الرسالة - الجزء الأول
الرسالة للشافعي
اسم المؤلف : محمد بن إدريس
الكنية : أبو عبد الله
اللقب والنسب : الشافعي
ت. الميلاد : 150 ت. الوفاة : 204
[ 1 ] الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنورثم الذين كفروا بربهم يعدلون [ 2 ] والحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نهمه الا بنعمة منه توجب مؤدي ماض نعمه بادائها نعمة حادثة يجب عليه شكره بها [ 3 ] ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذي هو كما وصف نفسه وفوق ما يصفه به خلقه [ 4 ] أحمده حمدا كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله [ 5 ] وأستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة الا به [ 6 ] وأستهديه بهداه الذي لايضل من أنعم به عليه [ 7 ] وأستغفره لما أزلفت وأخرت استغفار من يقر بعبوديته ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه الا هو [ 8 ] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله [ 9 ] بعثه والله صنفان [ 1 ] أحدهما أهل الكتاب بدلوا من أحكامه وكفروا بالله فافتعلوا كذبا صاغوه بألسنتهم فخلطوا بحق الله الذي أنزل إليهم [ 1 ] فذكر تبارك وتعالى لنبيه من كفرهم فقال { وإن منهم فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } [ 1 ] ثم قال { فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مم كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } [ 1 ] وقال تبارك وتعالى { وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يأفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا به إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } [ 1 ] وقال تبارك وتعالى { الم تر الى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا } [ 1 ] وصنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن به الله ونصبوا بأيديهم حجارة وخشبا وصورا استحسنوا ونبزوا أسماء افتعلوا ودعوها آلهة عبدوها فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها ألقوه ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه فأولئك العرب [ 1 ] وسلكت طائفة العجم سبيلهم في هذا وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة ونجم ونار وغيره [ 1 ] فذكر الله لنبيه جوابا من جواب بعض من عبد غيره من هذا الصنف فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم { إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون } [ 1 ] وحكى تبارك وتعالى عنهم { لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا } [ 1 ] وقال تبارك وتعالى { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه ان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } [ 2 ] وقال { واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد اصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون } وقال في جماعتهم يذكرهم من نعمه ويخبرهم ضلالتهم عامة ومنه على من آمن منهم { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون }
[ 2 ] قال فكانوا قبل انقاذه إياهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أهل كفر في تفرقهم واجتماعهم يجمعهم أعظم الأمور الكفر بالله وابتداع ما لم يأذن به الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا لا إله غيره وسبحانه وبحمده رب كل شيء وخالقه [ 2 ] من حيي منهم فكما وصف حاله حيا عاملا قائلا بسخط ربه مزدادا من معصيته [ 2 ] ومن مات فكما وصف قوله وعمله صار الى عذابه [ 2 ] فلما بلغ الكتاب أجله فحق قضاء الله بإظهار دينه الذي اصطفى بعد استعلاء معصيته التي لم يرض فتح أبواب سماواته برحمته كما لم يزل يجري في سابق علمه عند نزول قضائه في القرون الخالية قضاؤه [ 2 ] فإن تبارك وتعالى يقول { كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } [ 2 ] فكان خيرته المصطفى لوحيه المنتخب لرسالته المفضل على جميع خلقه بفتح رحمته وختم نبوته وأعم ما أرسل به مرسل قبله المرفوع ذكره مع ذكره في الأولى والشافع المشفع في الأخرى أفض خلقه نفسا وأجمعهم لكل خلق رضيه في دين ودنيا وخيرهم نسبا ودارا محمدا عبده ورسوله [ 2 ] وعرفنا وخلقه نعمه الخاصة العامة النفع في الدين والدنيا [ 2 ] فقال { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [ 3 ] وقال { لتنذر أم القرى ومن حولها } وأم القرى مكة وفيها قومه [ 3 ] وقال { وأنذر عشيرتك الاقربين } [ 3 ] وقال { وإنه لذر لك ولقومك وسوف تسألون } [ 3 ] قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { وإنه لذكر لك ولقومك } قال يقال ممن الرجل فيقال من العرب فيقال من أي العرب فيقال من قريش [ 3 ] قال الشافعي وما قال مجاهد من هذا بين في الآية مستغنى فيه بالتنزيل عن التفسير [ 3 ] فخص جل ثناؤه قومه وعشيرته الأقربين في النذارة وعم الخلق بها بعدهم ورفع بالقرآن ذكر رسول الله ثم خص قومه بالنذارة إذ بعثه فقال { وأنذر عشيرتك والاقربين } [ 3 ] وزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن رسول الله قال يا بني عبد مناف إن الله بعثني أن أنذر عشيرتك الأقربين وأنتم عشيرتي الاقربون [ 3 ] قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { ورفعنا لك ذكرك } قال لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله [ 3 ] يعني والله أعلم ذكره عند الإيمان بالله والآذان ويحتمل ذكره عند تلاوة الكتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية [ 3 ] فصلى الله على نبينا كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وصلى عليه في الأولين والآخرين أفضل وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه وزكانا وإياكم بالصلاة عليه أفضل ما زكى أحد من أمته بصلاته عليه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته وجزاه الله عنا أفضل ما جزى مرسلا عن من أخرجت للناس دائنين بدينه الذي ارتضى واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت نلنا بها حظا في دين أو دفع بها عنا مكروه فيهما وفي واحد منهما إلا ومحمد صلى الله عليه سببها القائد إلى خيرها والهادي إلى رشدها الذائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف الرشد المنبه للأسباب التي تورد الهلكة القائم بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد [ 4 ] وأنزل عليه كتابه فقال { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } فنقلهم من الكفر والعمى إلى الضياء والهدى وبين فيه ما أحل منا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنهم في الآخرة والأولى وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل وإمساك عن محارم حماهموها وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته والنجاة من نقمته ما عظمت به نعته جل ثناؤه [ 4 ] وأعلمهم ما أوجب لأهل طاعته
[ 4 ] ووعظهم بالأخبار عمن كان قبلهم ممن كان أكثر منهم اموالا وأولادا وأطول أعمارا وأحمد آثارا فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آماله ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ليعتبوا في انف الأوان ويتفهموا بجلية التبيان ويتنبهوا قبل رين الغفلة ويعملوا قبل انقطاع المدة حين لا يعتب مذنب ولا تأخذ فدية و { تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } [ 4 ] فكل ما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة علمه من علمه وجهله من جهله لا يعلم من جهله ولا يجهل من علمه [ 4 ] والناس في العلم طبقات موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به [ 4 ] فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا والرغبة إلى الله في العون عليه فإنه لا يدرك خير إلا بعونه [ 4 ] فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت في قلبه الحكمة واستوجب في الدين موضع الإمامة [ 4 ] فنسأل الله المبتدىء لنا بنعمه قبل استحقاقها المديمها علينا مع تقصيرنا في الإتيان الى ما أوجب به من شكره بها الجاعلنا في خير امة أخرجت للناس أن يرزقنا فهما في كتابه ثم سنة نبيه وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ويوجب لنا نافلة مزيدة [ 4 ] قال الشافعي فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها [ 4 ] قال الله تبارك وتعالى { كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بأن ربهم ألى صراط العزيز الحميد } [ 5 ] وقال { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } [ 5 ] وقال { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } [ 5 ] وقال { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا كا كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي ألى صراط مستقيم }
باب كيف البيان
[ 5 ] قال الشافعي والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع [ 5 ] فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه متقاربة الاستواء عنده وان كان بعضها أشد تاكيد بيان من بعض ومختلفة عند من يجهل لسان العرب [ 5 ] قال الشافعي فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه 356 فمنها ما أبانه لخلقه نصا مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ونص الزنا والخمر وأكل الميتة والدم واحم الخنزير وبين لهم كيف فرض الوضوء مع غير ذلك مما بين نصا [ 5 ] ومنه ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي انزل من كتابه [ 5 ] ومنه ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله في نص حكم وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل [ 5 ] ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم [ 6 ] فإنه يقول تبارك وتعالى { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم } [ 6 ] وقال { وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم }
[ 6 ] وقال { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } [ 6 ] قال الشافعي فوجههم بالقبلة إلى المسجد الحرام وقال لنبيه { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [ 6 ] وقال { ومن خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة } [ 6 ] فدلهم جل ثناؤه إذا غابوا عن عين المسجد الحرام على صواب الاجتهاد مما فرض عليهم منه بالعقول التي ركب فيهم المميزة بين الأشياء وأضدادها والعلامات التي نصب لهم دون عين المسجد الحرام الذي أمرهم بالتوجه شطره [ 6 ] فقال { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } وقال { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } [ 6 ] فكانت العلامات جبالا وليلا ونهارا فيا أرواح معروفة الأسماء وإن كانت مختلفة المهاب وشمس وقمر ونجوم معروفة المطالع والمغارب والمواضع من الفلك [ 6 ] ففرض عليهم الاجتهاد بالتوجه شطر المسجد الحرام مما دلهم عليه مما وصفت فكانوا ما كانوا مجتهدين غير مزايلين امره جل ثناؤه ولم ولم يجعل لهم إذا غاب عنهم عين المسجد الحرام ان يصلوا حيث شاؤوا [ 6 ] وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } والسدي الذي لا يؤثر ولا ينهى وهذا يدل على انه ليس لأحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا وفي العدل وفي جزاء الصيد ولا يقول بما استحسن فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق [ 7 ] فامرهم أن يشهدوا ذوي عدل والعدل أن يعمل بطاعة الله فكان لهم السبيل إلى علم العدل والذي يخالفه [ 7 ] وقد وضع هذا في موضعه وقد وضعت جملا منه رجوت أن تدل على ما وراءها مما في مثل معناها
باب البيان الأول
[ 7 ] قال الله تبارك وتعالى في المتمتع { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } [ 7 ] فكان بينا عند خوطب بهذه الآية أن صوم الثلاثة في الحج والسبع في المرجع عشرة أيام كاملة [ 7 ] قال الله { تلك عشرة كاملة } فاحتملت أن تكون زيادة في التبيين واحتملت أن يكون أعلمهم أن ثلاثة إذا جمعت إلى سبع كانت عشرة كاملة [ 7 ] وقال الله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة } [ 7 ] فكان بينا عند من خوطب بهذه الآية أن ثلاثين وعشرا أربعون ليلة [ 7 ] وقوله { أربعين ليلة } يحتمل ما احتملت الآية قبلها من أن تكون إذا جمعت ثلاثون إلى عشر كانت أربعين وأن تكون زيادة في التبيين [ 7 ] وقال الله { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } [ 8 ] وقال { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } [ 8 ] فافترض عليهم الصوم ثم بين أنه شهر والشهر ما بين الهلالين وقد يكون ثلاثين وتسعا وعشرين
[ 8 ] فكانت الدلالة في هذا كالدلالة في الآيتين وكان في الآيتين قبله في بن جماعة زيادة تبين جماع العدد [ 8 ] واشبه الأمور بزيادة تبيين جملة العدد في السبع والثلاث وفي الثلاثين والعشر أن تكون زيادة في التبيين لأنهم لم يزالوا يعرفون هذين العددين وجماعة كما لم يزالوا يعرفون شهر رمضان
باب البيان الثاني
[ 8 ] قال الله تبارك وتعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا } [ 8 ] وقال { ولا جنبا إلا عابري سبيل } [ 8 ] فأتى كتاب الله على البيان في الوضوء دون الاستنجاء بالحجارة وفي الغسل من الجنابة [ 8 ] ثم كان أقل غسل الوجه والأعضاء مرة مرة واحتمل ما هو أكثر منها فبين رسول الله الوضوء مرة وتوضأ ثلاثا ودل على أن أقل غسل الأعضاء يجزئ وان أقل عدد الغسل واحدة وإذا أجزأت واحدة فالثلاث اختيار [ 8 ] ودلت السنة على أنه يجزئ في الاستنجاء ثلاثة أحجار ودل النبي على ما يكون منه الوضوء وما يكون منه الغسل ودل على أن الكعبين والمرفقين مما يغسل لأن الآية تحتمل أن يكونا حدين للغسل وان يكونا داخلين في الغسل ولما قال رسول الله ويل للأعقاب من النار دل على انه غسل لا مسح [ 8 ] قال الله { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فان كان له أخوة فلأمه السدس } [ 9 ] وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم } [ 9 ] فاستغنى بالتنزيل في هذا عن خبر غيره ثم كان لله فيه شرط أن يكون بعد الوصية والدين فدل الخبر على ان لا يجاوز بالوصية الثلث
باب البيان الثالث
[ 9 ] قال اله تبارك وتعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } [ 9 ] وقال { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ 9 ] وقال { وأتموا الحج والعمرة لله } [ 9 ] ثم بين على لسان رسوله عدد ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسننها وعدد الزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعمرة وحيث يزول هذا ويثبت وتختلف سننه وتاتفق ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسنة
باب البيان الرابع
[ 9 ] قال الشافعي كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب وفيما كتبنا في كتابنا من ذكر ما من الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل على ان الحكمة سنة رسول الله [ 9 ] مع ما ذكرنا مما افترض الله على خلقه من طاعة رسوله وبين من موضعه الذي وضعه الله به من دينه الدليل على ان البيان في الفرائض المنصوصة في كتاب الله من أحد هذه الوجوه [ 9 ] منها ما أتى الكتاب على غاية البيان فيه فلم يحتج مع التنزيل فيه إلى غيره
[ 9 ] ومنها ما أتى على غاية البيان في فرضه وافترض طاعة رسوله فبين رسول الله عن الله كيف فرضه وعلى من فرضه ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب [ 1 ] ومنها ما بينه عن سنة نبيه بلا نص كتاب [ 1 ] وكل شيء منها بيان في الكتاب الله [ 1 ] فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سنتة بفرض الله طاعة رسول له على خلقه وأن ينتهوا الى حكمه ومن قبل عن رسول الله فمن الله قبل لما افترض الله من طاعته [ 1 ] فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله وان تفرقت فروع الأسباب التي قبل بها عنهما كما أحل وحرم وفرض وحد بأسباب متفرقة كما شاء جل ثناؤه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون [ 1 ] قال الله تبارك وتعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره [ 1 ] فرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره وشطره جهته في كلام العرب إذا قلت أقصد شطر كذا معروف أنك تقول اقصد فصد عين كذا يعني قصد نفس كذا وكذلك تلقاءه جهته أي أستقبل تلقاءه وجهته وإن كلها معنى واحد وان كانت وان كانت بألفاظ مختلفة [ 1 ] وقال خفاف بن ندية ألا من مبلغ عمرا رسولا وما تغنى الرسالة شطر عمرو [ 1 ] وقال ساعدة بن جوية أقول لأم زنباع أقيمي صدور العيس شطر بنى تميم [ 1 ] وقال لقيط الأيادي وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم تغشاكم قطعا [ 1 ] وقال الشاعر إن العسير بها داء مخامرها فشطرها بصر العينين مسحور
قال الشافعي يريد تلقاء ها بصر العينين ونحوها تلقاء جهتها
[ 1 ] وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء قصد عين الشيء إذا كان معاينا فبالصواب وإذا كان مغيبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه وذلك أكثر ما يمكنه فيه [ 1 ] وقال الله { جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } [ 1 ] { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } [ 1 ] لهم العلامات ونصب لهم المسجد الحرام وأمرهم أن يتوجهوا إليه وإنما توجههم إليه بالعلامات التي خلق لهم والعقول التي ركبها فيهم التي استدلوا بها على معرفة العلامات وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه [ 1 ] { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقا { ممن ترضون من الشهداء } [ 1 ] أن العدل العامل بطاعته فمن رأوه عاملا بها كان عدلا ومن عمل بخلافها كان خلاف العدل [ 1 ] جل ثناؤه { لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاءه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } [ 1 ] المثل على الظاهر أقرب الأشياء شبها في العظم من البدن واتفقت مذاهب من تكلم في الصيد من أصحاب رسول الله على أقرب الأشياء شبها من البدن فنظرنا ما قتل من دواب الصيد أي شيء كان من النعم أقرب منه شبها فديناه به
[ 1 ] يحتمل المثل من النعم القيمة فيما له مثله في البدن من النعم إلا مستكرها باطنا فكان الظاهر الأعم أولى المعينين بها وهذا الاجتهاد الذي يطلبه الحاكم بالدلالة على المثل [ 1 ] وهذا الصنف من العلم دليل على ما وصفت قبل هذا على أن ليس لأحد أبدا أن يقول في شيء حل ولا حرم إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الأجماع أو القياس [ 1 ] وعنى هذا الباب معنى القياس لأنه طلب فيه الدليل على صواب القبلة والعدل والمثل [ 1 ] والقياس ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب أو السنة لأنهما علم الحق المفترض طلبه كطلب ما وصفت قبله من القبلة والعدل والمثل [ 1 ] وموافقته تكون من وجهين [ 1 ] أحدهما أن يكون الله أو رسوله حرم الشيء منصوصا أو أحله لمعنى فإذا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا سنة أحللنا أو حرمناه لأنه في معنى الحلال أو الحرام [ 1 ] أو نجد الشيء منه والشيىء من غيره ولا نجد شيئا أقرب به شبها من أحدهما فنلحقه بأولى الأشياء شبها به كما قلنا في الصيد [ 1 ] قال الشافعي وفي العلم وجهان الإجماع والاختلاف وهما موضوعان في غير هذا الموضع [ 1 ] ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب [ 1 ] والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخة والفرض في تنزيله والأدب والإرشاد والإباحة [ 1 ] والمعرفة بالموضع الذي وضع الله به نبيه من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه في كتابه وبينه على لسان نبيه وما أراد بجميع فرائضه على الناس من طاعته والانتهاء إلى امره [ 1 ] ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصيته وترك الغفلة عن الحظ والازدياد من نوافل الفضل [ 1 ] فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا [ 1 ] وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به أقرب من السلامة له غن شاء الله [ 1 ] فقال منهم قائل إن في القرآن عربيا وأعجميا [ 1 ] والقرآن يدل على ان ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب [ 1 ] ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه تقليدا له وتركا للمسئلة عن حجته ومسئلة غيره ممن خالفه [ 1 ] وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم [ 1 ] ولعل من قال إن في القرآن غير لسان العرب وقبل ذلك منه ذهب إلى أن من القرآن خاصا يجهل بعضه بعض العرب [ 1 ] ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه
[ 1 ] والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء [ 1 ] فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن وغذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء نها ثم ما كان ذهب عليه منها موجودا عند غيره [ 1 ] وهم في العلم طبقات منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه ومنهم الجامع الأقل مما جمع غيره [ 1 ] وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمعه أكثرها دليلا على ان يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم بل يطلب عن نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله بأبي هو وأمي فيتفرد جملة العلماء بجمعها وهو درجات فيما وعوا منها [ 1 ] وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها لا يذهب منه شيء عليها ولا يطلب عند غيرها ولا يعلمه إلا من قبله عنها ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها ومن قبله منها فهو من أهل لسانها [ 1 ] وإنما صار غيرهم من غير أهله بتركه فإذا صار إليه صار من أهله [ 1 ] وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء [ 1 ] فغن قال قائل فقد نجد من العجم من ينطق بالشيىء من لسان العرب [ 1 ] فذلك يحتمل ما وصفت من تعلمه منهم فإن لم يكن ممن تعلمه منهم فلا يوجد ينطق إلا بالقليل منه ومن نطق بقليل منه فهو تبع للعرب فيه [ 1 ] ولا ننكر إذ كان اللفظ قيل تعلما أو نطق به موضوعا أو يوافق لسان العجم أو بعضها قليلا من لسان العرب كما ياتفق القليل من ألسنة العجم المتباينة في أكثر كلامها مع تنائي ديارها واختلاف لسانها وبعد الاواصر بينها وبين من وافقت بعض لسانه منها [ 1 ] فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخلطه فيه غيره [ 1 ] فالحجة فيه كتاب الله قال الله { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه [ 1 ] فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة وإن محمد بعث إلى الناس كافة فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قوموه خاصة ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه ويحتمل أن يكون بعث بالسنتهم فهل من دليل على انه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم [ 1 ] فإن كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض وان يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع [ 1 ] واولى الناس بالفضل باللسان من لسانه لسان النبي ولا يجوز والله أعلم أن يكون أهل لسانه اتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كان لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه [ 1 ] وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه [ 1 ] قال الله { وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين } [ 1 ] وقال { وكذلك أنزلناه حكما عربيا } [ 1 ] وقال { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها } [ 1 ] وقال { حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون }
[ 1 ] وقال { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } [ 1 ] قال الشافعي فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ثم اكد ذلك بان نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه [ 1 ] فقال تبارك وتعالى { ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين } [ 1 ] وقال { ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي } [ 1 ] قال الشافعي وعرفنا نعمه بما خصنا به من مكانه فقال { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم } [ 1 ] وقال { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [ 1 ] وكان ممن عرف الله نبيه من إنعامه أن قال { وإنه لذكر لك زلقومك } فخص قومه بالذكر معه بكتابه [ 1 ] وقال { وأنذر عشيرتك الأقربين } وقال { لتنذر أم القرى ومن حولها } وأم القرى مكة وهي بلده وبلد قومه فجعلهم في كتابه خاصة وأدخلهم مع المنذرين عامة وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي لسان قومه منهم خاصة [ 1 ] فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك [ 1 ] وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه لا متبوعا [ 1 ] وغنما بدات بما وصفت من ان القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها [ 1 ] فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحة للمسلمين والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه وادراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه وترك موضع حظه وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حق وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله وطاعة الله جامعة للخير [ 1 ] أخبرنا سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت جرير بن عبد الله يقول بايعت النبي على النصح لكل مسلم [ 1 ] أخبرنا بن عيينة عن سهيل بن اببي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي قال إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة لله ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم [ 1 ] قال الشافعي فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيىء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره [ 1 ] وتبتدىء الشيء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره وتبتدىء الشيء يبين آخر لفظها منه عن أوله [ 1 ] وتكلم بالشيىء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرف الإشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها [ 1 ] وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثرة [ 1 ] هذه الوجوه التي وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به وإن اختلفت أسباب معرفتها معرفة واضحة عندها ومستنكرا عند غيرها ممن جهل هذا من لسانها وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه [ 1 ] ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة والله اعلم وكان بخطئه غير معذور وإذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه باب بيان ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص
[ 1 ] وقال الله تبارك وتعالى { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } وقال تبارك وتعالى { خلق السماوات والأرض } وقال { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } فهذا عام لا خاص فيه [ 1 ] قال الشافعي فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك فالله خلقه وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها [ 1 ] الله { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } [ 1 ] وهذا في معنى الآية قبلها وإنما أريد به من أطاق الجهاد من الرجال وليس لأحد منهم أن يرغب بنفسه عن نفس النبي أطاق الجهاد أو لم يطقه ففي هذه الآية الخصوص والعموم [ 1 ] وقال { والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها } [ 1 ] وهكذا قول الله { حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما } [ 1 ] وفي هذه الآية دلالة على ان لم يستطعما كل أهل قرية فهي في معناهما [ 1 ] وفيها وفي { القرة الظالم أهلها } خصوص لأن كل أهل القرية لم يكن ظالما فيهم المسلم ولكنهم كانوا فيها مكثورين وكانوا فيها أقل [ 1 ] وفي القرآن نظائر لهذا يكتفى بها إن شاء الله منها وفي السنة له نظائر موضوعة مواضعها باب بيان ما انزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص [ 1 ] قال الله تبارك وتعالى { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم } [ 1 ] وقال تبارك وتعالى { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر } [ 1 ] وقال { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } [ 1 ] قال فبين في كتاب الله ان في هاتين الآيتين العموم والخصوص [ 1 ] فاما العموم منها ففي قول الله { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله وقبله وبعده مخلوقة من ذكر وأنثى وكلها شعوب وقبائل [ 1 ] والخاص منها في قول الله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } لأن التقوى تكون على من عقلها وكان من أهلها من البالغين من بني آدم دون المخلوقين من الدواب سواهم ودون المغلوبين على عقولهم منهم والأطفال الذين لم يبلغوا وعقل التقوى منهم [ 1 ] فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها أو خالفها فكان من غير أهلها [ 1 ] والكتاب يدل على ما وصفت وفي السنة دلالة عليها قال رسول الله رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق [ 1 ] وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ومن بلغ غلب على عقله ودون الحيض في أيام حيضهن باب بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص [ 1 ] وقال الله تبارك وتعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } [ 1 ] قال الشافعي فإذ كان من مع رسول الله ناس غير من جمع لهم من الناس وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم وغير من معه ممن جمع عليه معه وكان الجامعون لهم ناسا فالدلالة بينة مما وصفت من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض
[ 1 ] والعلم يحيط أن من لم يجمع لهم الناس كلهم ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم [ 2 ] ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر وعلى جميع الناس من بين جمعهم وثلاثة منهم كان صحيحا في لسان العرب أن يقال { الذين قال لهم الناس } وإنما الذين قال لهم ذلك أربعة نفر { إن الناس قد جمعوا لكم } يعنون المنصرفين عن أحد [ 2 ] وإنما هم جماعة غير كثر من الناس الجامعون منهم غير المجموع لهم والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين والأكثر من الناس في بلدانهم غير الجامعين ولا المجموع لهم ولا المخبرين [ 2 ] وقال { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } [ 2 ] قال فمخرج اللفظ عام على الناس كلهم وبين عند أهل العلم منهم أنه إنما يراد بهذا اللفظ العام المخرج بعض الناس دون بعض لأنه لا يخاطب بهذا إلا من يدعو من دون الله إلها تعالى عما يقولون علوا كبيرا لأن فيهم من المؤمنين المغلوبين على عقولهم وغير المغلوبين ممن لا يدعو معه إلها [ 2 ] قال وهذا في معنى الآية قبلها عند أهل العلم باللسان والآية قبلها أوضح عند أهل غير العلم لكثرة الدلالات فيها [ 2 ] قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } فالعلم يحيط إن شاء الله أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول الله المخاطب بهذا ومن معه ولكن صحيحا من كلام العرب أن يقال { أفيضوا من حيث أفاض الناس } يعني بعض الناس [ 2 ] وهذه الآية في مثل معنى الآيتين قبلها وهي عند العرب سواء والآية الأولى أوضح عند من يجهل لسان العرب من الثانية والثانية أوضح من الثالثة وليس يختلف عند العرب وضوح هذه الآيات معا لأن أقل البيان عندها كاف من أكثره إنما يريد السامع فهم قول القائل فأقل ما يفهمه به كاف عنده [ 2 ] وقال الله جل ثناؤه { وقودها الناس والحجارة } فدل كتاب الله على أنه إنما وقودها الناس لقول الله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } باب الصنف الذي يبين سياقه معناه [ 2 ] الله تبارك وتعالى { وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إنما تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } [ 2 ] فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر فلما { إذ يعدون في السبت } الآية دل على أنه إنما أراد أهل القرية لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون [ 2 ] وقال { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون } [ 2 ] وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها فذكر قصم القرية فلما ذكر أنها ظالمة بان للسامع أن الظالم إنما هم أهلها دون منازلها التي لا تظلم ولما ذكر القوم المنشئين بعدها وذكر إحساسهم الباس عند القصم أحاط العلم انه إنما أحس البأس من يعرف الباس من الآدميين
الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره
[ 2 ] قال الله تبارك وتعالى وهو يحكي قول إخوة يوسف لأبيهم { ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون } [ 2 ] فهذه الآية في مثل معنى الآيات قبلها لا تختلف عند أهل العلم باللسان أنهم إنما يخاطبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير لأن القرية والعير لا ينبئان عن صدقهم
باب ما نزل عاما دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص
[ 2 ] قال الله جل ثناؤه { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } [ 2 ] وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم [ 2 ] فأبان ان للوالدين والأزواج مما سمى في الحالات وكان عام المخرج فدلت سنة رسول الله على انه إنما أريد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض وذلك ان يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحدا ولا يكون الوارث منهما قاتلا ولا مملوكا
[ 2 ] وقال { من بعد وصية يوصي بها أو دين } [ 2 ] فأبان النبي أن الوصايا مقتصر بها على الثلث لا يتعدى ولأهل الميراث الثلثان وأبان أن الدين قبل الوصايا والميراث وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم [ 2 ] ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين ولم تعد الوصية ان تكون مبداة على الدين أو تكون والدين سواء [ 2 ] وقال الله { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وارجلكم إلى الكعبين } [ 2 ] فقصد جل ثناؤه قصد القدمين بالغسل كما قصد الوجه واليدين فكان ظاهر هذه الآية أنه لا يجزئ في القدمين إلا ما يجزئ في الوجه من الغسل أو الرأس من المسح وكان يحتمل أن يكون أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعض المتوضئين دون بعض [ 2 ] فلما مسح رسول الله على الخفين وأمر به من ادخل رجليه في الخفين وهو كامل الطهارة دلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعض المتوضئين دون بعض [ 2 ] وقال الله تبارك وتعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله } [ 2 ] وسن رسول الله أن لا قطع في ثمر ولا كثر وان لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا [ 2 ] وقال الله { والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ 2 ] وقال في الإماء { فإذا احصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } [ 2 ] فدل القرآن على انه إنما أريد بجلد المائة الأحرار دون الإماء فلما رجم رسول الله الثيب من الزناة ولم يجلده دلت سنة رسول الله على أن المراد بجلد المائة من الزناة الحران البكران وعلى أن المراد بالقطع في السرقة من سرق من حرز وبلغت سرقته ربع دينار دون غيرهما ممن لزمه اسم سرقة وزنا [ 2 ] وقال الله { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [ 2 ] فلما أعطى رسول الله بني هاشم وبني المطلب سهم ذي القربى دلت سنة رسول الله ان ذا القربى الذين جعل الله لهم سهما من الخمس بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم [ 2 ] وكل قريش ذو قرابة وبنو عبد شمس مساوية بني المطلب في القرابة هم معا بنو أب وأم وإن انفرد بعض بني المطلب بولادة من بني هاشم دونهم [ 2 ] فلما لم يكن السهم لمن انفرد بالولادة من بني المطلب دون من لم تصبه ولادة من بني هاشم منهم دل ذلك على أنهم إنما اعطوا خاصة دون غيرهم بقرابة جذم النسب مع كينونتهم معا مجتمعين في نصر النبي بالشعب وقبله وبعده وما أراد الله جل ثناؤه بهم خاصا [ 2 ] ولقد ولدت بنو هاشم في قريش فما أعطي منهم واحد بولادتهم من الخمس شيئا وبنو نوفل مساويتهم في جذم النسب وإن انفردوا بانهم بنوا أم دونهم [ 2 ] قال الله { واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول } [ 2 ] فلما أعطى رسول السلب القاتل في الإقبال دلت سنة النبي على أن الغنيمة المخموسة في كتاب الله غير السلب إذ كان السلب مغنوما في الإقبال دون الاسلاب المأخوذة في غير الإقبال وان الأسلاب المأخوذة في غير الإقبال غنيمة تخمس مع ما سواها من الغنيمة بالسنة [ 2 ] ولولا الاستدلال بالسنة وحكمنا بالظاهر قطعنا من لزمه اسم سرقة وضربنا مائة كل من زنى حرا ثيبا واعطينا سهم ذي القربى كل من بنه وبين النبي قرابة ثم خلص ذلك إلى طوائف من العرب لأن له فيهم وشايج ارحام وخمسنا السلب لأنه من للمغنم مع ما سواه من الغنيمة
بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه
[ 2 ] قال الشافعي وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه انه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان من فضيلته بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به [ 2 ] فقال تبارك وتعالى { فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه ان يكون له ولد } 74 75
238 وقال { إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه }
239 فجعل كما ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ورسوله
24 فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا حتى يؤمن برسوله معه
[ 2 ] وهكذا سن رسوله في كل من امتحنه للإيمان
242 أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال أتيت رسول الله بجارية فقلت يا رسول على رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله أين الله فقالت في السماء فقال ومن أنا قالت أنت رسول الله قال فأعتقها
243 قال الشافعي معاوية بن الحكم وكذلك رواه غير مالك وأظن مالك لم يحفظ اسمه
[ 2 ] قال الشافعي ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله [ 2 ] فقال في كتابه { ربنا ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } [ 2 ] وقال جل ثناؤه { كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } 77 [ 2 ] وقال { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [ 2 ] وقال جل ثناؤه { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [ 2 ] وقال { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به } [ 2 ] وقال { وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما } [ 2 ] وقال { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا } [ 2 ] فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله [ 2 ] وهذا يشبه ما قال والله أعلم
254 لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة فلم يجز الله منه على خلقه بتعليمهم الكتابوالحكمة فلم يجز والله اعلم أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله
[ 2 ] وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع امره فلا يجوز أن يقال لقوله فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله
[ 2 ] لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به 79 [ 2 ] وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على خاصة وعامة ثم قرن الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله
باب فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها
[ 2 ] قال الله { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } [ 2 ] وقال { يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تاويلا } [ 2 ] فقال بعض أهل العلم اولوا الأمر أمراء سراي