الأوراق الفدرالية، ورقة 10

من معرفة المصادر

الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 10 جيمس مادسون James Madison 22 نوفمبر 1787


إلى أهالي ولاية نيويورك: من بين الحسنات العديدة التي يبشّر بها اتحاد يتم بناؤه جيداً، ليس هناك ما هو جدير بأن يتم تطويره بدقة أكثر من ميل الاتحاد إلى كسر حدة العنف في التحزب والانقسام، والسيطرة على ذلك. ولا يجد صديق الحكومات الشعبية ما يخشاه أكثر من خشيته على مصير تلك الحكومات حين يفكر في قوة اندفاعها نحو هذه الرذيلة الخطرة. عندئذ، لن يعوزه وضع قيمة جديرة لأية خطة، تقدم علاجاً ناجحاً لها، بدون تدنيس المبادئ التي يرتبط بها ذلك الصديق. إذ أن عدم الاستقرار، والظلم، والفوضى التي سريعاً ما تنّفذ إلى المجالس العامة، هي الأمراض المميتة التي رزحت تحتها الحكومات الشعبية، حتى هلكت. كما أن تلك الآفات الثلاث قد ظلت على الدوام العناوين المفضّلة والمثمرة التي برز من رحمها أعداء الحرية واتخذوا منها تشنيعات خادعة. نعم، إن التحسينات القيّمة التي أدخلتها الدساتير الأمريكية على النماذج المألوفة، قديمها وحديثها، تحسينات لا يستطاع المبالغة في تقدير مزاياها، بيد أنه من الانحياز غير المبرر أن ندّعي أن تلك التحسينات قد أزالت بنجاح خطر الانشقاق والعنف كما هو مرغوب في ذلك ومتوقع منها. فنحن نجد التذمر والشكوى مسموعة في كل مكان من المواطنين الفضلاء وذوي التقدير والاعتبار، أصدقاء الإيمان الخاص والعام، وأصدقاء الحرية العامة والحرية الشخصية، في أن حكوماتنا تظل قلقة غير مستقرة. كما يتشكون من أن الخير العام يُهمل في صراعات الأحزاب المتنافسة، ومن أنه كثيراً ما يتم إقرار القوانين لا وفق قواعد العدالة، والحرص على حقوق الحزب الأضعف، بل تقررها القوة الأعظم وليدة الأكثرية الطاغية ذات المصلحة، ووفق ما ترتأيه ورغم رغبتنا الشديدة في ألا يكون هناك أساس لهذه الشكاوي، فإن الوقائع المعروفة لن تسمح لنا أن ننكر أنها شكاوي صحيحة صادقة إلى درجة ما. والحقيقة أنه لو قمنا بمراجعة حسنة النية لوضعنا لوجدنا أن بعض الهموم التي تواجهنا قد ألقي عبؤها على حكوماتنا بغير حق. ولوجدنا في الوقت نفسه، إن هناك أسباباً أخرى ليست مسئولة وحدها عن كثير من سوء حظنا، وبخاصة عن عدم الثقة المتزايد الذي نشهده في التعاقدات العامة والتخوف على الحقوق الخاصة، اللذين يرن صداهما من طرف واحد في القارة إلى الطرف الآخر، ولا بدّ أن يكون بعض ذلك، إن لم يكن كله، نتائج ترتبت على عدم الثبات والظلم اللذين اصطبغت بهما الروح الحزبية في الإدارة العامة عندنا. أنا أفهم من كلمة حزب أنه مجموعة من المواطنين، سواء بلغ عددها أكثرية أو أقلية من الكل، اتحد أفرادها بفعل دافع مشترك بينهم أو شعور،أو مصلحة، مخالفة حقوق المواطنين الآخرين، أو للمصلحة الجماعية الدائمة للمجتمع. وهناك أسلوبان لمعالجة شرور الحزب، واحد منهما هو إزالة أسباب تلك الشرور، والثاني هو السيطرة على نتائجها وآثارها. وهناك أيضاً أسلوبان لإزالة أسباب قيام الحزب، الأول يتم عن طريق تدمير الحرية، والتي هي ضرورة أساسية لوجود الحزب ذاته، والثاني يتم عن طريق إعطاء كل مواطن الآراء نفسها، والعواطف ذاتها والمصالح ذاتها أيضاً. وليس هناك قول أصدق في حال العلاج الأول من أنه دواء أسوأ من الداء. فالحرية للحزب هي الهواء للنار، أو شرط تنطفئ النار تواً عند اختفائه. والتدمير حماقة في حد ذاتها، لكنه ليس أقل حمقاً منها أن نلغي الحرية، والتي هي ضرورة أساسية للحياة السياسية، بدعوى أن تلك الحرية تشارك النار في قوتها التدميرية. والذريعة الثانية أمر تعسر ممارسته بقدر ما أن الذريعة الأولى لا حكمة فيها فطالما أن عقل الإنسان خطّاء، وأن للإنسان حرية استخدامه، فستظل آراء متغايرة، تتشكل. وطالما ظل هناك علاقة قائمة بين عقل الإنسان وحبه لذاته، فإن آراءه وعواطفه ستظل متبادلة التأثير الطرف منها في الآخر، وستظل الأولى أهدافاً تربط الأخيرة نفسها بها. إن التفاوت في القدرات بين الأفراد، والذي منه تنبع حقوق الملكية، ليس عقبة أقل كؤودة من تعذّر انسجام المصالح. وحماية هذه القدرات هي الهدف الأول للحكومة. فمن حماية القدرات المتباينة وغير المتساوية على حيازة الملكية، تتولد على الفور حيازة درجات مختلفة من الملكية وأنواع مختلفة منها، ومن تأثير هذه على مشاعر المالكين ذوي العلاقة ووجهات نظرهم يتولّد تقسّم المجتمع إلى مصالح مختلفة وأحزاب مختلفة. إن الأسباب الكامنة وراء التحزب هي أسباب منغرزة في طبيعة الإنسان، ونحن نشهدها في كل مكان تتبدّى على درجات مختلفة من النشاط، بحسب الظروف المختلفة للمجتمع المدني الذي يتبعه. فالتحمس لآراء مختلفة حول الدين، وحول الحكومة، وحول عدة موضوعات أخرى، تأملية وتطبيقية، والولاء لزعماء مختلفين متصارعين للبروز والسيطرة، أو لأشخاص مواصفاتهم مختلفة، استرعت حظوظهم اهتمامات مشاعر الناس – كل هذه، قد قسمت الناس، بدورها، إلى أحزاب، وألهبت فيهم مشاعر البغضاء المتبادلة، وجعلتهم أكثر ميلاً لأن يضايقوا ويضطهدوا بعضهم البعض أكثر مما جعلتهم يتعاونون في خدمة صالحهم العام. وقد بلغ هذا الاندفاع من القوة في الناس مبلغاً، فأوقعهم في العداوات المتبادلة، إلى درجة أنهم عند غياب سبب محسوس لاختلافهم تكفي التمايزات التافهة بينهم لإلهاب المشاعر غير الودية تجاه بعضهم وإهاجة صراعاتهم الأشد عنفاً. لكن أشيع مصدر للأحزاب وأطولها بقاءً هو التوزيع المؤذي وغير المتساوي للملكية. فالذين يملكون والذين لا يملكون قد ظلوا على الدوام يشكلون مصالح مختلفة في المجتمع. والدائنون والمدينون يخضعون للتقسيم ذاته. فمصلحة كل من مالك الأرض، والصناعي، والمشتغل بالتجارة، ورب المال، منضمّة إلى ذوي المصالح الأدنى من هذه الأهمية – إنما تتولد، بحكم الضرورة، في الأمم المتحضرة، وتقسمها إلى طبقات مختلفة تتأثر بمشاعر مختلفة وآراء مختلفة أيضاً. ولذا كان تسيير هذه المصالح المتنوعة والمتشابكة يشكّل المهمة الرئيسية للتشريع الحديث، والعمل الأهم له، ويجمع بين روح الحزب والفئة وبين الأعمال الضرورية والعادية للحكم. لا يجوز لأحد أن يكون قاضياً في قضيته الخاصة، إذ لا شك في أن مصلحته ستؤثر في انحياز حكمه، بل ليس من غير المحتمل أن تفسد نزاهته أيضاً. وبمنطق مساو، بل أقوى من ذلك وأعظم، لا تغدو أية هيئة من الأشخاص أو مجموعة من الرجال صالحة لأن تكون قضاة وأطرافاً في نفس الوقت.. ومع هذا فهل كثير من القوانين والتشريعات المهمة أكثر من كونها قرارات قضائية، لا تتعلق في الواقع بأشخاص بمفردهم، بل مجموعات كبيرة من المواطنين؟ وهل المراتب المختلفة من المشرعين أكثر من كونها فئات محامين وهيئات دفاع يناقشون الضرورات التي يقررونها؟ هل القانون المقدم إليكم يتعلق بالديون الخاصة؟ كلا، إنه استفسار فيه الدائنون أحزاب من جهة والمدينون من جهة أخرى. ومن الواجب أن تحفظ العدالة التوازن بينهما. ومع هذا، فإن الأحزاب فعلاً، ويجب أن تكون، هي نفسها القضاة، والحزب الأكثر عدداً، وبالتالي، الحزب الأعظم قوةً، هو الذي يُتوقع أن يسود. هل يجب تشجيع الصناعيين المحلّيين، عن طريق فرض قيود على الصناعيين الأجانب وإلى أي درجة؟ هذه هي القضايا التي لا بد أن يقع في الإجابة عنها اختلاف بين المالكين والصناعيين، والتي ربما لن يحسم أي من الفئتين أمرها على أساس اعتبار العدالة والمصلحة العامة وحدهما. إن فرض الضرائب على مختلف أصناف الملكية لهو عمل يتطلب عدم الانحياز المطلق. ومع هذا، فإنه يمكن القول أنه، ليس هناك أي لائحة تشريعية تتيح فرصة أعظم، وإغراءً أقوى من هذا الواقع، لأن يدوس الحزب المسيطر قواعد العدالة فكل شلن يثقل به ذلك الحزبُ الحزب الأقل عدداً منه لهو شلن يتم توفيره لحساب جيوب أفراد الحزب الأقوى منهما. ومن العبث القول إن رجال السياسة المتنورين يستطيعون تعديل هذه المصالح المتضاربة وجعلها جميعاً تخدم المصلحة العامة. إن هؤلاء لن يتسلموا قيادة الدفة في جميع الأوقات, وليس بالمستطاع في كثير من الحالات، إجراء التعديل أصلاً، بدون حسبان اعتبارات غير مباشرة، ومختلفة، نادراً ما تُغلّب المصلحة الآنية، التي قد يجدها حزب في إهمال حقوق الحزب الآخر، أو إغفال المصلحة العامة ككل. والاستنتاج الذي يواجهنا في هذا الموقف هو أن أسباب التحزّب أسباب لا يمكن إزالتها، وأن الإنقاذ يجب أن يُنشد في وسائل التحكم بآثارها. فإذا كان الحزب يتألف من أقل من الأكثرية، فإن الإنقاذ سيكون متوفراً في المبدأ الجمهوري، فهو الذي يمكّن الأكثرية من هزم وجهة نظر ذلك الحزب الشريرة عن طريق التصويت المنتظم. قد يعيق ذلك الوضع الإدارة. وقد يحرف المجتمع كله، لكنه لا يستطيع إخفاء عنف ذلك الحزب تحت قناع أي شك من الدستور. وحين يتم احتواء الأكثرية في نطاق حزب واحد، فإن شكل الحكومة الشعبيّة، من الجانب الآخر، سيمكّن ذلك الحزب، ولصالح نزوعه إلى الحكم أو مصلحته الخاصة، من التضحية بكل من المصلحة العامة وحقوق المواطنين الآخرين. إن ضمان المصلحة العامة والحقوق الشخصية للأفراد ضد خطر مثل ذلك الحزب، والحفاظ على روح الحكومة الشعبية وأنموذجها على السواء وفي الوقت نفسه – هو الهدف العظيم الذي يتوجه إليه تساؤلنا. دعني أضيف أيضاً أن الأمنية العظيمة التي بفضلها يمكن إنقاذ ذلك النوع من الحكم، من العار الذي عانى منه طيلة الوقت حتى الآن، هو ما نحبّذه ونوصي به لأن يُتبنى لخير كرامة الإنسان. بأي وسيلة يمكن بلوغ هذا الهدف؟ من الواضح أنه يمكن عن طريق سبيل واحد أو اثنين: إما وجود المشاعر نفسها أو المصلحة ذاتها عند أكثرية يتم كبحها في الوقت نفسه، أو جعل تلك الأكثرية، ذات المشاعر أو المصلحة المشتركة، بحكم عددها ووضعها المحلي – غير قادرة على تنظيم خطط القمع والاضطهاد ولا على تنفيذها. ونحن نعرف جيداً أنه إذا تم تطابق الواقع والفرصة فلا الدوافع الأخلاقية ولا الدوافع الدينية يمكن الاعتماد عليهما بقدر ما يمكن الاعتماد على السيطرة والتحكم الفعّاليين. ذلك إن تلك الدوافع جميعاً لن تُثيت قوتها في حال وقوع الظلم أو العنف من الأفراد، بل إن تلك الدوافع تفقد فعاليتها نسبياً كلما زاد العدد المنضم إلى بعضه، أي، كلما غدت الحاجة إلى فعاليتها مطلوبة أكثر. من زاوية النظر هذه إلى الموضوع يمكن استنتاج أن الديموقراطية المحضة، والتي أعني بها مجتمعاً قوامه عدد قليل من المواطنين، يجتمعون ويشاركون شخصياً في إدارة الحكم – لا توفر أي علاج شاف لمساوئ التحزب. فالعاطفة المشتركة أو المصلحة المشتركة في كل حالة تقريباً، سوف يحسُ بها من قبل أكثرية الكل، وهذا تواصلُ وانسجام ينتج من شكل الحكم نفسه، وليس هناك في تلك الديموقراطية أي عائق يحول دون تحبيذ التضحية بالحزب الأضعف أو الفرد الشاذ المشاغب. من ثم فإن مثل تلك الديمقراطيات كان غالباً مسرحاً للاضطراب والصراع، ولقد ظلت طوال الوقت غير منسجمة مع الأمن الفردي ولا مع حقوق الملكية، وكانت بصورة عامة قصيرة العمر، كما ظلت تواجه العنف عند موتها. لقد افترض السياسيون النظريون، الذين رعوا هذا الطراز من الحكم، ومن باب الخطأ منهم – أنه بإخضاع الناس جميعاً إلى مساواة كاملة في الحقوق السياسية للأفراد، سيكون الناس في الوقت ذاته متساويين تماماً ومتماثلين من حيث حيازة الملكية، وفي أرائهم، وأحاسيسهم. إن حكماً جمهورياً، أعني حكماً يتم فيه تطبيق برنامج لتمثيل الأفراد، من شأنه أن يفتح آفاقاً مختلفة وأن يعد بتقديم العلاج الشافي الذي ننشده. دعنا نتفحص النقاط التي يختلف فيها ذلك النوع من الحكم الجمهوري عن الديمقراطية المحضة، وسوف ندرك كلاً من طبيعة العلاج الشافي، والنقائص التي لا بد أن يخلقها، من الاتحاد. إن النقطتين المهمتين في الفرق بين الديمقراطية والنظام الجمهوري هما: أولاً تفويض الحكم في النظام الأخير إلى نفر من المواطنين تم انتخابهم من قبل بقية الشعب، وثانياً العدد الأكبر من المواطنين، والنقاط الأوسع من البلاد، الذي يمكن مدّ ذلك النظام إليه. والنتيجة التي تترتب عن الفرق الأول هي من جانب واحد ترقية وجهات نظر الجمهور وتوسيع نطاق تلك الآراء، عن طريق تمريرها إلى المواطنين من خلال وسيط يكون هيئة مختارة من قبلهم، بمقدور الحكمة التي يتمتع بها أفراد تمييز المصلحة الحقيقية لوطنهم، وبمقدور شعورهم الوطني وحبهم للعدالة أن يجعل إمكان تضحيتهم بمصلحة الوطن لصالح اعتبارات آنية أو جزئية – أقل احتمالاً. في ظل مثل هذا الانضباط يتم إلى درجة مقبولة جعل صوت جمهور الناس الذي ينطق به ممثلوا الشعب صوتاً صلباً مسانداً للمصلحة العامة أكثر مما لو نطق بها جمهور الناس أنفسهم، لو اجتمعوا لذلك الغرض. ومن جانب آخر، فإنه يمكن أن تنعكس النتيجة. إذ قد يفوز الأفراد ذو الطبائع التحزبية، وذوو الأحقاد المحلية، أو المكائد الشريرة وهم يفوزون عن طريق الدسيسة، أو الفساد، أو وسائط أخرى – في الافتراع العام، هو: ما إذا كانت الجمهوريات الصغيرة أم الكبيرة الواسعة، هي الوضع الأفضل في انتخاب الحراس المناسبين للسهر على المصلحة العامة. وقد تم الحسم بوضوح لصالح الخيار الثاني بفضل اعتبارين واضحين. ففي المقام الأول ينبغي ملاحظة أنه مهما كانت الجمهورية صغيرة فلا بدّ أن يبلغ ممثلوها عدداً معيناً كيما يستطيعوا القيام بالحراسة ضد شرور نفر ما، من أبنائها، ومهما كانت الجمهورية كبيرة فإنه يجب تحدي عدد أولئك الممثلين برقم ما أيضاً كيما يحرسوا جمهوريتهم ضد فوضى الكثرة منهم. من ثم فإن عدد الممثلين في الحالتين لن يكون متناسباً مع عدد مكوّنات جمهوريتيهما، أي أفراد تلكما الجمهوريتين، لكنه يكون أعظم تناسباً في حال الجمهورية الأصغر، أو بالتالي، فإن نسبة الأشخاص المناسبين للتمثيل يجب ألا تقل في الجمهورية الأكبر عن مثيلتها في الجمهورية الأصغر. وهكذا فإن الجمهورية الأخيرة سوف تتيح لأهلها خياراً أكبر للانتقاء، ومن ثم احتمالاً أكبر لاختيار أكثر مناسبةً لمن يمثلونها. وفي المقام الثاني، ومادام كل ممثل سيتم انتخابه من قبل عدد أكبر من المواطنين في الجمهورية الكبيرة من نظيره في الجمهورية الصغيرة، فسيكون أكثر صعوبة على المرشحين غير الأكفياء أن يمارسوا بنجاح تلك الأحابيل الشريرة التي كثيراً ما تتم ممارستها في الانتخابات، إذ أن الاقتراع العام سيكون أكثر حرية، كما سيكون الاحتمال فيه أكثر لأن يتم التركيز على الأشخاص ذوي الجدارة الأكبر جاذبية من غيرهم، والأكثر اقتداراً على إذاعة صفاتهم وميزاتهم الراسخة ونشرها. ويجب الاعتراف أنه في هذه الحال، كما في أكثر القضايا الأخرى، هناك وسيلة عند كل من الجانبين يتواجد فيها إمكان خلق الإزعاج. فمن خلال تضخيم عدد الناخبين إلى أكثر مما ينبغي تغدو إمكانية الممثلين لأن يتعرفوا على جميع ظروفهم المحلية والمصالح الأصغر فيها، أقل.. ومن خلال تصغير العدد إلى أقل مما ينبغي فإنك تجعل الممثل أضعف ارتباطاً بتلك الظروف والمصالح، وأقل قدرة على إدراك ومتابعة الأهداف الوطنية الكبيرة. إن الدستور الفدرالي يشكّل توليفة موفقة في هذه الناحية، إذ أن المصالح الكبيرة والتي تضم الأكثرية يشار إليها فيه باعتبارها مصالح وطنية فيما يُعهد بالأخرى المحلية والخاصة إلى هيئات التشريع في الولاية. والنقطة الثانية من الاختلاف هي عدد المواطنين الأكبر ومدى رقعة الأرض التي يمكن أن تدخُل ضمن نطاق حكم جمهوري لا حكم ديمقراطي، وهذا في أساسه هو واقع الحال الذي يجعل التجمعات التحزبية أقل مثاراً للتخوف منها في الحكم الأخير مما في سابقه. ذلك أنه كلما كان المجتمع أصغر، كان عدد الأحزاب المتميزة فيه وكانت المصالح التي تشكل الواحد منها أقل أيضاً، وكلما قلّ عدد الأفراد الذين يشكلون أكثرية في الحزب، وضاق النطاق الذي يحتلونه منه، زادت سهولة التنسيق فيما بينهم لتنفيذ خططهم القمعية. وسع المجال إذن وسيتسع تنوع الأحزاب والمصالح، مما يجعل تشكل أكثرية بين الكل يحركها دافع مشترك للافتئات على حقوق المواطنين الآخرين وتهديدها – احتمالاً أقل – وحتى إذا ما وجد مثل ذلك الدافع فسيكون أصعب على جميع من يحملونه أن يكتشفوا قوتهم، وأن يعملوا في تناغم مع بعضهم، وإلى جانب العوائق الأخرى، يمكن الإشارة عنها إلى أنه حيثما يوجد إدراك الأغراض غير العادلة وغير الشريفة، فإن التواصل (بين مؤيديها) في كثير من الأحيان يتبعه عدم الثقة، وبشكل يتناسب مع عدد أولئك الذين يغدو توافقهم ضرورياً. ومن ثم، فإنه يتبين بوضوح أن التفوق الذي تمتلكه الجمهورية على الديمقراطية من حيث التحكم بتأثيرات التحزّب تتمتع بمثله الجمهورية الكبيرة على الأخرى الصغيرة – وهو التفوق الذي يتمتع به الاتحاد على كل الولايات التي تشكله. هل يتألف هذا التفوق من استبدال الممثلين الذين تجعلهم وجهات نظرهم المستنيرة، ومشاعرهم الفاضلة، أرفع قدراً من أن يأخذوا بالأحقاد المحلية وخطط إلحاق الظلم بغيرهم؟ ليس ينكر أن التمثيل في الاتحاد سوف يكون احتماله أكثر لأن يمتلك مثل هذه المواهب المطلوبة. هل يتألف ذلك من واقع الأمن الأكثر الذي يسمح بعدد أكبر من الأحزاب المتنوعة، ضد واقع حزب واحد يتفوق عددياً ويقمع الأحزاب الأخرى؟ وبدرجة متساوية في الأهمية يمكن التساؤل عما إذا كان تزايد عدد الأحزاب المتنوعة التي يضمها الاتحاد يزيد في توفير الأمن. هل يقتصر الأمر بمجمله، على العقبات الأعظم التي يجابهها الانسجام والإنجاز فيما بين الرغبات السرية عند أكثرية غير عادلة وذات مصلحة؟ هنا أيضاً يمنحه عامل توسُع الاتحاد أفضل حسناته. ذلك أن نفوذ الزعماء الحزبيين قد يشعل اللهب داخل ولايتهم الخاصة بهم، لكنه سيظل عاجزاً عن أن ينشر حريقاً عاماً في الولايات جميعها. نعم إن طائفة دينية أو مذهباً دينياً قد ينحط على درجة تشكيل حزب سياسي يقوم في جزء من الكونفدرالية، لكن الأحزاب الأخرى يبئسها ظهور ذلك على وجه الاتحاد ككل، لا بد أن تضمن نشاط المجالس الوطنية في الولايات ضد أي خطر ينبعث من ذاك المصدر. إن نقمة عامة على إصدار عملة ورقية أو على حذف الديون، أو على توزيع متساو للملكية، أو بسبب من أي غرض غير مناسب أو خبيث، ستكون أقل احتمالاً لأن تعم جسد الاتحاد كله من احتمال حدوث ذلك في عضو بعينه من أعضائه؛ كما أن احتمال أن يصيب الداء ناحية واحدة بعينها أكثر من احتمال أن يصيب مقاطعة كاملة أو ولاية بأجمعها. وبخصوص امتداد رقعة الاتحاد والبنية التشكيلية الخاصة به، إذن، سوف نشهد علاجاً جمهورياً أيضاً للأمراض الأكثر ملازمة للحكم الجمهوري. وبحسب درجة الغبطة والعزة التي نستشعرها في كوننا جمهوريين يجب أن تكون حماستنا في تغذية روح دعاة الفدرالية وتأييد ممثليهم.