الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع
الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع، هي قصيدة للشاعر اللبناني أنسي الحاج.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القصيدة
يدي يدٌ لكِ ويَدُكِ جامعة.
حَسَرْتِ الظّلَّ عن شجرة النَّدَم
فغسل الشتاءُ نَدَمي وَحَرَقه الصّيف.
أنتِ الصغيرة كنُقطة الذهب
تفكّين السّحر الأسود
أنتِ السائغـةُ اللـّيـنـة تشابكتْ يداكِ مع الحُبّ
وكُلّ كلمةٍ تقولينها تتكاثف في مجموع الرّياح.
أنتِ الخفيفةُ كريش النعام لا تقولين تعال،
ولكنْ كُلّما صادَفْتُكِ كُلَّ لحظةٍ أعودُ إليكِ بعد غيابٍ طويل.
أنتِ البسيطةُ تبهرين الحكمة
العالمُ تحت نظركِ سنابل وشَجَرُ ماء
والحياةُ حياةٌ والفضاءُ عربات من الهدايا.
أيُّها الرّبُّ
إحفظْ حبيبتي
أيُّها الرّبُّ الذي قال لامرأة: يا أمّي
إحفظْ حبيبتي
أيُّها الرّبُّ إلهُ جنودِ الأحلام
إحفظْ يا ربُّ حبيبتي
مَهِّدْ أمامها
تَعَهَّدْ أيّامها
مَوِّجْ حقولها بعُشب الخيال
إجعلْ لها كُلَّ ليلة
ليلةَ عيدِ الغد
أيُّها الرّبُّ إلهُ المُتواعدين على اللّقاء وراء جسر الحُرّاس
أيُّها الرّبُّ إلهُ الخواتم والعُقود والتنهّدات
يلتمسون منكَ طعامهم
وألتمسُ منك لحبيبتي البَرَكة
يلتمسون منكَ لديارهم وما من ديارٍغير حبيبتي
شاطئي أطرافُ بَحْرِها وبحرُها أمان
يذهب الناس الى أعمالهم
ومن حبّها أذهبُ إليك
هي تعمل فتجري أنهاركَ في قِفاري
هي تنظر فأراكَ
هي تعمل فاتأمّل في معجزاتكَ
تنتهي لهم الأرض عند أعمدة البحر
وتنتهي لي بحدود قدميها.
يا حبيبتي
أُقسِمُ أنْ أكون لُعبتكِ ومغلوبكِ
أُقسِمُ أنْ أحاول استحقاق نجمتكِ على كتفي
أُقسِمُ أنْ أسمع نداء عينيكِ فأعصي حكمةَ شفتيكِ
أُقسِمُ أن أنسى قصائدي لأحفظكِ
أُقسِمُ أن أركض وراء حبّي وأُقسم أنّه سيظلّ يسبقني
أُقسِمُ أن أنطفىء لسعادتكِ كنجوم النهار
أُقسِمُ أنْ أسْكُن دموعي في يدكِ
أُقسِمُ أن أكون المسافة بين كلمتَي أُحبّكِ أحبّكِ
أُقسِمُ أن أرميَ جسدي الى الأبد لأُسودِ ضجركِ
أُقسِمُ أنْ أكون بابَ سجنكِ المفتوح على الوفاء بوعود الليل
أُقسِمُ أنْ تكون غرفةُ انتظاريَ الغَيْرة ودخوليَ الطاعةَ وإقامتي الذوبان
أُقسِمُ أنْ أكون فريسة ظلّكِ
أُقسِمُ أنْ أظلّ أشتهي أنْ أكون كتاباً مفتوحاً على رِكبتيكِ
أُقسِمُ أنْ أكون انقسام العالم بينكِ وبينكِ لأكون وحْدَتَه فيكِ
أُقسِمُ أنْ أُناديَكِ فتلتفت السعادة
أُقسِمُ أنْ أحمل بلاديَ في حُبّكِ وأنْ أحمل العالم في بلادي
أُقسِمُ أنْ أحبّكِ دون أن أعرف كم أُحبّكِ
أُقسِمُ أن أمشي الى جانبي وأُقاسمكِ هذا الصديقَ الوحيد
أُقسِمُ أنْ يطير عمري كالنّحل من قفير صوتكِ
أُقسِمُ أن أنزل من برقِ شَعْرِكِ مطراً على السهول
أُقسِمُ كُلّما عثرتُ على قلبي بين السّطور أن أهتف:
وَجَدْتُكِ! وَجَدْتُكِ!
أُقسِمُ أن أنحني من قمم آسيا لأعبدكِ كثيراً.
يا ليلُ يا ليل
إحملْ صلاتي
أصغِ يا ربُّ إليّ
أغرسْ حبيبتي ولا تَقْلَعْها
زوّدها أعماراً لم تأتِ
عزّزها بأعماريَ الآتية
أبقِ ورقها أخضر
لا تُشتِّت رياحها
أبقِ خيمتها عالية فعُلوُّها سهلٌ للعصافير
عَمِّرْها طويلاً كأرْزَة فتمرّ مواكب الأحفاد تحت يديها الشّافيتين
عَمِّرْها طويلاً كأرْزَة فتجتازأُعجوبتُها مراكزَ حدودٍ بعيدة
عَمِّرْها طويلاً كأرزةٍ فتتبعها مثل توبتي شُعوبٌ كثيرة
أبقِ بابها مفتوحاً فلا يبيتُ الرجاءُ في العراء
بارِكْها إلى ثلج السنين فهي تَجْمَعُ ما تَفَرَّق
أُحرسْ نجوم عينيها فَتَحْتَها الميلاد.
وها هو المَطَر
المداخنُ تَصعَد لاستقبال المجيء.
تُمطر من قُبلة.
السماءُ أطلّتْ
الأرضُ الصبيّة أرْبَتْ
المواسمُ تعلو
إسمعوا دقّة الحصاد
المملكةُ المُنقسمة اتّحدتْ
تاجُها الحُبّ سلامٌ للمملكة.
المُستحيل صار معيشة.
تُمطر من قُبلة
والمنفى ينهار
أُنفضوا على المنفى غُبارَ المنفى
وتعالَوا
من أعماق اليأس ومشارف الصقيع
من أطلال الأماني ورماد الصبر
تعالَوا
صِيروني كما صِرْتُكُم
أنا شفّافكم
أنا مَنْ سَقَطَكُم ومَنْ نَجَاكُم.
حبيبتي كَشَفَتْ عن الضائع
دلّتْ على المفقود
الرسولةُ فازتْ بعُذوبة
بشفَقة فازتْ على القُوّات
وتَشْهَدُ تُعلنُ العودة.
تعالَوا
المملكة مفتوحة
أسرابُ الحساسين عند باب المملكة تُسْرع للتحيّة
على بُعْد قُبلة تقفون من الباب
الكنوزُ وحيدة
الأرضُ وحيدة
الحياةُ وحيدة
تعالَوا
كلَّلوا رؤوسكم بذَهَب الدخول
وأحرقوا وراءكم
أحرقوا وراءكم
أحرقوا العالَمَ بشمس العودة.