الجامعة بعد الثورة - محمد أبو الغار
الجامعة بعد الثورة، د. محمد أبو الغار.
شاركت الجامعة المصرية طلاباً وأساتذة فى الثورة المصرية عبر سنوات فى الدفاع عن الجامعة وحريتها واستقلالها، حتى تستطيع أن تكون قاطرة للأمة، وكانت مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعة فى القيادة للدفاع الحقيقى عن الأساتذة والطلاب وهاجمت بكل قوة قيادات الجامعة التى تحالفت مع الأمن والقيادة السياسية، دفاعاً عن الأكاديمية ودفاعاً عن البحث العلمى ومكافحة السرقات العلمية وشاركت بقوة فى مساندة الطلاب واغتيال حقهم فى الحرية وانتخاب اتحاد طلاب بنزاهة وشفافية، ووقفت بكل حزم أمام اعتقال أساتذة الجامعة الذى طال بعض أساتذة الإخوان المسلمين، وهاجمت بكل قوة التزلف السياسى لقيادات الجامعة حين أعطت الدكتوراة الفخرية للسيدة سوزان مبارك وأصدرت البيان الشهير الذى وقع عليه 88 أستاذاً، وقامت بالدفاع عن مجلس نادى أعضاء هيئة التدريس الذى قام بحله الأمن، وتم شطب عدد كبير من الترشح فى الانتخابات التى تم إجراؤها ونجحت 9 مارس فى الانتصار فى ساحة القضاء بإلغاء الحرس الجامعى، وقد كان المقصود بهذا فى حقيقة الأمر هو طرد أمن الدولة من الجامعة وهو أمر كان مستحيلاً لأن وجودهم لم يكن بقانون، ولذا كانت الطريقة الوحيدة لطردهم هى الثورة.
هناك مشاكل كثيرة حدثت فى الجامعة المصرية بعد الثورة ألخصها فيما يلى:
أولاً: المشكلة الأمنية، وهى مشكلة ليست خاصة بالجامعة وإنما هى مشكلة مصر كلها، ولم يكن الأمن قبل الثورة فى الجامعة مستتباً، فقد كانت الأجهزة والمعدات تسرق بانتظام وكانت سيطرة الأمن فقط على أعضاء هيئة التدريس والطلبة أمنياً وسياسياً، والآن هناك ما يقدر بآلاف البلطجية يعيثون فى أرض مصر فساداً وهؤلاء قد فقدوا وظائفهم السابقة كبلطجية فى خدمة الحزب الوطنى وفى خدمة أمن الدولة وفى خدمة أعضاء مجلس الشعب وفى خدمة بعض ضباط الشرطة، فانطلقوا يحطمون وينهبون كل شىء ويروعون الشعب، ومن بينهم الطلبة والطالبات حتى يفقد الناس الثقة فى الثورة ويتحسروا على الأمن الوهمى الذى كان موجوداً أيام مبارك.
الأمن داخل الجامعة مسؤولية شركات الأمن التى تعينها إدارة الجامعة، ويجب أن تقوم بالحزم فى مواجهة التسيب الأمنى، وعلى الطلاب والأساتذة المساندة بقوة فى ذلك، وفى حالة حدوث بلطجة من بعض الطلبة أو دخول أسلحة بيضاء يجب تفعيل مجالس التأديب بكل حزم.
ثانياً: نعلم جميعاً أن الكثير من رؤساء جامعات وعمداء فى الكليات، وليس كلهم يفتقد مؤهلات الأكاديمية والقيادية، وأن أمن الدولة كان يدير كثيراً من الجامعات إدارياً و أكاديمياً، والكثير من هؤلاء القيادات كانت لهم أياد باطشة وظالمة على الأساتذة والطلاب والبعض منهم كان ضالعاً فى الفساد والإفساد وجزءا لا يتجزأ من نظام مبارك. وفى اجتماع مع وزير التعليم العالى د. عمرو سلامة بحضور عدد من الزملاء اقترحت أن يتقدم الجميع باستقالتهم، ويتم قبولها فى نهاية العام الدراسى، وهذا الأمر كان سوف يُهدئ ثورة الأساتذة والطلاب نفسياً ويضمن تكملة الفصل الدراسى وفى نفس الأمر لا يسبب إهانة لأحد من رؤساء الجامعات أو العمداء، لأنه أمر جماعى، واقترحت أن يتم انتخاب العمداء كخطوة أولى بصفة ودية فى كل الكليات بين الأساتذة مع تعيين الحاصل على أعلى الأصوات فى منصب العميد، حتى صدور قانون الجامعات الجديد بعد انتخاب مجلس الشعب، ويمكن انتخاب رئيس الجامعة من بين العمداء أو اختياره بأى طريقة أكاديمية متبعة فى الجامعات المحترمة، لكن وزير التعليم العالى قدم اقتراحات أخرى تصب فى النهاية فى هدف واحد وهو وضع سلطة التعيين بين يدى الوزير، وهذا أمر مرفوض، لأنه اعتداء على استقلال الجامعة، بل يجب أن يتم تعديل وظيفة المجلس الأعلى للجامعات إلى مجلس استشارى كما أراد له طه حسين، وطالبت بأن توضع ميزانية الجامعة بالكامل، وبالتفصيل على موقع الجامعة الإلكترونى.
ثالثاً: نظراً لعدم ثقة الأساتذة والطلاب فى أن الدولة سوف تحقق مطالبهم العادلة- عُقد مؤتمران للأساتذة، الأول كان بدعوة مشتركة بين 9 مارس وأساتذة الإخوان، والثانى كان بدعوة من أساتذة الإخوان منفردين، وقد قام بعض أعضاء هيئة التدريس غير المنتمين إلى أى تيار داخل الجامعة بوقفة احتجاجية أمام المجلس العسكرى، وهو أمر ديمقراطى مهم، نظراً لشعورهم بأن المؤتمرين لم يحققا مطالبهم وأن الثورة لم تعد إليهم حقوقهم، وأعتقد أن هناك تياراً شعبياً داخل الجامعة غير منتم لأى فصيل سياسى يرغب فى جامعة حرة حديثة.
رابعاً: يجب أن يعرف الوزير وكذلك المجلس العسكرى أن هناك حقوقاً جديدة اكتسبت من الثورة ويجب الانتباه لها وتلبيتها بقواعد أكاديمية وديمقراطية.
خامساً: يجب أن نعرف أن الجامعة فى مصر بعد الثورة يجب أن تكون مكاناً مفتوحاً للفكر بجميع أشكاله ومن ضمنها الفكر السياسى، وكما رفضنا بشدة من قبل وجود جمعية جيل المستقبل لصاحبها جمال مبارك، لأنها جزء من حزب سياسى- فإننا نرفض أى تواجد سياسى للأحزاب داخل الجامعة، لأن الجامعة ليست مكاناً للدعوة لتيار دينى أو سياسى وإنما هى مكان للنقاش والحوار حول هذه القضايا.
سادساً: يجب ألا ننسى أننا لن نتقدم إلا بجامعة محترمة وظيفتها تعليم متقدم وبحث علمى، ويبدو أن المسار الحالى فى عدم اتخاذ قرارات سياسية فى تنظيم أمور الجامعة سوف ينحى وظيفة الجامعة الأساسية جانباً، وسوف يصبح أملنا فى جامعة تنافس ضمن جامعات العالم ضئيلاً، وهذه مهمة قومية أساسية بعد الثورة، وإذا لم نفعل هذا الأمر فلن تكون الثورة حققت شيئاً فى الجامعة، لأن انتخاب العمداء ليس نهاية المطاف وإنما ارتفاع المستوى العلمى والبحثى والأكاديمى للجامعة هو هدفنا الأول والأخير.
قوم يا مصرى .. مصر دايماً بتناديك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .