التعريب واختلاق المعوِّقات
التعريب واختلاق المعوِّقات، منقول من مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
للأستاذ الدكتور جميل عيسى الملائكة
ألقى البحث الأستاذ الدكتور ناجح الراوي
للتعريب معانٍ كثيرة ، منها الكلام المهذب، ومنها نقيضه : الكلام القبيح ، وله معانٍ أخرى كثيرة غير تلك ، غير أن له أيضًا معاني اصطلاحية ، منها معناه القديم ، وهو جعل صيغة اللفظة الأجنبية ذات جَرْسٍ عربيّ ، كما في تعريب كلمة philosophia بكلمة فلسفة ، ومنها الحديث، وهو بدلالته العامة ، جعل المجتمع ، بموظفيه ، ولغته ، وتقاليده ، عربيًّا ، وبدلالته الخاصة ، استعمال اللغة العربية بدلاً من اللغة الأجنبية ، ومنه تعريب التعليم . وهذا المعنى الأخير هو المقصود في هذا الحديث .
والتعليم العام ، كما هو معروف، معرَّب كله في العراق . ومثل ذلك يقال في تعريب الموضوعات الإنسانية في التعليم العالي . غير أنّ تدريس العلوم ، ولا سيما التطبيقية منها ، كالطب والهندسة ، مازال أكثره غير معرَّب ، على الرغم من كثرة ما عقد لذلك من مؤتمرات وندوات وما انتهت إليه من توصيات ، وما كُتب فيه من بحوث ودراسات ، وما صدر من تشريعات وقرارات ، على مدى العقود الخمسة الأخيرة ، وكلها تنادي بوجوب تعريب التعليم ، على مختلف مستوياته ، بلا استثناء .
فما السبب في عدم تعريب هذا القدر الكبير من التعليم الجامعي عندنا؟
لنتذكر أولا ، أن اللغة هي من أهم مقومات الوحدة القومية ، وهي عنوان الولاء والانتماء ، وأن في تساهل أي أمة بترك لغتها إلى لغة غيرها ، معنى المساس بالسيادة والهوية القومية .
ولهذا الأسباب ، نجد أن أكثر الشعوب ، سواء من هي من الدول العظمى ، أو التي هي أقل منها مستوى، لا ترتضي لها عزتها وكرامتها أن يكون التعليم عندها بغير لغتها القومية . ويكفي أن نعد من تلك فرنسا ، وروسيا ، وألمانيا، واليابان ، وهنكاريا ، ويوكوسلافيا ، واليونان ، وتركيا ، وغير ذلك كثير.وحتى العبرية،التي هي في عداد اللغات الميتة، بات الصهاينة يستملونها في التعليم في بعض جامعاتهم.ولا يمكن لعاقل أن يقول إن لغات كل هؤلاء الأقوام أكثر طواعية للتعليم من اللغة العربية .
إن مما يؤسف له حقًا أن تستمر هذه الحال، من بقائنا عالة على لغة أجنبية في تعليمنا الجامعي . وكل ذلك بسبب ما يختلقه بعض الأساتذة من صعوبات ومعوقات ، على درب التعريب ، مما لا وجود له في الواقع .
إن الغالبية العظمى من أساتذة العلوم في جامعاتنا ، كانت دراستهم باللغة الإنكليزية، والكتب التي استعملوها هي أيضًا باللغة الإنكليزية ، ومن ثم فهم يجدون أسهل عليهم أن يدرسوا باللغة التي درسوا بها ، وأن يستعملوا الكتب المكتوبة بتلك اللغة ، من أن يبذلوا الجهد لتهيئة المحاضرات ، والتدريس ، وإعداد الكتب المنهجية ، وكتابة الأسئلة الامتحانية ، ونحو ذلك ، باللغة العربية ، التي لم يعتادوا على استعمالها في التعليم الجامعي .
