الحريري - المقامة الشتوية

من معرفة المصادر

--الدكتور مروان 09:17, 20 يناير 2007 (UTC)المقامة الشتوية : حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: عشَوْتُ في ليلَةٍ داجِيَةِ الظُّلَمِ. فاحِمَةِ اللِّمَمِ. الى نارٍ تُضْرَمُ على علَمٍ. وتُخبِرُ عن كرَمٍ. وكانتْ ليلَةً جوُّها مَقرورٌ. وجَيْبُها مَزْرورٌ. ونجمُها مغْمومٌ. وغيمُها مرْكومٌ. وأنا فيها أصْرَدُ منْ عينِ الحِرْباء. والعَنْزِ الجَرْباء. فلمْ أزلْ أنُصّ عنْسي. وأقولُ: طوبى لكِ ولَنفْسي! الى أن تبصّرَ المُوقِدُ آلي. وتبيّنَ إرْقالي. وتبيّنَ إرْقالي. فانحدَرَ يعْدو الجَمَزَى. ويُنشِدُ مُرتَجِزاً: حُيّيتَ منْ خابِـطِ لـيْلٍ سـاري هَداهُ بلْ أهْداهُ ضـوءُ الـنـارِ الى رَحيبِ الباعِ رحْـبِ الـدّارِ مرحِّبٍ بالطّارِقِ المُـمْـتـارِ تَرْحابَ جعْدِ الكفّ بـالـدّينـارِ ليسَ بـمُـزْوَرٍّ عـنِ الـزُوّارِ ولا بمِعْتامِ الـقِـرى مِـئْخـارِ إذا اقشَعرّتْ تُرَبُ الأقْـطـارِ وضَنّتِ الأنـواءُ بـالأمْـطـارِ فهْوَ على بؤسِ الزّمانِ الضّاري جمُّ الرّمادِ مرهَفُ الـشِّـفـارِ لمْ يخْلُ في لـيلٍ ولا نَـهـارِ من نحْرِ وارٍ واقتِـداحِ وارِي ثمّ تلقّاني بمُحيّا حَييٍّ. وصافَحَني براحَةِ أريَحِيٍّ. واقْتادَني الى بيتٍ عِشارُهُ تخورُ. وأعْشارُهُ تفورُ. وولائِدُهُ تمورُ. وموائِدُهُ تدورُ. وبأكْسارِهِ أضْيافٌ قدْ جلبَهُم جالِبي. وقُلّبوا في قالَبي. وهُمْ يجتَنونَ فاكِهةَ الشّتاء. ويمرَحونَ مرَحَ ذَوي الفَتاء. فأخذْتُ مأخذَهُمْ في الاصطِلاء. ووجدْتُ بهِمْ وجْدَ الثّمِلِ بالطِّلاء. ولمّا أنْ سَرى الحصَرُ. وانْسَرى الخَصَرُ. أُتينا بمَوائِدَ كالهالاتِ دَوْراً. والرّوْضاتِ نَوْراً. وقد شُحنّ بأطْعِمَةِ الوَلائمِ. وحُمينَ منَ العائِبِ واللائِمِ. فرفَضْنا ما قيلَ في البِطنَةِ. ورأيْنا الإمْعانَ فيها منَ الفِطنَةِ. حتى إذا اكتَلْنا بصاعِ الحُطَمِ. وأشْفَيْنا على خطَرِ التُخَمِ. تعاوَرْنا مَشوشَ الغمَرِ. ثمّ تبوّأنا مقاعِدَ السّمَرِ. وأخذَ كُلُّ واحِدٍ منا يَشولُ بلِسانِهِ. وينشُرُ ما في صِوانِهِ. ما عَدا شيخاً مُشتَهِباً فَوْداهُ. مُخلَوْلِقاً بُرْداهُ. فإنّهُ ربَضَ حَجرَةً. وأوسَعَنا هِجرَةً. فغاظَنا تجنّبُهُ. المُلتَبِسُ موجِبُهُ. المعْذورُ فيهِ مؤنّبُهُ. إلا أنّا ألَنّا لهُ القوْلَ. وخشِينا في المسألَةِ العوْلَ. وكلّما رُمْنا أنْ يَفيضَ كما فِضْنا. أو يُفيضَ في ما أفَضْنا. أعْرَضَ إعْراضَ العِلّيّةِ عنِ الأرْذَلينَ. وتَلا: إنْ هذا إلا أساطيرُ الأوّلينَ. ثمّ كأنّ الحَميّةَ هاجَتْهُ. والنّفْسَ الأبيّةَ ناجَتْهُ. فدلَفَ وازْدَلَفَ. وخلعَ الصّلَفَ. وبذلَ أنْ يتَلافى ما سلَفَ. ثمّ استرْعى سمْعَ السّامِرِ. واندفَعَ كالسّيلِ الهامِرِ. وقال: عِندي أعاجيبُ أرْويهـا بـلا كـذِبِ عنِ العِيانِ فكَنّوني أبا الـعـجَـبِ رأيتُ يا قوْمِ أقْـوامـاً غـذاؤهُـمُ بَوْلُ العجوزِ وما أعني ابنَةَ العِنَـبِ ومُسنِتِينَ منَ الأعْـرابِ قـوتُـهُـمُ أن يشتووا خِرقةً تُغني من السّغَـبِ وقادِرينَ متى ما ساء صُـنـعُـهُـمُ أو قصّروا فيه قالوا الذّنْبُ للحطَبِ وكاتِبينَ وما خطّـتْ أنـامِـلُـهُـمْ حرْفاً ولا قرَأوا ما خُطّ في الكُتُـبِ وتابِعينَ عُقابـاً فـي مـسـيرِهِـمِ على تكمّيهِمِ في البيْضِ والـيَلَـبِ ومُنتَدينَ ذَوي نُـبْـلٍ بـدَتْ لـهُـمُ نبيلَةٌ فانْثَنوْا منهـا الـى الـهـرَبِ وعُصبَةً لمْ ترَ البيْتَ العَتـيقَ وقـدْ حجّتْ جُثِيّاً بلا شكٍّ على الـرُّكَـبِ ونِسوَةً بعدَما أدْلجـنَ مـن حـلَـبٍ صبّحنَ كاظِمَةً من غيرِ ما تـعَـبِ ومُدلِجينَ سرَوْا من أرضِ كاظِـمَةٍ فأصبَحوا حينَ لاحَ الصُبحُ في حلَبِ ويافِعاً لـم يُلامِـسْ قـطُّ غـانِـيَةً شاهَدتُهُ ولهُ نسلٌ مـنَ الـعَـقِـبِ وشائِباً غيرَ مُخْفٍ للمَـشـيبِ بَـدا في البَدْوِ وهْوَ فتيُّ السِّنّ لم يشِـبِ ومُرضَعاً بلِبـانٍ لـمْ يفُـهْ فـمُـهُ رأيتُهُ في شِجارٍ بـيّنِ الـسّـبَـبِ وزارِعاً ذُرَةً حتـى إذا حُـصِـدَتْ صارتْ غُبَيراء يهواها أخو الطّرَبِ وراكِباً وهْوَ مغلولٌ عـلـى فـرَسٍ قد غُلّ أيضاً وما ينفكّ عن خـبَـبِ وذا يدٍ طُـلُـقٍ يقْـتـادُ راحِــلَةً مُستَعجِلاً وهْوَ مأسورٌ أخو كُـرَبِ وجالِساً ماشياً تـهْـوي مـطـيّتُـهُ بهِ وما في الذي أوْرَدتُ مـن رِيَبِ وحائكاً أجْذَمَ الـكـفّـينِ ذا خـرَسٍ فإن عجبتمْ فكمْ في الخَلقِ من عجَبِ وذا شَطاطٍ كصدرِ الرّمحِ قامَـتُـهُ صادَفتُهُ بمِنًى يشكو منَ الـحـدَبِ وساعياً في مـسَـرّاتِ الأنـامِ يرى إفْراحَهُمْ مأثماً كالظُّلـمِ والـكـذِبِ ومُغْرَماً بمُنـاجـاةِ الـرّجـالِ لـهُ وما له في حديثِ الخلقِ مـن أرَبِ وذا ذِمامٍ وفَتْ بالـعَـهْـدِ ذمّـتُـهُ ولا ذِمامَ لهُ في مذهَبِ الـعـرَبِ وذا قُوًى ما اسْتبانَتْ قـطّ لِـينَـتُـهُ ولِينُهُ مُستَبينٌ غـيرُ مُـحـتـجِـبِ وساجداً فوقَ فحْلٍ غيرَ مـكـتـرِثٍ بِماأتى بلْ يراهُ أفضـلَ الـقُـرَبِ وعاذِراً مؤلِمـاً مَـنْ ظـلّ يعـذِرُهُ معَ التّلطّفِ والمعذورُ في صخَـبِ وبلْدَةً ما بهـا مـاءٌ لـمُـغـتَـرِفٍ والماءُ يجري عليْها جرْيَ مُنسـرِبِ وقريةً دونَ أُفحوصِ القطا شُحنـتْ بديلمٍ عشيهُمْ من خُلسَةِ الـسّـلَـبِ وكوْكَباً يتَـوارى عـنـدَ رؤيتـهِ ال إنسانُ حتى يُرَى في أمنَعِ الحُجُـبِ وروْثَةً قوّمَـتْ مـالاً لـهُ خـطَـرٌ ونفْسُ صاحِبِها بالمالِ لـم تـطِـبِ وصحفَةً من نُضارٍ خالصٍ شُـريتْ بعدَ المِكاسِ بقيراطٍ مـن الـذّهـبِ ومُستَجيشاً بخشْخـاشٍ لـيدفـعَ مـا أظَلّهُ مـنْ أعـاديهِ فـلـمْ يخِـبِ وطالَما مرّ بي كلبٌ وفـي فـمـهِ ثورٌ ولـكـنّـهُ ثـورٌ بـلا ذنَـبِ وكمْ رأى ناظِير فيلاً علـى جـمَـلٍ وقد تورّكَ فوقَ الرّحْلِ والـقـتَـبِ وكم لَقيتُ بعرْضِ البيدِ مُشـتـكـياً وما اشتكى قطّ في جِدٍّ وفي لعِـبِ وكنتُ أبصـرْتُ كـرّازاً لـراعِـيَةٍ بالدّوّ ينظُرُ من عينَينِ كالـشُـهُـبِ وكم رأتْ مُقلَتي عينَينِ مـاؤهُـمـا يجري من الغَرْبِ والعَينانِ في حلَبِ وصادِعاً بالقَنا من غيرِ أن علِـقَـتْ كفّاهُ يوماً بـرُمْـحٍ لا ولـمْ يثِـبِ وكم نزلْتُ بأرضٍ لا نَخـيلَ بـهـا وبعدَ يوم رأيتُ البُسرَ في القُـلُـبِ وكم رأيتُ بأقْطارِ الفَـلا طـبَـقـاً يطيرُ في الجوّ منصَبّاً الى صـبَـبِ وكم مشايخَ فـي الـدُنْـيا رأيتُـهُـمُ مخَلَّدينَ ومَنْ ينْجو من الـعـطَـبِ وكم بدا لي وحْشٌ يشتكي سـغَـبـاً بمنطِقٍ ذلِقٍ أمضى منَ القُـضُـبِ وكم دَعانيَ مُستَنْـجٍ فـحـادثَـنـي وما أخَلّ ولا أخْـلَـلْـتُ بـالأدَبِ وكم أنختُ قَلوصي تحت جُـنـبُـذَةٍ تُظلّ ما شئتَ من عُجمٍ ومن عُـرُبِ وكم نظرْتُ الى منع سُرّ ساعَـتَـهُ ودمعُهُ مستَهِلُّ القطرِ كالـسُّـحُـبِ وكم رأيتُ قَميصاً ضرّ صـاحِـبَـهُ حتى انثنَى واهيَ الأعضاء والعصَبِ وكمْ إزارٍ لوَ انّ الدهـرَ أتـلَـفَـهُ لجفّ لِبْدُ حَثيثِ السيرِ مُضـطـرِبِ هذا وكمْ منْ أفـانـينٍ مـعـجِّـبَةٍ عندي ومن مُلَحٍ تُلهي ومن نُـخَـبِ فإنْ فطِنتمْ للَحنِ القوْلِ بـان لـكُـمْ صِدْقي ودلّكُمُ طلْعي على رُطَبـي وإنْ شُدِهتُمْ فإنّ العارَ فـيهِ عـلـى منْ لا يُمَيّزُ بينَ العودِ والـخـشَـبِ قال الحارثُ بنُ همّام: فطفِقْنا نخبِطُ في تقْليبِ قَريضِهِ. وتأويلِ مَعاريضِهِ. وهوَ يلهو بِنا لهْوَ الخليّ بالشّجيّ. ويقول: ليسَ بعُشّكِ فادْرُجي. الى أن تعسّرَ النّتاجُ. واستحْكَمَ الارْتجاجُ. فألْقَينا إليْهِ المَقادَةَ. وخطَبْنا منهُ الإفادَةَ. فوقَفْنا بينَ المَطمَعِ والياسِ. وقال: الإيناسف قبلَ الإبْساسِ! فعلِمنا أنهُ ممّنْ يرغَبُ في الشُّكْمِ. ويرْتَشي في الحُكْمِ. وساء أبا مثْوانا أنْ نعرَّضَ للغُرْمِ. أو نُخَيَّبَ بالرُّغْمِ. فأحْضَرَ صاحِبُ المنزِلِ ناقةً عِيديّةً. وحُلّةً سَعيديّةً. وقال له: خُذْهُما حَلالاً. ولا ترْزأ أضْيافي زِبالاً. فقال: أشهَدُ أنها شِنشِنَةٌ أخزَميّةٌ. وأريَحيّةٌ حاتِميّةٌ. ثم قابلَنا بوجهٍ بِشرُهُ يشِفّ. ونَضْرَتُهُ ترِفّ. وقال: يا قوْمِ إنّ الليْلَ قدِ اجْلَوّذَ. والنّعاسَ قدِ استحْوَذَ. فافْزَعوا الى المَراقِدِ. واغتَنِموا راحَةَ الرّاقِدِ. لتَشرَبوا نَشاطاً. وتُبعَثوا نِشاطاً. فتَعوا ما أفَسّرُ. ويتسهّلَ لكُمُ المتعسِّرُ. فاسْتَصوَبَ كلٌ ما رآهُ. وتوسّد وِسادَةَ كَراهُ. فلمّا وسَنَتِ الأجْفانُ. وأغْفَتِ الضِّيفانُ. وثبَ الى النّاقَةِ فرحَلَها. ثمّ ارتَحَلَها ورحّلَها. وقال مُخاطِباً لها: سَروجَ يا ناقَ فَسيري وخِـدِي وأدْلِجـي وأوّبـي وأسْـئِدي حتى تَطا خُفّاكِ مرْعاها النّدي فتَنعَمي حينَئذٍ وتَـسـعَـدي وتأمَني أنْ تُتْهِمي وتُنْـجِـدي إيهِ فدَتكِ النّوقُ جِدّي واجهَدي وافْرِي أديمَ فدْفَـدٍ فـفَـدْفَـدِ واقْتَنِعِي بالنّشْحِ عندَ المـوْرِدِ ولا تَحُطّي دونَ ذاكَ المَقصِـدِ فقدْ حلَفْتُ حَلفَةَ المُجتَـهِـدِ بحُرمَةِ البيتِ الرّفيعِ العُـمُـدِ إنّكِ إنْ أحلَلْتِني في بـلَـدي حللْتِ منّي بمحَـلّ الـولَـدِ قل: فعلِمْتُ أنهُ السّروجيُّ الذي إذا باعَ انْباعَ. وإذا ملأ الصّاعَ انْصاعَ. ولمّا انبلَجَ صَباحُ اليومِ. وهبّ النّوّامُ منَ النّومِ. أعلَمتُهُمْ أن الشيخَ حينَ أغْشاهُمُ السُباتَ. طلّقَهُمُ البَتاتَ. وركِبَ النّاقَةَ وفاتَ. فأخذَهُم ما قَدُمَ وما حَدُثَ. ونَسوا ما طابَ منهُ بِما خبُثَ. ثمّ انشَعَبْنا في كلّ مشْعَبٍ. وذهبْنا تحْتَ كُلّ كوكَبٍ.