الرسالة - الجزء الثاني

من معرفة المصادر

في غسل الجمعة

[ 8 ] فقال فاذكر وجوها من الأحاديث المختلفة عند بعض الناس أيضا 
 
[ 8 ] فقلت أخبرنا مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال  غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم  
 
[ 8 ] أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي قال  من جاء منكم الجمعة فليغتسل  
 
[ 8 ] قال الشافعي فكان قول رسول الله في  غسل يوم الجمعة واجب  وأمره بالغسل يحتمل معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزىء الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل ويحتمل واجب في الاختيار والأخلاق والنظافة 
 
[ 8 ] أخبرنا مالك عن الزهري عن سالم قال  دخل رجل من أصحاب النبي يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر أيت ساعة هذه فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر الوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل  
 
[ 8 ] أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه كمثل معنى حديث مالك وسمى الداخل يوم الجمعة بغير غسل  عثمان بن عفان  
 
[ 8 ] قال فلما حفظ عمر عن رسول الله أنه كان يأمر بالغسل وعلم أن عثمان قد علم من أمر رسول الله بالغسل ثم ذكر عمر لعثمان أمر النبي بالغسل وعلم عثمان ذلك فلو وجب على متوهم أن عثمان نسي فقد ذكره عمر قبل الصلاة بنسيانه فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولما لم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن أمر رسول الله بالغسل على الاختيار لا على أن لا يجزئ غيره لأن عمر بلم يكن ليدع أمره بالغسل ولا عثمان إذ علمنا انه ذاكر لترك الغسل وأمر النبي بالغسل إلا والغسل كما وصفنا على الاختيار 
 
[ 8 ] قال وروى البصريون أن النبي قال  من توضأ يوم الجمعة فبها نعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل  
 
[ 8 ] أخبرنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة قالت  كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يروحون بهيآتهم فقيل لهم لو اغتسلتم  
 

النهي عن معنى دل عليه في حديث غيره

[ 8 ] أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه  
 
[ 8 ] أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي أنه قال  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه  
 
[ 8 ] قال الشافعي فلو لم تات عن رسول الله دلالة على ان نهيه عن أن يخطب على خطبة أخيه على معنى دون معنى كان الظاهر أن حراما ان يخطب المرء على خطبة غيره من حين يبتدىء إلى أن يدعها 
 
[ 8 ] قال وكان قول النبي  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه  يحتمل ان يكون جوابا أراد به فسي معنى الحديث ولم يسمع من حدثه السبب الذي له قال رسول الله هذا فأديا بعضه دون بعض أو شكا في بعضه وسكتا عما شكا فيه 
 
[ 8 ] فيكون النبي سئل عن رجل خطب امرأة فرضيته وأذنت في نكاحه فخطبها أرجح عندها منه فرجعت عن الأول الذي أذنت في نكاحه فنهى عن خطبة المرأة إذا كانت بهذه الحال وقد يكون ان ترجع عن من أذنت في نكاحه فلا ينكحها من رجعت له فيكون فسادا عليها وعلى خاطبها الذي اذنت في نكاحه 
 
[ 8 ] فإن قال قائل لم صرت إلى أن تقول إن نهي النبي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه على معنى دون معنى 
 
[ 8 ] فبالدلالة عنه 
 
[ 8 ] فإن قال فأين هي 
 
[ 8 ] قيل له إن شاء الله أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فأمرها رسول الله أن تعتد في بيت أم مكتوم وقال إذا حللت فآدنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله فأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به 
 
[ 8 ] قال الشافعي فبهذا قلنا 
 
[ 8 ] ودلت سنة رسول الله في خطبته فاطمة على أسامة بعد إعلامها رسول الله أن معاوية وأبا جهم خطباها على أمرين 
 
[ 8 ] أحدهما أن النبي يعلم أنهما لا يخطبانها إلا وخطبة أحدهما بعد خطبة الآخر فلما لم ينهها ولم يقل لها ما كان لواحد أن يخطبك حتى يترك الآخر خطبتك وخطبها على أسامة بن زيد بعد خطبتهما فاستدللنا على أنها لم ترضى ولو رضيت واحدا منهما أمرها أن تتزوج من رضيت وأن إخبارها إياه بمن خطبها إنما كان إخبارا عما لم تأذن فيه ولعلها استشارة له ولا يكون أن تستشيره وقد أذنت بأحدهما 
 
[ 8 ] فلما خطبها على أسامة استدللنا على أن الحال التي خطبها فيه غير الحال التي نهى عن خطبتها فيها ولم تكن حال تفرق بين خطبتها حتى يحل بعضها ويحرم بعضها إلا إذا أذنت للولي ان يزوجها فكان لزوجها إن زوجها الولي أن يلزمها التزويج وكان عليه أن يلزمه وحلت له فأما قبل ذلك فحالها واحدة ليس لوليها أن يزوجها حتى تأذن فركونها وغير ركونها سواء 
 
[ 8 ] فإن قال قائل فإنها راكنة مخالفة لحالها غير راكنة 
 
[ 8 ] فكذلك هي لو خطبت فشتمت الخاطب وترغبت عنه ثم عاد عليها بالخطبة فلم تشتمه ولم تظهر ترغبا ولم تركن كانت حالها التي تركت فيها شتمة مخالفة لحالها التي شتمته فيها وكانت في هذه الحال أقرب إلى الرضا ثم تنتقل حالاتها لأنها قبل الركون إلى متأول بعضها أقرب إلى الركون من بعض 
 
[ 8 ] ولا يصح فيه معنى بحال والله أعلم إلا ما وضفت من أنه نهى على الخطبة بعد إذنها للولي بالتزويج حتى يصير أمر الولي جائزا فأما ما لم يجز أمر الولي فأول حالها وآخرها سواء والله أعلم 
 

النهي عن معنى أوضح من معنى قبله

[ 8 ] أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله قال  كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار 
 
[ 8 ] أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال  لا يبيع الرجل على بيع أخيه  
 
[ 8 ] قال الشافعي وهذا معنى يبين أن رسول الله قال  المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا  وأن نهيه على ان يبيع الرجل على بيع أخيه إنما هو قبل أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه 
 
[ 8 ] وذلك أنهما لا يكونان متبايعين حتى يعقدا البيع معا فلو كان البيع إذا عقداه لزم كل واحد منهما ما ضر البائع أن يبيعه رجل سلعة كسلعته أو غيرها وقد تم بيعه لسلعته ولكنه لما كان لهما الخيار كان الرجل لو اشترى من رجل ثوبا بعشرة دنانير فجاءه آخر فأعطاه مثله بتسعة دنانير اشبه ان يفسخ البيع إذا كان له الخيار قبل أن يفارقه ولعله يفسخه ثم لا يتم البيع بينه وبين الآخر فيكون الآخر قد أفسد على البائع المشتري أو على أحدهما 
 
[ 8 ] فهذا وجه النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه لا وجه له غير ذلك 
 
[ 8 ] الا ترى انه لو باعه ثوبا بعشرة دنانير فلزمه البيع قبل أن يتفرقا من مقامهما ذلك ثم باعها آخر خيرا منه بدينار لم يضر البائع الأول لأنه قد لزمه عشرة دنانير لا يستطيع فسخها 
 
[ 8 ] قال وقد روي عن النبي أنه قال  لا يسوم أحدكم على سوم أخيه  فإن كان ثابتا ولست احفظه ثابتا فهو مثل  لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه  لا يسوم على سومه إذا رضي البيع وأذن بأن يباع قبل البيع حتى لو بيع لزمه 
 
[ 8 ] فإن قال قائل ما دل على ذلك 
 
[ 8 ] فإن رسول الله باع فيمن يزيد وبيع من يزيد سوم رجل على سوم أخيه ولكن البائع لم يرضى السوم الأول حتى طلب الزيادة 
 

النهي عن معنى يشبه الذي قبله في شيء ويفارقه في شيء غيره

[ 8 ] أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة  أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس  
 
[ 8 ] أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر ان رسول الله قال  لا يتحرى أحدكم بصلاته عند طلوع الشمس ولا عند غروبها  
 
[ 8 ] أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ان رسول الله قال  إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ثم إذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله عن الصلاة في تلك الساعات  
 
[ 8 ] فاحتمل النهي من رسول الله عن الصلاة في هذه الساعات معنيين 
 
[ 8 ] أحدهما وهو أعمهما أن تكون الصلوات كلها واجبها الذي نسي ونيم عنه وما لزم بوجه من الوجوه منها محرما في هذه الساعات لا يكون لأحد أن يصلي فيها ولو صلى لم يؤدي ذلك عنه ما لزمه من الصلاة كما يكون من قدم صلاة قبل دخول وقتها لم تجزىء عنه 
 
[ 8 ] واحتمل أن يكون أراد به بعض الصلاة دون بعض 
 
[ 8 ] فوجدنا الصلاة تتفرق بوجهين أحدهما ما وجب منها فلم يكن لمسلم تركه في وقته ولو تركه كان عليه قضاه والآخر ما تقرب إلى الله بالتنقل فيه وقد كان للمتنقل تركه بلا قضا له عليه 
 
[ 8 ] ووجدنا الواجب عليه منها يفارق التطوع في السفر إذا كان المرء راكبا فيصلي المكتوبة بالأرض لا يجزئه غيرها والنافلة راكبا متوجها حيث شاء 
 
[ 8 ] ومفرقان في الحضر والسفر ولا يكون لمن أطاق القيام أن يصلي واجبا الصلاة قاعدا ويكون ذلك له في النافلة 
 
[ 8 ] فلما احتمل المعنيين وجب على أهل العلم أن لا يحملوها على خاص دون عام إلا بدلالة من سنة رسول الله أو إجماع علماء المسلمين الذين لا يكن أن يجمعوا على خلاف سنة رسول الله 
 
[ 8 ] قال وهكذا غير هذا من حديث رسول الله هو على الظاهر من العام حتى تأتي الدلالة عنه كما وصفت أو بإجماع المسلمين أنه على باطن دون ظاهر وخاص دون عام فيجعلونه بما جاءت عليه الدلالة عليه ويطيعونه في الأمرين جميعا 
 
[ 8 ] أخبرنا مالك عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله قال  من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر  
 
[ 8 ] قال الشافعي  فالعلم يحيط ان المصلي ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس والمصلي ركعة من العصر قبل غروب الشمس قد صليا معا في وقتين يجمعان تحريم وقتين وذلك أنهما صليا بعد الصبح والعصر ومع بزوغ الشمس ومغيبها وهذه أربعة أوقات منهي عن الصلاة فيها 
 
[ 8 ] لما جعل رسول الله المصلين في هذه الأوقات مدركين لصلاة الصبح والعصر استدللنا على أن نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات على النوافل التي لا تلزم وذلك انه لا يكون أن يجعل المرء مدركا لصلاة في وقت نهي فيه عن الصلاة 
 
[ 8 ] أخبرنا مالك عن بن شهاب عن بن المسيب أن رسول الله قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول { أقم الصلاة لذكري }   
 
[ 8 ] وحدث أنس بن مالك وعمران بن حصين عن النبي مثل معنى حديث بن المسيب وزاد أحدهما  أو نام عنها  
 
[ 8 ] قال الشافعي فقال رسول الله  فليصلها إذا ذكرها  فجعل ذلك وقتا لها وأخبر به عن الله تبارك وتعالى ولم يستثني وقتا من الأوقات يدعها فيه بعد ذكرها 
 
[ 8 ] أخبرنا بن عيينة عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن النبي قلال  يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار  
 
[ 8 ] أخبرنا عبد المجيد عن بن جريج عن عطاء عن النبي مثل معناه وزاد فيه  يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف  ثم ساق الحديث 
 
[ 8 ] قال فأخبر جبير عن النبي أنه أمر بإباحة الطواف بالبيت والصلاة له في أي ساعة شاء الطائف والمصلي 
 
[ 8 ] وهذا يبين أنه أنما نهى عن المواقيت التي نهى عنها عن الصلاة التي لا تلزم بوجه من الوجوه فأما ما لزم فلم ينه عنه بل إباحه صلى الله عليه 
 
[ 8 ] وصلى المسلمون على جنائزهم عامة بعد العصر والصبح لأنها لا زمة ز 
 
[ 8 ] وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن عمر بن الخطاب طاف بعد الصبح ثم نظر فلم يرى الشمس طلعت فركب حتى اتى ذا طوى وطلعت الشمس فأناخ فصلى فنهى عن الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح كما نهى عما لا يلزم من الصلاة 
 
[ 8 ] قال فإذا كان لعمر أن يؤخر الصلاة للطواف فإنما تركها لأن ذلك له ولأنه لو أراد منزلا بذي طوى لحاجة كان واسعا له إن شاء الله ولكن سمع النهي جملة عن الصلاة وضرب المنكدر عليها بالمدينة بعد العصر ولم يسمع ما يدل على أنه إنما نهى عنها للمعنى الذي وصفنا فكان يجب عليه ما فعل 
 
[ 8 ] ويجب على من علم المعنى الذي أباحها فيه خلاف المعنى الذي نهى فيه عنها كما وصفت مما روى علي عن النبي من النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا سمع النهي ولم يسمع سبب النهي 
 
[ 8 ] قال فإن قال قائل فقد صنع أبو سعيد الخدري كما صنع عمر 
 
[ 8 ] قلنا والجواب فيه كالجواب في غيره 
 
[ 8 ] قال فإن قال قائل فهل من أحد صنع خلاف ما صنعا 
 
[ 9 ] قيل نعم بن عمر وابن عباس وعائشة والحسن والحسين وغيرهم وقد سمع بن عمر النهي من النبي 
 
[ 9 ] أخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت أنا وعطاء بن أبي رباح بن عمر طاف بعد الصبح وصلى قبل أن تطلع الشمس 
 
[ 9 ] سفيان عن عمار الدهني عن أبي شعبة أن الحسن والحسين طافا بعد العصر وصليا 
 
[ 9 ] أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال رأيت بن عباس طاف بعد العصر وصلى 
 
[ 9 ] قال وإنما ذكرنا تفرق أصحاب رسول الله في هذا ليستدل من علمه على أن تفرقهم فيما لرسول الله فيه سنة لا يكون إلا على هذا المعنى أو على أن لا تبلغ السنة من قال خلافها منهم أو تأويل تحتمله السنة أو ما أشبه ذلك مما قد يرى قائله له فيه عذر إن شاء الله 
 
[ 9 ] وغذا ثبت عن رسول الله الشيء فهو لازم لجميع من عرفه لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره بل الفرض الذي على الناس اتباعه ولم يجعل لأحد معه أمرا يخالف أمره 
 

باب آخر


[ 9 ] أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر  أن رسول الله نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا  
 
[ 9 ] أخبرنا مالك عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخيره عن سعد بن أبي وقاص  أنه سمع النبي سئل عن شراء التمر بالرطب فقال النبي أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك  
 
[ 9 ] أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر عن زيد بن ثابت  أن رسول الله رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها  
 
[ 9 ] أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه نعن زيد بن ثابت  أن النبي رخص في العرايا  
 
[ 9 ] قال الشافعي فكان بيع الرطب بالتمر منهيا عنه لنهي النبي وبين رسول الله أنه إنما نهى عنه لأنه ينقص إذا يبس وقد نهى عن التمر بالتمر غلا مثلا بمثل فلما نظر في المتعقب من نقصان الرطب إذا يبس كان لا يكون أبدا مثلا بمثل غذ كان النقصان مغيبا لا يعرف فكان يجمع معنيين أحدهم التفاضل في المكيلة والآخر المزابنة وهي بيع ما يعرف كيله بما يجهل كيله من جنسه فكان منهيا لمعنين 
 
[ 9 ] فلما رخص رسول الله في بيع العرايا بالتمر كيلا لم تعدوا العرايا أن تكون رخصة من شيء نهى عنه أو لم يكن النهي عنه عن المزابنة والرطب بالتمر إلا مقصودا بهما إلى غير العرايا فيكون هذا من الكلام العام الذي يراد به الخاص 
 

وجه يشبه المعنى الذي قبله

[ 9 ] وأخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج عن عطاء عن صفوان بن موهب أنه أخبره عن عبد الله بن محمد بن صيفي عن حكيم بن حزام أنه قال  قال لي رسول الله ألم أنبأ أو ألم يبلغني أو كما شاء الله من ذلك أنك تبيع الطعام قال حكيم بلى يا رسول الله فقال رسول الله لا تبيعن طعاما حتى تشتريه وتستوفيه  
 
[ 9 ] أخبرنا سعيد عن بن جريج قال أخبرني عطاء ذلك أيضا عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام انه سمعه منه عن النبي 
 
[ 9 ] أخبرنا الثقة عن أيوب بن أبي تميمة عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال  نهاني رسول الله عن بيع ما ليس عندي  
 
[ 9 ] يعني بيع ما ليس عندك وليس بمضمون عليك 
 
[ 9 ] أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن بن عباس قال  قدم رسول الله المدينة وهو يسلفون في التمر السنة والسنتين فقال رسول الله من سلف فليسلف في كيل معلوم وأجل معلوم  
 
[ 9 ] قال الشافعي حفظي  وأجل معلوم  
 
[ 9 ] وقال غيري قد قال ما قلت وقال  أو إلى أجل معلوم  
 
[ 3 ] 
 
[ 9 ] قال فكان نهي النبي  أن يبيع المرء ما ليس عنده  يحتمل أن يبيع ما ليس بحضرته يراه المشتري كما يراه البائع عند تبايعهما ويحتمل أن يبيعه ما ليس عنده ما ليس يملك بعينه فلا يكون موصوفا مضمونا على البائع يؤخذ به ولا في ملكه فيلزم أن يسلمه إليه بعينه وغير هذين المعنيين 
 
[ 9 ] فلما أمر رسول الله من سلف أن يسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم دخل هذا بيع ما ليس عند المرء حاضرا ولا مملوكا حين باعه 
 
[ 9 ] ولما كان هذا مضمونا على البائع بصفة يؤخذ بها عند محل الأجل دل على أنه إنما نهى عن بيع عين الشيء في ملك البائع والله أعلم 
 
[ 9 ] وقد يحتمل أو يكون النهي عن بيع العين الغائبة كانت في ملك الرجل أو في غير ملكه لأنها قد تهلك وتنقص قبل أن يراها المشتري 
 
[ 9 ] قال فكل كلام كان عاما ظاهرا في سنة رسول الله فهو على ظهوره وعمومه حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله بأبي هو وأمي يدل على أنه إنما أريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض كما وضفت من هذا وما كان في مثل معناه 
 
[ 9 ] ولزم أهل العلم ان يمضوا الخبرين على وجوههما ما وجدوا لإمضائهما وجها ولا يعدونهما مختلفين وهما يحتملان أن يمضيا وذلك إذا أمكن فيهما أن يمضيا معا أو وجد السبيل إلى إمضائهما ولم يكن منهما واحد بأوجب من الآخر 
 
[ 9 ] ولا ينسب الحديثان إلى الاختلاف ما كان لهما وجها يمضيان معا إنما المختلف ما لم يمضي إلا بسقوط غيره مثل أن يكون الحديثان في الشيء الواحد هذا يحله وهذا يحرمه 
 

صفة نهي الله ونهي رسوله

[ 9 ] فقال فصف لي جماع نهي الله جل ثناؤه ثم نهى لنبي عاما لا تبق منه شيئا 
 
[ 9 ] فقلت له يجمع نهيه معنيين 
 
[ 9 ] أحدهما ان يكون الشيء الذي نهى عنه محرما لا يحل إلا بوجه دل الله عليه في كتابه أو على لسان نبيه 
 
[ 9 ] فإذا نهى رسول الله عن الشيء من هذا فالنهي محرم لا وجه له غير التحريم إلا ان يكون على معنى كما وصفت 
 
[ 9 ] قال فصف لي هذا الوجه الذي بدات بذكره من النهي بمثال يدل على ما كان في مثل معناه 
 
[ 9 ] قال فقلت له كل النساء محرمات الفروج إلا بواحد من المعنيين النكاح والوطىء بملك اليمين وهما المعنيان اللذان أذن الله فيهما وسن رسول الله كيف النكاح الذي يحل به الفرج المحرم قبله فسن فيه وليا وشهودا ورضا من المنكوحة الثيب وسنته في رضاها دليل على أن ذلك يكون برضا المتزوج لا فرق بينهما 
 
[ 9 ] فإذا جمع النكاح أربعا رضا المزوجة الثيب والزوج وأن يزوج المرأة وليها بشهود حل النكاح إلا في حالات سأذكرها إن شاء الله 
 
[ 9 ] وإذا نقص النكاح واحد من هذا كان النكاح فاسد لأنه لم يؤت به كما سن رسول الله فيه الوجه الذي يحل به النكاح 
 
[ 9 ] ولو سمي صداقا كان أحب إلي ولا يفسد النكاح بترك تسمية الصداق لأن الله أثبت النكاح في كتابه بغير مهر وهذا مكتوب في غير هذا الموضع 
 
[ 9 ] قال وسواء في هذه المرأة الشريفة والدنية لأن كل واحد منهما فيما يحل به ويحرم ويجب لها وعليها من الحلال والحرام والحدود سواء 
 
[ 9 ] والحالات التي لو أتي بالنكاح فيها على ما وصفت يجوز النكاح فيما لم ينه فيها عنها من النكاح فأما إذا عقد بهذه الأشياء كان النكاح مفسوخا بنهي الله في كتابه وعلى لسان نبيه عن النكاح بحالات نهى عنها فذلك مفسوخ 
 
[ 9 ] وذلك أن ينكح الرجل أخت امرأته وقد نهى الله عن الجمع بينهما وأن ينكح الخامسة وقد انتهى الله به إلى أربع فبين النبي أن انتهاء الله به إلى أربع حظر عليه أن يجمع بين أكثر منهن أو ينكح المرأة على عمتها أو خالتها وقد نهى النبي عن ذلك وان ينكح المرأة في عدتها 
 
[ 9 ] فكل نكاح كان من هذا لم يصح وذلك أنه قد نهى عن عقده وهذا ما خلاف فيه بين أحد من أهل العلم 
 
[ 9 ] ومثله والله أعلم ان النبي نهى عن الشغار وأن النبي نهى عن نكاح المتعة وأن النبي نهى المحرم أن ينكح أو ينكح 
 
[ 9 ] فنحن نفسخ هذا كله من النكاح في هذه الحالات التي نهى عنها بمثل ما فسخنا به ما نهى مما ذكر قبله 
 
[ 9 ] وقد يخالفنا في هذا غيرنا وهو مكتوب فسي غير هذا المرضع 
 
[ 9 ] ومثله أن ينكح المرأة بغير إذنها فتجيز بعد فلا يجوز لأن العقد وقع منهيا عنه 
 
[ 9 ] ومثل هذا ما نهى عنه رسول الله من بيع الغرر وبيع الرطب بالتمر إلا في العرايا أو غير ذلك مما نهى عنه 
 
[ 9 ] وذلك أن أصل مال كل امرئ محرم على غيره لا بما أحل به وما أحل به من البيوع ما لم ينه عنه رسول الله ولا يكون ما نهى عنه رسول الله من البيوع محلا ما كان أصله محرما من مال الرجل لأخيه ولا تكون المعصية بالبيع المنهي عنه تحل محرما ولا تحل إلا بما لا يكون معصية وهذا يدخل في عامة العلم 
 
[ 9 ] فإن قال قائل ما الوجه المباح الذي نهي المرء فيه عن شيء وهو يخالف النهي الذي ذكرت قبله 
 
[ 9 ] فهو إن شاء الله مثل نهي رسول الله أن يشتمل الرجل على الصماء وأن يحتبي في ثوب واحد مفضيا بفرجه السماء وأنه أمر غلاما أن يأكل مما بين يديه ونهاه أن يأكل من أعلى الصحفة ويروى عنه وليس كثبوت ما قبله مما ذكرنا انه نهى عن أن يقرن الرجل غذا أكل بين التمرتين وأن يكشف التمرة عما في جوفها وأن يعر على ظهر الطريق 
 
[ 9 ] فلما كان الثوب مباحا للابس والطعام مباحا لآكله حتى يأتي عليه كله إن شاء والأرض مباحة له إن كانت لله لا لآدمي وكان الناس فيها شرعا فهو نهي فيها عن شيء ان يفعله وامر فيها بأن يفعل شيئا غير الذي نهي عنه 
 
[ 9 ] والنهي يدل على أنه إنما نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء مفضيا بفرجه غير مستتر ان في ذلك كشف عورته قيل له يسترها بثوبه فلم يكن نهيه عن كشف عورته نهيه عن لبس ثوبه فيحرم عليه لبه بل أمره أن يلبسه كما يستر عورته 
 
[ 9 ] ولم يكن أمره ان يأكل من بين يديه ولا يأكل من رأس الطعام إذا كان مباحا له أن يأكل ما بين يديه وجميع الطعام إلا أدبا في الأكل من بين يديه لأنه أجمل به عند مواكله وأبعد له من قبح الطعمة والنهم وأمره ألا يأكل من رأس الطعام لأن البركة تنزل منه له على النظر له في أن يبارك له بركة دائمة يدوم نزولها له وهو يبيح له إذا أكل ما حول رأس الطعام أن يأكل رأسه 
 
[ 9 ] وإذا أباح له الممر على ظهر الطريق فالممر عليه غذا كان مباحا لأنه لا مالك له يمنع الممر عليه فيحرم بمنعه فإنما نهاه لمعنى يثبت نظرا له فإنه قال  فإنها مأوى الهوام وطرق الحيات  على النظر له لا على أن التعريس محرم وقد ينهى عنه إذا كانت الطريق متضايقا مسلوكا لأنه إذا عرس عليه في ذلك الوقت منع 
 
[ 9 ] فإن قال قائل فما الفرق بين هذا والأول 
 
[ 9 ] قيل له من قامت عليه الحجة يعلم أن النببي نهى عما وصفنا ومن فعل ما نهي عنه وهو عالم بنهيه فهو عاص بفعله ما نهي عنه وليستغفر الله ولا يعود 
 
[ 9 ] فإن قال فهذا عاص والذي ذكرت في الكتاب قبله في النكاح والبيوع عاص فكيف فرقت بين حالهما 
 
[ 9 ] فقلت اما في المعصية فلم أفرق بينهما لني قد جعلتهما عاصيين وبعض المعاصي أعظم من بعض 
 
[ 9 ] فإن قال فكيف لم تحرم على هذا لبسه وأكله وممره على الأرض بمعصيته وحرمت على الآخر نكاحه وبيعه بمعصيته 
 
[ 9 ] قيل هذا أمر بأمر في مباح حلال له فأحللت له ما حل له وحرمت عليه ما حرم عليه وما حرم عليه غير ما أحل له ومعصيته في الشيء المباح له لا تحرمه عليه بكل حال ولكن تحرم عليه أن يفعل فيه المعصية 
 
[ 9 ] فإن قيل فما مثل هذا 
 
[ 9 ] قيل له الرجل له الزوجة والجارية وقد نهي أن يطأهما حائضتين وصائمتين ولو فعل لم يحل ذلك الوطء له في حاله تلك ولم تحرم واحدة منهما عليه فيس حال غير تلك أحال غذا كان أصلهما مباحا وحلالا 
 
[ 9 ] وأصل مال الرجل محرم على غيره إلا بما أبيح به مما يحل وفروج النساء محرمات إلا بما أبيحت به من النكاح والملك فإذا عقد عقدة النكاح أو البيع منهيا عنها على محرم لا يحل إلا بما أحل به لم يحل المحرم بمحرم وكان على أصل تحريمه حتى يؤتى بالوجه الذي احله الله به في كتابه أو على لسان رسوله أو إجماع المسلمين أو ما هو في مثل معناه 
 
[ 9 ] قال وقد مثلت قبل هذا النهي الذي أريد به غير التحريم بالدلائل فاكتفيت من ترديده وأسأل الله العصمة والتوفيق 
 

باب العلم

[ 9 ] قال الشافعي فقال لي قائل ما العلم وما يجب الناس في العلم فقلت له العلم علمان علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله 
 
[ 9 ] قال ومثل ماذا 
 
[ 9 ] قلت مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت غذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليه منه 
 
[ 9 ] وهذا الصنف كله من العلم موجودا نصا في كتاب الله وموجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عن من مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله ولا يتنازعون في حكايته ولا وجود به عليهم 
 
[ 9 ] وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل ولا يجوز فيه التنازع 
 
[ 9 ] قال فما الوجه الثاني 
 
[ 9 ] قلت له ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يخص به من الأحكام وغيرها مما ليس فيه نص كتاب ولا في أكثر نص سنة وإن كانت في شيء سنة فإنما هي من أخبار الخاصة ولا أخبار العامة وما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا 
 
[ 9 ] قال فيعدو هذا أن يكون واجبا وجوب العلم قبله أو موضوعا عن الناس علمه حتى يكون علمه منتفلا ومن ترك علمه غير آثم بتركه أو من وجه ثالث فتوجدناه خبرا أو قياسا 
 
[ 9 ] فقلت له بل هو من وجه ثالث 
 
[ 9 ] قال فصفه واذكر الحجة فيه ما يلزم منه ومن يلزم وعن من يسقط 
 
[ 9 ] فقلت له هذه درجة من العلم ليس تبلغها العامة ولم يكلفها كل الخاصة ومن احتمل بلوغها من الخاصة فلا يسعهم كلهم كافة ان يعطلوها وغذا قام بها من خاصتهم من فيه الكفاية لم يحرج غيره ممن تركها إن شاء الله والفضل فيها لمن قام بها على من عطلها 
 
[ 9 ] فقال فأوجدني هذا خبرا أو شيئا في معناه ليكون هذا قياسا عليه 
 
[ 9 ] فقلت يه فرض الله الجهاد في كتابه وعلى لسان نبيه ثم أكد النفير من الجهاد فقال { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا بيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }  
 
[ 9 ] وقال { قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين }  
 
[ 9 ] وقال { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم }  
 
[ 9 ] وقال { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون }  
 
[ 9 ] أخبرنا عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله 
 
[ 9 ] وقال الله جل ثناؤه { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير }  
 
[ 9 ] { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون }  
 
[ 9 ] قال فاحتملت الآيات أن يكون الجهاد كله والنفير خاصة منه على كل مطيق له لا يسع أحدا منهم التخلف عنه كما كانت الصلوات والحج والزكاة فلم يخرج أحد وجب عليه فرض منها أن يؤدي غيره الفرض عن نفسه لأن عمل أحد في هذا لا يكتب لغيره 
 
[ 9 ] واحتملت أن يكون معنى فرضها غير معنى فرض الصلوات وذلك أن يكون قصد بالفرض فيها قصد الكفاية فيكون من قام بالكفاية في جهاد من جوهد من المشركين مدركا تأدية الفرض ونافلة الفضل ومخرجا من تخلف من المأثم 
 
[ 9 ] ولم يسوي الله بينهما فقال الله { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أول الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما }  فأما الظاهر في الآيات فالفرض على العامة 
 
[ 9 ] قال فأين الدلالة في أنه إذا قام بعض العامة بالكفاية أخرج المتخلفين ن المأثم 
 
[ 9 ] فقلت له في هذه الآية 
 
[ 9 ] قال وأين هو منها 
 
[ 9 ] قلت قال الله { وكلا وعد الله الحسنى }  فوعد المتخلفين عن الجهاد الحسنى على الإيمان وبأن فضيلة المجاهدين على القاعدين ولو كانوا آثمين بالتخلف إذا غزا غيرهم كانت العقوبة بالإثم إن لم يعفو الله أولى بهم من الحسنى 
 
[ 9 ] قال فهل تجد في هذا غير هذا 
 
[ 9 ] نعم قال الله { وما كان المؤمنين لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }  وغزا رسول الله وغزى معه من اصحابه جماعة وخلف أخرى حتى تخلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك وأخبرنا الله أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة }  فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض وأن التفقه إنما هو على بعضهم دون بعض 
 
[ 9 ] وكذلك ما عدا الفرض في عظم الفرائض التي لا يسع جهلها والله أعلم 
 
[ 9 ] وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودا به قصد الكفايه فيما ينوب فإذا قام به المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم 
 
[ 9 ] ولو ضيعوه معا خفت أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم بل لاأشك إن شاء الله لقوله { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما }  
 
[ 9 ] قال فما معناها 
 
[ 9 ] قلت الدلالة عليها أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم ونفير بعضهم إذا كانت في نفير كفاية يخرج من تخلف من المأثم إن شاء الله لأنه إذا نفر بعضهم وقع عليهم اسم النفير 
 
[ 9 ] قلت ومثل ماذا سوى الجهاد 
 
[ 9 ] قلت الصلاة على الجنازة ودفنها لا يحل تركها ولا يجب على كل من بحضرتها كلهم حضورها ويخرج من تخلف من المأثم من قام بكفايتها 
 
[ 9 ] وهكذا رد السلام قال الله { واذا حييتم بتحية حيوا بأحسن منها أوردوها إن الله على كل شيء حسيبا }  وقال رسول الله { يسلم القائم على القاعد }  وإذا سلم من القوم واحدا أجزأ عنهم وإنما أريد بهذا الرد فرد قليل جامع لاسم الرد والكفاية فيه مانع لأن يكون الرد معطلا 
 
[ 9 ] ولم يزل المسلمون على ما وصفت منذ بعث الله نبيه فيما بلغنا الى اليوم يتفقة أقلهم ويشهد الجنائز بعضهم ويجاهد ويرد السلام بعضهم ويتخلف عن ذلك غيرهم فيعرفون الفضل لمن قام بالفقه والجهاد وحضور الجنائز ورد السلام ولا يأثمون من قصر عن ذلك إذا كان بهذا قائمون بكفايته 
 

باب خبر الواحد

[ 9 ] فقال لي قائل احدد لي القوم ما تقوم به الحجة على أهل العلم حتى يثبت عليهم خبر الخاصة 
 
[ 9 ] فقلت خبر الواحد عن الوحد حتى ينتهي به الى النبي أو من انتهى به اليه دونه 
 
[ 1 ] ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا 
 
[ 1 ] منها ان يكون من حدث به ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه عاقلا لما يحدث به علما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع لا يحدث به على المعنى لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالما بما يحيل به معناه لم يدر لعله يحيل الحلال الى حرام وإذا اداه بحروفه فلم يبقى وجه يخاف فيه احالته الحديث حافظا إذا حدث به من حفظه حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم بريا من أن يكون مدلسا يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي 
 
[ 1 ] ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولا الى النبي أو الى من انتهى به اليه دونه لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه ومثبت على من حدث عنه فلا يستغني فكل واحد منهم عما وصفت 
 
[ 1 ] فقال فأوضح لي من هذا بشء لعلي أكون به أعرف مني بهذا لخبرتي به وقلة خبرتي بما وصفت في الحديث 
 
[ 1 ] فقلت له أتريد أن أخبرك بشيء يكون هذا قياسا عليه 
 
[ 1 ] قلت نعم 
 
[ 1 ] قلت هذا أصل في نفسه فلا يكون قياسا على غيره لأن القياس أضعف من الأصل 
 
[ 1 ] قال فلست أريد أن تجعله قياسا ولكن مثله لي على شيء من الشهادات التي العلم بها عام 
 
[ 1 ] قلت قد يخالف الشهادات في أشياء ويجامعها في غيرها 
 
[ 1 ] قلت وأين يخالفها 
 
[ 1 ] قلت أقبل في الحديث الواحد والمرأة ولا أقبل واحدا منهما وحده في الشهادة 
 
[ 1 ] وأقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا ولا أقبل في الشهادة إلا سمعت أو رأيت أو أشهدني 
 
[ 1 ] وتختلف الأحاديث فآخذ ببعضها استدلالا بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس وهذا لا يؤخذ به في الشهادات هكذا ولا يوجد فيها بحال 
 
[ 1 ] ثم يكون بشر كلهم تجوز شهادته ولا أقبل حديثه من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الاحالة وإزالة بعض ألفاظ المعاني 
 
[ 1 ] ثم هو يجامع الشهادات في أشياء غير ما وصفت 
 
[ 1 ] فقال اما ما قلت من الا تقبل الحديث الا عن ثقة حافظ عالم بما يحيل معنى الحديث فكما قلت فلم لم تقل هكذا في الشهادات 
 
[ 1 ] فقلت ان احالة معنى الحديث أخفى من احالة معنى الشهادة وبهذا احتطت في الحديث بأكثر مما احتطت به في الشهادة 
 
[ 1 ] قال وهكذا كما وصفت ولكني أنكرت إذا كان من يحدث عنه ثقة فحدث عن رجل لم تعرف أنت ثقته امتناعك من أن تقلد فتحسن الظن به فلا تركه يروي الا عن ثقة وان لم تعرفه أنت 
 
[ 1 ] فقلت له ارايت أربعة نفر عدول فقهاء شهدوا على شهادة شاهدين بحق رجل على رجل اكنت قاضيا به ولم يقل لك الأربعة ان الشاهدين عدلان 
 
[ 1 ] قال لا ولا أقطع بشهادتهما شيئا حتى أعرف عدلهما اما تبديل الأربعة لهما واما بتعديل غيرهم أو معرفة مني بعدلهما 
 
[ 1 ] له ولم لم تقبلهما على المعنى الذي امرتني أن اقبل عليه الحديث فتقول لم يكونوا ليشهدوا غلا على من هو اعدل منهم 
 
[ 1 ] فقال قد يشهدون على من هو عدل عندهم ومن عرفوه ومن لم يعرفوا عدله فلما كان هذا موجودا في شهادتهم لم يكن لي قبول شهادة من شهدوا عليه حتى يعده لو أو اعرف عدله أو عدل من شهد عندي على عدل غيره ةلا اقبل تعديل شاهد على شاهد عدل الشاهد غيره ولم اعرف عدله 
 
[ 1 ] فقلت فالحجة في هذا لك الحجة عليك في الا تقبل خبر الصادق عن من جهلنا صدقه 
 
[ 1 ] والناس من ان يشهدوا على شهادة من عرفوا عدله أشد تحفظا منهم من ان يقبلوا الا حديث من عرفوا صحة الحديثه 
 
[ 1 ] وذلك ان الرجل يلقى الرجل يرى عليه سيما الخير فيحسن الظن به فيقبل حديثه ويقبله وهو لا يعرف حاله فيذكر ان رجلا يقال له فلان حدثني كذا اما على وجه يرجو ان يجد علم ذلك الحديث عند ثقة فيقبله عن الثقة واما ان يحدث به على إنكاره والتعجب منه واما بغفلة في الحديث عنه 
 
[ 1 ] ولا اعلمني لقيت أحدا قط بريا من ان يحدث عم ثقة حافظ وآخر يخالفه 
 
[ 1 ] ففعلت بهذا ما يجب على 
 
[ 1 ] ولم يكن طلبي الدلائل على معرفة صدق من حدثني بأوجب على من طلبي ذلك على معرفة صدق من فوقه لأني أحتاج في كلهم إلى ما أحتاج إليه فيمن لقيت منهم لأن كلهم مثبت خبرا عن من فوقه ولمن دونه 
 
[ 1 ] فقال فما بالك قبلت ممن لم تعرفه بالتدليس أن يقول  عن  وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه 
 
[ 1 ] فقلت له المسلمون العدول عدول أصحاء الأمر في أنفسهم وحالهم في أنفسهم غير حالهم في غيرهم ألا ترى أني إذا عرفتم بالعدل في أنفسهم قبلت شهادتهم وإذا شهدوا على شهادة غيرهم لم أقبل شهادة غيرهم حتى أعرف حاله ولم تكن معرفتي عدلهم معرفتي عدل من شهدوا على شهادته 
 
[ 1 ] وقولهم عن خبر أنفسهم وتسميتهم على الصحة حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك فنحترس منهم في الموضع الذي خالف فعلهم فيه ما يجب عليهم 
 
[ 1 ] ولم نعرف بالتدليس ببلدنا فيمن مضى ولا من أدركنا من أصحابنا إلا حديثا فإن منهم من قبله عن من لو تركه عليه كان خيرا له 
 
[ 1 ] وكان قول الرجل  سمعت فلانا يقول سمعت فلانا يقول  وقوله  حدثني فلان عن فلان  سواء عندهم لا يحدث واحد منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذه الطريق قبلنا منه  حدثني فلان عن فلان  
 
[ 1 ] ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته 
 
[ 1 ] وليس تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق 
 
[ 1 ] فقلنا لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول فيه  حدثني  أو  سمعت  
 
[ 1 ] فقال قد أراك تقبل شهادة من لا يقبل حديثه 
 
[ 1 ] قال فقلت لكبر أمر الحديث وموقعه من المسلمين ولمعنى بين 
 
[ 1 ] قال وما هو 
 
[ 1 ] قلت تكون اللفظة تترك من الحديث فتحيل معناه أو ينطق بها بغير لفظة المحدث والناطق بها غير عامد لإحالة الحديث فيحيل معناه 
 
[ 1 ] فإذا كان الذي يحمل الحديث وجهل هذا المعنى كان غير عاقل للحديث فلم نقبل حديثه إذا كان ما لا يعقل إن كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه وكان يلتمس تأديته على معانيه وهو لا يعقل المعنى 
 
[ 1 ] قال أفيكون عدلا غير مقبول الحديث 
 
[ 1 ] قلت نعم إذا كان كما وصفت كان هذا موضع ظنه بينة يرد بها حديثه وقد يكون الرجل عدلا على غيره ظنيا في نفسه وبعض أقربيه ولعله ان يخر من بعد أهون عليه من أن يشهد بباطل ولكن الظنة لما دخلت عليه تركت بها شهادته فالظنة ممن لا يؤدي الحديث بحروفه ولا يعقل معانيه أبين منها في الشاهد لمن ترد شهادته فيما هو ظنين فيه بحال 
 
[ 1 ] وقد يعتبر على الشهود فيما فيه فإن استدللنا على ميل نستبينه أو حياطة بمجاوزة قصد للمشهود له لم نقبل شهادتهم وإن شهدوا في شيء مما يدق ويذهب فهمه عليهم في مثل ما شهدوا عليه لم نقبل شهادتهم لأنهم لا يعقلون معنى ما شهدوا عليه 
 
[ 1 ] ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم نقبل حديثه كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته 
 
[ 1 ] وأهل الحديث متباينون 
 
[ 1 ] فمنهم المعروف بعلم الحديث بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوي الرحم والصديق وطول مجالسة أهل التنازع فيه ومن كان هكذا كان مقدما بالحفظ إن خالفه من يقصر عنه كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه 
 
[ 1 ] ويعتبر على أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له 
 
[ 1 ] وإذا اختلفت الرواية استدللنا على المحفوظ منها والغلط بهذا ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ والغلط قد بيناها في غير هذا الموضع وأسأل الله التوفيق 
 
[ 1 ] فقال فما الحجة لك في قبول خبر الواحد وأنت لا تجيز شهادة واحد وحده وما حجتك في أن قسته بالشهادة في أكثر أمره وفرقت بينه وبين الشهادة في بعض أمره 
 
[ 1 ] قال فقلت له أنت تعيد ما قد ظننتك فرغت منه ولم أقسه بالشهادة غنما سألت أن امثله لك بشيء لا أني احتجت لأن يكون قياسا عليه 
 
[ 1 ] وتثبيت خبر الواحد أقوى من أن أحتاج إلى أن أمثله بغيره بل هو أصل في نفسه 
 
[ 1 ] قال فكيف يكون الحديث كالشهادة في شيء ثم يفارق بعض معانيها في غيره 
 
[ 1 ] فقلت له هو مخالف للشهادة كما وصفت لك في بعض أمره ولو جعلته كالشهادة في بعض أمره دون بعض كانت الحجة لي فيه بينة إن شاء الله 
 
[ 1 ] قال وكيف ذلك وسبيل الشهادات سبيل واحدة 
 
[ 1 ] قال فقلت أتعني في بعض أمرها دون بعض أم في كل أمرها 
 
[ 1 ] قال بل في كل أمرها 
 
[ 1 ] قلت فكم أقل ما تقبل على الزنا 
 
[ 1 ] قال أربعة 
 
[ 1 ] قلت فإن نقصوا واحد جلدتهم 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت فكم تقبل على القتل والكفر وقطع الطريق الذي تقتل به كله 
 
[ 1 ] قال شاهدين 
 
[ 1 ] قلت له كم تقبل على المال 
 
[ 1 ] قال شاهدا وامرأتين 
 
[ 1 ] قلت فكم تقبل في عيوب النساء 
 
[ 1 ] قال امرأة 
 
[ 1 ] قلت ولو لم يتموا شاهدين وشاهدا وامرأتين لم تجلدهم كما جلدت شهود الزنا 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت أفتراها مجتمعة 
 
[ 1 ] قال نعم في أن أقبلها متفرقة في عددها وفي أن لا يجلد إلا شاهد الزنا 
 
[ 1 ] قلت له فلو قلت لك هذا في خبر الواحد وهو مجامع للشهادة في أن أقبله ومفارق لها في عدده هل كانت لك حجة إلا كهي عليك 
 
[ 1 ] قال فإنما قلت بالخلاف بين عدد الشهادات خبرا واستدلالا 
 
[ 1 ] قلت وكذلك قلت في قبول خبر الواحد خبرا واستدلالا 
 
[ 1 ] وقلت أرأيت شهادة النساء في الولادة لم أجزتها ولا تجيزها في درهم 
 
[ 1 ] قال اتباعا 
 
[ 1 ] قلت فإن قيل لك لم يذكر في القرآن أقل من 
 

الجزء الثالث من الرسالة

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن نصر قال نا أبو علي الحسن بن حبيب قال نا الربيع بن سليمان قال أنا الشافعي بسم الله الرحمن الرحيم

[ 1 ] قال ولم يحظر أن يجوز أقل من ذلك فأجزنا ما أجاز المسلمون ولم يكن هذا خلافا للقرآن 
 
[ 1 ] قلنا فهكذا قلنا في تثبيت خبر الواحد استدلالا بأشياء كلها أقوى من إجازة شهادة النساء 
 
[ 1 ] فقال فهل من حجة تفرق بين الخبر والشهادة سوى الاتباع 
 
[ 1 ] قلت نعم ما لا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا 
 
[ 1 ] قال وما هو 
 
[ 1 ] قلت العدل يكون جائز الشهادة في أمور مردودها في أمرو 
 
[ 1 ] قال فأين هو مردودها 
 
[ 1 ] قلت إذا شهد في موضع يجر به إلى نفسه زيادة من أي وجه ما كان الجر أو يدفع بها عن نفسه غرما أو إلى ولده أو والده أو يدفع بها عنهما ومواضع الظنن سواها 
 
[ 1 ] وفيه في الشهادة أن الشاهد إنما يشهد بها على واحد ليلزمه غرما أو عقوبة وللرجل ليؤخذ له غرم أو عقوبة وهو خلي مما لزم غيره من غرم غير داخل في غرمه ولا عقوبته ولا العار الذي لزمه ولعله يجر ذلك إلى من لعله أن يكون أشد تحاملا له منه لولده أو والده فيقبل شهادته لأنه لا ظنة ظاهرة كظنته في نفسه وولده ووالده وغير ذلك مما يبين فيه من مواضع الظنن 
 
[ 1 ] والمحدث بما يحل ويحرم لا يجر إلى نفسه ولا إلى غيره ولا يدفع عنها ولا عن غيره شيئا مما يتمول الناس ولا مما فيه عقوبة عليهم ولا لهم وهو ومن حدثه ذلك الحديث من المسلمين سواء إن كان بأمر يحل أو يحرم فهو شريك العامة فيه لا تختلف حالاته فيه فيكون ظنينا مرة مردود الخبر وغير ظنين أخرى مقبول الخبر كما تختلف حال الشاهد لعوام المسلمين وخواصهم 
 
[ 1 ] وللناس حالات تكون أخبارهم فيها أصح واحرى أن يحضرها التقوى منها في أخرى ونيات ذوي النيات فيها أصح وفكرهم فيها أدوم وغفلتهم أقل وتلك عند خوف الموت بالمرض والسفر وعند ذكره وغير تلك الحالات من الحالات المنبهة عن الغفلة 
 
[ 1 ] فقلت له قد يكون غير ذي الصدق من المسلمين صادقا في هذه الحالات وفي أن يؤتمن على خبر فيرى أنه يعتمد على خبره فيه فيصدق غاية الصدق وإن لم يكن تقوى فحياء من أن ينصب لأمانة في خبر لا يدفع به عن نفسه ولا يجر إليها ثم يكذب بعده أو يدع التحفظ في بعض الصدق فيه 
 
[ 1 ] فإذا كان موجودا في العامة وفي أهل الكتاب الحالات يصدقون فيها الصدق الذي تطيب به نفس المحدثين كان أهل التقوى والصدق في كل حالاتهم أولى أن يتحفظوا عند أولى الأمرو بهم أن يتحفظوا عندها في أنهم وضعوا موضع الأمانة ونصبوا أعلاما للدين وكانوا عالمين بما الزمهم الله من الصدق في كل أمر وأن الحديث في الحلال والحرام أعلى الأمرو وابعدها من أن يكون فيه موضع ظنة وقد قدم إليهم في الحديث عن رسول الله النار 
 
[ 1 ] عبد العزيز عن محمد بن عجلان عن عبد الوهاب بن بخت عن عبد الواحد النصري عن واثلة بن الأسقع عن النبي قال  إن أفرى الفرى من قولني ما لم أقل ومن أرى عينيه ما لم ترى ومن ادعى إلى غير أبيه  
 
[ 1 ] عبد العزي ز عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال  من قال على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار  
 
[ 1 ] يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن أبي بكر بن سالم عن سالم عن بن عمر أن النبي قال  إن الذي يكذب علي يبني له بيت في النار  
 
[ 1 ] حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن أسيد بن أبي أسيد عن أمه قالت قلت لأبي قتادة ما لك لا تحدث عن رسول الله كما يحدث الناس عنه قالت فقال أبو قتادة سمعت رسول الله يقول من كذب علي فليتلمس لجنبه مضجعا من النار فجعل رسول الله يقول ذلك ويمسح الأرض بيده 
 
[ 1 ] سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال  حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي  
 
[ 1 ] وهذا أشد حديث روي عن رسول الله في هذا وعليه اعتمدنا مع غيره في أن لا نقبل حديثا إلا من ثقة ونعرف صدق من حمل الحديث من حين ابتدىء إلى أن يبلغ به منتهاه 
 
[ 1 ] فإن قال قائل وما في هذا الحديث من الدلالة على ما وصفت 
 
[ 1 ] قيل قد أحاط العلم أن النبي لا يأمر أحدا بحال أبدا أن يكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم فإذا أباح الحديث عن بني إسرائيل أن يقبلوا الكذب على بني إسرائيل أباح وإنما أباح قبول ذلك عن من حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه 
 
[ 1 ] ولم يبحه أيضا عن من يعرف كذبه لأنه يروي عنه أنه  من حدث بحديث وهو يراه كذبا فهو أحد الكاذبين  ومن حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب لأنه يرى الكذاب في حديثه كاذبا 
 
[ 1 ] ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه غلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاص القليل من الحديث وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه 
 
[ 1 ] وإذا فرق رسول الله بين الحديث عنه والحديث عن بني إسرائيل فقال  حدثوا عني ولا تكذبوا علي  فالعلم إن شاء الله يحيط ان الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه لأن الكذب إذا كان منهيا عنه على كل حال فلا كذب أعظم من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 
 

الحجة في تثبيت خبر الواحد

[ 1 ] قال الشافعي فإن قال قائل اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر أو دلالة فيه أو إجماع 
 
[ 1 ] فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال  نصر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من روائهم  
 
[ 1 ] فلما ندب رسول الله إلى استمع مقالته وحفظها وأدائها امرأ يؤديها والامرء واحد دل على انه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه لأنه إنما يؤدي عنه حلال وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة في دين ودنيا 
 
[ 1 ] ودل على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه يكون له حافظا ولا يكون فيه فقيها 
 
[ 1 ] وأمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين إن شاء الله لازم 
 
[ 1 ] أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر انه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال قال النبي  لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه أو أمرت به فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه  
 
[ 1 ] قال بن عيينة وأخبرني محمد بن المنكدر عن النبي بمثله مرسلا 
 
[ 1 ] وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله وإعلامهم أنه لازم لهم وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله وهو موضوع في غير هذا الموضع 
 
[ 1 ] أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار  أن رجلا قبل امرأته وهو صائم فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة إن رسول الله يقبل وهو صائم فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله عندها فقال رسول الله ما بال هذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت أم سلمة قد اخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاد ذلك شرا وقلا لسنا مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء فغضب رسول الله ثم قال والله إني لأتقاكم لله ولأعلمكم بحدوده 
 
[ 1 ] وقد سمعت من يصل هذا الحديث ولا يحضرني ذكر من وصله 
 
[ 1 ] قال الشافعي في ذكر قول النبي صلى الله عليه  الا أخبرتيها أني أفعل ذلك  دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته 
 
[ 1 ] وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده 
 
[ 1 ] أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال  بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة  
 
[ 1 ] وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفقه وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالا 
 
[ 1 ] ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعا من رسول الله ولا بخبر عامة وانتقلوا بخبر واحد إذا كان عندهم من أهل الصدق عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي انه حدث عليهم من تحويل القبلة 
 
[ 1 ] ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء الله بخبر إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله إذا كان من أهل الصدق 
 
[ 1 ] ولا ليحدثوا أيضا مثل هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثه 
 
[ 1 ] ولا يدعون أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه 
 
[ 1 ] ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله في تحويل القبلة وهو فرض مما يجوز لهم لقال لهم إن شاء الله رسول قد كنتم على قبلة ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة من سماعكم مني أو خبر عامة أو أكثر من خبر واحد عني 
 
[ 1 ] أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال  كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت  
 
[ 1 ] وهؤلاء في العلم والمكان من النبي وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم 
 
[ 1 ] وقد كان الشراب عندهم حلالا يشربونه فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر فأمر أبو طلحة وهو مالك الجرار بكسر الجرار ولم يقل هو ولاهم ولا واحد منهم نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه منا أو يأتينا خبر عامة 
 
[ 1 ] وذلك انهم لا يهريقون حلالا إهراقه سرف وليسوا من أهله 
 
[ 1 ] والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله ما فعلوا ولا يدع لو كان قبلوا من خبر الواحد ليس لهم أن ينهاهم عن قبوله 
 
[ 1 ] وأمر رسول الله أنيسا أن يغدو على امرأة رجل ذكر أنها زنت  فإن اعترفت فارجمها  فاعترفت فرجمها 
 
[ 1 ] وأخبرنا بذلك مالك وسفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وساقا عن النبي وزاد سفيان مع أبي هريرة وزيد بن خالد شبلا 
 
[ 1 ] أخبرنا عبد العزيز عن بن الهاد عن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قالت  بينما نحن بمنى إذ علي بن أبي طالب على جمل قول إن رسول الله يقول إن هذه أيام طعام وشراب فلا يصومن أحد فاتبع الناس وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك 
 
[ 1 ] ورسول الله لا يبعث بنهيه واحدا صادقا إلا لزم خبره عن النبي بصدقه عن المنهيين عن ما أخبرهم أن النبي نهى عنه 
 
[ 1 ] ومع رسول الله الحاج وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا فبعث واحدا يعرفونه بالصدق 
 
[ 1 ] وهو لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله 
 
[ 1 ] فإذا كان هكذا مع ما وصفت من مقدرة النبي على بعثه جماعة إليهم كان ذلك إن شاء الله فيمن بعده ممن لا يمكنه ما أمكنهم وأمكن فيهم أولى ان يثبت به خبر الصادق 
 
[ 1 ] أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن خال له إن شاء الله يقال له يزيد بن شيبان قال  كنا في موقف لنا بعرفة يباعده عمرو من موقف الإمام جدا فأتانا بن مربع الأنصاري فقال لنا أنا 
 
[ 4 ] رسول رسول الله إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم 
 
[ 1 ] وبعث رسول الله أبا بكر واليا على الحج في سنة تسع وحضره الحج من أهل بلدان مختلفة وشعوب متفرقة فأقام لهم مناسكهم وأخبرهم عن رسول الله بما لهم وما عليهم 
 
[ 1 ] وبعث علي بن أبي طالب في تلك السنة فقرأ عليهم في مجمعهم يوم النحر آيات من { سورة براءة }  ونبذ إلى قوم على سواء وجعل لهم مددا ونهاهم عن أمرو 
 
[ 1 ] فكان أبو بكر وعلي معروفين عند أهل مكة بالفضل والدين والصدق وكان من جهلهما أو أحدهما من الحاج وجد من يخبره عن صدقهما وفضلهما 
 
[ 1 ] ولم يكن رسول الله ليبعث إلا واحدا الحجة قائمة بخبره على من بعثه إليه غن شاء الله 
 
[ 1 ] وقد فرق النبي عمالا على نواحي عرفنا أسماءهم والمواضع التي فرقهم عليها 
 
[ 1 ] فبعث قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وابن نويرة إلى عشائرهم بعلمهم بصدقهم عندهم 
 
[ 1 ] وقدم عليهم وفد البحرين فعرفوا من معه فبعث معهم بن سعيد بن العص 
 
[ 1 ] وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه ويعلمهم ما فرض الله عليهم ويأخذ منهم ما وجب عليهم لمعرفتهم بمعاذ ومكانه منهم وصدقه 
 
[ 1 ] وكل من ولى فقد امره بأخذ ما أوجب الله علة من ولاه عليه 
 
[ 1 ] ولم يكن لأحد عندنا في أحد مما قدم عليه من أهل الصدق ان يقول أنت واحد وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يذكر انه علينا 
 
[ 1 ] ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق إلا لما وصفت من أن تقوم بمثلهم الحجة على من بعثه إليه 
 
[ 1 ] وفي شبيه بهذا المعنى أمراء سرايا رسول الله فقد بعث بعث مؤتة فولاه زيد بن حارثة وقال  فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فابن رواحة  وبعث بن أنيس سرية وحده 
 
[ 1 ] وبعث أمراء سراياه وكلهم حاكم فيما بعثه فيه لأن عليهم أن يدهبوا من لم تبلغه الدعوة ويقاتلوا من حل قتاله 
 
[ 1 ] وكذلك كل والي بعثه أو صاحب سرية 
 
[ 1 ] ولم يزل يمكنه ان يبعث واليين وثلاثة وأربعة وأكثر 
 
[ 1 ] وبعث في دهر واحد اثنى عشر رسولا إلى اثنى عشر ملكا يدعوهم إلى الإسلام ولم يبعثهم إلا إلى من قد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة فيها والا يكتب فيها دلالات لمن بعثهم إليه على أنها كتبه 
 
[ 1 ] وقد تحرى فيهم ما تحرى في أمرائه من أن يكونوا معروفين فبعث دحية إلى الناحية التي هو فيها معروف 
 
[ 1 ] ولو أن المبعوث إليه جهل الرسول كان عليه طلب علم أن النبي بعثه ليستبرىء شكه في خبر رسول الله وكان على الرسول الوقوف حتى يستبرئه المبعوث إليه 
 
[ 1 ] ولم تزل كتب رسول الله تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي ولم يكن لأحد من ولاته ترك إنفاذ أمره ولم يكن ليبعث رسولا إلا صادقا عند من بعثه إليه 
 
[ 1 ] وإذا طلب المبعوث إليه علم صدقه وجده حيث هو 
 
[ 1 ] ولو شك في كتابه بتغيير في الكتاب أو حال تدل على تهمة من غفلة رسول الله حمل الكتاب كان عليه أن يطلب علم ما شك فيه حتى ينفذ ما يثبت عنده من أمر رسول الله 
 
[ 1 ] وهكذا كانت كتب خلفائه بعده وعمالهم وما أجمع المسلمون عليه من أن يكون الخليفة واحدا والقاضي واحد والأمير واحد والإمام 
 
[ 1 ] فاستخلفوا أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر ثم عمر أهل الشورى ليختاروا واحدا فاختار عبد الرحمن عثمان بن عفان 
 
[ 1 ] قال والولاة من القضاة وغيرهم يقضون فتنفذ أحكامهم ويقيمون الحدود وينفذ من بعدهم أحكامهم وأحكامهم أخبار عنهم 
 
[ 1 ] ففيما وصفت من سنة رسول الله ثم ما أجمع المسلمون عليه منه دلالة على فرق بين الشهادة والخبر والحكم 
 
[ 1 ] ألا ترى أن قضاء القاضي على الرجل للرجل إنما هو خبر يخبر به عن بينة تثبت عنده أو إقرار من خصم به أقر عنده وأنفذ الحكم فيه فلما كان يلزمه بخبره أن ينفذه بعلمه كان في معنى المخبر بحلال وحرام قد لزمه ان يحله ويحرمه بما شهد منه 
 
[ 1 ] ولو كان القاضي المخبر عن شهود شهدوا عنده على رجل لم يحاكم إليه أو إقرار من خصم لا يلزمه ان يحكم به لمعنى أن لم يخاصم إليه أو أنه ممن يخاصم إلى غيره فحكم بينه وبين خصمه ما يلزم شاهدا يشهد على رجل أن يأخذ منه ما شهد به عليه لمن شهد له به كان في معنى شاهد عند غيره فلم يقبل قاضيا كان أو غيره إلا بشاهد معه كما لو شهد عند غيره لم يقبله إلا بشاهد وطلب معه غيره ولم يكن لغيره إذا كان شاهدا أن ينفذ شهادته وحده 
 
[ 1 ] أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر وفي الوسطى بعشر وفي التي تلي الخنصر بتسع وفي الخنصر بست 
 
[ 1 ] قال الشافعي لما كان معروفا والله أعلم عند عمر أن النبي قضى في اليد بخمسين وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف فهذا قياس على الخبر 
 
[ 1 ] فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله قال  وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل  صاروا إليه 
 
[ 1 ] ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم والله أعلم حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله 
 
[ 1 ] وفي الحديث دلالتان أحدهما قبول الخبر والآخر ان يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه وإن لم يمضي عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا 
 
[ 1 ] ودلالة على انه مضى أيضا عمل من أحد من الأئمة ثم وجد خبرا عن النبي يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله 
 
[ 1 ] ودلالة على ان حديث رسول الله يثبت نفسه لا بعمل غيره بعده 
 
[ 1 ] ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفه 
 
[ 1 ] ولو بلغ عمر هذا صار إليه إن شاء الله كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله بتقواه الله وتأديته الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله وعلمه وبان ليس لأحد مع رسول الله أمر وأن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله 
 
[ 1 ] فإن قال قائل فادللني على أن عمر عمل شيئا ثم صار إلى غيره بخبر عن رسول الله 
 
[ 1 ] قلت فإن أوجدتكه 
 
[ 1 ] قال ففي إيجادك إياي ذلك دليل على أمرين أحدهما أنه قد يقول من جهة الرأي إذا لم توجد سنة والآخر أن السنة إذا وجدت وجب عليه ترك عمل نفسه ووجب على الناس ترك كل عمل وجدت السنة بخلافه وإبطال ان السنة لا تثبت إلا بخبر بعدها وعلم انه لا يوهنها شيء غن خالفها 
 
[ 1 ] قلت أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب  ان عمر بن الخطاب كان يقول الدية للعاقلة ولا ترث المراة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر  
 
[ 1 ] وقد فسرت هذا الحديث قبل هذا الموضع 
 
[ 1 ] سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاوس عن طاوس  أن عمر قال أذكر الله امرأ سمع من النبي في الجنين شيئا فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال كنت بين جارتين لي يعني ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله بغرة فقال عمر لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره  
 
[ 1 ] وقال غيره إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا 
 
[ 1 ] فقد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك إلى أن خالف حكم نفسه وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه بغيره وقال إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا 
 
[ 1 ] قال الشافعي يخبر والله أعلم أن السمنة إذا كانت موجودة بأن في النفس مائة من الإبل فلا يعدو الجنين أن يكون حيا فيكون فيه مائة من الإبل أو ميتا فلا شيء فيه 
 
[ 1 ] فلما أخبر بقضاء رسول الله فيه سلم له ولم يجعل لنفسه إلا اتباعه فيما مضى بخلافه وفيما كان رأيا منه لم يبلغه عن رسول الله فيه شيء فلما بلغه خلاف فعله صار إلى حكم رسول الله وترك حكم نفسه وكذلك كان في كل أمره 
 
[ 1 ] وكذلك يلزم الناس ان يكونوا 
 
[ 1 ] أخبرنا مالك عن بن شهاب عن سالم أن عمر بن الخطاب إنما رجع بالناس عن خبر عبد الرحمن بن عوف 
 
[ 1 ] قال الشافعي يعني حين خرج إلى الشام فبلغه وقوع الطاعون بها 
 
[ 1 ] مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه  أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله يقول  سنوا بهم سنة أهل الكتاب  
 
[ 1 ] سفيان عن عمرو انه سمع بجالة يقول  ولم يكن عمر أخذ الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي أخذها من مجوس هجر  
 
[ 1 ] قال الشافعي وكل حديث كتبته منقطعا فقد سمعته متصلا أو مشهورا عن من روى عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفونه عن عامة وكلن كرهت وضع حديث لا أتقنه حفظا وغاب عني بعض كتبي وتحققت بما يعرفه أهل العلم مما حفظت فاختصرت خوف طول كتابي فأتيت ببعض ما فيه الكفاية دون تقصي العلم في كل أمره 
 
[ 1 ] فقبل عمر خبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس فأخذ منهم وهو يتلو القرآن { من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون }  ويقرأ القرآن بقتال الكافرين حتى يسلموا وهو لا يعرف فيهم عن النبي شيئا وهم عنده من الكافرين غير أهل الكتاب فقبل خبر عبد الرحمن في المجوس عن النبي فاتبعه وحديث بجالة موصول قد أدرك عمر بن الخطاب رجلا وكان كاتبا لبعض ولاته 
 
[ 1 ] فإن قال قائل قد طلب عمر مع رجل أخبره خبرا آخر 
 
[ 1 ] قيل له لا يطلب عمر مع رجل أخبره آخر إلا على أحد ثلاث معاني 
 
[ 1 ] إما أن يحتاط فيكون وإن كانت الحجة تثبت يخبر الواحد فخبر اثنين أكثر وهو لا يزيدها إلا ثبوتا 
 
[ 1 ] وقد رأيت ممن أثبت خبر الواحد من يطلب معه خبرا ثانيا ويكون في يده السنة من رسول الله من خمس وجوه فيحدث بسادس فيكتبه لأن الأخبار كما تواترت وتظاهرت كان أثبت للحجة وأطيب لنفس السامع 
 
[ 1 ] وقد رأيت من الحكام من يثبت عنده الشاهدان العدلان والثلاثة فيقول للمشهود له على شاهدين لحكم له بهما 
 
[ 1 ] ويحتمل أن يكون لم يعرف المخبر فيقف عن خبره حتى يأتي مخبر يعرفه 
 
[ 1 ] وهكذا ممن أخبر ممن لا يعرف لم يقبل خبره ولا يقبل الخبر إلا عن معروف بالاستئهال له لأن يقبل خبره 
 
[ 1 ] ويحتمل أن يكون المخبر له غير مقبول القول عنده فيرد خبره حتى يجد غيره ممن يقبل قوله 
 
[ 1 ] فإن قال قائل فإلى أي المعاني ذهل عندكم عمر 
 
[ 1 ] قلنا أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط لأن أبا موسى ثقة أمين عنده إن شاء الله 
 
[ 1 ] فإن قال قائل ما دل على ذلك 
 
[ 1 ] قلنا قد رواه مالك بن أنس عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم حديث أبي موسى وأن عمر قال لأبي موسى وأما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله 
 
[ 1 ] فإن قال هذا منقطع 
 
[ 1 ] فالحجة فيه ثابتة لأنه لا يجوز على إمام في الدين عمر ولا غيره أن يقبل خبر الواحد مرة وقبوله له لا يكون إلا بما تقوم به الحجة عنده ثم يرد مثله أخرى ولا يجوز هذا على عالم عاقل أبدا ولا يجوز على حاكم أن يقضي بشاهدين مرة ويمنع بهما أخرى إلا من جهة جرحهما أو الجهالة بعدلهما وعمر غاية في العلم واعقل والأمانة والفضل وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفت 
 
[ 1 ] قال الله { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه }  
 
[ 1 ] وقال { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه 
 
[ 1 ] وقال { وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل }  
 
[ 1 ] وقال { وإلى عاد أخاهم هودا }  
 
[ 1 ] وقال { وإلى ثمود أخاهم صالحا }  
 
[ 1 ] وقال { وإلى مدين أخاهم شعيبا }  
 
[ 1 ] وقال { كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول مبين فاتقوا الله وأطيعون }  
 
[ 1 ] وقال لنبيه محمد صلى الله عليه { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح }  
 
[ 1 ] وقال { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل }  
 
[ 1 ] فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم وكانت الحجة بها ومن بعدهم وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء تقوم الحجة بالواحد منهم قياما بالأكثر 
 
[ 1 ] قال { واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون }  
 
[ 1 ] قال الشافعي فظاهر الحجج عليهم باثنين ثم ثالث وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد وليس الزيادة في التأكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد إذ أعطاه ما يباين به الخلق غير النبيين 
 
[ 1 ] أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب أن الفريعة بنت مالك بن سنان أخبرتها  انها جاءت إلى النبي تساله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسالت رسول الله أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه قالت فقال رسول الله نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال لي امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهرا وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به  
 
[ 1 ] وعثمان في إمامته وعلمه يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار 
 
[ 1 ] أخبرنا مسلم عن بن جريج قال أخبرني الحسن مسلم عن طاوس قال  كنت مع بن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت فقال له بن عباس إما لي فسئل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك النبي فرجع زيد بن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت  
 
[ 1 ] قال الشافعي سمع زيد النهي أن يصدر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي فلما أفتاها بن عباس بالصدر إذا كانت قد زارت بعد النحر انكر عليه زيد فلما أخبره عن المرأة أن رسول الله أمرها بذلك فسالها فأخبرته فصدق المرأة ورأى عليه حقا أن يرجع عن خلاف بن عباس وما لابن عباس حجة غير خبر المرأة 
 
[ 1 ] سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير قال  قلت لابن عباس إن نوف البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل فقال بن عباس كذب عدو الله أخبرني أبي بن كعب قال خطبنا رسول الله ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيء يدل على أن موسى صاحب الخضر 
 
[ 1 ] فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله حتى يكذب به امرأ من المسلمين إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله بما فيه دلالة على أن موسى بني اسرائيل صاحب الخضر 
 
[ 1 ] أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن بن جريج أن طاوسا أخبره  أنه سأل بن عباس عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما قال طاوس فقلت له ما أدعهما فقال بن عباس { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا }   
 
[ 4 ] 
 
[ 1 ] فرأى بن عباس الحجة قائمة على طاوس بخبره عن النبي ودله بتلاوة كتاب الله على أن فرضا عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرا 
 
[ 1 ] وطاوس حينئذ إنما يعلم قضاء رسول الله بخبر بن عباس وحده ولم يدفعه طاوس بأن يقول هذا خبرك وحدك فلا أثبته عن النبي لأنه يمكن أن تنسى 
 
[ 1 ] فإن قال قائل كره أن يقول هذا لابن عباس 
 
[ 1 ] فابن عباس أفضل من أن يتوقى أحد أن يقول له حقا رآه وقد نهاه عن الركعتين بعد العصر فأخبره أنه لا يدعهما قبل أن يعلمه أن النبي نهى عنهما 
 
[ 1 ] سفيان عن عمرو عن بن عمر قال  كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع أن رسول الله نهى عنها فتركناها من أجل ذلك  
 
[ 1 ] فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالا ولم يتوسع إذ أخبره واحد لا يتهمه عن رسول الله أنه نهى عنها أن يخابر بعد خبره ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ولا يقول ما عاب هذا علينا أحد ونحن نعمل به إلى اليوم 
 
[ 1 ] وفي هذا ما يبين أن العمل بالشيىء بعد النبي إذا لم يكن بخبر عن النبي لم يوهن الخبر عن النبي عليه السلام 
 
[ 1 ] أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار  أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذا فقال معاوية ما أرى بهذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض  
 
[ 1 ] فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم على معاوية بخبره ولما لم ير ذلك معاوية فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها إعظاما لأن ترك خبر ثقة عن النبي ز 
 
[ 1 ] وأخبرنا أن أبا سعيد الخدري لقي رجلا فأخبره عن رسول الله شيئا فذكر الرجل خبرا يخالفه فقال أبو سعيد والله لا آواني وإياك سقف بيت أبدا 
 
[ 1 ] قال الشافعي يرى أن ضيفا على المخبر أن لا يقبل خبره وقد ذكر خبرا يخالف خبر أبا سعيد عن النبي ولكن في خبره وجهان أحدهما يحتمل به خلاف خبر أبي سعيد والآخر لا يحتمله 
 
[ 1 ] أخبرنا من لا أتهم عن بن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف قال  ابتعت غلاما فاستغللته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى لي برده وقضى علي برد غلته فأتيت عروة فأخبرته فقال أروح عليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني ان رسول الله قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فعجلت إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة عن عائشة عن النبي فقال عمر فما أيسر علي قضاء قضيته الله يعلم أني لم أرد فيه إلا الحق فبلغتني فيه سنة رسول الله فارد قضاء عمر وأنفذ سنة رسول الله فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به علي له  
 
[ 4 ] 
 
[ 1 ] أخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن بن أب ي ذئب قال قضى سعد بن إبراهيم على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن فأخبرته عن النبي بخلاف ما قضى به فقال سعد لربيعة هذا بن أبي ذئب وهو عندي ثقة يخبرني عن النبي بخلاف ما قضيت به فقال له ربيعة قد اجتهدت ومضى حكمك فقال سعد واعجبا أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأرد قضاء رسول الله بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله فدعا سعد بكتاب القضية فشقه وقضى للمقضي عليه 
 
[ 1 ] قال الشافعي أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي قال حدثني بن أبي ذئب عن المقبري عن بن شريح الكعبي أن النبي قال عام الفتح من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود  قال أبو حنيفة فقلت لابن أبي ذئب أتأخذ بهذا يا أبا الحارث فضرب صدري وصاح علي صياحا كثيرا ونال مني وقال أحدثك عن رسول الله وتقول تأخذ به نعم آخذ به وذلك الفرض علي وعلى من سمعه إن الله اختار محمدا من الناس فهداهم به وعلى يديه واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك قال وما سكت حتى تمنيت أن يسكت 
 
[ 1 ] قال وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها 
 
[ 1 ] ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل 
 
[ 1 ] وكذلك حكي لنا عمن حكي لنا عنه من أهل العلم بالبلدان 
 
[ 1 ] قال الشافعي وجدنا سعيد بالمدينة يقول أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي بالصرف فيثبت حديثه سنة ويقول حدثني أبو هريرة عن النبي فيثبت حديثه سنة ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنة ووجدنا عروة يقول حدثتني عائشة  أن رسول الله قضى أن الخراج بالضمان  فيثبته سنة ويروي عنها عن النبي شيئا كثيرا فيثبتها سننا يحل بها ويحرم 
 
[ 1 ] وكذلك وجدناه يقول حدثني أسامة بن زيد عن النبي ويقول حدثني عبد الله بن عرم عن النبي وغيرهما فيثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سنة 
 
[ 1 ] ثم وجدناه أيضا يصير إلى أن يقول حدثني عبد الرحمن بن عبد القارىء عن عمر ويقول حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر ويثبت كل واحد من هذا خبر عن عمر 
 
[ 1 ] ووجدنا القاسم بن محمد يقول حدثتني عائشة عن النبي ويقول في حديث غيره حدثني بن عمر عن النبي ويثبت خبر كحل واحد منهما على الانفراد سنة 
 
[ 1 ] ويقول حدثني عبد الرحمن ومجمع ابنا يزيد بن جارية عن خنساء بنت خدام عن النبي فيثبت خبرها سنة وهو خبر امرأة واحدة 
 
[ 1 ] ووجدنا علي بن حسين يقول أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال لا يرث المسلم الكافر  فيثبتها سنة ويثبتها الناس بخبره سنة 
 
[ 1 ] ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين يخبر عن جابر عن النبي وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي فيثبت كل ذلك سنة 
 
[ 1 ] ووجدنا محمد بن جبير بن مطعم ونافع بن جبير بن مطعم ويزيد بن طلحة بن ركانة ومحمد بن طلحة بن ركانة ونافع بن عجير بن عبد يزيد وأبا أسامة بن عبد الرحمن وحميد عبد الرحمن وطلحة بن عبد الله بن عوف ومصعب بن سعد بن أبي وقاص وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وخارجة بن زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن كعب بن مالك وعبد الله بن أبي قتادة وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وغيرهم من محدثي أهل المدينة كلهم يقول حدثني فلان لرجل من أصحاب النبي عن النببي أو من التابعين عن رجل من أصحاب النبي فثبت ذلك سنة 
 
[ 1 ] ووجدنا عطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وعبيد الله بن أبي يزيد وعبد الله بن باباه وابن أبي عمار ومحدثي المكيين ووجدنا وهب بن منبه هكذا ومكحول بالشام وعبد الرحمن بن غنم والحسن وابن سيرين بالبصرة والأسود وعلقمة والشعبي بالكوفة ومحدثي الناس وأعلامهم بالأمصار كلهم بحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه والإفتاء به ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه وقبله عنه من تحته 
 
[ 1 ] ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة أحمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي 
 
[ 1 ] ولكن أقول لم أحفظ عن فقهاء المسلمين اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفت من أن ذلك موجودا على كلهم 
 
[ 1 ] قال فإن شبه على رجل بأن يقول قد روي عن النبي حديث كذا وحديث كذا وكان فلان يقول قولا يخالف ذلك الحديث 
 
[ 1 ] فلا يجوز عندي عن عالم أن يثبت خبر واحد كثيرا ويحل به ويحرم ويرد مثله إلا من جهة أن يكون عنده حديث يخالفه أو يكون ما سمع من سمع منه أوثق عنده ممن حدثه خلافه أو يكون من حدثه ليس بحافظ أو يكون متهما عنده أو يتهم من فوقه ممن حدثه أو يكون الحديث محتملا معنيين فيتأول فيذهب إلى أحدهما دون الآخر 
 
[ 1 ] فأما أن يتوهم متوهم أن فقيها عاقلا يثبت سنة بخبر واحد مرة ومرارا ثم يدعها بخبر مثله وأوثق بلا واحد من هذه الوجوه التي تشبه بالتأويل كما شبه على المتأولين في القرآن وتهمة المخبر أو علم يخبر خلافه فلا يجوز إن شاء الله 
 
[ 1 ] فإن قال قائل قل فقيه في بلد إلا وقد روى كثيرا يأخذ به وقليلا يتركه 
 
[ 1 ] فلا يجوز عليه إلا من الوجه الذي وصفت ومن أن يروي عن رجل من التابعين أو من دونهم قولا لا يلزمه الأخذ به فيكون إنما رواه لمعرفة قوله لا لأنه حجة عليه وافقه أو خالفه 
 
[ 1 ] فإن لم يسلك واحد من هذه السبل فيعذر ببعضها فقد أخذ خطأ لا عذر فيه عندنا والله أعلم 
 
[ 1 ] فإن قال قائل هل يفترق معنى قولك  حجة  
 
[ 1 ] قيل له إن شاء الله نعم 
 
[ 1 ] فإن قال فأبن ذلك 
 
[ 1 ] قلنا أما ما كان نص كتاب بين أو سنة مجتمع عليها فيها مقطوع ولا يسع الشك في واحد منهما ومن امتنع من قبوله استتيب 
 
[ 1 ] فاما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه فيكون الخبر محتملا للتأويل وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حي لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول لا أن ذلك إحاطة كما يمون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله 
 
[ 1 ] ولو شك في هذا شاك لم نقل له تب وقلنا ليس لك إن كنت عالمنا أن تشك كما ليس لك الا ان تقضي بشهادة الشهود العدول وإن أمكن فيهم الغلط ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم والله ولي ما غاب عنك منهم 
 
[ 1 ] فقال فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على من علمه وهل يختلف المنقطع أو هو وغيره سواء 
 
[ 1 ] قال الشافعي فقلت له المنقطع مختلف 
 
[ 1 ] فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي اعتبر عليه بأمور 
 
[ 1 ] منها أن ينظر الى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه الى رسول الله بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه 
 
[ 1 ] وأن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما يفرد به من ذلك 
 
[ 1 ] ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم 
 
[ 1 ] فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوي به مرسله وهي أضعف من الأولى 
 
[ 1 ] وإن لم يوجد ذلك نظر الى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله الا عن أصل يصح إن شاء الله 
 
[ 1 ] وكذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتنون بمثل معنى ما روى عن النبي 
 
[ 1 ] قال الشافعي ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسمي مجهولا ولا مرغوبا عن الروايةعنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه 
 
[ 1 ] ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه 
 
[ 1 ] ومتى ما خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا سيع أحدا منهم قبول مرسله 
 
[ 1 ] قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديث بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله 
 
[ 1 ] ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالموتصل 
 
[ 1 ] وذلك ان معنى المنقطع مغيب محتمل أن يكون حمل عن من يرغب عن الرواية عنه إذا سمى وإن بعض المنقطعات وان وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا من حيث لو سمى لم يقبل وأن قول بعض أصحاب النبي إذا قال برأيه لو وافقه يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها ويمكن أن يكون انما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء 
 
[ 1 ] فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله فلا أعلمن منهم واحدا يقبل مرسله لأمور أحدها أنهم أشد تجاوزا فيمن يروون عنه والآخر أنهم يوجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه والآخر كثرة الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه 
 
[ 1 ] وقد خبرت بعض من خبرت من أهل العلم فرأيتهم أتوا من خصلة وضدها 
 
[ 1 ] رأيت الرجل يقنع بيسير العلم ويريد إلا أن يكون مستفيدا إلا من جهة قد يتركه من مثلها أو أرجح فيكون من أهل التقصير في العلم 
 
[ 1 ] ورأيت من عاب هذه السبيل ورغب في التوسع في العلم من دعاه ذلك الى قبول عن من لو أمسك عن القبول عنه كان خيرا له 
 
[ 1 ] ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم فيقبل عن من يرد مثله وخيرا منه 
 
[ 1 ] ويدخل عليه فيقبل عن من يعرف ضعفه إذا وافق قولا يقوله ويرد حديث الثقة إذا خالف قولا يقوله 
 
[ 1 ] ويدخل على بعضهم من من جهات 
 
[ 1 ] ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة فيها 
 
[ 1 ] قال فلم فرقت بين التابعين المتقديمن الذين شاهدوا أصحاب رسول الله وبين من شاهد بعضم دون بعض 
 
[ 1 ] فقلت لبعد إحالة من لم يشاهد أكثرهم 
 
[ 1 ] قال فلم لم تقبل المرسل منهم ومن كل فقيه دونهم 
 
[ 1 ] قلت ولم وصفت 
 
[ 1 ] قال وهل تجد حديثا تبلغ به رسول الله مرسلا عن ثقة لم يقل أحدا من أهل الفقه به 
 
[ 1 ] قلت نعم أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أن رجلا جاء الى النبي فقال يا رسول الله ان لي مالا وعيالا وان لأبي مالا وعيالا وانه يريد ان يأخذ مالي فيطعمه عياله فقال رسول الله أنت ومالك لأبيك 
 
[ 1 ] فقال أما نحن فلا نأخذ بهذا ولكن من أصحابك من يأخذ به 
 
[ 1 ] فقلت لا لأن من أخذ بهذا جعل للأب الموسر أن يأخذ مال ابنه 
 
[ 1 ] قال أجل وما يقول بهذا أحد فلم خالف الناس 
 
[ 1 ] قال لأنه لا يثبت عن النبي وأن والله لما فرض للأب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره فقد يكون أقل حظا من كثير من الورثة دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه 
 
[ 1 ] قال فمحمد بن المنكدر عندكم غاية في الثقة 
 
[ 1 ] قلت أجل والفضل في الدين والورع ولكنا لاندري عن من قبل هذا الحديث 
 
[ 1 ] وقد وصفت لك الشاهدين العدلين يشهدان على الرجل فلا تقبل شهادتهما حتى يعدلاهما أو يعدلهما غيرهما 
 
[ 1 ] قال فتذكر من حديثكم مثل هذا 
 
[ 1 ] قلت نعم أخبرنا الثقة عن مثل أبي ذئب عن بن شهاب أن رسول الله أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة 
 
[ 1 ] فلم نقبل هذا لأنه مرسل 
 
[ 1 ] ثم أخبرنا الثقة عن معمر عن بن شهاب عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن النبي بهذا الحديث 
 
[ 1 ] وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثقة الرجال انما يسمي بعض أصحاب النبي ثم خيار التابعين ولا نعلم محدثا يسمي أفضل ولا أشهر ممن يحدث عنه بن شهاب 
 
[ 1 ] قال فإني تراه أتى في قبوله عن سليمان بنأرقم 
 
[ 1 ] رآه رجل من أهل المروءة والعقل فقبل عنه وأحسن الظن به فسكت عن اسمه اما لأنه أصغر منه وإما لغير ذلك وسأله معمر عن حديثه عنه فأسنده له 
 
[ 1 ] فلما أمكن في أن شهاب أن يكون يروي عن سليمان مع ما وصفت به بن شهاب لم يؤمن مثل هذا على غيره 
 
[ 1 ] قال فهل تجد لرسول الله سنة ثابته من جهة الاتصال خالفها الناس كلهم 
 
[ 1 ] قلت لا ولكن قد أجد الناس مختلفين فيها منهم من يقول بها ومنهم من يقول بخلافها فأما ينة يكونون مجتمعين على القول بخلافها فلم أجدها قط كما وجدت المرسل عن رسول الله 
 
[ 1 ] قال الشافعي وقلت له أنت تسأل عن الحجة في رد المرسل وترد ثم تجاوز فترد المسند الذي يلزمك عندنا الأخذ به ز 
 

باب الإجماع

[ 1 ] قال الشافعي فقال لي قائل قد فهمت مذهبك في أحكام الله ثم أحكام رسوله وأن من قبل عن رسول الله فعن الله قبل بان افترض طاعة رسوله وقمت الحجة بما قلت بأن لا يحل لمسلم علم كتابا ولا سنة أين يقول بخلاف واحد منهما وعلمت أن هذا فرض الله فما حجتك في أن تتبع ما اجتمع الناس عليه مما ليس فيه نص حكم لله ولم يحكوه عن النبي أتزعم ما يقول غيرك أن إجماعهم لا يكون أبدا إلا على سنة ثابتة وإن لم يحكوها 
 
[ 1 ] قال فقلت له أما اجتمعوا عليه فذكروا أنه حكاية عن رسول الله إن شاء الله 
 
[ 1 ] وأما ما لم يحكوه فاحتمل أن يكون قالوا حكاية عن رسول الله واحتمل غيره ولا يجوز أن نعده له حكاية أنه لا يجوز أن يحكي إلا مسموعا ولا يجوز أن يحكي شيئا يتوهم يمكن فيه غير ما قال 
 
[ 1 ] فكنا نقول بما قالوا به اتباعا لهم ونعلم أنهم إذا كانت سنن رسول الله لا تعزب عن عامتهم وقد تعزب عن بعضهم ونعلم أن عامتهم لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله ولا عللا خطأ إن شاء الله 
 
[ 1 ] فإن قال فهل من شيء يدل على ذلك وتشده به 
 
[ 1 ] قيل أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن رسول الله قال  نصر الله عبدا  
 
[ 1 ] أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن بن سليمان عن أبيه  أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية فقال إن رسول الله قام الله فينا كمقامي فيكم فقال أكرم أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد ألا فمن سره بحبحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الفذ وهو من الإثنين أبعد ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهم ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن  
 
[ 1 ] قال فما معنى أمر النبي بلزوم وجماعتهم 
 
[ 1 ] قلت لا معنى له إلا واحد 
 
[ 1 ] قال فكيف لا يحتمل إلا واحدا 
 
[ 1 ] قلت إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة و أبدان قوم متفرقين وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار فلم يكن في لزوم الأبدان معنى لأنه لا يمكن ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئا فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما 
 
[ 1 ] ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها وإنما تكون الغفلة في الفرقة فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنة كتاب ولا سنة ولا قياس إن شاء الله 
 

القياس

[ 1 ] قال فمن أين قلت يقال بالقياس فيما لا كتاب فيه ولا سنة ولا إجماع أفالقياس نص خبر لازم 
 
[ 1 ] قلت لو كان القياس نص كتاب أو سنة قيل في كل ما كان نص كتاب  هذا حكم الله  وفي كل ما كان نص السنة  هذا حكم رسول الله  ولم نقل له  قياس  
 
[ 1 ] قال فما القياس أهو الاجتهاد أم هما متفرقان 
 
[ 1 ] قلت هما اسمان لمعنى واحد ز 
 
[ 1 ] قال فما جماعهما 
 
[ 1 ] قلت كل ما نزل بمسلم فقيه حكم لازم أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة وعليه إذا كان فيه حكم اتباعه وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على سبيل الحق فيه بالاجتهاد والاجتهاد القياس 
 
[ 1 ] قال أفرأيت العالمين إذا قاسوا على إحاطة بهم من أنهم أصابوا الحق عند الله وهل يسعهم أن يختلفوا في القياس وهل كلفوا كل أمر من سبيل واحد أو سبل متفرقة وما الحجة في أن لهم أي يقيسوا على الظاهر دون الباطن وانه يسعهم أن يتفرقوا وهل يختلف ما كلفوا في أنفسهم وما كلفوا في غيرهم ومن الذي له ان يجتهد فيقيس في نفسه دون غيره والذي له أن يقيس في نفسه وغيره 
 
[ 1 ] فقلت له العلم من وجوه منه إحاطة في الظاهر والباطن وممنه حق في الظاهر 
 
[ 1 ] فالإحاطة منه ما كان نص حكم لله أو سنة لرسول الله نقلها العامة عن العامة فهذان السبيلان اللذان يشهد بهما فيما أحل أنه حلال وفيما حرم أنه حرام وهذا الذي لا يسع أحدا عندنا جهله ولا شك فيه وعلم الخاصة سنة من خبر الخاصة يعرفها العلماء ولم يكلفها غيرهم وهي موجودة فيهم أو في بعضهم بصدق الخاص المخبر عن رسول الله بها وهذا اللازم لأهل العلم أن يصيروا إليه وهو الحق في الظاهر كما نقتل بشاهدين وذلك حق في الظاهر وقد يمكن في الشاهدين الغلط 
 
[ 1 ] وعلم إجماع 
 
[ 1 ] وعلمك اجتهاد بقياس على طلب إصابة الحق فذلك حق في الظاهر عند قياسه لا عند العامة من العلماء ولا يعلم الغيب فيه إلا الله 
 
[ 1 ] وإذا طلب العلم فيه بالقياس فقيس بصحة أيتفق المقايسون في أكثره وقد نجدهم يختلفون 
 
[ 1 ] والقياس من وجهين أحدهما أن يكون الشيء في معنى الأصل فلا يختلف القياس فيه وأن يكون الشيء له في الأصول أشباه فذلك يلحق بأولاها به وأكثرها شبها فيه وقد 
 
[ 1 ] قال فأوجدني ما اعرف به أن العلم من وجهين أحدهما إحاطة بالحق في الظاهر والباطن والآخر إحاطة بحق في الظاهر دون الباطل مما أعرف 
 
[ 1 ] فقلت له أرأيت إذا كنا في المسجد الحرام نرى الكعبة أكلفنا أن نستقبلها بإحاطة 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وفرضت علينا الصلوات والزكاة والحج وغير ذلك أكلفنا الإحاطة في أن نأتي بما علينا بإحاطة 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وحين فرض علينا أن نجلد الزاني مائة ونجلد القاذف ثمانين ونقتل من كفر بعد إسلامه ونقطع من سرق أكلفنا أن نفعل هذا بمن ثبت عليه بإحاطة نعلم أنا قد أخذنا منه 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وسواء ما كلفنا في أنفسنا وغيرنا إذا كنا ندري من أنفسنا بأنا نعلم منها ما لا يعلم غيرنا ومن غيرنا ما لا يدركه علمنا كإدراكنا العلم في أنفسنا 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وكلفنا في أنفسنا أين ما كنا أن نتوجه إلى البيت بالقبلة 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت افتجدنا على احاطة من أنا قد أصبنا البيت بتوهجنا 
 
[ 1 ] قال اما كما وجدتكم حين كنتم ترون فلا واما أنتم فقد أديتم ما كلفتم 
 
[ 1 ] قلت والذي كلفنا في طلب العين المغيب غير الذي كلفنا في طلب العين الشاهد 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وكذلك كلفنا ان نقبل عدل الرجل على ما ظهر لنا من إسلامه 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وقد يكون غير عدل في الباطن 
 
[ 1 ] قال قد يمكن هذا فيه ولكن لم تكلفوا فيه الا الظاهر 
 
[ 1 ] قلت وحلال لنا أن نناكحه ونوارثه ونجيز شهادته ومحرم علينا دمه بالظاهر وحرم على غيرنا ان علم منه أنه كافر غلا قتله ومنعه المناكحه والموارثة وما أعطينا 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وجد الفرض علينا في رجل واحد مختلفا على مبلغ علمنا وعلم غيرنا 
 
[ 1 ] قال نعم وكلكم مؤدي ما عليه على قدر علمه 
 
[ 1 ] قلت هكذا قلنا لك فيما ليس فيه نص حكم لازم وانما نطلب باجتهاد القياس وإنما كلفنا فيه الحق عندنا 
 
[ 1 ] قال فتجدك تحكم بأمر واحد من وجوه مختلفة 
 
[ 1 ] قلت نعم إذا اختلفت أسبابه 
 
[ 1 ] قال فاذكر منه شيئا 
 
[ 1 ] قلت قد يقر الرجل عندي على نفسه بالحق لله أو لبعض الآدميين فآخذه بإقراره ولا يقر فآخذ بينة تقوم عليه ولا تقوم عليه بينة فيدعى عليه فآمره بأن يحلف ويبرأ فيمتنع فآمر خصمه بأن يحلف ونأخذه بما حلف عليه خصمه إذا أبى اليمين التي تبرئه ونحن نعلم أن إقراره على نفسه بشحه على ماله وأنه يخالف ظلمه بالشح عليه أصدق عليه من شهادة غيره لأن غيره قد يغلط ويكذب عليه وشهادة العدول عليه أقرب من الصدق من امتناعه من اليمين وخصمه وهو غير عدل وأعطي منه بأسباب بعضها أقوى من بعض 
 
[ 1 ] قال هذا كله هكذا غير أنا إذا نكل عن اليمين أعطينا منه بالنكول قلت فقد أعطيت منه بأضعف مما أعطينا منه 
 
[ 1 ] قال اجل ولكني أخالفك في الأصل 
 
[ 1 ] قلت وأقوى ما أعطيت به منه إقراره وقد يمكن أن يقر بحق مسلم ناسيا أو غلطا فآخذه به 
 
[ 1 ] قال أجل ولكنك لم تكلف إلا بهذا 
 
[ 1 ] قلنا فلست تراني كلفت الحق من وجهين أحدهما حق بإحاطة في الظاهر والباطن والآخر حق بالظاهر دون الباطن 
 
[ 1 ] قال بلى ولكن هل تجد في هذا قوة بكتاب أو سنة 
 
[ 1 ] قلت نعم ما وصفت لك مما كلفت في القبلة وفي نفسي وفي غيري 
 
[ 1 ] قال الله { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }  فآتهم من علمه ما شاء وكما شاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب }  
 
[ 1 ] وقال لنبيه { يسئلونك عن الساعة أيان مرساها فيما أنت من ذكرها إلى ربك منتهاها }  
 
[ 1 ] سفيان عن الزهري عن عروة قال { لم يزل رسول الله يسئل عن الساعة حتى أنزل الله عليه { فيم أنت من ذكراها }  فانتهى 
 
[ 1 ] وقال الله { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله }  
 
[ 1 ] وقال الله تبارك وتعالى إن الله عنده علم الساعة وينزل ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير }  
 
[ 1 ] فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به وينتهوا اليه لا يجاوزونه لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئا إنما هو عطاء الله فنسئل الله عطاءا مؤديا لحقه موجبا لمزيده 
 

باب الأجتهاد


[ 1 ] قال أفتجد تجويز ما قلت من الأجتهاد مع ما وصفت فتذكره 
 
[ 1 ] قلت نعم استدلالا بقوله { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجهكم شطره }  
 
[ 1 ] قال فما شطره 
 
[ 1 ] قلت تلقاءه قال الشاعر 
إن العسيب بها داء مخامرها 
فشطرها بصر العينين مسجور  
 
[ 1 ] فالعلم يحيط أن من توجه تلقاء المسجد الحرام ممن نأت داره عنه على صواب بالاجتهاد للتوجه الى البيت بالدلائل عليه لأن الذي كلف التوجه اليه وهو لا يدري أصاب بتوجه قصد المسجد الحرام أم أخطأه وقد يرى دلائل يعرفها فيتوجه بقدر ما يعرف { ويعرف غيره دلائل غيرها فيتوجه بقدر ما يعرف }  وغن اختلف توجههما 
 
[ 1 ] قال فإن أجزت لك هذا أجزت لك في بعض الحالات الاختلاف 
 
[ 1 ] قلت فقل فيما شئت 
 
[ 1 ] قال أقول لا يجوز هذا 
 
[ 1 ] قلت فهو أنا وأنت ونحن بالطريق عالمان قلت وهذه القبلة وزعمت خلافي على أينا يتبع صاحبه 
 
[ 1 ] قال ما علي واحد منكما أن يتبع صاحبه 
 
[ 1 ] قلت فما يجب عليهما 
 
[ 1 ] قال إن قلت لا يجب عليهما أن يصليا حتى يعلما بإحاطة فهما لا يعلمان أبدا المغيب بإحاطة وهما إذ يدعان الصلاة أو يرتفع عنهما فرض القبلة فيصليان حيث شاءا ولا أقول واحدا من هذين وما أجد بدا من أن أقول يصلي كل واحد منهما كما يرى ولم يكلفا غير هذا أو أقول كلف الصواب في الظاهر والباطن ووضع عنهما الخطأ في الباطن دون الظاهر 
 
[ 1 ] قلت فأيهما قلت فهو حجة عليك لأنك فرقت بين حكم الباطن والظاهر وذلك الذي أنكرت علينا وأنت تقول إذا اختلفتم قلت ولا بد أن يكون أحدهما مخطئ 
 
[ 1 ] قلت أجل 
 
[ 1 ] قلت فقد أجزت الصلاة وأنت تعلم أحدهما مخطئ وقد يمكن أن يكونا معنا مخطئين 
 
[ 1 ] وقلت له وهذا يلزمك في الشهادات وفي القياس 
 
[ 1 ] قال ما أجد من هذا بدا ولكن أقول هو خطأ موضوع 
 
[ 1 ] فقلت له قال الله { ولا تقتلو الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاءه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة }  
 
[ 1 ] فأمرهم بالمثل وجعل المثل الى عدلين يحكمان فيه فلما حرم مأكول الصيد عما كانت لدواب الصيد أمثال على الأبدان 
 
[ 1 ] فحكم من حكم من أصحاب رسول الله على ذلك فقضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة 
 
[ 1 ] والعلم يحيط أنهم أرادوا في هذا المثل بالبدن لا بالقيم ولو حكموا على القيم اختلف أحكامهم لاختلاف أثمان الصيد في البلدان وفي الأزمان وأحكامهم فيها واحدة 
 
[ 1 ] والعلم يحيط أن يربوع ليس مثل الجفرة وفي البدن ولكنها كانت أقرب الأشياء منه شبها فجعلت مثله وهذا من القياس يتقارب تقارب العنز والظبي ويبعد قليلا بعد الجفرة من اليربوع 
 
[ 1 ] ولما كان المثل في الأبدان في الدواب من الصيد دون الطائر لم يجز فيه الا ما قال عمر والله أعلم من أن ينظر الى المقتول من الصيد فيجزي بأقرب الأشياء به شبها منه في البدن فإذا مات منها شيئا رفع الى أقرب الأشياء به شبها كما فاتت الضبع العنز فرفعت الى الكبش وصغر اليربوع عن العناق فخفض الى الجفرة 
 
[ 1 ] وكان طائر الصيد لا مثل له في النعم لاختلاف خلقته وخلقته فجزي خيرا وقياسا على ما كان ممنوعا لإنسان فأتلفه انسان فعليه قيمته لمالكه 
 
[ 1 ] قال الشافعي الحكم فيه بالقيمة يجتمع في أنه يقوم يومه وبلده ويختلف في الأزمان والبلدان حتى يكون الطائر ببلد ثمن درهم وفي البلد الآخر ثمن بعض ردهم 
 
[ 1 ] وأمرنا بإجازة شهادة العدل وإذا شرط علينا أن نقبل العدل ففيه دلالة على أن نرد ما خالفه 
 
[ 1 ] وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه وإنما علامة صدقه بما يختبر من حاله في نفسه 
 
[ 1 ] فإذا كان الأغلب من أمره ظاهر الخير قبل وإن كان فيه تقصير عن بعض أمره لأنه لا يعرى أحد رأينا من الذنوب 
 
[ 1 ] وإذا خلط الذنوب والعمل الصالح فليس فيه إلا الاجتهاد على الأغلب من أمره بالتمييز بين حسنه وقبيحه وإذا كان هذا هكذا فلا بد من أن يختلف المجتهدون فيه 
 
[ 1 ] وإذا ظهر حسنه فقبلنا شهادته فجاء حاكم غيرنا فعلم منه ظهور السيىء كان عليه رده 
 
[ 1 ] وقد حكم الحاكمان في أمر واحد برد وقبول وهذا اختلاف ولكن كل قد فعل ما عليه 
 
[ 1 ] قال فتذكر حديثا في تجويز الاجتهاد 
 
[ 1 ] قلت نعم أخبرنا عبد العزيز عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله يقول  إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر  
 
[ 1 ] أخبرنا عبد العزيز عن بن الهاد قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة 
 
[ 1 ] فقال هذه رواية منفردة يردها علي وعليك غيري وغيرك ولغيري عليك فيها موضع مطالبة 
 
[ 1 ] قلت نحن وأنت ممن يثبتها 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت فالذين يردونها يعلمون ما وصفنا من تثبيتها وغيره 
 
[ 1 ] قلت فأين موضع المطالبة فيها 
 
[ 1 ] فقال قد سمى رسول الله فيما رويت من الاجتهاد  خطأ  و  صوابا  
 
[ 1 ] فقلت فذلك الحجة عليك 
 
[ 1 ] قال وكيف 
 
[ 1 ] قلت إذ ذكر النبي أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر ولا يكون الثواب فيما لا يسع ولا الثواب في الخطأ الموضوع 
 
[ 1 ] لأنه لو كان إذا قيل له اجتهد على الخطأ فاجتهد على الظاهر كما أمر كان مخطئا خطأ مرفوعا كما قلت كانت العقوبة في الخطأ فيما نرى والله أعلم أولى به وكان أكثر أمره أن يغفر له ولم يشبه أن يكون له ثواب على خطإ لا يسعه 
 
[ 1 ] وفي هذا دليل على ما قلنا أنه إنما كلف في الحكم الاجتهاد على الظاهر دون المغيب والله أعلم 
 
[ 1 ] قال إن هذا ليحتمل أن يكون كما قلت ولكن ما معنى صواب خطأ 
 
[ 1 ] قلت له مثل معنى استقبال الكعبة يصيبها من رآها بإحاطة ويتحراها من غابت عنه بعد أو قرب منها فيصيبها بعض ويخطئها بعض فنفس التوجه يحتمل صوابا وخطأ إذا قصدت بالإخبار عن الصواب والخطأ قصد أن يقول فلا أصاب قصد ما طلب فلم يخطئه وفلان أخطأ قصد ما طلب وقد جهد في طلبه 
 
[ 1 ] فقال هذا هكذا أفرايت الاجتهاد أيقال له صواب على غير هذا المعنى 
 
[ 1 ] قلت نعم على أنه إنما كلف فيما غاب عنه الاجتهاد فإذا فعل فقد أصاب بالإتيان بما كلف وهو صواب عنده على الظاهر ولا يعلم الباطن إلا الله 
 
[ 1 ] ونحن نعلم أن المختلفين في القبلة وإن اصابا بالاجتهاد إذا اختلفنا يريدان عينا لم يكونا مصيبين للعين أبدا ومصيبان في الاجتهاد وهكذا ما وصفنا في الشهود وغيرهم 
 
[ 1 ] قال أفتوجدني مثل هذا 
 
[ 1 ] قلت ما أحسب هذا يوضح باقوى من هذا 
 
[ 1 ] قال فاذكر غيره 
 
[ 1 ] قلت أحل الله لنا أن ننكح من النساء مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيماننا وحرم الامهات والبنات والأخوات 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت فلو أن رجلا اشترى جارية فاستبرأها أيحل له إصابتها 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت فأصابها فولدت له دهرا ثم علم انها أخته كيف القول فيه 
 
[ 1 ] قال كان ذلك حلالا حتى علم بها فلم يحل له أن يعود إليها 
 
[ 1 ] قلت فيقال لك في امرأة واحدة حلالا له حرام عليه بغير إحداث شيء أحدثه هو ولا أحدثته 
 
[ 1 ] قال أما في المغيب فلم تزل أخته أولا وآخرا وأما في الظاهر فكانت له حلالا ما لم يعلم وعليه حرام حين علم 
 
[ 1 ] وقال إن غيرنا ليقول لم يزل آثما بإصابتها ولكنه مأثم مرفوع عنه 
 
[ 1 ] فقلت الله اعلم وأيهما كان فقد فرقوا فيه بين حكم الظاهر والباطن وألغوا المأثم عن المجتهد على الظاهر وإن أخطأ عندهم ولم يلغوه عن العامد 
 
[ 1 ] قال أجل 
 
[ 1 ] وقلت له مثل هذا الرجل ينكح ذات محرم منه ولا يعلم وخامسة وقد بلغته وفاة رابعة كانت زوجة له واشباه لهذا 
 
[ 1 ] قال نعم أشباه هذا كثير 
 
[ 1 ] فقال إنه لبين عند من يثبت الرواية منكم أنه لا يكون الاجتهاد أبدا إلا على طلب عين قائمة مغيبة بدلالة وانه قد يسع الاختلاف من له الاجتهاد 
 
[ 1 ] فقال فكيف الاجتهاد 
 
[ 1 ] فقلت إن الله جل ثناؤه من على العباد بعقول فدلهم بها على الفرق بين المختلف وهداهم السبيل إلى الحق نصا ودلالة 
 
[ 1 ] قال فمثل من ذلك شيئا 
 
[ 1 ] قلت نصب لهم البيت الحرام وأمرهم بالتوجه إليه إذا رأوه وتأخيه إذا غابوا عنه وخلق لهم سماء وأرضا وشمسا وقمرا ونجوما وبحارا وجبالا ورياحا 
 
[ 1 ] فقال { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها وظلمات البر والبحر }  
 
[ 1 ] وقال { وعلامات وبالنجم هم يهتدون }  
 
[ 1 ] فأخبر أنهم يهتدون بالنجم والعلامات 
 
[ 1 ] فكانوا يعرفون بمنه جهة البيت بمعونته لهم وتوفيقه إياهم بان قد رآه من رآه منهم في مكانه وأخبر من رآه منهم من لم يره وأبصر ما يهتدى به إليه مكن جبل يقصد قصده أو نجم يؤتم به وشمال وجنوب وشمس يعرف مطلعها ومغربها وأين تكون من المصلى بالعشي وبحور كذلك 
 
[ 1 ] وكان عليهم تكلف الدلالات بما خلق لهم من العقول التي ركبها فيهم ليقصدوا قصد التوجه للعين التي فرض عليهم استقبالها 
 
[ 1 ] فغذا طلبوها مجتهدين بعقولهم وعلمهم بالدلائل بعد استعانة الله والرغبة إليه في توفيقه فقد أدوا ما عليهم 
 
[ 1 ] وأبان لهم ان فرضه عليهم التوجه شطر المجد الحرام والتوجه شطره لاصابة البيت بكل حال 
 
[ 1 ] ولم يكن لهم إذا كان لا تمكنهم الا إحاطة في الصواب إمكان من عاين البيت ان يقولوا نتوجه حيث رأينا بلا دلالة 
 

باب الاستحسان


[ 1 ] قال هذا كما قلت والاجتهاد لا يكون إلا على مطلوب والمطلوب لا يكون أبدا إلا على عين قائمة تطلب بدلالة يقصد بها إليها أو تشبيه على عين قائمة وهذا يبين أن حراما على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر والخبر من الكتاب والسنة عين يتأخى معناها المجتهد ليصيبه كما البيت يتأخاه من غاب عنه ليصيبه أو قصده بالقياس وأن ليس لأحد أن يقول إلا من جهة الاجتهاد والاجتهاد ما وصفت من طلب الحق فهل تجيز أنت أن يقول الرجل أستحسن بغر قياس 
 
[ 1 ] فقلت لا يجوز هذا عندي والله أعلم لأحد وإنما كان لأهل العلم ان يقولوا دون غيرهم لأن يقولوا في الخبر باتباعه فيما ليس فيه الخبر بالقياس على الخر 
 
[ 1 ] ولو جاز تعطيل القياس جاز لأهل العقول من غير أهل العلم ان يقولوا فيما ليس فيه خبر بما يحضرهم من الاستحسان 
 
[ 1 ] وإن القول بغير خبر ولا قياس لغير جائز بما ذكرت من كتاب الله وسنة رسوله ولا في القياس 
 
[ 1 ] فقال أما الكتاب والسنة فيدلان على ذلك لأنه إذا أمر النبي بالاجتهاد فالاجتهاد أبدا لا يكون إلا على طلب شيء وطلب الشيء لا يكون إلا بدلائل والدلائل هي القياس قال فأين القياس مع الدلائل على ما وصفت 
 
[ 1 ] قلت ألا ترى أن أهل العلم غذا أصاب رجل لرجل عبدا لم يقولوا لرجل اقم عبدا ولا أمة إلا وهو خابر بالسوق ليقيم معنيين بما يخبركم ثمن مثله في يومه ولا يكون ذلك إلا بأن يعتبر عليه بغيره فيقيسه عليه ولا يقال لصاحب سلعة أقم إلا وهو خابر 
 
[ 1 ] ولا يجوز أن يقال لفقيه عدل غير عالم بقيم الرقيق أقم هذا العبد ولا هذه الأمة ولا إجازة هذا العامل لأنه غذا أقامه على غير مثال بدلالة على قيمته كان متعسفا 
 
[ 1 ] فإذا كان هذا هكذا فيما تقل قيمته من المال وييسر الخطأ فيه على المقام له والمقام عليه كان حلال الله وحرامه أولى أن لا يقال فيهما بالتعسف والاستحسان 
 
[ 1 ] وإنما الاستحسان تلذذ 
 
[ 1 ] ولا يقول فيه إلا عالم بالأخبار عاقل للتشبيه عليها 
 
[ 1 ] وإذا كان هذا هكذا كان على العالم أن لا يقول إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر اللازم بالقياس بالدلائل على الصواب حتى يكون صاحب العلم ابدا متبعا خبرا وطالب الخبر بالقياس كما يكون متبع البيت بالعيان وطالب قصده بالاستدلال بالأعلام مجتهدا 
 
[ 1 ] ولو قال بلا خبر لازم و قياس كان أقرب من الإثم من الذي قال وهو غير عالم وكان القول لغير أهل العلم جائزا 
 
[ 1 ] ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإجماع والآثار وما وصفت من القياس عليها 
 
[ 1 ] ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها وهي العلم بأحكام كتاب الله وفرضه وادبه وناسخه ومنسوخه وعامة وخاصة وإرشاده 
 
[ 1 ] ويستدل على ما احتمل التاويل منه بسنن رسول الله فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين فإن لم يكون إجماع فبالقياس 
 
[ 1 ] ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب 
 
[ 1 ] ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل وحتى يفرق بين المشتبه ولا يعجل بالقول به دون التثبيت 
 
[ 1 ] ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة ويزداد به تثبيتا فيما اعتقده من الصواب 
 
[ 1 ] وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده والانصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول وترك ما يترك 
 
[ 1 ] ولا يكون بما قال أعنى منه بما خالفه حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما ترك إن شاء الله 
 
[ 1 ] فأما من تم عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يحل له أن يقول بقياس وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه 
 
[ 1 ] ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أن يقول أيضا بقياس لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني 
 
[ 1 ] وكذلك لو كان حافظا مقصرا العقل أو مقصرا عن علم لسان العرب لم يكن له أن يقيس من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس 
 
[ 1 ] ولا نقول يسع هذا والله أعلم أن يقول أبدا إلا اتباعا ولا قياسا 
 
[ 1 ] فإن قال قائل فاذكر من الأخبار التي تقيس عليها وكيف تقيس 
 
[ 1 ] قيل له إن شاء الله كل حكم لله أو لرسوله وجدت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حكم فيها حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناها 
 
[ 1 ] والقياس وجوه يجمعها القياس ويتفرق بها ابتداء قياس كل واحد منهما أو مصدره أو هما وبعضهما أوضح من بعض 
 
[ 1 ] فأقوى القياس ان يحرم الله في كتابه أو يحرم رسول الله القليل من الشيء فيعلم أن قليله إذا حرم كان كثيره مثل قليله في التحريم أو أكثر بفضل الكثرة على القلة 
 
[ 1 ] وكذلك غذا حمد على يسير من الطاعة كان ما هو أكثر منها أولى ان يحمد عليه 
 
[ 1 ] وكذلك إذا أباح كثير شيء كان الأقل منه أولى أن يكون مباحا 
 
[ 1 ] فإن قال فاذكر من كل واحد من هذا شيئا 
 
[ 1 ] قلت قال رسول الله  إن الله حرم من المؤمن دمه وماله وأن يظن به إلا خيرا 
 
[ 1 ] فإذا حرم أن يظن به ظنا مخالفا للخير يظهره كان ما هو أكثر من الظن المظهر ظنا من التصريح له بقول غير الحق أولى ان يحرم ثم كيف ما زيد في ذلك كان أحرم 
 
[ 1 ] قال الله { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }  
 
[ 1 ] فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحمد وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم 
 
[ 1 ] وأباح لنا دماء أهل الكفر المقاتلين غير المعاهدين وأموالهم ولم يحظر علينا منها شيئا أذكره فكان ما نلنا من أبدانهم دون الدماء ومن أموالهم دون كلها أولى أن يكون مباحا 
 
[ 1 ] وقد يمتنع بعض أهل العلم من أن يسمى هذا  قياسا  هذا معنى ما أحل الله وحرم وحمد وذم لأنه داخل في جملته فهو بعينه ولا قياس على غيره 
 
[ 1 ] ويقول مثل هذا القول في غير هذا مما كان في معنى الحلال فأحل والحرام فحرم 
 
[ 1 ] ويمتنع أن يسمى  القياس  إلا ما كان يحتمل أن يشبه بما احتمل أن يكون فيه شبها من معنيين مختلفين فصرفه على أن يقيسه على أحدهما دون الآخر 
 
[ 1 ] ويقول غيرهم من أهل العلم ما عدا النص من الكتاب أو السنة فكان في معناه فهو قياس والله اعلم 
 
[ 1 ] فإن قال قائل فاذكر من وجوه القياس ما يدل على اختلافه في البيان والاسباب والحجة فيه سوى هذا الأول الذي تدرك العمة علمه 
 
[ 1 ] قيل له إن شاء الله قال الله { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف }  
 
[ 1 ] وقال { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف }  
 
[ 1 ] فأمر رسول الله هند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها وهم ولده بالمعروف بغير أمره 
 
[ 1 ] قال فدل كتاب الله وسنة نبيه أن على الوالد رضاع ولده ونفقتهم صغارا 
 
[ 1 ] فكان الولد من الوالد فجبر على صلاحه في الحال التي لا يغني الولد فيها نفسه فقلت إذا بلغ الأب إلا يغني نفسه بكسب ولا مال فعلى ولده صلاحه في نفقته وكسوته قياسا على الولد 
 
[ 1 ] وذلك ان الولد من الوالد فلا يضيع شيئا هو منه كما لم يكن للولد أن يضيع شيئا من ولده غذ كان اولد منه وكذلك الوالدون وإن بعدوا والولد وإن سفلوا في هذا المعنى والله أعلم فقلت ينفق على كل محتاج منهم غير محترف وله النفقة على الغني المحترف 
 
[ 1 ] وقضى رسول الله في عبد دلس للمبتاع فيه بعيب فظهر عليه بعد ما استغله أن للمبتاع رده بالعيب وله حبس الغلة بضمانه العبد 
 
[ 1 ] فاستدللنا غذا كانت الغلة لم يقع عليها صفقة البيع فيكون لها حصة من الثمن وكانت في ملك المشتري في الوقت الذي لو مات فيه العبد مات من مال المشتري انه إنما جعلها له لأنها حادثة في ملكه وضمانه فقلنا كذلك في ثمر النخل ولبن الماشية وصوفها وأولادها وولد الجارية وكل ما حدث في ملك المشتري وضمانه وكذلك وطء الأمة الثيب وخدمتها 
 
[ 1 ] قال فتفرق علينا بعض أصحابنا وغيرهم في هذا 
 
[ 1 ] فقال بعض الناس الخراج والخدمة والمتاع غير الوطء من المملوك والمملوكة لمالكها الذي اشتراها وله ردها بالعيب وقال لا يكون له أن يرد الأمة بعد أن يطأها وإن كانت ثيبا ولا يكون له ثمر النخل ولا لبن الماشية ولا صوفها ولا ولد الجارية لأن كل هذا من الماشية والجارية والنخل والخراج ليس بشيء من العبد 
 
[ 1 ] فقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت قولك الخراج ليس من العبد والثمر من الشجر والولد من الجارية أليسا يجتمعان في أن كل واحد منهما كان كان حادثا في ملك المشتري لم تقع عليه صفقة البيع 
 
[ 1 ] قال بلى ولكن يتفرقان في أن ما وصل إلى السيد منهما مفترق وتمر النخل منها وولد الجارية والماشية منها وكسب الغلام ليس منه إنما هو شيء تحرف فيه فاكتسبه 
 
[ 1 ] فقلت له ارايت إن عارضك معارض بمثل حجتك فقال قضى النبي أن الخراج بالضمان والخراج لا يكون إلا بما وصفت من التحرف وذلك يشغله عن خدمة مولاه فياخذ له بالخراج العوض من الخدمة ومن نفقته على مملوكه فغن وهبت له هبة فالهبة لا تشغله عن شيء لم تكن لمالكه الآخر وردت إلى الأول 
 
[ 1 ] قال لا بل تكون للآخر الذي وهبت له وهو في ملكه 
 
[ 1 ] قلت هذا ليس بخراج هذا من وجه غير الخراج 
 
[ 1 ] قال وإن فليس من العبد 
 
[ 1 ] قلت ولكنه يفارق معنى الخراج لأنه من غير وجه الخراج 
 
[ 1 ] قال وإن كان من غير وجه الخراج فهو حادث في ملك المشتري 
 
[ 1 ] قلت وكذلك الثمرة والنتاج حادث في ملك المشتري والثمرة إذا باينت النخلة فليست من النخلة قد تباع الثمرة ولا تتبعها النخلة والنخلة ولا تتبعها الثمرة وكذلك نتاج الماشية والخراج أولى ان يرد مع العبد لنه قد يتكلف فيه ما تبعه من ثمر النخلة ولو جاز أن يرد واحد منهما 
 
[ 1 ] وقال بعض أصحابنا بقولنا في الخراج ووطء الثيب وثمر النخل وخالفنا في ولد الجارية 
 
[ 1 ] وسواء ذلك كله لأنه حادث في ملك المشتري لا يستقم فيه إلا هذا أو لا يكون لمالك العبد المشتري شيء إلا الخراج والخدمة ولا يكون له ما وهب للعبد ولا ما التقط ولا غير ذلك من شيء أفاد من كنز ولا غيره إلا الخراج والخدمة ولا ثمر النخل ولا لبن الماشية ولا غير ذلك لأن هذا ليس بخراج 
 
[ 1 ] ونهى رسول الله عن الذهب بالذهب والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير إلا مثلا بمثل يدا بيد 
 
[ 1 ] فلما خرج رسول الله في هذه الأصناف المأكولة التي شح الناس عليها حتى باعوها كيلا بمعنيين أحدهما أن يباع منها شيء بمثله حدهما نقد والآخر دين والثاني أن يزاد في واحد منهما شيء على مثله يدا بيد وكان ما كان في معناها محرما قياسا عليها 
 
[ 1 ] وذلك كل ما أكل مما بيع موزونا لأني وجدتها مجتمعة المعاني في أنها مأكولة ومشروبة والمشروب في معنى المأكول لأنه كله للناس إما قوت وإما غذاء وإما هما ووجدت الناس شحوا عليها حتى باعوها وزنا والوزن أقرب من الإحاطة من الكيل وفي معنى الكيل وذلك مثل العسل والسمن والزيت والسكر وغيره مما يؤكل ويشرب ويباع موزونا 
 
[ 1 ] فإن قال قائل أفيحتمل ما بيع موزونا أن يقاس على الوزن من الذهب والورق فيكون الوزن بالوزن أولى بأن يقاس من الوزن بالكيل 
 
[ 1 ] قيل إن شاء الله له إن الذي منعنا مما وصفت من قياس الوزن بالوزن أن صحيح القياس إذا قست الشيء بالشيىء أن تحكم له بحكمه فلو قست العسل والسمن بالدنانير والدراهم وكنت إنما حرمت الفضل في بعضها على بعض إذا كانت جنسا واحدا قياسا على الدنانير والدراهم أكان يجوز أن يشتري بالدنانير والدراهم نقدا عسلا وسمنا إلى أجل 
 
[ 1 ] فإن قال يجيزه بما أجازه به المسلمون 
 
[ 1 ] قيل إن شاء الله فإجازة المسلمين له دلتني على أنه غير قياس عليه لو كان قياسا عليه كان حكمه حكمه فلم يحل أن يباع إلا يدا بيد كما لا تحل الدنانير بالدراهم إلا يدا بيد 
 
[ 1 ] فإن قال أفتجدك حين قسته على الكيل حكمت له حكمه 
 
[ 1 ] قلت نعم لا أفرق بينه في شيء بحال 
 
[ 1 ] قال أفلا يجوز أن تشتري مد حنطة نقدا بثلاثة أرطال زيت إلى أجل 
 
[ 1 ] قلت لا يجوز أن يشتري ولا شيء من المأكول والمشروب بشيء من غير صنفه إلى أجل 
 
[ 1 ] حكم المأكول المكيل حكم المأكول الموزون 
 
[ 1 ] قال فما تقول في الدنانير والدراهم 
 
[ 1 ] قلت محرمات في أنفسها لا يقاس شيء من المأكول عليها لأنه ليس في معناها والمأكول المكيل محرم في نفسه ويقاس به في معناه من المكيل والموزون عليه لأنه في معناه 
 
[ 1 ] فإن قال فافرق بين الدنانير والدراهم 
 
[ 1 ] قلت لم أعلم مخالفا من أهل العلم في إجازة أن يشتري بالدنانير والدراهم الطعام المكيل والموزون إلى أجل وذلك لا يحل في الدنانير والدراهم وإني لم أعلم منهم مخالفا في أني لو علمت معدنا فأديت الحق فيما خرج منه ثم أقامت فضته أو ذهبه عندي دهري كان علي في كل سنة أداء زكاتها ولو حصدت طعام أرضي فأخرجت عشرة أقام عندي دهره لم يكن علي فيه زكاة وفي أني لو استهلكت لرجل شيئا قوم على دنانير أو دراهم لأنها الأثمان في كل مال لمسلم إلا الديات 
 
[ 1 ] فإن قال هكذا 
 
[ 1 ] قلت فالأشياء تتفرق بأقل مما وصفت لك 
 
[ 1 ] ووجدنا عاما في أهل العلم أن رسول الله قضى في جناية الحر المسلم خطأ بمائة من الإبل على عاقله الجاني وعاما فيهم أنها في مضي ثلاث سنين في كل سنة ثلثها وبأسنان معلومة 
 
[ 1 ] فدل على معاني من القياس سأذكر منها إن شاء الله بعض ما يحضرني 
 
[ 1 ] إن وجدنا عاما في أهل العلم أن ما جنى الحر المسلم من جناية عمد أو فساد مال لأحد على نفس أو غيره ففي ماله دون عاقلته وما كان من جناية في نفس خطأ فعلى عاقلته 
 
[ 1 ] ثم وجدناهم مجمعين على أن تعقل العاقلة ما بلغ ثلث الدية من جناية في الجراح فصاعدا 
 
[ 1 ] ثم افترقوا فيما دون الثلث فقال بعض أصحابنا تعقل العاقلة الموضحة وهي نصف العشر فصاعدا ولا تعقل ما دونها 
 
[ 1 ] فقلت لبعض من قال تعقل نصف العشر ولا تعقل ما دونه هل يستقيم القياس على السنة إلا بأحد وجهين 
 
[ 1 ] قال وما هما 
 
[ 1 ] قلت أن تقول لما وجدت النبي قضى بالدية على العاقلة قلت به اتباعا فما كان دون الدية ففي مال الجاني ولا تقيس على الدية غيرها لأن الأصل الجاني أولى أن يغرم جنايته من غيره كما يغرمها في غير الخطأ في الجراح وقد أوجب الله على القاتل خطأ دية ورقبة فزعمت أن الرقبة في ماله لأنها من جنايته وأخرجت الدية من هذا المعنى اتباعا وكذلك اتبع في الدية وأصرف بما دونها إلى أن يكون في ماله لأنه أولى أن يغرم ما جنى من غيره وكما أقول في المسح عل الخفين رخصة بالخبر عن رسول الله ولا أقيس عليه غيره 
 
[ 1 ] أو يكون القياس من وجه ثاني 
 
[ 1 ] قال وما هو 
 
[ 1 ] قلت إذا أخرج رسول الله الجناية خطأ على النفس مما جنى الجاني على غير النفس وما جنى على نفس عمدا فجعل على عاقلته يضمنونها وهي الأكثر جعلت على عاقلته يضمنون الأقل من جناية الخطأ لأن الأقل أولى أن يضمنوه عنه من الأكثر أو في مثل معناه 
 
[ 1 ] قال هذا أولى المعنيين أن يقاس عليه ولا يشبه هذا المسح على الخفين 
 
[ 1 ] فقلت له هذا كما قلت إن شاء الله وأهل العلم مجمعون على أن تغرم العاقلة الثلث وأكثر وإجماعهم دليل على أنهم قد قاسوا بعض ما هو من الدية بالدية 
 
[ 1 ] قال أجل 
 
[ 1 ] فقلت له فقد قال صاحبنا أحسن ما سمعت أن تغرم العاقلة ثلث الدية فصاعدا وحكى أنه الأمر عندهم أفرايت إن احتج له محتج بحجتين 
 
[ 1 ] قال وما هما 
 
[ 1 ] قلت انا وأنت مجمعان على أن تغرم العاقلة الثلث فأكثر ومختلفان فيما هو أقل منه وإنما قامت الحجة بإجماعي وإجماعك على الثلث ولا خبر عندك في أقل منه ما تقول له 
 
[ 1 ] قال أقول إن إجماعي إنما هو قياس على أن العاقلة إذا غرمت الأكثر ضمنت ما هو أقل منه فمن حد لك الثلث أرأيت إن قال لك غيرك بل تغرم تسعة اعشار ولا تغرم ما دونه 
 
[ 1 ] قلت فإن قال لك فالثلث يفدح من غرمه قلت معه أو عنه لأنه فادح ولا يغرم ما دونه بين فادح 
 
[ 1 ] قال أفرايت من لا مال له إلا درهمين أما يفدحه أن يغرم الثلث والدرهم فيبقى لا مال له أرأيت من له دنيا عظيمة هل يفدحه الثلث 
 
[ 1 ] فقلت له أفرايت لو قال لك هو لا يقول لك  الأمر عندنا  والأمر مجتمع عليه بالمدينة 
 
[ 1 ] قال والأمر المجتمع عليه بالمدينة أقوى من الأخبار المنفردة قال فكيف تكلف أن حكى لنا الأقوى اللأزم من الأمر المجتمع عليه 
 
[ 1 ] قلنا فإن قال لك قائل لقلة الخبر وكثرة الإجماع عن أن يحكى وأنت قد تصنع مثل هذا فتقول هذا أمر مجتمع عليه 
 
[ 1 ] قال لست أقول لأحد من أهل العلم  هذا مجتمع عليه  إلا لما تلقى عالما أبدا إلا قاله لك وحكاه عن من قبله كالظهر أربع وكتحريم الخمر وما أشبه هذا وقد أجده يقول  المجمع عليه  وأجد من المدينة من أهل العلم كثيرا يقولون بخلافه وأجد عامة أهل البلدان على خلاف ما يقول  المجتمع عليه  
 
[ 1 ] قال فقلت له فقد يلزمك في قولك  لا تعقل ما دون الموضحة  مثل ما لزمه في الثلث 
 
[ 1 ] فقال لي إن فيه علة بان رسول الله لم يقض فيما دون الموضحة بشيء 
 
[ 1 ] فقلت له أفرايت إن عارضك معارض فقال لا اقضي فيما دون الموضحة بشيء لأن رسول الله لم يقضي فيه بشيء 
 
[ 1 ] قال ليس ذلك له وهو إذا لم يقض فيما دونها بشيء فلم يهدر ما دونها من الجراح 
 
[ 1 ] قال وكذلك يقول لك هو إذا لم يقل لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة فلم يحرم أن تعقل العاقلة ما دونها ولو قضى في الموضحة ولم يقضي فيما دونها على العاقلة ما منع ذلك العاقلة أن تغرم ما دونها إذا غرمت الأكثر غرمت الأقل كما قلنا نحن وأنت احتججت على صاحبنا ولو جاز هذا لك جاز عليك 
 
[ 1 ] ولو قضى النبي بنصف العشر على العاقلة أن يقول قائل تغرم نصف العشر والدية ولا تغرم ما بينهما ويكون ذلك في مال الجاني ولكن هذا غير جائز لأحد والقول فيه أن جميع ما كان خطأ فعلى العاقلة وإن كان درهما 
 
[ 1 ] وقلت له قد قال بعض أصحابنا إذا جنى الحر على العبد جناية فأتى على نفسه أو ما دونها خطأ فهي في ماله دون عاقلته ولا تعقل العاقلة فقلنا هي جناية حر وإذا قضى رسول الله أن عاقلة الحر تحمل جنايته في حر إذا كانت غرما لا حقا بجناية خطإ وكذلك جنايته في العبد إذا كانت غرما من خطإ والله أعلم وقلت بقولنا فيه وقلت من قال لا تعقل العاقلة عبدا احتمل قوله لا تعقل جناية عبد لأنها في عنقه دون مال سيده غيره فقلت بقولنا ورأيت ما احتججت به من هذا حجة صحيحة داخلة في معنى السنة 
 
[ 1 ] قال أجل 
 
[ 1 ] قال وقلت له وقال صاحبك وغيره من أصحابنا جراح العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته ففي عينه نصف ثمنه وفي موضحته نصف عشر ثمنه وخالفتنا فيه فقلت في جراح العبد ما نقص من ثمنه 
 
[ 1 ] قال فأنا أبدأ فأسألك عن حجتك في قول جراح العبد في ديته أخبرا قلته أم قياسا 
 
[ 1 ] قلت أما الخبر فيه فعن سعيد بن المسيب 
 
[ 1 ] قال فاذكره 
 
[ 1 ] قلت أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه فسمعته منه كثيرا هكذا وربما قال كجراح الحر في ديته قال بن شهاب فإن ناسا يقولون يقوم سلعة 
 
[ 1 ] فقال إنما سألتك خبرا تقوم به حجتك 
 
[ 1 ] فقلت قد أخبرتك أني لا أعرف فيه خبرا عن أحد أعلى من سعيد بن المسيب 
 
[ 1 ] قال فليس في قوله حجة 
 
[ 1 ] قال وما ادعيت ذلك فترده علي 
 
[ 1 ] قال فاذكر الحجة فيه 
 
[ 1 ] قلت قياسا على الجناية على الحر 
 
[ 1 ] قلا قد يفارق الحر في أن دية الحر مؤقتة وديته ثمنه فيكون بالسلع من الإبل والدواب وغير ذلك أشبه لأن في كل واحد منهما ثمنه 
 
[ 1 ] فقلت فهذا حجة لمن قال لا تعقل العاقلة ثمن العبد عليك 
 
[ 1 ] قال ومن أين 
 
[ 1 ] قال يقول لك لم قلت تعقل العاقلة ثمن العبد إذا جنى عليه الحر قيمته وهو عندك بمنزلة الثمن ولو جنى على بعير جناية ضمنها في ماله 
 
[ 1 ] قال فهو نفس محرمة 
 
[ 1 ] قلت والبعير نفس محرمة على قاتله 
 
[ 1 ] قال ليست كحرمة المؤمن 
 
[ 1 ] قلت ويقول لك ولا العبد كحرمة الحر في كل أمره 
 
[ 1 ] فقلت فهو عندك مجامع الحر في المعنى أفتعقله العاقلة 
 
[ 1 ] قال ونعم 
 
[ 1 ] قلت وحكم الله في المؤمن يقتل خطأ بدية وتحرير رقبة 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وزعمت أن في العبد تحرير رقبة كهي في الحر وثمن وأن الثمن كالدية 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وزعمت أنك تقتل الحر بالعبد 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وزعمنا أنا نقتل العبد بالعبد 
 
[ 1 ] قال وأنا أقوله 
 
[ 1 ] قلت فقد جامع الحر في هذه المعاني عندنا وعندك في أن بينه وبين المملوك قصاصا في كل جرح وجامع البعير في معنى أن ديته ثمنه فكيف اخترت في جراحته أن تجعلها كجراحة بعير فتجعل فيه ما نقصه ولم تجعل جراحته في ثمنه كجراح الحر في ديته وهو يجامع الحر في خمسة معاني ويفارقه في معنى واحد أليس أن تقيسه على ما يجامعه في خمسة معاني أولى بك من أن تقيسه على جامعه على معنى واحد مع أنه يجامع الحر في أكثر من هذا أن ما حرم على الحر حرم عليه وأن عليه الحدود والصلاة والصوم وغيرها من الفرائض ولي من البهائم بسبيل 
 
[ 1 ] قال رأيت ديته ثمنه 
 
[ 1 ] قلت وقد رأيت دية المرأة نصف دية الرجل فما منع ذلك جراحها أن تكون في ديتها كما كانت جراح الرجل في ديته 
 
[ 1 ] وقلت له إذا كانت الدية في ثلاث سنين إبلا أفليس قد زعمت أن الإبل لا تكون بصفة دينا فكيف أنكرت أن تشتري الإبل بصفة إلى أجل ولم تقسه على الدية ولا على الكتابة ولا على المهر وأنت تجيز في هذا كله أن تكون الإبل بصفة دينا فخالفت فيه القياس وخالفت الحديث نصا عن النبي أنه استسلف بعيرا ثم أمر بقضائه بعد 
 
[ 1 ] قال كرهه بن مسعود 
 
[ 1 ] فقلنا وفي أحد مع النبي حجة 
 
[ 1 ] قال لا إن ثبت عن النبي 
 
[ 1 ] قلت هو ثابت باستسلافه بعيرا وقضاه خيرا منه وثابت في الديات عندنا وعندك هذا في معنى السنة 
 
[ 1 ] قال فما الخبر الذي يقاس عليه 
 
[ 1 ] قلت أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع  أن النبي استسلف من رجل بعيرا فجاءته إبل فأمرني أن أقضيه إياه فقلت لا أجد في الإبل إلا جملا خيارا فقال أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء  
 
[ 1 ] قال فما الخبر الذي لا يقاس عليه 
 
[ 1 ] قلت ما كان لله في حكم منصوص ثم كانت لرسول الله سنة بتخفيف في بعض الفرض دون بعض عمل بالرخصة فيما رخص فيه رسول الله دون ما سواها ولم يقس ما سواها عليها وهكذا ما كان لرسول الله من حكم عام بشيء ثم سن سنة تفارق حكم العام 
 
[ 1 ] قال وفي مثل ماذا 
 
[ 1 ] قلت فرض الله الوضوء على من قام إلى الصلاة من نومه فقال { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين }  
 
[ 1 ] فقصد الرجلين بالفرض كما قصد قصد ما سواهما في أعضاء الوضوء 
 
[ 1 ] فلما مسح رسول الله على الخفين لم يكن لنا والله أعلم أن نمسح على عمامة ولا برفع ولا قفازين قياسا عليهما وأثبتنا الفرض في أعضاء الوضوء كلها وارخصنا بمسح النبي في المسح على الخفين دون سواهما 
 
[ 1 ] قال فتعد هذا خلافا للقرآن 
 
[ 1 ] قلت لا تخالف سنة لرسول الله كتاب الله بحال 
 
[ 1 ] قال فما معنى هذا عندك 
 
[ 1 ] قلت معناه أن يكون قصد بفرض إمساس القدمين من لا خفي عليه لبسهما كامل الطهارة 
 
[ 1 ] قال أو يجوز هذا في اللسان 
 
[ 1 ] قلت نعم كما جاز أن يقوم إلى الصلاة من هو على وضوء فلا يكون المراد بالوضوء استدلالا بأن رسول الله صلى صلاتين وصلوات بوضوء واحد 
 
[ 1 ] وقال الله { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم }  
 
[ 1 ] فدلت السنة على أن الله لم يرد بالقطع كل السارقين 
 
[ 1 ] فكذلك دلت سنة رسول الله بالمسح أنه قصد بالفرض في غسل القدمين من لا خفي عليه لبسهما كامل الطهارة 
 
[ 1 ] قال فما مثل هذا في السنة 
 
[ 1 ] قلت نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر إلا مثلا بمثل  سئل عن الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا يبس فقيل نعم فنهى عنه   نهى عن المزابنة  وهي كل ما عرف كيله كله مجتمع المعاني  ورخص أن تباع العرايا بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا  
 
[ 1 ] فرخصنا في العرايا بإرخاصه وهي بيع الرطب بالتمر وداخلة في المزابنة بإرخاصه فأثبتنا التحريم محرما عاما في كل شيء من صنف واحد مأكول بعضه جزاف بعضه بكيل للمزابنة وأحللنا العرايا خاصة بإحلاله من الجملة التي حرم ولم نبطل أحد الخبرين بالآخر ولم نجعله قياسا عليه 
 
[ 1 ] قال فما وجه هذا 
 
[ 1 ] قلت يحتمل وجهين أولهما به عندي والله أعلم أن يكون ما نهى عنه جملة أراد به ما سوى العرايا ويحتمل أن يكون أرخص فيها بعد وجوبها في جملة النهي وايهما كان فعلينا طاعته بإحلال ما أحل وتحريم ما حرم 
 
[ 1 ] وقضى رسول الله بالدية في الحر المسلم يتل خطأ مائة من الإبل وقضى بها على العاقلة 
 
[ 1 ] وكان العمد يخالف الخطأ في القود والمأثم ويوافقه في أنه قد تكون فيه دية 
 
[ 1 ] فلما كان قضاء رسول الله في كل امرئ فيما لزمه إنما هو في ماله دون مال غيره إلا في الحر يقتل خطأ قضينا على العاقلة في الحر يقتل خطأ ما قضى به رسول الله وجعلنا الحر يقتل عمدا إذا كانت فيه دية في مال الجاني كما كان كل ما جنى في ماله غير الخطأ ولم نقس ما لزمه من غرم بغير جراح خطإ على ما لزمه بقتل الخطأ 
 
[ 1 ] فإن قال قائل ما الذي يغرم الرجل من جنايته وما لزمه غير الخطأ 
 
[ 1 ] قلت قال الله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة }  
 
[ 1 ] وقال { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة }  
 
[ 1 ] وقال { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي }  
 
[ 1 ] وقال { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا }  
 
[ 1 ] وقال { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام }  
 
[ 1 ] وقال { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام }  
 
[ 1 ] وقضى رسول الله على  أن على أهلها الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها  
 
[ 1 ] فدل الكتاب والسنة وما لمن يختلف المسلمون فيه أن هذا كله في مال الرجل بحق وجب عليه لله أو أوجبه الله عليه للآدميين بوجوه لزمته وأنه لا يكلف أحد غرمه عنه 
 
[ 1 ] ولا يجوز أن يجني رجل ويغرم غير الجاني إلا في الموضع الذي سنه رسول الله فيه خاصة من قتل الخطأ وجنايته على الآدميين خطأ 
 
[ 1 ] والقياس فيما جنى على بهيمة أو متاع أو غيره على ما وصفت أن ذلك في ماله لأن الأكثر المعروف أن ما جنى في ماله فلا يقاس على الأقل ويترك الأكثر المعقول ويخص الرجل الحر يقتل الحر الخطأ فتعقله العاقلة وما كان من جناية خطأ على نفس وجرح خبرا وقياسا 
 
[ 1 ] وقضى رسول الله في الجنين بغرة عبد أو أمة وقوم أهل العلم الغرة خمسا من الإبل 
 
[ 1 ] قال فلما لم يحكا أن رسول الله سأل عن الجنين أذكر هو أم أنثى إذ قضى فيه سوى بين الذكر والأنثى إذا سقط ميتا ولو سقط حيا فمات جعلوا في الرجل مائة من الإبل وفي المرأة خمسين 
 
[ 1 ] فلم يجز ان يقاس على الجنين سيء من قبل أن الجنايات على من عرفت جنايته موقتات معروفات مفروق فيها بين الذكر والأنثى وأن لا يختلف الناس في أن لو سقط الجنين حيا ثم مات كانت فيه دية كاملة إذا كان ذكرا فمائة من الإبل وإن كانت أنثى فخمسون من الإبل وأن المسلمين فيما علمت لا يختلفون أن رجلا لو قطع الموتى لم يكن في واحد منهم دية ولا أرش والجنين لا يعدو أن يكون حيا أو ميتا 
 
[ 1 ] فلما حكم فيه رسول الله بحكم فارق حكم النفوس الأحياء وكان مغيب الأمر كان الحكم بما حكم به على الناس اتباعا لأمر رسول الله 
 
[ 1 ] قال فهل تعرف له وجها 
 
[ 1 ] قلت وجها واحدا والله أعلم 
 
[ 1 ] قال وما هو 
 
[ 1 ] قلت يقال إذا لم تعرف له حياة وكان لا يصلي عليه ولا يرث فالحكم فيه أنها جناية على أمه وقت فيها رسول الله شيئا قومه المسلمون كما وقت في الموضحة 
 
[ 1 ] قال فهذا وجه 
 
[ 1 ] قلت وجه لا يبين الحديث أنه حكم به له فلا يصح أن يقال إنه حكم به له ومن قال إنه حكم به لهذا المعنى قال هو للمرأة دون الرجل هو للأم دون أبيه لأنه عليها جني ولا حكم للجنين يكون به موروثا ولا يورث من لا يرث 
 
[ 1 ] قال فهذا قول صحيح 
 
[ 1 ] قلت الله أعلم 
 
[ 1 ] قال فإن لم يكن هذا وجه فما يقال لهذا الحكم 
 
[ 1 ] قلنا يقال له سنة تعبد العباد بأن يحكموا بها 
 
[ 1 ] وما يقال لغيره مما يدل الخبر على المعنى الذي له حكم به 
 
[ 1 ] قيل حكم سنة تعبدوا بها لأمر عرفوه بمعنى الذي تعبدوا له في السنة فقاسوا عليه ما كان في مثل معناه 
 
[ 1 ] قال فاذكر منه وجها غير هذا إن حضرك تجمع فيه ما يقاس عليه ولا يقاس 
 
[ 1 ] فقلت له قضى رسول الله في المصراة من الإبل والغنم إذا حلبها مشتريها  إن أحب أمسكها وإن أحب ردها وصاعا من تمر  وقضى  أن الخراج بالضمان  
 
[ 1 ] فكان معقولا في  الخراج بالضمان  أني إذا ابتعت عبدا فأخذت له خراجا ثم ظهرت منه على عيب يكون لي رده فما أخذت من الخراج والعبد في ملكي ففيه خصلتان أحداهما ك أنه لم يكن في ملك البائع ولم يكن له حصة من الثمن والأخرى أنها في ملكي وفي الوقت الذي خرج فيه العبد من ضمان بائعه إلى ضماني فكان العبد لو مات مات من مالي وفي ملكي ولو شئت حبسته بعيبه فكذلك الخراج 
 
[ 1 ] فقلنا بالقياس على حديث الخراج بالضمان فقلنا كل ما خرج من ثمر حائط اشتريته أو ولد ماشية أو جارية اشتريتها فهو مثل الخراج لأنه حدث في ملك مشتريه لا في ملك بائعه 
 
[ 1 ] وقلنا في المصراة اتباعا لأمر رسول الله ولم نقس عليه وذلك أن الصفقة وقعت على شاة بعينها فيها لبن محبوس مغيب المعنى والقيمة ونحن نحيط أن لبن الإبل والغنم يختلف وألبان كل واحد منهما يختلف فلما قضى فيه رسول الله بشيء مؤقت وهو صاع من تمر قلنا به اتباعا لأمر رسول الله 
 
[ 1 ] قال فلو اشترى رجل شاة مصراة فحلبها ثم رضيها بعد العلم بعيب التصرية فأمسكها شهرا حلبها ثم ظهر منها على عيب دلسه له البائع غير التصرية كان له ردها وكان له اللبن بغير شيء بمنزلة الخراج لأنه لم يقع عليه صفقة البيع وإنما هو حادث في ملك المشتري وكان عليه أن يرد فيما أخذ من لبن التصرية صاعا من تمر كما قضى به رسول الله 
 
[ 1 ] فنكون قد قلنا في لبن التصرية خبرا وفي اللبن بعد التصرية قياسا على  الخراج بالضمان  
 
[ 1 ] ولبن التصرية مفارق للبن الحادث بعده لأنه وقعت عليه صفقة البيع واللبن بعده حادث في ملك المشتري لم تقع عليه صفقة البيع 
 
[ 1 ] فإن قال قائل ويكون أمر واحد يؤخذ من وجهين 
 
[ 1 ] قيل له نعم إذا جمع أمرين مختلفين أو أمورا مختلفة 
 
[ 1 ] فإن قال فمثل من ذلك شيئا غير هذا 
 
[ 1 ] قلت المرأة تبلغها وفاة زوجها فتعتد ثم تتزوج ويدخل بها الزوج لها الصداق وعليها العدة والولد لاحق ولا حد على واحد منهما ويفرق بينهما ولا يتوارثان وتكون الفرقة فسخا بلا طلاق 
 
[ 1 ] يحكم له إذا كان ظاهره حلالا حكم الجلال في ثبوت الصداق والعدة ولحوق الولد ودرء الحد وحكم عليه إذ كان حراما في الباطن حكم الحرام في أن لا يقرا عليه ولا تحل له إصابتها بذلك النكاح إذا علما به ولا يتوارثان ولا يكون الفسخ طلاقا لأنها ليست بزوجة 
 
[ 1 ] ولهذا أشباه مثل المرأة تنكح في عدتها 
 

باب الاختلاف

[ 1 ] قال فإني أجد أهل العم قديما وحديثا مختلفين في بعض أمورهم فهل يسعهم ذلك 
 
[ 1 ] قال فقلت له الاختلاف من وجهين أحدهما محرم ولا أقول ذلك في الآخر 
 
[ 1 ] قال فما الاختلاف المحرم 
 
[ 1 ] قلت كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه 
 
[ 1 ] وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسا فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس وإن خالفه فيه غيره لم أقل أنه يضيق الخلاق في المنصوص 
 
[ 1 ] قال فهل في هذا حجة تبين فرقك بين الاختلافين 
 
[ 1 ] قلت قال الله في ذم التفرق { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة }  
 
[ 1 ] وقال جل ثناؤه { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات }  
 
[ 1 ] فذم الاختلاف فيما جاءتهم به البينات 
 
[ 1 ] فأما ما كلفوا فيه الاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها 
 
[ 1 ] قال فمثل لي بعض ما افترق عليه من روى قوله من السلف مما لله فيه نص حكم يحتمل التأويل فهل يوجد على الصواب فيه دلالة 
 
[ 1 ] قلت قل ما اختلفوا فيه إلا وجدنا فيه عندنا دلالة من كتاب الله أو سنة رسوله أو قياسا عليهما أو على واحد منهما 
 
[ 1 ] قال فاذكر منه شيئا 
 
[ 1 ] فقلت له قال الله { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }  
 
[ 1 ] فقالت عائشة  الأقراء الأطهار  وقال بمثل معنى قولها زيد بن ثابت وابن عمر وغيرهما 
 
[ 1 ] وقال نفر من أصحاب النبي  الأقراء الحيض  فلا يحلوا المطلقة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة 
 
[ 1 ] قال فإلى أي شيء ترى ذهب هؤلى وهؤلى 
 
[ 1 ] قلت يتجمع الأقراء أنها أوقات والأوقات في هذا علامات تمر على المطلقات تحبس بها عن النكاح حتى تستكملها 
 
[ 1 ] وذهب من قال  الأقراء الحيض فيما نرى والله أعلم إلى أن قال إن المواقيت أقل الأسماء لأنها أوقات والأوقات أقل مما بينها كما حدود الشيء أقل مما بينها والحيض أقل من الطهر فهو في اللغة أولى للعدة أن يكون وقتا كما يكون الهلال وقتا فاصلا بين الشهرين 
 
[ 1 ] ولعله ذهب إلى ان النبي أمر في سبي أوطاس أن يستبرين قبل أن يوطين بحيضة فذهب إلى أن العدة استبراء حيض وانه فرق بين استبراء الأمة والحرة وأن الحرة تستبرأ بثلاث حيض كوامل تخرج منها إلى الطهر كما تستبرأ الأمة بحيضة كاملة تخرج منها إلى الطهر 
 
[ 1 ] فقال هذا مذهب فكيف اخترت غيره والآية محتملة للمعنيين عندك 
 
[ 1 ] قال فقلت له إن الوقت برؤية الأهلة إنما هو علامة جعلها الله للشهور والهلال غير الليل والنهار وإنما هو جماع لثلاثين وتسع وعشرين كما يكون الهلال الثلاثون والعشرون جماعا يستأنف بعده العدد وليس له معنى هنا وأن القرء وإن كان وقتا فهو من عدد الليل والنهار والحيض والطهر في الليل والنهار من العدة وكذلك شبه الوقت بالحدود وقد تكون داخلة فيما حدث به وخارجة منه غير بائن منها فهو وقت معني 
 
[ 1 ] قال وما المعني 
 
[ 1 ] قلت الحيض هو أن يرخى الرحم الدم حتى يظهر والطهر أن يقري الرحم الدم فلا يظهر ويكون الطهر والقري لحبس لا الإرسال فالطهر إذ كان يكون وقتا أولى في اللسان بمعنى القرء لأنه حبس الدم 
 
[ 1 ] وأمر رسول الله عمر حين طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا أن يأمره برجعتها وحبسها حتى تطهر ثم يطلقها طاهرا من غير جماع وقال رسول الله فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء 
 
[ 1 ] يعني قول الله والله أعلم  إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }  فأخبر رسول الله أن العدة الطهر دون الحيض 
 
[ 1 ] وقال الله { ثلاثة قروء }  وكان على المطلقة أن تأتي بثلاثة قروء فكان الثالث لو أبطأ عن وقته زمانا لم تحل حين يكون أو تويس من المحيض أو يخاف ذلك عليها فتعتد بالشهور لم يكن للغسل معنى لأن الغسل رابع غير ثلاثة ويلزم من قال  الغسل عليها  أن يقول لو أقامت سنة وأكثر لا تغتسل لم تحل 
 
[ 1 ] فكان قول من قال  الأقراء الأطهار  أشبه بمعنى كتاب الله واللسان واضح على هذه المعاني والله اعلم 
 
[ 1 ] فأما أمر النبي ان يستبرا السبي بحيضة فبالظاهر لأن الطهر إذا كان متقدما للحيضة ثم حاضت الأمة حيضة كاملة صحيحة برئت من الحبل في الطهر وقد ترى الدم فلا يكون صحيحا إنما يصح حيضة بأن تكمل الحيضة فباي شيء من الطهر كان قبل حيضة كاملة فهو براءة من الحبل في الظاهر 
 
[ 1 ] والمعتدة تعتد بمعنيين استبراء ومعنى غير استبراء مع استبراء فقد جاءت بحيضتين وطهرين وطهر ثالث فلو أريد بها الاستبراء كانت قد جاءت بالاستبراء مرتين ولكنه أريد بها مع الاستبراء التعبد 
 
[ 1 ] قال أفتوجدوني في غير هذا ما اختلفوا فيه مثل هذا 
 
[ 1 ] قلت نعم وربما وجدناه أوضح وقد بينا بعض هذا فيما اختلفت الرواية فيه من السنة وفيه دلالة لك على ما سألت عنه وما كان في معناه إن شاء الله 
 
[ 1 ] وقال الله { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }  
 
[ 1 ] وقال { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }  
 
[ 1 ] وقال { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }  
 
[ 1 ] فقال بعض أصحاب رسول الله ذكر الله المطلقات أن عدة الحوامل أن يضعن حملهن وذكر في المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا فعلى الحامل المتوفى عنها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا وان تضع حملها حتى تأتي بالعدتين معا إذا لم يكن وضع الحمل انقضاء العدة نصا إلا في الطلاق 
 
[ 1 ] كأنه يذهب إلى أن وضع الحمل براءة وأن الأربعة الأشهر وعشرا تعبد وأن المتوفى عنها تكون غير مدخول بها فتاتي بأربعة اشهر وانه وجب عليها شيء من وجهين فلا تسقط أحدهما كما لو وجب عليها حقان لرجلين لم يسقط أحدهما حق الآخر وكما إذا نكحت في عدتها وأصيبت اعتدت من الأول واعتدت من الآخر 
 
[ 1 ] قال وقال غيره من أصحاب رسول الله إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت ولو كان زوجها على السرير 
 
[ 1 ] قال الشافعي فكانت الآية محتملة المعنيين معا وكان أشبههما بالمعقول الظاهر أن يكون الحمل انقضاء العدة 
 
[ 1 ] قال فدلت سنة رسول الله على أن وضع الحمل آخر العدة في الموت مثل معناه الطلاق 
 
[ 1 ] أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه  أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك فقال قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشرا فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله فقال كذب أبو السنابل أو ليس كما قال أبو السنابل قد حللت فتزوجي  
 
[ 1 ] فقال اما ما دلت عليه السنة فلا حجة في أحد خالف قوله السنة ولكن أذكر من خلافهم ما ليس فيه نص سنة مما دل عليه القرآن نصا واستنباطا أو دل عليه القياس 
 
[ 1 ] فقلت له قال الله { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة اشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم }  
 
[ 1 ] فقال الأكثر ممن روي عنه من أصحاب النبي عندنا إذا مضت أربعة أشهر وقف المولى فإنا أن يفىء وإما أن يطلق 
 
[ 1 ] وروي عن غيرهم من أصحاب النبي عزيمة الطلاق انقضاء أربعة اشهر 
 
[ 1 ] ولم يحفظ عن رسول الله في هذا بأبي هو وأمي شيئا 
 
[ 1 ] قال فأي القولين ذهب 
 
[ 1 ] قلت ذهبت إلى أن المولى لا يلزمه طلاق وأن امرأته إذا طلبت حقها منه لم أعرض له حتى تمضي أربعة اشهر فإذا مضت أربعة اشهر قلت له في أول طلق والفيئة الجماع 
 
[ 1 ] قال فكيف اخترته على القول الذي يخالفه 
 
[ 1 ] قلت رأيته اشبه بمعنى كتاب الله وبالمعقول 
 
[ 1 ] قال وما دل عليه من كتاب الله 
 
[ 1 ] قلت لما قال الله { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة اشهر }  كان الظاهر في الآية أن من أنظره الله أربعة اشهر في شيء لم يكن له عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر 
 
[ 1 ] قال فقد يحتمل أن يكون الله عز وجل جعل له أربعة أشهر يفىء فيها كما تقول قد أجلتك في بناء هذه الدار أربعة اشهر تفرغ فيها منها 
 
[ 1 ] قال فقلت له هذا لا يتوهمه من خوطب به حتى يشترط في سياق الكلام ولو قال قد أجلتك فيها أربعة أشهر كان إنما أجله أربعةاشهر لا يجد عليه سبيلا حتى تنقضي ولم يفرغ منها فلا ينسب إليه ان لم يفرغ من الدار وأنه أخلف في الفراغ منها ما بقي من الأربعة اشهر شيء فإذا لم يبقى منها شيء لزمه اسم الخلف وقد يكون في بناء الدار دلالة على أن يقارب الأربعة وقد بقى منها ما يحيط العلم أنه لا يبنيه فيما بقى من الأربعة 
 
[ 1 ] وليس في الفئة دلالة على ان لا يفئ الأربعة الا مضيها لان الجماع يكون في طرفة عين فلو كان على ما وصفت تزايل حاله حتى تمضي أربعة أشهر ثم تزايل حالة الأولى فإذا زايلها صار الى ان الله عليه حقا فإما أن يفئ واما ان يطلق 
 
[ 1 ] فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على معناها غير ما ذهبت إليه كان قوله أولاهما بها لما وصفنا لأنه ظاهرها 
 
[ 1 ] والقرآن على ظاهره حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر 
 
[ 1 ] قال فما في سياق الآية ما يدل على ما وصفت 
 
[ 1 ] قلت لما ذكر الله عز وجل أن للمولى أربعة أشهر ثم قال { فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم }  فذكر الحكمين معا بلا فصل بينهما أنهما إنما يقعان بعد الأربعة أشهر لأنه إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد فلا يتقدم واحد منهما صاحبه وقد ذكر في وقت واحد كما يقال له في الرهن أفده أو نبيعه عليك بلا فصل وفي كل ما خير فيه افعل كذا أو كذا بلا فصل 
 
[ 1 ] ولا يجوز أن يكونا ذكرا بلا فصل فيقال الفيئة فيما بين أن يولي أربعة أشهر وعزيمة الطلاق انقضاء ويضيق في الآخر 
 
[ 1 ] قال فأنت تقول إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي فيئة 
 
[ 1 ] قلت نعم كما أقول إن قضيت حقا عليك إلى أجل قبل محله فقد برئت منه وأنت محسن متسرع بتقديمه قبل يحل عليك 
 
[ 1 ] فقلت له أرأيت من الإثم كان مزمعا على الفيئة في كل يوم إلا أنه لم يجامع حتى تنقضي أربعة أشهر 
 
[ 1 ] قال فلا يكون الإجماع على الفيئة شيء حتى يفىء والفيئة الجماع إذا كان قادرا عليه 
 
[ 1 ] قلت ولو جامع لا ينوي فيئة خرج من طلاق الإيلى لأن المعنى في الجماع 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت وكذلك لو كان عازما على ان لا يفىء يحلف في كل يوم ألا يفىء ثم جامع قبل مضي الأربعة الأشهر بطرفة عين خرج من طلاق الإيلى وإن كان جماعه لغير الفيئة خرج به من طلاق الإيلى 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت ولا يصنع عزمه على ألا يفىء ولا يمنعه جماعه بلذة لغير الفيئة إذا جاء بالجماع من أن يخرج به من طلاق الإيلى عندنا وعندك 
 
[ 1 ] قال هذا كما قلت وخروجه بالجماع على أي معنى كان الجماع 
 
[ 1 ] قلت فكيف يكون عازما على أن لا يفىء في كل يوم فإذا مضت أربعة أشهر لزمه الطلاق وهو لم يعزم عليه ولم يتكلم به أترى هذا قولا يصح في العقول لأحد 
 
[ 1 ] قال فما يفسده من قبل العقول 
 
[ 1 ] قلت أرأيت إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك أبدا أهو كقوله أنت طالق إلى أربعة أشهر 
 
[ 1 ] قال إن قلت نعم 
 
[ 1 ] قلت فإن جامع قبل الأربعة 
 
[ 1 ] قال فلا ليس مثل قوله أنت طالق إلى أربعة أشهر 
 
[ 1 ] قال فتكلم المولى بالإيلى ليس هو طلاق إنما هي يمين ثم جاءت عليها مدة جعلتها طلاقا أيجوز لأحد يعقل من حيث يقول أن يقول مثل هذا إلا بخبر لازم 
 
[ 1 ] قال فهو يدخل عليك مثل هذا 
 
[ 1 ] قلت وأين 
 
[ 1 ] قال أنت تقول إذا مضت أربعة أشهر وقف فإن فاء وإلا جبر على أن يطلق 
 
[ 1 ] قلت ليس من قبل أن الإيلى طلاق ولكنها يمين جعل الله لها وقتا منع بها الزوج من الضرار وحكم عليه إذا كانت أن جعل عليه إما أن يفىء وإما أن يطلق وهذا حكم حادث بمضي أربعة الأشهر غير الإيلى ولكنه مؤتنف يجبر صاحبه على أن يأتي بأيهما شاء فيئة أو طلاق فإن امتنع منهما أخذ منه الذي يقدر على اخذه منه وذلك أن يطلق عليه لأنه لا يحل أن يجامع عنه 
 
[ 1 ] واختلفوا في المواريث فقال زيد بن ثابت ومن ذهب مذهبه يعطى كل وارث ما سمي له فإن فضل فضل ولا عصبة للميت ولا ولاء كان ما بقي لجماعة المسلمين 
 
[ 1 ] وعن غيره منهم أنه كان يرد فضل المواريث على ذوي الأرحام فلو أن رجلا ترك أخته ورثته النصف ورد عليها النصف 
 
[ 1 ] فقال بعض الناس لم لم ترد فضل المواريث 
 
[ 1 ] قلت استدلالا بكتاب الله 
 
[ 1 ] قال وأين يدل كتاب الله على ما قلت 
 
[ 1 ] قلت قال الله { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد }  
 
[ 1 ] وقال { وإن كانوا أخوة رجلا ونساءا فللذكر مثل حظ الانثيين }  
 
[ 1 ] فذكر الأخت منفردة فانتهى بها جل ثناؤه إلى النصف والأخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الأخوة والأخوات فجعل للأخت نصف ما للأخ 
 
[ 1 ] وكان حكمه جل ثناؤه في الأخت منفردة ومع الأخ سواء بأنها لا تساوي الأخ وأنها تأخذ النصف مما يكون له من الميراث 
 
[ 1 ] فلو قلت في رجل مات وترك أخته لها النصف وأردد عليها النصف كنت قد أعطيتها الكل منفردة وإنما جعل الله لها النصف في الانفراد والاجتماع 
 
[ 1 ] فقال فإني لست أعطيها النصف الباقي ميراثا إنما أعطيها إياه ردا 
 
[ 1 ] قلت وما معنى  ردا  أشيىء استحسنه وكان إليك أن تضعه حيث شئت أن تعطيه جيرانه أو بعيد النسب منه أيكون ذلك لك 
 
[ 1 ] قال ليس ذلك للحاكم ولكن جعلته ردا عليها بالرحم 
 
[ 1 ] ميراثا 
 
[ 1 ] قال فإن قلته 
 
[ 1 ] قلت إذان تكون ورثتها غير ما ورثها الله 
 
[ 1 ] قال فأقول لك ذلك لقول الله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }  
 
[ 1 ] فقلت له { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض }  نزلت بأن الناس توارثوا بالحلف ثم توارثوا بالإسلام والهجرة فكان المهاجر يرث المهاجر ولا يرثه من ورثته من لم يكن مهاجرا وهو أقرب إليه ممن ورثه فنزلت { وأولوا الأرحام }  الآية على ما فرض لهم 
 
[ 1 ] قال فاذكر الدليل على ذلك 
 
[ 1 ] قلت { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }  على ما فرض لهم ألا ترى أن من ذوي الأرحام من يرث ومنهم من لا يرث وأن الزوج يكون أكثر ميراثا من أكثر ذوي الأرحام ميراثا وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن وكان ذوو الأرحام يرثون معا ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له 
 
[ 1 ] ولو كانت الآية كما وصفت كنت قد خالفتها فيما ذكرنا في أن يترك أخته ومواليه فتعطى أخته النصف ومواليه النصف وليسوا بذوي أرحام ولا مفروض لهم في كتاب الله فرض منصوص 
 
[ 1 ] واختلفوا في الجد فقال زيد بن ثابت وروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود يورث معه الأخوة 
 
[ 1 ] وقال أبو بكر الصديق وابن عباس وروي عن عائشة وابن الزبير وعبد الله بن عتبة أنهم جعلوا أبا وأسقطوا الإخوة منه 
 
[ 1 ] فقال فكيف صرتم إلى أن ثبتم ميراث الإخوة مع الجد أبدلالة من كتاب الله أو سنة 
 
[ 1 ] قلت أما شيء مبين في كتاب الله أو سنة فلا أعلمه 
 
[ 1 ] قال فالأخبار متكافئة والدلائل بالقياس مع من جعله أبا وحجب به الأخوة 
 
[ 1 ] قلت وأين الدلائل 
 
[ 1 ] قال وجدت اسم الأبوة تلزمه ووجدتكم مجتمعين على ان تحجبوا به بني الأم ووجدتكم لا تنقصونه من السدس وذلك كله حكم الأب 
 
[ 1 ] فقلت له ليس باسم الأبوة فقط نورثه 
 
[ 1 ] قال وكيف ذلك 
 
[ 1 ] قلت أجد اسم الأبوة يلزمه ولا يرث 
 
[ 1 ] قال وأين 
 
[ 1 ] قلت قد يكون دون أب واسم الأبوة تلزمه وتلزم آدم وإذا كان دون الجد أب لم يرث ويكون مملوكا وكافرا وقاتلا لا يرث واسم الأبوة في هذا كله لازم له فلو كان باسم الأبوة يرث ورث في هذه الحالات 
 
[ 1 ] وأما حجبنا به بني آدم فإنما حجبنا به خبرا لا باسم الأبوة وذلك أنا نحجب بني الأم ببنت بن بن متسفلة 
 
[ 1 ] واما أنا لم ننقصه من السدس فلسنا ننقص الجدة من السدس 
 
[ 1 ] وإنما فعلنا هذا كله اتباعا لا أن حكم الجد إذ وافق حكم الأب في معنى كان مثله في كل معنى ولو كان حكم الجد غذا وافق حكم الأب في بعض المعاني كان مثله في كل المعاني كانت بنت الابن المتسفلة موافقة له فإنا نحجب بها بني الام وحكم الجدة موافق له لا ننقصها من السدس 
 
[ 1 ] قال فما حجتكم في ترك قولنا نحجب بالجد الإخوة 
 
[ 1 ] قلت بعد قولكم من القياس 
 
[ 1 ] قال فما كنا نراه إلا بالقياس نفسه 
 
[ 1 ] قلت أرأيت الجد والأخ أيدل واحد منهما بقرابة نفسه أو بقرابة غيره 
 
[ 1 ] قال وما تعني 
 
[ 1 ] قلت أليس إنما يقول الجد أنا أبو أبي الميت ويقول الأخ أنا بن أبي الميت 
 
[ 1 ] قال بلى 
 
[ 1 ] قلت وكلاهما يدلي بقرابة الأب بقدر موقعه منها 
 
[ 1 ] قال نعم 
 
[ 1 ] قلت فاجعل الأب الميت وترك ابنه وأباه كيف ميراثهما منه 
 
[ 1 ] قال لابنه خمسة أسداس ولأبيه السدس 
 
[ 1 ] قلت فإذا كان الابن أولى بكثرة الميراث من الأب وكان الأخ من الأب الذي يدلي الأخ بقرابته والجد أبو الأب من الأب الذي يدلي بقرابته كما وصفت كيف حجبت الأخ بالجد ولو كان أحدهما يكون محجوبا بالآخر انبغى أن يحجب الجد بالأخ لأنه اولاهما بكثرة ميراث الذي يدليان معا بقرابته أو تجعل للأخ خمسة أسداس وللجد سدس 
 
[ 1 ] قال فما منعك من هذا القول 
 
[ 1 ] قلت كل المختلفين مجتمعين على أن الجد مع الأخ مثله أو أكثر حظا منه فلم يكن لي هندي خلافهم ولا الذهاب إلى القياس مخرج من جميع أقاويلهم 
 
[ 1 ] وذهبت إلى اثبات الإخوة مع الجد أولى الأمرين لما وصفت من الدلائل التي أوجدنيها القياس 
 
[ 1 ] مع أن ما ذهبت إليه قول الأكثر من أهل الفقه بالبلدان قديما وحديثا 
 
[ 1 ] مع أن ميراث الإخوة ثابت في المتاب ولا ميراث للجد في الكتاب وميراث الإخوة أثبت في السنة من ميراث الجد 
 

أقاويل الصحابة

[ 1 ] فقال قد سمعت قولك في الإجماع والقياس بعد قولك في حكم كتاب الله وسنة رسوله أرأيت أقاويل أصحاب رسول الله إذا تفرقوا فيها 
 
[ 1 ] فقلت نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة أو الإجماع أو كان أصح في القياس 
 
[ 1 ] قال افرايت إذا قال الواحد منهم القول لا يحفظ عن غيره منهم فيه له موافقة ولا خلافا أتجد لك حجة باتباعه في كتاب أو سنة أو أمر أحمع الناس عليه فيكون من الأسباب التي قلت بها خبرا 
 
[ 1 ] قلت له ما وجدنا في هذا كتابا ولا سنة ثابتة ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحدهم مرة ويتركونه أخرى ويتفرقوا في بعض ما أخذوا به منهم 
 
[ 1 ] قال فإلى أي شيء صرت من هذا 
 
[ 1 ] قلت إلى اتباع قول واحد غذا لم أجد كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا شيئا في معناه يحكم له بحكمه أو وجد معه قياس 
 
[ 1 ] وقل ما يوجد من قول الواحد منهم لا يخالفه غيره من هذا 
 

منزلة الإجماع والقياس

[ 1 ] قال فقد حكمت بالكتاب والسنة فكيف حكمت بالإجماع ثم حكمت بالقياس فأقمتها مع كتاب أو سنة 
 
[ 1 ] فقلت إني وإن حكمت بها كما احكم بالكتاب والسنة فأصل ما أحكم به منها مفترق 
 
[ 1 ] قال أفيجوز ان تكون أصول مفرقة الأسباب يحكم فيها حكما واحدا 
 
[ 1 ] قلت نعم يحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها الذي لا اختلاف فيها فنقول لهذا حكمنا بالحق في الظاهر والباطن 
 
[ 1 ] ويحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها فنقول حكمنا بالحق في الظاهر لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث 
 
[ 1 ] ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا ولكنها منزلة ضرورة لأنه لا يحل القياس والخبر موجود كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الإعواز من الماء ولا يكون طهارة إذا وجد الماء إنما يكون طهارة في الإعواز 
 
[ 1 ] وكذلك يكون ما بعد السنة حجة إذا أعوز من السنة 
 
[ 1 ] وقد وصفت الحجة في القياس وغيره قبل هذا 
 
[ 1 ] قال أفتجد شيئا شبهه 
 
[ 1 ] قلت نعم أقضي على الرجل بعلمي أن ما ادعى عليه كما ادعي أو إقراره فإن لم أعلم ولم يقر قضيت عليه بشاهدين وقد يغلطان ويهمان وعلمي وإقراره أقوى عليه من شاهدين وأقضي عليه بشاهد ويمين وهو أضعف من شاهدين ثم أقضي عليه بنكوله عن اليمين ويمين صاحبه وهو أضعف من شاهد ويمين لأنه قد ينكل خوف الشهرة واستصغار ما يحلف عليه ويكون الحالف لنفسه غير ثقة وحريصا فاجرا محمد