وقد تبع ذلك ، أنهم يختلقون مختلف العقبات أمام تعريب التعليم الجامعي .
يحتج بعضهم بأنه ليس في المتيسر من المصطلحات ما يكفي لسد حاجة التعريب . إن هذه الحجة واهية أساسًا
فالمفروض أن المصطلحات في أي لغة ، توضع وتنمو من خلال استعمال تلك اللغة . ولم يسمع أحد بأن أيّا من البلاد التي ذكرنا انتظر حتى قدمت له المصطلحات كاملة غير منقوصة . ومثل ذلك لم ينتظر أسلافنا من العلماء قرارات من المجامع والهيئات العلمية واللغوية ، عندما وضعوا مصطلحات الصفر ، والجبر ، والفلك ، والمنطق ، والجيب ، والظل ، والقاطع ، وقطعة الدائرة ، وقطاعها ، ومئات غيرها من المصطلحات العلمية ، في العصور التي ترجموا فيها علوم اليونان والهند ، ثم طوروها ، وأضافوا إليها الكثير من عندهم.
والمعروف أن عشرات الدلالات العلمية الجديدة ، ومصطلحاتها ، تظهر وتضاف يوميا إلى جميع الاختصاصات في العالم المتقدم ، في هذا العصر الذي يتميز بالسرعة الهائلة للتقدم العلمي . وليس في إمكان أي من العلماء والباحثين والمتخصصين ، أن ينتظر كلما عنت له فكرة ، أو جابهته دلالة علمية جديدة ، ريثما تنظر فيها المجامع والهيئات العلمية المتخصصة ، وتقر مصطلحًا لها . ولو حصل مثل ذلك لتأخرت مسيرة العلم . وإنما يجتهد العالم والباحث في اختيار مصطلحه ، ويستعمله . ويمكنه أن يعود إلى ما تيسر من المعجمات اللغوية والاصطلاحية ، وقد يشاور بعض أهل اللغة ، كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
هذا ، وإن ما أعدته المجامع ، ومؤتمرات التعريب ، ومركز التعريب في الرباط ، والاتحادات والجمعيات العلمية، والهيئات المتخصصة ، وبعض الأفراد العلميين ، من مصطلحات علمية ، مطبوعة بهيئة معجمات ، أو مجاميع اصطلاحية ، يبلغ مئات الآلاف . وقد أُدخل منها في حسَّابة في المغرب ، نحو ستمائة ألف مصطلح . إن كل هذه المصطلحات ، وغيرها ، سيبقى على رفوف المكتبات ، وفي خزائن الكتب، ما لم تستعمل في عملية التعريب .
وأغرب من التذرع بغياب المصطلحات أن يدعي آخرون بأن من الضروري الانتظار ، ريثما توحَّد المصطلحات المتعدِّدة ، المتخذة لدلالة علمية واحدة . ولكن كيف توحد هذه المصطلحات ، ومن يوحدها ، إن لم تأخذ طريقها إلى الاستعمال ؟ لقد ضخم بعضهم قضية عدم توحيد المصطلحات ، حتى جعل منها العقبة الكأداء في طريق التعريب . وهذا هو الخطأ بعينه . فليس من الممكن ، ونحن في عصر تتقدم فيه العلوم ، وتظهر الفكر والدلالات والكشوف العلمية الجديدة ، بسرعة هائلة ، أن ينتظر العلماء كل مرة، حتى تجتمع هيئة معينة لتوحيد المصطلحات التي تشيع لدلالة علمية واحدة ، ليتمكنوا من استعمال المصطلح الموحَّدِ المُقَر .
ولهذا السبب بعينه ، لا يمكن أن تسلم أي لغة حية ، ينتشر استعمالها على رقعة كبيرة من الأرض ، أو تستعمل في أكثر من قطر واحد من تعدد بعض المصطلحات للدلالة العلمية الواحدة . ففي اللغة الإنكليزية مثلا ، يُسَمِّي بعضهم حوض تجمع مياه الأمطار ، لتصب في نقطة معينة من النهر watershed، ويصطلح آخرون على تسميته catchment، وبعضهم يسميه catch basin ، ويدعوه آخرون drainage area ، ويطلق عليه غيرهم اسم gathering ground . ومثل هذا كثير . وأكثر منه أن يشيع للدلالة العلمية الواحدة لمصطلحات أو ثلاثة فقط ، كما في استعمالهم مصطلحات crown و soffit و vertex، لدلالة علمية بعينها، وهي أعلى جزء في الوجه الداخلي من العقد المستعمل في المجاري ؛ أو في استعمالهم مصطلحي evapo-transpiration وconsumptive -use لمعنى الماء الخارج من التربة بفعل التبخر والنتح . وقد يزيح أحد المصطلحات المستعملة لدلالة علمية معينة، سواء مما يستعمل للدلالة نفسها ، كما في إزاحة مصطلح water table لمصطلح phreatic surface ، وكان كلاهما مستعملا للدلالة على سطح الماء الجوفي، أو كما في إزاحة مصطلح (المياه الجوفية) في العربية ، مصطلح (المياه الخفية ) ، وكان هذا الأخير ، هو المستعمل قبل نحو عشرة قرون .
وهكذا … فإن الاستعمال وحده هو الذي ينتخل ، ويغربل ، ويبقي المصطلح الأنسب ، أو الذي هو أكثر خطأ من سواه . وقد يظل عدد من المصطلحات شائعًا لدلالة علمية واحدة ، أمدًا طويلا، ولا يزيح أي منها سواه ، ولا تتأخر مسيرة العلم ، وإن تكن الحالة المثلى ، هي أن يستعمل مصطلح واحد ، للدلالة العلمية الواحدة .
ومن أمثلة تعدد المصطلح العلمي في العربية استعمالهم مصطلحات (الرَّقّاص) في العراق ، و(الخطّار) في سوريا ، و(النوّاس) في لبنان، و(البندول) في مصر، وهو لفظ أعجمي ، لشيء واحد بعينه . وقد يستمر ذلك زمنًا طويلا،ومثله كثير.
وعلى أية حال ، لا داعي للمبالغة في خطورة الأمر . فلن يؤثر ذلك كثيرًا في تقدم العلم ، وإن يكن الأفضل هو التوحيد ، كما سبق بيانه .
ومن المعوقات المختلقة على العربية ظلمًا وعدوانًا، إدعاء عدم طواعيتها للغة العلمية والتعريب ووضع المصطلحات . لقد كان ذلك من آثار عهود الاستعمار وحكم الأجنبي ، الذي كان يحاول ، بشتى الوسائل ، أن يضلل أبناء هذه الأمة، ليدخل في روعهم أن العربية لا تصلح لدراسة العلوم ، وأنها لغة الأدب والشعر فحسب . ومن المؤسف حقًا أن ينطلي مثل تلك الافتراءات على بعض الناس ، فيظلوا منخدعين بها حتى زمننا هذا .
ويمكن القول بأن للعربية من الخصائص ما يجعلها من أطوع اللغات للتعليم والعبارة العلمية . وليس على العالم والباحث إلا أن يمارسها ، ويوظفها في أعماله العلمية ، ليتعرف دقائقها ، ويطلع على إمكاناتها العظيمة في التوسع والاستيعاب .
ففي العربية مثلا من وفرة الأوزان الاشتقاقية ما قد لا نجده في أحسن اللغات، التي تسمى في هذه الأيام اللغات الحية . وقد أحصى بعضهم بضع مئات من هذه الأوزان . ولكل وزن منها واحد أو أكثر ، من المعاني والدلالات ، التي يمكن استعمالها وتوظيفها للتعبير العلمي . وليس هذا مجال استعراض كل ذلك غير أن من المفيد الإشارة إلى ملامح من بعض ما تمتاز به هذه اللغة ، على اللغات الأوربية ، من تلك الخصائص .
فإن التعدية القياسية للثلاثي اللازم ، بالهمزة ، من سمات العربية ، التي لا نجد ما يماثلها في اللغات الأوربية ، التي يلجأ فيها، في الأغلب ، إلى استعمال أكثر من كلمة واحدة لهذا الغرض ، أو يستعمل فيها الفعل نفسه للزوم والتعدي ، من دون تمييز . وقد تكون تعدية اللازم العربي أيضًا بالتضعيف ، في بعض الأحيان . فيقال في تعدية الفعل (ذهبَ ، أذهَبَ ) وفي (جَمَد ، جمَّدَ ) . وأمثال هذه الأفعال المُعَدَّاة ، ومصادرها ، مثل (الإذهاب ، والتجميد ، والإزاحة ، والتبريد ) وغيرها، ذات فائدة كبيرة في لغة العلوم .
أما في الإنكليزية مثلا ، فيقال في (أذهب ، ونوَّمَ ، وأنسَى) مثلا made go وput to sleep ، و caused to forget أو made forget ، أو يستعمل للمتعدي ما يستعمل للازم من دون تمييز . فيقال مثلا في (بَرَد وبرّد ) كليهما cooled ، ولا يتضح المراد إلا في سياق الكلام .
وعلى العكس من ذلك ، من خصائص العربية أيضًا : المطاوعة وبها يصاغ الفعل اللازم المطاوع من المتعدي، على غرار (انقطع، وانحل ، واجتمع وانتشر ، والتصق واختفى ، وتشتت وتجمد) من ( قطع، وحل، وجمع، ونشر، وألصق، وأخفى ، وشتت، وجمد ) وهذه الأفعال ، ومصادرها، وهي ( الانقطاع والانحلال ، والاجتماع والانتشار ، والالتصاق والاختفاء ، والتشتت والتجمد ) ، والكثير من أمثالها ، كلها كبير الفائدة أيضًا في اللغة العلمية ، لدلالتها على التأثر بفعل خارجي .
ومن خصائص العربية الاشتقاقية ، التي تميزها من اللغات الأوربية أيضًا ، قياسية صوغ اسمي الزمان والمكان ، بلفظ واحد لكل منهما ، على غرار (المسْبح ، والمغرب ، والمتلقى ) لمكان السباحة ، وزمن الغروب ، ومكان الالتقاء أو زمانه . أما في الإنكليزية فهي تصاغ من فعل بعينه بأكثر من كلمة واحدة فيقال مثلا swimming pool ، و time of sunset، و meeting time أو meeting place.
ومما يميز العربية أيضًا كثرة أوزان ما يمكن اشتقاقه من أسماء الآلة ، التي تصاغ من الثلاثي قياسًا بأوزان ( مِفعَل ، ومِفعال ، ومِفعلة ) ، وقد تصاغ بوزن اسم الفاعل ومبالغته، مذكرًا أو مؤنـثًا، ومن المزيد بوزن اسم الفاعل أيضًا . فيقال:(مِلقط،ومِرفاع، ومِعزقة ، ونابض، وقاطرة،وجرَار،ودبَابة، ومكثِّف، ومُبرقة، ومُفاعِل،ومبرِّدة ).ومثل ذلك كثير،وكله عظيم النفع في وضع المصطلحات العلمية.
وثمة أوزان اشتقاقية أخرى كثيرة ، تنفرد بها العربية ، مما يمكن استعماله لمعانٍ علمية معينة ، كما في وزن (التفاعُل) ، للعمليات أو العلائق العلمية المتبادلة ، مثل (التجاذب ، والتوازن، والتفاعل ، والتعادل ، والتناظر ) ؛ ووزن (التفعيل)، لمعنى التكثير ، كما في (التقطيع ، والتكسير ، والتجميع ) وغير ذلك كثير.
ويفيد المصدر الصناعي لمعنى الحالة التي يتصف بها الشيء . وهو ذو أهمية كبيرة في الاصطلاح العلمي . ويمتاز في العربية عنه في الإنكليزية مثلا بقياس صياغته بإلحاق ياء النسبة والهاء بآخر الصفة ، أو الاسم ، أو المصدر ، أو حتى الجملة في بعض الأحيان ؛ في حين أنه لا يمكن صياغته في الإنكليزية بطريقة واحدة لكل هذه الأشياء . وهكذا يقال (الحساسية والمطيلية ، والشعبية والداروينية ، والاشتراكية والاحتمالية، واللاأدرية، والماهية ) من ( حساس ومَطيل ، وشَعْب وداروين ، واشتراك واحتمال، ولا أدري ، وما هو ) .
وغير كل هذه ، من الأوزان الاشتقاقية المفيدة في الاصطلاح العلمي ، مما تمتاز به العربية من سواها ، كثير مما لا يمكن إحصاؤه في هذه العجالة .
وينقل كثير من الأوصاف إلى الاسمية في أكثر اللغات ، لتسمية أشياء بعينها ، كما في استعمال (الهشيم) بالعربية للنبات اليابس المهشم ، و (الخطّاف) لنوع معين من الطير ، وكلاهما في الأصل من الأوصاف . غير أن مجال العربية في ذلك أوسع من كثير من اللغات ، ومنها الإنكليزية، لأن الصفة في العربية تأتي بصيغة التذكير والتأنيث . وهكذا يقال ، (الدقيق) لطحين القمح ، و(الدقيقة) لجزء من ستين جزءا من الساعة ، و(الطائر) لواحد الطير ، و(الطائرة) للمركبة الهوائية المعروفة .
والعربية اختزالية بطبيعتها ، سواء في رسم حروف كلماتها ، أو في تركيب جملها ، فلو أريد كتابة لفظة (كتب) بالإنكليزية ، لاحتيج إلى ستة حروف . ولو أريد ترجمة (استعنتك ) إلى الإنكليزية لقيل I asked for your help بخمس كلمات ، أو I turned to you for your help بسبع كلمات .
وفي حروف العربية تسعة أصوات ليست في الإنكليزية ، وهي الحاء ، والخاء ، والصاد ، والضاد، والطاء ، والظاء، والعين، والغين، والقاف. في حين أن العربية لا ينقصها من أصوات الحروف الإنكليزية سوى خمسة ، هي صوت ch كما في جمجمال ، وg كالذي في بابا كركر ، وP كما في قره تيّة ، وSكالذي في measure ، وVكما في هاقانا.وقد أقر أكثر المجامع كتابتها على التوالي جيما بثلاث نقاط (جـ) ، وكافًا بشرطتين ( كـَ) ، وباء بثلاث نقاط (ب) ، وزايا بثلاث نقاط (ز) ، وفاء بثلاث نقاط (فـ) ؛ وهي موجودة في أكثر صناديق الطباعة . وغير خافٍ أن وفرة أصوات حروف العربية ، مما يجعلها أكثر طواعية لصياغة الكلمات والمصطلحات من سواها .
وللمجاز في العربية معنى أخَصُّ من معنى المصطلح فالمصطلح قد يكون لفظًا استعمل لغير معناه اللغوي ، بشرط وجود علاقة ، من قريب أو من بعيد ، بين المعنى المستعمل فيه ، والمعنى اللغوي ، كاستعمال كلمة (الضَّرْب) لتكرار العدد بقدر معين ، مع أن أصل معناه اللغوي هو الإصابة باليد وبالعصا أو نحو ذلك ؛ وقد يكون استعمال اللفظ بمعناه اللغوي نفسه ، كما في (الجريان ، والذوبان) ؛ أو يكون لفظًا جديدًا مشتقا ، أو مقيسا، أو مولدًا ، أو حتى مُعرَّبًا من كلمة أجنبية. أما المجاز فهو مقصور على المعنى الأول للمصطلح أي أنه لفظ استعمل لغير معناه اللغوي ، بشرط وجود علاقة بين المعنى المستعمل فيه ، والمعنى اللغوي .
وفي المجاز غنى وموسعة كبيرة في اللغة العربية . فإن معنى (الأخذ) مثلا، هو التناول . ولكن للأخذ عدة استعمالات مجازية غير هذا . فيقال (أخذ يفعل كذا ، أي طفق ) و ( أخذه وأخذ به : أمسكه ) ، و(أخذ إخذهم : تخلق بأخلاقهم ) ، و ( أخذ فلانا : حبسه)، و(أخذه بذنبه: عاقبه عليه)، و(أخذ عنه: نقل)، و (أخذ في الكلام: بدأ)، و (أخذه بالأمر:ألزمه )،و(أخذ الله فلانًا: أهلكه)، و(أخذ حذره : تيقظ)، و(أخذ على نفسه:تعهد)،و(أخذت فيه الخمرة:أثرتْ) و( أخذ فيه السير:أضعفه )، و(أخذ على فمه:منعه من الكلام)، و( أخذ على يده: منعه عما يريد فعله) . وعلى غرار هذا خرجوا من (الضرب)، على المجاز ، بنحو أربعين معنى ودلالة . وكل هذه المعاني المجازية ، وأمثالها مما يسهل ويغني مهمة اختيار المصطلح العربي .
أما بعد ، فإن الاحتجاج بصعوبة تعريب التعليم الجامعي ، لعدم تيسر الكتب المنهجية ، والمجلات العلمية ، والتمسك بأنه لابد من الانتظار والتريث حتى تعد تلك الكتب ، كل ذلك من الأعذار المردودة أساسا . فإن الذين ينهضون بمهمة التعريب ، هم وليس سواهم، المعول عليهم في إعداد الكتب المنهجية ، ومن بعدها كتب المراجع . إنها نغمة يسمعها الجميع منذ عشرات السنين بلا طائل ، ولا تُعد كتب ، ولا يُسار في التعريب .
وفي الحقيقة : إن العمليتين يجب أن تسيرا جنبًا إلى جنب ، وليس لإحداهما أن تسبق الأخرى . فتُعد المحاضرات في البدء، ويُسار في تعريب التعليم ، وتُجمع مادة المحاضرات لتهيئة الكتاب المنهجي. وهذا يُطور بمرور الزمن ، ومع تطور المناهج . ثم يأتي من بعد ذلك إصدار المجلات العلمية ، ليقبل عليها ويستفيد منها قراؤها ، بعد أن يكونوا قد ترسخت لديهم المقدرة على استيعاب اللغة العلمية ، لغة التعريب .
أما عن اللغة الأجنبية ، فلن يكون من الصعب تخصيص ساعة أو ساعتين أسبوعيًا ، في السنتين الأوليين من الدراسة الجامعية ، لتدريس الحد الأدنى من لغة وظيفية تمكن الطلبة من العودة إلى بعض المراجع الأجنبية عند الحاجة ، وتمهد للنخبة النابهة منهم متابعة الدراسة العليا والتخصص في الجامعات الأجنبية .
وأخيرًا إن كل المعوقات المدعاة والمختلقة في طريق التعريب تتهاوى وتتهافت … إن المعوق الوحيد هو التخوف من أن تعريب التعليم الجامعي سيتطلب من الأساتذة الجامعيين ، من دون شك ، بذل الكثير من الجهود . ولكن متى كانت قضايا بناء الصرح الحضاري ، وتحقيق الأصالة العلمية ، وتدعيم روح الولاء والانتماء ، وكلها متعلق بمصير الوطن والأمة - مما لا يستحق أن تبذل كل الجهود من أجله ؟
جميل عيسى الملائكة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .