هذا ليس بكذب وإن كان الذر لا يقاتل به وكذلك قول عمر في حديث الموطأ " والله ليمرن به ولو على بطنك " ، يعني الجدول وهو من هذا القبيل لا يعد كذبا ، لأنه جرى في كلامهم كالمثل . شرح قول فاطمة لأبي سفيان وذكر قول فاطمة والله ما بلغ بني أن يجير بين الناس وقد ذكر أبو عبيد هذا محتجا به على من أجاز أمان الصبي وجواره ومن أجاز جوار الصبي إنما أجازه إذا عقل الصبي ، وكان كالمراهق . وقولها : ولا يجير أحد على رسول الله وقد قال عليه السلام " يجير على المسلمين أدناهم " ، فمعنى هذا - والله أعلم - كالعبد ونحوه يجوز جواره فيما قل مثل أن يجير واحدا من العدو أو نفرا يسيرا ، وأما أن يجير على الإمام قوما يريد الإمام غزوهم وحربهم فلا يجوز ذلك عليهم ولا على الإمام وهذا هو الذي أرادت فاطمة - رضي الله عنها - والله أعلم وأما جوار المرأة وتأمينها فجائز عند جماهير الفقهاء إلا سحنون وابن الماجشون فإنهما قالا : هو موقوف على إجازة الإمام وقد قال عليه السلام لأم هانئ " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ " ، وروي معنى قولهما عن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد . وأما جوار العبد فجائز إلا عند أبي حنيفة وقول النبي صلى الله عليه وسلم يجير على المسلمين أدناهم يدخل فيه العبد والمرأة . الرسول صلى الله عليه وسلم يعد لفتح مكة

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها ، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي بنية أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه ؟ قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد ؟ قالت ( لا ) والله ما أدري . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها  فتجهز الناس . 

حسان يحرض الناس فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة : عناني ولم أشهد ببطحاء مكة رجال بني كعب تحز رقابها بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم وقتلى كثير لم تجن ثيابها ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي سهيل بن عمرو وخزها وعقابها وصفوان عود حن من شفر استه فهذا أوان الحرب شد عصابها فلا تأمننا يا ابن أم مجالد إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها ولا تجزعوا منا فإن سيوفنا لها وقعة بالموت يفتح بابها قال ابن هشام : قول حسان بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم يعني قريشا ، " وابن أم مجالد " يعني عكرمة بن أبي جهل . كتاب حاطب إلى قريش قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب ، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا ، فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالخليقة خليقة بني أبي أحمد فاستنزلاها ، فالتمساه في رحلها ، فلم يجدا شيئا ، فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدعته إليه فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا ، فقال " يا حاطب ما حملك على هذا " ؟ فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرئ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم . فقال عمر بن الخطاب ، يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر " فقال اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم . فأنزل الله تعالى في حاطب يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة إلى قوله قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلى آخر القصة . الممتحنة . ________________________________________ حاطب بن أبي بلتعة وما كان في كتابه فصل وذكر كتاب حاطب إلى قريش ، وهو حاطب بن أبي بلتعة مولى عبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى ، والبلتعة في اللغة التظرف قاله أبو عبيد ، واسم أبي بلتعة عمرو ، وهو لخمي ، فيما ذكروا ، ومن ذريته زياد بن عبد الرحمن [ بن زياد ] الأندلسي الذي روى الموطأ عن مالك ، وهو زياد شبطون وكان قاضي طليطلة وكان شبطون زوجا لأمه فصرف به رحمه الله وقد قيل إنه كان في الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده وفي تفسير [ يحيى ] بن سلام أنه كان في الكتاب الذي كتبه حاطب أن النبي محمدا قد نفر إما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذر . تصحيف هشيم لخاخ وذكر أن علي بن أبي طالب والزبير والمقداد أدركوها بروضة خاخ بخاءين منقوطتين وكان هشيم يرويه حاج بالحاء والجيم وهو مما حفظ من تصحيف هشيم ، وكذلك كان يروي : سدادا من عون [ بن أبي شداد ] بفتح السين والمغيرة بن أبي بردة يقول فيه برزة بالزاي وفتح الباء في تصحيف كثير وهو مع ذلك ثبت متفق على عدالته على أن البخاري ، قد ذكر عن أبي عوانة أيضا أنه قال فيه حاج كما قيل عن هشيم ، فالله أعلم وفي هذا الخبر من رواية الشيباني أن عائشة قالت دخل علي أبو بكر وأنا أغربل حنطة لنا ، فسألني وذكر باقي الحديث وفيه من الفقه أكلهم للبر وإن كان أغلب أحوالهم أكل الشعير ولا يقال حنطة إلا للبر . تفسير تلقون إليهم بالمودة فصل وذكر قول الله عز وجل في حاطب تلقون إليهم بالمودة أي تبذلونها لهم ودخول الباء وخروجها عند الفراء سواء والباء عند سيبويه لا تزاد في الواجب ومعنى الكلام عند طائفة من البصريين تلقون إليهم النصيحة بالمودة قال النحاس معناه تخبرونهم بما يخبر به الرجل أهل مودته وهذا التقدير إن نفع في هذا الموضع لم ينفع في مثل قول العرب : ألقى إليه بوسادة أو بثوب ونحو ذلك فيقال إذا إن ألقيت تنقسم قسمين أحدهما : أن تريد وضع الشيء في الأرض فتقول ألقيت السوط من يده ونحو ذلك والثاني : أن تريد معنى الرمي بالشيء فتقول ألقيت إلى زيد بكذا : أرميته به وفي الآية إنما هو إلقاء بكتاب وإرسال به فعبر عن ذلك بالمودة لأنه من أفعال أهل المودة فمن ثم حسنت الباء لأنه إرسال بشيء فتأمله . قتل الجاسوس وفي الحديث دليل على قتل الجاسوس فإن عمر رضي الله عنه قال دعني فلأضرب عنقه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع إلى أصحاب بدر " ، الحديث فعلق حكم المنع من قتله بشهود بدر فدل على أن من فعل مثل فعله وليس ببدري أنه يقتل . زاد البخاري في بعض روايات الحديث قال فاغرورقت عينا عمر - رضي الله عنه - وقال الله ورسوله أعلم يعني حين سمعه يقول في أهل بدر ما قال وفي مسند الحارث أن حاطبا قال يا رسول الله كنت عزيزا في قريش ، وكانت أمي بين ظهرانيهم فأردت أن يحفظوني فيها أو نحو هذا ، ثم فسر العزيز وقال هو الغريب . خروج الرسول في رمضان قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري وخرج لعشر مضين من رمضان فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد بين عسفان وأمج أفطر . قال ابن إسحاق : ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين فسبعت سليم وبعضهم يقول ألفت سليم وألفت مزينة . وفي كل القبائل عدد وإسلام وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار ، فلم يتخلف عنه منهم أحد ، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلم يأتهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق . قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض فيما ذكر ابن شهاب الزهري . قال ابن إسحاق : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك ; قال لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي ، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال . قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بني له . فقال والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما ، فدخلا عليه فأسلما وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه واعتذر إليه مما كان مضى منه فقال لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللاتي خيل محمد لكالمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدي وأهتدي هداني هاد غير نفسي ونالني مع الله من طردت كل مطرد أصد وأنأى جاهدا عن محمد وأدعى وإن لم أنتسب من محمد هم ما هم من لم يقل بهواهم وإن كان ذا رأي يلم ويفند أريد لأرضيهم ولست بلائط مع القوم ما لم أهد في كل مقعد فقل لثقيف لا أريد قتالها وقل لثقيف تلك غيري أوعدي فما كنت في الجيش الذي نال عامرا وما كان عن جرا لساني ولا يدي قبائل جاءت من بلاد بعيدة نزائع جاءت من سهام وسردد قال ابن هشام : ويروى " ودلني على الحق من طردت كل مطرد " . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله " ونالني مع الله من طردت كل مطرد " ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال " أنت طردتني كل مطرد " . ________________________________________ عن عبد الله بن أبي أمية وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين استأذنته في أخيها عبد الله بن أمية وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني حين قال له والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون لك أن الله قد أرسلك وقد تقدمت هذه القصة . وعبد الله بن أبي أمية هو أخو أم سلمة لأبيها ، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب ، وأم سلمة أمها عاتكة بنت جذل الطعان وهو عامر بن قيس الفراسي ، واسم أبي أمية حذيفة وكانت عنده أربع عواتك قد ذكرنا منهن ههنا ثنتين . عن أبي سفيان بن الحارث وابنه وقصيدته وقول أبي سفيان بن الحارث أو لآخذن بيد بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض . لم يذكر ابن إسحاق اسم ابنه ذلك ولعله أن يكون جعفرا ، فقد كان إذ ذاك غلاما مدركا ، وشهد مع أبيه حنينا ، ومات في خلافة معاوية ولا عقب له . وذكر الزبير لأبي سفيان ولذا يكنى أبا الهياج في حديث ذكره لا أدري : أهو جعفر أم غيره ومات أبو سفيان في خلافة عمر رضي الله عنه وقال عند موته لا تبكن علي فإني لم أنتطف بخطيئة منذ أسلمت ، ومات من ثؤلول حلقه الحلاق في حج فقطعه مع الشعر فنزف منه وقيل في اسم أبي سفيان المغيرة وقيل بل المغيرة أخوه قال القتبي : إخوته المغيرة ونوفل وعبد شمس وربيعة بنو الحارث بن عبد المطلب . وزن فعلل وقوله نزائع جاءت من سهام وسردد على وزن فعال بفتح الفاء وسردد بضم أوله وإسكان ثانيه هكذا ذكره سيبويه ويعقوب وبفتح الدال ذكره غيرهما ، وهما موضعان من أرض عك وذلك أن سيبويه من أصله أنه ليس في الكلام فعلل بالفتح وحكاه الكوفيون في جندب وسردد وغيرهما ، ولا ينبغي أيضا على أصل سيبويه أن يمتنع الفتح في سردد لأن إحدى الدالين زائدة من أجل الضعيف وإنما الذي يمتنع في الأبنية مثل جعفر بضم أوله وفتح ثانيه فمثل سردد والسودد والحولل جمع حائل ، وما ذكره بعضهم من طحلب ويرفع وجؤذر فهو دخيل في الكلام ولا يجعل أصلا ، ولا يمتنع أيضا جندب بفتح الدال لأن النون زائدة . عود إلى أبي سفيان وكان أبو سفيان رضيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرضعتهما حليمة وكان آلف الناس له قبل النبوة لا يفارقه فلما نبئ كان أبعد الناس عنه وأهجاهم له إلى أن أسلم ، فكان أصح الناس إيمانا ، وألزمهم له صلى الله عليه وسلم ولأبي سفيان هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت يا أبا سفيان كما قيل كل الصيد في جوف الفرا " ، وقيل بل قالها لأبي سفيان بن حرب والأول أصح . قصة إسلام أبي سفيان على يد العباس

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الطهران قال العباس بن عبد المطلب ، فقلت : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر . قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء فخرجت عليها . قال حتى جئت الأراك ، فقلت : لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة . 

قال فوالله إني لأسير عليها ، وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا قال يقول بديل هذه والله خزاعة حمشتها الحرب . قال يقول أبو سفيان خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها ، قال فعرفت صوته فقلت : يا أبا حنظلة فعرف صوتي ، فقال أبو الفضل ؟ قال قلت : نعم قال ما لك ؟ فداك أبي وأمي قال قلت : ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله . قال فما الحيلة ؟ فداك أبي وأمي ؟ قال قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك ; قال فركب خلفي ورجع صاحباه قال فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها ، قالوا : عم رسول الله على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من هذا ؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء قال فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه قال قلت : يا رسول الله إني قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت : والله لا يناجيه الليلة دوني رجل فلما أكثر عمر في شأنه قال قلت : مهلا يا عمر فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف فقال مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به " ، قال فذهبت به إلى رحلي ، فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ " قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد قال " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ " قال بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا . فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك . قال فشهد شهادة الحق فأسلم قال العباس قلت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا ، قال " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها " . قال فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي ، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه . عرض الجيش قال ومرت القبائل على راياتها ، كلما مرت قبيلة قال يا عباس من هذه ؟ فأقول سليم فيقول ما لي ولسليم ثم تمر القبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء ؟ فأقول مزينة ، فيقول ما لي ولمزينة حتى نفدت القبائل ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها ، فإذا أخبرته بهم قال ما لي ولبني فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء قال ابن هشام : وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها . قال الحارث بن حمزة اليشكري : ثم حجرا أعني ابن أم قطام وله فارسية خضراء يعني الكتيبة ، وهذا البيت في قصيدة له وقال حسان بن ثابت الأنصاري : لما رأى بدرا تسيل جلاهه بكتيبة خضراء من بلخزرج وهذا البيت في أبيات له قد كتبناها في أشعار يوم بدر . قال ابن إسحاق : فيها المهاجرون والأنصار ، رضي الله عنهم لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟ قال قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار ; قال ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ، قال قلت : يا أبا سفيان إنها النبوة . قال فنعم إذن ________________________________________ وقول بديل حمشتهم الحرب يقال حمشت الرجل إذا أغضبته ، وحمشت النار أيضا إذا أوقدتها ، ويقال . حمست بالسين . عن إسلام سفيان بن حرب وذكر عبد بن حميد في إسلام أبي سفيان بن حرب أن العباس لما احتمله معه إلى قبته فأصبح عنده رأى الناس وقد ثاروا إلى ظهورهم فقال أبو سفيان يا أبا الفضل ما للناس أأمروا في بشيء ؟ قال لا ، ولكنهم قاموا إلى الصلاة فأمره العباس فتوضأ ثم انطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه السلام في الصلاة كبر فكبر الناس بتكبيره ثم ركع فركعوا ، ثم رفع فرفعوا ، فقال أبو سفيان ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من ههنا وههنا ، ولا فارس الأكارم ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له وفي حديث عبد بن حميد أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين عرض عليه الإسلام كيف أصنع بالعزى ؟ فسمعه عمر رضي الله عنه من وراء القبة فقال له نخرا عليها ، فقال له أبو سفيان ويحك يا عمر إنك رجل فاحش دعني مع ابن عمي ، فإياه أكلم وذكر قول أبي سفيان لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ، وقول العباس له إنها النبوة قال شيخنا أبو بكر رحمه الله إنما أنكر العباس عليه أن ذكر الملك مجردا من النبوة مع أنه كان في أول دخوله في الإسلام وإلا فجائز أن يسمى مثل هذا ملكا ، وإن كان لنبي فقد قال الله تعالى في داود وشددنا ملكه [ ص : 20 ] وقال سليمان . وهب لي ملكا [ ص : 35 ] غير أن الكراهية أظهر في تسمية حال النبي صلى الله عليه وسلم ملكا لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون نبيا عبدا ، أو نبيا ملكا ، فالتفت إلى جبريل ، فأشار إليه أن توضع فقال بل نبيا عبدا أشبع يوما ، وأجوع يوما وإنكار العباس على أبي سفيان يقوي هذا المعنى ، وأمر الخلفاء الأربعة بعده يكره أيضا أن يسمى ملكا ، لقوله عليه السلام في حديث آخر " يكون بعده خلفاء ثم يكون أمراء ثم يكون ملوك ثم جبابرة " ، ويروى : ثم يعود الأمر بزيزيا ، وهو تصحيف قال الخطابي : إنما هو بزيزي ، أي قتل وسلب . أبو سفيان يحذر أهل مكة

قال قلت : النجاء إلى قومك ، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه فقالت اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم قال ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن قالوا : قاتلك الله وما تغني عنا دارك ، قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد  

________________________________________ قول هند عن أبي سفيان وقول هند : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس . الحميت الزق ، نسبته إلى الضخم والسمن والأحمس أيضا الذي لا خير عنده من قولهم عام أحمس إذا لم يكن فيه مطر وزاد عبد بن حميد في حديثه أنها قالت يا آل غالب اقتلوا الأحمق فقال لها أبو سفيان والله لتسلمن أو لأضربن عنقك وفي إسلام أبي سفيان قبل هند وإسلامها قبل انقضاء عدتها ، ثم استقرا على نكاحهما وكذلك حكيم بن حزام مع امرأته حجة للشافعي فإنه لم يفرق بين أن تسلم قبله أو يسلم قبلها ، ما دامت في العدة . وفرق مالك بين المسألتين على ما في الموطأ وغيره وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي طوى قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة حمراء ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل . إسلام والد أبي بكر قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة من أصغر ولده أي بنية اظهري بي على أبي قبيس قالت وقد كف بصره قالت فأشرفت به عليه فقال أي بنية ماذا ترين ؟ قالت أرى سوادا مجتمعا ، قال تلك الخيل قالت وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك مقبلا ومدبرا ، قال أي بنية ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ، ثم قالت قد والله انتشر السواد قالت فقال قد والله إذن دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي ، فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته قالت وفي عنق الجارية طوق من ورق فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها ، قالت فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ودخل المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ " قال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت قال فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له " أسلم " فأسلم قالت فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " غيروا هذا من شعره ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته وقال أنشد الله والإسلام طوق أختي ، فلم يجبه أحد ، قالت فقال أي أخية ، احتسبي طوقك ، إن الأمانة في الناس اليوم لقليل ________________________________________ إسلام أبي قحافة وذكر إسلام أبي قحافة واسمه عثمان بن عامر واسم أمه قيلة بنت أذاة . وقوله لبنت له وهي أصغر ولده يريد والله أعلم أصغر أولاده الذين لصلبه وأولادهم لأن أبا قحافة لم يعش له ولد ذكر إلا أبو بكر ولا تعرف له بنت إلا أم فروة التي أنكحها أبو بكر رضي الله عنه من الأشعث بن قيس ، وكانت قبله تحت تميم الداري فهي هذه التي ذكر ابن إسحاق والله أعلم . وقد قيل كانت له بنت أخرى تسمى قريبة تزوجها قيس بن سعد بن عبادة ، فالمذكورة في حديث أبي قحافة هي إحدى هاتين على هذا ، والله أعلم . وفي الحديث وكان رأسه ثغامة والثغام من نبات الجبال وهو من الجنبة وأشد ما يكون بياضا إذا أمحل والحلي مثله يشبه به الشيب قال الراجز ولمتي كأنها حلية حكم الخضاب وقول النبي صلى الله عليه وسلم في شيب أبي قحافة " غيروا هذا " من شعره هو على الندب لا على الوجوب لما دل على ذلك من الأحاديث عنه عليه السلام أنه لم يغير شيبه وقد روى من طريق أبي هريرة أنه خضب . وقال من جمع بين الحديثين إنما كانت شيبات يسيرة يغيرها بالطيب . وقال أنس لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم حد الخضاب وفي البخاري عن عثمان بن موهب قال أرتني أم سلمة شعرا من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه أيضا عن ابن موهب قال بعثني أهلي بقدح إلى أم سلمة وذكر الحديث وفيه اطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرا ، وهذا كلام مشكل وشرحه في مشكل وكيع بن الجراح قال كان جلجلا من فضة صنع صيوانا لشعرات كانت عندهم من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن قيل فهذا يدل على أنه كان مخضوب الشيب وقد صح من حديث أنس وغيره أنه عليه السلام لم يكن بلغ أن يخضب إنما كانت شعرات تعد . فالجواب أنه لما توفي خضب من كان عنده شيء من شعره تلك الشعرات ليكون أبقى لها ، كذلك قال الدارقطني في أسماء رجال الموطأ له وكان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم وكان عمر يخضب بالصفرة وكذلك عثمان وعبد الله بن عمر ، وكان فيهم من يخضب بالخطر وهو الوسمة وأما الصفرة فكانت من الورس أو الكركم وهو الزعفران والورس ينبت باليمن يقال لجيده بادرة الورس ومن أنواعه العسف والحبشي وهو آخره ويقال من الحناء حنا شيبه ورقنه وجمع الحناء حنان على غير قياس قال الشاعر ولقد أروح بلمة فينانة سوداء قد رويت من الحنان من كتاب أبي حنيفة وبعض أهل الحديث يزيد على رواية ابن إسحاق في شيب أبي قحافة وجنبوه السواد وأكثر العلماء على كراهة الخضاب بالسواد من أجل هذا الحديث ومن أجل حديث آخر جاء في الوعيد والنهي لمن خضب بالسواد وقيل أول من خضب بالسواد فرعون ، وقيل أول من خضب به من العرب عبد المطلب ، وترخص قوم في الخضاب بالسواد معهم محمد بن علي ، وروي عن عمر أنه قال اخضبوا بالسواد فإنه أنكى للعدو وأحب للنساء وقال ابن بطال في الشرح إذا كان الرجل كهلا لم يبلغ الهرم جاز له الخضاب بالسواد لأن في ذلك ما قال عمر رضي الله عنه من الإرهاب على العدو والتحبب إلى النساء وأما إذا قوس واحدودب فحينئذ يكره له السواد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي قحافة غيروا شيبه وجنبوه السواد . جيوش المسلمين تدخل مكة قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى ، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى ، وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء . المهاجرون وسعد قال ابن إسحاق : فزعم بعض أهل العلم أن سعدا حين وجه داخلا ، قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين - قال ابن هشام : هو عمر بن الخطاب - فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أدركه فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها ________________________________________ كداء وكدى فصل وذكر كداء بفتح الكاف والمد وهو بأعلى مكة ، وكدى وهو من ناحية عرفة وبمكة موضع ثالث يقال كدا بضم الكاف والقصر وأنشدوا في كداء وكدى : أقفرت بعد عبد شمس كداء فكدي فالركن والبطحاء والبيت لابن قيس الرقيات يذكر بني عبد شمس بن عبد ود العامريين رهط سهيل بن عمرو . موقف إبراهيم بكداء وبكداء وقف إبراهيم عليه السلام حين دعا لذريته بالحرم كذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، فقال فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فاستجيبت دعوته وقيل له أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ، ألا تراه يقول يأتوك ، ولم يقل يأتوني ، لأنها استجابة لدعوته فمن ثم - والله أعلم - استحب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى لمكة أن يدخلها من كداء ، لأنه الموضع الذي دعا فيه إبراهيم بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم . موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من سعد فصل وذكر نزع الراية من سعد حين قال اليوم يوم الملحمة . وزاد غير ابن إسحاق في الخبر أن ضرار بن الخطاب قال يومئذ شعرا حين سمع قول سعد استعطف فيه النبي صلى الله عليه وسلم على قريش ، وهو من أجود شعر له يا نبي الهدى إليك لجا ح ي قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر ض وعاداهم إله السماء والتقت حلقتا البطان على الق وم ونودوا بالصيلم الصلعاء إن سعدا يريد قاصمة الظه ر بأهل الحجون والبطحاء خزرجي لو يستطيع من الغي ظ رمانا بالنسر والعواء فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء لتكونن بالبطاح قريش بقعة القاع في أكف الإماء فحينئذ انتزع النبي صلى الله عليه وسلم الراية من سعد بن عبادة فيما ذكروا ، والله أعلم ومد في هذا الشعر العواء وأنكر الفارسي في بعض كتبه مدها ، وقال لو مدت لقيل فيها : العياء كما قيل في : العلياء لأنها ليست بصفة كالعشواء قال وإنما هي مقصورة كالشروى والنجوى ، وغفل عن وجه ذكره أبو علي القالي ، فإنه قال عن مد العواء فهي عنده فعال من عويت الشيء إذا لويت ظرفه وهذا حسن جدا لا سيما ، وقد صح مدها في الشعر الذي تقدم وغيره والأصح في معناها : أن العواء من العوة والعوة هي الدبر فكأنهم سموها بذلك لأنها دبر الأسد من البروج . كيف دخل الجيش مكة قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبد الله بن أبي نجيح في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد ، فدخل من الليط ، أسفل مكة ، في بعض الناس وكان خالد على المجنبة اليمنى ، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب . وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هنالك قبته . الذين تعرضوا للمسلمين قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر : أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا ، وقد كان حماس بن قيس بن خالد ، أخو بني بكر يعد سلاحا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلح منه فقالت له امرأته لماذا تعد ما أرى ؟ قال لمحمد وأصحابه قالت والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء قال والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال إن يقبلوا اليوم فما لي علة هذا سلاح كامل وأله وذو غرارين سريع السله ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة ، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر ، أحد بني محارب بن فهر ، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم ، حليف بني منقذ ، وكانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا قتل خنيس بن خالد قبل كرز بن جابر ، فجعله كرز بن جابر بين رجليه ثم قاتل عنه حتى قتل وهو يرتجز ويقول قد علمت صفراء من بني فهر نقية الوجه نقية الصدر لأضربن اليوم عن أبي صخر قال ابن هشام : وكان خنيس يكنى أبا صخر قال ابن هشام : خنيس بن خالد من خزاعة . قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن بكر قالا : وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ، وأصيب من المشركين ناس قريب من اثني عشر رجلا ، أو ثلاثة عشر رجلا ، ثم انهزموا ، فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته أغلقي علي بابي ، قالت فأين ما كنت تقول ؟ فقال إنك لو شهدت يوم الخندمه إذ فر صفوان وفر عكرمه وأبو يزيد قائم كالموتمه واستقبلتهم بالسيوف المسلمه يقطعن كل ساعد وجمجمه ضربا فلا يسمع إلا غمغمه لهم نهيت خلفنا وهمهمه لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر قوله " كالموتمه " وتروى للرعاش الهذلي . شعار المسلمين يوم الفتح وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وحنين والطائف ، شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج : يا بني عبد الله وشعار الأوس : يا بني عبيد الله . ________________________________________ خنيس بن خالد فصل وذكر خنيس بن خالد وقول ابن هشام : خنيس من خزاعة ، لم يختلفوا عن ابن إسحاق أنه خنيس بالخاء المنقوطة والنون وأكثر من ألف في المؤتلف والمختلف يقول الصواب فيه حبيش بالحاء المهملة والباء والشين المنقوطة وكذلك في حاشية الشيخ عن أبي الوليد أن الصواب فيه حبيش وأبوه خالد هو الأشعر بن حنيف وقد رفعنا نسبه عند ذكر أم معبد لأنها بنته وهو بالشين المنقوطة وأما الأسعر بالسين المهملة فهو الأسعر الجعفي ، واسمه " مرثد بن عمران وسمي الأسعر لقوله فلا يدعني قومي لسعد بن مالك لئن أنا لم أسعر عليهم وأثقب يعني بمالك مذحج . وذكر الرجز الذي لكرز قد علمت صفراء من بني فهر أشار بقوله صفراء إلى صفرة الخلوق وقيل بل أراد معنى : قول امرئ القيس كبكر مقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير محلل وكقول الأعشى : نرضيك من دل ومن حسن مخالطه غرارة حمراء غدوتها ، وصفر اء العشية كالعرارة وقوله من بني فهر بكسر الهاء وكذلك الصدر في البيت الثاني ، وأبو صخر هذا على مذهب العرب في الوقف على ما أوسطه ساكن فإن منهم من ينقل حركة لام الفعل إلى عين الفعل في الوقف وذلك إذا كان الاسم مرفوعا أو مخفوضا ، ولا يفعلون ذلك في النصب وعلله مستقصاة في النحو . حول لماذا وموتمة وذكر خبر حماس وقول امرأته له لماذا تعد السلاح بإثبات الألف ولا يجوز حذفها من أجل تركيب ذا معها ، والمعروف في ما إذا كانت استفهاما مجرورة أن تحذف منها الألف فيقال لم وبم قال ابن السراج الدليل على أن ذا جعلت مع ما اسما واحدا أنهم اتفقوا على إثبات الألف مع حرف الجر فيقولون لماذا فعلت ، وبماذا جئت ، وهو معنى قول سيبويه . حول رجزي حماس وقوله وذو غرارين سريع السله بكسر السين هو الرواية يريد الحالة من سل السيف ومن أراد المصدر فتح . وقوله وأبو يزيد قائم كالموتمه يريد المرأة لها أيتام والأعرف في مثل هذا موتم ثم مطفل وجمعها مياتم وقال ابن إسحاق في غير هذه الرواية الموتمة الأسطوانة وهو تفسير غريب وهو أصح من التفسير الأول لأنه تفسير راوي الحديث فعلى قول ابن إسحاق هذا يكون لفظ الموتمة من قولهم وتم وأتم إذا ثبت لأن الأسطوانة تثبت ما عليها ، ويقال فيها على هذا موتمة بالهمز وتجمع مآتم وموتمة بلا همز وتجمع مواتم . وقوله وأبو يزيد بقلب الهمزة من أبو ألفا ساكنة فيه حجة لورش [ واسمه عثمان بن سعيد بن عبد الله حيث أبدل الهمزة ألفا ساكنة وهي متحركة وإنما قياسها عند النحويين أن تكون بين بين . ومثل قوله وأبو يزيد قول الفرزدق : فارعي فزارة لا هناك المرتع وإنما هو هنأك بالهمز وتسهيلها بين بين فقلبها ألفا على غير القياس المعروف في النحو وكذلك قولهم في المنساة وهي العصا ، وأصلها الهمز لأنها مفعلة من نسأت ، ولكنها في التنزيل كما ترى ، وأبو يزيد الذي عنى في هذا البيت هو سهيل بن عمرو خطيب قريش . وقوله لهم نهيت النهيت صوت الصدر وأكثر ما توصف به الأسد قال ابن الأسلت كأنهم أسد لدى أشبل ينهتن في غيل وأجزاع والغمغمة أصوات غير مفهومة من اختلاطها . طرف من أحكام أرض مكة ونذكر هاهنا طرفا من أحكام أرض مكة ، فقد اختلف هل افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم عنوة أو صلحا ، ليبتني على ذلك الحكم هل أرضها ملك لأهلها أم لا ؟ وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأمر بنزع أبواب دور مكة إذا قدم الحاج ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بمكة أن ينهي أهلها عن كراء دورها إذا جاء الحاج فإن ذلك لا يحل لهم . وقال مالك رحمه الله - إن كان الناس ليضربون فساطيطهم بدور مكة لا ينهاهم أحد ، وروي أن دور مكة كانت تدعى السوائب ، وهذا كله منتزع من أصلين أحدهما : قوله تبارك وتعالى : والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادي [ الحج 25 ] وقال ابن عمر قال ابن عباس : الحرم كله مسجد والأصل الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها عنوة غير أنه من على أهلها بأنفسهم وأموالهم ولا يقاس عليها غيرها من البلاد كما ظن بعض الفقهاء فإنها مخالفة لغيرها من وجهين أحدهما : ما خص الله به نبيه فإنه قال قل الأنفال لله والرسول [ الأنفال 1 ] والثاني فيما خص الله تعالى به مكة فإنه جاء لا تحل غنائمها ، ولا تلتقط لقطتها ، وهي حرم الله تعالى وأمنه فكيف تكون أرضها أرض خراج فليس لأحد افتتح بلدا أن يسلك به سبيل مكة ، فأرضها إذا ودورها لأهلها ، ولكن أوجب الله عليهم التوسعة على الحجيج إذا قدموها ، ولا يأخذوا منهم كراء في مساكنها ، فهذا حكمها فلا عليك بعد هذا ، فتحت عنوة أو صلحا ، وإن كانت ظواهر الأحاديث أنها فتحت عنوة . الهذلي القتيل وذكر الهذلي الذي قتل وهو واقف فقال أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ، وروى الدارقطني في السنن أن النبي قال لو كنت قاتل مسلم بكافر لقتلت خراشا بالهذلي يعني بالهذلي قاتل ابن أثوع وخراش هو قاتله وهو من خزاعة . من أمر الرسول بقتلهم قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عبد الله بن سعد أخو بني عامر بن لؤي . وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فارتد مشركا راجعا إلى قريش ، ففر إلى عثمان بن عفان ، وكان أخاه للرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن وأهل مكة ، فاستأمن له فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صمت طويلا ، ثم قال " نعم " ، فلما انصرف عنه عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ قال " إن النبي لا يقتل بالإشارة . قال ابن هشام : ثم أسلم بعد فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر . قال ابن إسحاق : وعبد الله بن خطل ، رجل من بني تيم بن غالب : إنما أمر بقتله أنه كان مسلما ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما ، فنزل منزلا ، وأمر المولى أن يذبح له تيسا ، فيصنع له طعاما ، فنام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا ، فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا . وكان له قينتان فرتنى وصاحبتها وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه . والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ، وكان ممن يؤذيه بمكة . قال ابن هشام : وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ، ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ فرمى بهما إلى الأرض . قال ابن إسحاق : ومقيس بن حبابة [ أو ضبابة أو صبابة ] وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لقتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ ورجوعه إلى قريش مشركا وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب ، وعكرمة بن أبي جهل . وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام . فاستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فخرجت في طلبه إلى اليمن ، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم . وأما عبد الله بن خطل ، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي ، اشتركا في دمع وأما مقيس بن حبابة فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه فقالت أخت مقيس في قتله لعمري لقد أخزى نميلة رهطه وفجع أضياف الشتاء بمقيس فلله عينا من رأى مثل مقيس إذا النفساء أصبحت لم تخرس وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما ، وهربت الأخرى ، حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فأمنها . وأما سارة فاستؤمن لها فأمنها ، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها . وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب . ________________________________________ هل تعيذ الكعبة عاصيا فصل وذكر قصة ابن خطل ، واسمه عبد الله وقد قيل في اسمه هلال وقد قيل هلال كان أخاه وكان يقال لهما : الخطلان وهما من بني تيم بن غالب بن فهر ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ففي هذا أن الكعبة لا تعيذ عاصيا ، ولا تمنع من إقامة حد واجب وأن معنى قوله تعالى : ومن دخله كان آمنا إنما معناه الخبر عن تعظيم حرمة الحرم في الجاهلية نعمة منه على أهل مكة ، كما قال تعالى : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس إلى آخر الآية [ المائدة 97 ] فكان في ذلك قوام للناس ومصلحة لذرية إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - وهم قطان الحرم ، وإجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حيث يقول اجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وعندما قتل النبي صلى الله عليه وسلم ابن خطل قال لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا كذلك قال يونس في روايته . أم هانئ تؤمن رجلين قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب ، أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة ، فر إلي رجلان من أحمائي ، من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، قالت فدخل علي علي بن أبي طالب أخي ، فقال والله لأقتلنهما ، فأغلقت عليهما باب بيتي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لأثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي فقال مرحبا وأهلا يا أم هانئ ما جاء بك ؟ " فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي فقال " قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما قال ابن هشام : هما الحارث بن هشام ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة . ________________________________________ صلاة الفتح فصل وذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ وهي صلاة الفتح تعرف بذلك عند أهل العلم وكان الأمراء يصفونها إذا افتتحوا بلدا . قال الطبري : صلى سعد بن أبي وقاص ، حين افتتح المدائن ، ودخل إيوان كسرى ، قال فصلى فيه صلاة الفتح قال وهي ثماني ركعات لا يفصل بينها ، ولا تصلى بإمام فبين الطبري سنة هذه الصلاة وصفتها ، ومن سنتها أيضا أن لا يجهر فيها بالقراءة والأصل ما تقدم من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم هانئ وذلك ضحى . أم هانئ وأم هانئ اسمها : هند تكنى بابنها هانئ بن هبيرة ولها ابن من هبيرة اسمه يوسف وثالث وهو الأكبر اسمه جعدة وقيل إياه عنت في حديث مالك زعم ابن أمي على أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة وقد قيل في اسم أم هانئ فاختة . عبد الله بن سعد فصل وذكر عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي يكنى أبا يحيى ، وكان كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد ولحق بمكة ثم أسلم وحسن إسلامه وعرف فضله وجهاده وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح مصر ، وهو الذي افتتح إفريقية سنة سبع وعشرين وغزا الأساود من النوبة ثم هادنهم الهدنة الباقية إلى اليوم فلما خالف محمد بن أبي حذيفة على عثمان - رضي الله عنه - اعتزل الفتنة ودعا الله عز وجل أن يقبضه ويجعل وفاته بأثر صلاة الصبح فصلى بالناس الصبح وكان يسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله فلما سلم التسليمة الأولى عن يمينه وذهب ليسلم الأخرى ، قبضت نفسه وكانت وفاته بعسفان وهو الذي يقول في حصار عثمان أرى الأمر لا يزداد إلا تفاقما وأنصارنا بالمكتين قليل وأسلمنا أهل المدينة والهوى إلى أهل مصر والذليل ذليل نميلة وأما نميلة بن عبد الله الذي ذكره ابن إسحاق فهو ليثي أحد بني كعب بن عامر بن ليث صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد كثيرا من مشاهده وغزواته . عن ابن نقيذ والقينتين وأما الحويرث بن نقيذ الذي أمر بقتله مع ابن خطل ، فهو الذي نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدركها ، هو وهبار بن الأسود ، فسقطت عن دابتها ، وألقت جنينها . وأما القينتان اللتان أمر بقتلهما ، وهما سارة وفرتنى فأسلمت فرتنى ، وآمنت سارة وعائشة إلى زمن عمر رحمه الله ثم وطئها فرس فقتلها . طواف الرسول بالكعبة قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة ، واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد . خطبته على باب الكعبة قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة ، فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ، ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها . يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ الحجرات 13 ] . الآية كلها . ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء ________________________________________ عن الديات في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فصل وذكر خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها ذكر الديات وذكر قتيل الخطأ وذكر شبه العمد وتغليظ الدية فيه وهي أن يقتل القتيل بسوط أو عصا ، فيموت وهو مذهب أهل العراق : أن لا قود في شبه العمد والمشهور عن الشافعي أن فيه الدية مغلظة أثلاثا ، وليس عند فقهاء الحجاز إلا قود في عمد في خطإ تؤخذ أخماسا على ما فسر الفقهاء وهو قول الليث وكذلك قال أهل العراق إن القود لا يكون إلا بالسيف واحتجوا بأثر يروى عن ابن مسعود مرفوعا أن لا قود إلا بحديدة وعن علي مرفوعا أيضا : لا قود إلا بالسيف ومن طريق أبي هريرة لا قود إلا بحديدة وهو يدور على أبي معاذ سليمان بن أرقم ، وهو ضعيف بإجماع وكذلك حديث ابن مسعود يدور على المعلى بن هلال وهو ضعيف متروك الحديث وكذلك حديث علي لا تقوم بإسناده حجة وحجة الآخرين في أن القاتل يقتل بما قتل به قوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ البقرة 194 ] ، وحديث اليهودي الذي رضخ رأس الجارية على أوضاح لها ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضخ رأسه بين حجرين . إقرار الرسول عثمان بن طلحة على السدانة

ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين عثمان بن طلحة ؟ " فدعي له فقال هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء  . 

قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي إنما أعطيكم ما ترزءون لا ما ترزءون . طمس الصور التي بالبيت قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم فرأى إبراهيم عليه السلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين [ آل عمران : 67 ] ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست . دخول الكعبة والصلاة فيها قال ابن هشام : وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف بلال فدخل عبد الله بن عمر على بلال فسأله أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولم يسأله كم صلى ، فكان ابن عمر إذا دخل البيت مشى قبل وجهه وجعل الباب قبل ظهره حتى يكون بينه وبين الجدار قدر ثلاث أذرع ، ثم يصلي يتوخى بذلك الموضع الذي قال له بلال . ________________________________________ الصلاة في الكعبة وأما دخوله عليه السلام الكعبة وصلاته فيها ، فحديث بلال أنه صلى فيها ، وحديث ابن عباس أنه لم يصل فيها ، وأخذ الناس بحديث بلال لأنه أثبت الصلاة وابن عباس نفى ، وإنما يؤخذ بشهادة المثبت لا بشهادة النافي ، ومن تأول قول بلال أنه صلى ، أي دعا ، فليس بشيء لأن في حديث عمر أنه صلى فيها ركعتين ولكن رواية ابن عباس ورواية بلال صحيحتان لأنه عليه السلام دخلها يوم النحر فلم يصل ودخلها من الغد فصلى ، وذلك في حجة الوداع ، وهو حديث مروي عن ابن عمر بإسناد حسن خرجه الدارقطني ، وهو من فوائده . إسلام عتاب والحارث بن هشام قال ابن هشام : وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه . فقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته ، فقال أبو سفيان لا أقول شيئا : لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى ، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك . ________________________________________ عن إسلام أبي سفيان وصاحبيه فصل وذكر كسر الأصنام وطمس التماثيل ومقالة الحارث بن هشام حين اجتمع هو وأبو سفيان وعتاب بن أسيد ، فتكلموا فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبره جبريل عليه السلام بالذي قالوه فصح بذلك يقينهم وحسن إسلامهم وفي الترمذي عن عبد الله بن عمر قال لعن النبي صلى الله عليه وسلم الحارث وأبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية فأنزل الله تعالى : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية [ آل عمران : 128 ] قال فتابوا بعد وحسن إسلامهم وروينا بإسناد متصل عن عبد الله بن أبي بكر ، قال خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي سفيان وهو في المسجد فلما نظر إليه أبو سفيان قال في نفسه ليت شعري بأي شيء غلبتني ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضرب بيده بين كتفيه وقال بالله غلبتك يا أبا سفيان فقال أبو سفيان أشهد أنك رسول الله من مسند الحارث بن أبي أسامة ، وروى الزبير بإسناد يرفعه إلى من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أبا سفيان في بيت أم حبيبة وأبو سفيان يقول له تركتك ، فتركتك العرب ، ولم تنتطح بعدها جماء ولا قرناء والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول أنت تقول هذا يا أبا حنظلة وقال مجاهد في قوله جل وعز عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة [ الممتحنة 7 ] قال هي معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان . وقال أهل التفسير رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أسيد بن أبي العيص واليا على مكة مسلما ، فمات على الكفر فكانت الرؤيا لولده عتاب حين أسلم ، فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة ورزقه كل يوم درهما ، فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم الحديث وقال عند موته والله ما اكتسبت في ولايتي كلها إلا قميصا معقدا كسوته غلامي كيسان وكان قد قال قبل أن يسلم وسمع بلالا يؤذن على الكعبة ، لقد أكرم الله أسيدا ، يعني : أباه أن لا يكون سمع هذا فيسمع معه ما يغيظه وكانت تحت عتاب جويرية بنت أبي جهل بن هشام وهي التي خطبها علي على فاطمة فشق ذلك على فاطمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا آذن ثم لا آذن إن فاطمة بضعة مني الحديث فقال عتاب أنا أريحكم منها فتزوجها ، فولدت له عبد الرحمن المقتول يوم الجمل يروى أن عتابا طارت بكفه يوم قتل وفي الكف خاتمه فطرحتها باليمامة في ذلك اليوم فعرفت بالخاتم . الحنفاء بنت أبي جهل وكانت لأبي جهل بنت أخرى ، يقال لها : الحنفاء كانت تحت سهيل بن عمرو ، يقال إنها ولدت له ابنه أنسا الذي كان يضعف وفيه جرى المثل أساء سمعا فأساء إجابة ويقال إنه نظر يوما إلى رجل على ناقة يتبعها خروف فقال يا أبت أذاك الخروف من تلك الناقة ؟ فقال أبوه صدقت هند بنت عتبة ، وكانت حين خطبها قالت إن جاءت منه حليلته بولد أحمقت وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت وقد قيل في بنت أبي جهل الحنفاء إن اسمها صفية فالله أعلم . إسلام الحارث بن هشام وقال الحارث بن هشام ، وقد قيل له ألا ترى ما يصنع محمد من كسر الآلهة ونداء هذا العبد الأسود على الكعبة فقال إن كان الله يكره هذا ، فسيغيره ثم حسن إسلامه رضي الله عنه بعد وهاجر إلى الشام ، فلم يزل جاهدا مجاهدا ، حتى استشهد هنالك رحمه الله . إسلام بنت أبي جهل وأما بنت أبي جهل فقالت حين سمعت الأذان على الكعبة ، فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله قالت عمري لقد أكرمك الله ورفع ذكرك ، فلما سمعت حي على الصلاة قالت أما الصلاة فسنؤديها ، ولكن والله ما تحب قلوبنا من قتل الأحبة ثم قالت إن هذا الأمر لحق ، وقد كان الملك جاء به أبي ، ولكن كره مخالفة قومه ودين آبائه . وأما أبو محذورة الجمحي ، واسمه سلمة بن معير وقيل سمرة فإنه لما سمع الأذان وهو مع فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزؤون ويحكون صوت المؤذن غيظا ، فكان أبو محذورة من أحسنهم صوتا ، فرفع صوته مستهزئا بالأذان فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه وهو يظن أنه مقتول فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده قال فامتلأ قلبي والله إيمانا ويقينا وعلمت أنه رسول الله فألقى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة ، وهو ابن ست عشرة سنة فكان مؤذنهم حتى مات ثم عقبه بعده يتوارثون الأذان كابرا عن كابر وفي أبي محذورة يقول الشاعر أما ورب الكعبة المستوره وما تلا محمد من سوره والنغمات من أبي محذوره لأفعلن فعلة مذكوره هند بنت عتبة وأما هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان ، فإن من حديثها يوم الفتح أنها بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الصفا ، وعمر دونه بأعلى العقبة ، فجاءت في نسوة من قريش يبايعن على الإسلام وعمر يكلمهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذ عليهن أن لا يشركن بالله شيئا قالت هند : قد علمت أنه لو كان مع الله غيره لأغنى عنا ، فلما قال ولا يسرقن قالت وهل تسرق الحرة ، لكن يا رسول الله أبو سفيان رجل مسيك ربما أخذت من ماله بغير علمه ما يصلح ولده فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ، ثم قال إنك لأنت هند ؟ " قالت نعم يا رسول الله اعف عني ، عفا الله عنك ، وكان أبو سفيان حاضرا ، فقال " أنت في حل مما أخذت فلما قال " ولا يزنين " ، قالت وهل تزني الحرة يا رسول الله فلما قال " ولا يعصينك في معروف " ، قالت بأبي أنت وأمي ما أكرمك ، وأحسن ما دعوت إليه فلما سمعت " ولا يقتلن أولادهن " ، قالت والله قد ربيناهم صغارا ، حتى قتلتهم أنت وأصحابك ببدر كبارا ، قال فضحك عمر من قولها حتى مال . خراش وابن الأثوع قال ابن إسحاق : حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي ، عن رجل من قومه . قال . كان معنا رجل يقال له أحمر بأسا ، وكان رجلا شجاعا ، وكان إذا نام غط غطيطا منكرا لا يخفى مكانه فكان إذا بات في حيه بات معتنزا ، فإذا بيت الحي صرخوا يا أحمر فيثور مثل الأسد لا يقوم لسبيله شيء . فأقبل غزي من هذيل يريدون حاضره حتى إذا دنوا من الحاضر قال ابن الأثوع الهذلي : لا تعجلوا علي حتى أنظر ، فإن كان في الحاضر أحمر فلا سبيل إليهم فإن له غطيطا لا يخفى ، قال فاستمع فلما سمع غطيطه مشى إليه حتى وضع السيف في صدره ثم تحامل عليه حتى قتله ثم أغاروا على الحاضر فصرخوا يا أحمر ولا أحمر لهم فلما كان عام الفتح وكان الغد من يوم الفتح أتى ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة ينظر ويسأل عن أمر الناس وهو على شركه فرأته خزاعة ، فعرفوه فأحاطوا به وهو إلى جنب جدار من جدر مكة ، يقولون أأنت قاتل أحمر ؟ قال نعم أنا قاتل أحمر فمه ؟ قال إذ أقبل خراش بن أمية مشتملا على السيف فقال هكذا عن الرجل ووالله ما نظن إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه . فلما انفرجنا عنه حمل عليه فطعنه بالسيف في بطنه . فوالله لكأني أنظر إليه وحشوته تسيل من بطنه وإن عينيه لترنقان في رأسه وهو يقول أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ؟ حتى انجعف فوقع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع لقد قتلتم قتيلا لأدينه قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي ، عن سعيد بن المسيب ، قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية ، قال إن خراشا لقتال يعيبه بذلك . بين أبي شريح وابن سعد قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الخزاعي قال لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير ، جئته ، فقلت له يا هذا ، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا ، فقال يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا ، لم تحلل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحلل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها ألا : ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم أن رسول الله قاتل فيها ، فقولوا : إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فلقد كثر القتل إن نفع لقد قتلتم قتيلا لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة ، فقال عمرو لأبي شريح انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك ، إنها لا تمنع سافك دم ولا خالع طاعة ولا مانع جزية فقال أبو شريح إني كنت شاهدا وكنت غائبا ، ولقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا ، وقد أبلغتك ، فأنت وشأنك . أول من ودي يوم الفتح قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع قتلته بنو كعب ، فوداه بمائة ناقة . ________________________________________ عمرو بن سعيد لا عمرو بن الزبير فصل وذكر حديث أبي شريح الخزاعي واسمه خويلد بن عمرو ، وقيل عمرو بن خويلد ، وقيل كعب بن عمرو ، وقيل هانئ بن عمرو ، قال لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير بمكة هذا وهم من ابن هشام ، وصوابه عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، وهو الأشدق ويكنى أبا أمية وهو الذي كان يسمى لطيم الشيطان وكان جبارا شديد البأس حتى خافه عبد الملك على مكة ، فقتله بحيلة في خبر طويل ورأى رجل عند موته في المنام قائلا يقول ألا يا لقومي للسفاهة والوهن وللعاجز الموهون والرأي في الأفن ولابن سعيد بينما هو قائم على قدميه خر للوجه والبطن رأى الحصن منجاة من الموت فالتجا إليه فزارته المنية في الحصن فقص رؤياه على عبد الملك فأمره أن يكتمها ، حتى كان من قتله ما كان وهو الذي خطب بالمدينة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرعف حتى سال الدم إلى أسفله فعرف بذلك معنى حديثه عليه السلام الذي يروى عنه كأني بجبار من بني أمية يرعف على منبري هذا حتى يسيل الدم إلى أسفله أو كما قال صلى الله عليه وسلم فعرف الحديث فيه فالصواب إذا عمرو بن سعيد لا عمرو بن الزبير ، وكذلك رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق ، وهكذا وقع في الصحيحين . ذكر هذا التنبيه على ابن هشام أبو عمر - رحمه الله - في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة وهي مسائل من كتاب الجامع للبخاري تكلم عليها في ذلك الكتاب وإنما دخل الوهم على ابن هشام أو على البكائي في روايته من أجل أن عمرو بن الزبير ، كان معاديا لأخيه عبد الله ومعينا لبني أمية عليه في تلك الفتنة والله أعلم . الأنصار يتخوفون من بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قال ابن هشام : وبلغني عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها ، قام على الصفا يدعو الله وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها ؟ فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم ؟ " قالوا : لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال النبي صلى الله عليه وسلم معاذ الله المحيا محياكم ، والممات مماتكم كسر الأصنام قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ الإسراء 81 ] فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صنم إلا وقع فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك وفي الأصنام معتبر وعلم لمن يرجو الثواب أو العقابا قصة إسلام فضالة قال ابن هشام : وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضالة ؟ " قال نعم فضالة يا رسول الله قال " ما كانت تحدث به نفسك ؟ " قال لا شيء كنت أذكر الله قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " استغفر الله " ، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه قال فضالة فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت هلم إلى الحديث فقلت : لا . وانبعث فضالة يقول قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام لو ما رأيت محمدا وقبيله بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين أضحى بينا والشرك يغشى وجهه الإظلام أمان الرسول لصفوان بن أمية قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر عن عروة بن الزبير ، قال خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب معها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمنه صلى الله عليك ; قال " هو آمن " ؟ قال يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك ; فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب في البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به قال ويحك اغرب عني فلا تكلمني ; قال أي صفوان فداك أبي وأمي ، أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس ابن عمك ، عزه عزك ، وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ; قال إني أخافه على نفسي ، قال هو أحلم من ذاك وأكرم فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان إن هذا يزعم أنك قد أمنتني ، قال " صدق " ، قال فاجعلني فيه بالخيار شهرين قال أنت بالخيار فيه أربعة أشهر قال ابن هشام : وحدثني رجل من قريش من أهل العلم أن صفوان قال لعمير ويحك اغرب عني ، فلا تكلمني ، فإنك كذاب لما كان صنع به وقد ذكرناه في آخر حديث يوم بدر . إسلام عكرمة وصفوان قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري : أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وفاختة بنت الوليد - وكانت فاختة عند صفوان بن أمية ، وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل أسلمتا ; فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعكرمة فأمنه فلحقت به باليمن فجاءت به فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهما على النكاح الأول . ________________________________________ أم حكيم بنت الحارث فصل وذكر أم حكيم بنت الحارث وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل ، وأنها اتبعته حين فر من الإسلام فاستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهد عكرمة بالشام فخطبها يزيد بن أبي سفيان . وخالد بن سعيد ، فخطبت إلى خالد فتزوجها ، فلما أراد البناء بها ، وجموع الروم قد احتشدت قالت له لو أمهلت حتى يفض الله جمعهم قال إن نفسي تحدثني أني أصاب في جموعهم فقالت دونك ، فابتنى بها ، فلما أصبح التقت الجموع وأخذت السيوف من كل فريق مأخذها فقتل خالد وقاتلت يومئذ أم حكيم وإن عليها للردع الخلوق وقتلت سبعة من الروم بعمود الفسطاط بقنطرة تسمى إلى اليوم بقنطرة أم حكيم وذلك في غزوة أجنادين . دم ربيعة بن الحارث وذكر في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى ، فهو تحت قدمي هاتين وفي بعض روايات الحديث وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث . كان لربيعة ابن قتل في الجاهلية اسمه آدم وقيل تمام وهو ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، مات في خلافة عمر رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين . حول التخيير بين القصاص وبين الدية فصل وذكر في حديث ابن شريح قوله عليه السلام فمن قتل بعد مقامي هذا ، فأهله بخير النظرين . إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله وهو حديث صحيح وإن اختلفت فيه ألفاظ الرواة وظاهره على هذه الرواية أن ولي الدم هو المخير إن شاء أخذ الدية وهو العقل وإن شاء قتل وقد اختلف الفقهاء في فصل من هذه المسألة وهو أن يختار ولي المقتول أخذ الدية ويأبى القاتل إلا أن يقتص منه فقالت طائفة بظاهر الحديث ولا اختيار للقاتل وقالت طائفة يقتل القاتل ولا يجبر على إعطاء المال وتأولوا الحديث وهي رواية ابن القاسم ، وقال بها طائفة من السلف وقال آخرون بظاهر الحديث وهو قول الشافعي ، وأشهب ومنشأ الاختلاف من الاحتمال في قوله تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف [ البقرة 178 ] فاحتملت الآية عند قوم أن تكون من واقعة على ولي المقتول ومن أخيه أي من وليه المقتول أي من ديته وعفي له أي يسر له شيء من المال واحتمل أن تكون من واقعة على القاتل وعفي من العفو عن الدم ولا خلاف أن المتبع بالمعروف هو ولي الدم وأن المأمور بأداء بإحسان هو القاتل وإذا تدبرت الآية عرفت منشأ الخلاف معها ، ولاح من سياقة الكلام أي القولين أولى بالصواب . وأما ما ذكرت من اختلاف ألفاظ النقلة في الحديث فيحصرها سبعة ألفاظ أحدها : إما أن يقتل وإما أن يفادي . والثاني : إما أن يعقل أو يقاد . الثالث إما أن يفدي وإما أن يقتل . الرابع إما أن تعطى الدية أو يقاد أهل القتيل . الخامس إما أن يعفو أو يقتل . السادس يقتل أو يفادى . السابع من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية . خرجه الترمذي . ورواية ابن إسحاق في السيرة ثامنة وفي بعض هذه الروايات قوة لرواية ابن القاسم ، وفي بعضها قوة لرواية أشهب فتأملها . النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء وخطبته عليه السلام أطول مما ذكره ابن هشام ، وفيها من رواية الشيباني عن ابن إسحاق : نهيه عن صيام يومين وصلاة ساعتين يعني طلوع الشمس وغروبها ، وأن لا يتوارث أهل ملتين وعن لبستين وطعمتين وفسرتا في الحديث فقال اللبستان اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل وليس بين عورته والسماء حجاب والطعمتان الأكل بالشمال وأن يأكل منبطحا على بطنه . إسلام ابن الزبعرى وشعره في ذلك قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت قال رمى حسان ابن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده عليه لا تعدمن رجلا أحلك بغضه نجران في عيش أحذ لئيم فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم فقال حين أسلم يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور آمن اللحم والعظام لربي ثم قلبي الشهيد أنت النذير إنني عنك زاجر ثم حيا من لؤي وكلهم مغرور قال ابن إسحاق : وقال عبد الله بن الزبعرى أيضا حين أسلم منع الرقاد بلابل وهموم والليل معتلج الرواق بهيم مما أتاني أن أحمد لامني فيه فبت كأنني محموم يا خير من حملت على أوصالها عيرانة سرح اليدين غشوم إني لمعتذر إليك من الذي أسديت إذ أنا في الضلال أهيم أيام تأمرني بأغوى خطة سهم وتأمرني بها مخزوم وأمد أسباب الردى ويقودني أمر الغواة وأمرهم مشئوم فاليوم آمن بالنبي محمد قلبي ومخطئ هذه محروم مضت العداوة وانقضت أسبابها ودعت أواصر بيننا وحلوم فاغفر فدى لك والدي كلاهما زللي ، فإنك راحم مرحوم وعليك من علم المليك علامة نور أغر وخاتم مختوم أعطاك بعد محبة برهانه شرفا وبرهان الإله عظيم ولقد شهدت بأن دينك صادق حق وأنك في العباد جسيم والله يشهد أن أحمد مصطفى مستقبل في الصالحين كريم قرم علا بنيانه من هاشم فرع تمكن في الذرا وأروم قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . ________________________________________ شعر ابن الزبعرى فصل وذكر شعر ابن الزبعرى : الزبعرى : البعير الأزب مع قصر وفيه راتق ما فتقت إذ أنا بور قوله فتقت يعني : في الدين فكل إثم فتق وتمزيق وكل توبة رتق ومن أجل ذلك قيل للتوبة نصوح من نصحت إذا خطته ، والنصاح الخيط ويشهد لصحة هذا المعنى قول إبراهيم بن أدهم نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ، ولا ما نرقع وقوله إذ أنا بور أي هالك يقال رجل بور وبائر وقوم بور وهو جمع بائر كان الأصل فيه فعل بتحريك الواو وأما رجل بور فوزنه فعل بالسكون لأنه وصف بالمصدر ومنه قيل أرض بور من البوار وهو هلاك المرعى ويبسه . وقول ابن الزبعرى : والليل معتلج الرواق بهيم الاعتلاج شدة وقوة وقد تقدم شرحها . والبهيم الذي ليس فيه لون يخالط لونه . وقوله سرح اليدين غشوم . الغشوم التي لا ترد عن وجهها ، ويروى سعوم وهي القوية على السير بقاء هبيرة على كفره وشعره في إسلام زوجه أم هانئ قال ابن إسحاق : وأما هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأقام بها حتى مات كافرا ، وكانت عنده أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها هند ، وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ أشاقتك هند أم أتاك سؤالها كذاك النوى أسبابها وانفتالها وقد أرقت في رأس حصن ممنع بنجران يسري بعد ليل خيالها وعاذلة هبت بليل تلومني وتعذلني بالليل ضل ضلالها وتزعم أني إن أطعت عشيرتي سأردى . وهل يردين إلا زيالها فإني لمن قرم إذا جد جدهم على أي حال أصبح اليوم حالها وإني لحام من وراء عشيرتي إذا كان من تحت العوالي مجالها وصارت بأيديها السيوف كأنها مخاريق ولدان ومنها ظلالها وإني لأقلى الحاسدين وفعلهم على الله رزقي نفسها وعيالها وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها فإن كنت قد تابعت دين محمد وعطفت الأرحام منك حبالها فكوني على أعلى سحيق بهضبة ململمة غبراء يبس بلالها قال ابن إسحاق : ويروى : وقطعت الأرحام منك حبالها عدة من شهد فتح مكة من المسلمين قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف . ومن بني سليم سبع مائة ويقول بعضهم ألف ومن بني غفار أربع مائة ومن أسلم أربع مائة ومن مزينة ألف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد شعر حسان في فتح مكة وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت الأنصاري عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء فدع هذا ولكن من لطيف يؤرقني إذا ذهب العشاء لشعثاء التي قد تيمته فليس لقلبه منها شفاء كأن خبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء إذا ما الأشربات ذكرن يوما فهن لطيب الراح الفداء فوليها الملامة إن ألمنا إذا ما كان مغث أو لحاء ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأعنة مصغيات على أكتافها الأسل الظماء تظل جيادنا متمطرات يلطمهن بالخمر النساء فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعين الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق إن نفع البلاء شهدت به فقوموا صدقوه فقلتم لا نقوم ولا نشاء وقال الله قد سيرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء بأن سيوفنا تركتك عبدا وعبد الدار سادتها الإماء هجوت محمدا وأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء هجوت مباركا برا حنيفا أمين الله شيمته الوفاء أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء ؟ فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء قال ابن هشام : قالها حسان يوم الفتح ويروى : لساني صارم لا عتب فيه " وبلغني عن الزهري أنه قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ________________________________________ حول شعر حسان فصل وذكر شعر حسان يوم الفتح وأوله عفت ذات الأصابع فالجواء ذات الأصابع : موضع بالشام والجواء كذلك وبالجواء كان منزل الحارث بن أبي شمر ، وكان حسان كثيرا ما يرد على ملوك غسان بالشام يمدحهم فلذلك يذكر هذه المنازل . وقوله إلى عذراء ، هي قرية عند دمشق ، فيها قتل حجر بن عدي وأصحابه . وقوله نعم وشاء . النعم الإبل فإذا قيل أنعام دخل فيها الغنم والبقر والإبل . والشاء والشوي : اسم للجميع كالضأن والضئين والإبل والإبيل والمعز والمعيز وأما الشاة فليست من لفظ الشاء لأن لام الفعل منها هاء . وبنو الحسحاس : حي من بني أسد . وقوله الروامس والسماء يعني : الرياح والمطر . والسماء لفظ مشترك يقع على المطر وعلى السماء التي هي السقف ولم يعلم ذلك من هذا البيت ونحوه ولا من قوله إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا لأنه يحتمل أن يريد مطر السماء فحذف المضاف ولكن إنما عرفناه من قولهم في جمعه سمي وهم يقولون في جمع السماء سموات وأسمية فعلمنا أنه اسم مشترك بين شيئين . وقوله ولكن من لطيف . الطيف مصدر طاف الخيال يطيف طيفا ، ولكن لا يقال للخيال هو طائف على وزن اسم الفاعل من طاف لأنه لا حقيقة للخيال فيرجع الأمر إلى أنه هو الطيف وهو توهم وتخيل فإن كان شيء له حقيقة قلت فيه طائف وفي مصدره طيف كما في التنزيل طائف من الشيطان [ الأعراف 201 ] وقد قرئ أيضا " طيف من الشيطان " ، لأن غرور الشيطان وأمانيه تشبه بالخيال وما لا حقيقة له . وأما قوله فطاف عليها طائف من ربك [ القلم 19 ] فليس فيه إلا اسم الفاعل دون المصدر لأن الذي طاف عليها له حقيقة وهو فاعل معروف بالفعل يقال إنه جبريل عليه السلام ، فتحصل من هذا ثلاث مراتب الخيال ولا حقيقة له فلا يعبر عنه إلا بالطيف وحديث الشيطان ووسوسته يقال فيه طائف وطيف وكل طائف سوى هذين فهو اسم فاعل لا يعبر عنه بطيف ولا بطواف فقف على هذه النكتة فيه . وقوله يؤرقني إذا ذهب العشاء أي يسهرني ، فيقال كيف يسهره الطيف والطيف حلم في المنام ؟ . فالجواب أن الذي يؤرقه لوعة يجدها عند زواله كما قال [ حبيب بن أوس أبو تمام ] الطائي : ظبي تقنصته لما نصبت له من آخر الليل أشراكا من الحلم ثم انثنى ، وبنا من ذكره سقم باق وإن كان معسولا من السقم وقد أحسن في قوله من آخر الليل تنبيها على أنه سهر ليله كله إلا ساعة جاء الخيال من آخره فكأنه مسترق من قول حسان وخيال إذا تقوم النجوم ونظير قوله يؤرقني ، أي يؤرقني بزواله عني قول البحتري ألمت بنا بعد الهدو فسامحت بوصل متى تطلبه في الجد تمنع وولت كأن البين يخلج شخصها أوان تولت من حشائي وأضلعي وقوله لشعثاء التي قد تيمته شعثاء التي يشبب بها حسان هي بنت سلام بن مشكم اليهودي وروي أنه قال يا معشر يهود قد علمتم أن محمدا نبي ، ولولا أن تعير بها شعثاء ابنتي لتبعته ، وقد كانت تحت حسان أيضا امرأة اسمها شعثاء بنت كاهن الأسلمية ولدت له أم فراس . وقوله كأن خبيئة من بيت رأس إلى آخره خبر كأن في هذا البيت محذوف تقديره كأن في فيها خبيئة ومثل هذا المحذوف في النكرات حسن كقوله إن محلا وإن مرتحلا أي إن لنا محلا ، وكقول الآخر ولكن زنجيا طويلا مشافره وفي صحيح البخاري في صفة الدجال أعور كأن عنبة طافية أي كأن في عينه وزعم بعضهم أن بعد هذا البيت بيتا فيه الخبر وهو على أنيابها أو طعم غض من التفاح هصره اجتناء وهذا البيت موضوع لا يشبه شعر حسان ولا لفظه . وقوله نوليها الملامة إن ألمنا أي إن أتينا بما نلام عليه صرفنا اللوم إلى الخمر واعتذرنا بالسكر . والمغت الضرب باليد واللحاء الملاحاة باللسان ويروى أن حسانا مر بفتية يشربون الخمر في الإسلام فنهاهم فقالوا : والله لقد أردنا تركها فيزينها لنا قولك : ونشربها فتتركنا ملوكا فقال والله لقد قلتها في الجاهلية وما شربتها منذ أسلمت ، وكذلك قيل إن بعض هذه القصيدة قالها في الجاهلية وقال آخرها في الإسلام . معنى التفضيل في شركما : وفيها يقول لأبي سفيان فشركما لخيركما الفداء وفي ظاهر اللفظ بشاعة لأن المعروف أن لا يقال هو شرهما إلا وفي كليهما شر ، وكذلك شر منك ، ولكن سيبويه قال في كتابه تقول مررت برجل شر منك ، إذا نقص عن أن يكون مثله وهذا يدفع الشناعة عن الكلام الأول ونحو منه قوله عليه السلام شر صفوف الرجال آخرها يريد نقصان حظهم عن حظ الأول كما قال سيبويه ، ولا يجوز أن يريد التفضيل في الشر والله أعلم . يلطم أو يطلم وفيها قوله في صفة الخيل يلطمهن بالخمر النساء قال ابن دريد في الجمهرة كان الخليل رحمه الله يروي بيت حسان يطلمهن بالخمر وينكر يلطمهن ويجعله بمعنى : ينفض النساء بخمرهن ما عليهن من غبار أو نحو ذلك وأتبع بذلك ابن دريد قوله الطلم ضربك خبزة الملة بيدك لتنفض ما عليها من الرماد والطلمة الخبزة ومعه حديث أبي هريرة مررنا بقوم يعالجون طلمة لهم فنفرناهم عنها ، فاقتسمناها ، فأصابتني معها كسرة وكنت أسمع في بلدي أنه من أكل الخبز سمن فجعلت أنظر في عطفي : هل ظهر في السمن بعد . ومما جاء في الحديث من هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي يمسح وجه فرسه بردائه فقال عوتبت الليلة في الخيل وفيها : ونحكم بالقوافي من هجانا نحكم أي نرد ونقرع هو من حكمة الدابة وهو لجامها ، ويكون المعنى أيضا : نفحمهم ونخرسهم فتكون قوافينا لهم كالحكمات للدواب قال زهير قد أحكمت حكمات القد والأبقا وفي هذه القصيدة موعدها كداء ، وفي رواية الشيباني يسيل بها كدي أو كداء . وقد ذكرنا كديا وكداء ، وذكرنا معهما كدى ، وزاد الشيباني في روايته أبياتا في هذه القصيدة وهي وهاجت دون قتل بني لؤي جذيمة إن قتلهم شفاء وحلف الحارث بن أبي ضرار وحلف قريظة فينا سواء أولئك معشر ألبوا علينا ففي أظفارنا منهم دماء ستبصر كيف نفعل بابن حرب بمولاك الذين هم الرداء شعر أنس بن زنيم في الاعتذار إلى الرسول مما قال ابن سالم قال ابن إسحاق : وقال أنس بن زنيم الديلي يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي : أأنت الذي تهدي معد بأمره بل الله يهديهم وقال لك اشهد وما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد أحث على خير وأسبغ نائلا إذا راح كالسيف الصقيل المهند وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله وأعطى لرأس السابق المتجرد تعلم رسول الله أنك مدركي وأن وعيدا منك كالأخذ باليد تعلم رسول الله أنك قادر على كل صرم متهمين ومنجد تعلم بأن الركب ركب عويمر هم الكاذبون المخلفو كل موعد ونبوا رسول الله أني هجوته فلا حملت سوطي إلي إذن يدي سوى أنني قد قلت ويل أم فتية أصيبوا بنحس لا يطلق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم كفاء فعزت عبرتي وتبلدي فإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا بعبد بن عبد الله وابنة مهود ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا جميعا فإلا تدمع العين أكمد وسلمى وسلمى ليس حي كمثله وإخوته وهل ملوك كأعبد ؟ فإني لا دينا فتقت ولا دما هرقت تبين عالم الحق واقصد شعر بديل في الرد على ابن زنيم فأجابه بديل بن عبد مناف ابن أم أصرم ، فقال بكى أنس رزنا فأعوله البكا فألا عديا إذ تطل وتبعد بكيت أبا عبس لقرب دمائها فتعذر إذ لا يوقد الحرب موقد أصابهم يوم الخنادم فتية كرام فسل منهم نفيل ومعبد هنالك إن تسفح دموعك لا تلم عليهم وإن لم تدمع العين فاكمدوا قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . ________________________________________ حول شعر أنس بن سليم فصل وذكر شعر أنس بن سليم الديلي وفيه وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله الخال من برود اليمن وهو من رفيع الثياب وأحسبه سمي بالخال الذي بمعنى الخيلاء كما قال زيد بن عمرو بن نفيل : البر أبغي لا الخال وفيه تعلم رسول الله أنك مدركي وأن وعيدا منك كالأخذ باليد وهذا البيت سقط من رواية أبي جعفر بن الورد كذا ألفيته في حاشية كتاب الشيخ رحمه الله ومعناه من أحسن المعاني ينظر إلى قول النابغة فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع خطاطيف حجن في حبال متينة تمد بها أيد إليك نوازع فالقسيم الأول كالبيت الأول من قول النابعة والقسيم الثاني كالبيت الثاني ، لكنه أطبع منه وأوجز . وقول النابغة كالليل فيه من حسن التشبيه ما ليس في قول الديلي إلا أنه يسمج مثل هذا التشبيه في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نور وهدى ، فلا يشبه بالليل وإنما حسن في قول النابغة أن يقول كالليل ولم يقل كالصبح لأن الليل ترهب غوائله ويحذر من إدراكه ما لا يحذر من النهار وقد أخذ بعض الأندلسيين هذا المعنى ، فقال في هربه من ابن عباد كأن بلاد الله وهي عريضة تشد بأقصاها علي الأناملا فأين مفر المرء عنك بنفسه إذا كان يطوي في يديك المراحلا وهذا كله معنى منتزع من القدماء . روى الطبري أن " منوشهر بن إيرج بن أفريدون بن أثفيان " وهو الذي بعث موسى عليه السلام في زمانه أعني زمان منوشهر قال حين عقد التاج على رأسه في خطبة له طويلة " أيها الناس إن الخلق للخالق وإن الشكر للمنعم وإن التسليم للقادر وإنه لا أضعف من مخلوق طالبا أو مطلوبا ، ولا أقوى من طالب طلبته في يده ولا أعجز من مطلوب هو في يد طالبه " . شعر بجير في يوم الفتح قال ابن إسحاق : وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح نفى أهل الحبلق كل فج مزينة غدوة وبنو خفاف ضربناهم بمكة يوم فتح الن < الخير بالبيض الخفاف صبحناهم بسبع من سليم وألف من بني عثمان واف نطا أكتافهم ضربا وطعنا ورشقا بالمريشة اللطاف نرى بين الصفوف لها حفيفا كما انصاع الفواق من الرصاف فرحنا والجياد تجول فيهم بأرماح مقومة الثقاف فأبنا غانمين بما اشتهينا وآبوا نادمين على الخلاف وأعطينا رسول الله منا مواثقنا على حسن التصافي وقد سمعوا مقالتنا فهموا غداة الروع منا بانصراف ________________________________________ حول شعر بجير بن زهير 192 وأنشد لبجير بن زهير نفى أهل الحبلق كل فج مزينة غدوة وبنو خفاف ا لحبلق أرض يسكنها قبائل من مزينة ، وقيس : والحبلق الغنم الصغار ولعله أراد بقوله أهل الحبلق أصحاب الغنم وبنو عثمان هم مزينة وهم بنو عثمان بن لاطم بن أد بن طابخة ومزينة أمهم بنت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة ، وأختها : الحوأب التي عرف بها ماء الحوأب المذكور في حديث عائشة وأصل الحوأب في اللغة القدح الضخم الواسع وبنو خفاف بطن من سليم وقوله ضربناهم بمكة يوم فتح الن < الخير بالبيض الخفاف في البيت مداخلة وهو انتهاء القسيم الأول في بعض كلمة من القسيم الثاني ، وهو عيب عندهم إلا في الخفيف والهزج ومعنى الخير أي ذو الخير ويجوز أن يريد الخير فخفف كما يقال هين وهين . وفي التنزيل خيرات حسان [ الرحمن 70 ] . وقوله كما انصاع الفواق من الرصاف أي ذهب والرصاف عصبة تلوى على فوق السهم وأراد بالفواق الفوق وهو غريب . وذكر صاحب العين في الفواق صوت الصدر وهو بالهمز في قول ابن الأعرابي ، لأنه من ذوات الواو . شعر ابن مرداس في فتح مكة قال ابن هشام : وقال ابن مرداس السلمي في فتح مكة : منا بمكة يوم فتح محمد ألف تسهيل به البطاح مسوم نصروا الرسول وأشاهدا أيامه وشعارهم يوم اللقاء مقدم في منزل ثبتت به أقدامهم ضنك كأن الهام فيه الحنتم الله مسكنه له وأذله حكم السيوف لنا وجد مزحم عود الرياسة شامخ عرنيته متطلع ثغر المكارم خضرم إسلام عباس بن مرداس قال ابن هشام : وكان إسلام عباس بن مرداس فيما حدثني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه أنه كان لأبيه مرداس وثن يعبده وهو حجر كان يقال له ضمار ، فلما حضر مرداس قال لعباس أي بني اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك ، فبينا عباس يوما عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار مناديا يقول قل للقبائل من سليم كلها أودى ضمار وعاش أهل المسجد إن الذي ورث النبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدي أودى ضمار وكان يعبد مدة قبل الكتاب إلى النبي محمد فحرق عباس ضمار ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم . ________________________________________ عباس بن مرداس والذين حرموا الخمر وذكر عباس بن مرداس ويكنى أبا الفضل وقيل أبا الهيثم ومن ذريته عبد الملك بن حبيب فقيه الأندلس ونسبه عباس بن مرداس بن أبي عامر بن جارية بن عبد بن عباس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمي كان أبوه حاجبا لحرب بن أمية وقتلتهما الجن في خبر مشهور وعباس ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية وحرمها أيضا على نفسه قبل الإسلام أبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وقيس بن عاصم ، وقبل هؤلاء حرمها على نفسه عبد المطلب بن هاشم وورقة بن نوفل وعبد الله بن جدعان وشيبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة ، ومن قدماء الجاهلية عامر بن الظرب العدواني . وذكر في سبب إسلام عباس ما سمع من جوف الصنم الذي كان يعبده وهو ضمار بكسر الراء وهو مثل حذام ورقاش ولا يكون مثل هذا البناء إلا في أسماء المؤنث وكانوا يجعلون آلهتهم إناثا كاللاتي والعزى ومناة لاعتقادهم الخبيث في الملائكة أنها بنات . وفي ضمار لغة أهل الحجاز ، وبني تميم البناء على الكسر لا غير من أجل أن آخره راء وما لم يكن في آخره راء كحذام ورقاش فهو مبني في لغة أهل الحجاز ومعرب غير مجرى في لغة غيرهم كذلك قال سيبويه . وذكر ابن أبي الدنيا في سبب إسلام عباس حديثا أسنده عن رجاله عن الزهري عن عبد الرحمن بن أنس السلماني عن عباس بن مرداس أنه كان في لقاح له نصف النهار فاطلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بياض فقال لي : يا عباس ألم تر أن السماء كفت أحراسها ، وأن الحرب جرعت أنفاسها ، وأن الخيل وضعت أحلاسها ، وأن الذي نزل عليه البر والتقى يوم الاثنين ليلة الثلاثاء صاحب الناقة القصواء . قال فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت ، وسعيت ، حتى جئت وثنا لي ، يقال له الضمار كنا نعبده ونكلم من جوفه فكنست ما حوله ثم تمسحت به فإذا صائح يصيح من جوفه قل للقبائل من قريش كلها هلك الضمار وفاز أهل المسجد هلك الضمار وكان يعبد مدة قبل الصلاة على النبي محمد إن الذي ورث النبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدي قال فخرجت مذعورا حتى جئت قومي ، فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر فخرجت في ثلاثمائة من قومي من بني جارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخلنا المسجد فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم تبسم وقال " إلي يا عباس كيف إسلامك ؟ " فقصصت عليه القصة فقال صدقت ، فأسلمت أنا وقومي . شعر جعدة في يوم الفتح قال ابن هشام : وقال جعدة بن عبد الله الخزاعي يوم فتح مكة : أكعب بن عمرو دعوة غير باطل لحين له يوم الحديد متاح أتيحت له من أرضه وسمائه لتقتله ليلا بغير سلاح ونحن الألى سدت غزال خيولنا ولفتا سددناه وفج طلاح خطرنا وراء المسلمين بجحفل ذوي عضد من خيلنا ورماح وهذه الأبيات في أبيات له . شعر بجيد في يوم الفتح وقال بجيد بن عمران الخزاعي : وقد أنشأ الله السحاب بنصرنا ركام صحاب الهيدب المتراكب وهجرتنا في أرضنا عندنا بها كتاب أتى من خير ممل وكاتب ومن أجلنا حلت بمكة حرمة لندرك ثأرا بالسيوف القواضب ________________________________________ شعر جعدة فصل وذكر في شعر جعدة الخزاعي غزال ، وهو اسم طريق غير مصروف وقال كثير في قصيدته المشهورة يذكر غزال : أناديك ما حج الحجيج وكبرت بفيفا غزال رفقة وأهلت وكذلك لفت اسم موضع وفي لفت يقول معقل بن خويلد لعمرك ما خشيت وقد بلغنا جبال الجوز من بلد تهام نزيعا محلبا من أهل لفت لحي بين أثلة والنجام وقد تقدم هذا البيت الأخير في باب الهجرة . مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد قال ابن إسحاق : وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ، ولم يبعثه مقاتلا ، فوطئ بني جذيمة فأصاب منهم . قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك فإن تك قد أمرت في القوم خالدا وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره نصيب به في الحق من كان أظلما قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا ، ولم يبعثه مقاتلا ، ومعه قبائل من العرب : سليم بن منصور ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا . قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبدا . قال فأخذه رجال من قومه فقالوا : يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس قد أسلموا ووضعوا السلاح ووضعت الحرب وأمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد . براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من عمل خالد قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله هذه سرية من سراياك تبعثها ، فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله قال ابن هشام : وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنكر عليه أحد ؟ فقال نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما ; فقال عمر بن الخطاب : أما الأول يا رسول الله فابني عبد الله وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم عن أبي جعفر محمد بن علي قال ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك . فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إنه ليدني لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ معهم هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ؟ قالوا : لا . قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يعلم ولا تعلمون ففعل . ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت . قال ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات ________________________________________ سرية خالد إلى بني جذيمة وذكر سرية خالد إلى بني جذيمة وتعرف بغزوة الغميط وهو اسم ماء لبني جذيمة . الاعتـذار عن خالد قال ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالدا إنه قال ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي ، وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام . قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : لما أتاهم خالد قالوا : صبأنا صبأنا . بين خالد وبين ابن عوف قال ابن إسحاق : وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة يا بني جذيمة ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه . قد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، الكلام في ذلك فقال له عبد الرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام . فقال إنما ثأرت بأبيك . فقال عبد الرحمن كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعقك الفاكه بن المغيرة ، حتى كان بينهما شر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مهلا يا خالد دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته بين قريش وبني جذيمة وكان الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبد الحارث بن زهرة وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجارا إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ومع عوف ابنه عبد الرحمن فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر كان هلك باليمن إلى ورثته فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت فأبوا عليه فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه وقاتلوه فقتل عوف بن عبد عوف والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف فانطلقوا به وقتل عبد الرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه فهمت قريش بغزو بني جذيمة فقالت بنو جذيمة : ما كان مصاب أصحابكم على ملإ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة فأصابوهم ولم نعلم فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال فقبلت قريش ذلك ووضعوا الحرب . شعر سلمى فيما بين جذيمة وقريش وقال قائل من بني جذيمة وبعضهم يقول امرأة يقال لها سلمى : ولولا مقال القوم للقوم أسلموا للاقت سليم يوم ذلك ناطحا لماصعهم بسر وأصحاب جحدم ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا فكائن ترى يوم العميصاء من فتى أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا ألظت بخطاب الأيامى وطلقت غداتئذ منهن من كان ناكحا قال ابن هشام : قوله " بسر " " وألظت بخطاب " عن غير ابن إسحاق . شعر ابن مرداس في الرد على سلمى قال ابن إسحاق : فأجابه عباس بن مرداس ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمي : دعي عنك تقوال الضلال كفى بنا لكبش الوغى في اليوم والأمس ناطحا فخالد أولى بالتعذر منكم غداة علا نهجا من الأمر واضحا معانا بأمر الله يزجي إليكم سوانح لا تكبو له وبوارحا نعوا مالكا بالسهل لما هبطنه عوابس في كابي الغبار كوالحا فإن نك أثكلناك سلمى فمالك تركتم عليه نائحات ونائحا الجحاف يرد على سلمى قال الجحاف بن حكيم السلمي : شهدن مع النبي مسومات حنينا وهي دامية الكلام وغزوة خالد شهدت وجرت سنابكهن بالبلد الحرام نعرض للطعان إذا التقينا وجوها لا تعرض للطام ولست بخالع عني ثيابي إذا هز الكماة ولا أرامي ولكني يجول المهر تحتي إلى العلوات بالعضب الحسام حديث ابن أبي حدرد يوم الفتح قال ابن إسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي قال كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي فتى من بني جذيمة وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يا فتى ، فقلت : ما تشاء ؟ قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟ قال قلت : والله ليسير ما طلبت . فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن فقال اسلمي حبيش على نفد من العيش أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم يك أهلا أن ينول عاشق تكلف إدلاج السرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن تشحط النوى وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإني لا ضيعت سر أمانة ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أن ما نال العشيرة شاغل عن الود إلا أن يكون التوامق قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الآخرين منها له . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي قالت وأنت فحييت سبعا وعشرا وترا وثمانيا تترى قال ثم انصرفت به فضربت عنقه . قال ابن إسحاق : فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي عن أشياخ منهم عمن كان حضرها منهم قالوا : فقامت إليه حين ضربت عنقه فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت عنده . ________________________________________ وذكر شعر امرأة اسمها : سلمى ، وفيه ومرة حتى يتركوا البركضابحا البرك : جماعة الإبل وماصع جالد وقاتل وضابحا من الضبح وهو نفس الخيل والإبل إذا عييت وفي التنزيل والعاديات ضبحا وفي الخبر : من سمع ضبحة بليل فلا يخرج مخافة أن يصيبه شر . قال الراجز نحن نطحناهم غداة الجمعين بالضابحات في غبار النقعين نطحا شديدا لا كنطح الطورين والضبح والضبي مصدر ضبحت وضبيت أي شويت وقليت قاله أبو حنيفة . قال والمضابي والمضابح هو المقالي . وذكر تبرؤ النبي - صلى الله عليه وسلم - مما فعل خالد وهذا نحو مما روي عن عمر حين قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما : إن في سيف خالد رهقا . إن في سيف خالد رهقا فاقتله وذلك حين قتل مالك بن نويرة ، وجعل رأسه تحت قدر حتى طبخ به وكان مالك ارتد ثم راجع الإسلام ولم يظهر ذلك لخالد وشهد عنده رجلان من الصحابة برجوعه إلى الإسلام فلم يقبلهما ، وتزوج امرأته فلذلك قال عمر لأبي بكر اقتله فقال لا أفعل لأنه متأول فقال اعزله فقال لا أغمد سيفا سله الله على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر قول الرجل للمرأة اسلمي حبيش على نفد العيش النفد مصدر نفد إذا فني وهو النفاد وحبيش مرحم من حبيشة . شعر أبي حدرد وحلية والخوانق : موضعان والودائق جمع وديقة وهو شدة الحر في الظهيرة سميت بذلك من الودق لأن في ذلك الوقت يسيل لعاب الشمس وهو ما تراه العين كالسراب ونحوه وقال الراجز وقام ميزان النهار فاعتدل وسال للشمس لعاب فنزل وقال الأحول يقال ودق إذا دنا من الأرض ويقال هو وادق السرة إذا كانت مائلة إلى جهة الأرض وأنشد وادقا سراتها فعلى هذا تكون الوديقة من ودقت الشمس إذا دنت من الأفق فاشتد حرها ، والله أعلم . وقوله فنهمه خالد أي زجره ونجهه وروى النسائي في قصة المرأة التي ماتت مكبة على الرجل المقتول قال حدثنا محمد بن علي بن حرب عن علي بن الحسين بن وافد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قال فغنموا وفيهم رجل فقال لهم إني لست منهم عشقت امرأة فلحقتها ، فدعوني أنظر إليها نظرة ثم اصنعوا بي ما بدا لكم قال فإذا امرأة طويلة أدماء فقال لها : اسلمي حبيش قبل نفد العيش وذكر البيتين الأولين من القطعة القافية أول هذا الخبر ناقصي الوزن وبعدهما قالت نعم فديتك ، فقدموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقفت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم . خرجه النسوي في باب قتل الأسارى من مصنفه . شعر جذيمي في الفتح قال ابن إسحاق : وقال رجل من بني جذيمة جزى الله عنا مدلجا حيث أصبحت جزاءة بوسى حيث سارت وحلت أقاموا على أقضاضنا يقسمونها وقد نهلت فينا الرماح وعلت فوالله لولا دين آل محمد لقد هربت منهم خيول فشلت وما ضرهم أن لا يعينوا كتيبة كرجل جراد أرسلت فاشمعلت فإما ينبوا أو يثوبوا لأمرهم فلا نحن نجزيهم بما قد أضلت وهب يرد على الجذيمي فأجابه وهب رجل من بني ليث فقال دعونا إلى الإسلام والحق عامرا فما ذنبنا في عامر إذ تولت وما ذنبنا في عامر لا أبا لهم لأن سفهت أحلامهم ثم ضلت وقال رجل من بني جذيمة ليهنئ بني كعب مقدم خالد وأصحابه إذ صبحتنا الكتائب فلا ترة يسعى بها ابن خويلد وقد كنت مكفيا لو انك غائب فلا قومنا ينهون عنا غواتهم ولا الداء من يوم الغميصاء ذاهب شعر غلام جذيمي هارب أمام خالد وقال غلام من بني جذيمة وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد رخين أذيال المروط وأربعن مشي حييات كأن لم يفزعن إن تمنع اليوم نساء تمنعن ارتجاز بني مساحق حين سمعوا بخالد وقال غلمة من بني جذيمة يقال لهم بنو مساحق يرتجزون حين سمعوا بخالد فقال أحدهم قد علمت صفراء بيضاء الإطل يحوزها ذو ثلة وذو إبل لأغنين اليوم ما أغنى رجل وقال الآخر قد علمت صفراء تلهي العرسا لا تملأ الحيزوم منها نهسا لأضربن اليوم ضربا وعسا ضرب المحلين مخاضا قعسا وقال الآخر أقسمت ما إن خادر ذو لبدة شثن البنان في غداة بردة جهم المحيا ذو سبال وردة يرزم بين أيكة وجحدة ضار بتأكال الرجال وحدة بأصدق الغداة مني نجدة مسير خالد بن الوليد لهدم العزى ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول أيا عز شدي شدة لا شوى لها على خالد ألقي القناع وشمري يا عز إن لم تقتلي المرء خالدا فبوئي بإثم عاجل أو تنصري فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة قال ابن إسحاق : وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان . غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح قال ابن إسحاق : ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النضري فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال وهم قليل ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ولم يشهدها منهم أحد له اسم وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب وكان شيخا مجربا ، وفي ثقيف سيدان لهم . في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وأخوه أحمر بن الحارث وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري . فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به فلما نزل قال " بأي واد أنتم ؟ " قالوا : بأوطاس قال " نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء ؟ " قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم . قال " أين مالك ؟ " قيل هذا مالك ودعي له فقال " يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام . ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء ؟ " قال سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم قال " ولم ذاك ؟ " قال أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم قال " فأنقض به " . ثم قال راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال " غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم ؟ " قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، قال " ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم ألق الصباء على متون الخيل فإن كانت له لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك قد أحرزت أهلك ومالك " ، قال والله لا أفعل ذلك إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي فقالوا : أطعناك ; فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني : يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع قال ابن هشام : أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله " يا ليتني فيها جذع " قال ابن إسحاق : ثم قال مالك للناس إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد . قال وحدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم فقال ويلكم ما شأنكم ؟ فقالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك على وجهه أن مضى على ما يريد . ________________________________________ ذكر غزوة حنين وحنين الذي عرف به الموضع هو حنين بن قانية بن مهلايل كذا قال البكري ، وقد قدمنا أنه قال في خيبر مثل هذا أنه ابن قانية فالله أعلم . من البلاغة النبوية ويقال لها أيضا : غزوة أوطاس سميت بالموضع الذي كانت فيه الوقعة وهو من وطست الشيء وطسا إذا كدرته ، وأثرت فيه . والوطيس نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم والوطيس التنور وفي غزوة أوطاس قال النبي صلى الله عليه وسلم الآن حمي الوطيس وذلك حين استعرت الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق إليها صلى الله عليه وسلم فمنها هذه . ومنها : مات حتف أنفه قالها في فضل من مات في سبيل الله في حديث رواه عنه عبد الله بن عتيك ، قال ابن عتيك وما سمعت هذه الكلمة يعني : حتف أنفه من أحد العرب قبله - صلى الله عليه وسلم - ومنها : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين قالها لأبي عزة الجمحي يوم أحد ، وقد مضى حديثه . ومنها : لا ينتطح فيها عنزان وسيأتي سببهما . ومنها : قوله عليه السلام يا خيل الله اركبي قالها يوم حنين أيضا في حديث خرجه مسلم وقال الجاحظ في كتاب البيان عن يونس بن حبيب لم يبلغنا من روائع الكلام ما بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وغلط في هذا الحديث ونسب إلى التصحيف وإنما قال القائل ما بلغنا عن البتي يريد عثمان البتي فصحفه الجاحظ ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أجل من أن يخلط مع غيره من الفصحاء حتى يقال ما بلغنا عنه من الفصاحة أكثر من الذي بلغنا عن غيره كلامه أجل من ذلك ، وأعلى ، صلوات الله عليه وسلامه . ابن الصمة والخنساء فصل وذكر دريد بن الصمة الجشمي أحد بني جشم بن بكر بن هوازن ، وفيه تقول الخنساء حين خطبها : ما كنت تاركة بني عمي ، كأنهم صدور الرماح ومرتتة شيخا من بني جشم وهو دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن ، يكنى أبا قرة ويروى عن ابن إسحاق من غير رواية زياد يقال كان يومئذ ابن ستين ومائة وروى أبو صالح كاتب الليث عن الليث قال كان دريد يومئذ ابن عشرين ومائة . وقوله في شجار له الشجار مثل الهودج وفي العين الشجار خشب الهودج . وقوله فأنقص به أي صوت بلسانه في فمه من النقيض وهو الصوت وقيل الإنقاض بالإصبع الوسطى والإبهام كأنه يدفع بهما شيئا وهو معنى قول البرقي . وقوله راعي ضأن يجهله بذلك كما قال الشاعر أصبحت هزء الراعي الضأن أعجبه ماذا يريبك مني راعي الضان وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل قم فما نفعك صداغ ولا راعي ضأن . والدريد في اللغة تصغير أدرد وهو تصغير الترخيم والصمة الشجاع وجمعه صمم . مالك بن عوف وابن حدرد وذكر مالك بن عوف النصري رئيس المشركين يوم حنين ، وهو مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن النصري . قال ابن إسحاق : ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم . فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم فأقام فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر كذب ابن أبي حدرد فقال ابن أبي حدرد " إن أكذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر فقد كذبت من هو خير مني ، فقال عمر يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كنت ضالا فهداك الله يا عمر . استعارة أدرع صفوان فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا له وسلاحا ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا " ، فقال صفوان أغصبا يا محمد ؟ قال " بل عارية ومضمونة حتى نوديها إليك فقال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل . قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفا ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس " على مكة أميرا على من تخلف عنه من الناس " ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن . ________________________________________ وذكر بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا إلى هوازن ، وهو عبد الله بن سلامة بن سعد وسلامة هو أبو حدرد وهو من بني هوازن بن أسلم بن أفصى بن حارثة وهم إخوة الأوس والخزرج ، أعني بني أسلم بن أفصى ، مات عبد الله سنة إحدى وسبعين وهو العام الذي قتل فيه مصعب بن الزبير . شهد ابن أبي حدرد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديبية ، وما بعدها ، وفاته ما كان قبل ذلك . قصيدة ابن مرداس فقال عباس بن مرداس السلمي أصابت العام رعلا غول قومهم وسط البيوت ولون الغول ألوان يا لهف أم كلاب إذ تبيتهم خيل ابن هوذة لا تنهى وإنسان لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكم إن ابن عمكم سعد ودهمان لن ترجعوها وإن كانت مجللة ما دام في النعم المأخوذ ألبان شنعاء جلل من سوآتها حضن وسال ذو شوغر منها وسلوان ليست بأطيب مما يشتوي حذف إذ قال كل شواء العير جوفان وفي هوازن قوم غير أن بهم داء اليماني فإن لم يغدروا خانوا فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم ولو نهكناهم بالطعن قد لانوا أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها مني رسالة نصح فيه تبيان أني أظن رسول الله صابحكم جيشا له في فضاء الأرض أركان فيهم أخوكم سليم غير تارككم والمسلمون عباد الله غسان وفي عضادته اليمنى بنو أسد والأجربان بنو عبس وذبيان تكاد ترجف منه الأرض رهبته وفي مقدمه أوس وعثمان قال ابن إسحاق : أوس وعثمان قبيلا مزينة . قال ابن هشام : من قوله " أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها " إلى آخرها ، في هذا اليوم وما قبل ذلك في غير هذا اليوم وهما مفصولتان ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة . ________________________________________ حول قصيدة عباس النونية وذكر شعر عباس وفيه أصابت العام رعلا . وهي قبيلة من سليم وفي الحديث " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرين يدعو على رعل وذكوان وعصية " ، وهم الذين غدروا بأصحاب بئر معونة . وقوله خيل ابن هوذة لا تنهى وإنسان إنسان قبيلة من قيس ، ثم من بني نصر قاله البرقي ، وقيل هم من بني جشم بن بكر ومن بني إنسان شيطان بن مدلج صاحب حميدة وهي فرس له تضرب بها العرب المثل في الشؤم فيقال أشأم من حميدة وسبب ذلك خبر يطول ذكره الأصبهاني في الأمثال . سعد ودهمان وسعد ودهمان ابنا نصر بن معاوية بن بكر كذا وجدته في بعض المعلقات والمعروف في قيس : دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان والد نصر بن دهمان الذي عاش مائة وتسعين سنة حتى تقوس ظهره بعد انحناء واسود شعره بعد ابيضاض فكان أعجوبة في العالم وقال الشاعر لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ولكنه من بعد ذلك قد ماتا وممن ذكر هذا الخبر أبو الحسن الدارقطني رحمه الله . وحنين : اسم جبل ومنه المثل أنجد من رأى حنينا . وقوله مما يشتوي حذف . الحذف غنم سود صغار تكون باليمن وفي الحديث سووا صفوفكم لا تخللكم الشياطين كأنها بنات حذف يعني في الصف في الصلاة هكذا قال البرقي في تفسير هذا البيت والذي أراد الشاعر إنما هو رجل فلعله كان يسمى بحذف والحذف هي الغنم السود التي ذكرنا . وقوله كل شواء العير جوفان . يقال إنه شوي له غرمول حمار فأكله في الشواء فوجده أجوف وقيل له إنه القنب أي وعاء القضيب فقال كل شواء العير جوفان فضرب هذا الكلام مثلا ، وقيل كان فزاري وتغلبي وكلبي اجتمعوا في سر وقد اشتووا حمار وحش فغاب الفزاري في بعض حاجاته فأكل صاحبه العير واختبآ له غرموله فلما جاء قالا له هذا خبؤنا لك ، فجعل يأكل ولا يسيغه فضحكا منه فاخترط سيفه وقال لأقتلنكما إن لم تأكلاه فأبى أحدهما فضربه بالسيف فأبان رأسه وكان اسمه مرقمه فقال صاحبه طاح مرقمه فقال الفزاري ، وأنت إن لم تلقمه أراد تلقمها ، فطرح حركة الهاء على الميم وحذف الألف كما قد قيل في الحيرة أي رجال به أي بها ، وقد عيرت فزارة بهذا الخبر حتى قال سالم بن دارة لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك ، واكتبها بأسيار لا تأمننه ولا تأمن بوائقه بعد الذي امتل أير العير في النار أطعمتم الضيف غرمولا مخاتلة فلا سقاكم إلهي الخالق الباري من كتاب الأمثال للأصبهاني . فهذا الفزاري هو حذف المذكور في البيت والله أعلم . وقوله والأجربان بنو عبس وذبيان سماهما بالأجربين تشبيها بالأجرب الذي لا يقرب وقال مجذوم من العرب : بأي فعال رب أوتيت ما أرى أظل كأني كلما قمت أجرب أي يفر مني ، وفي الخبر أن عمر لما نهي الناس عن مجالسة ضبيغ بن عسل كان كلما حل موضعا تفرق الناس عنه كأنه بعير أجرب ومن رواه الأجربان بضم النون فهو جائز في كل اثنين متلازمين كالجلمين يقال فيهما : الجلمان بضم النون وكذلك القمران وروي أن فاطمة - رضي الله عنها - نادت ابنيها في ليلة ظلمة يا حسنان يا حسينان بضم النون قاله الهروي في الغريبين . ذات أنواط قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي عن أبي واقد الليثي أن الحارث بن مالك قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية قال فسرنا معه إلى حنين ، قال وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء يقال لها : ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها يوما . قال فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة قال فتنادينا من جنبات الطريق يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم . ثبات الرسول قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارا ، قال وفي عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أين أيها الناس ؟ هلموا إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله . قال فلا شيء حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته . الذين ثبتوا وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب ، وأبو سفيان بن الحارث وابنه والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ . قال ابن هشام : اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر واسم أبي سفيان المغيرة وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل أمام هوازن ، وهوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فأتبعوه . الشماتة بالمسلمين قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام : كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . شعر حسان في هجاء كلدة قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة رأيت سوادا من بعيد فراعني أبو حنبل ينزو على أم حنبل كأن الذي ينزو به فوق بطنها ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل أنشدنا أبو زيد هذين البيتين وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه . ________________________________________ أنا ابن عبد المطلب فصل وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أين أيها الناس ؟ أنا محمد أنا رسول الله وفي غير هذه الرواية أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وهو كلام موزون وقد تقدم الكلام في مثل هذا ، وأنه ليس بشعر حتى يقصد به الشعر . وللخطابي في كتاب الأعلام تنبيه على قوله أنا ابن عبد المطلب قال إنما خص عبد المطلب بالذكر في هذا المقام وقد انهزم الناس تشبيها لنبوته وإزالة للشك لما اشتهر وعرف من رؤيا عبد المطلب المبشرة بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ذكرها ، ولما أنبأت به الأحبار والرهبان فكأنه يقول أنا ذاك فلا بد مما وعدت به لئلا ينهزموا عنه ويظنوا أنه مقتول ومغلوب فالله أعلم أأراد ذلك رسوله أم لا . شيبة يحاول قتل الرسول قال ابن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبد الدار . قلت : اليوم أدرك ثأري من محمد وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمدا . قال فأردت برسول الله لأقتله فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي ، فلم أطق ذاك وعلمت أنه ممنوع مني . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله لن نغلب اليوم من قلة . قال ابن إسحاق : وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قالها . ________________________________________ شيبة ومحاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر قصة شيبة بن عثمان حين أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء شيء حتى تغشى فؤادي ، وقد ذكر هذا الخبر أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه قال شيبة اليوم آخذ بثأري ، فجئت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه فلما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد قال فالتفت إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبسم وعرف الذي أردت ، فمسح صدري ، وذهب عني الشك ، أو كما قال ذهب عني بعض ألفاظ الحديث . الانتصار بعد الهزيمة قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب ، قال إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس " أين أيها الناس ؟ " فلم أر الناس يلوون على شيء فقال يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار : يا معشر أصحاب السمرة قال فأجابوا : لبيك لبيك قال فيذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله فيؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت يا للأنصار . ثم خلصت أخيرا : يا للخزرج . وكانوا صبرا عند الحرب فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه . فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال الآن حمي الوطيس . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه قال فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو آخذ بثفر بغلته فقال " من هذا ؟ " قال أنا ابن أمك يا رسول الله . رأي أم سليم قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان ، وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة وقد خشيت أن يعزها الجمل فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في خزامته مع الخطام فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أم سليم ؟ " قلت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أويكفي الله يا أم سليم ؟ " قال ومعها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ؟ قالت خنجر أخذته ، إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به . قال يقول أبو طلحة ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء . ________________________________________ أم سليم والفرار يوم حنين وذكر أم سليم وهي مليكة بنت ملحان وقال في اسمها رميلة ويقال سهيلة وتعرف بالغميصاء والرميصاء لرمص كان في عينيها ، وأبو طلحة بعلها هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام وهو القائل أنا أبو طلحة واسمي : زيد وكل يوم في سلاحي صيد وقول أم سليم : يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك . إن قيل كيف فر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حتى لم يبق معه منهم إلا ثمانية والفرار من الزحف من الكبائر وقد أنزل الله تعالى فيه من الوعيد ما أنزل . قلنا : لم يجمع العلماء على أنه من الكبائر إلا في يوم بدر وكذلك قال الحسن ونافع مولى عبد الله بن عمر وظاهر القرآن يدل على هذا ، فإنه قال ومن يولهم يومئذ دبره [ الأنفال 16 ] فيومئذ إشارة إلى يوم بدر ثم نزل التحقيق من بعد ذلك في الفارين يوم أحد وهو قوله ولقد عفا الله عنهم [ آل عمران : 155 ] وكذلك أنزل في يوم حنين : ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم إلى قوله غفور رحيم [ التوبة 25 ] وفي تفسير ابن سلام وكان الفرار من الزحف يوم بدر من الكبائر وكذلك يكون من الكبائر في ملحمة الروم الكبرى ، وعند الدجال وأيضا فإن المنهزمين عنه عليه السلام رجعوا لحينهم وقاتلوا معه حتى فتح الله عليهم . شعر مالك بن عوف في الهزيمة قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجه إلى حنين ، قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه أقدم محاج إنه يوم نكر مثلي على مثلك يحمي ويكر إذا أضيع الصف يوما والدبر ثم احزألت زمر بعد زمر كتائب يكل فيهن البصر قد أطعن الطعنة تقذي بالسبر حين يذم المستكين المنجحر وأطعن النجلاء تعوي وتهر لها من الجوف رشاش منهمر تفهق تارات وحينا تنفجر وثعلب العامل فيها منكسر يا زيد يا ابن همهم أين تفر قد نفد الضرس وقد طال العمر قد علم البيض الطويلات الخمر أني قد امثالها غير غمر إذ تخرج الحاصن من تحت الستر وقال مالك بن عوف أيضا : أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره قال ابن هشام : وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم . ________________________________________ حول رجز مالك وقول مالك في رجزه قد أطعن الطعنة تقذي بالسبر السبر جمع سابر وهو الفتيل الذي يسبر به الجرح أي يجبر . وقوله في الرجز الآخر أقدم محاج إنها الأساوره وقول ابن هشام : هما لغير مالك في غير هذا اليوم يعني يوم القادسية ، وكانت الدولة فيه للمسلمين على الفرس ، والأساورة ملوك الفرس ، وقتل في ذلك اليوم رستم ملكهم دون الملك الأكبر وكان على المسلمين يومئذ سعد بن أبي وقاص ، وقد ذكرنا قبل بم سميت القادسية . وذكر حديث أبي قتادة في سلب القتيل قال فاشتريت بثمنه مخرفا فإنه لأول مال اعتقدته ، يقال اعتقدت مالي ، أي اتخذت منه عقدة كما تقول نبذة أو قطعة والأصل فيه من العقد وأن من ملك شيئا عقد عليه وأنشد أبو علي [ القالي ] : ولما رأيت الدهر أنحت صروفه علي وأودت بالذخائر والعقد حذفت فضول العيش حتى رددتها إلى القوت خوفا أن أجاء إلى أحد ويروى : تأثلته ، وهي رواية الموطأ ويقال مخرف بفتح الراء وكسرها ، وأما كسر الميم فإنما هو للمخرف وهي الآلة التي تخترف بها التمرة أي تجتنى بفتح الميم معناه البستان من النخل هكذا فسروه وفسره الحربي ، وأجاد في تفسيره فقال المخرف نخلة واحدة أو نخلات يسيرة إلى عشر فما فوق ذلك فهو بستان أو حديقة ويقوي ما قاله الحربي ما قاله أبو حنيفة قال المخرف مثل الخروفة والخروفة هي النخلة يخترفها الرجل لنفسه ولعياله وأنشد مثل المخارف من خيلان أو هجرا قال ويقال الخروفة خريفة أيضا . من قتل قتيلا فله سلبه قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال وحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا : قال أبو قتادة : رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان مسلما ومشركا ، قال وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم . قال فأتيته فضربت يده فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم . ويروى : ريح الموت فيما قال ابن هشام : وكاد يقتلني ، فلولا أن الدم نزفه لقتلني ، فسقط فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ومر به رجل من أهل مكة فسلبه فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه ، فقلت : يا رسول الله والله لقد قتلت قتيلا ذا سلب فأجهضني عنه القتال فما أدري من استلبه ؟ فقال رجل من أهل مكة : صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا والله لا يرضيه منه تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه اردد عليه سلب قتيله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فاردد عليه سلبه . فقال أبو قتادة : فأخذته منه فبعته ، فاشتريت منه مخرفا ، فإنه لأول مال اعتقدته . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أبي سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلا . ________________________________________ السلب للقاتل وفي هذا الحديث من الفقه أن السلب للقاتل حكما شرعا جعل ذلك الإمام له أو يجعله وهو قول الشافعي ، وقال مالك إنما ذلك إلى الإمام له أن يقول بعد معمعة الحرب من قتل قتيلا فله سلبه ، ويكره مالك رحمه الله أن يقول ذلك قبل القتال لئلا يخالط النية غرض آخر غير احتساب نفسه لله تعالى ، وقد ذكرنا في غزوة بدر في هذه المسألة ما هو أكثر من هذا . نزول الملائكة قال ابن إسحاق وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة ثم لم يكن إلا هزيمة القوم . هزيمة المشركين من أهل حنين قال ابن إسحاق : ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسوله صلى الله عليه وسلم منهم قالت امرأة من المسلمين قد غلبت خيل الله خيل اللات والله أحق بالثبات قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر غلبت خيل الله خيل اللات وخيله أحق بالثبات قال ابن إسحاق : فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل معهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب وكانت رايتهم مع ذي الخمار فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل . قال ابن إسحاق : وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله قال أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا . قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس . أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل قال فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه فوجده أغرل . قال فصاح بأعلى صوته يا معشر العرب يعلم الله أن ثقيفا غرل . قال المغيرة بن شعبة : فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت : لا تقل ذاك فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني . قال ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له ألا تراهم مختنين كما ترى قال ابن إسحاق : وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين رجل من غيرة يقال له وهب وآخر من بني كبة يقال له الجلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف إلا ما كان من ابن هنيدة يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس . ________________________________________ نزول الملائكة وقول جبير بن مطعم لقد رأيت مثل البجاد يعني الكساء من النمل مبثوثا ، يعني رآه ينزل من السماء . قال لم أشك أنها الملائكة وقد قدم ابن إسحاق قول الآخر رأيت رجالا بيضا على خيل بلق وكانت الملائكة فأراهم الله لذلك الهوازني على صور الخيل والرجال ترهيبا للعدو ورآهم جبير على صورة النمل المبثوث إشعارا بكثرة عددها ، إذ النمل لا يستطاع عدها مع أن النملة يضرب بها المثل في القوة فيقال أقوى من النملة لأنها تحمل ما هو أكبر من جرمها بأضعاف وقد قال رجل لبعض الملوك جعل الله قوتك قوة النملة فأنكر عليه فقال ليس في الحيوان ما يحمل ما هو أكبر منه إلا النملة وهذا المثل قد ذكره الأصبهاني في كتاب الأعمال مقرونا بهذا الخبر ، وقد أهلك بالنمل أمة من الأمم وهم جرهم . رائية ابن مرداس فقال عباس بن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه وذا الخمار وحبسه قومه للموت ألا من مبلغ غيلان عني وسوف - إخال - يأتيه الخبير وعروة إنما أهدي جوابا وقولا غير قولكما يسير بأن محمدا عبد رسول لرب لا يضل ولا يجور وجدناه نبيا مثل موسى فكل فتى يخايره مخير وبئس الأمر أمر بني قسي بوج إذ تقسمت الأمور أضاعوا أمرهم ولكل قوم أمير والدوائر قد تدور فجئنا أسد غابات إليهم جنود الله ضاحية تسير يؤم الجمع جمع بني قسي على حنق نكاد له نطير وأقسم لو هم مكثوا لسرنا إليهم بالجنود ولم يغوروا فكنا أسد لية ثم حتى أبحناها وأسلمت النصور ويوم كان قبل لدى حنين فأقلع والدماء به تمور من الأيام لم تسمع كيوم ولم يسمع به قوم ذكور قتلنا في الغبار بني حطيط على راياتها والخيل زور ولم يك ذو الخمار رئيس قوم لهم عقل يعاقب أو مكير أقام بهم على سنن المنايا وقد بانت لمبصرها الأمور فأفلت من نجا منهم حريضا وقتل منهم بشر كثير ولا يغني الأمور أخو التواني ولا الغلق الصريرة الحصور أحانهم وحان وملكوه أمورهم وأفلتت الصقور بنو عوف تميح بهم جياد أهين لها الفصافص والشعير فلولا قارب وبنو أبيه تقسمت المزارع والقصور ولكن الرياسة عمموها على يمن أشار به المشير أطاعوا قاربا ولهم جدود وأحلام إلى عز تصير فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا أنوف الناس ما سمر السمير وإن لم يسلموا فهم أذان بحرب الله ليس لهم نصير كما حكت بني سعد وحرب برهط بني غزية عنقفير كأن بني معاوية بن بكر إلى الإسلام ضائنة نخور فقلنا أسلموا إنا أخوكم وقد برأت من الإحن الصدور كأن القوم إذ جاءوا إلينا من البغضاء بعد السلم عور قال ابن هشام : غيلان غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة عروة بن مسعود الثقفي . ________________________________________ حول قصيدة ابن مرداس فصل وذكر قول عباس وسوف إخال يأتيك الخبير الفعل المستقبل هو يأتيك ، وإن كان حرف سوف داخلا على إخال في اللفظ فإن ما يدل عليه من الاستقبال إنما هو الفعل الثاني كما قال وما أدري وسوف إخال أدري وذلك أن إخال في معنى : أظن ، وليس يريد أنه يظن فيما يستقبل وإنما يريد أن يخال الآن أن سيكون ذلك وقوله فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا أنوف الناس ما سمر السمير أنوف الناس انتصب على الحال لأنه نكرة لم يتعرف بالإضافة لأنه لم يرد الأنوف بأعيانها ، ولكن أشرافا ، وهذا كقوله بمنجرد قيد الأوابد لأنه جعله كالقيد ومثله ما ذكرناه قبل في : نصب غمائم الأبصار على الحال وليس هذا من باب ما منعه سيبويه حين قال معترضا على الخليل لو قلت مررت بقصير الطويل تريد مثل الطويل لم يجز والذي أراده الخليل هو ما ذكرناه في غير موضع من استعارة الكلمة على جهة التشبيه نحو قيد الأوابد وأنوف الناس تريد أشرافهم فمثل هذا يكون وصفا للنكرة وحالا من المعرفة وقد ألحق بهذا الباب له صوت صوت الحمار على الصفة وضعفه سيبويه في الحال وهو في الصفة أقبح وإنما ألحقه الخليل بما تنكر وهو مضاف إلى معرفة من أجل تكرر اللفظ فيه فحسن لذلك . وقوله وأسلمت النصور . ذكر البرقي أن النصور هاهنا جمع : ناصر وليس هو عندي كذلك . فإن فاعلا قل ما يجمع على فعول وإن جمع فليس هو بالقياس المطرد وإنما هم بنو نصير من هوازن رهط مالك بن عوف النصري يقال لهم النصور كما يقال لبني المهلب المهالبة ولبني المنذر المناذرة ، وكما يقال الأشعرون وهم بنو أشعر بن أدد والتوتيات لبني توبت بن أسد . جمع أخ وابن وقوله إنا أخوكم جمع أخا جمعا مسلما بالواو والنون ثم حذفت النون للإضافة كما أنشدوا : ولما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالأبينا ويجوز أن يكون وضع الواحد موضع الجميع كما تقدم في قوله أنتم الولد ونحن الولد من وصف الزبير وقوله في صفة الزبير طويل الباد أي الفخر والبدد تباعد ما بين الفخذين . مصرع دريد قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ولم تتبع من سلك الثنايا . فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمان بن عوف بن امرئ القيس وكان يقال له ابن الدغنة وهي أمه فغلبت على اسمه ويقال ابن لذعة فيما قال ابن هشام - دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه في شجار له فإذا برجل فأناخ به فإذا شيخ كبير وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ما تريد بي ؟ قال أقتلك . قال ومن أنت ؟ قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا ، فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل وكان الرحل في الشجار ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإن كنت كذلك أضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك . فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا . فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريدا لعمرك ما خشيت على دريد ببطن سميرة جيش العناق جزى عنه الإله بني سليم وعقتهم بما فعلوا عقاق وأسقانا إذا قدنا إليهم دماء خيارهم عند التلاقي فرب عظيمة دافعت عنهم وقد بلغت نفوسهم التراقي ورب كريمة أعتقت منهم وأخرى قد فككت من الوثاق ورب منوه بك من سليم أجبت وقد دعاك بلا رماق فكان جزاؤنا منهم عقوقا وهما ماع منه مخ ساقي عفت آثار خيلك بعد أين بذي بقر إلى فيف النهاق وقالت عمرة بنت دريد أيضا : قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا فظل دمعي على السربال ينحدر لولا الذي قهر الأقوام كلهم رأت سليم وكعب كيف تأتمر إذن لصبحهم غبا وظاهرة حيث استقرت نواهم جحفل ذفر قال ابن هشام : ويقال اسم الذي قتل دريدا : عبد الله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة . مصرع أبي عامر الأشعري قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال فرمي أبو عامر بسهم فقتل فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه فقاتلهم ففتح الله على يديه وهزمهم . فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم فأصاب ركبته فقتله فقال إن تسألوا عني فإني سلمه ابن سمادير لمن توسمه أضرب بالسيف رءوس المسلمه وسمادير أمه . حال بني رئاب في المعركة واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب فزعموا أن عبد الله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال يا رسول الله هلكت بنو رئاب فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اجبر مصيبتهم موقف قوم مالك بن عوف وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة فوقف في فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لأصحابه قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم وتلحق أخراكم فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من منهزمة الناس ؟ فقال مالك بن عوف في ذلك ولولا كرتان على محاج لضاق على العضاريط الطريق ولولا كر دهمان بن نصر لدى النخلات مندفع الشديق لآبت جعفر وبنو هلال خزايا محقبين على شقوق قال ابن هشام : هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم . ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث ما فعلت كعب وكلاب ؟ فقالوا له لم يشهدها منهم أحد . وجعفر بن كلاب . وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات " لآبت جعفر وبنو هلال " . قال ابن هشام : وبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه ماذا ترون ؟ فقالوا : نرى قوما واضعي رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادهم فقال هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي . ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ، فقال لأصحابه ماذا ترون ؟ قالوا : نرى قوما عارضي رماحهم أغفالا على خيلهم فقال هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم فلما انتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بني سليم . ثم طلع فارس ; قفال لأصحابه ماذا ترون ؟ قالوا : نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء ، فقال هذا الزبير بن العوام وأحلف باللات ليخالطنكم فاثبتوا له . فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها . شعر سلمة في فراره قال ابن إسحاق : وقال سلمة بن دريد وهو يسوق بامرأته حتى أعجزهم نسيتني ما كنت غير مصابة ولقد عرفت غداة نعف الأظرب أني منعتك والركوب محبب ومشيت خلفك مثل مشي الأنكب إذ فر كل مهذب ذي لمة عن أمه وخليله لم يعقب عود إلى حديث مصرع أبي عامر قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة إخوة من المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم حمل عليه آخر فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر . ثم جعلوا يحملون عليه رجلا رجلا ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك حتى قتل تسعة وبقي العاشر فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد علي فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن إسلامه . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال هذا شريد أبي عامر ورمى أبا عامر أخوان العلاء وأوفى ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ، فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما : إن الرزية قتل العلاء وأوفى جميعا ولم يسندا هما القاتلان أبا عامر وقد كان ذا هبة أربدا هما تركاه لدى معرك كأن على عطفه مجسدا فلم تر في الناس مثليهما أقل عثارا وأرمى يدا ________________________________________ حكم رفع اليد في الدعاء وذكر فيمن استشهد أبا عامر واسمه عبيد بن سليم بن حصار وهو عم أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، وهو الذي استغفر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قتل رافعا يديه جدا ، يقول اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ثلاثا ، وفيه من الفقه رفع اليدين في الدعاء وقد كرهه قوم روى عبد الله بن عمر أنه رأى قوما يرفعون أيديهم في الدعاء فقال أوقد رفعوها ؟ قطعها الله والله لو كانوا بأعلى شاهق ما ازدادوا من الله بذلك قربا ، وذكر لمالك أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان يدعو بإثر كل صلاة ويرفع يديه فقال ذلك حسن ولا أرى أن يرفعهما جدا . وحجة من رأى الرفع أحاديث منها ما ذكرناه آنفا ، ومنها حديث تقدم في سرية الغميصاء حين رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات ولكل شيء وجه فمن كره فإنما كره الإفراط في الرفع كما كره رفع الصوت بالدعاء جدا . قال صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وهو معنى قول مالك الذي قدمناه في رفع اليدين النهي عن قتل الضعفاء قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها ، فقال " ما هذا ؟ " فقالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه أدرك خالدا ، فقل له : إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا ________________________________________ من أحكام القتال وقوله في المرأة المقتولة أدرك خالدا ، فقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليدا ، أو امرأة أو عسيفا العسيف الأجير وهذا منتزع من كتاب الله تعالى ، لأنه يقول وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم [ البقرة 190 ] فاقتضى دليل الخطاب ألا تقتل المرأة إلا أن تقاتل وقد أخطأ من قاس مسألة المرتدة على هذه المسألة فإن المرتدة لا تسترق ولا تسبى ، كما تسبى نساء الحرب وذراريهم فتكون مالا للمسلمين فنهى عن قتلهن لذلك . شأن الشيماء وبجاد قال ابن إسحاق : وحدثني بعض بني سعد بن بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثا ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها في السياق فقالت للمسلمين تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدقوها حتى أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال فلما انتهي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله إني أختك من الرضاعة قال " وما علامة ذلك ؟ " قالت عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ; قال فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه وخيرها ، وقال إن أحببت فعندي محبة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت " ؟ فقالت بل تمتعني وتردني إلى قومي ، فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية . قال ابن هشام : وأنزل الله عز وجل في يوم حنين : لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم إلى قوله وذلك جزاء الكافرين شهداء يوم حنين قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين من قريش ثم من بني هاشم : أيمن بن عبيد . ومن بني أسد بن عبد العزى : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح فقتل . ومن الأنصار : سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان . ومن الأشعريين : أبو عامر الأشعري . الحفنة وشاهت الوجوه فصل ومما ذكر في غزوة حنين من غير رواية ابن إسحاق الحفنة التي أخذها النبي صلى الله عليه وسلم من البطحاء ، وهو على بغلته فرمى بها أوجه الكفار وقال شاهت الوجوه فانهزموا . والمستقبل من شاهت تشاه لأن وزنه فعل وفيه أن البغلة حضجت به إلى الأرض حين أخذ الحفنة ثم قامت به وفروا حضجت أي ضربت بنفسها إلى الأرض وألصقت بطنها بالتراب ومنه الحضاج وهو زق مملوء قد أسند إلى شيء وأميل إليه والبغلة التي كان عليها يومئذ هي التي تسمى البيضاء وهي التي أهداها إليه فروة بن نفاثة وقد تقدم ذكر الأخرى ، واسمها : دلدل وذكر من أهداها إليه . نداء أصحاب الشجرة وذكر نداء العباس يا معشر أصحاب السمرة وكان العباس صيتا جهيرا . وأصحاب السمرة هم أصحاب بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة ، وكانت الشجرة سمرة . سبايا حنين يجمعون ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها . شعر بجير يوم حنين وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين : لولا الإله وعبده وليتم حين استخف الرعب كل جبان بالجزع يوم حبا لنا أقراننا وسوابح يكبون للأذقان من بين ساع ثوبه في كفه ومقطر بسنابك ولبان والله أهلكهم وفرق جمعهم وأذلهم بعبادة الشيطان قال ابن هشام : ويروي فيها بعض الرواة إذ قام عم نبيكم ووليه يدعون يا لكتيبة الإيمان أين الذين هم أجابوا ربهم يوم العريض وبيعة الرضوان شعر لعباس بن مرداس في يوم حنين قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس في يوم حنين : إني والسوابح يوم جمع وما يتلو الرسول من الكتاب لقد أحببت ما لقيت ثقيف بجنب الشعب أمس من العذاب هم رأس العدو من أهل نجد فقتلهم ألذ من الشراب هزمنا الجمع جمع بني قسي وحكت بركها ببني رئاب وصرما من هلال غادرتهم بأوطاس تعفر بالتراب ولو لاقين جمع بني كلاب لقام نساؤهم والنقع كابي ركضنا الخيل فيهم بين بس إلى الأورال تنحط بالنهاب بذي لجب رسول الله فيهم كتيبته تعرض للضراب قال ابن هشام : قوله " تعفر بالتراب " : عن غير ابن إسحاق . ابن عفيف يرد على ابن مرداس فأجابه عطية بن عفيف النصري ، فيما حدثنا ابن هشام ، فقال أفاخرة رفاعة في حنين وعباس ابن راضعة اللجاب فإنك والفجار كذات مرط لربتها وترفل في الإهاب قال ابن إسحاق : قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما أكثر عباس على هوازن في يوم حنين ورفاعة من جهينة . شعر آخر لعباس بن مرداس قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضا يا خاتم النباء إنك مرسل بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الإله بنى عليك محبة في خلقه ومحمدا سماكا ثم الذين وفوا بما عاهدتهم جند بعثت عليهم الضحاكا رجلا به ذرب السلاح كأنه لما تكنفه العدو يراكا يغشى ذوي النسب القريب وإنما يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا أنبيك أني قد رأيت مكره تحت العجاجة يدمغ الإشراكا طورا يعانق باليدين وتارة يفري الجماجم صارما بتاكا يغشى به هام الكماة ولو ترى منه الذي عاينت كان شفاكا وبنو سليم معنقون أمامه ضربا وطعنا في العدو دراكا يمشون تحت لوائه وكأنهم أسد العرين أردن ثم عراكا ما يرتجون من القريب قرابة إلا لطاعة ربهم وهواكا هذي مشاهدنا التي كانت لنا معروفة وولينا مولاكا ________________________________________ الضحاك بن سفيان فصل وذكر الضحاك بن سفيان الكلابي ، وهو الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلائي يكنى أبا سعيد وكان يقوم على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - متوشحا بالسيف وكان يعد وحده بمائة فارس ، وكانت بنو سليم يوم حنين تسعمائة فأمره عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه قد تممهم به ألفا ، وإياه أراد عباس بن مرداس بقوله جند بعثت عليهم الضحاكا وقال البرقي : ليس الضحاك بن سفيان هذا بالكلابي إنما هو الضحاك بن سفيان السلمي . وذكر من غير رواية البكائي عن ابن إسحاق نسبه مرفوعا إلى بهثة بن سليم ولم يذكر أبو عمر في الصحابة إلا الأول وهو الكلابي فالله أعلم . وقال عباس بن مرداس أيضا إما ترى يا أم فروة خيلنا منها معطلة نقاد وظلع أوهى مقارعة الأعادي دمها فيها نوافذ من جراح تنبع فلرب قائلة كفاها وقعنا أزم الحروب فسربها لا يفزع لا وفد كالوفد الألى عقدوا لنا سببا بحبل محمد لا يقطع وفد أبو قطن حزابة منهم وأبو الغيوث وواسع والمقنع والقائد المئة التي وفى بها تسع المئين فتم ألف أقرع جمعت بنو عوف ورهط مخاشن ستا وأحلب من خفاف أربع فهناك إذ نصر النبي بألفنا عقد النبي لنا لواء يلمع فزنا برايته وأورث عقده مجد الحياة وسؤددا لا ينزع وغداة نحن مع النبي جناحه ببطاح مكة والقنا يتهزع كانت إجابتنا لداعي ربنا بالحق منا حاسر ومقنع في كل سابغة تخير سردها داود إذ نسج الحديد وتبع ولنا على بئري حنين موكب دمغ النفاق وهضبة ما تقلع نصر النبي بنا وكنا معشرا في كل نائبة نضر وننفع ذدنا غداتئذ هوازن بالقنا والخيل يغمرها عجاج يسطع إذ خاف حدهم النبي وأسندوا جمعا تكاد الشمس منه تخشع تدعى بنو جشم وتدعى وسطه أفناء نصر والأسنة شرع حتى إذا قال الرسول محمد أبني سليم قد وفيتم فارفعوا رحنا ولولا نحن أجحف بأسهم بالمؤمنين وأحرزوا ما جمعوا وقال عباس بن مرداس أيضا في يوم حنين عفا مجدل من أهله فمتالع فمطلا أريك قد خلا فالمصانع ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا رخي وصرف الدار للحي جامع حبيبه ألوت بها غربة النوى لبين فهل ماض من العيش راجع فإن تبتغي الكفار غير ملومة فإني وزير للنبي وتابع دعانا إليهم خير وفد علمتهم خزيمة والمرار منهم وواسع فجئنا بألف من سليم عليهم لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالأخشبين وإنما يد الله الأخشبين نبايع فجسنا مع المهدي مكة عنوة بأسيافنا والنقع كاب وساطع عدنية والخيل يغشى متونها حميم وآن من دم الجوف ناقع ويوم حنين حين سارت هوازن إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا قراع الأعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا لواء كخذروف السحابة لامع عشية ضحاك بن سفيان معتص بسيف رسول الله والموت كانع نذود أخانا عن أخينا ولو نرى مصالا لكنا الأقربين نتابع ولكن دين الله دين محمد رضينا به فيه الهدى والشرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا وليس لأمر حمه الله دافع ________________________________________ قصيدة ابن مرداس العينية وذكر شعر عباس بن مرداس الذي أوله عفا مجدل من أهله فمتالع المجدل القصر وهو في هذا البيت اسم علم لكان . وفيه فمطلا أريك . المطل يمد ويقصر وهي أرض تعقل الرجل عن المشي فقيل إنها مفعال من الطلي وهو الجري يطلى ، أي تعقل رجله وقيل إن المطلاء فعلاء من مطلت إذا مددت ، وجمعه مطال في الأمالي : أما تسألان الله أن يسقي الحمى ألا فسقى الله الحمى فالمطاليا وفيه تذود أخانا عن أخينا ، ولو نرى مصالا لكنا الأقربين نتابع يريد أنه من بني سليم وسليم من قيس ، كما أن هوازن من قيس ، كلاهما ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ، فمعنى البيت نقاتل إخوتنا ، ونذودهم عن إخوتنا من سليم ولو نرى في حكم الدين مصالا مفعلا من الصولة لكنا مع الأقربين هوازن : ولكن دين الله دين محمد رضينا به فيه الهدى والشرائع وفيه قوله دعانا إليه خير وفد علمتهم خزيمة والمدار منهم وواسع هؤلاء وفد بني سليم وفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلموا ، ثم دعوا قومهم إلى الإسلام فذكر فيهم المدار السلمي وواسعا السلمي وخزيمة ، وهو خزيمة بن جزي أخو حبان بن جزي وكان الدارقطني يقول فيه جزي بكسر الجيم والزاي . وفيها : يد الله بين الأخشبين نبايع من قول الله تعالى : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [ الفتح 10 ] أقام يد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام يده كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحجر الأسود : " هو يمين الله في الأرض " ، أقامه في المصافحة والتقبيل مقام يمين الملك الذي يصافح بها ، لأن الحاج وافد على الملك الأعلى وزائر بيته فجعل تقبيله الحجر مصافحة له وكما جعلت يمين السائل الآخذ للصدقة المتقبلة يمين الرحمن سبحانه ترغيبا في الصدقة وتبشيرا بقبولها ، وتعظيما لحرمة من أعطيت له فإنما أعطاها المتصدق لله سبحانه وإياه سبحانه أفرض فقال سبحانه وتعالى : ويأخذ الصدقات [ التوبة 104 ] وقال صلى الله عليه وسلم " إنما يضعها في كف الرحمن يربيها له " الحديث . شعر عباس الكافي : وقول عباس في الشعر الكافي : إن الإله بنى عليك محبة في خلقه ومحمدا سماكا معنى دقيق وغرض نبيل وتفطن لحكمة نبوية قد بيناها في غير موضع من هذا الكتاب وغيره في تسمية الله تعالى لنبيه محمدا وأحمد وأنه اسم لم يكن لأحد من قومه قبله وأن أمه أمرت في المنام أن تسميه محمدا ، فوافق معنى الاسم صفة المسمى به موافقة تامة قد بينا شرحها هنالك ولذلك قال بنى عليك محبة لأن البناء تركيب على أس فأسس له سبحانه مقدمات لنبوته منها : تسميته بمحمد قبل أن يولد ثم لم يزل يدرجه في محامد الأخلاق وما تحبه القلوب من الشيم حتى بلغ إلى أعلى المحامد مرتبة وتكاملت له المحبة من الخالق والخليقة ، وظهر معنى اسمه فيه على الحقيقة فهو اللبنة التي استتم بها البناء كما أخبر عليه السلام وهذا كله معنى بيت عباس حيث قال إن الإله بنى عليك ، البيت . الداماء والدأماء وقوله في العينية الأخرى يصف الخيل أوهى مقارعة الأعادي دمها يريد شحمها ، يقال أدمم قدرك بودك ودممت الشيء طليته ، ومنه الداماء أحد جحرة اليربوع لأنه يدم بابه بقشر رقيق من الأرض فلا يراه الصائد فإذا طلب من القاصعاء أو الراهطاء أو النافقاء أو العانقاء وهي الأبواب الأخر نطح برأسه باب الداماء فخرقه وأما الدأماء بالتخفيف فهو البحر وهو فعلاء لأنه يهمز فيقال دأماء قاله أبو عبيد . وقال عباس بن مرداس أيضا في يوم حنين تقطع باقي وصل أم مؤمل بعاقبة واستبدلت نية خلفا وقد حلفت بالله لا تقطع القوى فما صدقت فيه ولا برت الحلفا خفافية بطن العقيق مصيفها وتحتل في البادين وجرة فالعرفا فإن تتبع الكفار أم مؤمل فقد زودت قلبي على نأيها شغفا وسوف ينبيها الخبير بأننا أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا وأنا مع الهادي النبي محمد وفينا ولم يستوفها معشر ألفا بفتيان صدق من سليم أعزة أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا خفاف وذكوان وعوف تخالهم مصاعب زافت في طروقتها كلفا كأن النسيج الشهب والبيض ملبس أسودا تلاقت في مراصدها غضفا بنا عز دين الله غير تنحل وزدنا على الحي الذي معه ضعفا بمكة إذ جئنا كأن لواءنا عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا على شخص الأبصار تحسب بينها إذا هي جالت في مراودها عزفا غداة وطئنا المشركين ولم نجد لأمر رسول الله عدلا ولا صرفا بمعترك لا يسمع القوم وسطه لنا زجمة إلا التذامر والنقفا ببيض نطير الهام عن مستقرها ونقطف أعناق الكماة بها قطفا فكائن تركنا من قتيل ملحب وأرملة تدعو على بعلها لهفا رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي ولله ما يبدو جميعا وما يخفى ________________________________________ شعر عباس الفاوي وذكر شعر عباس الفاوي وفيه بعاقبة واستبدلت نية خلفا النية من النوى وهو البعد . وخلفا يجوز أن يكون مفعولا من أجله أي فعلت ذلك من أجل الخلف ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا للاستبدال لأن استبدالها به خلف منها لما وعدته به ويقوي هذا البيت البيت الذي بعده وقد حلفت بالله لا تقطع القوى يعني : قوى الحبل والحبل هنا : هو العهد ثم قال فما صدقت فيه ولا برت الحلفا وهذا هو الخلف المتقدم ذكره . وقوله وفينا ولم يستوفها معشر ألفا أي وفينا ألفا ولم يستوفها غيرنا ، أي لم يستوف هذه العدة غيرنا من القبائل . وقوله إذا هي جالت في مراودها عزفا يجوز أن يكون جمع مرود وهو الوتد كما قال الآخر يصف طعنة ومستنة كاستنان الخرو ف قد قطع الحبل بالمرود والخروف هاهنا في قول بعضهم المهر وقال آخرون والفرس يسمى خروفا ، ومعناه عندي في هذا البيت أنها صفة من خرفت الثمرة إذا جنيتها فالفرس خروف للشجر والنبات لا نقول إن الفرس يسمى خروفا في عرف اللغة ولكن خروف في معنى أكول لأنه يخرف أي يأكل فهو صفة لكل من فعل ذلك الفعل من الدواب ويجوز أن يكون في مراودها جمع مراد وهو حيث ترود الخيل تذهب وتجيء فمراد ومراود مثل مقام ومقاوم ومنار ومناور . وقوله لنا زجمة إلا التذامر والنقفا يقال ما زجم زجمة أي ما نبس بكلمة وقوس زجوم أي ضعيفة الإرنان . وقوله إلا التذامر أي يذمر بعضنا بعضا ، ويحرضه على القتل والنقف كسر الرءوس وناقف الحنظلة كاسرها ومستخرج ما فيها . النسب إلى حروف المعجم وتصغيرها قال المؤلف وإنما قلنا في هذه القصيدة وفي التي بعدها الغاوية والراوية لأن النسب إلى حروف المعجم التي أواخرها ألف هكذا ، هو بالواو قاله أبو عبيد وغيره وفي التصغير تقلب ألفها ياء تقول في تصغير باء بيية وخاء خيية وما كان آخره حرفا سالما من هذه الحروف قلبت ألفه واوا في التصغير فتقول في الذال ذويلة وفي الضاد ضويدة وكذلك قال صاحب العين وقياس الواو في النحو أن تصغر أوية بهمزة [ في ] أولها . وقال عباس بن مرداس أيضا ما بال عينك فيها عائر سهر مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر عين تأوبها من شجوها أرق فالماء يغمرها طورا وينحدر كأنه نظم در عند ناظمة تقطع السلك منه فهو منتثر يا بعد منزل من ترجو مودته ومن أتى دونه الصمان فالحفر دع ما تقدم من عهد الشباب فقد ولى الشباب وزار الشيب والزعر واذكر بلاء سليم في مواطنها وفي سليم لأهل الفخر مفتخر قوم هم نصروا الرحمن واتبعوا دين الرسول وأمر الناس مشتجر لا يغرسون فسيل النخل وسطهم ولا تخاور في مشتاهم البقر إلا سوابح كالعقبان مقربة في دارة حولها الأخطار والعكر تدعى خفاف وعوف في جوانبها وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر الضاربون جنود الشرك ضاحية ببطن مكة والأرواح تبتدر حتى دفعنا وقتلاهم كأنهم نخل بطاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا للدين عزا وعند الله مدخر إذ نركب الموت مخضرا بطائنه والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا كما مشى الليث في غاباته الخدر في مأزق من مجر الحرب كلكلها تكاد تأفل منه الشمس والقمر وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا لله ننصر من شئنا وننتصر حتى تأوب أقوام منازلهم لولا المليك ولولا نحن ما صدروا فما ترى معشر قلوا ولا كثروا إلا قد اصبح منا فيهم أثر ________________________________________ القصيدة الراوية وقول عباس في القصيدة الراوية مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر الحماطة من ورق الشجر ما فيه خشونة وحروشة وقال أبو حنيفة الحماط ورق التين الجبلي . وقال أيضا في باب القطاني الحماط تبن الذرة إذا ذريت وله أكال في الجلد . والعائر كالشيء يتنخس في العين كأنه يعورها ، وجعله سهرا ، وإنما السهر الرجل لأنه لم يفتر عنه فكأنه قد صهر ولم ينم كما قال آخر في وصف برق حتى شئاها كليل موهما عمل باتت طرابا وبات الليل لم ينم شئاها : شاقها ، يقال شاه وشاءه بمعنى واحد أي شاقه وأنشد ولقد عهدت تشاء بالأظعان فتأمله فإنه بديع من المعاني . وقوله الصمان والحفر : هما موضعان وإليه ينسب أبو داود الحفري من أهل الحديث . والعكر جمع عكرة وهي القطعة الضخمة من المال . وعكرة اللسان أيضا : أصله وما غلظ منه وعكدته أيضا بالدال . وقال عباس بن مرداس أيضا يا أيها الرجل الذي تهوي به وجناة مجمرة المناسم عرمس إما أتيت على النبي فقل له حقا عليك إذا اطمأن المجلس يا خير من ركب المطي ومن مشى فوق التراب إذا تعد الأنفس إنا وفينا بالذي عاهدتنا والخيل تقدع بالكماة وتضرس إذ سال من أفناء بهثة كلها جمع تظل به المخارم ترجس حتى صبحنا أهل مكة فيلقا شهباء يقدمها الهمام الأشوس من كل أغلب من سليم فوقه بيضاء محكمة الدخال وقونس يروي القناة إذا تجاسر في الوغى وتخاله أسدا إذا ما يعبس يغشى الكتيبة معلما وبكفه عضب يقد به ولدن مدعس وعلى حنين قد وفى من جمعنا ألف أمد به الرسول عرندس كانوا أمام المؤمنين دريئة والشمس يومئذ عليهم أشمس نمضي ويحرسنا الإله بحفظه والله ليس بضائع من يحرس ولقد حبسنا بالمناقب محبسا رضي الإله به فنعم المحبس وغداة أوطاس شددنا شدة كفت العدو وقيل منها يا احبسوا تدعو هوازن بالإخاوة بيننا ثدي تمد به هوازن أيبس حتى تركنا جمعهم وكأنه عير تعاقبه السباع مفرس قال ابن هشام : أنشدني خلف الأحمر قوله " وقيل منها يا احبسوا " . ________________________________________ قصيدة عباس السينية وقوله في السينية وجناء مجمرة المناسم عرمس وجناء غليظة الوجنات بارزتها ، وذلك يدل على غثور عينيها ، وهم يصفون الإبل بغئور العينين عند طول السفار ويقال هي الوجنة في الآدميين رجل موجن وامرأة موجنة ولا يقال وجناء . قاله يعقوب . ومجمرة المناسم أي نكبت مناسمها الجمار وهي الحجارة والعرمس الصخرة الصلبة وتشبه بها الناقة الجلدة وقد يريد بمجمرة أيضا أن مناسمها مجتمعة منضمة فذلك أقوى لها ، وقد حكي أجمرت المرأة شعرها إذا ظفرته وأجمر الأمير الجيش أي حبسه عن القفول قال الشاعر معاوي إما أن يجهز أهلنا إلينا ، وإما أن نئوب معاويا أأجمرتنا إجمار كسرى جنوده ومنيتنا حتى نسينا الأمانيا وقوله كانوا أمام المؤمنين دريئة الدريئة الحلقة التي يتعلم عليها الرمي أي كانوا كالدريئة للرماح وقوله والشمس يومئذ عليهم أشمس يريد لمعان الشمس في كل بيضة من بيضات الحديد والسيوف كأنها شمس وهو معنى صحيح وتشبيه مليح . وفيها قوله والخيل تقرع بالكماة وتضرس أي تضرب أضراسها باللجم . تقول ضرسته أي ضربت أضراسه كما تقول رأسته ، أي أصبت رأسه . قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضا : نصرنا رسول الله من غضب له بألف كمي لا تعد حواسره حملنا له في عامل الرمح راية يذود بها في حومة الموت ناصره ونحن خضبناها دما فهو لونها غداة حنين يوم صفوان شاجره وكنا على الإسلام ميمنة له وكان لنا عقد اللواء وشاهره وكنا له دون الجنود بطانة يشاورنا في أمره ونشاوره دعانا فسمانا الشعار مقدما وكنا له عونا على من يناكره جزى الله خيرا من نبي محمدا وأيده بالنصر والله ناصره قال ابن هشام : أنشدني من قوله " وكنا على الإسلام " إلى آخرها ، بعض أهل العلم بالشعر ولم يعرف البيت الذي أوله حملنا له في عامل الرمح راية وأنشدني بعد قوله وكان لنا عقد اللواء وشاهره ونحن خضبناه دما فهو لونه

قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضا من مبلغ الأقوام أن محمدا رسول الإله راشد حيث يمما دعا ربه واستنصر الله وحده فأصبح قد وفى إليه وأنعما سرينا وواعدنا قديدا محمدا يؤم بنا أمرا من الله محكما تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا مع الفجر فتيانا وغابا مقوما على الخيل مشدودا علينا دروعنا ورجلا كدفاع الأتي عرمرما فإن سراة الحي إن كنت سائلا سليم وفيهم منهم من تسلما وجند من الأنصار لا يخذلونه أطاعوا فما يعصونه ما تكلما فإن تك قد أمرت في القوم خالدا وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره تصيب به في الحق من كان أظلما حلفت يمينا برة لمحمد فأكملتها ألفا من الخيل ملجما وقال نبي المؤمنين تقدموا وحب إلينا أن نكون المقدما وبتنا بنهي المستدير ولم يكن بنا الخوف إلا رغبة وتحزما أطعناك حتى أسلم الناس كلهم وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما يضل الحصان الأبلق الورد وسطه ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى وكل تراه عن أخيه قد احجما لدن غدوة حتى تركنا عشية حنينا وقد سالت دوافعه دما إذا شئت من كل رأيت طمرة وفارسها يهوي ورمحا محطما وقد أحرزت منا هوازن سربها وحب إليها أن نخيب ونحرما ________________________________________ قصيدة عباس الميمية وقوله في كلمته الميمية وفيهم منهم من تسلما . يريد وفي سليم من اعتزى إليهم من حلفائهم فتسلم بذلك كما تقول تقيس الرجل إذا اعتزى إلى قيس . أنشد سيبويه : وقيس عيلان ومن تقيسا شعر ضمضم في يوم حنين قال ابن إسحاق : وقال ضمضم بن الحارث بن جشم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السلمي في يوم حنين ، وكانت ثقيف أصابت كنانة بن الحكم بن خالد بن الشريد ، فقتل به محجنا وابن عم له وهما من ثقيف : نحن جلبنا الخيل من غير مجلب إلى جرش من أهل زيان والغم نقتل أشبال الأسود ونبتغي طواغي كانت قبلنا لم تهدم فإن تفخروا بابن الشريد فإنني تركت بوج مأتما بعد مأتم أبأتهما بابن الشريد وغره جواركم وكان غير مذمم تصيب رجالا من ثقيف رماحنا وأسيافنا يكلمنهم كل مكلم وقال ضمضم بن الحارث أيضا أبلغ لديك ذوي الحلائل آية لا تأمنن الدهر ذات خمار بعد التي قالت لجارة بيتها قد كنت لو لبث الغزي بدار لما رأت رجلا تسفع لونه وغر المصيفة والعظام عواري مشط العظام تراه آخر ليله متسربلا في درعه لغوار إذ لا أزال على رحالة نهدة جرداء تلحق بالنجاد إزاري يوما على أثر النهاب وتارة كتبت مجاهدة مع الأنصار وزهاء كل خميلة أزهقتها مهلا تمهله وكل خبار كيما أغير ما بها من حاجة وتود أني لا أءوب فجار ________________________________________ حول قصيدة ضمضم بن الحارث وأنشد لضمضم بن الحارث وهو ممن شهد حنينا مع المسلمين وكان ينبغي لأبي عمر رحمه الله أن يذكره في الصحابة لأنه من شرطه فلم يفعل وقد أنشد له ابن إسحاق ما يدل على أنه منهم لقوله يوما على أثر النهاب وتارة كتبت مجاهدة مع الأنصار يعني : فرسه وكذلك لم يذكر أبو عمر ضمضم بن قتادة العجلي وله حديث مشهور في قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه قال له يا رسول الله إني قد تزوجت امرأة فولدت لي غلاما أسود فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " هل لك من إبل " ، فقال نعم والحديث مشهور غير أنه لم يسم باسمه في الصحيحين ، وسمي في بعض المسندات وذكره عبد الغني في المبهمات وذكر عبد الغني في الحديث زيادة حسنة قال كانت المرأة من بني عجل فقدم المدينة عجائز من عجل فسئلن عن المرأة التي ولدت الغلام الأسود فقلن كان في آبائها رجل أسود رثاء أبي خراش لابن عجوة قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة قال أسر زهير بن العجوة الهذلي يوم حنين ، فكتف فرآه جميل بن معمر الجمحي ، فقال له أأنت الماشي لنا بالمغايظ ؟ فضرب عنقه فقال أبو خراش الهذلي يرثيه وكان ابن عمه عجف أضيافي جميل بن معمر بذي فجر تأوي إليه الأرامل طويل نجاد السيف ليس بجيدر إذا اهتز واسترخت عليه الحمائل تكاد يداه تسلمان إزاره من الجود لما أذلقته الشمائل إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا ومستنبح بالي الدريسين عائل تروح مقرورا وهبت عشية لها حدب تحتثه فيوائل فما بال أهل الدار لم يتصدعوا وقد بان منها اللوذعي الحلاحل فأقمم لو لاقيته غير موثق لآبك بالنعف الضباع الجيائل وإنك لو واجهته إذ لقيته فنازلته أو كنت ممن ينازل لظل جميل أفحش القوم صرعة ولكن قرن الظهر للمرء شاغل فليس كعهد الدار يا أم ثابت ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل وعاد الفتى كالشيخ ليس بفاعل سوى الحق شيئا واستراح العواذل وأصبح إخوان الصفاء كأنما أهال عليهم جانب الترب هائل فلا تحسبي أني نسبت لياليا بمكة إذ لم نعد عما نحاول إذ الناس ناس والبلاد بغرة وإذ نحن لا تثنى علينا المداخل ________________________________________ شعر أبي خراش وذكر شعر أبي خراش واسمه خويلد بن مرة شاعر إسلامي مات في خلافة عمر رحمه الله من نهش حية نهشته كان سببها أضياف نزلوا به وخبره بذلك عجيب وله فيه شعر . والخراش وسم لإبل يكون من الصدغ إلى الذقن فقوله تكاد يداه تسلمان إزاره من الجود لما أذلفته الشمائل يريد أنه من سخائه يريد أن يتجرد من إزاره لسائله فيسلمه إليه وألفيت بخط أبي الوليد الوقشي الجود هاهنا ، وعلى هذه الرواية وبهذه الرتبة السخاء وكذلك فسره الأصمعي والطوسي وأما على ما وقع في شعر الهذلي وفسر في الغريب المصنف فهو الجوع وموضعه في الشعر المذكور يتلو قوله تروح مقرورا . وفي الغريب رداءه بدل إزاره . وقوله ولكن قرن الظهر للمرء شاغل قرن بالقاف جمعه أقران ويروى : ولكن أقران الظهور مقاتل مقاتل جمع مقتل بكسر الميم مثل محرب من الحرب أي من كان قرن طهر فإنه قاتل وغالب . وقوله يصف الريح لها حدب تحتثه فيوائل بالحاء المهملة وقع في الأصل وقد يسمى انحدار الماء ونحوه حدبا ، فيكون هذا منه وإلا فالخدب بالخاء المنقوطة أشبه بمعنى البيت لأنهم يقولون ريح خدباء كان بها خدبا ، وهو الهوج . ابن عوف يعتذر عن فراره قال ابن إسحاق : وقال مالك بن عوف وهو يعتذر يومئذ من فراره منع الرفاد فما أغمض ساعة نعم بأجزاع الطريق مخضرم سائل هوازن هل أضر عدوها وأعين غارمها إذا ما يغرم وكتيبة لبستها بكتيبة فئتين منها حاسر وملأم ومقدم تعيا النفوس لضيقه قدمته وشهود قومي أعلم فوردته وتركت إخوانا له يردون غمرته وغمرته الدم فإذا انجلت غمراته أورثنني مجد الحياة ومجد غنم يقسم كلفتموني ذنب آل محمد والله أعلم من أعق وأظلم وخذلتموني إذ أقاتل واحدا وخذلتموني إذ تقاتل خثعم وإذا بنيت المجد يهدم بعضكم لا يستوي بان وآخر يهدم وأقب مخماص الشتاء مسارع في المجد ينمي للعلى متكرم أكرهت فيه ألة يزنية سحماء يقدمها سنان سلجم وتركت حنته ترد وليه وتقول ليس على فلانة مقدم ونصبت نفسي للرماح مدججا مثل الدريئة تستحل وتشرم ________________________________________ من شعر مالك بن عوف وذكر في آخر بيت من شعر مالك بن عوف : مثل الدريئة تستحل وتشرم الدريئة الحلقة التي يتعلم عليها الطعن وهو مهموز وتستحل بالحاء المهملة وقع في الأصل وفي غيره تستخل بالخاء معجمة وهو أظهر في المعنى من الخلال وقد يكون لتستحل وحيه من الحل إذ بعده تشرم وكلاهما قريب في المعنى . هوازني يذكر إسلام قومه قال ابن إسحاق : وقال قائل في هوازن أيضا ، يذكر مسيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مالك بن عوف بعد إسلامه أذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا ومالك فوقه الرايات تختفق ومالك مالك ما فوقه أحد يوم حنين عليه التاج يأتلق حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم عليهم البيض والأبدان والدرق فضاربوا الناس حتى لم يروا أحدا حول النبي وحتى جنه الغسق ثمت نزل جبريل بنصرهم من السماء فمهزوم ومعتنق منا ولو غير جبريل يقاتلنا لمنعتنا إذن أسيافنا العتق وفاتنا عمر الفاروق إذ هزموا بطعنة بل منها سرجه العلق جشمية ترثي أخويها وقالت امرأة من بني جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين : أعيني جودا على مالك معا والعلاء ولا تجمدا هما القاتلان أبا عامر وقد كان ذا هبة أربدا هما تركاه لدى مجسد ينوء نزيفا وما وسدا أبو ثواب يهجو قريشا وقال أبو ثواب زيد بن صحار ، أحد بني سعد بن بكر : ألا هل أتاك أن غلبت قريش هوازن والخطوب لها شروط وكنا يا قريش إذا غضبنا يجيء من الغضاب دم عبيط وكنا يا قريش إذا غضبنا كأن أنوفنا فيها سعوط فأصبحنا تسوقنا قريش سياق العير يحدوها النبيط فلا أنا إن سئلت الخسف آب ولا أنا أن ألين لهم نشيط سينقل لحمها في كل فج وتكتب في مسامعها القطوط ويروى " الخطوط " ، وهذا البيت في رواية أبي سعد . قال ابن هشام : ويقال أبو ثواب زياد بن ثواب . وأنشدني خلف الأحمر قوله يجيء من الغضاب دم عبيط وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق . ابن وهب يرد على ابن أبي ثواب قال ابن إسحاق : فأجابه عبد الله بن وهب رجل من بني تميم ، ثم من بني أسد ، فقال بشرط الله نضرب من لقينا كأفضل ما رأيت من الشروط وكنا يا هوازن حين نلقى نبل الهام من علق عبيط بجمعكم وجمع بني قسي نحك البرك كالورق الخبيط أصبنا من سراتكم وملنا بقتل في المباين والخليط به الملتاث مفترش يديه يمج الموت كالبكر النحيط فإن تك قيس عيلان غضابا فلا ينفك يرغمهم سعوطي شعر خديج في يوم حنين وقال خديج بن العوجاء النصري : لما دنونا من حنين ومائه رأينا سوادا منكر اللون أخصفا بملمومة شهباء لو قدفوا بها شماريخ من عزوى إذن عاد صفصفا ولو إن قومي طاوعتني سراتهم إذن ما لقينا العارض المتكشفا إذن ما لقينا جند آل محمد ثمانين ألفا واستمدوا بخندقا - ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها ، وصنعوا الصنائع للقتال . ________________________________________ غزوة الطائف ذكر بعض أهل النسب أن الدمون بن الصدف ، واسم الصدف : ملك بن مالك بن مرتع بن كندة من حضرموت أصاب دما من قومه فلحق بثقيف فأقام فيهم وقال لهم ألا أبني لكم حائطا يطيف ببلدكم فبناه فسمي به الطائف ، ذكره البكري هكذا قال وإنما هو الدمون بن عبيد بن مالك بن دهقل وهو من الصدف ، وله ابنان أدركا النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعاه اسم أحدهما : الهميل والآخر قبيصة ، ولم يذكرهما أبو عمر في الصحابة وذكرهما غيره . وذكر أن أصل أعنابها أن قيس بن منبه وهو ثقيف أصاب دما في قومه أيضا ، وهم إياد ففر إلى الحجاز ، فمر بامرأة يهودية فآوته وأقام عندها زمانا ، ثم انتقل عنها ، فأعطته قضبا من الحبلة وأمرته أن يغرسها في أرض وصفتها له فأتى بلاد عدوان ، وهم سكان الطائف في ذلك الزمان فمر بسخيلة جارية عامر بن الظرب العدواني وهي ترعى غنما ، فأراد سباءها ، وأخذ الغنم فقالت له ألا أدلك على خير مما هممت به اقصد إلى سيدي وجاوره فهو أكرم الناس فأتاه فزوجه من بنته زينب بنت عامر فلما جلت عدوان عن الطائف بالحروب التي وقعت بينها أقام قسي ، وهو ثقيف ، فمنه تناسل أهل الطائف ، وسمي قسيا بقسوة قلبه حين قتل أخاه أو ابن عمه وقيل سمي ثقيفا لقولهم فيه ما أثقفه حين ثقف عامرا حتى أمنه وزوجه بنته . وذكر بعض المفسرين وجها آخر في تسميتها بالطائف فقال في الجنة التي ذكرها الله سبحانه في سورة " ن " حيث يقول فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون [ القلم 19 ] . قال كان الطائف جبريل عليه السلام اقتلعها من موضعها ، فأصبحت كالصريم وهو الليل أصبح موضعها كذلك ثم سار بها إلى مكة ، فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف اليوم فسميت باسم الطائف الذي طاف عليها ، وطاف بها ، وكانت تلك الجنة بضروان على فراسخ من صنعاء ، ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها من الأرضين وكانت قصة أصحاب الجنة بعد عيسى ابن مريم صلى الله على نبينا وعليه وسلم بيسير ذكر هذا الخبر النقاش وغيره . فإن قيل فإذا كان ثقيف هو قسي بن منبه كما قال ابن إسحاق وغيره فكيف قال سيبويه حاكيا عن العرب : ثقيف بن قسي فجعله ابنا لقسي ؟ قيل إنما أراد سيبويه أن الحي سمي ثقيفا ، وهم بنو قسي كما قالوا : باهلة بن أعصر وإنما هي أمهم ولكن سمي الحي بها ، ثم قيل فيه ابن أعصر كذلك قالوا : ثقيف بن قسي على هذا ، ويقوي هذا أن سيبويه إنما قال حاكيا : هؤلاء ثقيف بن قسي . ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور . ________________________________________ آلات الحرب المستعملة في الطائف فصل " وذكر تعلم أهل الطائف صنعة الدبابات والمجانيق والضبور . الدبابة آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون بها إلى الأسوار لينقبوها ، والضبور مثل رءوس الأسفاط يتقى بها في الحرب عند الانصراف وفي العين الضبر جلود يغشى بها خشب يتقى بها في الحرب . وفي الحديث عن الزهري أن الله تبارك وتعالى حين مسخ بني إسرائيل قردة مسخ رمانهم المظ وبرهم الذرة وعنبهم الأراك ، وجوزهم الضبر وهو من شجر البرية وله ثمر كالجوز لا نفع فيه فهذا معنى آخر غير الأول وقال أبو حنيفة في الضبر إنه كالجوز ينور ولا يطعم . قال ويقال أظل الظلال ظل الضبرة وظل التنعيمة وظل الحجر ، قال وورقها كدار كثيفة فكان ظلها لذلك ألمى كثيفا ، وأما المظ الذي تقدم ذكره في الحديث فهو ورمان البر ينور ولا يثمر وله جلنار كما للرمان يمتص منه المذخ وهو عسل كثير يشبع من امتصه حتى يملأ بطنه ذكره أبو حنيفة من النبات " . وأما المجانيق فمعروفة وهي أعجمية عربتها العرب . قال كراع كل كلمة فيها جيم وقاف أو جيم وكاف فهي أعجمية وذلك كالجوالق والجولق وجلق والكيلجة وهي مكيال صغير والكفجلار وهي المغرفة والقبج وهو الحجل وما كان نحو ذلك والميم في منجنيق أصلية عند سيبويه والنون زائدة ولذلك سقطت في الجمع . ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ; فقال كعب بن مالك ، حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف : شعر كعب قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجممنا السيوفا فلست لحاضن إن لم تروها بساحة داركم منا ألوفا وننتزع العروش ببطن وج وتصبح دوركم منكم خلوفا ويأتيكم لنا سرعان خيل يغادر خلفه جمعا كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم لها مما أناخ بها رجيفا بأيديهم قواضب مرهفات يزرن المصطلين بها الحتوفا كأمثال العقائق أخلصتها قيون الهند لم تضرب كتيفا تخال جدية الأبطال فيها غداة الزحف جاديا مدوفا أجدهم أليس لهم نصيح من الأقوام كان بنا عريفا يخبرهم بأنا قد جمعنا عتاق الخيل والنجب الطروفا وأنا قد أتيناهم بزحف يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النبي وكان صلبا نقي القلب مصطبرا عزوفا رشيد الأمر ذو حكم وعلم وحلم لم يكن نزقا خفيفا نطيع نبينا ونطيع ربا هو الرحمن كان بنا رءوفا فإن تلقوا إلينا السلم نقبل ونجعلكم لنا عضدا وريفا وإن تابوا نجاهدكم ونصبر ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا إلى الإسلام إذعانا مضيفا نجاهد لا نبالي من لقينا أأهكنا التلاد أم الطريفا وكم من معشر ألبوا علينا صميم الجذم منهم والحليفا أتونا لا يرون لهم كفاء فجدعنا المسامع والأنوفا بكل مهند لين صقيل يسوقهم بها سوقا عنيفا لأمر الله والإسلام حتى يقوم الدين معتدلا حنيفا وتنسى اللات والعزى وود ونسلبها القلائد والشنوفا فأمسوا قد أقروا واطمأنوا ومن لا يمتنع يقبل خسوفا كنانة يرد على كعب فأجابه كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، فقال من كان يبغينا يريد قتالنا فإنا بدار معلم لا نريمها وجدنا بها الآباء من قبل ما ترى وكانت لنا أطواؤها وكرومها وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر فأخبرها ذو رأيها وحليمها وقد علمت إن قالت الحق أننا إذا ما أبت صعر الخدود نقيمها نقومها حتى يلين شريسها ويعرف للحق المبين ظلومها علينا دلاص من تراث محرق كلون السماء زينتها نجومها نرفهها عنا ببيض صوارم إذا جردت في غمرة لا نشيمها قصيدة شداد في المسير إلى الطائف قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف : لا تنصروا اللات إن الله مهلكها وكيف ينصر من هو ليس ينتصر إن التي حرقت بالسد فاشتغلت ولم يقاتل لدى أحجارها هدر إن الرسول متى ينزل بلادكم يظعن وليس بها من أهلها بشر ________________________________________ حول شعر كعب وذكر شعر كعب وفيه وكم من معشر ألبوا علينا أي جمعوا ، وصميم الجذم مفعول بألبوا ، وفيه يصف السيوف كأمثال العقائق أخلصتها قيون الهند لم تضرب كتيفا العقائق جمع عقيقة وهو البرق تنعق عنه السحاب . وقوله لم تضرب كتيفا ، جمع كتيفة وهي صحيفة من حديد صغيرة وأصل الكتيف الضيق من كل شيء . - شعر كنانة 252 وذكر شعر كنانة بن عبد ياليل الثقفي ، وفيه وكانت لنا أطواؤها وكرومها الأطواء جمع طوي وهي البئر جمعت على غير قياس توهموا سقوط ياء فعيل منها إذ كانت زائدة . وفيها : وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر إنما قال هذا جوابا للأنصار لأنهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وعمرو وهو مزيقياء وعامر هو ماء السماء ولم يرد أن الأنصار جربتهم قبل ذلك وإنما أراد إخوتهم وهم خزاعة لأنهم بنو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر في أحد القولين وقد كانوا حاربوهم عند نزولهم مكة ، وقال البكري في معنى هذا البيت إنما أراد بني عمرو بن عامر بن صعصعة ، وكانوا مجاورين لثقيف وأمهم عمرة بنت عامر بن الظرب العدواني وأختها زينب كانت تحت ثقيف ، وأكثر قبائل ثقيف منها ، وكانت ثقيف قد أنزلت بني عمرو بن عامر في أرضهم ليعملوا فيها ، ويكون لهم النصف في الزرع والثمر ثم إن ثقيفا منعتهم ذلك وتحصنوا منهم بالحائط الذي بنوه حول حاضرهم فحاربتهم بنو عمرو بن عامر ، فلم يظفروا منهم بشيء وجلوا عن تلك البلاد ولذلك يقول كنانة وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر البيت ذكره البكري في خبر طويل لخصته . الطريق إلى الطائف قال ابن إسحاق : فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لهية فابتنى بها مسجدا فصلى فيه . قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب : أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها ، بدم وهو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل ، فقتله به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم ثم سلك في طريق يقال لها : الضيقة ، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها ، فقال " ما اسم هذه الطريق ؟ " فقيل له الضيقة ، فقال " بل هي اليسرى " ، ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها : الصادرة ، قريبا من مال رجل من ثقيف ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخرابه . ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف ، فضرب به عسكره فقتل به ناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة . قال ابن هشام : ويقال سبع عشرة ليلة . قال ابن إسحاق : ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ضرب لهما قبتين ثم صلى بين القبتين . ثم أقام فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا ، وكانت في ذلك المسجد سارية فيما يزعمون لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا ، وتراموا النبل . أول من رمى بالمنجنيق قال ابن هشام : ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق . حدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق رمى أهل الطائف . يوم الشدخة قال ابن إسحاق : حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها ، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون . ________________________________________ أول من رمى بالمنجنيق في الجاهلية والإسلام فصل وذكر حصار الطائف ، وأن أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام النبي صلى الله عليه وسلم . قال المؤلف وأما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس ، وهو المعروف بالأبرش أول من رمى بالمنجنيق وكان من ملوك الطوائف وكان يرعف بالوضاح ويقال له أيضا : منادم الفرقدين لأنه ربأ بنفسه عن منادمة الناس فكان إذا شرب نادم الفرقدين عجبا بنفسه ثم نادم بعد ذلك مالكا وعقيلا اللذين يقول فيهما متمم [ بن نويرة يرثي أخاه مالكا ] : وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا ويذكر أيضا أنه أول من أوقد الشمع . بين أبي سفيان وثقيف وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناديا ثقيفا : أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما ، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما ، وهما يخافان عليهن السباء فأبين منهن آمنة بنت أبي سفيان كانت عند عروة بن مسعود له منها داود بن عروة . قال ابن هشام : ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ، وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة . قال ابن إسحاق : والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة ، لها عبد الرحمن بن قارب ، والفقيمية أميمة بنت الناسئ أمية بن قلع ; فلما أبين عليهما ، قال لهما ابن الأسود بن مسعود يا أبا سفيان ويا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا بواد يقال له العقيق ، إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشد مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا ، فكلماه فليأخذ لنفسه أو ليدعه لله وللرحم فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم تفسير أبي بكر لرؤيا الرسول وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا : يا أبا بكر ، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زيدا ، فنقرها ديك فهراق ما فيها . فقال أبو بكر : ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أرى ذلك سبب ارتحال المسلمين ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية وهي امرأة عثمان قالت يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية ابنة غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف . فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ؟ " فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث حدثتنيه خويلة زعمت أنك قلته ؟ قال " قد قلته " ; قال أوما أذن لك فيهم يا رسول الله ؟ قال " لا " . قال أفلا أؤذن بالرحيل ؟ قال " بلى " . قال فأذن عمر بالرحيل ________________________________________ غيلان بن سلمة وذكر حلي بادية بنت غيلان وهو غيلان بن سلمة الثقفي ، وهو الذي أسلم ، وعنده عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعا ، ويفارق سائرهن فقال فقهاء الحجاز : يختار أربعا ، وقال فقهاء العراق : بل يمسك التي تزوج أولا ، ثم التي تليها إلى الرابعة واحتج فقهاء الحجاز بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصله أيتهن تزوج أول وتركه للاستفصال دليل على أنه مخير حتى جعل الأصوليون منهم هذا أصلا من أصول العموم فقال أبو المعالي في كتاب البرهان ترك الاستفصال في حكايات الأحوال مع الاحتمال يتنزل منزلة العموم في المقال كحديث غيلان . وغيلان هذا هو الذي قدم على كسرى ، فسأله أي ولده أحب إليه ؟ فقال غيلان الغائب حتى يقدم والمريض حتى يفيق والصغير حتى يكبر فقال له كسرى : ما غذاؤك في بلدك ؟ قال الخبز . قال هذا عقل الخبز تفضيلا لعقله على عقول أهل الور ونسب المبرد هذه الحكاية مع كسرى إلى هوذة بن علي الحنفي ، والصحيح عند الإخباريين ما قدمناه وكذلك قال أبو الفرج . بادية بنت غيلان وأما بادية ابنته فقد قيل فيها : بادنة بالنون والصحيح بالياء وكذلك روي عن مالك وهي التي قال فيها هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية إن فتح الله عليكم الطائف ، فإني أدلك على بادية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال " قاتلك الله لقد أمعنت النظر وقال لا يدخلن هؤلاء عليكن " ثم نفاه إلى روضة خاخ فقيل إنه يموت بها جوعا فأذن له أن يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس ويروى في الحديث زيادة لم تقع في الصحيح بعد قوله وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان إن قامت تثنت وإن قعدت تبنت وإن تكلمت تغنت يعني من الغنة والأصل تغننت فقلبت إحدى النونين ياء وهي هيفاء شموع نجلاء كما قال قيس بن الخطيم بيضاء فرعاء يستضاء بها كأنها خوط بانة قصف تنترق الطرف وهي لاهية كأنما شف وجهها نزف تنام عن كبر شأنها فإذا قا مت رويدا تكاد تنغرف وفي هذا البيت صحف ابن دريد أعني قوله تغترق فقال هو بالعين المهملة حتى هجي بذلك فقيل ألست قدما جعلت تعترق ال طرف بجهل مكان تغترق وقلت : كان الخباء من أدم وهو حباء يهدى ويصطدق وكان صحف أيضا قول مهلهل فقال فيه الخباء وبادية هذه كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له جويرية وهي امرأة المسور بن مخرمة . المخنثون الذين كانوا بالمدينة وكان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة هيت هذا ، وهرم وماتع وإنه ولم يكونوا يزنون بالفاحشة الكبرى ، وإنما كان تأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهن وربما لعب بعضهم بالكرج وفي مراسيل أبي داود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى لاعبا يلعب بالكرج فقال " لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفيته من المدينة " . عيينة بن حصن فلما استقل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج ألا إن الحي مقيم . قال يقول عيينة بن حصن : أجل والله مجدة كراما ، فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف ، فأصيب من ثقيف جارية أتطئها ، لعلها تلد لي رجلا ، فإن ثقيفا قوم مناكير . ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصرا بالطائف عبيد ، فأسلموا ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ عيينة وذكر عيينة بن حصن ، واسمه حذيفة وإنما قيل له عيينة لشتر كان بعينه . العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مكدم عن رجال من ثقيف ، قالوا : لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، أولئك عتقاء الله وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة . قال ابن هشام : وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد . ________________________________________ العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف وذكر العبيد الذين نزلوا من الطائف ، ولم يسمهم ومنهم أبو بكرة نفيع بن مسروح تدلى من سور الطائف على بكرة فكني أبا بكرة وهو من أفاضل الصحابة ومات بالبصرة ومنهم الأزرق وكان عبدا للحارث بن كلدة المتطبب وهو زوج سمية مولاة الحارث أم زياد بن أبي سفيان وأم سلمة بن الأزرق وبنو سلمة بن الأزرق ولهم صيت وذكر بالمدينة وقد انتسبوا إلى غسان ، وغلط ابن قتيبة في المعارف فجعل سمية هذه المذكورة أم عمار بن ياسر ، وجعل سلمة بن الأزرق أخا عمار بن ياسر لأمه وقد ذكر أن الأزرق خرج من الطائف ، فأسلم وسمية قد كانت قبل ذلك بزمان قتلها أبو جهل وهي إذ ذاك تحت ياسر أبي عمار كما تقدم في باب المبعث فتبين غلط ابن قتيبة ووهمه وكذلك قال أبو عمر النمري كما قلت . ومن أولئك العبيد المنبعث وكان اسمه المضطجع فبدل النبي صلى الله عليه وسلم اسمه وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب . ومنهم يحنس النبال وكان عبدا لبعض آل يسار . ومنهم وردان جد الفرات بن زيد بن وردان ، وكان لعبد الله بن ربيعة بن خرشة وإبراهيم بن جابر وكان أيضا لخرشة وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا . كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام . وذكر أبو عمر فيهم نافع بن مسروح ، وهو أخو نفيع أبي بكرة ويقال فيه وفي أخيه ابن الحارث بن كلدة . وذكر ابن سلام فيهم نافعا مولى غيلان بن سلمة الثقفي ، وذكر أن ولاءه رجع إلى غيلان حين أسلم وأحسبه وهما من ابن سلام أو ممن رواه عنه وإنما المعروف نافع بن غيلان والله أعلم . شعر الضحاك وموضوعه قال ابن إسحاق : وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي وكان قد أسلم ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف ، فزعمت ثقيف ، وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمروان بن قيس : خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه فلقي أبي بن مالك القشيري ، فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكلم ثقيفا حتى أرسلوا أهل مروان وأطلق لهم أبي بن مالك فقال الضحاك بن سفيان في شيء كان بينه وبين أبي بن مالك أتنسى بلائي يا أبي بن مالك غداة الرسول معرض عنك أشوس يقودك مروان بن قيس بحبله ذليلا كما قيد الذلول المخيس فعادت عليك من ثقيف عصابة متى يأتهم مستقبس الشر يقبسوا فكانوا هم المولى فعادت حلومهم عليك وقد كادت بك النفس تيأس قال ابن هشام : " يقبسوا " عن غير ابن إسحاق . الشهداء في يوم الطائف قال ابن إسحاق : هذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف : من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعرفطة بن جناب حليف لهم من الأسد بن الغوث . قال ابن هشام : ويقال ابن حباب . قال ابن إسحاق : ومن بني تيم بن مرة عبد الله بن أبي بكر الصديق ، رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن بني مخزوم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، من رمية رميها يومئذ . ومن بني عدي بن كعب : عبد الله بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم . ومن بني سهم بن عمرو : السائب بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخوه عبد الله بن الحارث . ومن بني سعد بن ليث جليحة بن عبد الله . واستشهد من الأنصار : من بني سلمة ثابت بن الجذع . ومن بني مازن بن النجار الحارث بن سهل بن أبي صعصعة . ومن بني ساعدة المنذر بن عبد الله . ومن الأوس : رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية . فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث . قصيدة بجير في حنين والطائف فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنينا والطائف كانت علالة يوم بطن حنين وغداة أوطاس ويوم الأبرق جمعت بإغواء هوازن جمعها فتبدوا كالطائر المتمزق لم يمنعوا منا مقاما واحدا إلا جدارهم وبطن الخندق ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا فتحصنوا منا بباب مغلق ترتد حسرانا إلى رجراجة شهباء تلمع بالمنايا فيلق ملمومة خضراء لو قذفوا بها حضنا لظل كأنه لم يخلق مشي الضراء على الهراس كأننا قدر تفرق في القياد وتلتقي في كل سابغة إذا ما استحصنت كالنهي هبت ريحه المترقرق جدل تمس فضولهن نعالنا من نسج داود وآل محرق ________________________________________ من نسب بجير بن زهير وذكر شعر بجير بن زهير بن أبي سلمى ، واسم أبي سلمى : ربيعة ، وهو من بني لاطم بن عثمان وهي مزينة ، عرفوا بأمهم وقد قدمنا أنها بنت كلب بن وبرة وأن أختها الحوأب وبها سمي ماء الحوأب وعثمان هو ابن أد بن طابخة . حول شعر بجير وقوله كانت علالة يوم بطن حنين هذا من الإقواء الذي تقدم ذكره وهو أن ينقص حرفا من آخر القسيم الأول من الكامل وهو الذي كان الأصمعي يسميه المقعد . وقوله كانت علالة . العلالة جري بعد جري أو قتال بعد قتال يريد أن هوازن جمعت جمعها علالة في ذلك اليوم وحذف التنوين من علالة ضرورة وأضمر في كانت اسمها ، وهو القصة وإن كانت الرواية بخفض يوم فهو أولى من التزام الضرورة القبيحة بالنصب ولكن ألفيته في النسخة المقيدة وإذا كان اليوم مخفوضا بالإضافة جاز في علالة أن يكون منصوبا على خبر كان فيكون اسمها عائدا على شيء تقدم ذكره ويجوز الرفع في علالة مع إضافتها إلى يوم على أن تكون كان تامة مكتفية باسم واحد ويجوز أن تجعلها اسما علما للمصدر مثل برة وفجار وينصب يوم على الظرف كما تقيد في النسخة . وقوله ترتد حسرانا ، جمع : حسير وهو الكليل . والرجراجة الكتيبة الضخمة من الرجرجة وهي شدة الحركة والاضطراب . وفيلق من الفلق وهي الداهية . والهراس شوك معروف والضراء الكلاب وهي إذا مشت في الهراس ابتغت لأيديها موضعا ، ثم تضع أرجلها في موضع أيديها ، شبه الخيل بها . والفدر الوعول المسنة . والنهيء الغدير ، سمي بذلك لأنه ماء نهاه ما ارتفع من الأرض عن السيلان فوقف . وقوله جدل جمع جدلاء وهي الشديدة الفتل ومن رواه جدل فمعناه ذات جدل . وقوله وآل محرق يعني عمر بن هند ملك الحيرة ، وقد تقدم في أول الكتاب سبب تسميته بمحرق وفي زمانه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكروا - والله أعلم . أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ومعه من هوازن سبي كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف : يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد ثقيفا وأت بهم . ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والشاء ما لا يدرى ما عدته . قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو : أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا : يا رسول إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا ، من الله عليك . قال وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير يكنى أبا صرد فقال يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين قال ابن هشام : ويروى : ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر . قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ فقالوا : يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم . فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم : بلى ، ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال يقول عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم . ________________________________________ دحنا ومسح ظهر آدم فصل وذكر انصراف النبي صلى الله عليه وسلم عن الطائف على دحنا . ودحنا هذه هي التي خلق من تربها آدم صلى الله على نبينا وعليه وفي الحديث إن الله خلق آدم من دحنا ، ومسح ظهره بنعمان الأراك رواه ابن عباس ، وكان مسح ظهر آدم بعد خروجه من الجنة باتفاق من الروايات واختلفت الرواية في مسح ظهره فروي ما تقدم وهو أصح ، وروي أن ذلك كان في سماء الدنيا قبل هبوطه إلى الأرض وهو قول السدي ، وكلتا الروايتين ذكرهما الطبري . وقوله حتى نزل الجعرانة ، بسكون العين فيها هو أصح الروايتين وقد ذكر الخطابي أن كثيرا من أهل الحديث يشددون الراء وقد ذكر أن المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة كانت تلقب بالجعرانة واسمها : ريطة بنت سعد وأن الموضع يسمى بها ، والله أعلم . حول قول زهير أبي صرد فصل وذكر زهيرا أبا صرد وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر ، أو للنعمان بن المنذر وقد تقدم في أول الكتاب التعريف بالحارث وبالنعمان وملحنا : أرضعنا ، والملح الرضاع قال الشاعر فلا يبعد الله رب العبا د والملح ما ولدت خالده هم المطعمو الضيف شحم السنا م والكاسر و الليلة البارده وهم يكسرون صدور القنا بالخيل تطرد أو طارده فإن يكن الموت أفناهم فللموت ما تلد الوالده وأما زهير الذي ذكره فهو ابن صرد يكنى أبا صرد وقيل أبا جرول ، وكان من رؤساء بني جشم ولم يذكر ابن إسحاق شعره في النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم في رواية البكائي وذكره في رواية إبراهيم بن سعد عنه وهو أمنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وننتظر امنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير يا خير طفل ومولود ومنتخب في العالمين إذا ما حصل البشر إن لم تداركهم نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملأه من محضها الدرر إذ كنت طفلا صغيرا كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تدر لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منا منه معشر زهر يا خير من مرحت كمت الجياد به عند الهياج إذا ما استوقد الشرر إنا لنشكر آلاء وإن كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدخر إنا نؤمل عفوا منك تلبسه هذي البرية إذ تعفو وتنتصر فاغفر عفا الله عما أنت راهبه يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر من أحكام السبايا فصل وذكر رد السبايا إلى هوازن ، وأنه من لم تطب نفسه بالرد عوضه مما كان بيده واستطاب نفوس الباقين وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم ولا يجوز للإمام أن يمن على الأسرى بعد القسم ويجوز له ذلك قبل المقاسم كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل خيبر حين من عليهم وتركهم عمالا للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة كذلك قال أبو عبيد ، قال ولا يجوز للإمام أن يمن عليهم فيردهم إلى دار الحرب ولكن على أن يؤدوا الجزية ويكونوا تحت حكم المسلمين قال والإمام مخير في الأسرى بين القتل والفداء والمن والاسترقاق والفداء بالنفوس لا بالمال كذلك قال أكثر الفقهاء هذا في الرجال وأما الذراري والنساء فليس إلا الاسترقاق أو المفاداة بالنفوس دون المال كما تقدم . قال ابن إسحاق : وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها : ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ، وأعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها : زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان ، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه . قال ابن إسحاق : فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، قال بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها ، ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها . قال فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون فقلت : ما شأنكم ؟ قالوا : رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ; فقلت : تلكم صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها ، فأخذوها . ________________________________________ وذكر الجارية التي أعطيها عبد الله بن عمر ، وأنه بعث بها إلى أخواله من بني جمح ليصلحوا له منها كي يصيبها ، وهذا لأنها كانت قد أسلمت لأنه لا يجوز وطء وثنية ولا مجوسية بملك يمين ولا بنكاح حتى تسلم وإن كانت ذات زوج فلا بد أيضا من استبرائها ، وأما الكتابيات فلا خلاف في جواز وطئهن بملك اليمين وقد روي عن طائفة من التابعين منهم عمرو بن دينار إباحة وطء المجوسية والوثنية بملك اليمين وقول الله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة 221 ] تحريم عام إلا ما خصصته آية المائدة من الكتابيات والنكاح يقع على الوطء بالعقد والملك . حول سبي حنين وكان سبي حنين ستة آلاف رأس وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ولى أبا سفيان بن حرب أمرهم وجعله أمينا عليهم قاله الزبير وفي حديث آخر ذكره الزبير بإسناد حسن أن أبا جهم بن حذيفة العدوي كان على الأنفال يوم حنين ، فجاءه خالد بن البرصاء فأخذ من الأنفال زمام شعر فمانعه أبو جهم فلما تمانعا ضربه أبو جهم بالقوس فشجه منقلة فاستعدى عليه خالد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له خذ خمسين شاة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ مائة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ خمسين ومائة ودعه وليس لك إلا ذلك ولا أقصك من وال عليك فقومت الخمسون والمائة بخمس عشرة فريضة من الإبل فمن هنالك جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة . إعطاء المؤلفة قلوبهم من الغنائم فصل وأما إعطاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين حتى تكلمت الأنصار في ذلك وكثرت منهم القالة وقالت يعطي صناديد العرب ولا يعطينا ، وأسيافنا تقطر من دمائهم فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها أنه أعطاهم من خمس الخمس وهذا القول مردود لأن خمس الخمس ملك له ولا كلام لأحد فيه . القول الثاني : أنه أعطاهم من رأس الغنيمة وأن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تبارك وتعالى : قل الأنفال لله والرسول [ الأنفال 1 ] وهذا القول أيضا يرده ما تقدم من نسخ هذه الآية وقد تقدم الكلام عليها في غزوة بدر غير أن بعض العلماء لهذا القول بأن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بملائكته فلم يرجعوا حتى كان الفتح رد الله تعالى أمر المغانم إلى رسوله من أجل ذلك فلم يعطهم منها شيئا وقال لهم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم فطيب نفوسهم بذلك بعدما فعل ما أمر به . والقول الثالث وهو الذي اختاره أبو عبيد أن إعطاءهم كان من الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين . فصل ومما لم يذكر ابن إسحاق يوم حنين أن خالد بن الوليد أثقل بالجراحة يومئذ فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يدلني على رحل خالد حتى دل عليه فوجده قد أسند إلى مؤخرة رحله فنفث على جرحه فبرئ ذكره الكشي . قال ابن إسحاق : وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها : أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد خذها عنك ، فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا زوجها بواجد ولا درها بماكد . فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس فشكا إليه ذلك فقال إنك والله ما أخذتها بيضاء غريرة ولا نصفا وثيرة . ________________________________________ وصف عجوز ابن حصن فصل وذكر عيينة بن حصن وقول زهير بن صرد له في العجوز التي أخذها : ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا درها بماكد ويقال أيضا : بناكد يريد ليست بغزيرة الدر والنوق النكد الغزيرات اللبن وأحسبه من الأضداد لأنه قد يقال أيضا نكد لبنها إذا نقص قاله صاحب العين والصحيح عند أكثرهم أن النكد هي القليلات اللبن من قوله عز وجل لا يخرج إلا نكدا [ الأعراف 58 ] وأن المكد بالميم هي الغزيرات اللبن قال ابن سراج لأنه من مكد في المكان إذا أقام فيه وقد يقال أيضا : نكد في معنى مكد أي ثبت . الأقرع بن حابس وذكر الأقرع بن حابس وكان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه بعد وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت ولله على الناس حج البيت [ آل عمران : 97 ] أفي كل عام يا رسول الله ؟ قال لو قلتها لوجبت وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أقطع أبيض بن حمال الماء الذي بمأرب أتدري ما أقطعته يا رسول الله ؟ إنما أقطعته الماء العد فاسترجعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث مشهور غير أنه لم يسم قائل هذا الكلام فيه إلا الدارقطني في روايته وزاد فيه أيضا : قال أبيض على أن يكون صدقة مني يا رسول الله على المسلمين فقال نعم وأما نسب الأقرع بن حابس فهو ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع [ بن دارم ] التميمي المجاشعي الدارمي وأما عيينة فاسمه حذيفة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد تقدم ذكره .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ؟ فقالوا : هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فأتي مالك بذلك فخرج إليه من الطائف . وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له وأمر بفرس له فأتي به إلى الطائف ، فخرج ليلا ، فجلس على فرسه فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس فركبها ، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل وأسلم فحسن إسلامه  فقال مالك بن عوف حين أسلم : 

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي ومتى تشأ يخبرك عما في غد إذا الكتيبة عردت أنيابها بالسمهري وضرب كل مهند فكأنه ليث على أشباله وسط الهباءة خادر في مرصد فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وتلك القبائل ثمالة وسلمة وفهم فكان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي : هابت الأعداء جانبنا ثم تغزونا بنو سلمه وأتانا مالك بهم ناقضا للعهد والحرمه وأتونا في منازلنا ولقد كنا أولي نقمه ________________________________________ مالك بن عوف فصل وذكر تولية النبي صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف على ثمالة وبني سلمة وفهم . وثمالة هم بنو أسلم بن أحجن أمهم ثمالة وقول أبي محجن فيه هابت الأعداء جانبنا ثم تغزونا بنو سلمه هكذا تقيد في النسخة بكسر اللام والمعروف في قبائل قيس : سلمة بالفتح إلا أن يكونوا من الأزد ، فإن ثمالة المذكورين معهم حي من الأزد وفهم من دوس ، وهم من الأزد أيضا ، وأمهم جديلة وهي من غطفان بن قيس بن غيلان على أنه لا يعرف في الأزد سلمة إلا في الأنصار ، وهم من الأزد وسلمة أيضا في جعفى هم وسلمة بن عمرو بن ذهل بن مران بن جعفي وسلمة في جهينة أيضا سلمة بن نصر بن غطفان بن قيس بن جهينة وجعفي من مذحج وجهينة من قضاعة . قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون يا رسول الله أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال أدوا علي ردائي أيها الناس فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا ، ثم قام إلى جنب بعير . فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصبعيه ثم رفعها ، ثم قال أيها الناس والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم . فأدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا ونارا وشنارا يوم القيامة . قال فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر فقال أما نصيبي منها فلك قال أما إذ بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده قال ابن هشام : وذكر زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، وسيفه متلطخ دما ، فقالت إني قد عرفت أنك قد قتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟ فقال دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليرده حتى الخياط والمخيط . فرجع عقيل فقال ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها ، فألقاها في الغنائم . قال ابن إسحاق : وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف بهم قومهم فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير وأعطى ابنه معاوية مائة بعير وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة ، أخا بني عبد الدار مائة بعير . قال ابن هشام : نصير بن الحارث بن كلدة ، ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضا . قال ابن إسحاق : وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة بعير وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير . وأعطى مالك بن عوف النضري مائة بعير وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير فهؤلاء أصحاب المئين . وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المائة وأعطى سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل وأعطى السهمي خمسين من الإبل . قال ابن هشام : واسمه عدي بن قيس . قال ابن إسحاق : وأعطى عباس بن مرداس أباعر فسخطها ، فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت نهابا تلافيتها بكري على المهر في الأجرع وإيقاظي القوم أن يرقدوا إذا هجع الناس لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبي د بين عيينة والأقرع وقد كنت في الحرب ذا تدرإ فلم أعط شيئا ولم أمنع إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمها الأربع وما كان حصن ولا حابس يفوقان شيخي في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع قال ابن هشام : أنشدني يونس النحوي : فما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع قال ابن إسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه فأعطوه حتى رضي فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة ؟ فقال أبو بكر الصديق : بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد أنك كما قال الله وما علمناه الشعر وما ينبغي له [ يس : 69 ] . قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم في إسناد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ، قال بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين . من بني أمية بن عبد شمس : أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية ، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية . ومن بني عبد الدار بن قصي : شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، وأبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار ، وعكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار . ومن بني مخزوم بن يقظة زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . ومن بني عدي بن كعب : مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة وأبو جهم بن حذيفة بن غانم . ومن بني جمح بن عمرو . صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية بن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف . ومن بني سهم عدي بن قيس بن حذافة . ومن بني عامر بن لؤي : حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب . ومن أفناء القبائل من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل . ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب . ومن بني عامر بن ربيعة : خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو . ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع . ومن بني سليم بن منصور عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم . ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر . ومن بني تميم ثم من بني حنظلة الأقرع بن حابس بن عقال من بني مجاشع بن دارم قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ولكني تألفتهما ليسلما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ________________________________________ وأما محجن فاسمه مالك بن حبيب ، وقيل عبد الله بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قيس الثقفي وقد تقدم نسب أحجن عند ذكرنا لهب بن أحجن قبل باب المبعث . وذكر أبا السنابل بن بعكك واسمه حبة أحد بني عبد الدار وكان شاعرا وحديثه مع سبيعة الأسلمية حين آمت من زوجها مذكور في الصحاح . قول النبي صلى الله عليه وسلم لمرداس فصل وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعباس بن مرداس أنت القائل فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة ؟ فقال أبو بكر الصديق : بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد يعني في المعنى ، وأما في الفصاحة فالذي أجري على لسانه صلى الله عليه وسلم هو الأفصح في تنزيل الكلام وترتيبه وذلك أن القبلية تكون بالفضل نحو قوله تعالى : من النبيين والصديقين [ النساء 69 ] وتكون بالرتبة نحو قوله تعالى حين ذكر اليهود والنصارى ، فقدم اليهود لمجاورتهم المدينة ، فهم في الرتبة قبل النصارى ، وقبلية بالزمان نحو ذكر التوراة والإنجيل بعده ونوحا وإبراهيم وقبلية بالسبب وهو أن يذكر ما هو علة الشيء وسبب وجوده ثم يذكر المسبب بعده وهو كثير في الكلام مثل أن يذكر معصية وعقابا أو طاعة وثوابا فالأجود في حكم الفصاحة تقديم السبب . القبلية بين الأقرع وعيينة والأقرع وعيينة من باب قبلية المرتبة وقبلية الفضل أما قبلية الرتبة فإنه من خندف ، ثم من بني تميم فهو أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عيينة فترتب في الذكر قبله وأما قبلية الفضل فإن الأقرع حسن إسلامه وعيينة لم يزل معدودا في أهل الجفاء حتى ارتد وآمن بطليحة وأخذ أسيرا فجعل الصبيان يقولون له - وهو يساق إلى أبي بكر - ويحك يا عدو الله ارتددت بعد إيمانك ، فيقول والله ما كنت آمنت ، ثم أسلم في الظاهر ولم يزل جافيا أحمق حتى مات وبحسبك تسمية النبي صلى الله عليه وسلم له الأحمق المطاع ومما يذكر من جفائه أن عمرو بن معدي كرب نزل به ضيفا ، فقال له عيينة هل لك في الخمر نتنادم عليها ؟ فقال عمرو : أليست محرمة في القرآن ؟ فقال عيينة إنما قال فهل أنتم منتهون فقلنا نحن لا ، فشربا . قال ابن إسحاق : وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال نعم جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه وهو يعطي الناس فقال يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجل فكيف رأيت ؟ " فقال لم أرك عدلت ; قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " ويحك إذا لم يكن العدل عندي ، فعند من يكون ؟ " فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ألا أقتله ؟ فقال " لا ، دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن الحسين أو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة وسماه ذا الخويصرة . ________________________________________ حديث ذي الخويصرة وذكر حديث ذي الخويصرة التميمي ، وما قال فيه النبي عليه السلام وفي شيعته وقال في حديث آخر يخرج من ضئضئه قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية الحديث فكان كما قال - صلى الله عليه وسلم - وظهر صدق الحديث في الخوارج ، وكان أولهم من ضئضئي ذلك الرجل أي من أصله وكانوا من أهل نجد التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم منها يطلع قرن الشيطان فكان بدؤهم من ذي الخويصرة وكان آيتهم ذو الثدية الذي قتله علي رضي الله عنه وكانت إحدى يديه كثدي المرأة واسم ذي الثدية نافع ذكره أبو داود ، وغيره يقول اسمه حرقوص [ بن زهير ] وقول أبي داود أصح ، والله أعلم . شعر حسان في حرمان الأنصار قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن أبيه بمثل ذلك . قال ابن هشام : ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى قريشا وقبائل العرب ، ولم يعط الأنصار شيئا ، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك زادت هموم فماء العين منحدر سحا إذا حفلته عبرة درر وجدا بشماء إذ شماء بهكنة هيفاء لا ذنن فيها ولا خور دع عنك شماء إذ كانت مودتها نزرا وشر وصال الواصل النزر وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن للمؤمنين إذا ما عدد البشر علام تدعى سليم وهي نازحة قدام قوم هم آووا وهم نصروا سماهم الله أنصارا بنصرهم دين الهدى وعوان الحرب تستعر وسارعوا في سبيل الله واعترفوا للنائبات وما خاموا وما ضجروا والناس ألب علينا فيك ليس لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر نجالد الناس لا نبقي على أحد ولا نضيع ما توحي به السور ولا تهر جناة الحرب نادينا ونحن حين تلظى نارها سعر كما رددنا ببدر دون ما طلبوا أهل النفاق وفينا ينزل الظفر ونحن جندك يوم النعف من أحد إذ حزبت بطرا أحزابها مضر فما ونينا وما خمنا وما خبروا منا عثارا وكل الناس قد عثروا قال ابن هشام : حدثني زياد بن عبد الله قال حدثنا ابن إسحاق : قال وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقد لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء . قال فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " قال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي ، قال " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " قال فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال " يا معشر الأنصار : ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم " قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال " ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟ " قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل قال صلى الله عليه وسلم " أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك . أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ________________________________________ شعر حسان في عتابه صلى الله عليه وسلم وذكر شعر حسان وفيه هيفاء لا ذنن فيها ولا خور الذنن الغدر والتفل والذنين المخاط والذنن أيضا ألا ينقطع حيض المرأة يقال امرأة دناء ولو روي بالدال المهملة لكان جيدا أيضا ، فإن الدنن بالدال هو قصر العنق وتطامنها ، وهو عيب . والبهكنة الضخمة . حول عتاب النبي للأنصار فصل وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم هكذا الرواية جدة والمعروف عند أهل اللغة موجدة إذا أردت الغضب وإنما الجدة في المال . وقوله عليه السلام في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ، ليسلموا . اللعاعة بقلة ناعمة وهذا نحو من قوله عليه السلام المال حلوة خضرة واللعة من هذا المعنى ، وهي المرأة المليحة العفيفة واللعلع السراب ولعاعه بصيصه . جعيل بن سراقة وذكر جعيل بن سراقة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه . نسب ابن إسحاق جعيلا إلى ضمرة وهو معدود في غفار ، لأن غفارا ، هم بنو مليل بن ضمرة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة . وأما حديث التميمي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أعطى المؤلفة قلوبهم لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال إذا لم يكن العدل عندي ، فعند من يكون ؟ وقال أيضا : إني أرى قسمة ما أريد بها وجه الله فقال صلى الله عليه وسلم أيأمنني الله في السماء ولا تأمنوني أو كما قال صلى الله عليه وسلم فالرجل هو ذو الخويصرة كذلك جاء ذكره في الحديث . ويذكر عن الواقدي أنه قال هو حرقوص بن زهير السعدي من سعد تميم وقد كان لحرقوص هذا مشاهد محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر ثم كان خارجيا ، وفيه يقول نحيبة الخارجي حتى ألاقي في الفردوس حرقوصا ولذلك قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إنه سيكون من ضئضئه قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وذكر صفة الخوارج ، وليس ذو الخويصرة هذا ذا الندية الذي قتله علي بالنهر وأن ذلك اسمه نافع ذكره أبو داود ، وكلام الواقدي حكاه ابن الطلاع في الأحكام له . عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة ، وحج عتاب بالمسلمين سنة ثمان اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل ، يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء . قال ابن هشام : وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهما ، فقام فخطب الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد وقت العمرة قال ابن إسحاق : وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو في ذي الحجة . قال ابن هشام : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فما زعم أبو عمرو المدني . قال ابن إسحاق : وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد ، وهي سنة ثمان وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع . أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقي من شعراء قريش ، ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب ، قد هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض وكان كعب بن زهير قد قال ألا أبلغا عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا ؟ فبين لنا إن كنت لست بفاعل على أي شيء غير ذلك دلكا على خلق لم ألف يوما أباله عليه وما تلفي عليه أبا لكا فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ولا قائل إما عثرت لعا لكا سقاك بها المأمون كأسا روية فأنهلك المأمون منها وعلكا قال ابن هشام : ويروى " المأمور " . وقوله " فبين لنا " عن غير ابن إسحاق . وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه من مبلغ عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا شربت مع المأمون كأسا روية فأنهلك المأمون منها وعلكا وخالفت أسباب الهدى واتبعته على أي شيء ويب غيرك دلكا على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تدرك عليه أخا لكا فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ولا قائل إما عثرت لعا لكا قال وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع سقاك بها المأمون صدق وإنه لكذوب أنا المأمون : ولما سمع " على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه " قال أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ثم قال بجير لكعب من مبلغ كعبا فهل لك في التي تلوم عليها باطلا وهي أحزم إلى الله ( لا العزى ولا اللات ) وحده فتنجو إذا كان النجاء وتسلم لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت من الناس إلا طاهر القلب مسلم فدين زهير وهو لا شيء دينه ودين أبي سلمى علي محرم قال ابن إسحاق : وإنما يقول كعب " المأمون " ، ويقال " المأمور " في قول ابن هشام : لقول قريش الذي كانت تقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ شعر بجير وكعب ابني زهير فصل وذكر قصة بجير بن زهير بن أبي سلمى ، واسم أبي سلمى : ربيعة بن رياح أحد بني مزينة . وفي شعر كعب إلى أخيه بجير سقاك به المأمون كأسا روية ويروى : المحمود في غير رواية ابن إسحاق ، أراد بالمحمود محمدا - صلى الله عليه وسلم - وكذلك المأمون والأمين كانت قريش تسمي بهما النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة . وقوله لأخيه بجير على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تدرك عليه أخا لكا إنما قال ذلك لأن أمهما واحدة وهي كبشة بنت عمار السحيمية فيما ذكر ابن الأعرابي عن ابن الكلبي . وقوله إما عثرت لعا لكا ، كلمة تقال للعاثر دعاء له بالإقالة قال الأعشى : فالتعس أدنى لها من أن يقال لعا لها وأنشد أبو عبيد : فلا لعا لبني فعلان إذ عثروا وقول بجير ودين زهير وهو لا شيء دينه رواية مستقيمة وقد رواه القالي فقال وهو لا شيء غيره وفسره على التقديم والتأخير أراد ودين زهير غيره وهو لا شيء . ورواية ابن إسحاق أبعد من الإشكال وأصح ، والله أعلم . وكعب هذا من فحول الشعراء هو وأبوه زهير وكذلك ابنه عقبة بن كعب بن زهير يعرف عقبة بالمضرب وابن عقبة العوام شاعر أيضا ، وهو الذي يقول ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ملاحة عيني أم عمرو وجيدها وهل بليت أثوابها بعد جدة ألا حبذ أخلاقها وجديدها ومما يستحسن ويستجاد من قول كعب لو كنت أعجب من شيء لأعجبني سعي الفتى وهو مخبوء له القدر يسعى الفتى لأمور ليس يدركها فالنفس واحدة والهم منتشر والمرء ما عاش ممدود له أمل لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر وقوله إن كنت لا ترهب ذمي لما تعرف من صفحي عن الجاهل فاخش سكوتي إذ أنا منصت فيك لمسموع خنا القائل فالسامع الذم شريك له ومطعم المأكول كالآكل مقالة السوء إلى أهلها أسرع من منحدر سائل ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل قدوم كعب على الرسول وقصيدته اللامية قال ابن إسحاق : فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه فقالوا : هو مقتول فلما لم يجد من شيء بدا ، قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه ثم خرج حتى قدم المدينة ، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه . فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه فوضع يده في يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " ، قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك ، فإنه قد جاء تائبا ، نازعا ( عما كان عليه ) فقال فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، لما صنع به صاحبهم وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يشتكى قصر منها ولا طول تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالروح معلول شجت بذي شيم من ماء محنية صاف بأبطح أضحى وهو مشمول تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه من صوب غادية بيض يعاليل فيا لها حلة لو أنها صدقت بوعدها أو لو إن النصح مقبول لكنها خلة قد سيط من دمها فجع وولع وإخلاف وتبديل فما تدوم على حال تكون بها كما تلون في أثوابها الغول وما تمسك بالعهد الذي زعمت إلا كما يمسك الماء الغرابيل فلا يغرنك ما منت وما وعدت إن الأماني والأحلام تضليل كانت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيل أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل أمست سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيبات المراسيل ولن يبلغها إلا عذافرة لها على الأين إرقال وتبغيل من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق إذا توقدت الحزان والميل ضخم مقلدها فعم مقيدها في خلقها عن بنات الفحل تفضيل غلباء وجناء علكوم مذكرة في دفها سعة قدامها ميل وجلدها من أطوم ما يؤيسه طلح بضاحية المتنين مهزول حرف أخوها أبوها من مهجنة وعمها خالها قوداء شمليل يمشي القراد عليها ثم يزلقه منها لبان وأقراب زهاليل عيرانة قذفت بالنحض عن عرض مرفقها عن بنات الزور مفتول كأنما فات عينيها ومذبحها من خطمها ومن اللحيين برطيل تمر مثل عسيب النخل ذا خصل في غارز لم تخونه الأحاليل قنواء في حرتيها للبصير بها عتق مبين وفي الخدين تسهيل تخدي على يسرات وهي لاحقة ذوابل مسهن الأرض تحليل سمر العجايات يتركن الحصى زيما لم يقهن رءوس الأكم تنعيل كأن أوب ذراعيها وقد عرقت وقد تلفع بالقور العساقيل يوما يظل به الحرباء مصطخدا كأن ضاحيه بالشمس مملول وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا شد النهار ذراعا عيطل نصف قامت فجاوبها نكد مثاكيل نواحة رخوة الضبعين ليس لها لما نعى بكرها الناعون معقول تفري اللبان بكفيها ومدرعها مشقق عن تراقيها رعابيل تسعى الغواة جنابيها وقولهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول وقال كل صديق كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال قرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت في الأقاويل لقد أقوم مقاما لو يقوم به أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل يرعد إلا أن يكون له من الرسول بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني ما أنازعه في كف ذي نقمات قيله القيل فلهو أخوف عندي إذ أكلمه وقيل إنك منسوب ومسئول من ضيغم بضراء الأرض مخدره في بطن عثر غيل دونه غيل يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما لحم من الناس معفور خراديل إذا يساور قرنا لا يحل له أن يترك القرن إلا وهو مفلول منه تظل سباع الجو نافرة ولا تمشي بواديه الأراجيل ولا يزال بواديه أخو ثقة مضرج البز والدرسان مأكول إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل بيض سوابغ قد شكت لها حلق كأنها حلق القفعاء مجدول ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ضرب إذا عرد السود التنابيل لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل قال ابن هشام : قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبيته " حرف أخوها أبوها " وبيته " يمشي القراد " وبيته " عيرانة قذفت " ، وبيته " تمر مثل عسيب النخل " ، وبيته " تفري اللبان " وبيته " إذا يساور قرنا " وبيته " ولا يزال بوادي " : عن غير ابن إسحاق . ________________________________________ قصيدة بانت سعاد وذكر قصيدته بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وفيها قوله شجت بذي شبم . يعني : الخمر وشجت كسرت من أعلاها لأن الشجة لا تكون إلا في الرأس والشيم البرد وأفرطه أي ملأه . والبيض اليعاليل السحاب وقيل جبال ينحدر الماء من أعلاها ، واليعاليل أيضا : الغدران واحدها يعلول لأنه يعل الأرض بمائه . وقوله يا ويحها خلة قد سيط من دمها أي خلط بلحمها ودمها هذه الأخلاق التي وصفها بها من الولع وهو الخلف والكذب والمطل يقال ساط الدم والشراب إذا ضرب بعضه ببعض . وقال الشاعر يصف عبد الله بن عباس : صموت إذا ما زين الصمت أهله وفتاق أبكار الكلام المختم وعى ما حوى القرآن من كل حكمة وسيطت له الآداب باللحم والدم والغول التي تتراءى بالليل . والسعلاة ما تراءى بالنهار من الجن ، وقد أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الغول حيث قال لا عدوى ولا غول وليس يعارض هذا ما روي من قوله عليه السلام إذا تغولت الغيلان فارفعوا أصواتكم بالأذان وكذلك حديث أبي أيوب مع الغول حين أخذها ، لأن قوله عليه السلام " لا غول إنما أبطل به ما كانت الجاهلية تتقوله من أخبارها وخرافاتها معها " . وقوله كانت مواعيد عرقوب لها مثلا هو عرقوب بن صخر من العماليق الذين سكنوا يثرب ، وقيل بل هو من الأوس والخزرج ، وقصته في إخلاف الوعد مشهورة حين وعد أخاه بجنا نخلة له وعدا من بعد وعد ثم جذها ليلا ، ولم يعطه شيئا . والتبغيل ضرب من السير سريع والحزان جمع حزن وهو ما غلظ من الأرض . والميل ما اتسع منها . وقوله ترمي النجاد وأنشده أبو علي ترمي الغيوب وهو جمع غيب وهو ما غار من الأرض كما قال ابن مقبل لزم الغلام وراء الغيب بالحجر وقوله حرف أبوها أخوها من مهجنة وعمها خالها قوداء شمليل القوداء الطويلة العنق . والشمليل السريعة . والحرف الناقة الضامر . وقوله من مهجنة أي من إبل مهجنة مستكرمة هجان . وقوله أبوها أخوها أي أنهما من جنس واحد من الكرم وقيل إنها من فحل حمل على أمه فجاءت بهذه الناقة فهو أبوها وأخوها ، وكانت للناقة التي هي أم هذه بنت أخرى من الفحل الأكبر فعمها خالها على هذا ، وهو عندهم من أكرم النتاج والقول الأول ذكره أبو علي القالي عن أبي سعيد فالله أعلم . وقوله أقراب زهاليل أي خواصر ملس واحدها : زهلول والبرطيل حجر طويل ويقال للمعول أيضا : برطيل . وقوله ذوابل وقعهن الأرض تحليل تحليل أي قليل . يقال ما أقام عندنا إلا كتحليل الألية وكتحلة المقسم وعليه حمل ابن قتيبة قوله عليه السلام لن تمسه النار إلا تحلة القسم وغلط أبا عبيد حيث فسره على القسم حقيقة . قال القتبي ليس في الآية قسم لأنه قال وإن منكم إلا واردها [ مريم : 71 ] ولم يقسم . قال الخطابي : هذه غفلة من ابن قتيبة فإن في أول الآية فوربك لنحشرنهم والشياطين وقوله وإن منكم إلا واردها داخل تحت القسم المتقدم . وقوله بالقور العساقيل . القور جمع قارة وهي الحجارة السود . والعساقيل هنا السراب وهذا من المقلوب أراد وقد تلفعت القود بالعساقيل . وفيها قوله تمشي الغواة بجنبيها ، أي بجنبي ناقته . عن القول والقيل إعرابا ومعنى وقوله إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول ويروى : وقيلهم وهو أحسن في المعنى ، وأولى بالصواب لأن القيل هو الكلام المقول فهو مبتدأ وقوله إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول خبر تقول إذا سئلت ما قيلك ؟ قيلي : إن الله واحد فقولك : إن الله واحد هو القيل والقول مصدر كالطحن والذبح والقيل اسم للمقول كالطحن والذبح بكسر أوله وإنما حسنت هذه الرواية لأن القول مصدر فيصير إنك يا ابن أبي سلمى في موضع المفعول فيه فيبقى المبتدأ بلا خبر إلا أن تجعل المقول هو القول على المجاز كما يسمى المخلوق خلقا ، وعلى هذا يكون قوله عز وجل وقيله يا رب [ الزخرف 88 ] في موضع البدل من القيل وكذلك قوله إلا قيلا سلاما سلاما [ الواقعة 26 ] منتصب بفعل مضمر فهو في موضع البدل من قيلا وكذلك قوله ومن أصدق من الله قيلا [ النساء 122 ] أي حديثا مقولا ، ومن هذا الباب مسألة من النحو ذكرها سيبويه ، وابن السراج في كتابه وأخذ الفارسي منهما ، أو من ابن السراج فكثيرا ما ينقل من كتابه بلفظه غير أنه أفسد هذه المسألة ولم يفهم ما أراد بها ، وذلك أنهما قالا : إذا قلت أول ما أقول إني أحمد الله بكسر الهمزة فهو على الحكاية فظن الفارسي أنه يريد على الحكاية بالقول فجعل إني أحمد الله في موضع المفعول بأقول فلما بقي له المبتدأ بلا خبر تكلف له تقديرا لا يعقل فقال تقديره أول ما أقول إني أحمد الله موجود أو ثابت فصار معنى كلامه إلى أن أول هذه الكلمة التي هي إني أحمد الله موجود أي أول هذه الكلمة موجود فآخرها إذا معدوم وهذا خلف من القول كما ترى ، وقد وافقه ابن جني عليه رأيته في بعض مسائله قال قلت لأبي علي لم لا يكون إني أحمد الله في موضع الخبر ، كما تقول أول سورة أقرؤها : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1 ] أو نحو هذا ولا يحتاج إلى حذف خبر قال فسكت ولم يجد جوابا ، وإنما معنى هذه المسألة أول ما أقول أي أول القيل الذي أقوله إني أحمد الله على حكاية الكلام المقول وهذا الذي أراد سيبويه ، وأبو بكر بن السراج فإن فتحت الهمزة من أن صار معنى الكلام أول القول لا أول القيل وكانت ما واقعة على المصدر وصار معناه أول قولي الحمد إذ الحمد قول ولم يبين مع فتح الهمزة كيف حمد الله هل قال الحمد لله بهذا اللفظ أو غيره وعلى كسر الهمزة قد بين كيف حمد حين افتتح كلامه بأنه قال إني أحمد الله بهذا اللفظ أو غيره وعلى كسر الهمزة قد بين كيف حمد حين افتتح كلامه بأنه قال إني أحمد الله بهذا اللفظ لا بلفظ آخر فقف على هذه المسألة وتدبرها إعرابا ومعنى ، فقل من أحكمها وحسبك أن الفارسي لم يفهم عمن قبله وجاء بالتخليط المتقدم والله المستعان . عود إلى بانت سعاد والخراديل القطع من اللحم وفي الحديث في صفة الصراط فمنهم الموبق بعمله ومنهم المخردل أي تخردل لحمه الكلاليب التي حول الصراط سمعت شيخنا الحافظ أبا بكر رحمه الله يقول تلك الكلاليب هي الشهوات لأنها تجذب العبد في الدنيا عن الاستقامة على سواء الصراط فتمثل له في الآخرة على نحو ذلك . وقوله بضراء الأرض . الضراء ما واراك من شجر والخمر ما واراك من شجر وغيره . وقوله بواديه الأراجيل أي الرجالة قيل إنه جمع الجمع كأنه جمع الرجل وهم الرجالة على أرجل ثم جمع أرجلا على أراجل وزاد الياء ضرورة . والدرس الثوب الخلق . والفقعاء شجرة لها ثمر كأنه حلق . ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أنشده كعب إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول نظر إلى أصحابه كالمعجب لهم من حسن القول وجودة الشعر . وقوله ليس لهم عن حياض الموت تهليل التهليل أي ينكص الرجل عن الأمر جبنا . وقوله في الأنصار : ضربوا عليا يوم بدر ضربة بنو علي هم بنو كنانة ، يقال لهم بنو علي لما تقدم ذكره في هذا الكتاب وأراد ضربوا قريشا لأنهم من بني كنانة . استرضاء كعب الأنصار بمدحه إياهم قال ابن إسحاق : وقال عاصم بن عمر بن قتادة : فلما قال كعب " إذا عرد السود التنابيل " ، وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته غضبت عليه الأنصار ; فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعهم من اليمن من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالحي الأنصار ورقوا المكارم كابرا عن كابر إن الخيار هم بنو الأخيار المكرهين السمهري بأذرع كسوالف الهندي غير قصار والناظرين بأعين محمرة كالجمر غير كليلة الأبصار والبائعين نفوسهم لنبيهم للموت يوم تعانق وكرار والقائدين الناس على أديانهم بالمشرفي وبالقنا الخطار يتطهرون يرونه نسكا لهم بدماء من علقوا من الكفار دربوا كما دربت ببطن خفية غلب الرقاب من الأسود ضواري وإذا حللت ليمنعوك إليهم أصبحت عند معاقل الأعفار ضربوا عليا يوم بدر ضربة دانت لوقعتها جميع نزار لو يعلم الأقوام علمي كله فيهم لصدقني الذين أماري قوم إذا خوت النجوم فإنهم للطارقين النازلين مقاري في الغر من غسان من جرثومة أغيت محافرها على المنقار قال ابن هشام : ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده " بانت سعاد فقلبي اليوم متبول " : لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل فقال كعب هذه الأبيات وهي في قصيدة له . قال ابن هشام : وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ________________________________________ وقوله إذا عرد السود التنابيل جمع تنبال وهو القصير وقوله عرد أي هرب . قال الشاعر يعرد عنه صحبه وصديقه وينبش عنه كلبه وهو ضاربه علة السواد في أهل اليمن وشرح بيت لحسان وجعلهم سودا لما خالط أهل اليمن من السودان عند غلبة الحبشة على بلادهم ولذلك قال حسان في آل جفنة أولاد جفنة حول قبر أبيهم بيض الوجوه من الطراز الأول يعني بقوله من الطراز الأول أن آل جفنة كانوا من اليمن ، ثم استوطنوا الشام بعد سيل العرم ، فلم يخالطهم السودان كما خالطوا من كان من اليمن ، من الطراز الأول الذي كانوا عليه في ألوانهم وأخلاقهم . وقوله حول قبر أبيهم أي إنهم لعزهم لم يجلوا عن منازلهم قط ، ولا فارقوا قبر أبيهم . مدح آخر لكعب ومما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح النبي صلى الله عليه وسلم تخدي به الناقة الأدماء معتجرا بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم ففي عطافيه أو أثناء بردته ما يعلم الله من دين ومن كرم غزوة تبوك في رجب سنة تسع التهيؤ لتبوك قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم وقد ذكر لنا الزهري ويزد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة ، وغيرهم من علمائنا ، كل حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث ما لا يحدث بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان من عسرة الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها ، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له إلا ما كان من غزوة تبوك ، فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم . ________________________________________ غزوة تبوك سميت بعين تبوك ، وهي العين التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ألا يمسوا من مائها شيئا ، فسبق إليها رجلان وهي تبض بشيء من ماء فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها ، فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهما : ما زلتما تبوكانها منذ اليوم فيما ذكر القتبي قال وبذلك سميت العين تبوك ، والبوك كالنقش والحفر في الشيء ويقال منه باك الحمار الأتان يبوكها إذا نزا عليها . ووقع في السيرة فقال " من سبقنا إلى هذا ؟ " فقيل له يا رسول الله فلان وفلان وفلان وقال الواقدي : فيما ذكر لي ، سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن قشير ، والحارث بن يزيد الطائي ، ووديعة بن ثابت ، وزيد بن لصيت . شأن الجد بن قيس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة : يا جد ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر ؟ " فقال يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني ؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " قد أذنت لك ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [ التوبة 49 ] . أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه ويقول وإن جهنم لمن ورائه . المنافقون المثبطون وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكا في الحق وإرجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون [ التوبة 81 ، 82 ] . شعر الضحاك في تحريق بيت سويلم قال ابن هشام : وحدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة عن أبيه عن جده قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، وكان بيته عند جاسوم ، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ففعل طلحة . فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا . فقال الضحاك في ذلك . كادت وبيت الله نار محمد يشيط بها الضحاك وابن أبيرق وظلت وقد طبقت كبس سويلم أنوء على رجلي كسيرا ومرفقي سلام عليكم لا أعود لمثلها أخاف ومن تشمل به النار يحرق ________________________________________ وذكر الجد بن قيس ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له يا جد هل لك العام في جلاد بني الأصفر يقال إن الروم قيل لهم بنو الأصفر ، لأن عيصو بن إسحاق كان به صفرة وهو جدهم وقيل إن الروم بن عيصو هو الأصفر وهو أبوهم وأمه نسمة بنت إسماعيل وقد ذكرنا في أول الكتاب من ولدت من الأمم وليس كل الروم من ولد بني الأصفر فإن الروم الأول هم فيما زعموا من ولد يونان بن يافث بن نوح والله أعلم بحقائق هذه الأشياء وصحتها . وذكر يونس بإثر حديث الجد بن قيس عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقالوا : يا أبا القاسم إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء فصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ أنزل الله تعالى عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت السورة وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك - إلى قوله - تحويلا [ الإسراء 76 ، 77 ] . فأمره بالرجوع إلى المدينة ، وقال فيها محياك ، وفيها مماتك ، ومنها تبعث ثم قال أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى قوله محمودا [ الإسراء 78 ، 79 ] فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فأمره جبريل فقال سل ربك ، فإن لكل نبي مسألة وكان جبريل عليه السلام له ناصحا ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم له مطيعا ، فقال ما تأمرني أن أسأل ؟ قال وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك . حض أهل الغنى على النفقة قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز والانكماش وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها . قال ابن هشام : حدثني من أثق به أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارض عن عثمان ، فإني عنه راض . قصة البكائين والمعذرين والمتخلفين قال ابن إسحاق : ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون ، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد ، أخو بني حارثة وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار وعمرو بن حمام بن الجموح أخو بني سلمة وعبد الله بن المغفل المزني - وبعض الناس يقول بل هو عبد الله الفزاري . فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة فقال " لا أجد ما أحملكم عليه " ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون قال ابن إسحاق : فبلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما ؟ قالا : جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا ، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزودهما شيئا من تمر فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وجاءه المعذرون من الأعراب ، فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله تعالى . وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار . ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره وأجمع السير وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه عن غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك بن أبي كعب ، أخو بني سلمة ومرارة بن الربيع أخو بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أمية ، أخو بني واقف وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف . وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع قال ابن هشام : واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري . وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة ، مخرجه إلى تبوك : سباع بن عرفطة . المنافقون المتخلفون قال ابن إسحاق : وضرب عبد الله بن أبي معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين . فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي ، فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب . إرجاف المنافقين بعلي

وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، رضوان الله عليه على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا له وتخلفا منه . فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب ، رضوان الله عليه سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني . فقال " كذبوا ، ولكنني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي " ، فرجع علي إلى المدينة ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره  

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي هذه المقالة . قال ابن إسحاق : ثم رجع علي إلى المدينة ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره . قصة أبي خيثمة

ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء وهيأت له فيه طعاما . فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك . 

وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب إن لي ذنبا ، فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كن أبا خيثمة " ; فقالوا : يا رسول الله هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أولى لك يا أبا خيثمة " . ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ; فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له بخير . قال ابن هشام : وقال أبو خيثمة في ذلك شعرا ، واسمه مالك بن قيس : لما رأيت الناس في الدين نافقوا أتيت التي كانت أعف وأكرما وبايعت باليمنى يدي لمحمد فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما تركت خضيبا في العريش وصرمة صفايا كراما بسرها قد تحمما وكنت إذا شك المنافق أسمحت إلى الدين نفسي شطره حيث يمما مرور النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها ، واستقى الناس من بئرها ، فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له " ، ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ . فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه " . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه فشفي وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيئ فإن طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة والحديث عن الرجلين عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، وقد حدثنا عبد الله بن أبي بكر أن قد سمى له العباس الرجلين ولكنه استودعه إياهما ، فأبى عبد الله أن يسميهما لي . قال ابن هشام : بلغني عن الزهري أنه قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال " لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم مثل ما أصابهم " . قال ابن إسحاق : فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله سبحانه سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رجال من بني عبد الأشهل ، قال قلت لمحمود هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال نعم والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفي عشيرته ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك . ثم قال محمود لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا ، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس قالوا : أقبلنا عليه نقول ويحك ، هل بعد هذا شيء قال سحابة مارة مقالة ابن اللصيت قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته فخرج أصحابه في طلبها ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم ، وكان عقبيا بدريا ، وهو عم بني عمرو بن حزم ، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي وكان منافقا . قال ابن هشام : ويقال ابن لصيب بالباء . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا : فقال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس محمد يزعم أنه نبي ، ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده إن رجلا قال هذا محمد يخبركم أنه نبي ، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها ، وهي في هذا الوادي ، في شعب كذا وكذا ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها ، فذهبوا ، فجاءوا بها . فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ، للذي قال زيد بن لصيت فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي . فأقبل عمارة على زيد يجافي عنقه ويقول إلي عباد الله إن في رحلي لداهية وما أشعر اخرج أي عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني . قال ابن إسحاق : فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك وقال بعض الناس لم يزل متهما بشر حتى هلك . إبطاء أبي ذر

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا ، فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله قد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه وتلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا . ونزل رسول الله في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر . فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده  . 

وقال ابن إسحاق : فحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة، وأصابه بها قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه . فلما مات فعلا ذلك به . ثم وضعاه على قارعة الطريق وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها ، وقام إليهم الغلام . فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه . قال فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك . ثم نزل هو وأصحابه فواروه ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك . ________________________________________ إبطاء أبي ذر فصل وذكر أبا ذر الغفاري ، وإبطاءه . واسمه جندب بن جنادة هذا أصح ما قيل فيه وقد قيل فيه برير بن عشرقة وجندب بن عبد الله وابن السكن أيضا . وقول النبي صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر ، وفي أبي خيثمة كن أبا خيثمة ، لفظه لفظ الأمر ومعناه الدعاء كما تقول أسلم سلمك الله . إعراب كلمة وحده وقوله في أبي ذر رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده أي يموت منفردا ، وأكثر ما تستعمل هذه الحال لنفي الاشتراك في الفعل نحو كلمني زيد وحده أي منفردا بهذا الفعل وإن كان حاضرا معه غيره أي كلمني خصوصا ، وكذلك لو قلت : كلمته من بينهم وحده كان معناه خصوصا كما قرره سيبويه ، وأما الذي في الحديث فلا يتقدر هذا التقدير لأنه من المحال أن يموت خصوصا ، وإنما معناه منفردا بذاته أي على حدته كما قال يونس فقول يونس صالح في هذا الموطن وتقدير سيبويه له بالخصوص يصلح أن يحمل عليه في أكثر المواطن وإنما لم يتعرف وحده بالإضافة لأن معناه كمعنى لا غير ولأنها كلمة تنبئ عن نفي وعدم والعدم ليس بشيء فضلا عن أن يكون متعرفا متعينا بالإضافة وإنما لم يشتق منه فعل وإن كان مصدرا في الظاهر لما قدمناه من أنه لفظ ينبئ عن عدم ونفي والفعل يدل على حدث وزمان فكيف يشتق من شيء لشيء بحدث إنما هو عبارة عن انتفاء الحدث عن كل أحد إلا عن زيد مثلا إذا قلت : جاءني زيد وحده أي لم يجئ غيره وإنما يقال انعدم وانتفى بعد الوجود لا قبله لأنه أمر متجدد كالحدث وقد أطنبنا في هذا الغرض وزدناه بيانا في مسألة سبحان الله وبحمده وشرحها . أجأوسلمى فصل وذكر الرجل الذي طرحته الريح بجبلي طيئ ، وهما أجأوسلمىوعرف أجأ بأجأ بن عبد الحي كان صلب في ذلك الجبل وسلمى صلبت في الجبل الآخر فعرف بها ، وهي سلمى بنت حام فيما ذكر والله أعلم . تخذيل المنافقين المسلمين وما نزل فيهم قال ابن إسحاق : وقد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني عمرو بن عوف ومعهم رجل من أشجع حلف لبني سلمة يقال له مخشن بن حمير - قال ابن هشام : ويقال : مخشي - يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشن بن حمير : والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأن ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر " أدرك القوم فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل بلى ، قلتم كذا وكذا " . فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته فجعل يقول وهو آخذ بحقبها : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله عز وجل ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب [ التوبة 65 ] . وقال مخشن بن حمير : يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي ، وكأن الذي عفي عنه في هذه الآية مخشن بن حمير ، فتسمى عبد الرحمن وسأل الله تعالى أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر - الصلح مع صاحب أيلة ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، أتاه يحنة بن رؤبة ، صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وأتاه أهل جرباء وأذرح ، فأعطوه الجزية فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كتابا ، فهو عندهم . كتاب الرسول لصاحب أيلة فكتب ليحنة بن رؤبة بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة ، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة محمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام ، وأهل اليمن ، وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا ، فإنه لا يحول ماله دون نفسه وإنه طيب لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر . أكيدر ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد ، فبعثه إلى أكيدر دومة ، وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا عليها ، وكان نصرانيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد إنك ستجده يصيد البقر . فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين وفي ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومع امرأته فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال لا والله قالت فمن يترك هذه ؟ قال لا أحد . فنزل فأمر بفرسه فأسرج له وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ يقال له حسان . فركب وخرجوا معه بمطاردهم . فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا . قال ابن إسحاق : ثم إن خالدا قدم أكيدرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته فقال رجل من طيئ يقال له بجير بن بجرة يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد إنك ستجده يصيد البقر ، وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته لتصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تبارك سائق البقرات إني رأيت الله يهدي كل هاد فمن يك حائدا عن ذي تبوك فإنا قد أمرنا بالجهاد فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ثم انصرف قافلا إلى المدينة . حديث وادي المشقق ومائه

وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، ما يروي الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له وادي المشقق ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه . قال فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا . فقال من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له يا رسول الله فلان وفلان فقال أولم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه " ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم . ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسحه بيده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو له فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما إن له حسا كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي ، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه  . 

________________________________________ أكيدر والكتاب الذي أرسل إليه فصل وذكر كتابه لأكيدر دومة ودومة بضم الدال هي هذه وعرفت بدومي بن إسماعيل فيما ذكروا ، وهي دومة الجندل ، ودومة بالضم أخرى ، وهي عند الحيرة ، ويقال لما حولها : النجف ، وأما دومة بالفتح فأخرى مذكورة في أخبار الردة . وذكر أنه كتب لأكيدر دومة كتابا فيه عهد وأمان قال أبو عبيد : أنا قرأته ، أتاني به شيخ هنالك في قضيم والقضيم الصحيفة وإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها ، إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقتها ، وتؤتون الزكاة بحقها ، عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم بذلك الصدق والوفاء . شهد الله ومن حضر من المسلمين الضاحية أطراف الأرض والمعامي : مجهولها ، وأغفال الأرض ما لا أثر لهم فيه من عمارة أو نحوها ، والضامنة من النخل ما داخل بلدهم ولا يحظر عليكم النبات أي لا تمنعون من الرعي حيث شئتم ولا تعدل سارحتكم أي لا تحشر إلى المصدق وإنما أخذ منهم بعض هذه الأرضين مع الحلقة وهي السلاح ولم يفعل ذلك مع أهل الطائف حين جاءوا تائبين لأن هؤلاء ظهر عليهم وأخذ ملكهم أسيرا ، ولكنه أبقى لهم من أموالهم ما تضمنه الكتاب لأنه لم يقاتلهم حتى يأخذهم عنوة كما أخذ خيبر ، فلو كان الأمر كذلك لكانت أموالهم كلها للمسلمين وكان له الخيار في رقابهم كما تقدم ولو جاءوا إليه تائبين أيضا قبل الخروج إليهم كما فعلت ثقيف ما أخذ من أموالهم شيئا . الكتاب إلى هرقل ولم يذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك ما كان من أمر هرقل ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه من تبوك مع دحية بن خليفة ونصه مذكور في الصحاح مشهور فأمر هرقل مناديا ينادي : ألا إن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه فدخلت الأجناد في سلاحها ، وأطافت بقصره تريد قتله فأرسل إليهم إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم فقد رضيت عنكم فرضوا عنه ثم كتب كتابا ، وأرسله مع دحية يقول فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني مسلم ولكني مغلوب على أمري ، وأرسل إليه بهدية فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه قال " كذب عدو الله ليس بمسلم ، بل هو على نصرانيته " . قيام الرسول على دفن ذي البجادين قال وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، قال فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر قال فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه وهو يقول أدنيا إلي أخاكما ، فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال اللهم إني أمسيت راضيا عنه فارض عنه . قال يقول عبد الله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة . لم سمي ذو البجادين ؟ قال ابن هشام : وإنما سمي ذو البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره والبجاد الكساء الغليظ الجافي ، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين فاتزر بواحد واشتمل بالآخر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ذو البجادين لذلك والبجاد أيضا : المسح قال ابن هشام : قال امرؤ القيس : كأن أبانا في عرانين ودقه كبير أناس في بجاد مزمل قيام الرسول على دفن ذي البجادين قال وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، قال فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر قال فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه وهو يقول أدنيا إلي أخاكما ، فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال اللهم إني أمسيت راضيا عنه فارض عنه . قال يقول عبد الله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة . لم سمي ذو البجادين ؟ قال ابن هشام : وإنما سمي ذو البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره والبجاد الكساء الغليظ الجافي ، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين فاتزر بواحد واشتمل بالآخر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ذو البجادين لذلك والبجاد أيضا : المسح قال ابن هشام : قال امرؤ القيس : كأن أبانا في عرانين ودقه كبير أناس في بجاد مزمل موقفه صلى الله عليه وسلم من بعض الهدايا وقبل هديته وقسمها بين المسلمين وكان لا يقبل هدية مشرك محارب وإنما قبل هذه لأنها فيء للمسلمين ولذلك قسمها عليهم ولو أتته في بيته كانت له خالصة كما كانت هدية المقوقس خالصة له وقبلها من المقوقس ، لأنه لم يكن محاربا للإسلام بل كان قد أظهر الميل إلى الدخول في الدين وقد رد هدية أبي براء ملاعب الأسنة وكان أهدى إليه فرسا ، وأرسل إليه إني قد أصابني وجع أحسبه قال يقال له الدبيلة فابعث إلي بشيء أتداوى به فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعكة عسل وأمره أن يستشفي به ورد عليه هديته وقال " إني نهيت عن زبد المشركين " ، وبعض أهل الحديث ينسب هذا الخبر لعامر بن الطفيل عدو الله وإنما هو عمه عامر بن مالك . وقوله عليه السلام عن زبد المشركين ولم يقل عن هديتهم يدل على أنه إنما كره ملاينتهم ومداهنتهم إذا كانوا حربا ، لأن الزبد مشتق من الزبد كما أن المداهنة مشتقة من الدهن فعاد المعنى إلى معنى اللين والملاينة ووجود الجد في حربهم والمخاشنة .

وقد رد هدية عياض بن حماد المجاشعي قبل أن يسلم وفيها قال إني نهيت عن زبد المشركين  
وأهدى إلى أبي سفيان عجوة واستهداه أدما فأهداه أبو سفيان وهو على شركه الأدم وذلك في زمن الهدنة التي كانت بينه وبين المسلمين في صلح الحديبية  وقد روي أن هرقل وضع كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتب إليه في قصبة من ذهب تعظيما له وأنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرا عن كابر في أرفع صوان وأعز مكان حتى كان عند " إذفونش " الذي تغلب على طليطلة وما أخذ أخذها من بلاد الأندلس ثم كان عند ابن بنته المعروف " بالسليطين " حدثني بعض أصحابنا أنه حدثه من سأله رؤيته من قواد أجناد المسلمين كان يعرف بعبد الملك بن سعيد قال فأخرجه إلي فاستعبرته وأردت تقبيله وأخذه بيدي ، فمنعني من ذلك صيانة له وضنا به علي . ويقال هرقل وهرقل . 

حول قصة البكائين فصل وذكر البكائين وذكر فيهم علبة بن زيد ، وفي رواية يونس أن علبة خرج من الليل فصلى ما شاء الله ثم بكى ، وقال " اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ، ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض " ثم أصبح مع الناس وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أين المتصدق في هذه الليلة ؟ " لم يقم أحد ، ثم قال " أين المتصدق في هذه الليلة فليقم ولا يتزاهد ما صنع هذه الليلة ؟ " فقام إليه فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتب في الزكاة المتقبلة " . وأما سالم بن عمير وعبد الله بن المغفل فرآهما يامين بن كعب يبكيان فزودهما ، وحملهما ، فلحقا بالنبي صلى الله عليه وسلم . أبو رهم في تبوك قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم الغفاري أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة ، يقول غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، فسرت ذات ليلة معه ونحن بالأخضر قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقى الله علينا النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفزعني دنوها منه مخافة أن أصيب رجله في الغرز فطفقت أحوز راحلتي عنه حتى غلبتني عيني في بعض الطريق ونحن في بعض الليل فزاحمت راحلتي راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله في الغرز فما استيقظت إلا بقوله " حس " ، فقلت : يا رسول الله استغفر لي . فقال " سر " ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألني عمن تخلف عن بني غفار ، فأخبره به فقال وهو يسألني : " ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط " . فحدثته بتخلفهم . قال " فما فعل النفر السود الجعاد القصار ؟ " قال قلت : والله ما أعرف هؤلاء منا . قال " بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ فتذكرتهم في بني غفار ، ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا " ، فقلت : يا رسول الله أولئك رهط من أسلم ، حلفاء فينا ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعير من إبله امرأ نشيطا في سبيل الله ؟ إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم ________________________________________ معنى كلمة حس فصل وقوله خبرا عن أبي رهم أصابت رجلي رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله في الغرز فما استيقظت إلا بقوله " حس " . الغرز للرحل كالركاب للسرج " ، وحس كلمة تقولها العرب عند وجود الألم وفي الحديث أن طلحة لما أصيبت يده يوم أحد ، قال حس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أنه قال بسم الله يعني مكان حس لدخل الجنة والناس ينظرون أو كلاما هذا معناه وليست حس باسم ولا بفعل إنها لا موضع لها من الإعراب وليست بمنزلة صه ومه ورويد لأن تلك أسماء سمي الفعل بها وإنما حس صوت كالأنين الذي يخرجه المتألم نحو آه ونحو قول الغراب غلق وقد ذكرنا قبل في أف وجهين أحدهما : أن تكون من باب الأصوات مبنية كأنه يحكى بها صوت النفخ والثاني أن تكون معربة مثل تبا يراد به الوسخ . وقوله السود الثطاط جمع : ثط وهو الذي لا لحية له . قال الشاعر كهامة الشيخ اليماني الثط ونحو منه السناط ومن المحدثين من يرويه الشطاط وأحسبه تصحيفا . وقوله شبكة شدخ موضع من بلاد غفار . أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك قال ابن إسحاق : ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان ، بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا ، فتصلي لنا فيه فقال " إني على جناح سفر وحال شغل أو كما قال صلى الله عليه وسلم ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذي أوان ، أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي ، أخا بني العجلان فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا معه عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين إلى آخر القصة . وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا : خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير ، من بني ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف وجارية بن عامر وابناه مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ونبتل بن الحارث من ضبيعة ، وبحزج من بني ضبيعة وبجاد بن عثمان من بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت ، وهو من بني أمية بن زيد رهط أبي لبابة بن المنذر . وكانت مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة مسجد بتبوك ، ومسجد بثنية مدران ، ومسجد بذات الزراب ومسجد بالأخضر ومسجد بذات الخطمي ومسجد بألاء ومسجد بطرف البتراء ، من ذنب كواكب ومسجد بالشق ، شق تارا ، ومسجد بذي الجيفة ، ومسجد بصدر حوضى ، ومسجد بالحجر ومسجد بالصعيد ، ومسجد بالوادي ، اليوم وادي القرى . ومسجد بالرقعة من الشقة شقة بني عذرة ، ومسجد بذي المروة ، ومسجد بالفيفاء ، ومسجد بذي خشب . ________________________________________ أصحاب مسجد الضرار فصل وذكر المنافقين الذين اتخذوا مسجدا ضرارا . وذكر فيهم جارية بن عامر وكان يعرف بحمار الدار وهو جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف . وذكر فيهم ابنه مجمعا ، وكان إذ ذاك غلاما حدثا قد جمع القرآن فقدموه إماما لهم وهو لا يعلم بشيء من شأنهم وقد ذكر أن عمر بن الخطاب في أيامه أراد عزله عن الإمامة وقال أليس بإمام مسجد الضرار ، فأقسم له مجمع أنه ما علم شيئا من أمرهم وما ظن إلا الخير فصدقه عمر وأقره وكانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يصلون بأذان بلال كذلك قال بكير بن عبد الله الأشج فيما روى عنه أبو داود في مراسيله ، والدارقطني في سننه ، فمنها مسجد راتج ، ومسجد بني عبد الأشهل ومسجد بني عمرو بن مبذول ، ومسجد جهينة وأسلم ، وأحسبه قال ومسجد بني سلمة ، وسائرها مذكور في السنن وذكر ابن إسحاق في المساجد التي في الطريق مسجدا بذي الخيفة كذا وقع في كتاب أبي بحر بالخاء معجمة ووقع الجيفة بالجيم في كتاب قرئ على ابن أبي سراج وابن الإقليلي وأحمد بن خالد . أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين في غزوة تبوك وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين وتخلف أولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعذرهم الله ولا رسوله . واعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة . ________________________________________ عن الثلاثة الذين خلفوا فصل وذكر الثلاثة الذين خلفوا ، ونهي الناس عن كلامهم وإنما اشتد غضبه على من تخلف عنه ونزل فيهم من الوعيد ما نزل حتى تاب الله على الثلاثة منهم وإن كان الجهاد من فروض الكفاية لا من فروض الأعيان لكنه في حق الأنصار كان فرض عين وعليه بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ألا تراهم يقولون يوم الخندق ، وهم يرتجزون نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا ومن تخلف منهم يوم بدر إنما تخلف لأنهم خرجوا لأخذ عير ولم يظنوا أن سيكون قتال فكذلك كان تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة كبيرة لأنها كالنكث لبيعتهم كذلك قال ابن بطال رحمه الله في هذه المسألة ولا أعرف لها وجها غير الذي قال وأما الثلاثة فهم كعب بن مالك بن أبي كعب ، واسم أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي ، يكنى : أبا عبد الله وقيل أبا عبد الرحمن [ وقيل أبا بشير ] أمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة أيضا ، وهلال بن أمية ، وهو من بني واقف ومرارة بن ربيعة ، ويقال ابن الربيع العمري الأنصاري من بني عمرو بن عوف . حديث كعب عن التخلف قال ابن إسحاق : فذكر الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك : أن أباه عبد الله وكان قائد أبيه حين أصيب بصره قال سمعت أبي كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وحديث صاحبيه قال ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط ، غير أني كنت قد تخلفت عنه في غزوة بدر وكانت غزوة لم يعاتب الله ولا رسوله أحدا تخلف عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، وحين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت غزوة بدر هي أذكر في الناس منها . قال كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة و والله ما اجتمعت لي راحلتان قط حتى اجتمعتا في تلك الغزوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ، واستقبل غزو عدو كثير فجلى للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبته وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد والمسلمون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يعني بذلك الديوان يقول لا يجمعهم ديوان مكتوب . قال كعب فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى له ذلك ما لم ينزل فيه وحي من الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار وأحبت الظلال فالناس إليها صعر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهز المسلمون معه وجعلت أغدو لأتجهز معهم فأرجع ولم أقض حاجة فأقول في نفسي ، أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر الناس بالجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ، والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحق بهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا ، وتفرط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت ، فلم أفعل وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطفت فيهم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل : بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا منه إلا خيرا ; فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ، حضرني بثي ، فجعلت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطة رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ; فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق فأجمعت أن أصدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فجعلوا يحلفون له ويعتذرون وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وأيمانهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ، حتى جئت فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب ثم قال لي : " تعاله " ، فجئت أمشي ، حتى جلست بين يديه فقال لي : ما خلفك ؟ ألم تكن ابتعت ظهرك ؟ " قال قلت : إني يا رسول الله والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ، لكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كذبا لترضين عني ، وليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديثا صدقا تجد علي فيه إني لأرجو عقباي من الله فيه ولا والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما هذا فقد صدقت فيه ، فقم حتى يقضي الله فيك فقمت ، وثار معي رجال من بني سلمة ، فاتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ، فوالله ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم هل لقي هذا أحد غيري ؟ قالوا : نعم رجلان قالا مثل مقالتك ، وقيل لهما مثل ما قيل لك ; قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، من بني عمرو بن عوف ، وهلال بن ( أبي ) أمية الواقفي ; فذكروا لي رجلين صالحين فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي نفسي والأرض فما هي بالأرض التي كنت أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا ، وقعدا في بيوتهما ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي ، هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى كورت جدار حائط أبي قتادة . وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت : يا أبا قتادة ، أنشدك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت . فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي ووثبت فتسورت الحائط ، ثم غدوت إلى السوق فبينا أنا أمشي بالسوق إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ، مما قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك ؟ قال فجعل الناس يشيرون له إلي حتى جاءني ، فدفع إلي كتابا من ملك غسان ، وكتب كتابا في سرقة من حرير فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك . قال قلت حين قرأتها : وهذا من البلاء أيضا ، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك . قال فعمدت بها إلى تنور فسجرته بها . فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله يأتيني ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، قال قلت : أطلقها أم ماذا ؟ قال لا ، بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض . قال وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له أفتكره أن أخدمه ؟ قال " لا ، ولكن لا يقربنك " ; قالت والله يا رسول الله ما به من حركة إلي والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ، ولقد تخوفت على بصره . قال فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله لامرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه قال فقلت : والله لا أستأذنه فيها ، ما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي في ذلك إذا استأذنته فيها ، وأنا رجل شاب ، قال فلبثنا بعد ذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا ، ثم صليت الصبح صبح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، على الحال الذي ذكر الله منا ، قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علي نفسي ، وقد كنت ابتنيت خيمة في ظهر مبلغ فكنت أكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أوفى علي فهو سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك ، أبشر قال فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء الفرج . قال وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا ، وذهب نحو صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا . وسعى ساع من أسلم ، حتى أوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت ثوبي ، فكسوتهما إياه بشارة والله ما أملك يومئذ غيرهما ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله ، فحياني وهناني ، و والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره . قال فكان كعب بن مالك لا ينساها لطلحة . قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ، ووجهه يبرق من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " ، قال قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال " بل من عند الله . قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر كان وجهه قطعة قمر . قال وكنا نعرف ذلك منه . قال فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي إلى الله عز وجل أن أنخلع من مالي ، صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك " . قال قلت : إني ممسك سهمي الذي بخيبر وقلت : يا رسول الله إن الله قد نجاني بالصدق وإن من توبتي إلى الله أن لا أحدث إلا صدقا ما حييت والله ما أعلم أحدا من الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أفضل مما أبلاني الله والله ما تعمدت من كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . وأنزل الله تعالى : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا إلى قوله وكونوا مع الصادقين [ التوبة 117 - 119 ] . قال كعب فوالله ما أنعم الله علي نعمة قط بعد أن هداني للإسلام كانت أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد قال سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين [ التوبة 95 ، 96 ] . قال وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فعذرهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ، حتى قضى الله فيه ما قضى ، فبذلك قال الله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله من تخليفنا لتخلفنا عن الغزوة ولكن لتخليفه إيانا ، وإرجائه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه . ________________________________________ زاح عني الباطل فصل وذكر قول كعب زاح عني الباطل يقال : زاح وانزاح إذا ذهب والمصدر زيوحا وزيحانا ، إحداهما عن الأصمعي ، والأخرى عن الكسائي . وقوله فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهنئني ، فكان كعب يراها له فيه جواز السرور بالقيام إلى الرجل كما سر كعب بقيام طلحة إليه وقد قال عليه السلام في خبر سعد بن معاذ : قوموا إلى سيدكم وقام هو صلى الله عليه وسلم إلى قوم منهم صفوان بن أمية حين قدم عليه وإلى عدي بن حاتم ، وإلى زيد بن حارثة حين قدم عليه من مكة وغيرهم وليس هذا بمعارض لحديث معاوية عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من سره أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ويروى : يستجم له الرجال لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أو يسخط ألا يقام له وقد قال بعض السلف يقام إلى الوالد برا به وإلى الولد سرورا به وصدق هذا القائل فإن فاطمة رضي الله عنها كانت تقوم إلى أبيها صلى الله عليه وسلم برا به وكان هو صلى الله عليه وسلم يقوم إليها سرورا بها رضي الله عنها ، وكذلك كل قيام أثمره الحب في الله والسرور بأخيك بنعمة الله والبر بمن يحب بره في الله تبارك وتعالى ، فإنه خارج عن حديث النهي والله أعلم . أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف . وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي ، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتحدث قومه إنهم قاتلوك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم . قال ابن هشام : ويقال من أبصارهم . قال ابن إسحاق : وكان فيهم كذلك محببا مطاعا ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله . فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له أوس بن عوف ، أخو بني سالم بن مالك وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب بن مالك يقال له وهب بن جابر فقيل لعروة ما ترى في دمك ؟ قال كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه إن مثله في قومه لكمثل صاحب ياسين في قومه ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا . حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن عمرو بن أمية أخا بني علاج كان مهاجرا لعبد ياليل بن عمرو ، الذي بينهما سيئ وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب ، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو ، حتى دخل داره ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك : اخرج إلي قال فقال عبد ياليل للرسول ويلك أعمرو أرسلك إلي ؟ قال نعم وها هو ذا واقفا في دارك ، فقال إن هذا الشيء ما كنت أظنه لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك فخرج إليه فلما رآه رحب به فقال له عمرو : إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ، قد أسلمت العرب كلها ، وليست لكم بحربهم طاقة فانظروا في أمركم فعند ذلك ائتمرت ثقيف بيعها ، وقال بعضهم لبعض أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع فاتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، كما أرسلوا عروة فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، وكان سن عروة بن مسعود وعرضوا ذلك عليه فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة . فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا ، فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف ، وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب ، ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان ، أخا بني يسار وأوس بن عوف ، أخا بني سالم بن عوف ونمير بن خرشة بن ربيعة ، أخا بني الحارث . فخرج بهم عبد ياليل وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة بن مسعود لكي يشغل كل رجل منهم إذا رجعوا إلى الطائف رهطه . فلما دنوا من المدينة ، ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة ، يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين وضبر يشتد ، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر الصديق قبل أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطا ، ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا في قومهم وبلادهم وأموالهم فقال أبو بكر للمغيرة أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل المغيرة . فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص ، هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم . وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل معه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ، وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم حتى سألوا شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها ، وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه فقالوا : يا محمد فسنؤتيكها ، وإن كانت دناءة . فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن . فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني قد رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن قال ابن إسحاق : وحدثني عيسى بن عبد الله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي ، عن بعض وفدهم . قال كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتينا بالسحور وإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر لتأخير السحور ويأتينا بفطرنا ، وإنا لنقول ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد . فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها قال ابن هشام : بفطورنا وسحورنا . قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص ، قال كان من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال يا عثمان تجاوز في الصلاة ، واقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة قال ابن إسحاق : فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ، في هدم الطاغية ، فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال ادخل أنت على قومك ; وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم ; فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول وقام قومه دونه بنو معتب ، خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن لتبكين دفاع أسلمها الرضاع لم يحسنوا المصاع قال ابن هشام : " لتبكين " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس واها لك آها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ومالها من الذهب والجزع . وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف ، حين قتل عروة يريدان فراق ثقيف ، وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا ، فأسلما ; فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا من شئتما ; فقالا : نتولى الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالكما أبا سفيان بن حرب " ، فقالا : وخالنا أبا سفيان بن حرب فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " ، فقال له قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه وعروة والأسود أخوان لأب وأم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأسود مات مشركا " . فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ولكن تصل مسلما ذا قرابة يعني نفسه إنما الدين علي وإنما أنا الذي أطلب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية فلما جمع المغيرة مالها قال لأبي سفيان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما ، فقضى عنهما . ________________________________________ إسلام ثقيف فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عروة بن مسعود حين قتل مثله كمثل صاحب ياسين في قومه يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم كمثل صاحب ياسين أن يريد به المذكور في سورة ياسين الذي قال لقومه اتبعوا المرسلين فقتله قومه واسمه حبيب بن مري ، ويحتمل أن يريد صاحب إلياس وهو اليسع فإن إلياس يقال في اسمه ياسين أيضا ، وقال الطبري : هو إلياس بن ياسين وفيه قال الله تبارك وتعالى : سلام على إل ياسين [ الصافات 130 ] فالله أعلم وقد بينا في التعريف والإعلام معنى إلياس وإلياسين وآل ياسين بيانا شافيا ، وأوضحنا خطأ قول من قال إن إلياسين جمع كالأشعرين وضعف قول من قال إن ياسين هو محمد صلى الله عليه وسلم فلينظر هنالك . زوج عروة وكانت تحت عروة ميمونة بنت أبي سفيان ، فولدت له أبا مرة بن عروة وبنت أبي مرة هي ليلى امرأة الحسين بن علي عليهما السلام ولدت للحسين عليا الأكبر قتل معه بالطف وأما علي الأصغر فلم يقتل معه وأمه أم ولد واسمها سلافة وهي بنت كسرى بن يزدجرد وأختها الغزال هي أم أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارب بن هشام . حول هدم اللات فصل وذكر إسلام ثقيف وعدم طاغيتهم وهي اللات ، وأن المغيرة وأبا سفيان هما اللذان هدماها وذكر بعض من ألف في السير أن المغيرة قال لأبي سفيان حين هدمها : ألا أضحكك من ثقيف ؟ فقال بلى ، فأخذ المعول وضرب به اللات ضربة ثم صاح وخر على وجهه فارتجت الطائف بالصياح سرورا بأن اللات قد صرعت المغيرة وأقبلوا يقولون كيف رأيتها يا مغيرة دونكها إن استطعت ، ألم تعلم أنها تهلك من عاداها ، ويحكم ألا ترون ما تصنع ؟ فقام المغيرة يضحك منهم ويقول لهم يا خبثاء والله ما قصدت إلا الهزأ بكم ثم أقبل على هدمها ، حتى استأصلها ، وأقبلت عجائز ثقيف تبكي حولها ، وتقول أسلمها الرضاع إذ كرهوا المصاع أي أسلمها اللئام حين كرهوا القتال . فقه حديث كتاب النبي لثقيف فصل وذكر كتابه صلى الله عليه وسلم لثقيف وذكره أبو عبيد كما ذكره ابن إسحاق ، وذكر فيه شهادة علي وابنيه الحسن والحسين قال وفيه من الفقه شهادة الصبيان وكتابة أسمائهم قبل البلوغ وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ وفيه من الفقه أيضا شهادة الابن مع شهادة أبيه في عقد واحد . وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين : إن عضاه وج وصيده لا يعضد من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله وكتب خالد بن سعيد : بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعده أحد ، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ وذكر في الكتاب وجا ، وأنه حرام عضاهه وشجره يعني حراما على غير أهله كتحريم المدينة ومكة . ووج هي أرض الطائف ، وهي التي جاء فيها الحديث إن آخر وطأة وطئها الرب بوج ومعناها عند بعضهم آخر غزوة ووقعة كانت بأرض العرب بوج لأنها آخر غزواته - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب ، وقد قيل في معنى الحديث غير هذا ، مما ذكره القتبي ، ونحن نضرب عن ذكره لما فيه من إبهام التشبيه والله المستعان . وج وقد قيل في وج هي الطائف نفسها ، وقيل هو اسم لواد بها ، ويشهد لهذا القول قول أمية بن الأسكر إذ يبكي الحمام ببطن وج على بيضاته بكيا كلابا وقال آخر أتهدي لي الوعيد ببطن وج كأني لا أراك ولا تراني وقد ألفيت في نسخة الشيخ وجا بتخفيف الجيم والصواب تشديدها كما تقدم وقال أمية بن أبي الصلت : إن وجا وما يلي بطن وج دار قومي بربوة وزتوق وسميت وجا فيما ذكروا بوج بن عبد الحي من العمالقة ، ويقال وج ، وأج بالهمزة قاله يعقوب في كتاب الإبدال وكتابه صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف أطول مما ذكره ابن إسحاق بكثير وقد أورده أبو عبيد بكماله في كتاب الأموال . حج أبي بكر بالناس سنة تسع واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بتأدية أول " براءة " عنه وذكر " براءة " والقصص في تفسيرها قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين . ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم أن لا يصد عن البيت أحد جاءه ولا يخاف أحد في الشهر الحرام . وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص إلى آجال مسماة فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في تبوك ، وفي قول من قال منهم فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون منهم من سمي لنا ، ومنهم من لم يسم لنا ، فقال عز وجل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين أي لأهل العهد العام من أهل الشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله أي بعد هذه الحجة فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين أي العهد الخاص إلى الأجل المسمى ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم يعني الأربعة التي ضرب لهم أجلا فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين أي من هؤلاء الذين أمرتك بقتلهم استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ثم قال كيف يكون للمشركين الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام أن لا يخيفوكم ولا يخيفوهم في الحرمة ولا في الشهر الحرام عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام وهي قبائل من بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم يوم الحديبية ، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش ; وهي الديل من بني بكر بن وائل ، الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم . فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ثم قال تعالى : كيف وإن يظهروا عليكم أي المشركون الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل الشرك العام لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة تفسير ابن هشام لبعض المفردات قال ابن هشام : الإل : الحلف . قال أوس بن حجر أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم لولا بنو مالك والإل مرقبة ومالك فيهم الآلاء والشرف وهذا البيت في قصيدة له وجمعه آلال قال الشاعر فلا إل من الآلال بيني وبينكم فلا تألن جهدا والذمة العهد . قال الأجدع بن مالك الهمداني ، وهو أبو مسروق بن الأجدع الفقيه وكان علينا ذمة أن تجاوزوا من الأرض معروفا إلينا ومنكرا وهذا البيت في ثلاثة أبيات له وجمعها : ذمم . يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون أي قد اعتدوا عليكم فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون اختصاص الرسول عليا بتأدية " براءة " عنه قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه أنه قال لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج قيل له يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال " لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى : أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق فلما رآه أبو بكر بالطريق قال أأمير أم مأمور ؟ فقال بل مأمور ثم مضيا . فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فهو له إلى مدته . فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان . ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام وأهل المدة إلى الأجل المسمى . ________________________________________ إنزال سورة " براءة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك ، فذكر مخالطة المشركين للناس في حجهم وتلبيتهم بالشرك وطوافهم عراة بالبيت ، وكانوا يقصدون بذلك أن يطوفوا كما ولدوا بغير الثياب التي أذنبوا فيها ، وظلموا ، فأمسك - صلى الله عليه وسلم - عن الحج في ذلك العام وبعث أبا بكر - رضي الله عنه - بسورة براءة لينبذ إلى كل ذي عهد عهده من المشركين إلا بعض بني بكر الذين كان لهم عهد إلى أجل خاص ، ثم أردف بعلي رضي الله عنه فرجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هل أنزل في قرآن ؟ قال " لا " ، ولكن أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي ، قال أبو هريرة : فأمرني علي - رضي الله عنه - أن أطوف في المنازل من منى ببراءة فكنت أصيح حتى صحل حلقي ، فقيل له بم كنت تنادي ؟ فقال بأربع ألا يدخل الجنة إلا مؤمن وألا يحج بعد هذا العام مشرك ، وألا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فله أجل أربعة أشهر ثم لا عهد له وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي سترون بعد الأربعة أشهر بأنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب ثم إن الناس في ذلك المدة رغبوا في الإسلام حتى دخلوا فيه طوعا وكرها ، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام القابل وحج المسلمون وقد عاد الدين كله واحدا لله رب العالمين . وأما النداء في أيام التشريق بأنها أيام أكل وشرب وفي بعض الروايات أكل وشرب وبعال فإن الذي أمر أن ينادي بذلك في أيام التشريق هو كعب بن مالك وأوس بن الحدثان وفي الصحيح أن زيد بن مربع ويقال فيه أيضا : عبد الله بن مربع كان ممن أمر أن ينادي بذلك وروي مثل ذلك عن بشر بن سحيم الغفاري وقد روي أن حذيفة كان المنادي بذلك وعن سعد بن أبي وقاص أيضا ، وبلال ذكر بعض ذلك البزار في مسنده ، وقد قيل في قوله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم أنه أراد ذا الحجة والمحرم من ذلك العام وأنه جعل ذلك أجلا لمن لا عهد له من المشركين ومن كان له عهد جعل له أربعة أشهر أولها يوم النحر من ذلك العام وقوله تعالى : يوم الحج الأكبر قيل أراد حين الحج أي أيام الموسم كلها ، لأن نداء علي بن أبي طالب ببراءة كان في تلك الأيام . ما نزل في الأمر بجهاد المشركين قال ابن إسحاق : ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد أهل الشرك ممن نقض من أهل العهد الخاص ومن كان من أهل العهد العام بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدو فيها عاد منهم فيقتل بعدائه فقال ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله أي من بعد ذلك على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون . تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : وليجة دخيل وجمعها : ولائج وهو من ولج يلج أي دخل يدخل وفي كتاب الله عز وجل حتى يلج الجمل في سم الخياط أي يدخل يقول لم يتخذوا دخيلا من دونه يسرون إليه غير ما يظهرون نحو ما يصنع المنافقون يظهرون الإيمان للذين آمنوا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم قال الشاعر واعلم بأنك قد جعلت وليجة ساقوا إليك الحتف غير مشوب ما نزل في الرد على قريش بادعائهم عمارة البيت قال ابن إسحاق : ثم ذكر قول قريش : إنا أهل الحرم ، وسقاة الحاج وعمار هذا البيت فلا أحد أفضل منا ، فقال إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر أي إن عمارتكم ليست على ذلك وإنما يعمر مساجد الله أي من عمرها بحقها من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله أي فأولئك عمارها فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين وعسى من الله حق . ثم قال تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ما نزل في الأمر بقتال المشركين ثم القصة عن عدوهم حتى انتهى إلى ذكر حنين ، وما كان فيه وتوليهم عن عدوهم وما أنزل الله تعالى من نصرة بعد تخاذلهم ثم قال تعالى : إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة وذلك أن الناس قالوا : لتنقطعن عنا الأسواق فلتهكن التجارة وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق فقال الله عز وجل وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله أي من وجه غير ذلك إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أي ففي هذا عوض مما تخوفتم من قطع الأسواق فعوضهم الله بما قطع عنهم بأمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية . ما نزل في أهل الكتابين ثم ذكر أهل الكتابين بما فيه من الشر والفرية عليه حتى انتهى إلى قوله تعالى : إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ما نزل في النسيء ثم ذكر النسيء وما كانت العرب أحدثت فيه . والنسيء ما كان يحل ما حرم الله تعالى من الشهور ويحرم مما أحل الله منها ، فقال إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم أي لا تجعلوا حرامها حلالا ، ولا حلالها حراما : أي كما فعل أهل الشرك إنما النسيء الذي كانوا يصنعون زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ما نزل في تبوك ثم ذكر تبوك وما كان فيها من تثاقل المسلمين عنها ، وما أعظموا من غزوة الروم ، حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم ونفاق من نافق من المنافقين حين دعوا إلى ما دعوا إليه من الجهاد ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في الإسلام فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ثم القصة إلى قوله تعالى : يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم إلى قوله تعالى : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ________________________________________ ما نزل في سورة " براءة " فصل وذكر ابن إسحاق ما أنزل الله في سورة براءة في غزوة تبوك ، وأهل التفسير يقولون إن آخرها نزل قبل أولها ، فإن أول ما نزل منها : انفروا خفافا وثقالا ثم نزل أولها في نبذ كل عهد إلى صاحبه كما تقدم . وقوله انفروا خفافا وثقالا فيه أقوال قيل معناه شبانا وشيوخا ، وقيل أغنياء وفقراء وقيل أصحاب شغل وغير ذي شغل وقيل ركبانا ورجالة . عن الأجدع بن مالك وأنشد شاهدا على أوضعوا خلالكم للأجدع بن مالك والد مسروق بن الأجدع وقد غير عمر رضي الله عنه اسم الأجدع وقال الأجدع اسم شيطان فسماه عبد الرحمن ويكنى مسروق أبا عائشة . وقوله في البيت يصطادك الوحد أي يصطاد بك ، وأراد بالوحد الثور الوحشي . وقوله بشريج بين الشد والإيضاع يقال هما شريجان أي مختلفان وقبل هذا البيت بأبيات في شعر الأجدع أسألتني بركائبي ورحالها ونسيت قتلى فوارس الأرباع وذكره أبو علي [ القالي ] في الأمالي ، فقال وسألتني بالواو وقد خطئوه وقالوا : إنما هو أسألتني . وفوارس الأرباع قد سماهم أبو علي في الأمالي ، وذكر لهم خبرا . إعطاء الجزية عن يد وذكر قوله تعالى : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقيل فيه أربعة أقوال أيضا : أحدها : أن يؤديها الذمي بنفسه ولا يرسلها مع غيره . الثاني : أن يؤديها قائما ، والذي يأخذها قاعدا . الثالث أن معناه عن قهر وإذلال . الرابع أن معناه عن يد منكم أي إنعام عليهم بحقن دمائهم وأخذ الجزية منهم بدلا من القتل كل هذه الأقوال مذكورة في كتب المفسرين ولفظ الآية يتناول جميع هذه المعاني ، والله أعلم . ومعنى قوله تعالى : في هذه الآية قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وإن كان أهل الكتاب يصدقون بالآخرة فمعناه فيما ذكر ابن سلام أن أهل الكتاب لا يقولون بإعادة الأجساد ويقولون إن الأرواح هي التي تبعث دون الأجساد . ما نزل في أهل النفاق ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر أهل النفاق لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون أي إنهم يستطيعون عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين إلى قوله لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام : أوضعوا خلالكم ساروا بين أضعافكم فالإيضاع ضرب من السير أسرع من المشي قال الأجدع بن مالك الهمداني : يصطادك الوحد المدل بشأوه بشريج بين الشد والإيضاع وهذا البيت في قصيدة له . عود إلى ما نزل في أهل النفاق قال ابن إسحاق : وكان الذين استأذنوه من ذوي الشرف فيما بلغني ، منهم عبد الله بن أبي ابن سلول والجد بن قيس ; وكانوا أشرافا في قومهم فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم . فقال تعالى : وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل أي من قبل أن يستأذنوك ، وقلبوا لك الأمور أي ليخذلوا عنك أصحابك ويردوا عليك أمرك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وكان الذي قال ذلك . فيما سمي لنا ، الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الروم . ثم كانت القصة إلى قوله تعالى : لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون أي إنما نيتهم ورضاهم وسخطهم لدنياهم . ما نزل في ذكر أصحاب الصدقات ثم بين الصدقات لمن هي وسمى أهلها ، فقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ما نزل فيمن آذوا الرسول ثم ذكر غشهم وأذاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم وكان الذي يقول تلك المقالة فيما بلغني ، نبتل بن الحارث أخو بني عمرو بن عوف وفيه نزلت هذه الآية وذلك أنه كان يقول إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه . يقول الله تعالى : قل أذن خير لكم أي يسمع الخير ويصدق به . ثم قال تعالى : يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ثم قال ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون إلى قوله تعالى : إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة وكان الذي قال وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف وكان الذي عفي عنه فيما بلغني : مخشن بن حمير الأشجعي ، حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع . ثم القصة من صفتهم حتى انتهى إلى قوله تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله إلى قوله من ولي ولا نصير وكان الذي قال تلك المقالة الجلاس بن سويد بن صامت فرفعها عليه رجل كان في حجرة يقال له عمير بن سعد فأنكرها وحلف بالله ما قالها ، فلما نزل فيهم القرآن تاب ونزع وحسنت حاله وتوبته فيما بلغني . ثم قال تعالى : ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما من بني عمرو بن عوف . ثم قال الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم وكان المطوعون من المؤمنين في الصدقات عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي أخا بني العجلان وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة وحض عليها ، فقام عبد الرحمن بن عوف ، فتصدق بأربعة آلاف درهم وقام عاصم بن عدي ، فتصدق بمائة وسق من تمر فلمزوهما وقالوا : ما هذا إلا رياء وكان الذي تصدق بجهده أبو عقيل أخو بني أنيف أتى بصاع من تمر فأفرغها في الصدقة فتضاحكوا به وقالوا : إن الله لغني عن صاع أبي عقيل ثم ذكر قول بعضهم لبعض حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأمر بالسير إلى تبوك ، على شدة الحر وجدب البلاد فقال تعالى : وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا إلى قوله ولا تعجبك أموالهم وأولادهم ما نزل بسبب صلاة النبي على ابن أبي قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عقبة عن ابن عباس ، قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لما توفي عبد الله بن أبي ، دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله أتصلي على عدو الله عبد بن أبي ابن سلول ؟ القائل كذا يوم كذا ، والقائل كذا يوم كذا ؟ أعدد أيامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذا أكثرت قال يا عمر أخر عني ، إني قد خيرت فاخترت ، قد قيل لي : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت . قال ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه . قال فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسوله أعلم . فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق حتى قبضه الله تعالى . ما نزل في المستأذنين قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وكان ابن أبي من أولئك فنعى الله ذلك عليه وذكره منه ثم قال تعالى : لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله إلى آخر القصة . وكان المعذرون ، فيما بلغني نفرا من بني غفار ، منهم خفاف بن إيماء بن رحضة ، ثم كانت القصة لأهل العذر حتى انتهى إلى قوله ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون وهم البكاءون . ثم قال تعالى : إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون والخوالف النساء . ثم ذكر حلفهم للمسلمين واعتذارهم فقال فأعرضوا عنهم إلى قوله تعالى : فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ________________________________________ من المعذرين وذكر في المعذرين خفاف بن إيماء بن رحضة ، ويقال فيه رحضة بالضم ابن خربة وكان له ولأبيه إيماء ولجده رحضة صحبة . مات خفاف في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان إماما لبني غفار . وذكر ابن عقيل صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون واسمه جثجاث وقد قيل في صاحب الصاع أنه رفاعة بن سهل . ما نزل فيمن نافق من الأعراب ثم ذكر الأعراب ومن نافق منهم وتربصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين فقال ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق أي من صدقة أو نفقة في سبيل الله مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ثم ذكر الأعراب أهل الإخلاص والإيمان منهم فقال < الآخر واليوم بالله يؤمن من الأعراب ومن>ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم .

ما نزل في السابقين من المهاجرين والأنصار ثم ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وفضلهم وما وعدهم الله من حسن ثوابه إياهم ثم ألحق بهم التابعين لهم بإحسان فقال رضي الله عنهم ورضوا عنه ثم قال تعالى : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق أي لجوا فيه وأبوا غيره سنعذبهم مرتين والعذاب الذي أوعدها الله تعالى مرتين فيما بلغني : غمهم بما هم فيه من أمر الإسلام وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه عذاب النار والخلد فيه . ثم قال تعالى : وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم وهم الثلاثة الذين خلفوا ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتت من الله توبتهم . ثم قال تعالى : والذين اتخذوا مسجدا ضرارا إلخ . القصة ثم قال تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ثم كان قصة الخبر عن تبوك ، وما كان فيها إلى آخر السورة . وكانت براءة تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة لما كشفت من سرائر الناس . وكانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم . شعر حسان الذي عدد فيه المغازي وقال حسان بن ثابت يعدد أيام الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر مواطنهم معه في أيام غزوه قال ابن هشام : وتروى لابنه عبد الرحمن بن حسان : ألست خير معد كلها نفرا ومعشرا إن هم عموا وإن حصلوا قوم هم شهدوا بدرا بأجمعهم مع الرسول فما آلوا وما خذلوا وبايعوه فلم ينكث به أحد منهم ولم يك في إيمانهم دخل ويوم صبحهم في الشعب من أحد ضرب رصين كحر النار مشتعل ويوم ذي قرد يوم استثار بهم على الجياد فما خاموا وما نكلوا وذا العشيرة جاسوها بخيلهم مع الرسول عليها البيض والأسل ويوم ودان أجلوا أهله رقصا بالخيل حتى نهانا الحزن والجبل وليلة طلبوا فيها عدوهم لله والله يجزيهم بما عملوا وغزوة يوم نجد ثم كان لهم مع الرسول بها الأسلاب والنفل وليلة بحنين جالدوا معه فيها يعلهم بالحرب إذ نهلوا وغزوة القاع فرقنا العدو به كما تفرق دون المشرب الرسل ويوم بويع كانوا أهل بيعته على الجلاد فآسوه وما عدلوا وغزوة الفتح كانوا في سريته مرابطين فما طاشوا وما عجلوا ويوم خيبر كانوا في كتيبته يمشون كلهم مستبسل بطل بالبيض ترعش في الأيمان عارية تعوج في الضرب أحيانا وتعتدل ويوم سار رسول الله محتسبا إلى تبوك وهم راياته الأول وساسة الحرب إن حرب بدت لهم حتى بدا لهم الإقبال والقفل أولئك القوم أنصار النبي وهم قومي أصير إليهم حين أتصل ماتوا كراما ولم تنكث عهودهم وقتلهم في سبيل الله إذ قتلوا قال ابن هشام عجز آخرها بيتا عن غير ابن إسحاق . ________________________________________ قصيدة حسان الميمية فصل وذكر كلمة حسان الميمية وفيها : ألست خير معد كلها نفرا وحسان ليس من معد ولكن أراد ألست خير الناس فأقام معدا لكثرتها مقام الناس . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا : كنا ملوك الناس قبل محمد فلما أتى الإسلام كان لنا الفضل وأكرمنا الله الذي ليس غيره إله بأيام مضت ما لها شكل بنصر الإله والرسول ودينه وألبسناه اسما مضى ما له مثل أولئك قومي خير قومك بأسرهم فما عد من خير فقومي له أهل يربون بالمعروف معروف من مضى وليس عليهم دون معروفهم قفل إذا اختبطوا لم يفحشوا في نديهم وليس على سؤالهم عندهم بخل وإن حاربوا أو سالموا لم يشبهوا فحربهم حتف وسلمهم سهل وجارهم موف بعلياء بيته له ما ثوى فينا الكرامة والبذل وحاملهم موف بكل حمالة تحمل لا غرم عليها ولا خذل وقائلهم بالحق إن قال قائل وحلمهم عود وحكمهم عدل ومنا أمير المسلمين حياته ومن غسلته من جنابته الرسل قال ابن هشام : وقوله " وألبسناه اسما " عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا : قومي أولئك إن تسألي كرام إذا الضيف يوما ألم عظام القدور لأيسارهم يكبون فيها المسن السنم يؤاسون جارهم في الغنى ويحمون مولاهم إن ظلم فكانوا ملوكا بأرضيهم ينادون عضبا بأمر غشم ملوكا على الناس لم يملكوا من الدهر يوما كحل القسم فأنبوا بعاد وأشياعها ثمود وبعض بقايا إرم بيثرب قد شيدوا في النخيل حصونا ودجن فيها النعم نواضح قد علمتها اليهو د ( عل ) إليك وقولا هلم وفيما اشتهوا من عصير القطا ف والعيش رخوا على غيرهم فسرنا إليهم بأثقالنا على كل فحل هجان قطم جنبنا بهن جياد الخيو ل قد جللوها جلال الأدم فلما أناخوا بجنبي صرار وشدوا السروج بلي الحزم فما راعهم غير معج الخيو ل والزحف من خلفهم قد دهم فطاروا سراعا وقد أفزعوا وجئنا إليهم كأسد الأجم على كل سلهبة في الصيا ن لا يشتكين نحول السأم وكل كميت مطار الفؤاد أمين الفصوص كمثل الزلم عليها فوارس قد عودوا قراع الكماة وضرب البهم ملوك إذا غشموا في البلا د لا ينكلون ولكن قدم فأبنا بساداتهم والنساء وأولادهم فيهم تقتسم ورثنا مساكنهم بعدهم وكنا ملوكا بها لم نرم فلما أتانا الرسول الرشي د بالحق والنور بعد الظلم قلنا صدقت رسول المليك هلم إلينا وفينا أقم فنشهد أنك عبد الإل ه أرسلت نورا بدين قيم فإنا وأولادنا جنة نقيك وفي مالنا فاحتكم فنحن أولئك إن كذبوك فناد نداء ولا تحتشم وناد بما كنت أخفيته نداء جهارا ولا تكتتم فصار الغواة بأسيافهم إليه يظنون أن يخترم فقمنا إليهم بأسيافنا نجالد عنه بغاة الأمم بكل صقيل له ميعة رقيق الذباب عضوض خذم إذا ما يصادف صم العظا م لم ينب عنها ولم ينثلم فذلك ما ورثتنا القرو م مجدا تليدا وعزا أشم إذا مر نسل كفى نسله وغادر نسلا إذا ما انفصم فما إن من الناس إلا لنا عليه وإن خاص فضل النعم قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته فكانوا ملوكا بأرضيهم ينادون غضبا بأمر غشم وأنشدني : بيثرب قد شيدوا في النخيل حصونا ودجن فيها النعم وبيته " وكل كميت مطار الفؤاد " عنه . ________________________________________ وفيها : وناد جهارا ولا تحتشم وفيها رد على من زعم أن الحشمة لا تكون إلا بمعنى الغضب وأنها مما يضعها الناس غير موضعها ، وقد جاء عن ابن عباس : لكل طاعم حشمة فابدءوه باليمين وفي الحديث المرفوع لا يرفعن أحدكم يده عن الطعام قبل أكيله فإن ذلك مما يحشمه وأنشد أبو الفرج لمحمد بن يسير وإن كان ليس مثل حسان في الحجة في انقباض وحشمة فإذا جالست أهل الوفاء والكرم أرسلت نفسي على سجيتها وقلت ما شئت غير محتشم وفيها قوله وكانوا ملوكا ، ولم يملكوا من الدهر يوما كحل القسم فيه شاهد لما قاله ابن قتيبة في تفسير كحلة القسم وخلافه لأبي عبيد ، وقد قدمنا قولهما فيما تقدم من شرح قصيدة كعب بن زهير . وأنشد ابن قتيبة : إذا عصفت ريح فليس بقائم بها وتد إلا تحلة مقسم وأنشد أيضا : قليلا كتحليل الألى ثم أصبحت البيت . وقوله وعزا أشم هو كقول العرب : عزة قعساء يريد شماء لأن الأقعس الذي يخرج صدره ويدخل ظهره وقد فسره المبرد غير هذا التفسير وبيت حسان يشهد لما قلناه إنما هو الشمم الذي يوصف به ذو العزة فوصفت العزة به مجازا . تفسير سورة النصر فصل وذكر سورة إذا جاء نصر الله وتفسيره لها في الظاهر خلاف ما ذكره ابن عباس حين سأله عمر عن تأويلها ، فأخبره أن الله تعالى أعلم فيها نبيه عليه السلام بانقضاء أجله فقال له عمر ما أعلم منها إلا ما قلت . وظاهر هذا الكلام يدل على ما قاله ابن عباس وعمر لأن الله تعالى لم يقل فاشكر ربك ، واحمده كما قال ابن إسحاق : إنما قال فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ، فهذا أمر لنبيه عليه السلام بالاستعداد للقاء ربه تعالى والتوبة إليه ومعناها الرجوع عما كان بسبيله مما أرسل به من إظهار الدين إذ قد فرغ من ذلك وتم مراده فيه فصار جواب إذا من قوله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا محذوفا . وكثيرا ما يجيء في القرآن الجواب محذوفا ، والتقدير إذا جاء نصر الله والفتح فقد انقضى الأمر ودنا الأجل وحان اللقاء فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ووقع في مسند البزار مبينا من قول ابن عباس فقال فيه فقد دنا أجلك فسبح هذا المعنى هو الذي فهمه ابن عباس ، وهو حذف جواب إذا ، ومن لم يتنبه لهذه النكتة حسب أن جواب إذا في قوله سبحانه فسبح كما تقول إذا جاء رمضان فصم وليس في هذا التأويل من المشاكلة لما قبله ما في تأويل ابن عباس فتدبره فقد وافقه عليه عمر رضي الله عنه وحسبك بهما فهما لكتاب الله تبارك وتعالى ، فالفاء على قول ابن عباس رابطة للأمر بالفعل المحذوف وعلى ما ظهر لغيره رابطة لجواب الشرط الذي في إذا . ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود ونزول سورة الفتح قال ابن إسحاق : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه . قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع وأنها كانت تسمى سنة الوفود . انقياد العرب وإسلامهم قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس وهاديهم وأهل البيت الحرام ، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وقادة العرب لا ينكرون ذلك وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش ، ودوخها الإسلام وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل أفواجا ، يضربون إليه من كل وجه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا أي فاحمد الله على ما أظهر من دينك ، واستغفره إنه كان توابا . ________________________________________ قدوم الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس من أصح ما جاء في هذا الباب حديث وفد عبد القيس وهم الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى وقد تكرر حديثهم في الصحيحين دون تسمية أحد منهم فمنهم أشج عبد القيس ، وهو المنذر بن عائذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة ومنهم أبو الوازع الزارع بن عامر وابن أخته مطر بن هلال العنزي " . ولما ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ابن أختهم قال ابن أخت القوم منهم . ومنهم ابن أخي الزارع وكان مجنونا ، فجاء به معه ليدعو له النبي - صلى الله عليه وسلم - فمسح ظهره ودعا له فبرئ لحينه وكان شيخا كبيرا فكسي جمالا وشبابا ، حتى كان وجهه وجه العذراء ومنهم الجهم بن قثم لما نهاهم النبي عليه السلام عن الشرب في الأوعية وحذرهم ما يقع في ذلك من الجراح وأخبرهم أنهم إذا شربوا المنكر عمد أحدهم إلى ابن عمه فجرحه وكان فيهم رجل قد جرح في ذلك وكان يخفي جرحه ويكتمه وذلك الرجل هو جهم بن قثم ، عجبوا من علم النبي عليه السلام بذلك وإشارته إلى ذلك الرجل . ومنهم أبو خيرة الصباحي من بني صباح بن لكيز من حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اللهم اغفر لعبد القيس وأنه زودهم الأراك يستاكون به ومنهم مزيدة العصري جد هود بن عبد الله بن سعد بن مزيدة وعلى هود يدور حديثه في التمر البرني وأنه دواء وليس فيه داء ومنهم قيس بن النعمان ذكره أبو داود في كتاب الأشربة فهذا ما بلغني من تسمية من وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد عبد القيس . قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات رجال الوفد فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي ، في أشراف بني تميم منهم الأقرع بن حابس التميمي ، والزبرقان بن بدر التميمي ، أحد بني سعد وعمرو بن الأهتم ، والحبحاب بن يزيد . شيء عن الحتات قال ابن هشام : الحتات وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين بين أبي بكر وعمر وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وبين أبي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو البهراني ، وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعي فمات الحتات عند معاوية في خلافته فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه الأخوة فقال الفرزدق لمعاوية أبوك وعمي يا معاوي أورثا تراثا فيحتاز التراث أقاربه فما بال ميراث الحتات أكلته وميراث حرب جامد لك ذائبه وهذان البيتان في أبيات له . سائر رجال الوفد قال ابن إسحاق : وفي وفد بني تميم نعيم بن يزيد وقيس بن الحارث ، وقيس بن عاصم ، أخو بني سعد في وفد عظيم من بني تميم . قال ابن هشام : وعطارد بن حاجب ، أحد بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، والأقرع بن حابس أحد بني دارم بن مالك والحتات بن يزيد أحد بني دارم بن مالك والزبرقان بن بدر ، أحد بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعمرو بن الأهتم ، أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وقيس بن عاصم ، أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث . قال ابن إسحاق : ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف . صياحهم بالرسول وكلمة عطارد فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم فلما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم فخرج إليهم فقالوا : يا محمد جئناك نفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ، قال " قد أذن لخطيبكم فليقل " فقال عطارد بن حاجب ، فقال الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن ، وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ، ووهب لنا أموالا عظاما ، نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا ، وأيسره عدة فمن مثلنا في الناس ؟ ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا ، وإنا نعرف بذلك . أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا . ثم جلس . ________________________________________ وذكر في الوفود الحتات بن يزيد وقول الفرزدق لمعاوية فيه فما بال ميراث الحتات أكلته البيت وبعده في غير سيرة ابن إسحاق : فلو أن هذا كان في غير ملككم لبؤت بها أو غص بالماء شاربه شرح صاحب الحلة وذكر فيهم عطارد بن حاجب بن زرارة ، وهو صاحب الحلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم " إنما يلبس هذه الحلة من لا خلاق له [ في الآخرة ] " وقول عمر رضي الله عنه أتكسوني هذه وقد قلت في حلة عطارد ما قلت ، وكان سبب تلك الحلة أن حاجب بن زرارة أبا عطارد كان وفد على كسرى ليأخذ منه أمانا لقومه ليقربوا من ريف العراق لجدب أصاب بلادهم فسأله كسرى رهنا ليستوثق بها منهم فدفع إليه قوسه رهينة فاستحمقه الملك وضحك منه فقيل له أيها الملك إنهم العرب لو رهنك أحدهم تبنة ما أسلمها غدرا فقبلها منه كسرى ، فلما أخصبت بلادهم انتشروا راجعين إليها ، وجاء حاجب يطلب قوسه فعند ذلك كساه كسرى تلك الحلة التي كانت عند عطارد المذكورة في جامع الموطإ . ذكره ابن قتيبة في المعارف أو معناه وفي الموطإ أن عمر رضي الله عنه - كسا الحلة أخا له مشركا بمكة قال ابن الحذاء كان أخاه لأمه واسمه عثمان بن حكيم الثقفي ، وهو جد سعيد بن المسيب لأمه هكذا ذكر في تسمية رجال الموطإ وغلط من وجهين أحدهما أنه قال كان أخا عمر لأمه وإنما هو أخو زيد بن الخطاب لأمه أسماء بنت وهب بن أسد بن خزيمة ، وأما أم عمر فهي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة [ بن عبد الله بن مخزوم ] ، والغلط الثاني أنه جعله ثقيفيا وإنما هو سلمي وهو عثمان بن حكيم بن أمية بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم هكذا نسبه الزبير وبنته أم سعد ولدت سعيد بن المسيب . نسب ابن الأهتم وذكر فيهم عمرو بن الأهتم ونسبه واسم الأهتم سمي بن سنان وهو جد شبيب بن شيبة وخالد بن صفوان الخطيبين البليغين وسمي سمي بالأهتم لأن قيس بن عاصم ضربه فهتم فاه . كلمة ثابت في الرد على عطارد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس أخي بني الحارث بن الخزرج : قم فأجب الرجل في خطبته . فقام ثابت فقال الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ولم يك شيء قط إلا من فضله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثا ، وأفضله حسبا ، فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس حسبا ، وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا . ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبدا ، وكان قتله علينا يسيرا . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم . ________________________________________ عن كرسي الله وذكر خطبة ثابت بن قيس ، وفيها وسع كرسيه علمه وفيه رد على من قال الكرسي هو العلم وكذلك من قال هو القدرة لأنه لا توصف القدرة والعلم بأن العلم وسعها ، وإنما كرسيه ما أحاط بالسموات والأرضين وهو دون العرش كما جاءت به الآثار فعلمه سبحانه قد وسع الكرسي بما حواه من دقائق الأشياء وجلائلها وجملها وتفاصيلها ، وقد قيل إن الكرسي في القرآن هو العرش وهو قول الحسن وفي هذا الحديث ما يكاد أن يكون حجة لهذا القول لأنه لم يرد أن العلم وسع الكرسي فما دونه على الخصوص دون ما فوقه فجائز أن يريد به العرش وما تحته والله أعلم . فإن صحت الرواية عن ابن عباس أن الكرسي هو العلم فمؤولة كأنه لم يقصد تفسير لفظ الكرسي ولكن أشار إلى أن معنى العلم والإحاطة يفهم من الآية لأن الكرسي الذي هو عند العرب موضع القدمين من سرير الملك إذا وسع ما وسع فقد وسعه علم الملك وملكه وقدرته ونحو هذا ، فليس في أن يسع الكرسي ما وسعه مدح وثناء على الملك سبحانه إلا من حيث تضمن سعة العلم والملك وإلا فلا مدح في وصف الكرسي بالسعة والآية لا محالة واردة في معرض المدح والتعظيم للعلي العظيم الذي لا يئوده حفظ مخلوقاته كلها ، وهو الحي القيوم وقرى الطبري قول ابن عباس ، واحتج له بقوله عز وجل ولا يئوده حفظهما وبأن العرب تسمي العلماء كراسي . قال ومنه سميت الكراس لما تضمنته وتجمعه من العلم وأنشد تحفهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب أي عالمون بالأحداث . شعر الزبرقان في الفخر بقومه فقام الزبرقان بن بدر ، فقال نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلهم عند النهاب وفضل العز يتبع ونحن يطعم عند القحط مطعمنا من الشواء إذا لم يؤنس القزع بما ترى الناس تأتينا سراتهم من كل أرض هويا ثم تصطنع فننحر الكوم عبطا في أرومتنا للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا فلا ترانا إلى حي نفاخرهم إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه فيرجع القوم والأحبار تستمع إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد إنا كذلك عند الفخر نرتفع قال ابن هشام : ويروى : منا الملوك وفينا تقسم الربع ويروى : من كل أرض هوانا ثم نتبع رواه لي بعض بني تميم وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان . ________________________________________ شعر الزبرقان وذكر شعر الزبرقان وأن بعض الناس ينكر الشعر له وذكر البرقي أن الشعر لقيس بن عاصم المنقري وكان الزبرقان يرفع له بيت من عمائم وثياب وينضخ بالزعفران والطيب وكانت بنو تميم تحج ذلك البيت . قال الشاعر وهو المخبل السعدي ، واسمه كعب بن ربيعة بن قتال وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا والسب : العمامة وأحسبه أشار إلى هذا المعنى بقوله بما ترى الناس تأتينا سراتهم البيت . وليس السراة جمع سري كما ظنوا ، وإنما هو كما تقول ذروتهم وسنامهم وسراة كل شيء أعلاه وقد أوضحناه فيما مضى من هذا الكتاب والزبرقان من أسماء القمر . قال الشاعر تضيء به المنابر حين يرقى عليها مثل ضوء الزبرقان والزبرقان أيضا : الخفيف العارضين وكانت له ثلاثة أسماء الزبرقان والقمر والحصين وثلاث كنى : أبو العباس وأبو شذرة وأبو عياش وهو الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم . شعر حسان في الرد على الزبرقان قال ابن إسحاق : وكان حسان غائبا ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال حسان جاءني رسوله فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول منعنا رسول الله إذ حل وسطنا على أنف راض من معد وراغم منعناه لما حل بين بيوتنا بأسيافنا من كل باغ وظالم ببيت حريد عزه وثراؤه بجابية الجولان وسط الأعاجم هل المجد إلا السودد العود والندى وجاه الملوك واحتمال العظائم قال فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام شاعر القوم فقال ما قال عرضت في قوله وقلت على نحو ما قال . قال فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال . فقام حسان فقال إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع يرضى بهم كل من كانت سريرته تقوى الإله وكل الخير يصطنع قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق فاعلم شرها البدع إن كان في الناس سباقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبع لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا أعفة ذكرت في الوحي عفتهم لا يطمعون ولا يرديهم طمع لا يبخلون على جار بفضلهم ولا يمسهم من مطمع طبع إذا نصبنا لحي لم ندب لهم كما يدب إلى الوحشية الذرع نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها إذا الزعانف من أظفارها خشعوا لا يفخرون إذا نالوا عدوهم وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسد بحلبة في أرساغها فدع خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا ولا يكن همك الأمر الذي منعوا فإن في حربهم فاترك عداوتهم شرا يخاض عليه السم والسلع أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفاوتت الأهواء والشيع أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره فيما أحب لسان حائك صنع فإنهم أفضل الأحياء كلهم إن جد بالناس جد القول أو شمعوا قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد : يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا ________________________________________ شعر حسان في الرد على الزبرقان في الميمية والعينية وقول حسان ببيت حريد عزه وثراؤه يريد بيت شرفهم من غسان وهم ملوك الشام ، وهم وسط الأعاجم ، والبيت الحريد المنفرد عن البيوت كما انفردت غسان ، وانقطعت عن أرض العرب ، وكان حسان يضرب بلسانه أرنبة أنفه هو وابنه وأبوه وجده وكان يقول لو وضعته يعني لسانه على حجر لفلقه أو على شعر لحلقه وما يسرني به مقول من معد . وقول حسان يخاض إليه السم والسلع . السلع شجر مر . قال أمية [ بن أبي الصلت ] : عشر ما وفوقه سلع ما عائل ما ، وعالت البيقورا يريد أنهم كانوا إذا استسقوا في الجاهلية ربطوا السلع والعشر في أذناب البقر . وقوله شمعوا ، أي ضحكوا ومزحوا . قال الشاعر [ المتنخل الهذلي ] يصف الأضياف وأبدؤهم بمشمعة وأثني بجهدي من طعام أو بساط وفي الحديث من تتبع المشمعة شمع الله به . يريد من ضحك من الناس وأفرط في المزح . وقوله أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا أي ارتفعوا ، يقال : متع النهار إذا ارتفع . شعر آخر للزبرقان قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم أن الزبرقان بن بدر لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم قام فقال أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا إذا احتفلوا عند احتضار المواسم بأنا فروع الناس في كل موطن وأن ليس في أرض الحجاز كدارم وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا ونضرب رأس الأصيد المتفاقم وأن لنا المرباع في كل غارة نغير بنجد أو بأرض الأعاجم ________________________________________ شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان فقام حسان بن ثابت فأجابه فقال هل المجد إلا السودد العود والندى وجاه الملوك واحتمال العظائم نصرنا وآوينا النبي محمدا على أنف راض من معد وراغم بحي حريد أصله وثراؤه بجابية الجولان وسط الأعاجم نصرناه لما حل وسط ديارنا بأسيافنا من كل باغ وظالم جعلنا بنينا دونه وبناتنا وطبنا له نفسا بفيء المغانم ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا على دينه بالمرهفات الصوارم ونحن ولدنا من قريش عظيمها ولدنا نبي الخير من آل هاشم بني دارم لا تفخروا إن فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم لنا خول ما بين ظئر وخادم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان وقول حسان وطبنا له نفسا بفيء المغانم يريد طيب نفوسهم يوم حنين حين أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا . إسلامهم وتجويز الرسول إياهم قال ابن إسحاق : فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الأقرع بن حابس وأبي ، إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا . فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم . شعر ابن الأهتم في هجاء قيس لتحقيره إياه كان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم وكان أصغرهم سنا ، فقال قيس بن عاصم ، وكان يبغض عمرو بن الأهتم : يا رسول الله إنه قد كان رجل منا في رحالنا ، وهو غلام حدث وأزرى به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك يهجوه ظللت مفترش الهلباء تشتمني عند الرسول فلم تصدق ولم تصب سدناكم سوددا رهوا وسوددكم باد نواجذه مقع على الذنب قال ابن هشام : بقي بيت واحد تركناه لأنه أقذع فيه . قال ابن إسحاق : وفيهم نزل من القرآن إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون [ الحجرات 4 ] . ________________________________________ شرح قول ابن الأهتم لابن عاصم فصل وذكر قول عمرو بن الأهتم لقيس بن عاصم ظللت مفترش الهلباء تشتمني عند النبي فلم تصدق ولم تصب الهلباء فعلاء من الهلب وهو الخشين من الشعر يقال منه رجل أهلب ومنه قول الشعبي في مشكلة نزلت هلباء زباء ذات وبر كأنه أراد بمفترش الهلباء أي مفترشا لحيته ويجوز أن يريد بمفترش الهلباء يعني امرأة . وقيل الهلباء يريد بها هاهنا دبره فإن كان عنى امرأة فهو نصب على النداء . ما نزل في وفد تميم من الحجرات وذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى فيهم في سورة الحجرات وقد كان عمر وأبو بكر اختلفا في أمر الزبرقان وعمرو بن الأهتم ، فأشار أحدهما بتقديم الزبرقان وأشار الآخر بتقديم عمرو بن الأهتم حتى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إلى قوله لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فكان عمر بعد ذلك إذا كلم النبي عليه السلام لا يكلمه إلا كأخي السرار . إن من البيان لسحرا وفي هذا الوفد جاء الحديث أن رجلين قدما من نجد فخطبا ، فعجب الناس لبيانهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وأدخله مالك في باب ما يذم من القول من أجل أن السحر مذموم شرعا ، وغيره يذهب إلى أنه مدح لهما بالبيان واستمالة القلوب كالسحر وكان من قولهما . إن عمرا قال للنبي صلى الله عليه وسلم في الزبرقان إنه مطاع في أدنيه سيد في عشيرته فقال الزبرقان لقد حسدني يا رسول الله لشرفي ، ولقد علم أفضل مما قال . قال فقال عمرو : إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال فعرف الإنكار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت ، وسخطت فقلت أقبح ما علمت ، ولقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية فحينئذ قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وقوله لئيم الخال قيل إن أمه كانت من باهلة ، قاله ابن ثابت في الدلائل وقد أنكر هذا عليه وممن أنكره عليه أبو مروان بن سراج فالله أعلم لأن أهل النسب ذكروا أن أم الزبرقان عكلية من بني أقيش وعكل وإن كانت تجتمع مع تميم في أد بن طابخة لكن تميما أشرف منهم ولا سيما بني سعد رهط الزبرقان فلذلك جعله عمرو لئيم الخال . قصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في الوفادة عن بني عامر بعض رجال الوفد وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم . تدبير عامر للغدر بالرسول

فقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم قال والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد إذا قدمنا على الرجل فإني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني ، قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده . قال يا محمد خالني . وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يحير شيئا ، قال فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال يا محمد خالني قال لا ، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له . فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا ، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني عامر بن الطفيل . فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك . وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا . قال لا أبالك لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك ، أفأضربك بالسيف  ؟ 

موت عامر بدعاء الرسول عليه وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول يا بني عامر أغدة كغدة الإبل وموتا في بيت سلولية قال ابن هشام : ويقال أغدة كغدة الإبل وموتا في بيت سلولية . ________________________________________ خبر عامر وأربد فصل وذكر خبر عامر بن الطفيل وأربد وأن أربد قال لعامر ما هممت بقتل محمد إلا رأيتك بيني وبينه أفأقتلك ؟ وفي غير رواية ابن إسحاق : إلا رأيت بيني وبينه سورا من حديد وكذلك في رواية غيره قال عامر لأملأنها عليك خيلا جردا ، ورجالا مردا ، ولأربطن بكل نخلة فرسا ، فجعل أسيد بن حضير يضرب في رءوسهما ويقول اخرجا أيها الهجرسان فقال له عامر ومن أنت ؟ فقال أسيد بن حضير فقال أحضير بن سماك ؟ قال نعم قال أبوك كان خيرا منك ، فقال بل أنا خير منك ، ومن أبي ، لأن أبي كان مشركا ، وأنت مشرك . وذكر سيبويه قول عامر أغدة كغدة البعير وموتا في بيت سلولية في باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره كأنه قال أغد غدة والسلولية امرأة منسوبة إلى سلول بن صعصعة وهم بنو مرة بن صعصعة وسلول أمهم وهي بنت ذهل بن شيبان وكان عامر بن الطفيل من بني عامر بن صعصعة فلذلك اختصها لقرب النسب بينهما ، حتى مات في بيتها . موت أربد بصاعقة وما نزل فيه وفي عامر قال ابن إسحاق : ثم خرج أصحابه حين واروه حين قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟ قال لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما . وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه . قال ابن هشام : وذكر زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، قال وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد [ الرعد 8 ] . . . إلى قوله وما لهم من دونه من وال . قال المعقبات هي من أمر الله يحفظون محمدا . ثم ذكر أربد وما قتله الله به فقال ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء [ الرعد 13 ] إلى قوله شديد المحال شعر لبيد في بكاء أربد قال ابن إسحاق : فقال لبيد يبكي أربد ما إن تعدي المنون من أحد لا والد مشفق ولا ولد أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد فعين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام النساء في كبد إن يشغبوا لا يبال شغبهم أو يقصدوا في الحكوم يقتصد حلو أريب وفي حلاوته مر لطيف الأحشاء والكبد وعين هلا بكيت أربد إذ ألوت رياح الشتاء بالعضد وأصبحت لاقحا مصرمة حتى تجلت غوابر المدد أشجع من ليث غابة لحم ذو نهمة في العلا ومنتقد لا تبلغ العين كل نهمتها ليلة تمشي الجياد كالقدد الباعث النوح في مآتمه مثل الظباء الأبكار بالجرد فجعني البرق والصواعق بال ـفارس يوم الكريهة النجد والحارب الجابر الحريب إذا جاء نكيبا وإن يعد يعد يعفو على الجهد والسؤال كما ينبت غيث الربيع ذو الرصد كل بني حرة مصيرهم قل وإن أكثرت من العدد إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما فهم للهلاك والنفد قال ابن هشام : بيته " والحارب الجابر الحريب " عن أبي عبيدة وبيته " يعفو على الجهد " : عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد ألا ذهب المحافظ والمحامي ومانع ضيمها يوم الخصام وأيقنت التفرق يوم قالوا تقسم مال أربد بالسهام تطير عدائد الأشراك شفعا ووترا والزعامة للغلام فودع بالسلام أبا حريز وقل وداع أربد بالسلام وكنت إمامنا ولنا نظاما وكان الجزع يحفظ بالنظام وأربد فارس الهيجا إذا ما تقعرت المشاجر بالفئام إذا بكر النساء مردفات حواسر لا يجئن على الخدام فواءل يوم ذلك من أتاه كما وأل المحل إلى الحرام ويحمد قدر أربد من عراها إذا ما ذم أرباب اللحام وجارته إذا حلت لديه لها نفل وحظ من سنام فإن تقعد فمكرمة حصان وإن تظعن فمحسنة الكلام وهل حدثت عن أخوين داما على الأيام إلا ابني شمام وإلا الفرقدين وآل نعش خوالد ما تحدث بانهدام قال ابن هشام : وهي في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد انع الكريم للكريم أربدا انع الرئيس واللطيف كبدا يحذي ويعطي ماله ليحمدا أدما يشبهن صوارا أيدا السابل الفضل إذا ما عددا ويملأ الجفنة ملئا مددا رفها إذا يأتي ضريك وردا مثل الذي في الغيل يقرو جمدا يزداد قربا منهم أن يوعدا أورثتنا تراث غير أنكدا غبا ومالا طارفا وولدا شرخا صقورا يافعا وأمردا وقال لبيد أيضا : لن تفنيا خيرات أر بد فابكيا حتى يعودا قولا هو البطل المحا مي حين يكسون الحديدا ويصد عنا الظالمـ ـين إذا لقينا القوم صيدا فاعتاقه رب البري < إذ رأى أن لا خلودا فنوى ولم يوجع ولم يوصب وكان هو الفقيدا وقال لبيد أيضا يذكرني بأربد كل خصم ألد تخال خطته ضرارا إذا اقتصدوا فمقتصد كريم وإن جاروا سواء الحق جارا ويهدي القوم مطلعا إذا ما دليل القوم بالموماة حارا قال ابن هشام : آخرها بيتا عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا : أصبحت أمشي بعد سلمى بن مالك وبعد أبي قيس وعروة كالأجب إذا ما رأى ظل الغراب أضجه حذارا على باقي السناسن والعصب قال ابن هشام : وهذان البيتان في أبيات له . ________________________________________ وأما أشعار لبيد في أربد ففيها قوله تطير عدائد الأشراك شفعا ووترا والزعامة للغلام الزعامة الرياسة وقيل أراد بالزعامة هنا بيضة السلاح والأشراك الشركاء والعدائد الأنصباء مأخوذ من العدد ويقال إن أربد حين أصابته الصاعقة أنزل الله تبارك وتعالى على محمد صلى الله عليه وسلم ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء [ الرعد 13 ] يعني أربد والله أعلم . وعامر وأربد يجتمعان في جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وأمهما واحدة وسائر شعر لبيد في أربد مرغوب عن الاشتغال بشرحه بناء على أصلنا المتقدم والله ولي التوفيق عن لبيد على أن لبيدا رحمه الله قد أسلم وحسن إسلامه وعاش في الإسلام ستين سنة لم يقل فيها بيت شعر فسأله عمر عن تركه الشعر فقال ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران ، فزاده عمر في عطائه خمسمائة درهم من أجل هذا القول فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة فلما كان معاوية أراد أن ينقصه من عطائه الخمسمائة وقال له ما بال العلاوة فوق الفودين ؟ فقال له لبيد الآن أموت وتصير لك العلاوة والفودان فرق له معاوية وتركها له فمات لبيد إثر ذلك بأيام قليلة وقد قيل إنه قال بيتا واحدا في الإسلام الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد بن بكر قال ابن إسحاق : وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم يقال له ضمام بن ثعلبة . سؤاله الرسول أسئلة ثم إسلامه قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب ، مولى عبد الله بن عباس ، عن ابن عباس ، قال بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقال أيكم ابن عبد المطلب ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا ابن عبد المطلب . قال أمحمد ؟ قال " نعم " ; قال يا ابن عبد المطلب ، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك ، قال لا أجد في نفسي ، فسل عما بدا لك قال أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال " اللهم نعم " ; قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه ؟ قال " اللهم نعم " ، قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس ؟ قال " اللهم نعم قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة . الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف إلى بعيره راجعا . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة دعوته قومه للإسلام قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال بئس اللات والعزى قالوا : مه يا ضمام اتق البرص اتق الجذام اتق الجنون قال ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما . قال يقول عبد الله بن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة . ________________________________________ وفد جرش فصل وذكر وفد جرش ، وأن خثعم ضوت إليها حين حاصرهم صرد بن عبد الله وأنشد حتى أتينا حميرا في مصانعها وجمع خثعم قد صاغت لها النذر ويروى خميرا بالخاء المعجمة وفي حمير حمير الأدنى ، وهو حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن شدد بن زرعة وهو حمير الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد الجمهور بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن الهميسع بن حمير الأكبر وهو العرنجج وقال الأبرهي : وهو من علماء حمير بالنسب وهو منسوب إلى أبرهة بن الصباح الحميري في حمير الأدنى المبدوء بذكره حمير ، وعلى هذا القول تصح رواية الخاء المنقوطة ومن رواه بالحاء المهملة فهو تصغير حمير تصغير الترخيم والعرنجج في لغة حمير العتيق . حديث ضمام فصل وذكر حديث ضمام بن ثعلبة وهو الذي قال فيه طلحة بن عبيد الله : جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا ، فإذا هو يسأل عن الإسلام الحديث رواه مالك في الموطإ عن عمه عن جده عن طلحة وقد ترجم عليه أبو داود لما فيه من دخول المشرك المسجد . وذكر معه حديث اليهود حين دخلوا المسجد وذكروا أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، وقال به الشافعي ، وكره مالك دخول الذمي المسجد وخصص أبو حنيفة المسجد الحرام لقول الله تبارك وتعالى : إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد . [ التوبة 28 ] الآية وتعلق مالك بالعلة التي نبهت عليها الآية وهي التنجيس فعم المساجد كلها . قدوم الجارود في وفد عبد القيس قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس . قال ابن هشام : الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا . قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن الحسن قال لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه ورغبه فيه فقال يا محمد إني قد كنت على دين وإني تارك ديني لدينك ، أفتضمن لي ديني ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه قال فأسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال " والله ما عندي ما أحملكم عليه " . قال يا رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال لا ، إياك وإياها ، فإنما تلك حرق النار . موقفه من قومه في الردة فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه وكان حسن الإسلام صلبا على دينه حتى هلك وقد أدرك الردة فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر ، قام الجارود فتكلم فتشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام فقال أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد . قال ابن هشام : يروى : وأكفي من لم يشهد . إسلام ابن ساوى قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم فحسن إسلامه ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين ، والعلاء عنده أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين . ________________________________________ حول حديث الجارود فصل وذكر الجارود العبدي وهو بشر بن عمرو بن المعلى ، يكنى أبا المنذر وقال الحاكم : يكنى أبا غياث وأبا عتاب وسمي الجارود لأنه أغار على قوم من بكر فجردهم قال الشاعر ودسناهم بالخيل من كل جانب كما جرد الجارود بكر بن وائل وذكر في آخر حديث الجارود الغرور بن النعمان بن المنذر ، وكان كسرى حين قتل النعمان صير أمر الحيرة إلى هانئ بن قبيصة الشيباني ولم يبق لآل المنذر رسم ولا أمر يذكر حتى كانت الردة ومات هانئ بن قبيصة فأظهر أهل الردة أمر الغرور بن النعمان واسمه المنذر وإنما سمي الغرور لأنه غر قومه في تلك الردة أو غروه واستعانوا به على حربهم فقتل هنالك وزعم وثيمة بن موسى أنه أسلم بعد ارتداده والله أعلم . قدوم وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب . قال ابن هشام : مسيلمة بن ثمامة ويكنى أبا ثمامة . ما كان من الرسول لمسيلمة قال ابن إسحاق : فكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار ، ثم من بني النجار فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة : أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه . معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه . قال ابن إسحاق : وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا . زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا : يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا ، قال فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم وقال أما إنه ليس بشركم مكانا ، أي لحفظه ضيعة أصحابه وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ارتداده وتنبؤه قال ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوه بما أعطاه فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إني قد أشركت في الأمر معه . وقال لوفده الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بشركم مكانا ; ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن " لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى " وأحل لهم الخمر والزنا ، ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي ، فأصفقت معه حنيفة على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان . ________________________________________ وفد بني حنيفة ونسب مسيلمة فصل وذكر وفد بني حنيفة واسم حنيفة أثال بن لجيم بن سعد بن علي بن بكر بن وائل مع مسيلمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هفان بن ذهل بن الدول بن حنيفة يكنى أبا ثمامة وقيل أبا هارون وكان يسمى بالرحمن فيما روي عن الزهري قبل مولد عبد الله والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل وهو ابن مائة وخمسين سنة وكانت قريش حين سمعت بسم الله الرحمن الرحيم قال قائلهم دق فوك ، إنما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة ، وكان الرحال الحنفي ، واسمه نهار بن عنفوة والعنفوة يابس الحلي وهو نبات وذكره أبو حنيفة فقال فيه عنثو بالثاء المثلثة وقال هو يابس الحلي والحلي : النصي ، وهو نبت - قدم في وفد اليمامة على النبي صلى الله عليه وسلم فآمن وتعلم سورا من القرآن فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما جالسا مع رجلين من أصحابه أحدهما فرات بن حيان ، والآخر أبو هريرة ، فقال ضرس أحدكم في النار مثل أحد فما زالا خائفين حتى ارتد الرحال ، وآمن بمسيلمة وشهد زورا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شركه معه في النبوة ونسب إليه بعض ما تعلم من القرآن فكان من أقوى أسباب الفتنة على بني حنيفة وقتله زيد بن الخطاب يوم اليمامة ، ثم قتل زيد بن الخطاب سلمة بن صبيح الحنفي ، وكان مسيلمة صاحب نيروجات يقال إنه أول من أدخل البيضة في القارورة وأول من وصل جناح الطائر المقصوص وكان يدعي أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها ، وقال رجل من بني حنيفة يرثيه لهفي عليك أبا ثمامة لهفي على ركني شمامة كم آية لك فيهم كالشمس تطلع من غمامة وكذب بل كانت آياته منكوسة تفل في بئر قوم سألوه ذلك تبركا فملح ماؤها ، ومسح رأس صبي فقرع قرعا فاحشا ، ودعا لرجل في ابنين له بالبركة فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله الذئب ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه مؤذنا مسيلمة وسجاح واسم مؤذنه حجير وكان أول ما أمر أن يذكر مسيلمة في الأذان توقف فقال له محكم بن الطفيل صرح حجير فذهبت مثلا . وأما سجاح التي تنبأت في زمانه وتزوجها ، فكان مؤذنها جنبة بن طارق وقال القتبي : اسمه زهير بن عمرو ، وقيل إن شبث بن ربعي أذن لها أيضا ، وتكنى أم صادر وكان آخر أمرها أن أسلمت في زمان عمر كل هذا من كتاب الواقدي وغيره . وكان محكم بن طفيل الحنفي ، صاحب حربه ومدبر أمره وكان أشرف منه في حنيفة ويقال فيه محكم ومحكم وفيه يقول حسان بن ثابت : يا محكم بن طفيل قد أتيح لكم لله در أبيكم حية الوادي وقال أيضا : يخبطن بالأيدي حياض محكم امرأة مسيلمة وقول ابن إسحاق : انزلوا ، يعني وفد بني حنيفة بدار الحارث . الصواب بنت الحارث واسمها : كيسة بنت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس ، وقد تقدم في غزوة قريظة الكلام على كيسة وكيسة بالتخفيف وأنها كانت امرأة لمسيلمة قبل ذلك فلذلك أنزلهم بدارها وكانت تحت مسيلمة ثم خلف عليها عبد الله بن عامر وذكرنا هنالك أن الصواب ما قاله ابن إسحاق أن اسم تلك المرأة زينب بنت الحارث ، كذا وقع في رواية يونس عن ابن إسحاق ، والمذكورة هاهنا كيسة بنت الحارث وإياه عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خطب فقال أريت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما ، فنفخت فيهما فطارا فأولتهما كذاب اليمامة والعنسي ، صاحب صنعاء ، فأما مسيلمة فقتله خالد بن الوليد ، وأفنى قومه قتلا وسبيا . مسعود العنسي وأما مسعود بن كعب العنسي ، وعنس من مذحج ، فاتبعته قبائل من مذحج واليمن على أمره وغلب على صنعاء ، وكان يقال له ذو الخمار ويلقب عيهلة وكان يدعي أن سحيقا وشريقا يأتيانه بالوحي ويقول : هما ملكان يتكلمان على لساني ، في خدع كثيرة يزخرف بها ، وهو من ولد مالك بن عنس ، وبنو عنس جشم وجشيم ومالك وعامر وعمرو ، وعزيز ومعاوية وعتيكة وشهاب والقرية ويام ومن ولد يام بن عنس عمار بن ياسر ، وأخواه عبد الله وحويرث ابنا ياسر بن عمر بن مالك قتله فيروز الديلمي ، وقيس بن مكشوح وداذويه رجل من الأبناء دخلوا عليه من سرب صنعته لهم امرأة كان قد غلب عليها من الأبناء فوجدوه سكران لا يعقل من الخمر فخبطوه بأسيافهم وهم يقولون ضل نبي مات وهو سكران والناس تلقى جلهم كالذبان النور والنار لديهم سيان ذكره الدولابي ، وزاد ابن إسحاق في رواية يونس عنه أن امرأته سقته البنج في شرابه تلك الليلة وهي التي احتفرت السرب للدخول عليه وكان اغتصبها ، لأنها كانت من أجمل النساء وكانت مسلمة صالحة وكانت تحدث عنه أنه لا يغتسل من الجنابة واسمها المرزبانة وفي صورة قتله اختلاف . وقوله صلى الله عليه وسلم أريت سوارين من ذهب فنفختهما فطارا ، قال بعض أهل العلم بالتعبير تأويل نفخه لهما أنهما بريحه قتلا ، لأنه لم يغزهما بنفسه وتأويل الذهب أنه زخرف فدل لفظه على زخرفتهما ، وكذبهما ، ودل الإسواران بلفظهما على ملكين لأن الأساورة هم الملوك وبمعناهما على التضييق عليه لكون السوار مضيقا على الذراع . قدوم زيد الخيل في وفد طيئ إسلامه وموته قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا ، فحسن إسلامهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ

ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل : فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وقطع له فيدا وأرضين معه وكتب له بذلك  

فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه قال قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى ، وغير أم ملدم فلم يثبته - فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة ، أصابه الحمى بها فمات ولما أحس زيد بالموت قال أمرتحل قومي المشارق غدوة وأترك في بيت بفردة منجد ألا رب يوم لو مرضت لعادني عوائد من لم يبر منهن يجهد فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها بالنار . ________________________________________ زيد الخيل فصل وذكر زيد الخيل ، وهو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب يكنى : أبا مكنف الطائي واسم طيئ أدد وقيل له زيد الخيل لخمس أفراس كانت له لها أسماء أعلام ذهب عني حفظها الآن . وذكر قوله صلى الله عليه وسلم إن ينج زيد من حمى المدينة . أسماء الحمى قال الراوي : ولم يسمها باسمها الحمى ، ولا أم ملدم سماها باسم آخر ذهب عني ، والاسم الذي ذهب عن الراوي من أسماء الحمى ، هو أم كلبة ذكر لي أن أبا عبيدة ذكره في مقاتل الفرسان ولم أره ولكن رأيت البكري ذكره في باب أفرده من أسماء البلاد ولها أيضا اسم سوى هذه الأسماء ذكره ابن دريد في الجمهر قال سباط من أسماء الحمى على وزن رقاش وأما أم ملدم فيقال بالدال وبالذال وبكسر الميم وفتحها ، وهو [ من ] اللدم وهو شدة الضرب ويحتمل أن يكون أم كلبة هذا الاسم مغيرا من كلبة بضم الكاف والكلبة شدة الرعدة وكلب البرد مدائده فهذه أم كلبة بالهاء وهي الحمى ، وأما أم كلب ، فشجرة لها نور حسن وهي إذا حركت أنتن شيء وزعم أبو حنيفة أن الغنم إذا مستها لم تستطع أن تقرب الغنم ليلتها تلك من شدة إنتانها . خير زيد في رواية أخرى وذكر في خبر زيد الخيل في رواية أبي علي البغدادي ما هذا نصه خرج نفر من طيئ يريدون النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفودا ، ومعهم زيد الخيل ، ووزر بن سدوس النبهاني وقبيصة بن الأسود بن عامر بن جوين الجرمي ، وهو النصراني ، ومالك بن عبد الله بن خيبري بن أفلت بن سلسلة وقعين بن خليف الطريفي رجل من جديلة ثم من بني بولان فعقلوا رواحلهم بفناء المسجد ودخلوا ، فجلسوا قريبا من النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث يسمعون صوته فلما نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم قال إني خير لكم من العزى ، ولاتها ، ومن الجمل الأسود الذي تعبدون من دون الله ومما حازت مناع ، من كل ضار غير نفاع فقام زيد الخيل ، فكان من أعظمهم خلقا وأحسنهم وجها وشعرا ، وكان يركب الفرس العظيم الطويل فتخط رجلاه في الأرض كأنه حمار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم - وهو لا يعرفه " الحمد لله الذي أتى بك من سهلك وحزنك ، وسهل قلبك للإيمان " ، ثم قبض على يده فقال " من أنت ؟ " فقال أنا زيد الخيل بن مهلهل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبد الله ورسوله فقال له " بل أنت زيد الخير " ، ثم قال " يا زيد ما خبرت عن رجل شيئا قط إلا رأيته دون ما خبرت عنه غيرك " ، فبايعه وحسن إسلامه وكتب له كتابا على ما أراد وأطعمه قرى كثيرة منها : فيد ، وكتب لكل واحد منهم على قومه إلا وزر بن سدوس فقال إني لأرى رجلا ليملكن رقاب العرب ، ولا والله لا يملك رقبتي عربي أبدا ، ثم لحق بالشام وتنصر وحلق رأسه فلما قام زيد من عند النبي صلى الله عليه وسلم قال أي فتى لم تدركه أم كلبة يعني : الحمى ، ويقال بل قال إن نجا من آجام المدينة ، فقال زيد حين انصرف أنيخت بآجام المدينة أربعا وعشرا يغني فوقها الليل طائر فلما قضت أصحابها كل بغية وخط كتابا في الصحيفة ساطر شددت عليها رحلها وشليلها من الدرس والشعراء والبطن ضامر الدرس الجرب والشعراء ذباب قال أبو الحسن المدائني في حديثه وأهدى زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم مخذوما والرسوب وكانا سيفين لصنم بلي الفلس فلما انصرفوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قدم علي رجل من العرب يفضله قومه إلا رأيته دون ما يقال إلا ما كان من زيد فإن ينج زيد من حمى المدينة فلأمر ما هو " . وقوله ألا رب يوم لو مرضت لعادني عوائد من لم يبر منهن يجهد وبعده فليت اللواتي عدنني لم يعدنني وليت اللواتي غبن عني شهدي أمر عدي بن حاتم وأما عدي بن حاتم فكان يقول فيما بلغني : ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني ، أما أنا فكنت امرأ شريفا ، وكنت نصرانيا ، وكنت أسير في قومي بالمرباع فكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي ، لما كان يصنع بي . فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي : لا أبالك ، أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا ، فاحتبسها قريبا مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ، ففعل ثم إنه أتاني ذات غداة فقال يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها ، فقالوا : هذه جيوش محمد . قال فقلت : فقرب إلي أجمالي ، فقربها ، فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية ، ويقال الحوشية فيما قال ابن هشام - وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها . وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام ، قال فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك . قال ومن وافدك ؟ قالت عدي بن حاتم . قال الفار من الله ورسوله ؟ قالت ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني ، حتى إذا كان من الغد مر بي ، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس . قالت حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه قال فقمت إليه فقلت : يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك ; فقال صلى الله عليه وسلم قد فعلت ، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون له ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ، ثم آذنيني . فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه فقيل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة ، قالت وإنما أريد أن آتي أخي بالشام . قالت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي ، لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني ، وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام . قال عدي : فوالله إني لقاعد في أهلي ، إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تؤمنا ، قال فقلت ابنة حاتم قال فإذا هي هي فلما وقفت علي انسحلت تقول القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك ، وتركت بقية والدك عورتك ، قال قلت : أي أخية لا تقولي إلا خيرا ، فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت . قال ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها : وكانت امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت أرى والله أن تلحق به سريعا ، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت . قال قلت : والله إن هذا الرأي إسلام عدي قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال من الرجل ؟ فقلت : عدي بن حاتم ; فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها ; قال قلت في نفسي : والله ما هذا بملك قال ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا ، فقذفها إلي فقال اجلس على هذه قال قلت : بل أنت فاجلس عليها ، فقال بل أنت فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض قال قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك ثم قال إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا ؟ قال قلت : بلى ، ( قال ) : أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ قال قلت : بلى ، قال فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك ; قال قلت : أجل والله وقال وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها ( حتى ) تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم قال فأسلمت . وقوع ما وعد به الرسول عديا

وكان عدي يقول قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيضن المال حتى لا يوجد من يأخذه  

________________________________________ قدوم عدي بن حاتم وهو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ يكنى أبا ظريف وحديث إسلامه صحيح عجيب خرجه الترمذي ، وأخته التي ذكر إسلامها أحسب اسمها سفانة لأني وجدت في خبر عن امرأة حاتم تذكر فيه من سخائه قالت فأخذ حاتم عديا يعلله من الجوع وأخذت أنا سفانة ولا يعرف لعدي ولدا نقرض عقبه ولحاتم عقب من قبل عبد الله بن حاتم ذكره القتبي ، ولا يعرف له بنت إلا سفانة فهي إذا هذه المذكورة في السيرة والله أعلم وأم حاتم عنبة بنت عفيف [ بن عمرو بن عبد القيس ] كانت من أكرم الناس وهي التي تقول لعمري لقد ما عضني الجوع عضة فآليت ألا أحرم الدهر جائعا والسفانة الدرة وبها كان يكنى حاتم . قدوم فروة بن مسيك المرادي قال ابن إسحاق : وقدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لملوك كندة ، ومباعدا لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ، حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له يوم الردم ، فكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك في ذلك اليوم . قال ابن هشام : الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن حريم الهمداني . قال ابن إسحاق : وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك : مررنا على لفاة وهن خوص ينازعن الأعنة ينتحينا فإن نغلب فغلابون قدما وإن نغلب فغير مغلبينا وما إن طبنا جبن ولكن منايانا وطعمة آخرينا كذاك الدهر دولته سجال تكر صروفه حينا فحينا فبينا ما نسر به ونرضى ولو لبست غضارته سنينا إذ انقلبت به كرات دهر فألقيت الألى غبطوا طحينا فمن يغبط بريب الدهر منهم يجد ريب الزمان له خئونا فلو خلد الملوك إذن خلدنا ولو بقي الكرام إذن بقينا فأفنى ذلك سروات قومي كما أفنى القرون الأولينا قال ابن هشام : أول بيت منها ، وقوله " فإن نغلب " عن غير ابن إسحاق . قدوم فروة على الرسول وإسلامه قال ابن إسحاق : ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لملوك كندة ، قال لما رأيت ملوك كندة أعرضت كالرجل خان الرجل عرق نسائها قربت راحلتي أؤم محمدا أرجو فواضلها وحسن ثرائها قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة أرجو فواضله وحسن ثنائها قال ابن إسحاق : فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟ قال يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا . واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها ، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قدوم عمرو بن معد يكرب في أناس من بني زبيد وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معد يكرب في أناس من بني زبيد ، فأسلم وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عليك ، وإذا لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه فركب عمرو بن معد يكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وصدقه وآمن به . فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح أوعد عمرا ، وتحطم عليه وقال خالفني وترك رأيي ; فقال عمرو بن معد يكرب في ذلك أمرتك يوم ذي صنعا ء أمرا باديا رشده أمرتك باتقاء الل ه والمعروف تتعده خرجت من المنى مثل ال حمير غره وتده تمناني على فرس عليه جالسا أسده علي مفاضة كالنه ي أخلص ماءه جدده ترد الرمح منثني الس نان عوائرا قصده فلو لاقيتني للقي ت ليثا فوقه لبده تلاقي شنبثا شثن ال براثن ناشزا كتده يسامي القرن إن قرن تيممه فيعتضده فيأخذه فيرفعه فيخفضه فيقتصده فيدمغه فيحطمه فيخضمه فيزدرده ظلوم الشرك فيما أح رزت أنيابه ويده قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة أمرتك يوم ذي صنعا ء أمرا باديا رشده أمرتك باتقاء الل ه تأتيه وتتعده فكنت كذي الحمير غر ره مما به وتده لم يعرف سائرها . ارتداده وشعره في ذلك قال ابن إسحاق : فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيدة وعليهم فروة بن مسيك . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو بن معد يكرب ، وقال حين ارتد وجدنا ملك فروة شر ملك حمارا ساف منخره بثفر وكنت إذا رأيت أبا عمير ترى الحولاء من خبث وغدر قال ابن هشام : قوله " بثفر " عن أبي عبيدة . قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس في وفد كندة ، فحدثني الزهري بن شهاب أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكبا من كندة ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ، وعليهم جبب الحبرة وقد كففوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم تسلموا ؟ قالوا : بلى ، قال فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال فشقوه منها ، فألقوه . ثم قال له الأشعث بن قيس : يا رسول الله نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب ، وربيعة بن الحارث ، وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين وكانا إذا شاعا في بعض العرب ، فسئلا ممن هما ؟ قالا : نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك وذلك أن كندة كانوا ملوكا : ثم قال لهم لا ، بل نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو أمنا ، ولا ننتفي من أبينا ، فقال الأشعث بن قيس : هل فرغتم يا معشر كندة ؟ والله لا أسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين . قال ابن هشام : الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل النساء وآكل المرار الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي ويقال كندة ، وإنما سمي آكل المرار لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم وكان الحارث غائبا ، فغنم وسبى ، وكان فيمن سبى أم أناس بنت عوف بن محلم الشيباني امرأة الحارث بن عمرو ، فقالت لعمرو في مسيره لكأني برجل أدلم أسود كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبتك ، تعني : الحارث فسمي آكل المرار والمرار شجر . ثم تبعه الحارث في بني بكر بن وائل ، فلحقه فقتله واستنقذ امرأته وما كان أصاب . فقال الحارث بن حلزة اليشكري لعمرو بن المنذر وهو عمرو بن هند اللخمي : وأقدناك رب غسان بالمن ذر كرها إذ لا تكال الدماء لأن الحارث الأعرج الغساني قتل المنذر أباه وهذا البيت في قصيدة له . وهذا الحديث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع . ويقال بل آكل المرار حجر بن عمرو بن معاوية وهو صاحب هذا الحديث وإنما سمي آكل المرار لأنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار . قدوم صرد بن عبد الله الأزدي إسلامه قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي ، فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه . وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبل اليمن . قتاله أهل جرش فخرج صرد بن عبد الله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة معلقة وبها قبائل من قبائل اليمن ، وقد ضوت إليهم خثعم ، فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم فحاصروهم فيها قريبا من شهر وامتنعوا فيها منه ثم إنه رجع عنهم قافلا ، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ، ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما ، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا . إخبار الرسول وافدي جرش بما حدث لقومها

وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران فبينما هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد صلاة العصر إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي بلاد الله شكر ؟ فقام إليه الجرشيان فقالا : يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر ; وكذلك يسميه أهل جرش ، فقال إنه ليس بكشر ولكنه شكر ; قالا : فما شأنه يا رسول الله ؟ قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما : ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعى لكما قومكما ، فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ; فقاما إليه فسألاه ذلك فقال اللهم ارفع عنهم فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما ، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر  

إسلام أهل جرش وخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، وحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس والراحلة وللمثيرة بقرة الحرث فمن رعاه من الناس فمالهم سحت . فقال في تلك الغزوة رجل من الأزد : وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية وكانوا يعدون في الشهر الحرام يا غزوة ما غزونا غير خائبة فيها البغال وفيها الخيل والحمر حتى أتينا حميرا في مصانعها وجمع خثعم قد شاعت لها النذر إذا وضعت غليلا كنت أحمله فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا قدوم رسول ملوك حمير بكتابهم : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير ، مقدمه من تبوك ، ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال . والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان ; وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله . كتاب الرسول إليهم فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي ، إلى الحارث بن عبد كلال ، وإلى نعيم بن عبد كلال ، وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان . أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم ، فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبرنا ما قبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين وأن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم الرسول وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقى الغرب نصف العشر وأن في الإبل الأربعين ابنة لبون وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر وفي كل خمس من الإبل شاة وفي كل عشر من الإبل شاتان وفي كل أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها ، شاة وأنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم وله ذمة الله وذمة رسوله وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها ، وعليه الجزية على كل حال ذكر أو أنثى ، حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا ، فمن أدى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله . أما بعد فإن رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا : معاذ بن جبل ، وعبد الله بن زيد ، ومالك بن عبادة ، وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم وأبلغوها رسلي ، وأن أميرهم معاذ بن جبل ، فلا ينقلبن إلا راضيا . أما بعد . فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير ، وقتلت المشركين فأبشر بخير وآمرك بحمير خيرا ، ولا تخونوا ولا تخاذلوا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ولي غنيكم وفقيركم وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وإن مالكا قد بلغ الخبر ، وحفظ الغيب وآمركم به خيرا ، وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم وآمرك بهم خيرا ، فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  . 

وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن بعث الرسول معاذا على اليمن وشيء من أمره بها قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا ، أوصاه وعهد إليه ثم قال له يسر ولا تعسر وبشر ولا تنفر وإنك ستقدم على قوم من أهل الكتاب يسألونك ما مفتاح الجنة فقل شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال فخرج معاذ حتى إذا قدم اليمن قام بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة من أهل اليمن ، فقالت يا صاحب رسول الله ما حق زوج المرأة عليها ؟ قال ويحك إن المرأة لا تقدر على أن تؤدي حق زوجها ، فأجهدي نفسك في أداء حقه ما استطعت ، قالت والله لئن كنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتعلم ما حق الزوج على المرأة . قال ويحك لو رجعت إليه فوجدته تنثعب منخراه قيحا ودما ، فمصصت ذلك حتى تذهبيه ما أديت حقه . إسلام فروة بن عمرو الجذامي إسلامه قال ابن إسحاق : وبعث فروة بن عمرو النافرة الجذامي ثم النفاثي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب ، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام . حبس الروم له وشعره في محبسه فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم فقال في محبسه ذلك طرقت سليمى موهنا أصحابي والروم بين الباب والقروان صد الخيال وساءه ما قد رأى وهممت أن أغفي وقد أبكاني لا تكحلن العين بعدي إثمدا سلمى ولا تدين للإتيان ولقد علمت أبا كبيشة أنني وسط الأعزة لا يحص لساني فلئن هلكت لتفقدن أخاكم ولئن بقيت لتعرفن مكاني ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى من جودة وشجاعة وبيان فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين قال ألا هل أتى سلمى بأن حليلها على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل على ناقة لم يضرب الفحل أمها مشذبة أطرافها بالمناجل مقتله فزعم الزهري بن شهاب ، أنهم لما قدموه ليقتلوه . قال بلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي أعظمي ومقامي ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء يرحمه الله تعالى . ________________________________________ حديث فروة " معنى قرو " وذكر ابن إسحاق حديث فروة وقوله طرقت سليمى موهنا أصحابي والروم بين الباب والقروان القروان يجوز أن يكون جمع قرو وهو حوض الماء مثل صنوان ويجوز أن يكون جمع : قري مثل صليب وصلبان . وأصح ما قيل في القرو إنه حويض من خشب تسقى فيه الدواب ، وتلغ فيه الكلاب وفي المثل ما فيها لاعي قرو أي ما في الدار حيوان وأراد بلاعي قرو لاعق قرو وقلب القاف الأولى ياء للتضعيف . إبدال آخر حرف في اسم الفاعل وحسن ذلك أنه اسم فاعل وقد يبدلون من آخر حرف في اسم الفاعل ياء وإن لم يكن ثم تضعيف كقولهم في الخامس خاميهم وفي سادسهم ساديهم وكذلك إلى العاشر ونحو منه ما أنشد سيبويه . ولضفادي جمه نقانق أي لضفادع جمه وأنشد من الثعالي ووخز من أرانبها أراد الثعالب وأرانبها ، وإذا كان هذا معروفا فلاعي قرو أحق أن يقلب آخره ياء كراهة اجتماع قافين . إسلام بني الحارث بن كعب على يدي خالد بن الوليد لما سار إليهم دعوة خالد الناس إلى الإسلام وإسلامهم

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى ، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا ، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم . فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام ويقولون أيها الناس أسلموا تسلموا . فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبذلك كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا . 

ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد ، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك ، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا أقمت فيهم وقبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم . وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت فيهم ركبانا ، قالوا : يا بني الحارث أسلموا تسلموا ، فأسلموا ولم يقاتلوا ، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته كتاب الرسول إلى خالد يأمره بالمجيء فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد . سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك تخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته قدوم خالد مع وفدهم على الرسول فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذي الغصة ، ويزيد بن عبد المدان ، ويزيد بن المحجل ، وعبد الله بن قرد الزيادي ; وشداد بن عبد الله القناني ، وعمرو بن عبد الله الضبابي . حديث وفدهم مع الرسول فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآهم قال من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند ؟ قيل يا رسول الله هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلموا عليه وقالوا : نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم الذين إذا زجروا استقدموا ؟ فسكتوا ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثانية فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثالثة فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الرابعة فقال يزيد بن عبد المدان : نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا ، قالها أربع مرار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن خالدا لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا ، لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم فقال يزيد بن عبد المدان : أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا ، قال فمن حمدتم ؟ قالوا : حمدنا الله عز وجل الذي هدانا بك يا رسول الله قال صدقتم . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا : لم نكن نغلب أحدا ; قال بلى ، قد كنتم تغلبون من قاتلكم قالوا : كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله إنا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين . فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحم وبارك ورضي وأنعم . بعث الرسول عمرو بن حزم بعهده إليهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ، ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده وأمره فيه بأمره . بسم الله الرحمن الرحيم هذا بيان من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفقههم فيه وينهى الناس فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين للناس في الحق ويشد عليهم في الظلم فإن الله كره الظلم ونهى عنه فقال ألا لعنة الله على الظالمين [ هود : 18 ] ، ويبشر الناس بالجنة وبعملها ، وينذر الناس النار وعملها ، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسنته وفريضته وما أمر الله به والحج الأكبر الحج الأكبر والحج الأصغر هو العمرة وينهى الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون ثوبا يثني طرفيه على عاتقيه وينهى الناس أن يحتبي أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء وينهى أن يعقص أحد شعر رأسه في قفاه وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر وليكن دعواهم إلى الله عز وجل وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطفوا بالسيف حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ويمسحون برءوسهم كما أمرهم الله وأمر بالصلاة لوقتها ، وإتمام الركوع والسجود والخشوع ويغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة والمغرب حين يقبل الليل لا يؤخر حتى تبدو النجوم في السماء والعشاء أول الليل وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي لها ، والغسل عند الرواح إليها ، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقى الغرب نصف العشر وفي كل عشر من الإبل شاتان وفي كل عشرين أربع شياه وفي كل أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها ، وعلى كل حالم ذكر أو أنثى ، حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا . فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا ، صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ________________________________________ وذكر قدوم وفد كندة ، وفيه قوله عليه السلام لا نقفو أمنا ، ولا ننتفي من أبينا وفي هذا ما يدل على أن الأشعث قد أصاب في بعض قوله نحن وأنت بنو آكل المرار ، وذلك أن في جدات النبي صلى الله عليه وسلم من هي من ذلك القبيل منهن دعد بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث الكندي المذكور وهي أم كلاب بن مرة ، وقيل بل هي جدة كلاب أم أمه هند ، وقد ذكر ابن إسحاق هندا هذه وأنها ولدت كلابا . قدوم وفد بني الحارث بن كعب ذكر فيهم يزيد بن عبد المدان ، واسم عبد المدان عمرو بن الديان والديان اسمه يزيد بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب الحارثي . وذكر فيهم أيضا ذا الغصة واسمه الحصين بن يزيد بن شداد الحارثي ، وقيل له ذو الغصة لغصة كانت في حلقه لا يكاد يبين منها ، وذكره عمر بن الخطاب يوما ، فقال لا تزاد امرأة في صداقها على كذا وكذا ، ولو كانت بنت ذي الغصة وذكر فيهم عمرو بن عبد الله الضبابي وهو ضباب بكسر الضاد في بني الحارث بن كعب بن مذلج وضباب أيضا في قريش وهو ابن حجير بن عبد بن معيص بن عامر أخو حجر بن عبد وفي حجر وحجير يقول الشاعر أنبئت أن غواة من بني حجر ومن حجير بلا ذنب أراغوني أغنوا بني حجر عنا غواتكم ويا حجير إليكم لا تبوروني والضباب في بني عامر بن صعصعة وهم ضباب ومضب وحسل وحسيل بنو معاوية بن كلاب وأما الضباب بالفتح ففي نسب النابغة الذبياني ضباب بن يربوع بن غيظ وأما الضباب بالضم فزيد ومنجا ابنا ضباب من بني بكر ذكره الدارقطني .

قدوم رفاعة بن زيد الجذامي إسلامه وحمله كتاب الرسول إلى قومه

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية ، قبل خيبر ، رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيبي ، فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ، وأسلم ، فحسن إسلامه وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه . وفي الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد . إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله وإلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين  . 

فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا ، ثم ساروا إلى الحرة : حرة الرجلاء . ونزلوها . ________________________________________ وفود رفاعة فصل وذكر وفود رفاعة الضبيبي وأنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ، وذلك الغلام هو الذي يقال له مدعم ، وقع ذكره في الموطإ . قدوم وفد همدان أسماؤهم وكلمة ابن نمط بين يدي الرسول قال ابن هشام : وقدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به عن عمرو بن عبد الله بن أذينة العبدي عن أبي إسحاق السبيعي قال قدم وفد همدان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم مالك بن نمط وأبو ثور ، وهو ذو المشعار ومالك بن أيفع وضمام بن مالك السلماني وعميرة بن مالك الخارفي ، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات . والعمائم العدنية برحال الميس على المهرية والأرحبية ومالك بن نمط ورجل آخر يرتجزان بالقوم يقول أحدهما : همدان خير سوقة وأقيال ليس لها في العالمين أمثال محلها الهضب ومنها الأبطال لها إطابات بها وآكال ويقول الآخر إليك جاوزن سواد الريف في هبوات الصيف والخريف مخطمات بحبال الليف فقام مالك بن نمط بين يديه فقال يا رسول الله نصية من همدان ، من كل حاضر وباد أتوك على قلص نواج متصلة بحبائل الإسلام لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود أجابوا دعوة الرسول وفارقوا آلهات الأنصاب عهدهم لا ينقض ما أقامت لعلع ، وما جرى اليعفور بصلع . فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من رسول الله محمد ، لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مع وفدها ذي المشعار مالك بن نمط ومن أسلم من قومه على أن لهم فراعها ووهاطها ، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة يأكلون علافها ويرعون عافيها ، لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله وشاهدهم المهاجرون والأنصار فقال في ذلك مالك بن نمط ذكرت رسول الله في فحمة الدحى ونحن بأعلى رحرحان وصلدد وهن بنا خوص طلائح تعتلي بركبانها في لاحب متمدد على كل فتلاء الذراعين جسرة تمر بنا مر الهجف الخفيدد حلفت برب الراقصات إلى منى صوادر بالركبان من هضب قردد بأن رسول الله فينا مصدق رسول أتى من عند ذي العرش مهتدي فما حملت من ناقة فوق رحلها أشد على أعدائه من محمد وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه وأفضى بحد المشرفي المهند ________________________________________ وذكر وفد همدان ، ومالك بن نمط الهمداني الذي يقال له ذو المشعار وكنيته أبو ثور وقع في النسخة وفي أكثر النسخ وأبو ثور بالواو كأنه غيره والصواب سقوط الواو لأنه هو هو وقد يخرج إثبات الواو على إضمار هو كأنه قال وهو أبو ثور ذو المشعار ، وقد ذكره ابن قتيبة ، فقال في غريب الحديث مالك ذو المشعار وذكره أبو عمر فقال هو ذو المشعار يكنى : أبا ثور وفي الكتاب الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كتاب من محمد رسول الله إلى مخلاف خارف ويام وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط فهذا كله يدل على أن الواو في قوله وأبو ثور ذو المشعار لا معنى له . وقوله عليهم مقطعات الحبرات المقطعات من الثياب في تفسير أبي عبيد ، هي القصار واحتج بحديث ابن عباس في صلاة الضحى إذا انقطعت الظلال أي قصرت وبقولهم في الأراجيز مقطعات وخطأه ابن قتيبة في هذا التأويل وقال إنما المقطعات الثياب المخيطة كالقمص ونحوها ، سميت بذلك لأنها تقطع وتفصل ثم تخاط واحتج بحديث رواه عن بعض ولد عبد الملك بن مروان ، وفيه أنه خرج وعليه مقطعات يجرها ، فقال له شيخ من بني أمية لقد رأيت أباك ، وكان مشمرا غير جرار لثيابه فقال له الفتى : لقد هممت بتقصيرها ، فمنعني قول الشاعر في أبيك : قصير الثياب فاحش عند ضيفه لشر قريش في قريش مركبا والظاهر في قوله عليهم مقطعات الحبرات ما قاله ابن قتيبة ، ولا معنى لوصفها بالقصر في هذا الموطن . والمهرية منسوبة إلى مهرة بن حيدان بن الحاف بن قضاعة . والأرحبية منسوبة إلى أرحب بطن من همدان . ويام هو يام بن أصبى ، وخارف بن الحارث بطنان من همدان ينسب إلى يام زبيد [ بن الحارث بن عبد الكريم ] اليامي المحدث ، وأهل الحديث يقولون فيه الأيامي : والفراع ما علا من الأرض . والوهاط ما انخفض منها ، واحدها : وهط ولعلع : اسم جبل . والصلع الأرض الملساء . والخفيدد ولد النعامة . والهجف : الضخم . وذكر حديث عمرو بن معد يكرب ، وقيس بن مكشوح . وذكر في الشعر تلاق شنبثا شثن ال براثن ناشزا قتده ألفيت بخط الشيخ أبي بحر على هذا البيت قال قال القاضي : لا أعرف شنبثا الآن ولعله تلاق شر نبثا ، وجزم تلاق لما في قوله فلو لاقيتني من قوة الشرط فكأنه أراد إن لاقيتني تلاق . ذكر الكذابين مسيلمة الحنفي والأسود العنسي قال ابن إسحاق : وقد كان تكلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابان مسيلمة بن حبيب باليمامة في حنيفة والأسود بن كعب العنسي بصنعاء . رؤيا الرسول فيهما قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار أو أخيه سليمان بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على منبره وهو يقول أيها الناس إني قد رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ، ورأيت في ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمن ، وصاحب اليمامة حديث الرسول عن الدجالين قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يدعي النبوة خروج الأمراء والعمال على الصدقات الأمراء وأسماء العمال وما تولوه قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء ، فخرج عليه العنسي وهو بها ، وبعث زيادة بن لبيد أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها ; وبعث عدي بن حاتم على طيئ وصدقاتها ، وعلى بني أسد ، وبعث مالك بن نويرة - قال ابن هشام : اليربوعي - على صدقات بني حنظلة وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها ، وقيس بن عاصم على ناحية وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين ، وبعث علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهل نجران ، ليجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم . كتاب مسيلمة إلى رسول الله والجواب عنه وقد كان مسيلمة بن حبيب قد كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله : سلام عليك ، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم يعتدون " . فقدم عليه رسولان له بهذا الكتاب . قال ابن إسحاق : فحدثني شيخ من أشجع عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه نعيم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتابه فما تقولان أنتما ؟ " قالا : نقول كما قال فقال " أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " . ثم كتب إلى مسيلمة " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب : السلام على من اتبع الهدى . أما بعد الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وذلك في آخر سنة عشر . حجة الوداع تجهز الرسول واستعماله على المدينة أبا دجانة قال ابن إسحاق : فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة تجهز للحج وأمر الناس بالجهاز له . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة . قال ابن هشام : فاستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي ويقال سباع بن عرفطة الغفاري . ما أمر به الرسول عائشة في حيضها قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت لا يذكر ولا يذكر الناس إلا الحج حتى إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه الهدي وأشراف من أشراف الناس أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي قالت وحضت ذلك اليوم فدخل علي وأنا أبكي ، فقال ما لك يا عائشة ؟ لعلك نفست ؟ قالت قلت : نعم والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي في هذا السفر فقال " لا تقولن ذاك فإنك تقضين كل ما يقضي الحاج إلا أنك لا تطوفين بالبيت . قالت ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فحل كل من كان لا هدي معه وحل نساؤه بعمرة فلما كان يوم النحر أتيت بلحم بقر كثير فطرح في بيتي ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر حتى إذا كانت ليلة الحصبة بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرني من التنعيم ، مكان عمرتي التي فاتتني . قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن حفصة بنت عمر قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قلن فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ فقال " إني أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي . ________________________________________ حجة الوداع ذكر فيها حديث عائشة وقولها : فأهللنا بالحج وما نذكر إلا أمر الحج وهذا يدل على أنهم أفردوا ، وقد بين ذلك جابر في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وهذا هو الصحيح في حديث جابر وقد روي من طرق فيها لين عن جابر أنه قال قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا ، وسعى لهما سعيا واحدا رواه الدارقطني ، وروي أيضا أن جابرا قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل الهجرة وحجته التي قرنها بعمرته وأما حديث ابن عباس فصحيح وقال فيه طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجته وعمرته طوافا واحدا وقد اختلف عن علي فروي عنه أنه طاف عنهما طوافين ولم يختلف عنه أنه كان قارنا ، وكذلك حديث عمران بن حصين في أنه عليه السلام كان قارنا ، وأما حديث أنس فصرح فيه بأنه كان قارنا ، وقال ما تعدونا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرخ بهما جميعا يعني الحج والعمرة فاختلفت الروايات في إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ترى : هل كان مفردا أو قارنا ، أو متمتعا ، وكلها صحاح إلا من قال كان متمتعا ، وأراد به أنه أهل بعمرة وأما من قال تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي أمر بالتمتع وفسخ الحج بالعمرة فقد يصح هذا التأويل ويصح أيضا أن يقال تمتع إذا قرن ، لأن القران ضرب من المتعة لما فيه من إسقاط أحد السفرين . والذي يرفع الإشكال حديث البخاري أنه أهل بالحج ، فلما كان بالعقيق أتاه جبريل فقال له إنك بهذا الوادي المبارك فقل لبيك بحج وعمرة معا فقد صار قارنا بعد أن كان مفردا ، وصح القولان جميعا ، وأمره لأصحابه أن يفسخوا الحج بالعمرة خصوص لهم وليس لغيرهم أن يفعله وإنما فعل ذلك ليذهب من قلوبهم أمر الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحج فكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر ويقولون إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر ولم يفسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه كما فعل أصحابه لأنه ساق الهدي وقلده والله سبحانه يقول حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة 196 ] وقال حين رأى أصحابه قد شق عليهم خلافه لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولما سقت الهدي قال شيخنا أبو بكر رضي الله عنه إنما ندم على ترك ما هو أسهل وأرفق لا على ترك ما هو أفضل وأوفق وذلك لما رأى من كراهة أصحابه لمخالفته ولم يكن ساق الهدي من أصحابه إلا طلحة بن عبيد الله ، فلم يحل حتى نحر وعلي أيضا أتى من اليمن وساق الهدي فلم يحل إلا بإحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم . موافاة علي في قفوله من اليمن رسول الله في الحج به ما أمر الرسول عليا من أمور الحج قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث عليا رضي الله عنه إلى نجران ، فلقيه بمكة وقد أحرم فدخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها ، فوجدها قد حلت وتهيأت فقال ما لك يا بنت رسول الله ؟ قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل بعمرة فحللنا . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من الخبر عن سفره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق فطف بالبيت ، وحل كما حل أصحابك . قال يا رسول الله إني أهللت كما أهللت فقال ارجع فاحلل كما حل أصحابك ; قال يا رسول الله إني قلت حين أحرمت : اللهم إني أهل بما أهل به نبيك وعبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم قال " فهل معك من هدي ؟ " قال لا . فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وثبت على إحرامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي عنهما شكا عليا جنده إلى الرسول لانتزاعه عنهم حللا من بز اليمن قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه . فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل قال ويلك ما هذا ؟ قال كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس قال ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فانتزع الحلل من الناس فردها في البز قال وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب وكانت عند أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري قال اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا ، فسمعته يقول أيها الناس لا تشكوا عليا ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى خطبة الرسول في حجة الوداع قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون . قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية . أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله . إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان . أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقا ، ولهن عليكم حقا ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ، أمرا بينا ، كتاب الله وسنة نبيه . أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت ؟ فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ا شهد اسم الصارخ بكلام الرسول وما كان يردده قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف . قال يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هلا تدرون أي شهر هذا ؟ " فيقول لهم فيقولون الشهر الحرام فيقول قل لهم " إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا " ; ثم يقول قل " يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون أي بلد هذا ؟ " قال فيصرخ به قال فيقولون البلد الحرام ، قال فيقول قل لهم " إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا " . قال ثم يقول قل " يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون أي يوم هذا ؟ قال فيقوله لهم . فيقولون يوم الحج الأكبر قال فيقول قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا . رواية ابن خارجة عما سمعه من الرسول في حجة الوداع قال ابن إسحاق : حدثني ليث بن أبى سليم عن شهر بن حوشب الأشعري عن عمرو بن خارجة قال بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فبلغته ، ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لغامها ليقع على رأسي ، فسمعته وهو يقول أيها الناس إن الله قد أدى إلى كل ذي حق حقه وإنه لا تجوز وصية لوارث والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا بعض تعليم الرسول في الحج قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف بعرفة قال هذا الموقف للجبل الذي هو عليه وكل عرفة موقف وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة : هذا الموقف وكل المزدلفة موقف ثم لما نحر بالمنحر بمنى قال هذا المنحر وكل منى منحر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج وقد أراهم مناسكهم وأعلمهم ما فرض الله عليهم من حجهم من الموقف ورمي الجمار وطواف بالبيت وما أحل لهم من حجهم وما حرم عليهم فكانت حجة البلاغ وحجة الوداع وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها . ________________________________________ وقوله عليه السلام في خطبة الوداع ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان إنما قال ذلك لأن ربيعة كانت تحرم في رمضان وتسميه رجبا من رجبت الرجل ورجبته إذا عظمته ، ورجبت النخلة إذا دعمتها ، فبين عليه السلام أنه رجب مضر لا رجب ربيعة ، وأنه الذي بين جمادى وشعبان وقد تقدم تفسيره قوله إن الزمان قد استدار وتقدم اسم ابن أبي ربيعة المسترضع في هذيل ، وأن اسمه آدم وقيل تمام وكان سبب قتله حرب كانت بين قبائل هذيل تقاذفوا فيها بالحجارة فأصاب الطفل حجر وهو يحبو بين البيوت كذلك ذكر الزبير . بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين قال ابن إسحاق : ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعثا إلى الشام ، وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون . ________________________________________ بعث أسامة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة على جيش كثيف وأمره أن يغير على أبنى صباحا ، وأن يحرف . وأبنا ، هي القرية التي عند مؤتة حيث قتل أبوه زيد ولذلك أمره على حداثة سنه ليدرك ثأره وطعن في إمارته أهل الريب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وايم الله إنه لخليق بالإمارة وإن كان أبوه لخليقا بها وإنما طعنوا في إمرته لأنه مولى مع حداثة سنه لأنه كان إذ ذاك ابن ثمان عشرة سنة وكان رضي الله عنه أسود الجلدة وكان أبوه أبيض صافي البياض ، نزع في اللون إلى أمه بركة وهي أم أيمن وقد تقدم حديثها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويمسح خشمه وهو صغير بثوبه وعثر يوما فأصابه جرح في رأسه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص دمه ويمجه ويقول لو كان أسامة جارية لحليناها ، حتى يرغب فيها وكان يسمى الحب من الحب . إرسال رسول الله إلى الملوك تذكير الرسول قومه بما حدث للحواريين حين اختلفوا على عيسى قال ابن هشام : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الملوك رسلا من أصحابه وكتب معهم إليهم يدعوهم إلى الإسلام . قال ابن إسحاق : حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية ، فقال أ يها الناس إن الله قد بعثني رحمة وكافة فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم . فقال أصحابه وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله ؟ قال دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل فشكا ذلك عيسى إلى الله فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث إليها ________________________________________ إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك الحواريون ذكر فيه إرسال عيسى ابن مريم الحواريين وأصح ما قيل في معنى الحواريين أن الحواري هو الخلصان أي الخالص الصافي من كل شيء ومنه الحواري ، والحور وقول المفسرين هو الخلصان كلمة فصيحة أنشد أبو حنيفة خليلي خلصاني لم يبق حسها من القلب إلا عوذا سببا لها قال والعوذ ما لم تدركه الماشية لارتفاعه أو لأنه بأهداف فكأنه قد عاذ منها . معنى المسيح ونهايته وأصح ما قيل في معنى المسيح على كثرة الأقوال في ذلك أنه الصديق بلغتهم ثم عربته العرب . وكان إرسال المسيح للحواريين بعد ما رفع وصلب الذي شبه به فجاءت مريم الصديقة والمرأة التي كانت مجنونة فأبرأها المسيح وقعدتا عند الجذع تبكيان وقد أصاب أمه من الحزن عليه ما لا يعلم علمه إلا الله فأهبط إليهما ، وقال علام تبكيان ؟ فقالتا : عليك ، فقال إني لم أقتل ولم أصلب ولكن الله رفعني وكرمني ، وشبه عليهم في أمري ، أبلغا عني الحواريين أمري ، أن يلقوني في موضع كذا ليلا ، فجاء الحواريون ذلك الموضع فإذا الجبل قد اشتعل نورا لنزوله به ثم أمرهم أن يدعوا الناس إلى دينه وعبادة ربهم فوجههم إلى الأمم التي ذكر ابن إسحاق وغيره ثم كسي كسوة الملائكة فعرج معهم فصار ملكيا إنسيا سمائيا أرضيا . فصل وذكر في الأمم الأمة الذين يأكلون الناس وهم من الأساودة فيما ذكره الطبري . أسطورة زريب وذكر في الحواريين زريب بن برثملي وهو الذي عاش إلى زمن عمر وسمع نضلة بن معاوية أذانه في الجبل فكلمه فإذا رجل عظيم الخلق رأسه كدور الرحى ، فسأل نضلة والجيش الذين كانوا معه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قبض وعن أبي بكر فقالوا : قبض ثم سألهم عن عمر فقالوا : هو حي ، ونحن جيشه فقال لهم " أقرئوه مني السلام ثم أمرهم أن يبلغوا عنه وصايا كثيرة وأن يحذر الناس من خصال إذا ظهرت في أمة محمد فقد قرب الأمر ومنها لبس الحرير وشرب الخمر وأن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء " . وذكر فيها أيضا المعازف والقيان وأشياء غير هذه فقالوا له من أنت يرحمك الله ؟ فقال زريب بن برثملي حواري عيسى ابن مريم عليه السلام دعوت الله أن يحييني ، حتى أرى أمة محمد أو نحو هذا الكلام وقد أردت الخلوص إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم أستطع حال بيني وبينه الكفار . وذكر الدارقطني في هذا الحديث من طريق مالك بن أنس مرفوعا أن عمر قال لنضلة إن لقيته فأقرئه مني السلام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بذلك الجبل وصيا من أوصياء عيسى عليه السلام والخبر بهذا مشهور عنه " ، وفيه طول فاختصرناه ويقال إنه الآن حي . ومن قال إن الخضر وإلياس قد ماتا ، فمن أصله أيضا أن زريبا قد مات لأنهم يحتجون بالحديث الصحيح إلى رأس مائة سنة لا يبقى على الأرض ممن هو عليها أحد . أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا من أصحابه وكتب معهم كتبا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام . فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم . وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ، ملك فارس ، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ، ملك الحبشة ________________________________________ رسوله إلى النجاشي وقيصر فصل وذكر إرسال عمرو بن أمية إلى النجاشي ، وقد قدمنا ذكر ما قال وما قيل له وكذلك ذكرنا خبر سليط مع هوذة وما قال له وخبر عبد الله بن حذافة مع كسرى ، وكلامه معه ونذكر هنا بقية الإرسال وكلامهم فمنهم دحية بن خليفة الكلبي ، فقدم دحية على قيصر وقد ذكرنا معنى هذا الاسم أعني اسم دحية واسم قيصر فيما مضى من الكتاب فلما قدم دحية على قيصر قال له " يا قيصر أرسلني إليك من هو خير منك ، والذي أرسله هو خير منه ومنك ، فاسمع بذل ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم وإن لم تنصح لم تنصف قال هات قال هل تعلم أكان المسيح يصلي ؟ قال نعم قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وأدعوك إلى من دبر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى ، وبشر به عيسى ابن مريم بعده وعندك من ذلك أثارة من علم تكفي من العيان وتشفي من الخبر ، فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة وإلا ذهبت عنك الآخرة وشوركت في الدنيا ، واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم " ، فأخذ قيصر الكتاب فوضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته ، ولا عالما إلا سألته ، فما رأيت إلا خيرا ، فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه فأرجع عنه فيضرني ذلك ولا ينفعني ، أقم حتى أنظر فلم يلبث أن أتاه وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي غزوة تبوك بقية حديث قيصر فانظره هنالك . وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، ملك الإسكندرية ، وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعياد ابني الجلندى الأزديين ملكي عمان ، وبعث سليط بن عمرو ، أحد بني عامر بن لؤي ، إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة ، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين ، وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، ملك تخوم الشام . ________________________________________ رسوله إلى المقوقس وأما حاطب فقدم على المقوقس ، واسمه جريج بن ميناء ، فقال له " إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ، ولا يعتبر بك غيرك ، قال هات قال إن ذلك دين لن تدعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه . إن هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركه هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكن نأمرك به " قال المقوقس : " إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى إلا عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى ، وسأنظر فأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم القبطية واسمها : مارية بنت شمعون وأختها معها ، واسمها سيرين وهي أم عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وغلاما اسمه مأبور وبغلة اسمها دلدل وكسوة وقدحا من قوارير كان يشرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكاتبه . رسوله إلى المنذر بن ساوى وأما العلاء بن الحضرمي ، فقدم على المنذر بن ساوى فقال له " يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا ، فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب ، ولا علم أهل الكتاب ينكحون ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكرم على أكله ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأي فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه ولمن لا يخون أن لا تأمنه ولمن لا يخلف أن لا تثق به فإن كان هذا هكذا ، فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليت زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن كان ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر " . فقال المنذر قد نظرت في هذه الأمر الذي في يدي ، فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا ، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر . مفتاح الجنة فصل ومما وقع في السيرة في حديث العلاء قول النبي عليه السلام له إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل مفتاحها ، لا إله إلا الله ‏ وفي البخاري : قيل لوهب أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ فقال بلى ، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك ، وفي رواية غيره أن ابن عباس ذكر له قول وهب فقال صدق وهب وأنا أخبركم عن الأسنان ما هي فذكر الصلاة والزكاة وشرائع الإسلام . عمرو الجلندى وأما عمرو بن العاصي ، فقدم على الجلندى ، فقال له يا جلندى إنك وإن كنت منا بعيدا ، فإنك من الله غير بعيد إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك ، وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك ، واعلم أنه يميتك الذي أحياك ، ويعيدك الذي بدأك ، فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة فإن كان يريد به أجرا فامنعه أو يميل به هوى فدعه ثم انظر فيما يجيء به هل يشبه ما يجيء به الناس فإن كان يشبهه فسله العيان وتخير عليه في الخبر ، وإن كان لا يشبهه فاقبل ما قال وخف ما وعد قال الجلندى : إنه والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر وأنه يفي بالعهد وينجز الموعود وأنه لا يزال سر قد اطلع عليه يساوي فيه أهله وأشهد أنه نبي . قال ابن هشام : بعث شجاع بن وهب إلى جبلة بن الأيهم الغساني وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ، ملك اليمن . قال ابن هشام : أنا نسيت سليطا وثمامة وهوذة والمنذر . ________________________________________ ‏ شجاع وجبلة وأما شجاع بن وهب فقدم على جبلة بن الأيهم ، وهو جبلة بن الأيهم بن الحارث بن أبي شمر ، وجبلة ، وهو الذي أسلم ثم تنصر من أجل لطمة حاكم فيها إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان طوله اثني عشر شبرا ، وكان يمسح برجليه الأرض وهو راكب فقال له يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دارهم يعني : الأنصار ، فآووه ومنعوه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ، ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ، ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق ، وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك ، وإن فضلناك عليه لم يرضك ، فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم ، وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع والأذان بالناقوس والجمع بالشعانين والقبلة بالصليب وكان ما عند الله خير وأبقى ، فقال له جبلة : إني والله لوددت أن الناس أجمعوا على هذا النبي الأمي اجتماعهم على خلق السموات والأرض ولقد سرني اجتماع قومي له وأعجبني قتله أهل الأوثان واليهود ، واستبقاؤه النصارى ، ولقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤتة ، فأبيت عليه فانتدب مالك بن نافلة من سعد العشيرة فقتله الله ولكني لست أرى حقا ينفعه ولا باطلا يضره والذي يمدني إليه أقوى من الذي يختلجني عنه وسأنظر . المهاجر وابن كلال ‏ وأما المهاجر بن أبي أمية فقدم على الحارث بن عبد كلال ، وقال له يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فخطئت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا ، فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك وإذا سرك يومك فخف غدك ، وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها ، عاشوا طويلا ، أملوا بعيدا وتزودوا قليلا ، منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وإني أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك ، وإن أرادك لم يمنعه منك أحد ، وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس له شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فقال الحارث قد كان هذا النبي عرض نفسه علي فخطئت عنه وكان ذخرا لمن صار إليه وكان أمره أمرا سبق فحضره اليأس وغاب عنه الطمع ولم يكن لي قرابة أحتمله عليها ، ولا لي فيه هوى أتبعه له غير أني أرى أمرا لم يوسوسه الكذب ولم يسنده الباطل . له بدء سار ، وعاقبة نافعة وسأنظر . ومما قاله دحية بن خليفة في قدومه على قيصر ألا هل أتاها على نأيها قدمت على قيصر فقدرته بصلاة المسي ح وكانت من الجوهر الأحمر وتدبير ربك أمر السما ء والأرض فأغضى ولم ينكر وقلت : تقر ببشرى المسي ح فقال سأنظر قلت : انظر فكان يقر بأمر الرسو ل فمال إلى البدل الأعور فشك وجاشت له نفسه وجاشت نفوس بني الأصفر على وضعه بيديه الكتا ب على الرأس والعين والمنخر فأصبح قيصر من أمره بمنزلة الفرس الأشقر يريد بالفرس الأشقر مثلا للعرب يقولون أشقر إن يتقدم ينحر وإن يتأخر يعقر وقال الشاعر في هذا المعنى : وهل كنت إلا مثل سيقه العدا إن استقدمت نحر وإن جبأت عقر وفي حديث دحية من رواية الحارث في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال من ينطلق بكتابي هذا إلى قيصر وله الجنة " ، فقالوا : وإن لم يقتل يا رسول الله ؟ قال " وإن لم يقتل " ، فانطلق به رجل يعني دحية ‏ وذكر الحديث . رواية ابن حبيب عن بعث الرسول رسله قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري : أنه وجد كتابا فيه ذكر من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البلدان وملوك العرب والعجم ، وما قال لأصحابه حين بعثهم . قال فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال لهم إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني يرحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم " ، قالوا : وكيف يا رسول الله كان اختلافهم ؟ قال " دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من قرب به فأحب وسلم وأما من بعد به فكره وأبى ، فشكا ذلك عيسى منهم إلى الله فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم أسماء رسل عيسى قال ابن إسحاق : وكان من بعث عيسى ابن مريم عليه السلام من الحواريين والأتباع الذين كانوا بعدهم في الأرض بطرس الحواري ، ومعه بولس وكان بولس من الأتباع ولم يكن من الحواريين إلى رومية وأندرائس ومنتا إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس وتوماس إلى أرض بابل ، من أرض المشرق وفيلبس إلى أرض قرطاجنة ، وهي إفريقية ويحنس إلى إفسوس ، قرية الفتية أصحاب الكهف ، ويعقوبس إلى أوراشلم وهي إيلياء ، قرية بيت المقدس ، وابن ثلماء إلى الأعرابية وهي أرض الحجاز ، وسيمن إلى أرض البربر ، ويهوذا ، ولم يكن من الحواريين جعل مكان يودس ذكر جملة الغزوات بسم الله الرحمن الرحيم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة منها غزوة ودان ، وهي غزوة الأبواء ، ثم غزوة بواط ، من ناحية رضوى ، ثم غزوة العشيرة ، من بطن ينبع ، ثم غزوة بدر الأولى ، يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر الكبرى ، التي قتل الله فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم ، حتى بلغ الكدر ، ثم غزوة السويق ، يطلب أبا سفيان بن حرب ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، ثم غزوة بحران معدن بالحجاز ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ; ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان ، من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية ، لا يريد قتالا ، فصده المشركون ثم غزوة خيبر ، ثم عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك . قاتل منها في تسع غزوات بدر وأحد ، والخندق ، وقريظة والمصطلق وخيبر ، والفتح وحنين ، والطائف . ________________________________________ عدة الغزوات وذكر ابن إسحاق عدة الغزوات وهي ست وعشرون وقال الواقدي : كانت سبعا وعشرين وإنما جاء الخلاف لأن غزوة خيبر اتصلت بغزوة وادي القرى ، فجعلها بعضهم غزوة واحدة وأما البعوث والسرايا فقيل هي ست وثلاثون كما في الكتاب وقيل ثمان وأربعون وهو قول الواقدي ، ونسب المسعودي إلى بعضهم أن البعوث والسرايا كانت ستين . قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسع غزوات وقال الواقدي : قاتل في إحدى عشرة غزوة منها الغابة ووادي القرى والله أعلم . ذكر جملة السرايا والبعوث وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب ساحل البحر من ناحية العيص ; وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبد الله بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة ، وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ذا القصة من طريق العراق ، وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب ليث الكديد ، فأصاب بني الملوح . ________________________________________ غزوة عمر فصل وذكر غزوة عمر إلى تربة ، وهي تربة بفتح الراء أرض كانت لخثعم وفيها جاء المثل صادف بطنه بطن تربة ، يريدون الشبع والخصب . قال البكري : وكذلك عرنة بفتح الراء يعني التي عند عرفة . خبر غزوة غالب بن عبد الله الليثي بني الملوح شأن ابن البرصاء وكان من حديثها أن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، حدثني عن مسلم بن عبد الله بن خبيب الجهني عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب بن عوف بن ليث في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح ، وهم بالكديد فخرجنا ، حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك وهو ابن البرصاء الليثي ، فأخذناه فقال إني جئت أريد الإسلام ما خرجت إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا له إن تك مسلما فلن يضيرك رباط ليلة وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ، فشددناه رباطا ، ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود وقلنا له إن عازك فاحتز رأسه . بلاء ابن مكيث في هذه الغزوة قال ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس فكنا في ناحية الوادي ، وبعثني أصحابي ربيئة لهم فخرجت حتى آتي تلا مشرفا على الحاضر فأسندت فيه فعلوت على رأسه فنظرت إلى الحاضر فوالله إني لمنبطح على التل إذ خرج رجل منهم من خبائه فقال لامرأته إني لأرى على التل سوادا ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئا ، لا تكون الكلاب جرت بعضها ، قال فنظرت فقالت لا ، والله ما أفقد شيئا ، قال فناوليني قوسي وسهمين فناولته قال فأرسل سهما ، فوالله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه فأضعه وثبت مكاني ، قال ثم أرسل الآخر فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه وثبت مكاني . فقال لامرأته لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك لقد خالطه سهماي لا أبالك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب . قال ثم دخل . نجاء المسلمين بالنعم قال وأمهلناهم حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر شننا عليهم الغارة قال فقتلنا ، واستقنا النعم وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ومضينا بالنعم ومررنا بابن البرصاء وصاحبه فاحتملناهما معنا ، قال وأدركنا القوم حتى قربوا منا ، قال فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ولا مطر فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ولا يقدر على أن يجاوزه فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعا ، حتى فتناهم فلم يقدروا على طلبنا . شعار المسلمين في هذه الغزوة قال فقدمنا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة أمت أمت . فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها : أبي أبو القاسم أن تعزبي في خضل نباته مغلولب صفر أعاليه كلون المدهب قال ابن هشام : ويروى : " كلون الذهب " . تم خبر الغزاة وعدت إلى ذكر تفصيل السرايا والبعوث . تعريف بعدة غزوات قال ابن إسحاق : وغزوة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بني عبد الله بن سعد من أهل فدك ، وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبد الأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوازن ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك وغزوة بشير بن سعد ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة جذام ، من أرض خشين . قال ابن هشام : عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق : من أرض حسمى . غزوة زيد بن حارثة إلى جذام سببها قال ابن إسحاق : وكان من حديثها كما حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام فاستجابوا له لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ومعه تجارة له حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم يقال له شنار ، أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضلعيان . والضليع . بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه فبلغ ذلك قوما من الضبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب فنفروا إلى الهنيد وابنه فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضناوي ثم الضلعي ، فقال أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم فأصاب ركبته فقال حين أصابه خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيبي قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك فعلمه أم الكتاب . قال ابن هشام : ويقال قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة . تمكن المسلمين من الكفار قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام ، قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه فردوه على دحية فخرج دحية حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره واستسقاه دم الهنيد وابنه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا الحرة ، حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة لم يعلم ومعه ناس من بني الضبيب وسائر بني الضبيب بوادي مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقا ، وأقبل جيش زيد بن حارثة الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأجنف . قال ابن هشام : من بني الأحنف . شأن حسان وأنيف ابني ملة قال ابن إسحاق في حديثه ورجلان من بني الخصيب . فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد يقال لها : العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها : رغال وأبو زيد بن عمرو على فرس يقال لها : شمر ، فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة كف عنا وانصرف فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب فقال لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين فأرخى لها ، حتى أدركهما ، فقالا له أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش أقبل القوم يبتدرونهم فقال لهم حسان إنا قوم مسلمون وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم فأقبل يسوقهم فقال أنيف بوري ، فقال حسان مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان إنا قوم مسلمون فقال له زيد فاقرءوا أم الكتاب فقرأها حسان فقال زيد بن حارثة : نادوا في الجيش أن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر . قدومهم على الرسول وشعر أبي جعال قال ابن إسحاق : وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد خذها ، وأخذت بحقويه فقالت أم الفزز الضلعية أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتكم ؟ فقال أحد بني الخصيب إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم فسمعها بعض الجيش فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ففكت يداها من حقويه وقال لها : اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه فرجعوا ، ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاءوا منه فأمسوا في أهليهم واستعتموا ، ذودا لسويد بن زيد فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة أبو زيد بن عمرو ، وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد وبرذع بن زيد وثعلبة بن زيد ومخربة بن عدي وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة بظهر الحرة على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة : إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به فدعا رفاعة بن زيد بجمل له فجعل يشد عليه رحله وهو يقول هل أنت حي أو تنادي حيا ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال فلما دخلوا المدينة ، وانتهوا إلى المسجد نظر إليهم رجل من الناس فقال لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق قام رجل من الناس فقال يا رسول الله إن هؤلاء قوم سحرة فرددها مرتين فقال رفاعة بن زيد رحم الله من لم يحذنا في يومه هذا إلا خيرا . ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له . فقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه يا غلام وأعلن " ; فلما قرأ كتابه استخبره فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أصنع بالقتلى ؟ " ( ثلاث مرات ) . فقال رفاعة أنت يا رسول الله أعلم لا نحرم عليك حلالا ، ولا نحلل لك حرما ، فقال أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي " فقال له علي رضي الله عنه إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله قال " فخذ سيفي هذا فأعطاه سيفه فقال علي : ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له مكحال فخرجوا ، فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر يقال لها : الشمر فأنزلوه عليها ، فقال يا علي ، ما شأني ؟ فقال ما لهم عرفوه فأخذوه ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين فأخذوا ما في أيديهم حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم وعاذلة ولم تعذل بطب ولولا نحن حش بها السعير تدافع في الأسارى بابنتيها ولا يرجى لها عتق يسير ولو وكلت إلى عوص وأوس لحار بها عن العتق الأمور ولو شهدت ركائبنا بمصر تحاذر أن يعل بها المسير وردنا ماء يثرب عن حفاظ لربع إنه قرب ضرير بكل مجرب كالسيد نهد على أقتاد ناجية صبور فدى لأبي سليمى كل جيش بيثرب إذ تناطحت النحور غداة ترى المجرب مستكينا خلاف القوم هامته تدور قال ابن هشام : قوله ولا يرجى لها عتق يسير . وقوله عن العتق الأمور عن غير ابن إسحاق . تمت الغزاة وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث . قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل . من طريق العراق . غزوة زيد بن حارثة بني فزارة ومصاب أم قرفة بعض من أصيب بها وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر . قال ابن هشام : سعد بن هذيم . معاودة زيد لهم قال ابن إسحاق : فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر كانت عجوزا كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ، وعبد الله بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة فقتلها قتلا عنيفا ؟ ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبابن مسعدة . شأن أم قرفة وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ؟ كانت العرب تقول لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت . فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة فوهبها له فأهداها لخاله حزن بن وهب فولدت له عبد الرحمن بن حزن . شعر ابن المسحر في قتل مسعدة فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة سعيت بورد مثل سعي ابن أمه وإني بورد في الحياة لثائر كررت عليه المهر لما رأيته على بطل من آل بدر مغاور فركبت فيه قعضبيا كأنه شهاب بمعراة يذكى لناظر . غزوة عبد الله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام وغزوة عبد الله بن رواحة خيبر مرتين إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام . قال ابن هشام : ويقال ابن رازم . مقتل اليسير وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في نفر من أصحابه منهم عبد الله بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه وقربوا له وقالوا له إنك إن قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأمرك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود فحمله عبد الله بن أنيس على بعيره حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففطن له عبد الله بن أنيس ، وهو يريد السيف فاقتحم به ثم ضربه بالسيف فقطع رجله وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه فلما قدم عبد الله بن أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على شجته فلم تقح ولم تؤذه . غزوة ابن عتيك خيبر وغزوة عبد الله بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق غزوة عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي مقتل ابن نبيح وغزوة عبد الله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ليغزوه فقتله . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال قال عبد الله بن أنيس : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة فأته فاقتله قلت : يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه . قال " إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له . قشعريرة . قال فخرجت متوشحا سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشي نحوه أومي برأسي ، فلما انتهيت إليه قال من الرجل ؟ قلت : رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لذلك . قال أجل إني لفي ذلك . قال فمشيت معه شيئا ، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته ، ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ؟ فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني ، أفلح الوجه ؟ قلت : قد قتلته يا رسول الله . قال " صدقت " إهداء الرسول عصا لابن أنيس

ثم قام بي ، فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال أمسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس . قال فخرجت بها على الناس فقالوا : ما هذا العصا ؟ قلت : أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرني أن أمسكها عندي . قالوا : أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ؟ قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا ؟ قال آية بيني وبينك يوم القيامة . إن أقل الناس المتخصرون يومئذ قال فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه فلم تزل معه حتى مات ثم أمر بها فضمت في كفنه ثم دفنا جميعا  

شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح قال ابن هشام : وقال عبد الله بن أنيس في ذلك تركت ابن ثور كالحوار وحوله نوائح تفري كل جيب مقدد تناولته والظعن خلفي وخلفه بأبيض من ماء الحديد مهند عجوم لهام الدارعين كأنه شهاب غضى من ملهب متوقد أقول له والسيف يعجم رأسه أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره رحيب فناء الدار غير مزند وقلت له خذها بضربة ماجد حنيف على دين النبي محمد وكنت إذا هم النبي بكافر سبقت إليه باللسان وباليد تمت الغزاة وعدنا إلى خبر البعوث . غزوات أخر قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ذات أطلاح ، من أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا . غزوة عيينة بن حصن بني العنبر من بني تميم وعد الرسول عائشة بإعطائها سبيا منهم لتعتقه وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم فأغار عليهم فأصاب منهم أناسا ، وسبى منهم أناسا . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن علي رقبة من ولد إسماعيل . قال أهذا سبي بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه . بعض من سبي وبعض من قتل وشعر سلمى في ذلك قال ابن إسحاق : فلما قدم بسبيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ربيعة بن رفيع وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن معبد ووردان بن محرز وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس بن حابس فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فأعتق بعضا ، وأفدى بعضا ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر عبد الله وأخوان له بنو وهب وشداد بن فراس وحنظلة بن دارم وكان ممن سبي من نسائهم يومئذ أسماء بنت مالك وكاس بنت أري ونجوة بنت نهد وجميعة بنت قيس ، وعمرة بنت مطر ، فقالت في ذلك اليوم سلمى بنت عتاب لعمري لقد لاقت عدي بن جندب من الشر مهواة شديدا كئودها تكنفها الأعداء من كل جانب وغيب عنها عزها وجدودها شعر الفرزدق في ذلك قال ابن هشام : وقال الفرزدق في ذلك وعند رسول الله قام ابن حابس بخطة سوار إلى المجد حازم له أطلق الأسرى التي في حباله مغللة أعناقها في الشكائم كفى أمهات الخالفين عليهم غلاء المفادي أو سهام المقاسم وهذه الأبيات في قصيدة له . وعدي بن جندب من بني العنبر والعنبر بن عمرو بن تميم . غزوة غالب بن عبد الله أرض بني مرة مقتل مرداس قال ابن إسحاق : وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار . قال ابن هشام : الحرقة ، فيما حدثني عبيدة . قال ابن إسحاق : وكان من حديثه عن أسامة بن زيد قال أدركته أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح قال أشهد أن لا إله إلا الله قال فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره فقال يا أسامة من لك بلا إله إلا الله ؟ " قال قلت : يا رسول الله إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل قال " فمن لك بها يا أسامة ؟ " قال فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن وأني كنت أسلمت يومئذ وأني لم أقتله قال قلت : أنظرني يا رسول الله إني أعاهد الله أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا ، قال " تقول بعدي يا أسامة " قال قلت : بعدك غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل إرسال عمرو ثم إمداده وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي . فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك حتى إذا كان على ماء بأرض جذام ، يقال له السلسل . وبذلك سميت تلك الغزوة غزوة ذات السلاسل ، فلما كان عليه خاف فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر وعمر وقال لأبي عبيدة حين وجهه لا تختلفا فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه قال له عمرو : إنما جئت مددا لي ، قال أبو عبيدة لا ، ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا ، هينا عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو بل أنت مدد لي فقال أبو عبيدة يا عمرو وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك قال فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ، قال فدونك . فصلى عمرو بالناس . وصية أبي بكر رافع بن رافع قال وكان من الحديث في هذه الغزاة أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة كان يحدث فيما بلغني عن نفسه قال كنت امرئ نصرانيا ، وسميت سرجس فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي . الرمل في الجاهلية ثم أغير على إبل الناس فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه فأشرب منه فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ، قال فقلت : والله لأختارن لنفسي صاحبا ، قال فصحبت أبا بكر قال فكنت معه في رحله قال وكانت عليه عباءة له فدكية فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له قال وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفارا : نحن نبايع ذا العباءة قال فلما دنونا من المدينة قافلين قال قلت : يا أبا بكر إنما صحبتك لينفعني الله بك ، فانصحني وعلمني ، قال لو لم تسألني ذلك لفعلت ، قال آمرك أن توحد الله ولا تشرك به شيئا ، وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج هذا البيت ، وتغتسل من الجنابة ولا تتآمر على رجل من المسلمين أبدا . قال قلت : يا أبا بكر أما أنا والله فإني أرجو أن لا أشرك بالله أحدا أبدا ، وأما الصلاة فلن أتركها أبدا إن شاء الله وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء الله وأما رمضان فلن أتركه أبدا إن شاء الله وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله تعالى ، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله وأما الإمارة فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند الناس إلا بها ، فلم تنهاني عنها ؟ قال إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعا وكرها ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذا لله وجيرانه وفي ذمته فإياك لا تخفر الله في جيرانه فيتبعك الله في خفرته فإن أحدكم يخفر في جاره فيظل ناتئا عضله غضبا لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير فالله أشد غضبا لجاره قال ففارقته على ذلك . قال فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أبو بكر على الناس قال قدمت عليه فقلت له يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ؟ قال بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك قال فقلت له فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟ قال لا أجد من ذلك بدا ، خشيت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة تقسيم عوف الأشجعي الجزور بين قوم قال ابن إسحاق : أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي قال كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ، قال فصحبت أبا بكر وعمر فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، قال وكنت امرئ لبقا جازرا ، قال فقلت : أتعطونني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم ؟ قالوا : نعم قال فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءا ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه فأكلناه . فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أنى لك هذا اللحم يا عوف ؟ قال فأخبرتهما خبره فقالا : والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك قال فلما قفل الناس من ذلك السفر كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجئته وهو يصلي في بيته قال فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قال " أعوف بن مالك ؟ لا قال قلت : نعم بأبي أنت وأمي ، قال " أصاحب الجزور ؟ " ولم يزدني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك شيئا ________________________________________ ذكر غزوة ذات السلاسل والسلاسل مياه واحدها سلسل وأن عمرو بن العاص كان الأمير يومئذ وكان عليه السلام أمره أن يسير إلى بلي ، وأن أم أبيه العاصي كانت من بلي : واسمها : سلمى فيما ذكر الزبير وأما أم عمرو ، فهي ليلى تلقب بالنابغة سبيت من بني جلان بن عنترة بن ربيعة . وذكر في هذه السرية صحبة رافع بن أبي رافع لأبي بكر وهو رافع بن عميرة ويقال فيه ابن عمير وهو الذي كلمه الذئب وله شعر مشهور في تكليم الذئب له وكان الذئب قد أغار على غنمه فاتبعه فقال له الذئب . ألا أدلك على ما هو خير لك ، قد بعث نبي الله وهو يدعو إلى الله فالحق به ففعل ذلك رافع وأسلم . وذكر في حديثه مع أبي بكر أنه أطعمه وعمر لحم جزور كان قد أخذ منها عشيرا على أن يجزئها لأهلها ، فقام أبو بكر وعمر فتقيآ ما أكلا ، وقالا : أتطعمنا مثل هذا ، وذلك والله أعلم أنهما كرها أجرة مجهولة لأن العشير واحد الأعشار على غير قياس يقال برمة أعشار إذا انكسرت . ويجوز أن يكون العشير بمعنى العشر كالثمين بمعنى الثمن ولكنه عاملهم عليه قبل إخراج الجزور من جلدها ، وقبل النظر إليها ، أو يكونا كرها جزارة الجزار على كل حال والله أعلم . حرقة وذكر غزوة غالب بن عبد الله وقتله مرداس بن نهيك من الحرقة ، وقال ابن هشام : الحرقة فيما ذكر أبو عبيدة وقال ابن حبيب في يشكر حرقة بن ثعلبة وحرقة بن مالك كلاهما من بني حبيب بن كعب بن يشكر وفي قضاعة : حرقة بن جذيمة بن نهد وفي تميم حرقة بن زيد بن مالك بن حنظلة وقال القاضي أبو الوليد هكذا وقعت هذه الأسماء كلها بالقاف وذكرها الدارقطني كلها بالفاء . أنساب وذكر غزوة محمد بن مسلمة إلى القرطاء وهم بنو قرط وقريط وقريط بنو أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة . وذكر حيان بن ملة وهو حسان بن ملة ، وكذلك قاله في موضع آخر من الكتاب وهو قول ابن هشام . وذكر سعد بن هذيم وإنما هو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، وإنما نسب إلى هذيم لأن هذيما حضنه وهو عبد حبشي . حديث أم قرفة التي جرى فيها المثل أمنع من أم قرفة لأنها كانت يعلق في بيتها خمسون سيفا [ لخمسين فارسا ] كلهم لها ذو محرم واسمها فاطمة بنت حذيفة بن بدر كنيت بابنها قرفة قتله النبي عليه السلام فيما ذكر الواقدي . وذكر أن سائر بنيها ، وهم تسعة قتلوا مع طليحة بن بزاخة في الردة وهم حكمة وخرشة وجبلة وشريك ووالان ورمل وحصين وذكر باقيهم . وذكر أن قرفة قتلت يوم بزاخة أيضا ، وذكر عن عبد الله بن جعفر أنه أنكر ذلك وهو الصحيح كما في هذا الكتاب وذكر الدولابي أن زيد بن حارثة حين قتلها ربطها بفرسين ثم ركضا بها حتى ماتت وذلك لسبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر المرأة التي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلمة وهي بنت أم قرفة وفي مصنف أبي داود . وخرجه مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمة هب لي المرأة يا سلمة لله أبوك فقال هي لك يا رسول الله ففدى بها أسيرا كان في قريش من المسلمين وهذه الرواية أصح ، وأحسن من رواية ابن إسحاق ، فإنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها لخاله بمكة وهو حزن بن أبي وهب بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، وفاطمة جدة النبي صلى الله عليه وسلم أم أبيه هي بنت عمرو بن عائذ ، فهذه الخئولة التي ذكر وقتل عبد الرحمن بن حزم باليمامة شهيدا ، وحزن هذا هو جد سعيد بن المسيب بن حزن ، ومسعدة الذي ذكر في هذا الحديث أنه قتل هو ابن حكمة بن حذيفة بن بدر وسلمة الذي كانت عنده الجارية قيل هو سلمة بن الأكوع ، واسم الأكوع سنان وقيل هو سلمة بن سلامة بن وقش قاله الزبير . غزوة ابن أبي حدرد بطن إضم وقتل عامر بن الأضبط الأشجعي قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم ، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، على تعود له ومعه منيع له ووطب من لبن . قال فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله لشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره وأخذ متيعه . قال فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر ، نزل فينا : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا [ النساء 94 ] . . إلى آخر الآية . قال ابن هشام : قرأ أبو عمرو بن العلاء ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا لهذا الحديث . ابن حابس وابن حصن يختصمان في دم ابن الأضبط إلى الرسول قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير ، عن أبيه عن جده وكانا شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها ، وهو بحنين ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، يختصمان في عامر بن أضبط الأشجعي عيينة يطلب بدم عامر وهو يومئذ رئيس . غطفان ، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة ، لمكانه من خندف ، فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع فسمعنا عيينة بن حصن وهو يقول والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة مثل ما أذاق نسائي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، وهو يأبى عليه إذا قام رجل من بني ليث يقال له مكيثر قصير مجموع - قال ابن هشام : مكبتل - فقال والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ، فنفرت أخراها ، أسنن اليوم وغير غذا . قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده . فقال بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا . قال فقبلوا الدية . قال ثم قالوا : أين صاحبكم هذا ، يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فقام رجل آدم ضرب طويل عليه حلة له قد كان تهيأ للقتل فيها : حتى جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال له " ما اسمك ؟ " قال أنا محمد بن جثامة قال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال " اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة " ثلاثا . قال فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه . قال فأما نحن فنقول فيما بيننا : إنا لنرجو أن يكون رسول الله قد استغفر له وأما ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا موت محلم وما حدث له قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه أمنته بالله ثم قتلته ثم قال له المقالة التي قال قال فوالله ما مكث محلم بن جثامة إلا سبعا حتى مات فلفظته - والذي نفس الحسن بيده - الأرض ثم عادوا له فلفظته الأرض ثم عادوا فلفظته فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين فسطحوه بينهما ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه قال فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال والله إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم معه دية ابن الأضبط قال ابن إسحاق : وأخبرنا سالم أبو النضر أنه حدث أن عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم يا معشر قيس ، منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا يستصلح به الناس أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلعنكم الله بلعنته أو أن يغضب الله عليكم بغضبه ؟ والله الذي نفس الأقرع بيده لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد أو لآتين بخمسين رجلا من بني تميم يشهدون بالله كلهم . لقتل صاحبكم كافرا ، ما صلى قط ، فلأطلن دمه فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية . قال ابن هشام : محلم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ، وهو محلم بن جثامة بن قيس الليثي قال ابن إسحاق : محلم فيما حدثناه زياد عنه . ________________________________________ غزوة أبي حدرد وذكر غزوة أبي حدرد واسمه سلمة بن عمير وقيل عبيدة بن عامر . وذكر قتل محلم بن جثامة ، وخبره في غير رواية ابن إسحاق أن محلم بن جثامة مات بحمص في إمارة ابن الزبير ، وأما الذي نزلت فيه الآية لمن ألقى إليكم السلام [ النساء 94 ] والاختلاف فيه شديد فقد قيل اسمه فليت وقيل وهو محلم كما تقدم وقيل نزلت في المقداد بن عمرو ، وقيل في أسامة وقيل في أبي الدرداء واختلف أيضا في المقتول فقيل مرداس بن نهيك ، وقيل عامر الأضبط والله أعلم . كل هذا مذكور في التفاسير والمسندات . غزوة ابن أبي حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي قال ابن إسحاق : وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمي الغابة . وكان من حديثها فيما بلغني ، عمن لا أتهم عن ابن أبي حدرد قال تزوجت امرأة من قومي ، وأصدقتها مائتي درهم قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي ، فقال وكم أصدقت ؟ فقلت : مائتي درهم يا رسول الله قال سبحانه لله لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم والله ما عندي ما أعينك به . قال فلبثت أياما ، وأقبل رجل من بني جشم بن معاوية ، يقال له رفاعة بن قيس ، أو قيس بن رفاعة ، في بطن جشم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم في جشم وشرف . قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين فقال اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا معه بخبر وعلم . قال وقدم لنا شارفا عجفاء فحمل عليها أحدنا ، فوالله ما قامت به ضعفا حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت ثم قال تبلغوا عليها واعتقبوها انتصار المسلمين ونصيب ابن أبي حدرد من فيء استعان به على الزواج قال فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر عشيشية مع غروب الشمس . قال كمنت في ناحية وأمرت صاحبي ، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم وقلت لهما : إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي . قال فوالله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم أو أن نصيب منهم شيئا . قال وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه قال فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس ، فأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال والله لأتبعن أثر راعينا هذا ، ولقد أصابه شر ، فقال له نفر ممن معه والله لا تذهب نحن نكفيك ; قال والله لا يذهب إلا أنا ; قالوا : فنحن معك ; قال والله لا يتبعني أحد منكم قال وخرج حتى يمر بي . قال فلما أمكنني نفحته بسهمي ، فوضعته في فؤاده . قال فوالله ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه . قال وشددت في ناحية العسكر وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا . قال فوالله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك ، عندك ، بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خص معهم من أموالهم . قال واستقنا إبلا عظيمة وغما كثيرة فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال وجئت برأسه أحمله معي . قال فأعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرا في صداقي ، فجمعت إلي أهلي . غزوة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل شيء من وعظ الرسول لقومه قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح ، قال سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم قال فقال عبد الله سأخبرك إن شاء الله عن ذلك بعلم كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتى من الأنصار ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس فقال يا رسول الله صلى الله عليك ، أي المؤمنين أفضل ؟ فقال أحسنهم خلقا قال فأي المؤمنين أكيس ؟ قال أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ثم سكت الفتى ، وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ; ولم ينقضوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم ما مطروا ; وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم . تأمير ابن عوف واعتمامه

ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن وأعرف ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء . فدفعه إليه فحمد الله تعالى ، وصلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم . فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء  . 

قال ابن هشام : فخرج إلى دومة الجندل . غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر نفاد الطعام وخبر دابة البحر قال ابن إسحاق : وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه عن جده عبادة بن الصامت ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى سيف البحر ، عليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وزودهم جرابا من تمر فجعل بقوتهم إياه حتى صار إلى أن يعده عليهم عددا . قال ثم نفد التمر حتى كان يعطى كل رجل منهم كل يوم تمرة . قال فقسمها يوما بيننا . قال فنقضت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم . قال فلما جهدنا الجوع أخرج الله لنا دابة من البحر فأصبنا من لحمها وودكها ، وأقمنا عليها عشرين ليلة حتى سمنا وابتللنا ، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها ، فوضعها على طريقه ثم أمر بأجسم بعير معنا ، فحمل عليه أجسم رجل منا . قال فجلس عليه قال فخرج من تحتها وما مست رأسه . قال فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبرها ، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه فقال رزق رزقكموه الله بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه قدومه مكة وتعرف القوم عليه قال ابن هشام : ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب وبعث معه جبار بن صخر الأنصاري فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلا ، فقال جبار لعمرو : لو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ؟ فقال عمرو : إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم فقال كلا ، إن شاء الله فقال عمرو : فطفنا بالبيت وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلي رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية والله إن قدمها إلا لشر فقلت لصاحبي : النجاء فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا ، فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار فقلت : إن رآنا صاح بنا ، فأخذنا فقتلنا . قال ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بآخر . رمق فقالوا : من ضربك ؟ فقال عمرو بن أمية وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه . فقلت لصاحبي ، لما أمسينا : النجاء فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي ، فقال أحدهم والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية لولا أنه بالمدينة لقلت هو عمرو بن أمية قال فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شدا ، وخرجوا وراءه حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم فلم يقدروا عليه قال وقلت لصاحبي : النجاء النجاء حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه فإني سأشغل عنك القوم وكان الأنصاري لا رجلة له قتله بكريا في غار

قال ومضيت حتى أخرج على ضجنان ثم أويت إلى جبل فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور في غنيمة له فقال من الرجل ؟ فقلت : من بني بكر فمن أنت ؟ قال من بني بكر فقلت : مرحبا ، فاضطجع ثم رفع عقيرته فقال 

ولست بمسلم ما دمت حيا ولا دان لدين المسلمينا فقلت في نفسي : ستعلم فأمهلته ، حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ثم خرجت النجاء حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع إذا رجلان من قريش من المشركين كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان فقلت : استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله واستأسر الآخر فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة . سرية زيد بن حارثة إلى مدين بعثه هو وضميرة وقصة السبي قال ابن هشام : وسرية زيد بن حارثة إلى مدين . ذكر ذلك عبد الله بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة ابنة الحسين بن علي عليهم رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة مولى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وأخ له . قالت فأصاب سبيا من أهل ميناء ، وهي السواحل وفيها جماع من الناس فبيعوا ، ففرق بينهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال ما لهم ؟ فقيل يا رسول الله فرق بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوهم إلا جميعا قال ابن هشام : أراد الأمهات والأولاد سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك سبب نفاق أبي عفك قال ابن إسحاق : وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف ثم من بني عبيدة وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد بن صامت ، فقال لقد عشت دهرا وما إن أرى من الناس دارا ولا مجمعا أبر عهودا وأوفى لمن يعاقد فيهم إذا ما دعا من أولاد قيلة في جمعهم يهد الجبال ولم يخضعا فصدعهم راكب جاءهم حلال حرام لشتى معا فلو أن بالعز صدقتم أو الملك تابعتم تبعا قتل ابن عمير له وشعر المزيرية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لي بهذا الخبيث ؟ فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف وهو أحد البكائين فقتله فقالت أمامة المزيرية في ذلك تكذب دين الله والمرء أحمدا لعمر الذي أمناك أن بئس ما يمني حباك حنيف آخر الليل طعنة أبا عفك خذها على كبر السن غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان نفاقها وشعرها في ذلك وغزوة عمير بن عدي الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد فلما قتل أبو عفك نافقت فذكر عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال وكانت تحت رجل من بني خطمة ويقال له يزيد بن زيد فقالت تعيب الإسلام وأهله باست بني مالك والنبيت وعوف وباست بني الخزرج أطعتم أتاوي من غيركم فلا من مراد ولا مذحج ترجونه بعد قتل الرءوس كما يرتجى مرق المنضج ألا أنف يبتغي غرة فيقطع من أمل المرتجي شعر حسان في الرد عليها قال فأجابها حسان بن ثابت ، فقال بنو وائل وبنو واقف وخطمة دون بني الخزرج متى ما دعت سفها ويحها بعولتها والمنايا تجي فهزت فتى ماجدا عرقه كريم المداخل والمخرج فضرجها من نجع الدما ء بعد الهدو فلم يحرج خروج الخطمي لقتلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ألا آخذ لي من ابنة مروان ؟ فسمع ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ؟ فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، ثم أصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد قتلتها . فقال نصرت الله ورسوله يا عمير ، فقال هل علي شيء من شأنها يا رسول الله ؟ فقال لا ينتطح فيها عنزان شأن بني خطمة فرجع عمير إلى قومه وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ولها يومئذ بنون خمسة رجال فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بني خطمة أنا قتلت ابنة مروان فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون . فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي وهو الذي يدعى القارئ وعبد الله بن أوس ، بن ثابت ، وأسلم ، يوم قتلت ابنة مروان رجال من بني خطمة لما رأوا وخزيمة من عز الإسلام . أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه والسرية التي أسرت ثمامة بن أثال الحنفي إسلامه بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال خرجت خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون من أخذتم ، هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها ويراح فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أسلم يا ثمامة فيقول إيها يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال النبي يوما : أطلقوا ثمامة فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام فلما أمسى جاءوه بما جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام فلم ينل معه إلا قليلا ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك مم تعجبون ؟ أمن رجل أكل أول النهار . في معى كافر وأكل آخر النهار في معى مسلم إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معى واحد خروجه إلى مكة وقصته مع قريش قال ابن هشام : فبلغني أنه خرج معتمرا ، حتى إذا كان ببطن مكة لبى ، فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا : لقد اخترت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه قال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم فحثوه فقال الحنفي في ذلك ومنا الذي لبى بمكة معلنا برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم حدثت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم ، لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي . وقال في الدين والبلاد مثل ذلك . ثم خرج معتمرا ، فلما قدم مكة ، قالوا : أصبوت يا ثمام ؟ فقال لا ، ولكني اتبعت خير الدين دين محمد ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل . ________________________________________ ثمامة بن أثال وذكر ابن إسحاق ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه وقد خرج أهل الحديث حديث إسلامه وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن ترد المال تعطه فقال عليه السلام اللهم أكلة من جزور أحب إلي من دم ثمامة فأطلقه فتطهر وأسلم ، وحسن إسلامه ونفع الله به الإسلام كثيرا ، وقام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما حميدا حين ارتدت اليمامة مع مسيلمة وذلك أنه قام فيهم خطيبا ، وقال يا بني حنيفة أين عزبت عقولكم بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب أين هذا من يا ضفدع نقي كما تنقين لا الشراب تكدرين ولا الماء تمنعين مما كان يهدي به مسيلمة فأطاعه معهم ثلاثة آلاف وانحازوا إلى المسلمين ففت ذلك في أعضاد حنيفة . وذكر ابن إسحاق أنه الذي قال في النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء الحديث وقال أبو عبيد هو أبو بصرة الغفاري ، وفي مسند ابن أبي شيبة أنه جهجاه بن مسعود بن سعد بن حرام الغفاري ، وفي الدلائل أن اسمه نضلة وقد أملينا في معنى قوله يأكل في سبعة أمعاء نحوا من كراسة رددنا فيه قول من قال إنه مخصوص برجل واحد وبينا معنى الأكل والسبعة الأمعاء وأن الحديث ورد على سبب خاص ، ولكن معناه عام ، وأتينا في ذلك بما فيه شفاء والحمد لله وقوله في رواية البخاري : ذا دم رواه أبو داود : ذا ذم بالذال المعجمة . سرية علقمة بن مجزز سبب إرسال علقمة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز . لما قتل وقاص بن مجزز المدلجي يوم ذي قرد سأل علقمة بن مجزز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ليدرك ثأره فيهم . دعابة ابن حذافة مع جيشه فذكر عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز قال أبو سعيد الخدري : وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيه دعابة فلما كان ببعض الطريق أوقد نارا ، ثم قال للقوم أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا : بلى ; قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ؟ قالوا : نعم قال فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار قال فقام بعض القوم يحتجز حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك معكم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه . وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا . سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا شأن يسار حدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة عبدا يقال له يسار فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها قتل البجليين وتنكيل الرسول بهم فلما صحوا وانطوت بطونهم عدوا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار فذبحوه وغرزوا الشوك في عينيه واستاقوا اللقاح . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، فلحقهم فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم . غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن وغزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى اليمن غزاها مرتين . قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ، وبعث خالد بن الوليد في جند آخر وقال " إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب " . وقد ذكر ابن إسحاق بعث خالد بن الوليد في حديثه ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا ، فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعة وثلاثين . ________________________________________ ما زاده ابن هشام مما لم يذكره ابن إسحاق وذكر الشيخ الحافظ أبو بحر سفيان بن العاصي رحمه في هذا الموضع قال نقلت من حاشية نسخة من كتاب السير منسوبة بسماع أبي سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم وأخويه محمد وأحمد ابني عبد الله بن عبد الرحيم ما هذا نصحه وجدت بخط أخي قول ابن هشام : هذا مما لم يذكره ابن إسحاق هو غلط منه قد ذكره ابن إسحاق عن جعفر بن عمرو بن أمية عن عمرو بن أمية فيما حدث أسد عن يحيى بن زكرياء عن ابن إسحاق ، والقائل في الحاشية وجدت بخط أخي هو أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحيم . وفي الكتاب المذكور قول أبي بكر المذكور في غزوة الطائف بعد قوله فولدت له داود بن أبي مرة . إلى هاهنا انتهى سماعي من أخي ، وما بقي من هذا الكتاب سمعته من ابن هشام نفسه . عن خبيب بن عدي وذكر سرية عمرو بن أمية وحلة لخبيب بن عدي من خشبته التي صلب فيها وفي مسند ابن أبي شيبة حسنة أنهما حين حلاه من الخشبة التقمته الأرض . وذكر ابن هشام مقتل العصماء بنت مروان وفي خبرها قال صلى الله عليه وسلم لا ينتطح فيها عنزان وكانت تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها بعلها على ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشهدوا أن دمها هدر " . قال الدارقطني : من هاهنا يقم أصل التسجيل في الفقه لأنه قد أشهد على نفسه بإمضاء الحكم ووقع في مصنف حماد بن سلمة أنها كانت يهودية وكانت تطرح المحائض في مسجد بني حطمة فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها ، وقال " لا ينتطح فيها عنزان " . بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين وهو آخر البعوث قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم ، من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون قال ابن هشام : وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ابتداء شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدء الشكوى قال ابن إسحاق : فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراد به من كرامته ورحمته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول فكان أول ما ابتدئ به من ذلك فيما ذكر لي ، أنه خرج إلى بقيع الغرقد ، من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن عمر ، عن عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال " يا أبا مويهبة أني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع ، فانطلق معي " ، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال " السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى " ، ثم أقبل علي ، فقال " يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " . قال فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة قال " لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة " ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي قبضه الله فيه . تمريضه في بيت عائشة قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع ، فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأنا أقول وارأساه ، فقال " بل أنا والله يا عائشة وارأساه " قالت ثم قال " وما ضرك لو مت قبلي ، فقمت عليك وكفنتك ، وصليت عليك ودفنتك ؟ " قالت قلت : والله لكأني بك ، لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي ، فأعرست فيه ببعض نسائك ، قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي ، فأذن له . ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين أسماؤهن قال ابن هشام : وكن تسعا : عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حبيب ، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وسودة بنت زمعة بن قيس ، وزينب بنت جحش بن رئاب ، وميمونة بنت الحارث بن حزن وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وصفية بنت حيي بن أخطب ، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم . زواجه بخديجة

وكان جميع من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة خديجة بنت خويلد ، وهي أول من تزوج زوجه إياها أبوها خويلد بن أسد ، ويقال أخوها عمرو بن خويلد ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم وكانت قبله عند أبي هالة بن مالك أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار فولدت له هند بن أبي هالة وزينب بنت أبي هالة وكانت قبل أبي هالة عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فولدت له عبد الله وجارية  

قال ابن هشام : جارية من الجواري ، تزوجها صيفي بن أبي رفاعة . زواجه بعائشة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق بمكة وهي بنت سبع سنين وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين أو عشر ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها ، زوجه إياها أبوها أبو بكر وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم  

زواجه بسودة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، زوجه إياها سليط بن عمرو ، ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم  

قال ابن هشام : ابن إسحاق يخالف هذا الحديث يذكر أن سليطا وأبا حاطب كانا غائبين بأرض الحبشة في هذا الوقت . وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل . ________________________________________ ذكر أزواج النبي عليه السلام خديجة رضي الله عنها قد تقدم في مواضع من هذا الكتاب نبذ كافية من التعريف بهن وذكر هاهنا خديجة وأنها كانت عند أبي هالة وكانت قبله عند عتيق بن عائذ قال ابن أبي خيثمة ولدت لعتيق عبد مناف وكان اسم أبي هالة هند بن زرارة بن النباش وقيل بل أبو هالة هو زرارة وابنه هند ، مات هند في طاعون البصرة . عن عائشة ومما نزيده هنا في ذكر عائشة أنها كانت تكنى أم عبد الله روى ابن الأعرابي ، في المعجم حديثا مرفوعا أنها أسقطت جنينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمي عبد الله فكانت تكنى به وهذا الحديث يدور على داود بن المحبر وهو ضعيف وأصح منه حديث أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير " ، ويروى بابنك عبد الله بن الزبير ، لأنها كانت قد استوهبته من أبويه فكان في حجرها يدعوها ، أما ، ذكره ابن إسحاق وغيره وأصح ما روي في فضلها على النساء قوله عليه السلام " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام " ، وأراد الثريد باللحم كذا رواه معمر في جامعه مفسرا عن قتادة ، وأبان يرفعه فقال فيه كفضل الثريد باللحم ووجه التفضيل من هذا الحديث أنه قال في حديث آخر " سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم " ، مع أن الثريد إذا أطلق لفظه فهو ثريد اللحم وأنشد سيبويه : إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد خديجة وعائشة ومريم ولولا ما تقدم من الحديث المخصص لخديجة بالفضل عليها حيث قال والله ما أبدلني الله خيرا منها لقلنا بتفضيلها على خديجة وعلى نساء العالمين وكذلك القول في مريم الصديقة فإنها عند كثير من العلماء نبية نزل عليها جبريل عليه السلام بالوحي ولا يفضل على الأنبياء غيرهم ومن قال لم تكن نبية وجعل قوله تعالى : واصطفاك على نساء العالمين [ آل عمران : 42 ] مخصوصا بعالم زمانها ، فمن قوله إن عائشة وخديجة أفضل منها ، وكذلك يقولون في سائر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنهن أفضل نساء العالمين ونزعوا في تصحيح هذا المذهب بما يطول ذكره والله أعلم وفي مسند البزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فاطمة هي سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم . زواجه بزينب بنت جحش

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية . زوجه إياها أخوها أبو أحمد بن جحش ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند زيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها أنزل الله تبارك وتعالى :  فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها   

زواجه بأم سلمة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية ، واسمها هند ; زوجه إياها سلمة بن أبي سلمة ابنها ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فراشا حشوه ليف وقدحا . وصحفة ومجشة وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد واسمه عبد الله فولدت له سلمة وعمر وزينب ورقية  

زواجه بحفصة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، زوجه إياها أبوها عمر بن الخطاب ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند خنيس بن حذافة السهمي  . 

زواجه بأم حبيبة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب ، زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص ، وهما بأرض الحبشة ، وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة دينار ، وهو الذي كان خطبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش الأسدي  . 

زواجه بجويرية

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، كانت في سبايا بني المصطلق من خزاعة ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس الأنصاري فكاتبها على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، فقال لها : " هل لك في خير من ذلك ؟ لما قالت وما هو ؟ قال " أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ " فقالت نعم فتزوجها  . 

قال ابن هشام : حدثنا بهذا الحديث زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة عن عائشة . قال ابن هشام : ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ، ومعه جويرية بنت الحارث ، فكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء فرغب في بعيرين منها ، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ، أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا ؟ " فقال الحارث أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله صلى الله عليك ، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله تعالى فأسلم الحارث وأسلم معه ابنان له وناس من قومه وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودفعت إليه ابنته جويرية فأسلمت وحسن إسلامها ، وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربع مائة درهم وكان قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن عم لها يقال له عبد الله . قال ابن هشام : ويقال اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس ، فأعتقها وتزوجها ، وأصدقها أربع مائة درهم . زواجه بصفية

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب ، سباها من خيبر ، فاصطفاها لنفسه وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ما فيها شحم ولا لحم كان سويقا وتمرا ، وكانت قبله عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق  

زواجه بميمونة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بحير بن هزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، زوجه إياها العباس بن عبد المطلب ، وأصدقها العباس عن رسول الله أربع مائة درهم وكانت قبله عند أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ; ويقال إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها ، فقالت البعير وما عليه لله ولرسوله فأنزل الله تبارك وتعالى :  وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي   [ الأحزاب : 50 ] . ويقال إن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، ويقال أم شريك غزية بنت جابر بن وهب من بني منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي ، ويقال بل هي امرأة من بني سلمة بن لؤي فأرجأها رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

زواجه زينب بنت خزيمة

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وكانت تسمى أم المساكين لرحمتها إياهم ورقتها عليهم زوجه إياها قبيصة بن عمرو الهلالي ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وكانت قبل عبيدة عند جهم بن عمرو بن الحارث ، وهو ابن عمها  

عدتهن وشأن الرسول معهن فهؤلاء اللاتي بنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ، فمات قبله منهن ثنتان خديجة بنت خويلد ، وزينب بنت خزيمة . وتوفي عن تسع قد ذكرناهن في أول هذا الحديث وثنتان لم يدخل بهما : أسماء بنت النعمان الكندية تزوجها فوجد بها بياضا ، فمتعها وردها إلى أهلها ، وعمرة بنت يزيد الكلابية وكانت حديثة عهد بكفر فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " منيع عائذ الله " ، فردها إلى أهلها ، ويقال إن التي استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كندية بنت عم . لأسماء بنت النعمان ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها ، فقالت إنا قوم نؤتى ولا نأتي ; فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهلها . تسمية القرشيات منهن القرشيات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ست : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وعائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ; وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي . تسمية العربيات وغيرهن والعربيات وغيرهن سبع زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ; وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بحير بن هزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ; وزينب بنت خزيمة بن . الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية ، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، ثم المصطلقية ، وأسماء بنت النعمان الكندية وعمرة بنت يزيد الكلابية . غير العربيات ومن غير العربيات صفية بنت حيي بن أخطب ، من بني النضير . ________________________________________ أم سلمة وذكر أم سلمة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقها مجشة وهي الرحى . ومعه سمي الجشيش . وذكر مع المجشة أشياء لا تعرف قيمتها ، منها جفنة وفراش . وفي مسند البزار ذكر قيمتها ، قال أنس أصدقها متاعا قيمته عشرة دراهم قال البزار : ويروى أربعون درهما . جويرية وذكر جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وكانت قبله عند مسافع بن صفوان الخزاعي وقال أسلم الحارث وأسلم ابناه ولم يسمهما ، وهما الحارث بن الحارث وعمرو بن الحارث ، وذكره البخاري . زينب بنت جحش وذكر زينب بنت جحش ، وأن أخاها أبا أحمد هو الذي أنكحها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا خلاف ما ثبت في الحديث أنها كانت تفخر على صواحبها ، وتقول " زوجكن أهلوكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجني رب العالمين من فوق سبع سماوات وفي حديث آخر

أنه لما نزلت الآية  زوجناكها  [ الأحزاب : 37 ] قام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها بغير إذن  

ولم يذكر ابن إسحاق في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت دحية بن خليفة الكلبي ، وذكرها غيره ولم تقم عنده إلا يسيرا حتى ماتت وكذلك العالية بنت ظبيان [ بن عمرو بن عوف بن عبد بن أبي بكر بن كلاب ] ذكرها غيره في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكذلك وسنى بنت الصلت تزوجها ثم خلى سبيلها ، ويقال فيها : سنا بنت أسماء بنت الصلت . ومنهن أسماء بنت النعمان بن الجون الكندية اتفقوا على تزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها ، واختلفوا ، في سبب فراق النبي لها . وكذلك قيل في : شراف بنت خليفة إنها هلكت قبل أن يدخل بها ، فالله أعلم . وذكر خولة ويقال فيها : خويلة ذكرت فيمن تزوجهم النبي عليه السلام ويقال هي التي وهبت نفسها للنبي عليه السلام . تمريض رسول الله في بيت عائشة مجيئه إلى بيت عائشة قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت فخرج رسول الله يمشي بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي . قال عبيد الله فحدثت هذا الحديث عبد الله بن العباس فقال هل تدري من الرجل الآخر ؟ قال قلت : لا ، قال علي بن أبي طالب شدة المرض وصب الماء عليه

ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه فقال " هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى ، حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم " . قالت فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول " حسبكم حسبكم  " . 

________________________________________ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم في مرضه إلى المسجد وأن أبا بكر كان الإمام وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتم به وهذا الحديث مرسل في السيرة والمعروف في الصحاح أن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يصلون بصلاة أبي بكر ولكن قد روي عن أنس من طريق متصل أن أبا بكر كان الإمام يومئذ واختلف فيه عن عائشة رضي الله عنها ، وروى الدارقطني من طريق المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته " ، وذكر أبو عمر هذا الحديث إلا أنه ساقه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مرسلا ، وقد أسنده البزار أيضا من طريق ابن الزبير عن عمر عن أبي بكر وفي مراسيل الحسن البصري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض عشرة أيام صلى أبو بكر بالناس تسعة أيام منها ، ثم خرج رسول الله في اليوم العاشر منها يهادي بين رجلين أسامة والفضل بن عباس حتى صلى خلف أبي بكر رواه الدارقطني ، ففي هذا الحديث أنه مرض عشرة أيام وهو غريب وفيه أن أحد الرجلين كان أسامة والمعروف عن ابن عباس أنه كان علي بن أبي طالب ، وفيه صلاته عليه السلام خلف أبي بكر . كلمة للنبي واختصاصه أبا بكر بالذكر قال ابن إسحاق : وقال الزهري : حدثني أيوب بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم ثم قال " إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله " . قال ففهمها أبو بكر وعرف أن نفسه يريد فبكى وقال بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال " على رسلك يا أبا بكر " ، ثم قال " انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدوها إلا بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحدا كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه " . قال ابن هشام : ويروى : إلا باب أبي بكر . قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ في كلامه هذا : " فإني لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده " . أمر الرسول بإنفاذ بعث أسامة وقال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد ، وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة أمر غلاما حدثا على جلة المهاجرين والأنصار . فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال " أيها الناس انفذوا بعث أسامة فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله وإنه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقا لها " . قال ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكمش الناس في جهازهم واستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فخرج أسامة وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف ، من المدينة على فرسخ فضرب به عسكره وتتام إليه الناس وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام أسامة والناس لينظروا ما الله قاض في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية الرسول بالأنصار وقال ابن إسحاق : قال الزهري : وحدثني عبد الله بن كعب بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم صلى واستغفر لأصحاب أحد ، وذكر من أمرهم ما ذكر مع مقالته يومئذ " يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيرا ، فإن الناس يزيدون وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد وإنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها ، فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " . قال عبد الله ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وتتام به وجعه حتى غمر . شأن اللدود

قال عبد الله فاجتمع إليه نساء من نسائه أم سلمة وميمونة ونساء من نساء المسلمين منهن أسماء بنت عميس ، وعنده العباس عمه فأجمعوا أن يلده وقال العباس لألدنه قال فلدوه فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من صنع هذا بي ؟ " قالوا : يا رسول الله عمك ، قال " هذا دواء أتى به نساء جئن من نحو هذه الأرض " ، وأشار نحو أرض الحبشة ; قال " ولم فعلتم ذلك ؟ " فقال عمه العباس خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب فقال " إن ذلك لداء ما كان الله عز وجل ليقذفني به لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي ، فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة " ، لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم بما صنعوا به  . 

________________________________________ حديث العباس فصل وذكر حديث العباس وأنه قال لألدنه فلدوه وحسبوا أن به ذات الجنب ففي هذا الحديث أن العباس حضره ولده مع من لد . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبقين أحد بالبيت إلا لد إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم " ، وهذه أصح من رواية ابن إسحاق وإنما لدوه لأنه عليه السلام قد قال في القسط فيه سبعة أشفية يلد به من ذات الجنب ويسعط به من العذرة ولم يذكر الخمسة . قال ابن شهاب : فنحن نستعمله في أدويتنا كلها لعلنا نصيبها ، واللدود في جانب الفم من داخله يجعل هناك الدواء ويحك بالإصبع قليلا . وقوله في ذات الجنب ذاك داء ما كان الله ليقذفني به وقال في هذا الحديث من رواية الطبري له أنا أكرم على الله من أن يقذفني بها وفي رواية أخرى : وهي من الشيطان وما كان الله ليسلطها علي وهذا يدل على أنها من سيئ الأسقام التي تعوذ النبي عليه السلام منها في دعائه حيث يقول " اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجذام وسيئ الأسقام " ، وإن كان صاحبها من الشهداء السبعة ولكنه عليه السلام قد تعوذ من الغرق والحرق مع قوله عليه السلام " الغريق شهيد والحريق شهيد " . وقد ذكر أن أسماء بنت عميس هي التي لدته فالله أعلم . والوجع الذي كان بالنبي عليه السلام فلد هو الوجع الذي يسمى خاصرة وقد جاء ذكره في كتاب النذور من الموطأ ، قال فيه فأصابتني خاصرة قالت عائشة وكثيرا ما كان يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة . قالت ولا نهتدي لاسم الخاصرة ونقول أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرق في الكلية وفي مسند الحارث بن أبي أسامة يرفعه إلى النبي عليه السلام قال " الخاصرة عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه دواؤه العسل بالماء المحرق " ، وهو حديث يرويه عبد الرحيم بن عمرو عن الزهري عن عروة وعبد الرحيم ضعيف مذكور عند المحدثين في الضعفاء ولكن قد روت عنه جماعة منهم . وقول أبي بكر رضي الله عنه هذا يوم بنت خارجة يا رسول الله بنت خارجة اسمها : حبيبة وقيل ملكية ، وخارجة هو ابن زيد بن أبي زهير وابن خارجة هو زيد بن خارجة الذي تكلم بعد الموت فيما روى ثقات أهل الحديث لا يختلفون في ذلك وذلك أنه مات في زمن عثمان فلما سجي عليه سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم فقال أحمد أحمد في الكتاب الأول صدق صدق وأبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول صدق صدق عمر بن الخطاب ، القوي الأمين في الكتاب الأول صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت سنتان أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر أريس . قال سعيد بن المسيب : ثم هلك رجل من بني خطمة فسجي بثوب فسمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم فقال إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق وكانت وفاته في خلافة عثمان رضي الله عنه وقد عرض مثل هذه القصة لربيع بن حراش أخي ربعي بن حراش قال ربعي : مات أخي فسجيناه وجلسنا عنده فبينما نحن كذلك إذ كشف الثوب عن وجهه ثم قال السلام عليكم قلتا : سبحان الله أبعد الموت ؟ قال إني لقيت ربي فتلقاني بروح وريحان ورب غير غضبان وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق أسرعوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإنه قد أقسم أن لا يبرح حتى آتيه وأدركه وإن الأمر أهون ما تذهبون إليه فلا تغتروا ، ثم والله كأنما كانت نفسه حصاة فألقيت في طست دعاء الرسول لأسامة بالإشارة قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد بن أسامة عن أبيه أسامة بن زيد قال لما ثقل رسول الله هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي فأعرف أنه يدعو لي . قال ابن إسحاق : وقال ابن شهاب الزهري : حدثني عبيد بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما أسمعه يقول " إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره " . قالت فلما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخر كلمة سمعتها وهو يقول " بل الرفيق الأعلى من الجنة " ، قالت فقلت : إذا والله لا يختارنا ، وعرفت أنه الذي كان يقول لنا : إن نبيا لم يقبض حتى يخير . ________________________________________ آخر كلمة تكلم بها عليه السلام فصل وذكر أن آخر كلمة تكلم بها عليه السلام اللهم الرفيق الأعلى ، وهذا منتزع من قوله تبارك وتعالى : فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين إلى قوله سبحانه وحسن أولئك رفيقا [ النساء 69 ] فهذا هو الرفيق الأعلى ، ولم يقل الرفقاء لما قدمناه في هذا الكتاب مما حسن ذلك مع أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد فهذه آخر كلمة تكلم بها عليه السلام وهي تتضمن معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كلام المؤمن لأنه قال مع الذين أنعم الله عليهم وهم أصحاب الصراط المستقيم وهم أهل لا إله إلا الله قال الله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ثم بين في الآية المتقدمة من الذين أنعم الله عليهم فذكرهم وهم الرفيق الأعلى الذي ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خير فاختار وبعض الرواة يقول عن عائشة في هذا الحديث فأشار بأصبعه وقال في الرفيق وفي رواية أخرى أنه قال " اللهم الرفيق " ، وأشار بالسبابة يريد التوحيد فقد دخل بهذه الإشارة في عموم قوله عليه السلام " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، ولا شك أنه عليه السلام في أعلى درجات الجنة ولو لم يشر ولكن ذكرنا هذا لئلا يقول القائل لم لم يكن آخر كلامه لا إله إلا الله وأول كلمة تكلم بها رسول الله وهو مسترضع عند حليمة أن قال " الله أكبر رأيت ذلك في بعض كتب الواقدي " . وأما آخر ما أوصى به عليه السلام بأن قال " الصلاة وما ملكت أيمانكم حرك لها لسانه وما يكاد يبين " ، وفي قوله " ملكت أيمانكم قولان " : قيل أراد الرفق بالمملوك وقيل أراد الزكاة لأنها في القرآن مقرونة بالصلاة وهي من ملك اليمين قاله الخطابي . وقول عائشة رضي الله عنها : فمن سفهي وحداثة سني أنه قبض في حجري فوضعت رأسه على الوسادة وقمت ألتدم مع النساء الالتدام ضرب الخد باليد ولم يدخل هذا في التحريم لأن التحريم إنما وقع على الصراخ والنواح ولعنت الخارقة والحالقة والصالقة وهي الرافعة لصوتها ، ولم يذكر اللدم لكنه وإن لم يذكره فإنه مكروه في حال المصيبة وتركه أحمد إلا على أحمد صلى الله عليه وسلم فالصبر يحمد في المصائب كلها إلا عليك فإنه مذموم وقد كان يدعى لابس الصبر حازما فأصبح يدعى حازما حين يجزع صلاة أبي بكر بالناس قال الزهري : وحدثني حمزة بن عبد الله بن عمر ، أن عائشة قالت لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم قال مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت قلت : يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن قال " مروه فليصل بالناس " . قالت فعدت بمثل قولي ، فقال " إنكن صواحب يوسف فمروه فليصل بالناس ، قالت فوالله ما أقول ذلك إلا أني كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا ، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر قال ابن إسحاق : وقال ابن شهاب : حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، قال لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين قال دعاه بلال إلى الصلاة فقال مروا من يصلي بالناس قال فخرجت فإذا عمر في الناس . وكان أبو بكر غائبا ، فقلت : قم يا عمر فصل بالناس قال فقام فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلا مجهرا ، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون قال فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس . قال قال عبد الله بن زمعة قال لي عمر ويحك ، ماذا صنعت بي يا ابن زمعة والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ولولا ذلك ما صليت بالناس . قال قلت : والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولكني حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس . اليوم الذي قبض الله فيه نبيه قال ابن إسحاق : وقال الزهري : حدثني أنس بن مالك : أنه لما كان يوم الاثنين الذي قبض الله فيه رسوله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح فرفع الستر وفتح الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على باب عائشة فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فرحا به وتفرجوا ، فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورا لما رأى من هيئتهم في صلاتهم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة قال ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن القاسم بن محمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سمع تكبير عمر في الصلاة أين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون فلولا مقالة قالها عمر عند وفاته لم يشك المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر ، ولكنه قال عند وفاته إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني فعرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا ، وكان عمر غير متهم على أبي بكر . قال ابن إسحاق : وحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مليكة قال لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه إلى الصبح وأبو بكر يصلي بالناس فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظهره وقال صل بالناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبي بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول أيها الناس سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم وإني والله ما تمسكون علي بشيء إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ولم أحرم إلا ما حرم القرآن قال فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه قال له أبو بكر يا نبي الله إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب ، واليوم يوم بنت خارجة أفآتيها ؟ قال " نعم " ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح . شأن العباس وعلي قال ابن إسحاق : قال الزهري : وحدثني عبد الله بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن عباس ، قال خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال أصبح بحمد الله بارئا ، قال فأخذ العباس بيده ثم قال يا علي ، أنت والله عبد العصا بعد ثلاث أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه وإن كان في غيرنا ، أمرناه فأوصى بنا الناس . قال فقال له علي : إني والله لا أفعل والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحاء من ذلك اليوم . ________________________________________ متى توفي رسول الله ؟ واتفقوا أنه توفي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين إلا شيئا ذكره ابن قتيبة في المعارف الأربعاء قالوا كلهم وفي ربيع الأول غير أنهم قالوا ، أو قال أكثرهم في الثاني عشر من ربيع ولا يصح أن يكون توفي صلى الله عليه وسلم إلا في الثاني من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة وهو التاسع من ذي الحجة فدخل ذو الحجة يوم الخميس فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد فإن كان السبت فقد كان ربيع الأحد أو الاثنين وكيفا دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع يوم الاثنين بوجه ولا الأربعاء أيضا كما قال القتبي وذكر الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنف أنه توفي في الثاني من ربيع الأول وهذا القول وإن كان خلاف أهل الجمهور فإنه لا يبعد أن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كلها من تسعة وعشرين فتدبره فإنه صحيح ولم أر أحدا تفطن له وقد رأيت للخوارزمي أنه توفي عليه السلام في أول يوم من ربيع الأول وهذا أقرب في القياس بما ذكر الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنف . سواك الرسول قبيل الوفاة قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة قال قالت رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل أبي بكر ، وفي يده سواك أخضر . قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في يده نظرا عرفت أنه يريده قالت فقلت : يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك ؟ قال " نعم " ، قالت فأخذته فمضغته له حتى لينته ثم أعطيته إياه قالت فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ، ثم وضعه ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري ، فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت فقلت : خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق قالت وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد . قال سمعت عائشة تقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي ، لم أظلم فيه أحدا ، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي . ________________________________________ السواك فصل وذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها ناولته السواك حين رأته ينظر إليه فاستاك به وفيه من الفقه التنظف والتطهر للموت ولذلك يستحب الاستحداد لمن استشعر القتل أو الموت كما فعل خبيب لأن الميت قادم على ربه كما أن المصلي مناج لربه فالنظافة من شأنهما ، وفي الحديث إن الله نظيف يحب النظافة خرجه الترمذي ، وإن كان معلول السند ، فإن معناه صحيح وليس النظيف من أسماء الرب ولكنه حسن في هذا الحديث لازدواج الكلام ولقرب معنى النظافة من معنى القدس ، ومن أسمائه سبحانه القدوس وكان السواك المذكور في هذا الحديث من عسيب نخل فيما روى بعضهم والعرب تستاك بالعسيب وكان أحب السواك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرع الأراك ، واحدها صريع وهو قضيب ينطوي من الأراكة حتى يبلغ التراب فيبقى في ظلها فهو ألين من فرعها . ومما روي من قول عائشة - رضي الله عنها - في معنى قولها : بين سحري ونحري ، أنها قالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وداقنتي فالحاقنة الثغرة والداقنة تحت الدقن ويقال لها : النونة أيضا . وروي أيضا : بين شجري - بالشين والجيم - ونحري ، وسئل عمارة بن عقيل عن معناه فشبك بين أصابع يديه وضمها إلى نحره . وغسل عليه السلام حين قبض من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها : بئر الغرس . كرامات ومعجزات فصل وذكر أنهم كلموا حين أرادوا نزع قميصه للغسل وكلهم سمع الصوت ولم ير الشخص وذلك من كراماته صلى الله عليه وسلم ومن آيات نبوته بعد الموت فقد كان له عليه السلام كرامات ومعجزات في حياته وقبل مولده وبعد موته . ومنها ما رواه أبو عمر رحمه الله في التمهيد من طرق صحاح أن أهل بيته سمعوا وهو مسجى بينهم قائلا يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أهل البيت إن في الله عوضا من كل تالف وخلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة فاصبروا واحتسبوا ، إن الله مع الصابرين وهو حسبنا ، ونعم الوكيل قال فكانوا يرون أنه الخضر صلى الله على نبينا وعليه " ومن ذلك أيضا أن الفضل بن عباس كان يغسله هو وعلي ، فجعل الفضل وهو يصب الماء يقول أرحني أرحني ، فإني أجد شيئا يتنزل على ظهري . ومنها أنه عليه السلام لم يظهر منه شيء مما يظهر من الموتى ، ولا تغيرت له رائحة وقد طال مكثه في البيت قبل أن يدفن وكان موته في شهر أيلول فكان طيبا حيا وميتا ، وإن كان عمه العباس قد قال لعلي إن ابن أخي مات لا شك وهو من بني آدم يأسن كما يأسنون فواروه . وكان مما زاد العباس يقينا بموته عليه السلام أنه كان قد رأى قبل ذلك بيسير كأن القمر رفع من الأرض إلى السماء بأشطان فقصها على نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال له " هو ابن أخيك " . وروى يونس بن بكير في السيرة أن أم سلمة قالت وضعت يدي على صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ميت فمرت علي جمع لا آكل ولا أتوضأ إلا وجدت ريح المسك من يدي ، وفي روايته أيضا : أن عليا نودي وهو يغسله أن ارفع طرفك إلى السماء . وفيها أيضا أن عليا والفضل حين انتهيا في الغسل إلى أسفله سمعوا مناديا يقول لا تكشفوا عورة نبيكم عليه السلام . مقالة عمر بعد وفاة الرسول قال ابن إسحاق : قال الزهري : وحدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب ، فقال إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات . ________________________________________ موازنة بين عمر وبين أبي بكر وأما جزع عمر رضي الله عنه وقوله والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليرجعن كما رجع موسى عليه السلام حتى كلمه أبو بكر رحمه الله وذكره بالآية فعقر حتى سقط إلى الأرض وما كان من ثبات جأش أبي بكر وقوته في ذلك المقام ففيه ما كان عليه الصديق رضي الله عنه من شدة التأله وتعلق القلب بالإله ولذلك قال لهم من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . ومن قوة تألهه - رضي الله عنه - حين أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على رد جيش أسامة حين رأوا الردة قد استعرت نارها ، وخافوا على نساء المدينة وذراريها ، فقال والله لو لعبت الكلاب بخلاخل نساء المدينة ، ما رددت جيشا أنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلمه عمر وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ، وكان أشد شيء عليه أن يخالف رأيه رأي سالم فكلموه أن يدع للعرب زكاة ذلك العام تألفا لهم حتى يتمكن له الأمر فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتألفهم وكلمه عمر أن يولي مكان أسامة من هو أسن منه وأجلد فأخذ بلحية عمر وقال له يا ابن الخطاب أتأمرني أن أكون أول حال عقدا عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لأن أخر من السماء إلى الأرض فتخطفني الطير أحب إلي من أن أمالئكم على هذا الرأي وقال لهم والله لو أفردت من جميعكم لقاتلتهم وحدي حتى تنفرد سالفتي ، ولو منعوني عقالا ، لجاهدتهم عليه أوفي شك أنتم أن وعد الله لحق . وإن قوله لصدق وليظهرن الله هذا الدين ولو كره المشركون . ثم خرج وحده إلى ذي القصة حتى اتبعوه وسمع الصوت بين يديه في كل قبيلة ألا إن الخليفة قد توجه إليكم الهرب الهرب حتى اتصل الصوت من يومه ببلاد حمير ، وكذلك في أكثر أحواله رضي الله عنه كان يلوح الفرق في التأله بينه وبين عمر رضي الله عنهما ، ألا ترى إلى قوله حين قال النبي صلى الله عليه وسلم سمعتك وأنت تخفض من صوتك يعني في صلاة الليل فقال قد أسمعت من ناجيت ، وقال للفاروق سمعتك وأنت ترفع من صوتك ، فقال كي أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان . قال عبد الكريم بن هوازن القشيري وذكر هذا الحديث انظروا إلى فضل الصديق على الفاروق هذا في مقام المجاهدة وهذا في بساط المشاهدة وكذلك ما كان منه يوم بدر وقد ذكرنا مقالته للنبي عليه السلام ذلك اليوم وهو معه في العريش وكذلك في أمر الصدقة حين رغب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، فجاء عمر بنصف ماله وجاء الصديق بجميع ماله فقال له النبي عليه السلام ما أبقيت لأهلك قال الله ورسوله وكذلك فعله في قسم الفيء حين سوى بين المسلمين وقال هم إخوة أبوهم الإسلام فهم في هذا الفيء أسوة وأجور أهل السوابق على الله . وفضل عمر في قسم الفيء بعضهم على بعض على حسب سوابقهم ثم قال في آخر عمره لئن بقيت إلى قابل لأسوين بين الناس وأراد الرجوع إلى رأي أبي بكر ذكره أبو عبيد رضي الله عنه وعن جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موقف أبي بكر بعد وفاة الرسول قال وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ، وهو يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ثم أقبل عليه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا . قال ثم رد البرد على وجه رسول الله ثم خرج وعمر يكلم الناس فقال على رسلك يا عمر أنصت فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . قال ثم تلا هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [ آل عمران : 144 ] . قال فوالله لكان الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ قال وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم قال فقال أبو هريرة : قال عمر والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات . ________________________________________ ما حدث للصحابة عقب وفاته صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها وغيرها من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض وارتفعت الرنة وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة دهش الناس وطاشت عقولهم وأقحموا ، واختلطوا ، فمنهم من خبل ومنهم من أصمت ومنهم من أقعد إلى أرض فكان عمر ممن خبل وجعل يصيح ويحلف ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن أخرس عثمان بن عفان حتى جعل يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما ، وكان ممن أقعد علي ، رضي الله عنه فلم يستطع حراكا ، وأما عبد الله بن أنيس ، فأضني حتى مات كمدا ، وبلغ الخبر أبا بكر رضي الله عنه وهو بالسنح فجاء وعيناه نهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع كقطع الجرة وهو في ذلك رضوان الله عليه جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكب عليه وكشف وجهه ومسحه وقبل جبينه وجعل يبكي ، ويقول بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشؤون فأما ما لا نستطيع نفيه فكمد وإدناف يتحالفان لا يبرحان اللهم أبلغه عنا ، اذكرنا يا محمد عند ربك ، ولنكن من بالك ، فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا ، واحفظه فينا ، ثم خرج لما قضى الناس غمراتهم وقام خطيبا فيهم بخطبة جلها الصلاة على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وأشهد أن الكتاب كما نزل وأن الدين كما شرع وأن الحديث كما حدث وأن القول كما قال وأن الله هو الحق المبين في كلام طويل ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت وأن الله قد تقدم لكم في أمره فلا تدعوه جزعا ، وأن الله تبارك وتعالى قد اختار لنبيه عليه السلام ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط [ النساء 135 ] ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يلفتنكم عن دينكم وعاجلوا الشيطان بالخزي تعجزوه ولا تستنظروه فيلحق بكم . فلما فرغ من خطبته قال يا عمر أأنت الذي بلغني عنك أنك تقول على باب نبي الله والذي نفس عمر بيده ما مات نبي الله أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم كذا : كذا ، وكذا ، وقال الله عز وجل في كتابه إنك ميت وإنهم ميتون [ الزمر 30 ] فقال عمر والله لكأني لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل الآن لما نزل بنا ، أشهد أن الكتاب كما نزل وأن الحديث كما حدث وأن الله تبارك وتعالى حي لا يموت إنا لله وإنا إليه راجعون صلوات الله على رسوله وعند الله نحتسب رسوله . وقال عمر فيما كان منه لعمري لقد أيقنت أنك ميت ولكنما أبدى الذي قلته الجزع وقلت يغيب الوحي عنا لفقده كما غاب موسى ، ثم يرجع كما رجع وكان هواي أن تطول حياته وليس لحي في بقا ميت طمع فلما كشفنا البرد عن حر وجهه إذا الأمر بالجزع الموهب قد وقع فلم تك لي عند المصيبة حيلة أرد بها أهل الشماتة والقذع سوى آذن الله في كتابه وما آذن الله العباد به يقع وقد قلت من بعد المقالة قولة لها في حلوق الشامتين به بشع ألا إنما كان النبي محمد إلى أجل وافي به الوقت فانقطع ندين على العلات منا بدينه ونعطي الذي أعطى ، ونمنع ما منع ووليت محزونا بعين سخينة أكفكف دمعي والفؤاد قد انصدع وقلت لعيني : كل دمع ذخرته فجودي به إن الشجي له دفع وفي هذا الخبر أن عمر قال فعقرت إلى الأرض يعني حين قال له أبو بكر ما قال يقال عقر الرجل إذا سقط إلى الأرض من قامته وحكاه يعقوب عفر بالفاء كأنه من العفر وهو التراب وصوب ابن كيسان الروايتين وقالت عائشة - رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو نزل = بالجبال الصم ما نزل بأبي لهاضها ، ارتدت العرب واشرأب النفاق فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها ، ويروى في بقطة بالباء قاله الهروي في الغريبين وفسره باللمعة ونحوها ، واستشهد بالحديث في النفي عن بقط الأرض وهو أن يقطع شجرها فتتخذ بقعا للزرع وبقطها ضرب من المخابرة قد فسره . أمر سقيفة بني ساعدة تفرق الكلمة قال ابن إسحاق : ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل فأتى آت إلى أبي بكر وعمر فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله . قال عمر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه . ابن عوف ومشورته على عمر بشأن بيعة أبي بكر قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار ، أن عبد الله بن أبي بكر ، حدثني عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، قال أخبرني عبد الرحمن بن عوف قال وكنت في منزله بمنى أنتظره وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر قال فرجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله بمنى أنتظره وكنت أقرئه القرآن قال ابن عباس ، فقال لي عبد الرحمن بن عوف : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . قال فغضب عمر فقال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم قال عبد الرحمن فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم وإنهم هم الذين يغلبون على قربك ، حين تقوم في الناس وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ولا يعوها ، ولا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار السنة وتخلص بأهل الثقة وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها ، قال فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة خطبة عمر عند بيعة أبي بكر قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا ، قلت لسعيد بن زيد ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك وقال ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهل له ثم قال أما بعد فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا ، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعلمناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء وإذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم ، وقولوا : عبد الله ورسوله ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرئ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ، إنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا ، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم وقال أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا : فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم . قال قلت : والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ فقالوا : سعد بن عبادة ، فقلت : ما له ؟ فقالوا : وجع . فلما جلسنا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم قال وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فقال أبو بكر على رسلك يا عمر فكرهت أن أغضبه فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته أو مثلها أو أفضل حتى سكت قال أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ; وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر . قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش . قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت : أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة : قال فقلت : قتل الله سعد بن عبادة . تعريف بالرجلين اللذين لقيا أبا بكر وعمر في طريقهما إلى السقيفة قال ابن إسحاق : قال الزهري : أخبرني عروة بن الزبير أن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة عويم بن ساعدة والآخر معن بن عدي أخو بني العجلان . فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين قال الله عز وجل لهم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين [ التوبة 108 ] ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المرء منهم عويم بن ساعدة وأما معن بن عدي فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله عز وجل وقالوا : والله لوددنا أنا متنا قبله إنا نخشى أن نفتتن بعده . قال معن بن عدي لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا ; فقتل معن يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب . خطبة عمر قبل أبي بكر عند البيعة عامة قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، قال حدثني أنس بن مالك ، قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر ، فتكلم قبل أبي بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا ; يقول يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة . خطبة أبي بكر فتكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري ، قال وهو يحدث نفسه ويضرب وحشي قدمه بدرته قال إذا التفت إلي فقال يا ابن عباس ، هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين أنت أعلم قال فإنه والله إن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة 143 ] ، فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت . جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه من تولى غسل الرسول قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر رضي الله عنه أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء فحدثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وغيرهما من أصحابنا : أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين ولوا غسله وأن أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج ، قال لعلي بن أبي طالب أنشدك الله يا علي وحظنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم وكان أوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر قال ادخل فدخل فجلس وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه وكان أسامة بن زيد وشقران مولاه هما اللذان يصبان الماء عليه وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره وعليه قميصه يدلكه به من ورائه لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يقول بأبي أنت وأمي ، ما أطيبك حيا وميتا ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما يرى من الميت . كيف غسل الرسول قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عائشة قالت لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه . فقالوا : والله ما ندري ، أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ؟ قالت فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه قالت فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه والقميص دون أيديهم تكفين الرسول قال ابن إسحاق : فلما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وبرد حبرة أدرج فيها إدراجا ، كما حدثني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده علي بن الحسين والزهري ، عن علي بن الحسين . حفر القبر قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة ، فكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما : اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح وللآخر اذهب إلى أبي طلحة . اللهم خر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . دفن الرسول والصلاة عليه فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع في سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه . فقال قائل ندفنه في مسجده وقال قائل بل ندفنه مع أصحابه فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه فحفر له تحته ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا ، دخل الرجال حتى إذا فرغوا أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان . ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد . ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء . دفن الرسول قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن امرأته فاطمة بنت عمارة عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن عائشة رضي الله عنها : جوف الليل من ليلة الأربعاء . من تولى دفن الرسول وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب يا علي ، أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انزل فنزل مع القوم وقد كان مولاه شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وبنى عليه قد أخذ قطيفة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، دفنها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك أبدا . قال فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ________________________________________ كيف صلي على جنازته عليه السلام ذكر ابن إسحاق وغيره أن المسلمين صلوا عليه أفذاذا ، لا يؤمهم أحد ، كلما جاءت طائفة صلت عليه وهذا خصوص به صلى الله عليه وسلم ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف وكذلك روي أنه أوصى بذلك ذكره الطبري مسندا ، ووجه الفقه فيه أن الله تبارك وتعالى افترض الصلاة عليه بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب : 56 ] وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية ألا تكون بإمام والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية وهي متناولة لها ، وللصلاة عليه على كل حال وأيضا فإن الرب تبارك وتعالى ، قد أخبره أنه يصلي عليه وملائكته فإذا كان الرب تعالى هو المصلي والملائكة قبل المؤمنين وجب أن تكون صلاة المؤمنين تبعا لصلاة الملائكة وأن تكون الملائكة هم الإمام والحديث الذي ذكرته عن الطبري فيه طول وقد رواه البزار أيضا من طريق مرة عن ابن مسعود وفيه أنه حين جمع أهله في بيت عائشة - رضي الله عنها - أنهم قالوا : فمن يصلي عليك يا رسول الله ؟ قال فهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا ، فبكينا وبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إذا غسلتموني ، وكفنتموني ، فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ، ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي علي جليسي وخليلي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة بأجمعها ، ثم ادخلوا علي فوجا بعد فوج فصلوا علي وسلموا ، تسليما ، ولا تؤذوني بتزكية ولا ضجة ولا رنة وليبدأ بالصلاة علي رجال بيتي ثم نساؤهم وأنتم بعد أقرئوا أنفسكم السلام مني ، ومن غاب من أصحابي فأقرئوه مني السلام ومن تابعكم بعدي على ديني ، فأقرئوه مني السلام فإني أشهدكم أني قد سلمت على من تابعني على ديني من اليوم إلى يوم القيامة " ، قلت : فمن يدخلك قبرك يا رسول الله ؟ قال " أهلي مع ملائكة كثير يرونكم من حيث لا ترونهم أحدث الناس عهدا بالرسول وقد كان المغيرة بن شعبة يدعي أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أخذت خاتمي ، فألقيته في القبر ، وقلت : إن خاتمي سقط مني ، وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون أحدث الناس عهدا به صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن مقسم ، أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن مولاه عبد الله بن الحارث ، قال اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته رجع فسكب له غسل فاغتسل فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق ، فقالوا : يا أبا حسن جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه ؟ قال أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : أجل عن ذلك جئنا نسألك ، قال كذب قال أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس . خميصة الرسول قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة حدثته قالت كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشتد به وجعه قالت فهو يضعها مرة على وجهه ومرة يكشفها عنه ويقول قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر من ذلك على أمته قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان افتتان المسلمين بعد موت الرسول قال ابن إسحاق : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين فكانت عائشة فيما بلغني ، تقول لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى جمعهم الله على أبي بكر . قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد ، فتوارى ، فقام سهيل بن عمرو ، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به وظهر عتاب بن أسيد . فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ________________________________________ موته عليه السلام كان خطبا كالحا فصل وكان موته عليه السلام خطبا كالحا ، ورزءا لأهل الإسلام فادحا ، كادت تهد له الجبال وترجف الأرض وتكسف النيرات لانقطاع خبر السماء وفقد من لا عوض منه مع ما آذن به موته - عليه السلام - من الفتن السحم والحوادث الوهم والكرب المدلهمة والهزاهز المضلعة فلولا ما أنزل الله تبارك وتعالى من السكينة على المؤمنين وأسرج في قلوبهم من نور اليقين وشرح له صدورهم من فهم كتابه المبين لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور فقد كان الشيطان أطلع إليهم رأسه ومد إلى إغوائهم مطامعه فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف ولكن أبى الله تبارك وتعالى إلا أن يتم نوره ويعلي كلمته وينجز موعوده فأطفأ نار الردة وحسم قادة الخلاف والفتنة على يد الصديق رضي الله عنه ولذلك قال أبو هريرة : لولا أبو بكر لهلكت أمة محمد عليه السلام بعد نبيها ولقد كان من قدم المدينة يومئذ من الناس إذا أشرفوا عليها سمعوا لأهلها ضجيجا ، وللبكاء في جميع أرجائها عجيجا ، حتى صحلت الحلوق ونزفت الدموع وحق لهم ذلك ولمن بعدهم كما روي عن أبي ذؤيب الهذلي واسمه خويلد بن خالد وقيل ابن محرث قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ، ولا يطلع نورها ، فظللت أقاسي طولها ، حتى إذا كان قرب السحر أغفيت ، فهتف بي هاتف وهو يقول خطب أجل أناخ بالإسلام بين النخيل ومعقد الآطام قبض النبي محمد فعيوننا تذري الدموع عليه بالتسجام قال أبو ذؤيب : فوثبت من نومي فزعا ، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح فتفاءلت به ذبحا يقع في العرب ، وعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبض وهو ميت من علته فركبت ناقتي وسرت ، فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر به فعن لي شيهم يعني : القنفذ قد قبض على صل يعني : الحية فهي تلتوي عليه والشيهم يقضمها حتى أكلها ، فزجرت ذلك وقلت : شيهم شيء مهم ، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر . فحثثت ناقتي ، حتى إذا كنت بالغابة زجرت الطائر فأخبرني بوفاته ونعب غراب سانح فنطق مثل ذلك فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي ، وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام فقلت : مه ؟ فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت المسجد فوجدته خاليا ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبت بابه مرتجا ، وقيل هو مسجى فدخلا به أهله فقلت : أين الناس ؟ فقيل في سقيفة بني ساعدة ، صاروا إلى الأنصار ، فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالما وجماعة من قريش ، ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة ، وفيهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم فآويت إلى قريش ، وتكلمت الأنصار ، فأطالوا الخطاب وأكثروا الصواب وتكلم أبو بكر رضي الله عنه فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع فصل الخطاب والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه ثم تكلم عمر رضي الله عنه بعده دون كلامه ومد يده فبايعه وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه . قال أبو ذؤيب : فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي صلى الله عليه وسلم لما رأيت الناس في عسلانهم من بين ملحود له ومضرح متبادرين لشرجع بأكفهم نص الرقاب لفقد أبيض أروح فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت جار الهموم يبيت غير مروح كسفت لمصرعه النجوم وبدرها وتزعزعت آطام بطن الأبطح وتزعزعت أجبال يثرب كلها ونخيلها لحلول خطب مفدح ولقد زجرت الطير قبل وفاته بمصابه وزجرت سعد الأذبح وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم أرقت فبات ليلي لا يزول دليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سألت عليه نفوس الناس أو كربت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا والرسول لنا دليل أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ، ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن ورجع المهاجرون والأنصار إلى رحالهم ورجعت فاطمة إلى بيتها اجتمع إليها نساؤها ، فقالت اغبر آفاق السماء وكورت شمس النهار وأظلم العصران فالأرض من بعد النبي كئيبة أسفا عليه كثيرة الرجفان فليبكه شرق البلاد وغربها ولتبكه مضر وكل يمان وليبكه الطود المعظم جوه والبيت ذو الأستار والأركان يا خاتم الرسل المبارك ضوءه صلى عليك منزل القرآن [ نفسي فداؤك ما لرأسك ماثلا ما وسدوك وسادة الوسنان ] الاختلاف في كفنه فصل وأما الاختلاف في كفنه عليه السلام كم ثوبا كان وفي الذين أدخلوه قبره ونزلوا فيه فكثير وأصح ما روي في كفنه أنه كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية وكانت تلك الأثواب من كرسف وكذلك قميصه عليه السلام كان من قطن ، ووقع في السيرة من غير رواية البكائي أنها كانت إزارا ورداء ولفافة وهو موجود في كتب الحديث وفي الشروحات وكانت اللبن التي نضدت عليه في قبره تسع لبنات . وذكر ابن إسحاق فيمن ألحده شقران مولاه واسمه صالح وشهد بدرا ، وهو عبد قبل أن يعتق فلم يسهم له انقرض عقبه فلا عقب له . شعر حسان بن ثابت في مرثيته الرسول وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد ولا تمتحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان يصعد وواضح آثار وباقي معالم وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وعهده وقبرا بها واراه في الترب ملحد ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجفن تسعد يذكرن آلاء الرسول وما أرى لها محصيا نفسي فنفسي تبلد مفجعة قد شفها فقد أحمد فظلت لآلاء الرسول تعدد وما بلغت من كل أمر عشيره ولكن لنفسي بعد ما قد توجد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل الذي فيه أحمد فبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد وبورك لحد منك ضمن طيبا عليه بناء من صفيح منضد تهيل عليه الترب أيد وأعين عليه وقد غارت بذلك أسعد لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة عشية علوه الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم وقد وهنت منهم ظهور وأعضد يبكون من تبكي السماوات يومه ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد وهل عدلت يوما رزية هالك رزية يوم مات فيه محمد تقطع فيه منزل الوحي عنهم وقد كان ذا نور يغور وينجد يدل على الرحمن من يقتدي به وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا عفو عن الزلات يقبل عذرهم وإن يحسنوا فالله بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله فمن عنده تيسير ما يتشدد فبينا هم في نعمة الله بينهم دليل به نهج الطريقة يقصد عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى حريص على أن يستقيموا ويهتدوا عطوف عليهم لا يثنى جناحه إلى كنف يحنو عليهم ويمهد فبينا هم في ذلك النور إذ غدا إلى نورهم سهم من الموت مقصد فأصبح محمودا إلى الله راجعا يبكيه حق المرسلات ويحمد وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها لغيبة ما كانت من الوحي تعهد قفارا سوى معمورة اللحد ضافها فقيد يبكيه بلاط وغرقد ومسجده فالموحشات لفقده خلاء له فيه مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ديار وعرصات وربع ومولد فبكى رسول الله يا عين عبرة ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد وما لك لا تبكين ذا النعمة التي على الناس منها سابغ يتغمد فجودي عليه بالدموع وأعولي لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفى ذمة بعد ذمة وأقرب منه نائلا لا ينكد وأبذل منه للطريف وتالد إذا ضن معطاء بما كان يتلد وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى وأكرم جدا أبطحيا يسود وأمنع ذروات وأثبت في العلا دعائم عز شاهقات تشيد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا وعودا غذاه المزن فالعود أغيد رباه وليدا فاستتم تمامه على أكرم الخيرات رب ممجد تناهت وصاة المسلمين بكفه فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند أقول ولا يلقى لقولي عائب من الناس إلا عازب العقل مبعد وليس هواي نازعا عن ثنائه لعلي به في جنة الخلد أخلد مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد ________________________________________ وذكر ابن إسحاق مراثي حسان في النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيها ما يشكل فنشرحه وقد رثاه كثير من الشعراء وغيرهم وأكثرهم أفحمهم المصاب عن القول وأعجزتهم الصفة عن التأبين ولن يبلغ بالإطناب في مدح ولا رثاء في كنه محاسنه عليه السلام ولا قدر مصيبة فقده على أهل الإسلام فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تتصل مدى الليالي والأيام وأحله أعلى مراتب الرحمة والرضوان والإكرام وجزاه عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ولا خالف بنا عن ملته ، إنه ولي الطول والفضل والإنعام وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين . وقال حسان بن ثابت أيضا ، يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال عينك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمد جزعا على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك الترب لهفي ليتني غيبت قبلك في بقيع الغرقد بأبي وأمي من شهدت وفاته في يوم الاثنين النبي المهتدي فظللت بعد وفاته متبلدا متلددا يا ليتني لم أولد أأقيم بعدك بالمدينة بينهم يا ليتني صبحت سم الأسود أو حل أمر الله فينا عاجلا في روحة من يومنا أو من غد فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا محضا ضرائبه كريم المحتد يا بكر آمنة المبارك بكرها ولدته محصنة بسعد الأسعد نورا أضاء على البرية كلها من يهد للنور المبارك يهتدي يا رب فاجمعنا معا ونبينا في جنة تثنني عيون الحسد في جنة الفردوس فاكتبها لنا يا ذا الجلال وذا العلا والسودد والله أسمع ما بقيت بهالك إلا بكيت على النبي محمد يا ويح أنصار النبي ورهطه بعد المغيب في سواء الملحد ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا سودا وجوههم كلون الإثمد ولقد ولدناه وفينا قبره وفضول نعمته بنا لم نجحد والله أكرمنا به وهدى به أنصاره في كل ساعة مشهد صلى الآله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم نب المساكين أن الخير فارقهم مع النبي تولى عنهم سحرا من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا أم من نعاتب لا نخشى جنادعه إذا اللسان عتا في القول أو عثرا كان الضياء وكان النور نتبعه بعد الإله وكان السمع والبصرا فليتنا يوم واروه بملحده وغيبوه وألقوا فوقه المدرا لم يترك الله منا بعده أحدا ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا ذلت رقاب بني النجار كلهم وكان أمرا من أمر الله قد قدرا واقتسم الفيء دون الناس كلهم وبددوه جهارا بينهم هدرا وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا : آليت ما في جميع الناس مجتهدا مني ألية بر غير إفناد تالله ما حملت أنثى ولا وضعت مثل الرسول نبي الأمة الهادي ولا برا الله خلقا من بريته أوفى بذمة جار أو بميعاد من الذي كان فينا يستضاء به مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد أمسى نساؤك عطلن البيوت فما يضربن فوق قفا ستر بأوتاد مثل الرواهب يلبسن المباذل قد أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي يا أفضل الناس إني كنت في نهر أصبحت منه كمثل المفرد الصادي قال ابن هشام : عجز البيت الأول من غير ابن إسحاق . ________________________________________ " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " . تم بحمد الله تعالى وتوفيقه وحوله وقوته تحقيق " الروض الأنف " شرح سيرة سيد ولد آدم وخاتم المرسلين - محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا . اللهم اغفر لي تقصيري وخطئي وجهلي وكل ذلك عندي ، اللهم احشرني والمسلمين تحت لواء صاحب هذه السيرة العطرة الزكية - محمد صلى الله عليه وسلم - اللهم اجعله شفيعي في الآخرة يا أرحم الراحمين . آمين . سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " .