الدور الأمريكى فى اختيار الرئيس المصرى - محمد أبو الغار

من معرفة المصادر

الدور الأمريكى فى اختيار الرئيس المصرى، د. محمد أبو الغار.

يشعر المصريون جميعاً بأن الدور الأمريكى فى الشؤون المصرية أصبح ذا شأن عظيم، وبدأ ذلك بعد انتهاء الفترة الناصرية، التى انتهت بهزيمة ١٩٦٧ ورحيل عبدالناصر، والتى لم يكن للأمريكان خلالها نفوذ فى مصر، بل كانت مصر تنافس أمريكا فى النفوذ والسلطة فى البلاد العربية، والكل يذكر أن اختيار رئيس جمهورية جديد، وعدم التمديد لكميل شمعون عام ١٩٥٨، كان بإصرار مصرى، وفى النهاية حدث توافق بين مصر وفرنسا وأمريكا على الرئيس الجديد.

بعد هذه الفترة وأثناء الفترة الساداتية، بدأ النفوذ الأمريكى يزداد خطوة خطوة، وبدأت المخابرات الأمريكية تدريجياً تكون لها قواعد عظيمة فى المنطقة، وبعد انتهاء فترة السادات وخلال الثلاثة عقود الماضية، تعاظم الدور الأمريكى بدرجة لم تخطر على بال أحد، وأصبح رأى أمريكا هو النافذ فوراً فى كل شىء ما عدا شيئاً واحداً فقط هو المطالبة بتحقيق نوع من الديمقراطية فى مصر، فكان يقابل بالرفض التام أو التفاوض أو تقديم بعض التنازلات الشكلية فى هذا الأمر.

يعتقد الكثير من الخبراء أن المخابرات الأمريكية تعلم دبيب النملة فى مصر، وتدريجياً أصبح الاقتصاد المصرى يدار بأوامر من واشنطن، ونوع المحصول الذى يزرعه الفلاح المصرى تحدده أمريكا، والسلاح المصرى كله من مصادر أمريكية، والتعليم المصرى تجرى إعادة هيكلته بقواعد أمريكية.

وكلنا نعلم أن إسرائيل هى أكبر صديق لأمريكا فى العالم لأسباب كثيرة، من أهمها قدرة إسرائيل على لى ذراع أى رئيس أمريكى، خاصة إذا كان موقفه الداخلى لأى سبب مهتزاً، وأمريكا أكبر حليف لها فى الشرق الأوسط والذراع العسكرية الإسرائيلية لا تضرب إلا بأمر أو على الأقل بموافقة أمريكا، وقد تعلمت إسرائيل الدرس جيداً منذ عام ١٩٥٦ حين تحالفت مع إنجلترا وفرنسا للعدوان على مصر من وراء ظهر أمريكا فضغط عليها أيزنهاور للانسحاب من سيناء.

وبالتالى فمصالح أمريكا وإسرائيل يجمعها الكثير، ولذا فإذا كانت أمريكا تتحكم فى القرارات السياسية المصرية المهمة، فبالتالى تتحكم إسرائيل أيضاً فيها بطريقة غير مباشرة.

وقول الدكتور مصطفى الفقى إن رئيس مصر القادم لابد له من موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل عليه، يعتبر كلاماً منطقياً متمشياً مع الواقع السياسى، يبقى رأى أمريكا فى السيد جمال مبارك كمرشح للرئاسة فى مصر، من الناحية الشكلية هو مناسب جداً للقيادة الأمريكية، فهو خريج الجامعة الأمريكية وعمل فى بنك أمريكى قبل تفرغه للعمل السياسى، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة ويعبر بها ربما أحسن من العربية، ورجاله الذين اختارهم ليتولوا المناصب الوزارية كلهم من كبار رجال الأعمال المغرمين بأمريكا ولهم علاقات وثيقة بها فى البيزنس وفى التوجه العام، وهم جميعاً يرحبون بأن تكون مصر ذيلاً لأمريكا فى كل شىء.

وبالنسبة لإسرائيل جمال مبارك رئيس مضمون بأنه سوف يسير على درب والده فى اتباع نفس السياسة تجاه إسرائيل وأمريكا.

إذا كان الأمر كله فى يد أمريكا وما على شلة المنتفعين إلا أن تقوم بطبخة بسيطة حتى يصل جمال إلى المنصب، إذن لماذا لم يتضح الموقف؟ ولماذا يقدم مبارك رِجلاً ويؤخر رِجلاً فى مسألة التوريث؟

الجانب الأمريكى عنده خوف كبير من الموافقة على جمال مبارك، لأن المخابرات الأمريكية تعلم جيداً ما لا يعلمه النظام بأكمله عن حجم الغضب المتوقع من كل فئات الشعب، والذى قد يؤدى إلى قلاقل فى مصر قد تنتهى بنظام حكم لا ترضى عنه أمريكا وإسرائيل. نفس الخوف موجود عند الرئيس المحنك مبارك، كل ذلك يؤخر مسيرة التوريث وفى الزيارة الأخيرة لأمريكا، ربما حاول جمال مبارك إقناع جميع الأطراف بأنه يصلح وما تخافوش ولكن فى النهاية لا أحد يعلم متى تعطى أمريكا الضوء الأخضر للتوريث، وهل يمكن ألا تعطيه وتضىء الإشارة الحمراء.

لن تستطيع إسرائيل مباشرة توجيه دفة الاختيار فى اتجاه معين، ولكنها تستطيع ذلك عن طريق الضغط على أمريكا.

فى الأسبوع الماضى كنت فى مؤتمر دولى للعقم فى اليونان لإلقاء محاضرتين واقترب منى أستاذ إسرائيلى معروف فى تخصصه، وقال بطريقة مباشرة موجهاً الكلام لى، نحن خائفون وقلقون جداً على صحة الرئيس مبارك، ونريد أن نطمئن عليه، وأن نتأكد أن حاكم مصر القادم سوف يسير على خطى مبارك، فأجبته بأن كل المصادر المصرية تقول إن الرئيس بخير ولكن كل الشائعات عن مشاكل صحية تأتى عن طريق إسرائيل وتركته ليتحدث مع طبيب يونانى.

وبعيداً عن معاهدة السلام، فإن إسرائيل عندها قلق واضح من احتمال حدوث تغيير فى السياسة المصرية تجاهها، وذلك بتعطيل المميزات غير العادية التى تنالها فى صفقات الغاز وما يماثلها.

لن يحل مشكلة مصر إلا الديمقراطية التى لن تتحقق إلا إذا دافع عنها المصريون بأرواحهم ودمائهم وبهذه الطريقة سوف يختارون رئيسهم بديمقراطية.


قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر