ابن حزم - المجلد الثاني8
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ - مَسْأَلَةٌ : لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَاحِدَةٌ فِي الْعَامِ فِي كُلِّ عَامٍ , فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً , فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ خَاصَّةً , فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا لاَ تَنْتَقِلُ أَبَدًا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنْ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ إلاَّ أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنْهُ ، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلاَ شَكٍّ : لَيْلَةُ عِشْرِينَ مِنْهُ ; فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ عِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ ; لإِنَّ هَذِهِ هِيَ الأَوْتَارُ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. إنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلاَثِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ بِلاَ شَكٍّ : لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ , فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ , وَأَمَّا لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ , لإِنَّ هَذِهِ هِيَ أَوْتَارُ الْعَشْرِ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَنْ يَقُمْ الْعَامَ يُدْرِكْهَا. وَ بُرْهَانُ قَوْلِنَا : أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْعَامِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فَصَحَّ أَنَّهُ أُنْزِلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ; فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ لاَ فِي غَيْرِهِ ; وَإِذْ لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ لَكَانَ كَلاَمُهُ تَعَالَى يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا بِالْمُحَالِ , وَهَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ ، وَلاَ بُدَّ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ r الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ قَالَ فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِنِّي خَرَجْتُ لاُِخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ , وَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ , وَالسَّابِعَةِ , وَالْخَامِسَةِ. ثُمَّ فَسَّرَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ : إذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ , فَإِذَا مَضَى ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ , فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ ". قال أبو محمد : هَذَا عَلَى مَا قلنا مِنْ كَوْنِ رَمَضَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِجَالاً رَأَوْا أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا. قال أبو محمد : هَذِهِ الأَخْبَارُ تُصَحِّحُ مَا قلنا : إذْ لَوْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لَمَا كَانَ لاِِعْلاَمِ النَّبِيِّ r حَقِيقَةٌ , لاَِنَّهَا كَانَتْ لاَ تَثْبُتُ ; وَلَوَجَبَ إذْ خَرَجَ لِيُخْبِرَهُمْ بِهَا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِهَا عَامًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَهَذَا مُحَالٌ ; وَإِذَا نُسِّيهَا عليه السلام فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْلَمَهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ ; وَإِذْ لَمْ يَقْطَعْ عليه السلام بِرُؤْيَا مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِهِ فَرُؤْيَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَبْعَدُ مِنْ الْقَطْعِ بِهَا ; وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ , وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فإن قيل : قَدْ جَاءَ أَنَّ عَلاَمَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ حِينَئِذٍ لاَ شُعَاعَ لَهَا قلنا : نَعَمْ , وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام : إنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ إلَيْنَا فَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ هُوَ عليه السلام ; فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ طُلُوعِهَا بِحَيْثُ لاَ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيهَا أَحَدٌ. فإن قيل : قَدْ قَالَ عليه السلام : إنَّهُ أُرِيَ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَكَانَ ذَلِكَ صَبَاحَ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ قلنا : نَعَمْ , وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِدُ أَيْضًا فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَسَجَدَ عليه السلام فِي مَاءٍ وَطِينٍ : رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ , قَالَ : 8 فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ : ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُفَّ السَّمَاءُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ كُلِّهَا فَبَقِيَ الأَمْرُ بِحَبْسِهِ. وَمِنْ طَرَائِفِ الْوَسْوَاسِ : احْتِجَاجُ ابْنِ بُكَيْرٍ الْمَالِكِيِّ فِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ سَلاَمٌ هِيَ قَالَ : فَلَفْظَةُ " هِيَ " هِيَ السَّابِعَةُ وَعِشْرُونَ مِنْ السُّورَةِ. قال أبو محمد : حَقُّ مَنْ قَامَ هَذَا فِي دِمَاغِهِ أَنْ يُعَانِيَ بِمَا يُعَانِي بِهِ سُكَّانُ الْمَارَسْتَانِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَا غَابَ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَمْ يَنْسَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا أَنْسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه السلام , وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَجَزَاؤُهُ أَنْ يَخْذُلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ هَذَا الْخِذْلاَنِ الْعَاجِلِ ثُمَّ فِي الآخِرَةِ أَشَدُّ تَنْكِيلاً. 810 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ الاِجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَإِنَّمَا تُلْتَمَسُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لاَ بِأَنَّ لَهَا صُورَةً وَهَيْئَةً يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِخِلاَفِ سَائِرِ اللَّيَالِي كَمَا يَظُنُّ أَهْلُ الْجَهْلِ , إنَّمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّا أَنَزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ فَبِهَذَا بَانَتْ ، عَنْ سَائِرِ اللَّيَالِي فَقَطْ وَالْمَلاَئِكَةُ لاَ يَرَاهُمْ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ r . نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَالْعِصْمَةَ آمِينَ كِتَابُ الْحَجِّ 811 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : الْحَجُّ إلَى مَكَّةَ , وَالْعُمْرَةُ إلَيْهَا فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ , عَاقِلٍ , بَالِغٍ , ذَكَرٍ , أَوْ أُنْثَى , بِكْرٍ , أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ. الْحُرُّ وَالْعَبْدُ , وَالْحُرَّةُ وَالأَمَةُ , فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , مَرَّةً فِي الْعُمْرِ إذَا وَجَدَ مَنْ ذَكَرْنَا إلَيْهَا سَبِيلاً , وَهُمَا أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلاَّ بَعْدَ الإِسْلاَمِ , وَلاَ يُتْرَكُونَ وَدُخُولَ الْحَرَمِ حَتَّى يُؤْمِنُوا. أَمَّا قَوْلُنَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْحُرِّ , وَالْحُرَّةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ , لاَ زَوْجَ لَهَا ، وَلاَ ذَا مَحْرَمٍ , وَفِي الأَمَةِ وَالْعَبْدِ , وَفِي الْعُمْرَةِ : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. . وَقَالَ قَوْمٌ : الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ فَرْضًا وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْعُمْرَةِ أَفَرِيضَةٌ هِيَ قَالَ : لاَ , وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ قَالَ : لاَ , وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْن غَيْلاَنَ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَنْ مَشَى إلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَهِيَ كَحَجَّةٍ , وَمَنْ مَشَى إلَى صَلاَةِ تَطَوُّعٍ فَهِيَ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَنْ مَشَى إلَى مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ , وَمَنْ مَشَى إلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَاضِرِ بْن الْمُوَرِّعِ ، عَنِ الأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَابِرٍ الأَلْهَانِيِّ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ كِلاَهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً ثُمَّ ثَبَتَ فِيهِ سُبْحَةَ الضُّحَى كَانَ كَأَجْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ حَدِيثًا فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُوسَى , عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ r يَقُولُ : الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ قَانِعٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن بَحِيرٍ الْعَطَّارِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r : الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ ، حدثنا جَرِيرٌ وَأَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ. وَقَالُوا : قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ : حدثنا زَيْدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ : بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا زَادَ فَتَطَوُّعٌ قَالُوا : فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ , فَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ لِدُخُولِهَا فِي الْحَجِّ , وَقَالُوا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لاَ يُوجِبُ كَوْنَهَا فَرْضًا , وَإِنَّمَا يُوجِبُ إتْمَامَهَا عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا لاَ ابْتِدَاءَهَا ; لَكِنْ كَمَا تَقُولُ : أَتِمَّ الصَّلاَةَ التَّطَوُّعَ , وَالصَّوْمَ التَّطَوُّعَ. وَقَالُوا : لَمَّا كَانَتْ الْعُمْرَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِوَقْتٍ وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ فَرْضًا : وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ : أَنَّهَا تَطَوُّعٌ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ , أَمَّا الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرُوا فَمَكْذُوبَةٌ كُلُّهَا ; أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ سَاقِطٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَالطَّرِيقُ الآُخْرَى أَسْقَطُ وَأَوْهَنُ ; لاَِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنِ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَمَاهَانُ هَذَا ضَعِيفٌ كُوفِيٌّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَحَدُ طُرُقِهِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلاَنَ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ شَيْئًا. وَالآُخْرَى مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثَةُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُوَرِّعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنِ الأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ سَاقِطٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَابِرٍ , وَهُوَ مَجْهُولٌ ; وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ظَاهِرُ الْكَذِبِ ; لاَِنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْرُ الْعُمْرَةِ كَأَجْرِ مَنْ مَشَى إلَى صَلاَةِ تَطَوُّعٍ لَمَا كَانَ لِمَا تَكَلَّفَهُ النَّبِيُّ r مِنْ الْقَصْدِ إلَى الْعُمْرَةِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَعْنًى , وَلَكَانَ فَارِغًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ , وَقَدْ أَصْفَقَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِهِ , وَهُوَ رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ وَكَذِبَةٍ ; ثُمَّ فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ سندل وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ وَيَكْفِي ; ثُمَّ هُوَ ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مَجْهُولِينَ فِي نَسَقٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَذِبٌ بَحْتٌ مِنْ بَلاَيَا عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَالنَّاسُ رَوَوْهُ مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ فَزَادَ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ , وَأَوْهَمَ أَنَّهُ صَالِحٌ السَّمَّانُ فَسَقَطَتْ كُلُّهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَوْ شِئْنَا لَعَارَضْنَاهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ : فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ وَلَكِنْ يُعِيذُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَعَاذَ اللَّهِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً ; وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ إذَا رَوَى مَا يُوَافِقُهُمْ صَارَ ثِقَةً وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ صَارَ ضَعِيفًا ; وَاَللَّهِ مَا هَذَا فِعْلُ مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ مُحَاسَبٌ بِكَلاَمِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى قال أبو محمد : وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ : إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَتَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَتَانِ. وَبِهِ نَصًّا إلَى سُفْيَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ : إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّه وَهَذَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا أَبُو قِلاَبَةَ ، حدثنا الأَنْصَارِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَيْسَ مُسْلِمٌ إلاَّ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً. قال أبو محمد : فَلَوْ صَحَّ مَا رَوَوْا مِنْ الْكَذِبِ الْمُلَفَّقِ لَوَجَبَ عَلَى أُصُولِهِمْ الْخَبِيثَةِ الْمُفْتَرَاةِ إسْقَاطُ كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَوَيَا تِلْكَ الأَخْبَارَ بِزَعْمِهِمْ قَدْ صَحَّ عَنْهُمَا خِلاَفُهَا , وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلاَعِبُونَ كَمَا تَرَوْنَ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. قال أبو محمد : ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ كُلُّهَا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ. لِمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ، حدثنا خَالِدُ ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، حدثنا شُعْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ سَالِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ ، وَلاَ الْعُمْرَةَ ، وَلاَ الظَّعْنَ قَالَ : فَحِجَّ ، عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ. فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r بِأَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَمَّنْ لاَ يُطِيقُهُمَا ; فَهَذَا حُكْمٌ زَائِدٌ وَشَرْعٌ وَارِدٌ ; وَكَانَتْ تَكُونُ تِلْكَ الأَحَادِيثُ مُوَافِقَةً لِمَعْهُودِ الأَصْلِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ قَدْ كَانَا بِلاَ شَكٍّ تَطَوُّعًا لاَ فَرْضًا فَإِذَا أَمَرَ بِهِمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ r فَقَدْ بَطَلَ كَوْنُهُمَا تَطَوُّعًا بِلاَ شَكٍّ وَصَارَا فَرْضَيْنِ , فَمَنْ ادَّعَى بُطْلاَنَ هَذَا الْحُكْمِ وَعَوْدَةَ الْمَنْسُوخِ فَقَدْ كَذَبَ وَأَفِكَ وَافْتَرَى ; وَقَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ ; فَبَطَلَ كُلُّ خَبَرٍ مَكْذُوبٍ مَوَّهُوا بِهِ لَوْ صَحَّ فَكَيْف وَكُلُّهَا بَاطِلٌ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ إخْبَارَ النَّبِيِّ r بِدُخُولِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ , وَبِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلاَّ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَهَذَيَانٌ لاَ يُعْقَلُ ; بَلْ هَذَا بُرْهَانٌ وَاضِحٌ فِي كَوْنِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا ; لاَِنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ بِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ ; ، وَلاَ يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ فِي أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ حَجَّةً ; فَوَجَبَ أَنَّ دُخُولَهَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ فَقَطْ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُجْزَى لَهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ فِي الْقِرَانِ. وَالثَّانِي : دُخُولُهَا فِي أَنَّهَا فَرْضٌ كَالْحَجِّ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ جَاءَ أَنَّهَا الْحَجُّ الأَصْغَرُ قلنا لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا ; لإِنَّ الْقِرَانَ قَدْ جَاءَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ فَكَانَتْ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَرْضًا بِنَصِّ قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً لَكِنَّا لاَ نَسْتَحِلُّ التَّمْوِيهَ بِمَا لاَ يَصِحُّ , مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرُوا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لإِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَقَدْ قَالَ فِيهِ عُقَيْلٌ : سِنَانٌ هُوَ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ , وَأَيْضًا : فَإِنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ وَحَرَّفُوهُ وَأَوْهَمُوا أَنَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلاَّ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلاً وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا لاَ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ إمَّا مَعَ الْحَجِّ مَقْرُونَةٌ , وَأَمَّا مَعَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ; فَصَارَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا مَنْ دَخَلَ فِيهَا لاَ بِابْتِدَائِهَا , وَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَرَأَ : وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ فَقَوْلٌ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; لاَِنَّهَا دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَقَوْله تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ لاَ يَقْتَضِي مَا قَالُوا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَجِيءِ بِهِمَا تَامَّيْنِ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ; لاَِنَّهُ إذَا كَانَ الدَّاخِلُ فِيهَا مَأْمُورًا بِإِتْمَامِهَا فَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا مَأْمُورًا بِهِ ; وَهَذَا قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ الْفَاسِدُ الْمُتَخَاذِلُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : وَاَللَّهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى هَذَا النَّصَّ مُوجِبًا لِكَوْنِهَا فَرْضًا كَالْحَجِّ بِخِلاَفِ كَيْسِ هَؤُلاَءِ الْحُذَّاقِ بِاللُّغَةِ بِالضِّدِّ , وَبِهَذَا احْتَجَّ مَسْرُوقٌ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ , وَنَافِعٌ فِي إيجَابِهَا ; وَمَسْرُوقٌ ; وَسَعِيدٌ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. فَإِنْ قَالُوا : أَنْتُمْ تَقُولُونَ : بِهَذَا فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ , وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعِ قلنا : لاَ بَلْ هُمَا تَطَوُّعٌ غَيْرُ لاَزِمٍ جُمْلَةً إنْ تَمَادَى فِيهِمَا أُجِرَ , وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَكَانَ الْحَجُّ يَتَكَرَّرُ فَرْضُهُ مَرَّاتٍ , وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ. فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ : بِإِتْمَامِ النَّذْرِ , وَإِتْمَامِ قَضَاءِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِيهِ قلنا : نَعَمْ ; لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَارَ فَرْضًا زَائِدًا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَأَمْرِ رَسُولِهِ r فَإِنَّمَا الْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ لَمْ يَنْذِرْهُ لاَ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ ; بَلْ هُوَ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ فَرْضٌ آخَرُ لاَ نَضْرِبُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بَلْ نَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَنَأْخُذُ بِجَمِيعِهَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ بِالرَّفْعِ فَقِرَاءَةٌ مُنْكَرَةٌ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا , وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يَلْجَئُونَ إلَى تَبْدِيلِ الْقُرْآنِ فَيَحْتَجُّونَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَكَانَتْ مُرْتَبِطَةً بِوَقْتٍ فَكَلاَمٌ سَخِيفٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ يُعْقَلُ , وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ وَلَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً بِوَقْتٍ , وَأَنَّ النَّذْرَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ , وَأَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ , وَالإِحْرَامُ لِلْحَجِّ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ , فَظَهَرَ هَوَسُ مَا يَأْتُونَ بِهِ قال أبو محمد : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ : نُسُكَانِ لِلَّهِ عَلَيْك لاَ يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إلاَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلاً وَمَنْ زَادَ بَعْدَهُمَا شَيْئًا فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أُمِرْتُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ , وَالْعُمْرَةِ إلَى الْبَيْتِ ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا ، عَنْ جَابِرٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَتْ عَلَيْكُمْ الْعُمْرَةَ. وَعَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرِيضَةٌ , وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرَ التَّابِعِينَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَمَعْمَرٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : الْعُمْرَةُ عَلَيْنَا فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ قَالَ : نَعَمْ. وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَابْنِ سِيرِينَ جَمِيعًا الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ وَعَنْ طَاوُوس الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ ; فَقِيلَ لَهُ : إنَّ فُلاَنًا يَقُولُ : لَيْسَتْ وَاجِبَةً , فَقَالَ : كَذَبَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ مَسْرُوقًا يَقُولُ أُمِرْتُمْ فِي الْقُرْآنِ بِإِقَامَةِ أَرْبَعٍ : الصَّلاَةُ , وَالزَّكَاةُ , وَالْحَجُّ , وَالْعُمْرَةُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ : الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الأَصْغَرُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا كُتِبَتْ عَلَيَّ عُمْرَةٌ , وَحَجَّةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ : الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ ; وَعَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ الْعُمْرَةُ الْحَجَّةُ الصُّغْرَى , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ : مَا نَعْلَمُهَا إلاَّ وَاجِبَةً وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ السَّرَّاجِ قَالَ : سَأَلْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ , وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَرَأَ جَمِيعًا : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، حدثنا مُغِيرَةُ ، هُوَ ابْنُ مَقْسَمٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْعُمْرَةِ : هِيَ وَاجِبَةٌ وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ : الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لَيْسَتْ فَرْضًا , وَالْقَوْمُ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ , وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنَ مَسْعُودٍ , وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ , وَلاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفٌ لَهُمْ فِي هَذَا إلاَّ رِوَايَةً سَاقِطَةً مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ : الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ , وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلاَفُ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْجُمْهُورِ , وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا عَطَاءً , وطَاوُوسًا , وَمُجَاهِدًا , وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , وَالْحَسَنَ , وَابْنَ سِيرِينَ , وَمَسْرُوقًا , وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ , وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ , وَهُشَامَ بْنَ عُرْوَةَ , وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ , وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , وَالشَّعْبِيَّ , وَقَتَادَةَ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ : لَيْسَتْ وَاجِبَةً سَلَفًا , مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَحْدَهُ ; وَرِوَايَةٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. قال أبو محمد : وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثَيْنِ هُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ : أَحَدُهُمَا : الْخَبَرُ الثَّابِتُ فِي الَّذِي سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الإِسْلاَمِ فَأَخْبَرَهُ بِالصَّلاَةِ , وَالزَّكَاةِ , وَالصِّيَامِ , وَالْحَجِّ ; فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لاَ إلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ. وَالثَّانِي : خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ فَذَكَرَ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ , وَالصَّلاَةَ , وَالزَّكَاةَ , وَالصِّيَامَ , وَالْحَجَّ. قال أبو محمد : وَهُمَا أَقْوَى , حُجَجِنَا عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِوُجُوبِ الْحَجِّ , وَأَنَّ فَرْضَهَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْحَجِّ. وَأَيْضًا : فَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ r وَوُرُودُ الْقُرْآنِ بِهَا شَرْعًا زَائِدًا وَفَرْضًا وَارِدًا مُضَافًا إلَى سَائِرِ الشَّرَائِعِ الْمَذْكُورَةِ ; وَكُلُّهُمْ يَرَى النَّذْرَ فَرْضًا , وَالْجِهَادَ إذَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ فَرْضًا ; وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ فَرْضًا , وَالْوُضُوءَ فَرْضًا , وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَمْ يَرَوْا الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ حُجَّةً فِي سُقُوطِ فَرْضِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , فَوَضَحَ تَنَاقُضُهُمْ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 812 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا حَجُّ الْعَبْدِ , وَالأَمَةِ , فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَمَالِكًا , وَالشَّافِعِيَّ قَالُوا : لاَ حَجَّ عَلَيْهِ فَإِنْ حَجَّ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ. وقال أحمد بْنِ حَنْبَلٍ : إذَا عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الْحَجَّةُ ; وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : عَلَيْهِ الْحَجُّ كَالْحُرِّ , وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا ، عَنْ جَابِرٍ , وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَحَدُهُمَا : مَا مِنْ مُسْلِمٍ , وَقَالَ الآخَرُ : مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلاَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ ; فَقَطَعَا وَعَمَّا وَلَمْ يَخُصَّا إنْسِيًّا مِنْ جِنِّيٍّ , وَلاَ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ , وَلاَ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ , وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا تَخْصِيصَ الْحُرِّ , وَالْحُرَّةِ ; فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمَا ; ، وَلاَ أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ يَجْعَلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ فَرْضِهَا كَمَا ذَكَرْنَا ، وَلاَ يَجْعَلُ قَوْلَهُ : مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلاَّ عَلَيْهِ : حَجَّةٌ , وَعُمْرَةٌ : حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْعَبْدِ. فإن قيل : لَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلاَّ الْعَبْدَ قِيلَ : هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ أَنْ يُرِيدَا إلاَّ الْعَبْدَ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنَانِهِ ; وَأَيْضًا : فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلاَّ الْمُقْعَدَ , وَإِلاَّ الأَعْمَى , وَإِلاَّ الأَعْوَرَ , وَإِلاَّ بَنِي تَمِيمٍ , وَإِلاَّ أَهْلَ إفْرِيقِيَةَ , وَهَذَا حَقٌّ لاَ خَفَاءَ بِهِ ; ، وَلاَ يَصِحُّ مَعَ هَذِهِ الدَّعْوَى قَوْلَةٌ لاَِحَدٍ أَبَدًا. وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ; وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا تَخْصِيصًا لَمْ يُبَيِّنُوهُ وَهَذِهِ طَرِيقُ السُّوفُسْطَائِيَّة نَفْسِهَا ; ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مَا لَمْ يَقُلْ إلاَّ بِبَيَانٍ وَارِدٍ مُتَيَقَّنٍ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ. وَقَدْ ذَكَرُوا هَاهُنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا. وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ. وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهَا إنَّمَا دَمَّرَتْ بِنَصِّ الآيَةِ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَدَمَّرَتْ مَا أَمَرَهَا رَبُّهَا بِتَدْمِيرِهِ لاَ مَا لَمْ يَأْمُرْهَا. وَمَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّمَا جَعَلَتْ كَالرَّمِيمِ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ لاَ مَا لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ بِنَصِّ الآيَةِ. وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ : لاَ يَقْتَضِي إلاَّ بَعْضَ الأَشْيَاءِ ; لإِنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ , فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ آتَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ; لإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ الْعَالَمُ كُلُّهُ ; فَمَنْ أُوتِيَ شَيْئًا فَقَدْ أُوتِيَ مِنْ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَهَذَا بَيِّنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْمَرْجِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِرٍّ الْمَصْرِيُّ قَالَ : حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ : حدثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ المغلس ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ ، حدثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ قَالَ : سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ ، عَنِ الْعَبْدِ إذَا حَجَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَقَالاَ جَمِيعًا : تُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الإِسْلاَمِ فَإِذَا حَجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ تُجْزِهِ ; وَبِهِ إلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : إذَا حَجَّ الْعَبْدُ وَهُوَ مُخَلًّى فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الإِسْلاَمِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ لِلْعَبْدِ حَجًّا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ شَيْخًا يُحَدِّثُ أَبَا إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ , وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ. قال أبو محمد : هَذَا مُرْسَلٌ , وَعَنْ شَيْخٍ لاَ يُدْرَى اسْمُهُ ، وَلاَ مَنْ هُوَ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ خِرْزَادٍ الأَنْطَاكِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ لَمْ يَبْلُغْ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى , وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى. قال علي : وهذا خَبَرٌ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ خَرَّزَاذٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ , وَمَنْ هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ ، عَنْ شُعْبَةَ فَأَوْقَفَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَسْنَدَهُ الآخَرُ بِزِيَادَةٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ , قَالَ ابْنُ الْمِنْهَالِ : حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا شُعْبَةُ , وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ : حدثنا شُعْبَةُ , ثُمَّ اتَّفَقَا ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أُمِّ ظَبْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : إذَا حَجَّ الصَّبِيُّ لَهُ فَهِيَ حَجَّةُ صَبِيٍّ حَتَّى يَعْقِلَ , فَإِذَا عَقَلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى , وَإِذَا حَجَّ الأَعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةُ أَعْرَابِيٍّ , فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى. وَأَوْقَفَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا : أَبُو السَّفَرِ , وَعُبَيْدٌ صَاحِبُ الْحُلَى , وَقَتَادَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أبو محمد : إنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ الْعَبْدَ حَجُّهُ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ الأَعْرَابِيَّ حَجُّهُ ، وَلاَ فَرْقَ ; وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ عَنْهُ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي إعَادَةِ الْحَجِّ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا احْتَلَمَ , وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ , وَعَلَى الأَعْرَابِيِّ إذَا هَاجَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : الصَّبِيُّ إنْ حَجَّ , وَالْمَمْلُوكُ إنْ حَجَّ , وَالأَعْرَابِيُّ إنْ حَجَّ , ثُمَّ هَاجَرَ الأَعْرَابِيُّ , وَاحْتَلَمَ الصَّبِيُّ , وَعَتَقَ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِمْ الْحَجُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ : أَمَّا الأَعْرَابِيُّ فَيُجْزِئُهُ حَجُّهُ , وَأَمَّا الصَّبِيُّ , وَالْمَمْلُوكُ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : لاَ يُجْزِئُ الْعَبْدَ حَجُّهُ إذَا أُعْتِقَ , وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى , وَأَمَّا الأَعْرَابِيُّ فَيُجْزِئْهُ حَجُّهُ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَ هَذَا ، عَنِ الْحَسَنِ , وَعَنِ الزُّهْرِيِّ , وطَاوُوس , وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ , وَلاَ عَنِ الصَّحَابَةِ غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا. قال أبو محمد : فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَدَّعِي الإِجْمَاعَ فِي هَذَا وَلَيْسَ مَعَهُ فِيهِ إلاَّ خَمْسَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ , أَحَدُهُمْ مُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ , وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ , وَعَنْ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلَّ قَوْلٍ جَاءَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَلَمْ يَجْعَلُوا مَا رُوِيَ ، عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ ; ، وَلاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ عَنْ وَاحِدٍ بِاخْتِلاَفٍ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ إجْمَاعًا. قال أبو محمد : لاَ تَخْلُو رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ خَرَّزَاذٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَقَدْ كُفِينَا الْمُؤْنَةُ فِيهَا , وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً وَهُوَ الأَظْهَرُ فِيهَا ; لإِنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ بِلاَ. شَكٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِلاَ شَكٍّ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ; لإِنَّ فِيهِ إعَادَةُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ الأَعْرَابِ قَبْلَ هِجْرَتِهِ , وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أُبَيٌّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ : لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ فَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ، حدثنا يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ قَالاَ جَمِيعًا أَنَا جَرِيرُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ إذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ ، عَنْ مُجَاشِعٍ , وَمُجَالِدٍ : ابْنَيْ مَسْعُودٍ السِّلْمِيَّيْنِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَإِذْ قَدْ صَحَّ بِلاَ شَكٍّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا , فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ عليه السلام : لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ , لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ , ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ. قال أبو محمد : كَانَ هَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَصَارَ عُمُومًا لِكُلِّ حُرٍّ , وَعَبْدٍ , وَأَعْرَابِيٍّ , وَعَجَمِيٍّ وَبِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ مِرْيَةٍ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِالْحَجِّ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ ، وَلاَ الْحُرُّ أَيْضًا ; فَكَانَ خَبَرُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فِي أَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَى الأَعْرَابِيِّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ , وَهَاجَرَ الأَعْرَابِيُّ , مُوَافِقًا لِلْحَالَةِ الآُولَى وَبَقِيَا عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ كَمَا كَانَا , وَجَاءَ هَذَا الْخَبَرُ فَدَخَلَ فِي نَصِّهِ فِي الْخِطَابِ بِالْحَجِّ : الْعَبْدُ , وَالأَعْرَابِيُّ ; لاَِنَّهُمَا مِنْ النَّاسِ فَكَانَ بِلاَ شَكٍّ نَاسِخًا لِلْحَالَةِ الآُولَى وَمُدْخِلاً لَهُمَا فِي الْخِطَابِ بِالْحَجِّ ضَرُورَةً ، وَلاَ بُدَّ. وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قَدْ احْتَجَّ فَقَالَ : حَجَّ النَّبِيُّ r بِأَزْوَاجِهِ , وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ كِذْبَةٌ شَنِيعَةٌ لاَ نَجِدُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ أَبَدًا وَإِنَّ التَّسَهُّلَ فِي مِثْلِ هَذَا لَعَظِيمٌ جِدًّا : قال أبو محمد : عَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِي النَّفْيِ فِي الزِّنَا , وَفِي كَثِيرٍ مِنْ السُّنَنِ مِثْلَ : لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ , وَفِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ , وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي الْقُرْآنِ , وَكَذَبُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ , ثُمَّ لَمْ يَقُولُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ : هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ , وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , وَهَذَا خِلاَفٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَى الاِضْطِرَابِ : كَخَبَرِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ , وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ ; ثُمَّ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لاَ نَعْلَمُ خَبَرًا أَشَدَّ اضْطِرَابًا مِنْهُ. وَهُمْ يَتْرُكُونَ السُّنَنَ لِلْقِيَاسِ : كَخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ , وَخَبَرِ الْقُرْعَةِ فِي السِّتَّةِ الأَعْبُدِ , وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ ; لأَنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ بِالإِسْلاَمِ وَبِالصَّلاَةِ , وَالصِّيَامِ , فَمَا الَّذِي مَنَعَ مِنْ أَنْ يُخَاطَبَ بِالْحَجِّ , وَالْعُمْرَةِ ; ثُمَّ يَقُولُونَ : الْعَبْدُ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا حَضَرَهَا صَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَجْزَأَتْهُ , فَهُمْ قَالُوا هَاهُنَا : إنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ إذَا حَضَرَهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ وَأَجْزَأَهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ : مَنْ نَوَى تَطَوُّعًا بِحَجِّهِ أَجْزَأَهُ ، عَنِ الْفَرْضِ , وَأَقَلُّ حَالِ حَجِّ الْعَبْدِ : أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَهَلاَّ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمْ فَإِنْ قَالُوا : هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ قلنا : قَدْ جَمَعْتُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْكَذِبَ وَخِلاَفَ الْقُرْآنِ إذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ حُرٍّ , وَالتَّنَاقُضَ ; لاَِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ ، وَلاَ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ ، وَلاَ شَيْءٌ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ ، وَلاَ فِدْيَةِ أَذًى ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لاَ يَلْزَمُ الْحَائِضُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ , إذْ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ , وَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَهُمَا أَوْ فَعَلَ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ وَكَانَ لَهُ حَجٌّ لِلأَثَرِ فِي ذَلِكَ لاَ لِغَيْرِهِ. فَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَقَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَالْقِيَاسُ : نَعَمْ , وَالْخَبَرُ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا ; لأَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا فِيهِ مِنْ حُكْمِ الأَعْرَابِيِّ فِي الْحَجِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 813 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا ، وَلاَ ذَا مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا فَإِنَّهَا تَحُجُّ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا ; فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَحُجُّ هِيَ دُونَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ , وطَاوُوس , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ : لاَ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ , وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ : إنْ كَانَتْ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ لَيَالٍ ثَلاَثٍ فَلَهَا أَنْ تَحُجَّ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ , وَغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ , وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ , أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ رِجَالِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى : أَنَّ عِكْرِمَةَ سُئِلَ ، عَنِ الْمَرْأَةِ تَحُجُّ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ فَقَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : تَحُجُّ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ ، وَلاَ كَانَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ يُونُسَ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرْأَةُ لاَ تُسَافِرُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ : لَيْسَ كُلُّ النِّسَاءِ تَجِدُ مَحْرَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ يُسَافِرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْلَيَاتٌ لَهُ لَيْسَ مَعَهُنَّ مَحْرَمٌ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ , وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّحْدِيدِ الَّذِي ذُكِرَ فَلاَ نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، ; بَلْ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ , وَيَقُولُونَ : إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَا ; وَرُوِيَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ مُرْسَلٍ يُمْكِنُ وُجُودُ مِثْلِهِ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَقَدْ خَالَفَهُمَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ قال أبو محمد : ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا فَوَجَدْنَا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَجُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِالْخَبَرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلاَثًا إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ. وَقَالُوا : قَدْ رُوِيَ أَيْضًا " لَيْلَتَيْنِ " وَرُوِيَ " يَوْمًا وَلَيْلَةً " وَرُوِيَ " يَوْمًا " وَرُوِيَ " بَرِيدًا " قَالُوا : وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ سَفَرِهَا ثَلاَثًا وَعَلَى شَكٍّ مِنْ تَحْرِيمِ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذِكْرُ الثَّلاَثِ مُتَقَدِّمًا وَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا فَالثَّلاَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا سَفَرُهَا إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ فَنَأْخُذُ مَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَنَدْعُ مَا فِيهِ الشَّكُّ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً. قال علي : وهذا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ صَوَابُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرُوا ; لاَِنَّهُ إنْ كَانَ خَبَرُ الثَّلاَثِ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا فَلَيْسَ فِيهِ إنْ تَقَدَّمَ إبْطَالٌ لِحُكْمِ النَّهْيِ ، عَنْ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ لَكِنَّهُ بَعْضُ مَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ , وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ أَصْلاً ; بَلْ كُلُّ تِلْكَ الأَخْبَارِ حَقٌّ وَكُلُّهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا وَلَيْسَ بَعْضُهَا مُخَالِفًا لِبَعْضٍ أَصْلاً. وَيُقَالُ لَهُمْ : خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ جَامِعٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ سَفَرٍ عَلَيْهَا إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ , ثُمَّ لاَ نَدْرِي أَبَطَلَ هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لاَ فَنَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَنُلْغِي الشَّكَّ ; فَهَذَا مُعَارِضٌ لاِحْتِجَاجِهِمْ مَعَ مَا قَدَّمْنَا. وَيُقَالُ لَهُمْ : عَهْدُنَا بِكُمْ تَذُمُّونَ الأَخْبَارَ بِالاِضْطِرَابِ , وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَابْنُ عُمَرَ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , فَلَمْ يَضْطَرِبْ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلاً وَاضْطَرَبَ ، عَنْ سَائِرِهِمْ : فَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لاَ تُسَافِرْ ثَلاَثًا ; وَرُوِيَ عَنْهُ : لاَ تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلاَثٍ ; وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : لاَ تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلاَثٍ ; وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ تُسَافِرْ يَوْمَيْنِ ; وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : لاَ تُسَافِرْ ثَلاَثًا ; وَرُوِيَ عَنْهُ : لاَ تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلاَثٍ ; وَرُوِيَ عَنْهُ : لاَ تُسَافِرْ يَوْمًا وَلَيْلَةً ; وَرُوِيَ عَنْهُ : لاَ تُسَافِرْ يَوْمًا ; وَرُوِيَ عَنْهُ : لاَ تُسَافِرْ بَرِيدًا ; فَعَلَى أَصْلِكُمْ دَعُوا رِوَايَةَ مَنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ وَاضْطَرَبَ عَنْهُ إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ ; وَخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ ، وَلاَ اضْطَرَبَ عَنْهُ ; ، وَ، هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ ; فَهَذَا أَشْبَهُ مِنْ اسْتِدْلاَلِكُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَأَبِي سَعِيدٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , كَمَا ذَكَرْنَا لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ ; فَإِنْ صَحَّحْتُمْ اسْتِدْلاَلَكُمْ الْفَاسِدَ بِأَخْذِ أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الأَخْبَارِ فَامْنَعُوهَا مِمَّا زَادَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ ; لاَِنَّهُ الْيَقِينُ وَأَبِيحُوا لَهَا سَفَرَ الثَّلاَثِ ; لاَِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا سَفَرُ الْيَوْمَيْنِ , وَالْيَوْمِ , وَالْبَرِيدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ عِنْدَكُمْ ; وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ ; فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا هَاهُنَا فَمَا هَذَا يُنْكَرُ مِنْ إقْدَامِهِمْ , وَأَكْذَبَهُمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ; ، وَلاَ سِيَّمَا ، وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ. وَأَكْذَبَهُمْ أَيْضًا مَا رُوِّينَا ، عَنْ عِكْرِمَةَ آنِفًا مِنْ مَنْعِهِ إيَّاهَا مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ لاَ مَا دُونَ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي امْرَأَةٍ لاَ تَجِدُ مَعَاشًا أَصْلاً إلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا ; أَنَّهَا تَخْرُجُ بِلاَ زَوْجٍ ، وَلاَ ذِي مَحْرَمٍ. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ حَفَّزَتْهَا فِتْنَةٌ وَخَشِيَتْ عَلَى , نَفْسِهَا غَلَبَةَ الْكُفَّارِ , وَالْمُحَارِبِينَ , أَوْ الْفُسَّاقِ وَلَمْ تَجِدْ أَمْنًا إلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا أَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ وَمَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ , وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا كَوُجُوبِ خَلاَصِ رُوحِهَا. فَإِنْ قَالُوا : الزَّوْجُ وَالْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ قلنا : عَلَيْكُمْ الدَّلِيلُ وَإِلاَّ فَهِيَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَعْجِزْ ، عَنْ مِثْلِهَا أَحَدٌ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ وَاحْتِجَاجِهِ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ سَائِرَ الأَخْبَارِ وَرَدَتْ بِالْمَنْعِ , مِمَّا دُونَ الثَّلاَثِ ; فَلَيْسَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ نَهْيُهَا ، عَنْ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ بِأَوْلَى مِنْ سَائِرِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا مَنْعُهَا مِنْ سَفَرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ قال أبو محمد : فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُنَا , أَوْ قَوْلُ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , وطَاوُوس , وَالْحَسَنِ فِي مَنْعِهَا جُمْلَةً أَوْ إطْلاَقِهَا جُمْلَةً ; فَوَجَدْنَا الْمَانِعِينَ يَحْتَجُّونَ بِالأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَهِيَ أَخْبَارٌ صِحَاحٌ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا إلاَّ لِنَصٍّ آخَرَ يُبَيِّنُ حُكْمَهَا إنْ وُجِدَ. فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حدثنا أُبَيٌّ , وَابْنُ إدْرِيسَ قَالاَ : حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( ، وَلاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أُبَيٌّ ، حدثنا حَنْظَلَةُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ سَالِمًا ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ فَأَمَرَ عليه السلام الأَزْوَاجَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ لاَ يَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْمَسَاجِدِ ; وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَجَلُّ الْمَسَاجِدِ قَدْرًا. وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً ثُمَّ وَجَدْنَا الأَسْفَارَ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ سَفَرًا وَاجِبًا , وَسَفَرًا غَيْرَ وَاجِبٍ ; فَكَانَ السَّفَرُ الْوَاجِبُ بَعْضَ الأَسْفَارِ بِلاَ شَكٍّ , وَكَانَ الْحَجُّ مِنْ السَّفَرِ الْوَاجِبِ ; فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ بَعْضِ الآثَارِ دُونَ بَعْضٍ وَوَجَبَتْ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِهَا وَلَزِمَ اسْتِعْمَالُهَا كُلُّهَا ، وَلاَ بُدَّ : فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ , وَكَانَ مَنْ رَفَضَ بَعْضَهَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى , وَلاَ سَبِيلَ إلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهَا إلاَّ بِأَنْ يُسْتَثْنَى الأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ الأَعَمِّ , وَلاَ بُدَّ ; فَكَانَ نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ , أَوْ ذِي مَحْرَمٍ عَامًّا لِكُلِّ سَفَرٍ ; فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ إيجَابِ بَعْضِ الأَسْفَارِ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ , وَالْحَجُّ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ. فَإِنْ قَالُوا : بَلْ إيجَابُ الْحَجِّ عَلَى النِّسَاءِ عُمُومٌ فَيُخَصُّ ذَلِكَ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ قلنا : هَذَا خَطَأٌ ; لإِنَّ تِلْكَ الأَخْبَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِالنَّهْيِ ، عَنْ كُلِّ سَفَرٍ جُمْلَةً لاَ ، عَنِ الْحَجِّ خَاصَّةً , وَإِنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضُوا بِهَذَا أَنْ لَوْ جَاءَتْ فِي النَّهْيِ ، عَنْ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ زَوْجٍ , أَوْ ذِي مَحْرَمٍ ; فَكَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضًا صَحِيحًا وَتَخْصِيصًا لاَِقَلِّ الْحُكْمَيْنِ مِنْ أَعَمِّهِمَا وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا وَبُرْهَانٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الأَخْبَارَ كُلَّهَا إنَّمَا خُوطِبَ بِهَا ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ , وَاَللاَّتِي لَهُنَّ الْمَحَارِمُ ; لإِنَّ فِيهَا إبَاحَةَ الْحَجِّ أَوْ إيجَابَهُ مَعَ الزَّوْجِ , أَوْ ذِي الْمَحْرَمِ بِلاَ شَكٍّ ; وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَصْلاً أَنْ يُخَاطِبَ النَّبِيُّ r بِالْحَجِّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا ، وَلاَ ذَا مَحْرَمٍ , فَبَقِيَ مَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا ، وَلاَ مَحْرَمَ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَعَلَى خُرُوجِهَا ، عَنْ ذَلِكَ النَّهْيِ. وَبُرْهَانٌ آخَرُ : وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَخْطُبُ يَقُولُ : لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ , وَلاَ تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ , فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ : انْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ رَافِعًا لِلإِشْكَالِ وَمُبَيِّنًا لِمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , لإِنَّ نَهْيَهُ عليه السلام ، عَنْ أَنْ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَقَعَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّجُلُ ، عَنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً لاَ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ , وَلاَ مَعَ زَوْجٍ فَأَمَرَهُ عليه السلام بِأَنْ يَنْطَلِقَ فَيَحُجَّ مَعَهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا ، وَلاَ عَابَ سَفَرَهَا إلَى الْحَجِّ دُونَهُ وَدُونَ ذِي مَحْرَمٍ , وَفِي أَمْرِهِ عليه السلام بِأَنْ يَنْطَلِقَ فَيَحُجَّ مَعَهَا بَيَانٌ صَحِيحٌ وَنَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُمْكِنًا إدْرَاكُهَا بِلاَ شَكٍّ فَأَقَرَّ عليه السلام سَفَرَهَا كَمَا خَرَجْتُ فِيهِ , وَأَثْبَتَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ; فَصَارَ الْفَرْضُ عَلَى الزَّوْجِ ; فَإِنْ حَجَّ مَعَهَا فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ صُحْبَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهَا التَّمَادِي فِي حَجِّهَا وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ دُونَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ دُونَ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ مَعَهُ كَمَا أَقَرَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهَا , فَارْتَفَعَ الشَّغَبُ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. فإن قال قائل : فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ , أَوْ أَبُو مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : أَيْنَ نَزَلْتَ قَالَ عَلَى فُلاَنَةَ , قَالَ : أَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ مَرَّتَيْنِ لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَأَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنَاهُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عِكْرِمَةَ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ قلنا : هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ جُرَيْحٍ لاَِنَّهُ شَكَّ فِيهِ أَحَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً أَمْ حَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مُسْنَدًا فَلَمْ يُثْبِتْهُ أَصْلاً ; فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ , وَابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ لاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ , وَلاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ; فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ نَذَرْتُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ : فَاخْرُجْ مَعَهَا فَلَمْ يَقُلْ عليه السلام : لاَ تَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ إلاَّ مَعَكَ ; ، وَلاَ نَهَاهَا ، عَنِ الْحَجِّ أَصْلاً , بَلْ أَلْزَمَ الزَّوْجَ تَرْكَ نَذْرِهِ فِي الْجِهَادِ وَأَلْزَمَهُ الْحَجَّ مَعَهَا ; فَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ لاَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ فَمُرْسَلٌ كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ ، حدثنا عِيسَى بْنُ خَبِيبٍ قَاضِي أُشُونَةَ قَالَ : حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ، حدثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r قَدْ نَزَلْتَ عَلَى فُلاَنَةَ فَأَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ مَرَّتَيْنِ. فَهَذَا هُوَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ اخْتَلَطَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ فَلَمْ يَدْرِ أَحَدَّثَهُ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَمْ حَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَدْخَلَ فِيهِ ذِكْرَ الْحَجِّ بِالشَّكِّ ; ، وَلاَ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِخَبَرٍ مَشْكُوكٍ فِي إسْنَادِهِ أَوْ فِي إرْسَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ فَلاَِنَّ طَاعَتَهُ فَرْضٌ عَلَيْهَا فِيمَا لاَ مَعْصِيَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ , وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ مَعْصِيَةٌ 814 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ أَحْرَمَتْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مَكَان يَجُوزُ الإِحْرَامُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا , وَأَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ; فَإِنْ كَانَ حَجَّ تَطَوُّعٍ كُلُّ ذَلِكَ فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَإِحْلاَلُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ حَجَّ الْفَرْضِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ لاَ غِنَى بِهِ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ لِمَرَضٍ أَوْ لِضَيْعَتِهِ دُونَهُ أَوْ دُونَهَا أَوْ ضَيْعَةِ مَالِهِ فَلَهُ إحْلاَلُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ وَإِنْ كَانَ لاَ حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُمَا أَصْلاً فَإِنْ مَنَعَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُحْصَرِ ; وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الاِبْنِ وَالاِبْنَةِ مَعَ الأَبِ وَالآُمِّ ، وَلاَ فَرْقَ ; وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ مُتَقَدِّمَةٌ لِطَاعَةِ الأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجِ ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ. وَقَالَ عليه السلام : فَإِذَا أُمِرْتَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ ، وَلاَ طَاعَةَ وَتَرْكُ الْحَجِّ مَعْصِيَةٌ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ طَاعَةِ الأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجِ فِي تَرْكِ الْحَجِّ وَبَيْنَ طَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ أَوْ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ أَوْ فِي تَرْكِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ. فإن قيل : الْحَجُّ فِي تَأْخِيرِهِ فُسْحَةٌ قلنا : إلَى مَتَى أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يُبِيحُوا الْحَجَّ لِلأَوْلاَدِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَبَدًا فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَشَارِعِينَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ يَقُولُ أَحَدٌ بِطَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْحَجِّ أَبَدًا جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي امْرَأَةٍ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا , أَنَّهَا مُحْرِمَةٌ قَالَ الْحَكَمُ : حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. 815 - مَسْأَلَةٌ : وَاسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَجُّ إمَّا صِحَّةُ الْجِسْمِ وَالطَّاقَةُ عَلَى الْمَشْيِ وَالتَّكَسُّبُ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تِجَارَةٍ مَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْحَجِّ وَيَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ , وَأَمَّا مَالٌ يُمَكِّنُهُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ وَالْعَيْشِ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَّةَ وَيَرُدَّهُ إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْجِسْمِ إلاَّ أَنَّهُ لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا ; وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إنْ كَانَ هُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ لاَ رَاكِبًا ، وَلاَ رَاجِلاً ; فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَمْكَنَتْ الإِنْسَانَ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ فَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ , وَمَنْ عَجَزَ ، عَنْ جَمِيعِهَا فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ ، وَلاَ عُمْرَةَ. . وَقَالَ قَوْمٌ : الاِسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ. وقال مالك : الاِسْتِطَاعَةُ قُوَّةُ الْجِسْمِ أَوْ الْقُوَّةُ بِالْمَالِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ , وَلَمْ يَرَ وُجُودَ مَنْ يُطِيعُهُ اسْتِطَاعَةً ، وَلاَ أَوْجَبَ بِذَلِكَ حَجًّا. وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقْعَدَ مِنْ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسِعٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ الأَعْمَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَعَلَى الأَعْمَى. وَرَأَى الشَّافِعِيُّ : أَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَالٍ يَحُجُّ بِهِ أَوْ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ فَقَطْ , وَلَمْ يَرَ قُوَّةَ الْجِسْمِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ اسْتِطَاعَةً ; وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ : الاِسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ بِآثَارٍ رُوِّينَاهَا : مِنْهَا : عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الاِسْتِطَاعَةِ فَقَالَ : الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الْحَجُّ قَالَ : الأَشْعَثُ التَّفِلُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : أَنَا قَتَادَةُ , وَحُمَيْدٌ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ إلَيْهِ قَالَ : زَادٌ وَرَاحِلَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا هِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمْ يَحُجَّ فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا , أَوْ نَصْرَانِيًّا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ، عَنِ الْعَالَمِينَ . وَقَالُوا : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً عَلِمْنَا أَنَّهَا اسْتِطَاعَةٌ غَيْرُ الْقُوَّةِ بِالْجِسْمِ ; إذْ لَوْ كَانَ تَعَالَى أَرَادَ قُوَّةَ الْجِسْمِ لَمَا احْتَاجَ إلَى ذِكْرِهَا ; لاَِنَّنَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وَقَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ فَصَحَّ أَنَّ الرِّحْلَةَ شِقُّ الأَنْفُسِ بِالضَّرُورَةِ ، وَلاَ يُكَلِّفُنَا اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لقوله تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي اسْتِطَاعَةِ السَّبِيلِ إلَى الْحَجِّ : زَادٌ وَرَاحِلَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا : زَادٌ , وَبَعِيرٌ : وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَنَسٍ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ : زَادٌ , وَرَاحِلَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ : مِلْءُ بَطْنِهِ , وَرَاحِلَةٌ يَرْكَبُهَا وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَمُجَاهِدٍ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ. قال أبو محمد : فَادَّعَوْا فِي هَذَا أَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا أَصْلاً ; لاَِنَّنَا قَدْ رُوِّينَا ، عَنْ وَكِيعٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " مَنْ مَلَكَ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الإِمَاءِ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ , فِي الْحَجِّ : سَبِيلُهُ مَنْ وَجَدَ لَهُ سِعَةً , وَلَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِي ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً قَالَ عَلَى قَدْرِ الْقُوَّةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْعُمُومِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهَا مَعْنًى فَكَلاَمٌ فَاسِدٌ , وَاعْتِرَاضٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَإِخْرَاجٌ لِلْقُرْآنِ ، عَنْ ظَاهِرِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُهُ بِجِسْمِهِ , وَلاَ بِمَالِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; فَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلاً فِي الاِسْتِطَاعَةِ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الرِّحْلَةَ مِنْ شِقِّ الأَنْفُسِ وَالْحَرَجِ , وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ ذَلِكَ عِبَادَهُ , فَصَحِيحٌ وَلَمْ نَقُلْ نَحْنُ : إنَّ مَنْ كَانَتْ الرِّحْلَةُ تَشُقُّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ فِيهَا حَرَجٌ أَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُهُ : بَلْ الْحَجُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ سَاقِطٌ كَمَا قَالُوا ; وَإِنَّمَا قلنا : إنَّ مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَهُوَ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِي دُنْيَاهُ حَاجَةٌ لاَسْتَسْهَلَ الْمَشْيَ إلَيْهَا فَالْحَجُّ يَلْزَمُهُ ; لاَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وَأَمَّا الأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرُوا : فَإِنَّ فِي أَحَدِهَا : إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ ; وَفِي الثَّانِي : الْحَارِثُ الأَعْوَرُ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ , وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ , وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ لاَ سِيَّمَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ لاَ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ إلاَّ إذَا حَدَّثَهُ بِهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَصَاعِدًا ; ثُمَّ خَالَفُوا هَاهُنَا أَحْسَنَ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ ; وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يَقُولُونَ : إلاَّ بِالْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِالسَّاقِطِ , وَالْمُرْسَلِ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَوَاهِيَةٌ كُلُّهَا ; لاَِنَّهَا إمَّا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مُرْسَلَةٌ , وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ , وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ , وَأَحْسَنُهَا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِنَا , وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الآُخْرَى عَنْهُ فِي الثَّلاَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ , إلاَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. وَالْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ السُّنَنَ الصِّحَاحَ : كَنَفْيِ الزَّانِي , وَحَدِيثِ لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ , وَحَدِيثِ رَضَاعِ سَالِمٍ , وَغَيْرِهَا ; لِزَعْمِهِمْ : أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , أَوْ مُخَالِفَةٌ لَهُ , وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ لاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفَةٌ لَهُ , ثُمَّ خَالَفُوهَا مَعَ ذَلِكَ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْمُقْعَدِ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي تَخْصِيصِ الْمُقْعَدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ ، وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الأَعْرَجَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ , وَكَذَلِكَ الأَعْمَى ; فَخَالَفُوا مَا فِي الآيَةِ وَحَكَمُوا بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً فَكَانَ هَذَا عُمُومًا لِكُلِّ اسْتِطَاعَةٍ بِمَالٍ أَوْ جِسْمٍ هَذَا الَّذِي يُوجِبُهُ لَفْظُ الآيَةِ ضَرُورَةً , وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مُقْعَدٌ ، وَلاَ أَعْمَى ، وَلاَ أَعْرَجُ إذَا كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ الرُّكُوبَ وَمَعَهُمْ سِعَةٌ , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ; لاَِنَّهُ لاَ حَرَجَ فِيهِ عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ , وَهُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الشَّدِّ وَالتَّحَفُّظِ وَالْجَرْيِ , وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَجٌ ظَاهِرٌ عَلَى الأَعْرَجِ وَالأَعْمَى ; وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً. وَبَقِيَ مَنْ لاَ مَالَ لَهُ ، وَلاَ قُوَّةَ جِسْمٍ إلاَّ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِلاَ أُجْرَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ; فَوَجَدْنَا اللُّغَةَ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فِي أَنَّهُ يُقَالُ : الْخَلِيفَةُ مُسْتَطِيعٌ لِفَتْحِ بَلَدِ كَذَا , وَلِنَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مُثْبَتًا لاَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لِذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَطَاعَةِ النَّاسِ لَهُ , وَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلاً فِي نَصِّ الآيَةِ. وَوَجَدْنَا مِنْ السُّنَنِ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ r إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَهُوَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ r : حُجِّي عَنْهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ * أَنَّ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ : نَعَمْ , وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ : كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ إنْ حَزَمَهَا خَشِيَ أَنْ يَقْتُلَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْزِمْهَا لَمْ تَسْتَمْسِكْ فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ النُّعْمَانِ ، هُوَ ابْنُ سَالِمٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : حُجَّ ، عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ. رُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ ، عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، الْفَضْلُ , وَعَبْدُ اللَّهِ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ , وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ التُّسْتَرِيُّ بَصْرِيٌّ كَانَ يَنْزِلُ بِأَهْلِهِ عِنْدَ مَقْبَرَةِ بَنِي سَهْمٍ مَاتَ سَنَةَ 161 هـ إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ , وَقِيلَ : بَلْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 162 هـ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ , وَثَّقَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَابْنُ مَعِينٍ , وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ , وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ , وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ هُوَ يَزِيدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الَّذِي يَرْوِي ، عَنْ قَتَادَةَ , ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَطُّ صَحِيحًا فَإِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ لاَزِمَةٌ لَهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ; لاَِنَّهُ عليه السلام سَمِعَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ ، عَنْ أَبِيهَا : إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَدْرَكَتْهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الثَّبَاتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ , فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا , وَلاَ عَلَى أَبِي رَزِينٍ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَبِيهِ ; فَصَحَّ أَنَّ الْفَرْضَ بَاقٍ عَلَى هَذَيْنِ إذَا وَجَدَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُمَا. وقال الشافعي : إنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ وَهَذَا خَطَأٌ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ رَاحِلَةٌ , وَلاَ فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَيْضًا ; فَهَذِهِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ. فإن قيل : إنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي شَيْخٍ كَبِيرٍ , وَعَجُوزٍ كَبِيرَةٍ , فَمِنْ أَيْنَ تَعَدَّيْتُمْ مَا فِيهَا إلَى كُلِّ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَرَكَةَ بِزَمَانَةٍ , أَوْ مَرَضٍ وَلَمْ يَكُنْ شَيْخًا كَبِيرًا قلنا : لَيْسَ كُلُّ شَيْخٍ كَبِيرٍ تَكُونُ هَذِهِ صِفَتَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَنْ غَلَبَهُ الضَّعْفُ , فَإِنَّمَا أَمَرَ عليه السلام بِذَلِكَ فِيمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ ثَبَاتًا عَلَى الدَّابَّةِ وَلَيْسَ لِلشَّيْخِ هُنَالِكَ مَعْنًى أَصْلاً. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ حَدٌّ مَحْدُودٌ إذَا بَلَغَهُ الْمَرْءُ سُمِّيَ : شَيْخًا , وَلَمْ يُسَمَّ : شَيْخًا , حَتَّى يَبْلُغَهُ ; وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُتَسَامَحُ فِيهِ ، وَلاَ يُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمُفْتَرَاةِ الْمَشْرُوعِ بِهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى , وَلَوْ كَانَ لِلشَّيْخِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ لَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ r حَدَّهُ الَّذِي بِهِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ كَمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فِيمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الثَّبَاتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ , وَلاَ الْمَشْيَ إلَى الْحَجِّ ; فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ أَصْلاً , وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْعَجْزِ ، عَنِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَكَانَ هَذَا اسْتِطَاعَةً لِلسَّبِيلِ مُضَافَةً إلَى الْقُوَّةِ بِالْجِسْمِ وَبِالْمَالِ. قال أبو محمد : فَتَعَلَّلَ قَوْمٌ فِي هَذِهِ الآثَارِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r أَأَحُجُّ ، عَنْ أَبِي قَالَ : نَعَمْ , إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا. قَالُوا : فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ لاَ فَرْضٌ. قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَيِّتًا , وَلاَ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا ، عَنِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ ، وَلاَ أَنَّهُ كَانَ حَجَّ الْفَرِيضَةِ ; بَلْ إنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ مُطْلَقٌ ، عَنِ الْحَجِّ ، عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ ، عَنْ نَفْسِهِ , أَوْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ ; فَأَجَابَهُ عليه السلام بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ ; وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ الْحَجِّ ، عَنْ كُلِّ أَحَدٍ ، وَلاَ مَزِيدَ , وَهُوَ قَوْلُنَا. وَأَمَّا تِلْكَ الأَحَادِيثُ فَفِيهَا بَيَانٌ أَنَّهَا فِي الْحَجِّ الْفَرْضِ ; وَأَيْضًا : فَلَيْسَ قَوْلُهُ عليه السلام : إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا بِمُخْرِجٍ لِذَلِكَ ، عَنِ الْفَرْضِ إلَى التَّطَوُّعِ ; لإِنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَمَلٍ مُفْتَرَضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ إنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لاَ يُكْتَبُ لَهُ بِهِ سَيِّئَةٌ ; فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَقَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِلاَ خِلاَفٍ , وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَا سَعَى فِيهِ غَيْرُهُمْ عَنْهُمْ بِهَذِهِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ. وقال بعضهم : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. قَالَ عَلِيٌّ : إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لَزِمَ ذَلِكَ , وَكَانَ مَخْصُوصًا مِنْ هَذِهِ الآيَةِ ; وَقَدْ أَجْمَعُوا مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَمْ تَقْتُلْ وَأَنَّهَا تَغْرَمُ ، عَنِ الْقَاتِلِ , وَلَمْ يَعْتَرِضُوا عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ , وَلَيْسَ هُوَ إجْمَاعًا ; فَإِنَّ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ لاَ يَرَى حُكْمَ الْعَاقِلَةِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الَّذِي أَتَانَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي افْتَرَضَ أَنْ يُحَجَّ ، عَنِ الْعَاجِزِ , وَالْمَيِّتِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْحَجَّ ، عَنِ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ , وَالصَّدَقَةَ ، عَنِ الْحَيِّ , وَالْمَيِّتِ , وَالْعِتْقَ عَنْهُمَا أَوْصَيَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِيَا , وَلاَ يَعْتَرِضُونَ فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ. فَإِنْ قَالُوا : لَمَّا أَوْصَى بِالْحَجِّ كَانَ مِمَّا سَعَى قلنا لَهُمْ : فَأَوْجِبُوا بِذَلِكَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ ; لاَِنَّهُ مِمَّا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا : عَمَلُ الأَبَدَانِ لاَ يَعْمَلُهُ أَحَدٌ ، عَنْ أَحَدٍ . فَقُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ , وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا بَلْ كُلُّ عَمَلٍ إذَا أَمَرَ النَّبِيُّ r بِهِ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ ، عَنْ غَيْرِهِ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْمُعَانِدِ فَإِنْ قَالُوا : قِيَاسًا عَلَى الصَّلاَةِ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ ; لاَِنَّكُمْ لاَ تَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ الَّذِي يَحُجُّ ، عَنْ غَيْرِهِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ ، عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ , فَقَدْ جَوَّزْتُمْ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ ، عَنْ بَعْضٍ فَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ أَعْمَالِ الأَبَدَانِ وَقَالُوا : لَمَّا كَانَ الْحَجُّ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْمَالِ فِي جَبْرِهِ بِالْهَدْيِ , وَالإِطْعَامِ : جَازَ أَنْ يَعْمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ ، عَنْ بَعْضٍ قلنا : وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى وَشَرْعٌ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ فِيهِ ; لإِنَّ الصِّيَامَ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْمَالِ فِي جَبْرِهِ بِالْعِتْقِ , وَالإِطْعَامِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ صَوْمِهِ , فَأَجِيزُوا لِذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ ، عَنْ بَعْضٍ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُجِيزُونَ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ ، عَنْ غَيْرِهِ بِجُعْلٍ , وَيُجِيزُونَ الْكَفَّارَةَ ، عَنِ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهَا , وَهُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا , فَأَجَازُوا كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُجِزْهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام وَمَنَعُوا مِنْ جَوَازِهِ حَيْثُ افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ r . قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيمٍ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَدَوِيِّ النَّجَّارِيِّ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لِتَحُجِّي عَنْهُ , وَلَيْسَ لاَِحَدٍ بَعْدَهُ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْكَرِيرِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ الأَنْصَارِيِّ : أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ : إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَقْوَى عَلَى الْحَجِّ فَقَالَ عليه السلام : فَلْتَحُجِّي عَنْهُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ لاَِحَدٍ بَعْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الطَّلْحِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ رَبِيعَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ ، عَنْ أَحَدٍ إلاَّ وَلَدٌ ، عَنْ وَالِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ تَكَاذِيبُ , أَوَّلُ ذَلِكَ : أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ : وَالأَوَّلُ : فِيهِ مَجْهُولاَنِ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمَا وَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيمٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيُّ وَالآخَرَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ وَكَفَى ; فَكَيْف وَفِيهِ : الطَّلْحِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْكَرِيرِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَهَذَا خَبَرٌ حَرَّفَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ ; لاَِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ : حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ r : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ : نَعَمْ وَلَك مِثْلُ أَجْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَدَعَوْتَ غُرَمَاءَهُ لِتَقْضِيَهُمْ أَكَانُوا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنْكَ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ : فَحُجَّ عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ قَابِلٌ مِنْ أَبِيكَ. قال أبو محمد : فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهَا ; لأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الْحَجَّ ، عَنِ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِهِ , وَأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُ وَلَدِهِ ; وَهُوَ خِلاَفٌ لِمَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ وَتَخْصِيصُهُمْ جَوَازَ الْحَجِّ إذَا أَوْصَى بِهِ لاَ يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ , وَلاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَلاَ يُوجِبُهَا قِيَاسٌ ; لإِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَجُوزُ إلاَّ فِيمَا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِلاَ خِلاَفٍ قال أبو محمد : فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ يَصُومَنَّ أَحَدٌ ، عَنْ أَحَدٍ ، وَلاَ يَحُجَّنَّ أَحَدٌ ، عَنْ أَحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَفْلَحَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ ، عَنْ أَحَدٍ قلنا : نَعَمْ , هَذَا صَحِيحٌ عَنْهُمَا , وَأَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ ; لاَِنَّكُمْ تُجِيزُونَ الْحَجَّ ، عَنِ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ , وَالْقَاسِمِ وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ; وَصَحَّ قَوْلُنَا ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قَالَ : قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إنَّ أُمِّي حَجَّتْ وَلَمْ تَعْتَمِرْ , أَفَأَعْتَمِرُ عَنْهَا قَالَ : نَعَمْ ;. قال أبو محمد فَهَذَا لاَ تَخْصِيصَ فِيهِ لِمَيِّتٍ دُونَ حَيٍّ.وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، عَنْ دَاوُد ، أَنَّهُ قَالَ , قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ , لاَِيِّهِمَا الأَجْرُ أَلِلْحَاجِّ أَمْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَقَالَ سَعِيدٌ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاسِعٌ لَهُمَا جَمِيعًا. قال أبو محمد : صَدَقَ سَعِيدٌ رحمه الله. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أُمِّ مُحِبَّةَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ فَمَشَتْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ عَقَبَةَ الْبَطْنِ عَجَزَتْ فَرَكِبَتْ ثُمَّ أَتَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ : أَتَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحُجِّي قَابِلاً فَإِذَا انْتَهَيْت إلَى الْمَكَانِ الَّذِي رَكِبَتْ فِيهِ فَتَمْشِي مَا رَكِبْت قَالَتْ : لاَ , قَالَ لَهَا : فَهَلْ لَك ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْك قَالَتْ : لِي ابْنَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ قَالَ : فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قال أبو محمد : هَذِهِ هِيَ الَّتِي عَوَّلُوا عَلَى رِوَايَتِهَا ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فِي أَمْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ , وَتَرَكُوا فِيهِ فِعْلَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَكَانَتْ حُجَّةً هُنَالِكَ إذْ لَمْ تُوَافِقْ النُّصُوصَ , وَلَمْ تَكُنْ حُجَّةً ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ وَافَقَتْ النُّصُوصَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حَفْصُ ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُجَهِّزُ رَجُلاً بِنَفَقَتِهِ فَيَحُجُّ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ : رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ الْجِمَارَ , وَطَافَ عَنْهُ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانَ أَبُوهُ مَرِيضًا. وَعَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس فِي رَمْيِ الْجِمَارِ ، عَنْ أَبِيهِ بِأَمْرِ أَبِيهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَنْ حَجَّ ، عَنْ رَجُلٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فَعَجَزَ قَالَ : يَمْشِي عَنْهُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ , وَأَنَّهُ رَأَى الرَّمْيَ ، عَنِ الْمَرِيضِ لِلْجِمَارِ. فَهَؤُلاَءِ : ابْنُ عَبَّاسٍ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس : وَرُوِيَ أَيْضًا : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا فَلَمْ يُوجِبْ الْحَجَّ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ , وَلاَ عَنِ الْمَيِّتِ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ : سَلَفًا أَصْلاً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ ; وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَأَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ. 816 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : فَإِنْ حَجَّ عَمَّنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوبَ وَالْمَشْيَ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ ثُمَّ أَفَاقَ ; فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ : عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ ، وَلاَ بُدَّ , وَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بَعْدُ. قال أبو محمد : إذَا أَمَرَ النَّبِيُّ r بِالْحَجِّ عَمَّنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ رَاكِبًا ، وَلاَ مَاشِيًا , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ دَيْنُ اللَّهِ يُقْضَى عَنْهُ ; فَقَدْ تَأَدَّى الدَّيْنُ بِلاَ شَكٍّ وَأَجْزَأَ عَنْهُ , وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ مَا سَقَطَ وَتَأَدَّى , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ فَرْضُهُ بِذَلِكَ ; إلاَّ بِنَصٍّ ، وَلاَ نَصَّ هَاهُنَا أَصْلاً بِعَوْدَتِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَائِدًا لَبَيَّنَ عليه السلام ذَلِكَ ; إذْ قَدْ يَقْوَى الشَّيْخُ فَيُطِيقُ الرُّكُوبَ ; فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ r بِذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ عَوْدَةُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ تَأَدِّيهِ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 817 - مَسْأَلَةٌ : (قال علي) وَسَوَاءٌ مَنْ بَلَغَ وَهُوَ عَاجِزٌ ، عَنِ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ , أَوْ مَنْ بَلَغَ مُطِيقًا ثُمَّ عَجَزَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ إلاَّ عَمَّنْ قَدَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْحَجِّ وَلَوْ عَامًا وَاحِدًا ثُمَّ عَجَزَ. قال علي : وهذا خَطَأٌ ; لإِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي قَدَّمْنَا فِيهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الدَّابَّةِ. فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ بَعْدَ لُزُومِهِ لَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِجِسْمِهِ ; فَصَحَّ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 818 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الَّتِي قَدَّمْنَا حُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَاعْتُمِرَ ، وَلاَ بُدَّ مُقَدَّمًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ تَطَوُّعًا سَوَاءً أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ يُحَجُّ عَنْهُ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمَصْرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حَمِيدٍ الْبَصْرِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِيُّ : " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : أَمَرْتُ امْرَأَةَ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ r أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ أَفَيُجْزِئُ ، عَنْ أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : نَعَمْ , لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا أَلَمْ يَكُنْ يُجْزِئُ عَنْهَا فَلْتَحُجَّ ، عَنْ أُمِّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنْ أَبِيهَا مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَالَ : حُجِّي ، عَنْ أَبِيكِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا. حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ فَأَتَى أَخُوهَا النَّبِيَّ r فَسَأَلَهُ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِنَصِّهِ فِي امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ نَذَرَتْ أُمُّهَا أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِثْلَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ; وَفِيهِ قَوْلُهُ عليه السلام : فَحُجِّي ، عَنْ أُمِّكِ , اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ عَلَيْكُمْ , فَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ. فَهَذِهِ آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ يَسَعُ أَحَدٌ الْخُرُوجَ عَنْهَا : قال أبو محمد : وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي تَحْرِيمِ التِّينِ بِالتِّينِ مُتَفَاضِلاً ثُمَّ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ أَقْبَحُ خِلاَفٍ فَيَقُولُونَ : لاَ يُحَجُّ ، عَنْ مَيِّتٍ , وَدَيْنُ اللَّهِ لاَ يُقْضَى , وَدُيُونُ النَّاسِ أَحَقُّ مِنْهُ , فَأَيُّ قَوْلٍ أَقْبَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ : مَنْ أَهْرَقَ خَمْرَ الْيَهُودِيِّ , أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَمَاتَ قُضِيَ دَيْنُ الْخَمْرِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ , وَلاَ يُقْضَى دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ إلاَّ أَنْ يُوصَى بِهِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ : قال أبو محمد : قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ : رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ أَوْ حَجٌّ فَلْيَقْضِ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَقَالَتْ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هَلْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ قَالَتْ : نَعَمْ ; قَالَ : فَمَا صَنَعْتِ قَالَتْ قَضَيْته عَنْهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاَللَّهُ خَيْرُ غُرَمَائِك , حُجِّي ، عَنْ أُمِّك ". وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إنَّ أُمِّي حَجَّتْ وَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَمِرْ أَفَأَعْتَمِرُ عَنْهَا قَالَ : نَعَمْ ; وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إنَّ أَبِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِرَجُلٍ حَجَّ ، عَنْ أَبِيهِ وَهَلْ هُوَ إلاَّ دَيْنٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّؤَاسِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَخِي فَقُلْتُ : مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ فَقَالَ : هَلْ تَرَكَ مِنْ وَلَدٍ قُلْت : تَرَكَ صَبِيًّا صَغِيرًا , فَقَالَ : حُجَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَدَ رَسُولاً لاََرْسَلَ إلَيْك أَنْ عَجِّلْ بِهَا فَقُلْت : أَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَالِي أَوْ مِنْ مَالِهِ : قَالَ : بَلْ مِنْ مَالِهِ. قَالَ : وَسَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَقَالَ : حُجَّ عَنْهُ. قَالَ : وَسَأَلْتُ الضَّحَّاكَ فَقَالَ : حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ , وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ : نَذَرَتْ امْرَأَةٌ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُقْتَرِنَةً مَعَ ابْنَتِهَا فَمَاتَتْ الآُمُّ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ فَسَأَلَ ابْنُهَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : طُفْ أَنْتَ وَأُخْتُك ، عَنْ أُمِّك ، وَلاَ تَقْتَرِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَسْلَمَ الْمُنْقِرِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : يُحَجُّ ، عَنِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِي ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ قَالَ : سَأَلْتُ طَاوُوسًا ، عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ نُسُكِهَا فَقَالَ : يَقْضِي عَنْهَا وَلِيُّهَا أَبُو نَهِيكٍ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ رُوِيَ عَنْهُ سُفْيَانُ , وَمَنْصُورٌ , وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ ، عَنِ الْحَسَنِ : قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ لَمْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ أَنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ , وَالزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ , أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى. قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَالثَّوْرِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ. قال أبو محمد : قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَخِلاَفَهُمْ لَهُمَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : سُئِلَ أَيُّوبُ ، عَنِ الْوَصَايَا فِي الْحَجِّ فَقَالَ : لاَ أَعْرِفُ الْوَصَايَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا الْوَصِيَّةُ فِي الأَقْرَبِينَ. قلنا : إذَا فَرَّطَ فِي الْحَجِّ أَيُوصِي بِهِ قَالَ : لاَ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ : لاَ يُقْضَى حَجٌّ ، عَنْ مَيِّتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ : فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ , قَالَ : كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُوصِي أَنْ يُنْحَرَ عَنْهُ بَدَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ : لاَ يَحُجُّ أَحَدٌ ، عَنْ أَحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ : إنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ , حُجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ , وَإِلاَّ فَلاَ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ فَمِنْ الثُّلُثِ ; وَبِهَذَا يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَحُمَيْدُ الطَّوِيلُ , وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا حُجَّةً إلاَّ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَإِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ , وَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْضَى دَيْنُ آدَمِيٍّ حَتَّى تَتِمَّ دُيُونُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا , وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَقَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا , وَلِلْمَالِكِيَّيْنِ , وَالْحَنِيفِيِّينَ فِيمَا يَبْدَأُ بِهِ فِي الْوَصَايَا أَقْوَالٌ لاَ يُعْرَفُ لَهَا وَجْهٌ أَصْلاً. 819 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَجُّ لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ إلاَّ فِي أَوْقَاتِهِ الْمَنْصُوصَةِ ، وَلاَ يَحِلُّ الإِحْرَامُ بِهِ إلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ , وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ , وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيِهَا لاَ تُحَاشِ شَيْئًا : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ. الآيَةَ , فَنَصَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَيْهِمَا ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ أَيُهِلُّ أَحَدٌ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ : لاَ. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ يَنْبَغِي لاَِحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ : رَأَى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَدْرَكُوهُ رَجَمُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ لاَِبِي الْحَكَمِ : أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ ; لاَِنَّك خَالَفْتَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكْتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ r قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ , وَجَعَلَ الْقَرْيَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَهَلَّ وَإِنَّك تُهِلُّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ قَالُوا : لاَ يَنْبَغِي لاَِحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَعَنْ عَطَاءٍ , وَالشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالاَ : فَإِنَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِلُّ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُحِلُّ وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَأَنَّهُ لَيْسَ حَجًّا , يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْمُغِيرَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَنْبَغِي لاَِحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ; فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ يَحِلُّ حَتَّى يَقْضِيَ حِجَّهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ , وَالشَّافِعِيُّ : تَصِيرُ عُمْرَةً ، وَلاَ بُدَّ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. قال أبو محمد مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَهُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَخِلاَفُ الْقِيَاسِ , وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِصَلاَةِ فَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهَا أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا. قال أبو محمد : هَذَا تَشْبِيهُ الْخَطَأِ بِالْخَطَأِ بَلْ هُوَ لاَ شَيْءَ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلاَةِ كَمَا أُمِرَ , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. فَصَحَّ أَنْ عَمَلَ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ أَمْرُ رَسُولِهِ r فَصَحَّ أَنَّهُ رَدٌّ , وَلاَ يَصِيرُ عُمْرَةً ، وَلاَ هُوَ حَجٌّ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَحْتَجُّ مِنْ الْحَنِيفِيِّينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مَا , فَإِذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرَةً فَهُوَ الْحَجُّ , وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُنَاظِرُ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ فَهُوَ لَعَمْرِي لاَزِمٌ لَهُ , وَإِنْ كَانَ قَصَدَ الإِيهَامَ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ تَامٌّ فَقَدْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ عَلَى الآُمَّةِ كُلِّهَا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَعَطَاءٍ أَنَّهُ يَحِلُّ , وَعَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً. وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ : أَنْتُمْ تَكْرَهُونَ الإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتُجِيزُونَهُ فَأَخْبِرُونَا عَنْكُمْ أَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ وَفِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ فَلِمَ تَكْرَهُونَ الْبِرَّ وَعَمَلاً فِيهِ أَجْرٌ هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَمَا فِي الدِّينِ كَرَاهِيَةُ الْبِرِّ وَعَمَلُ الْخَيْرِ , أَمْ هُوَ عَمَلٌ لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ ، وَلاَ هُوَ مِنْ الْبِرِّ فَكَيْف أَجَزْتُمُوهُ فِي الدِّينِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا قال أبو محمد : إذْ هُوَ عَمَلٌ زَائِدٌ لاَ أَجْرَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّ : كَيْف تُبْطِلُ عَمَلَهُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ ; لاَِنَّهُ خَالَفَ الْحَقَّ , ثُمَّ تُلْزِمُهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عُمْرَةً لَمْ يُرِدْهَا قَطُّ ، وَلاَ قَصَدَهَا ، وَلاَ نَوَاهَا وَرَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهَذَا بَيِّنٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ; فَبَطَلَ كِلاَ الْقَوْلَيْنِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. ، وَلاَ يَخْتَلِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلاَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَمَنْ نَوَى صِيَامًا قَبْلَ وَقْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ , وَمَنْ قَدَّمَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ وَقْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ; فَهَلاَّ قَاسُوا الْحَجَّ عَلَى ذَلِكَ وَهَلاَّ قَاسُوا بَعْضَ عَمَلِ الْحَجِّ عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ , وَعَمَلَ النَّبِيِّ r وَأَصْحَابِهِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَالْقِيَاسُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنِيفِيِّينَ قَالُوا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : فِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ : حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ r بِكَلاَمٍ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ فَهَلاَّ قَالُوا : هَاهُنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلاً لاَ فَائِدَةَ فِيهِ هَذَا وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ جُمْلَةً دُونَ ذِكْرِ سَائِمَةٍ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ جَوَازُ فَرْضِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ الْمَعْلُومَاتِ. فَإِنْ قَالُوا : أَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَلِمَ جَعَلْتُمْ قوله تعالى : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ حُجَّةً فِي أَنْ لاَ يَتَعَدَّى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ إلَى غَيْرِهَا قلنا : إنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ دَعْوَاكُمْ فِي دَلِيلِ الْخِطَابِ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تُبْطِلُوا بِهِ سُنَّةً أُخْرَى عَامَّةً , وَأَمَّا إذَا وَرَدَ نَصٌّ بِحُكْمٍ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى بِذَلِكَ الْحُكْمِ النَّصَّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّ الْخِلاَفَ قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، عَنِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ عُمْرَةٌ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : اجْعَلُوا الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَتَمَّ لِحَجِّكُمْ وَلِعُمْرَتِكُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ : أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : حَلَّتْ الْعُمْرَةُ الدَّهْرَ إلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ : يَوْمَ النَّحْرِ ; وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنْ مُعَاذَةَ عَنْهَا. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهَا : تَمَّتْ الْعُمْرَةُ السَّنَةَ كُلَّهَا إلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ : يَوْمَ عَرَفَةَ , وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهَا إلاَّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ : يَوْمُ عَرَفَةَ , وَيَوْمُ النَّحْرِ , وَثَلاَثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وقال أبو حنيفة : الْعُمْرَةُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ إلاَّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ , يَوْمُ عَرَفَةَ , وَيَوْمُ النَّحْرِ , وَثَلاَثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وقال مالك : الْعُمْرَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ إلاَّ لِلْحَاجِّ خَاصَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ خَاصَّةً. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قلنا. قَالَ عَلِيٌّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ فَاعْتَمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : اسْتَأْذَنَتْ أُخْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَعْدَ مَا قَضَتْ حَجَّهَا أَتَعْتَمِرُ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ : نَعَمْ. وَعَنْ طَاوُوس أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَالَ : تَعَجَّلْتُ فِي يَوْمَيْنِ أَفَأَعْتَمِرُ قَالَ : نَعَمْ. قال أبو محمد : لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضِ , وَلاَ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا , وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، حدثنا سُمَيٌّ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ تَكْفِيرٌ لِمَا بَيْنَهُمَا. قال أبو محمد : فَحَضَّ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَحُدَّ لَهَا وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ; وَأَمَّا اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ جِدًّا ; لاَِنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ دُونَ سَائِرِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 820 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَجُّ لاَ يَجُوزُ إلاَّ مَرَّةً فِي السَّنَةِ ; وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَنُحِبُّ الإِكْثَارَ مِنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضْلِهَا ; فأما الْحَجُّ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ عُمْرَتَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : كَرَاهَةُ الْعُمْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ ; وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَرُوِّينَا ، عَنْ طَاوُوس : إذَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَاعْتَمِرْ مَتَى شِئْت. وَعَنْ عِكْرِمَةَ : اعْتَمِرْ مَتَى أَمْكَنَك الْمُوسَى. وَعَنْ عَطَاءٍ إجَازَةُ الْعُمْرَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرَّةً فِي رَجَبٍ , وَمَرَّةً فِي شَوَّالٍ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَقَامَ مُدَّةً بِمَكَّةَ فَكُلَّمَا جَمَّ رَأْسُهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَبِهِ نَأْخُذُ لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَكْرَهْ عليه السلام ذَلِكَ بَلْ حَضَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا , وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ , فَالإِكْثَارُ مِنْهَا أَفْضَلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ : بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَعْتَمِرْ فِي عَامٍ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً قلنا : لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا ; لاَِنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ مَا حَضَّ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ عليه السلام لَمْ يَحُجَّ مُذْ هَاجَرَ إلاَّ حَجَّةً وَاحِدَةً ، وَلاَ اعْتَمَرَ مُذْ هَاجَرَ إلاَّ ثَلاَثَ عُمَرَ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَكْرَهُوا الْحَجَّ إلاَّ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ , وَأَنْ تَكْرَهُوا الْعُمْرَةَ إلاَّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الدَّهْرِ , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ ; وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يَتْرُكُ الْعَمَلَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ أَوْ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَصُومَ الْمَرْءُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ , وَأَنْ يَقُومَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ ; وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلاً , وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ , وَلاَ قَامَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ , فَلَمْ يَرَوْا فِعْلَهُ عليه السلام هَاهُنَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى صِحَّةِ نَهْيِهِ ، عَنِ الزِّيَادَةِ فِي الصَّوْمِ وَمِقْدَارِ مَا يُقَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ. وَجَعَلُوا فِعْلَهُ عليه السلام فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي الْعَامِ إلاَّ مَرَّةَ مَعَ حَضِّهِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَالإِكْثَارِ مِنْهَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى عُمْرَةٍ مِنْ الْعَامِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. 821 - مَسْأَلَةٌ : وَأَشْهُرُ الْحَجِّ : شَوَّالٌ , وَذُو الْقِعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , . وَقَالَ قَوْمٌ : شَوَّالٌ , وَذُو الْقِعْدَةِ , وَعَشَرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. رُوِّينَا قَوْلَنَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُوس , وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الآخَرَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا , وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ : شَوَّالٌ , وَذُو الْقَعْدَةِ , وَصَدْرُ ذِي الْحِجَّةِ. قال أبو محمد : قَالَ تَعَالَى ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ، وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى شَهْرَيْنِ , وَبَعْضٍ آخَرَ : أَشْهُرٌ , وَأَيْضًا فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ يُعْمَلُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ وَهُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ يُعْمَلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ كُلِّهِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْهُمْ ; فَصَحَّ أَنَّهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - مَسْأَلَةٌ : وَلِلْحَجِّ , وَالْعُمْرَةِ مَوَاضِعُ تُسَمَّى : الْمَوَاقِيتَ , وَاحِدُهَا : مِيقَاتٌ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ , وَلاَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَهَا. وَهِيَ لِمَنْ جَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ , أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَهُوَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مِائَتَيْ مِيلٍ غَيْرَ مِيلَيْنِ. وَلِمَنْ جَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ , أَوْ مِنْ الشَّامِ , أَوْ مِنْ مِصْرَ عَلَى طَرِيقِ مِصْرَ , أَوْ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ : الْجُحْفَةُ وَهِيَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشِّمَالِ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهَا إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ مِيلاً. وَلِمَنْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ مِنْهَا , وَمِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ : ذَاتُ عِرْقٍ وَهُوَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالشِّمَالِ مِنْ مَكَّةَ , وَمِنْهَا إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً. وَلِمَنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ نَجْدٍ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ كُلِّهَا : قَرْنٌ وَهُوَ شَرْقِيٌّ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهُ إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً. وَلِمَنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْيَمَنِ مِنْهَا , أَوْ مِنْ جَمِيعِ الْبِلاَدِ : يَلَمْلَمُ وَهُوَ جَنُوبٌ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهُ إلَى مَكَّةَ ثَلاَثُونَ مِيلاً. فَكُلُّ مَنْ خَطَرَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ , أَوْ الْعُمْرَةَ , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلاَّ مُحْرِمًا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ : فَلاَ إحْرَامَ لَهُ , وَلاَ حَجَّ لَهُ , وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ فَيَنْوِيَ الإِحْرَامَ مِنْهُ , فَيَصِحَّ حِينَئِذٍ إحْرَامُهُ , وَحَجُّهُ , وَعُمْرَتُهُ. فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ يَمُرُّ عَلَيْهَا : فَلاَ إحْرَامَ لَهُ , وَلاَ حَجَّ لَهُ , وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ إذَا صَارَ فِي الْمِيقَاتِ تَجْدِيدَ إحْرَامٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِحْرَامُهُ حِينَئِذٍ تَامٌّ , وَحَجُّهُ تَامٌّ , وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ , أَوْ مِصْرَ فَمَا خَلْفَهُمَا فَأَخَذَ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا , أَوْ عُمْرَةً فَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَأْخِيرُ الإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ , فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ حَجَّ لَهُ , وَلاَ إحْرَامَ لَهُ , وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ , فَيُجَدِّدَ مِنْهَا إحْرَامًا : فَيَصِحَّ حِينَئِذٍ إحْرَامُهُ , وَحَجُّهُ , وَعُمْرَتُهُ. فَمَنْ مَرَّ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا , وَلاَ عُمْرَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ , فَإِنْ تَجَاوَزَهُ بِقَلِيلٍ ; أَوْ بِكَثِيرٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ ; أَوْ فِي الْعُمْرَةِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ , أَوْ الْعُمْرَةِ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ , وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ , وَمِيقَاتُهُ حِينَئِذٍ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ , أَوْ الْعُمْرَةِ : فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلاَّ مُحْرِمًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ : فَلاَ إحْرَامَ لَهُ , وَلاَ حَجَّ لَهُ , وَلاَ عُمْرَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُجَدِّدَ مِنْهُ إحْرَامًا. فَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً سَوَاءً , أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَا لَهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْهُ أَوْ يَعْتَمِرَ كَمَا قَدَّمْنَا. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ مَنَازِلُ مَكَّةَ , وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَلْيَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْهُ وَأَدْنَى ذَلِكَ : التَّنْعِيمُ. وَمَنْ كَانَ طَرِيقُهُ لاَ تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا ; فَإِنْ أَخْرَجَهُ قَدَرٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ مِنْهَا نِيَّةَ إحْرَامٍ ، وَلاَ بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامُ ، حدثنا الْمَعَافِرِيُّ ، هُوَ ابْنُ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ ، حدثنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَّتَ لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ , وَلاَِهْلِ الشَّامِ , وَمِصْرَ : الْجُحْفَةَ ; وَلاَِهْلِ الْعِرَاقِ : ذَاتَ عِرْقٍ , وَلاَِهْلِ الْيَمَنِ : يَلَمْلَمُ. قال أبو محمد : هِشَامُ بْنُ بَهْرَامُ ثِقَةٌ , وَالْمُعَافِيُّ ثِقَةٌ , كَانَ سُفْيَانُ يُسَمِّيهِ : الْيَاقُوتَةَ الْحَمْرَاءَ ; وَبَاقِيهِمْ أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَّتَ لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ : ذَا الْحُلَيْفَةِ ; وَلاَِهْلِ الشَّامِ : الْجُحْفَةَ , وَلاَِهْلِ نَجْدٍ : قَرْنَ الْمَنَازِلِ , وَلاَِهْلِ الْيَمَنِ : يَلَمْلَمُ. وَقَالَ : هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ , وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَِهْلِ الْمَدِينَةِ : ذَا الْحُلَيْفَةِ ; وَلاَِهْلِ الشَّامِ : الْجُحْفَةَ ; وَلاَِهْلِ نَجْدٍ : قَرْنَ الْمَنَازِلِ ; وَلاَِهْلِ الْيَمَنِ : يَلَمْلَمُ , فَهُنَّ لاَِهْلِهِنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهِلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ , وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. قال أبو محمد : فَهَذِهِ الأَخْبَارُ أَتَمُّ مِنْ كُلِّ خَبَرٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَأَصَحُّ وَهِيَ مُنْتَظِمَةٌ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَصْلاً فَصْلاً : قال أبو محمد : وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ : فَمِنْهُ أَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا أَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ : الْعَقِيقُ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ لاَ يَصِحُّ لإِنَّ رَاوِيَهُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ قَالُوا : مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ خَاصَّةً فَلَهُمْ أَنْ يَدَعُوا الإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ ; لاَِنَّهُ مِيقَاتُهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ ; وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَغَيْرُهُمْ , وَهُوَ الْحَقُّ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : هُنَّ لاَِهْلِهِنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. فَقَدْ صَارَ ذُو الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتًا لِلشَّامِيِّ , وَالْمِصْرِيِّ إذَا أَتَى عَلَيْهِ وَكَانَ إنْ تَجَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَاصِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ r وَإِنَّمَا الْمِيقَاتُ لِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه السلام لاَ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فَقَطْ. وَلَوْ أَنَّ مَدَنِيًّا يَمُرُّ عَلَى الْجُحْفَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ وَعُرِضَتْ لَهُ مَعَ ذَلِكَ حَاجَةٌ إلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الإِحْرَامَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا : مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الآفَاقِ بِالْمَدِينَةِ أَهَلَّ مِنْ مُهِلِّ النَّبِيِّ r مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ; وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ : وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَهْلُ مِصْرَ , وَمَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي الْمِيقَاتِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. قال أبو محمد : قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرَ الإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ ; وَمِنْهُ مَنْ كَانَتْ طَرِيقُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا : إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ شَكَوْا إلَى عُمَرَ فِي حَجِّهِمْ أَنَّ " قَرْنَ الْمَنَازِلِ " جَوْرٌ ، عَنْ طَرِيقِهِمْ ; فَقَالَ لَهُمْ : اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ " ذَاتَ عِرْقٍ ". قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لإِنَّ الْخَبَرَ الْمُسْنَدَ فِي تَوْقِيتِ النَّبِيِّ r ذَاتَ عِرْقٍ لاَِهْلِ الْعِرَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَإِنَّمَا حَدَّ لَهُمْ عُمَرُ مَا حَدَّ لَهُمْ النَّبِيُّ r ثُمَّ لَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r حُجَّةٌ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا " وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ". وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَوْقِيتَ النَّبِيِّ r يَلَمْلَمُ ; فَرِوَايَةُ مَنْ سَمِعَ , وَعَلِمَ : أَتَمُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا وَبُرْهَانٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الآُمَّةِ مُجْمِعُونَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ لاَ يَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ قَبْلَ مُحَاذَاةِ مَوْضِعِ الْمِيقَاتِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا حَاذَى مَوْضِعَ الْمِيقَاتِ , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ , وَقَالَ آخَرُونَ : لاَ يَلْزَمُهُ ; فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ فَرْضٌ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَمِنْهُ مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَلَمْ يُحْرِمْ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ : هُوَ مُسِيءٌ وَيَرْجِعُ إلَى مِيقَاتِهِ فَيُلَبِّي مِنْهُ ، وَلاَ دَمَ عَلَيْهِ ، وَلاَ شَيْءَ ; فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُلَبِّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ , وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمِيقَاتِ , وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ الطَّرِيفَ مِنْ إسْقَاطِهِ الدَّمَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَلْبِيَتِهِ مِنْهُ وَإِثْبَاتِهِ الدَّمَ إنْ لَمْ يَرْجِعْ , أَوْ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُلَبِّ وَهَذَا أَمْرٌ لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ نَظَرٌ يُعْقَلُ وقال مالك ; وَسُفْيَانُ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَاللَّيْثُ , وَأَبُو يُوسُفَ : إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ ; فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَلاَ دَمَ ، وَلاَ غَيْرَهُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ ; وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ , وَحَجُّهُ , وَعُمْرَتُهُ : صَحِيحَانِ. وَقَالَ زُفَرُ : عَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. قال أبو محمد : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : حدثنا وَكِيعٌ ، وَابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَكِيعٌ : عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ; وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ : عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ حَبِيبٌ , وَجَابِرٌ كِلاَهُمَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرِدُ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ , قَالَ جَابِرٌ : رَأَيْته يَفْعَلُ ذَلِكَ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إذَا زَلَّ الرَّجُلُ ، عَنِ الْوَقْتِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ تَقَدَّمَ وَأَهْرَاقَ دَمًا. وَعَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا لَمْ يُهِلَّ مِنْ مِيقَاتِهِ أَجْزَأَهُ وَأَرَاقَ دَمًا وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ وَبَرَةَ : أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ وَقَدْ حَضَرَ الْحَجَّ وَخَافَ إنْ رَجَعَ فَوْتَهُ فَأَمَرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ يُهِلَّ مِنْ مَكَانِهِ فَإِذَا قَضَى الْحَجَّ خَرَجَ إلَى الْوَقْتِ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَآهُمْ بِذَاتِ الشُّقُوقِ فَقَالَ : مَا هَؤُلاَءِ أَتُجَّارٌ قَالُوا : لاَ , قَالَ : فَمَا يَحْبِسُهُمْ عَمَّا خَرَجُوا لَهُ فَمَالُوا إلَى أَدْنَى مَاءٍ فَاغْتَسَلُوا وَأَحْرَمُوا. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ ، عَنِ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا إلاَّ مَا أَوْرَدْنَا. وَرُوِيَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِتَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا لِمَنْ تَوَقَّعَ شَيْئًا وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حَبِيبٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ لاَ حَاجًّا ، وَلاَ مُعْتَمِرًا وَخَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ , قَالَ : يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ حَبِيبٌ : وَلَمْ يَذْكُرْ دَمًا. وَعَنِ الْحَسَنِ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمِيقَاتِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَرَّةً : عَلَيْهِ دَمٌ , وَمَرَّةً قَالَ : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَيْسَ عَلَى مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ شَيْءٌ. قَالَ سُفْيَانُ : لاَ يُعْجِبُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا خُصَيْفٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : مَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلَنْ يُغْنِي عَنْهُ إنْ أَحْرَمَ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَ النَّبِيُّ r فَيُحْرِمُ مِنْهُ إلاَّ إنْسَانٌ أَهْلُهُ مِنْ وَرَاءِ الْوَقْتِ فَيُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ. قال أبو محمد : فَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا ; وَأَضْعَفُ الرِّوَايَاتِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ الْحَاضِرِينَ مِنْ مُخَالِفِينَا وَلَيْسَ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ ، رضي الله عنهم ، بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , الْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَفَعَلْنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَقَّتَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r مَوَاقِيتَ وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَقَالَ عليه السلام : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَحِّحَ عَمَلاً عُمِلَ عَلَى خِلاَفِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ أَنْ يُشَرِّعَ وُجُوبَ دَمٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَيُبِيحُ مِنْ مَالِهِ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ بِإِبَاحَتِهِ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ وَأَجَازَ الإِحْرَامَ حُجَّةً أَصْلاً. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ أَشْيَاءَ جَاءَ النَّصُّ فِيهَا بِوُجُوبِ دَمٍ قلنا : نَعَمْ , فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ وَقَدْ أَوْجَبَ الدَّمَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ صَاحِبُهُ ; وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْهُ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنَّ قَوْمًا اسْتَحَبُّوهُ , وَقَوْمًا كَرِهُوهُ وَأَلْزَمُوهُ إذَا وَقَعَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أُذَيْنَةَ بْنِ مَسْلَمَةَ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنِّي رَكِبْت السُّفُنَ , وَالْخَيْلَ , وَالإِبِلَ فَمِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ , فَقَالَ : ائْتِ عَلِيًّا فَاسْأَلْهُ فَسَأَلَ عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ : مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْت أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلاَدِك , فَرَجَعَ إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هُوَ كَمَا قَالَ لَك عَلِيٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَقَالَ : أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك. وَبِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيِّ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَلاَّمٍ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : الْعُمْرَةُ تَامَّةٌ مِنْ أَهْلِك. وَمِنْ طَرِيقِ الْحِمَّانِيُّ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَحْرَمَ مِنْ المنجشانية بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ أَحْرَمَ مِنْ السَّيْلَحِينِ. وَعَنْ رَجُلٍ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَنَسٍ إلَى مَكَّةَ , فَأَحْرَمَ مِنْ الْعَقِيقِ. وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ , وَكَعْبِ الْخَيْرِ : فَأَحْرَمَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ وَأَحْرَمَ مَعَهُمَا وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ الرَّجُلُ أَوْ يَعْتَمِرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الْكُوفَةِ. وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ ضَرِيَّةَ. وَعَنِ الأَسْوَدِ , وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ الْكُوفَةِ وَعَنْ طَاوُوس , وَعَطَاءٍ نَحْوُ هَذَا. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يُحَنَّسَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ ، عَنْ جَدَّته حَكِيمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ r : " يَقُولُ : مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ , أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيُّهُمَا قَالَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ ، عَنْ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا هَذَانِ الأَثَرَانِ فَلاَ يَشْتَغِلُ بِهِمَا مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ لإِنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيَّ , وَجَدَّتَهُ حَكِيمَةَ , وَأُمَّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ مِنْ النَّاسِ ، وَلاَ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَجْهُولاَتِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ قَطُّ , وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ عَلِيًّا , وَأَبَا مُوسَى : أَحْرَمَا مِنْ الْيَمَنِ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ r ذَلِكَ عَلَيْهِمَا. قَالَ : وَكَذَلِكَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ. قال أبو محمد : وَلاَ نَدْرِي أَيْنَ وَجَدَ هَذَا ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَمَّا عَلِيٌّ , وَأَبُو مُوسَى , فَإِنَّهُمَا قَدِمَا مِنْ الْيَمَنِ مُهِلَّيْنِ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ r فَعَلَّمَهُمَا عليه السلام كَيْفَ يَعْمَلاَنِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ ذِكْرٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَا مِنْهُ , وَلاَ فِيهِ دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ تَوْقِيتِهِ عليه السلام الْمَوَاقِيتَ , فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً , وَلاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ قَبْلَ تَوْقِيتِهِ عليه السلام الْمَوَاقِيتَ كَانَ الإِحْرَامُ جَائِزًا مِنْ كُلِّ مَكَان. وَأَمَّا مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم . فأما خَبَرُ ابْنِ أُذَيْنَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ : حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ : أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِمَكَّةَ فَقُلْت لَهُ : إنِّي رَكِبْت الإِبِلَ , وَالْخَيْلَ حَتَّى أَتَيْتُك فَمِنْ أَيْنَ أَعْتَمِرُ قَالَ : ائْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ , فَأَتَيْته فَسَأَلْته , فَقَالَ لِي عَلِيٌّ : مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْت يَعْنِي مِنْ مِيقَاتِ أَرْضِهِ قَالَ : فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ : مَا أَجِدُ لَك إلاَّ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ. قال أبو محمد : هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ يَعْنِي مِنْ مِيقَاتِ أَرْضِهِ , فَعَادَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ مِنْ أَصْلِهِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ : حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : أَحْرَمَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ : أَرَدْت أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : أَحْرَمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ مِصْرٍ مِنْ الأَمْصَارِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَعُمَرُ لاَ يَعِيبُ مُسْتَحَبًّا فِيهِ أَجْرٌ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ; نَعَمْ , وَلاَ مُبَاحًا ; وَإِنَّمَا يَعِيبُ مَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ ; هَذَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ , فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَغَضِبَ وَقَالَ : يَتَسَامَعُ النَّاسُ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ قال أبو محمد : عُمَرُ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَغْضَبَ مِنْ عَمَلٍ مُبَاحٍ عِنْدَهُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : أَحْرَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ حَيْرَبٍ فَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلاَمَهُ فَقَالَ لَهُ : غَرَرْت وَهَانَ عَلَيْك نُسُكُك. قال أبو محمد : وَعُثْمَانُ لاَ يَعِيبُ عَمَلاً صَالِحًا عِنْدَهُ ، وَلاَ مُبَاحًا وَإِنَّمَا يَعِيبُ مَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ هَوَانٌ بِالنُّسُكِ وَالْهَوَانُ بِالنُّسُكِ لاَ يَحِلُّ , وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْحَجِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ : حدثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ قَالَ : قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ : الرَّجُلُ يُحْرِمُ مِنْ سَمَرْقَنْدَ , أَوْ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي وُقِّتَ لَهُ , أَوْ مِنْ الْبَصْرَةِ , أَوْ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : قَدْ شَقِينَا إذًا. قال أبو محمد : لاَ يَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِ الْوَقْتِ مُبَاحًا لَشَقِيَ الْمُحْرِمُونَ مِنْ الْوَقْتِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ أَيْنَ أَعْتَمِرُ قَالَ : مِنْ وَجْهِك الَّذِي جِئْت مِنْهُ , يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ. قال أبو محمد : هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَصًّا يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ ; وَأَمَّا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى الْمِيقَاتِ ; وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَكَذَلِكَ نَقُولُ : إنَّ مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ , وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الأَخْبَارُ عَنْهُمْ مَعَ مَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ مَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهم ، لِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِمْ فِيهَا , وَهِيَ خَارِجَةٌ أَحْسَنَ خُرُوجٍ عَلَى مُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّتِي لاَ يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهَا. قال أبو محمد : وَمَنْ أَتَى إلَى مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ : إنَّ الْقُبْلَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ , فَقَالَ : لَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ مَعَهَا مَنِيٌّ. وَإِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، أَنَّهَا كَانَتْ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا , فَقَالَ : لاَ نَدْرِي لِمَاذَا وَلَعَلَّهُ لاَِمْرٍ مَا , وَلَيْسَ لاَِنَّهَا كَانَتْ لاَ تَرَى ذَلِكَ الرَّضَاعَ مُحَرِّمًا : فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا حَمْلَ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ ; بَلْ الْمَلاَمَةُ كُلُّهَا عَلَى مَنْ أَقْحَمَ فِي هَذِهِ الآثَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْ أَنَّهُمْ جَازُوا عَلَى الْمَوَاقِيتِ ; بَلْ قَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانُ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَاسْتَحَبُّوا تَعْجِيلَ الإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ; وَأَمَّا مَالِكٌ فَكَرِهَهُ وَأَلْزَمَهُ إذَا وَقَعَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكَرِهَهُ ; وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَانَ فَلَمْ يُجِزْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. فأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ ; إذْ أَجَازَ الإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُجِزْ صَلاَةَ مَنْ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ نَهْرٌ ، وَلاَ فَرَّقَ بَيْنَ الإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الإِحْرَامِ وَبَيْنَ الإِحْرَامِ بِالصَّلاَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الصَّلاَةِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ حَمَلُوا هَذِهِ الآثَارَ عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ أَعْظَمُوا الْقَوْلَ عَلَى أُصُولِهِمْ إذْ كَرِهُوا مَا اسْتَحَبَّهُ الصَّحَابَةُ ; وَإِنْ حَمَلُوهَا عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُجِيزُونَ خِلاَفَ مَا حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 823 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَلْيَتَجَرَّدْ مِنْ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ رَجُلاً , فَلاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ , وَلاَ سَرَاوِيلَ , وَلاَ عِمَامَةً , وَلاَ قَلَنْسُوَةً , وَلاَ جُبَّةً , وَلاَ بُرْنُسًا , وَلاَ خُفَّيْنِ , وَلاَ قُفَّازَيْنِ أَلْبَتَّةَ , لَكِنْ يَلْتَحِفُ فِيمَا شَاءَ مِنْ كِسَاءٍ , أَوْ مِلْحَفَةٍ " أَوْ رِدَاءٍ ; وَيَتَّزِرُ وَيَكْشِفُ رَأْسَهُ وَيَلْبَسُ نَعْلَيْهِ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَّزِرَ , وَلاَ أَنْ يَلْتَحِفَ فِي ثَوْبٍ صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِوَرْسٍ , أَوْ زَعْفَرَانٍ , أَوْ عُصْفُرٍ. فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَلْتَلْبَسْ مَا شَاءَتْ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ وَتُغَطِّي رَأْسَهَا إلاَّ أَنَّهَا لاَ تَنْتَقِبُ أَصْلاً ; لَكِنْ إمَّا أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا , وَأَمَّا أَنْ تَسْدُلَ عَلَيْهِ ثَوْبًا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا فَذَلِكَ لَهَا إنْ شَاءَتْ. وَلاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ شَيْئًا صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ , وَلاَ أَنْ تَلْبَسَ قُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْهَا , وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْخِفَافَ وَالْمُعَصْفَرَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ كَمَا هِيَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْ خُفَّيْهِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ ، وَلاَ بُدَّ وَيَلْبَسُهُمَا كَذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ r مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ , وَلاَ الْعَمَائِمَ , وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ , وَلاَ الْبَرَانِسَ ، وَلاَ الْخِفَافَ إلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ , وَلاَ تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ ، وَلاَ الْوَرْسُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، حدثنا أَبِيٌّ قَالَ سَمِعْت قَيْسًا ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ r وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ , وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ , وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ , وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ. قال أبو محمد : كُلُّ مَا جُبَّ فِيهِ مَوْضِعٌ لاِِخْرَاجِ الرَّأْسِ مِنْهُ : فَهُوَ جُبَّةٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ; وَكُلُّ مَا خِيطَ أَوْ نُسِجَ فِي طَرَفَيْهِ لِيَتَمَسَّكَ عَلَى الرَّأْسِ فَهُوَ بُرْنُسٌ كَالْغِفَارَةِ وَنَحْوِهَا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : إنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ ، عَنِ الْقُفَّازَيْنِ , وَالنِّقَابِ , وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ , مِنْ الثِّيَابِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ , أَوْ خَزٍّ , أَوْ حُلِيٍّ , أَوْ سَرَاوِيلَ , أَوْ قَمِيصٍ , أَوْ خُفٍّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَ حدثنا عبد الله بن ربيع قَالَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ الْقُومِسِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حدثنا عَطَاءٌ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ r وَقَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ مُتَضَمِّخٌ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r أَمَّا الْجُبَّةُ فَاخْلَعْهَا , وَأَمَّا الطِّيبُ فَاغْسِلْهُ , ثُمَّ أَحْدِثْ إحْرَامًا. قال أبو محمد : نُوحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ ; فَالأَخْذُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاجِبٌ , وَيَجِبُ إحْدَاثُ الإِحْرَامِ لِمَنْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ مُتَضَمِّخًا بِصُفْرَةٍ مَعًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ إلاَّ مَنْ جَمَعَهَا , وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ نَهْيَ النَّبِيِّ r الرِّجَالَ ، عَنِ الْمُعَصْفَرِ جُمْلَةً. قال أبو محمد : وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ , وَهُوَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْوَرْسِ , أَوْ الزَّعْفَرَانِ , إذَا غُسِلَ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَقَالَ قَوْمٌ : لِبَاسُهُ جَائِزٌ. قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ رَوَى بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا أَثَرًا فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ ، وَلاَ نَعْلَمُهُ صَحِيحًا , وَإِلاَّ فَلاَ يَجُوزُ لِبَاسُهُ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ قَدْ مَسَّهُ الْوَرْسُ , أَوْ الزَّعْفَرَانُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُرْوَةَ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ إذَا غُسِلَ حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهُ يَعْنِي بِالزَّعْفَرَانِ لِلْمُحْرِمِ فَنَهَاهُ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ : كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ وَمَعِي ثَوْبٌ مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ فَغَسَلْته حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ : أَمَعَك ثَوْبٌ غَيْرُهُ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَأَحْرِمْ فِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبَاحَةَ الإِحْرَامِ فِيهِ إذَا غُسِلَ ، وَلاَ يَصِحُّ سَمَاعُ إبْرَاهِيمَ مِنْ عَائِشَةَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ , وَعَطَاءٍ , وَالْحَسَنِ , وطَاوُوس : إبَاحَةَ الإِحْرَامِ فِيهِ إذَا غُسِلَ وَفِي أَسَانِيدِهِمْ مَغْمَزٌ : وَمِنْهُ : مَنْ وَجَدَ خُفَّيْنِ وَلَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : يَلْبَسُهُمَا كَمَا هُمَا ، وَلاَ يَقْطَعُهُمَا . وَقَالَ قَوْمٌ يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ فَيَتَّزِرُ بِهَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ لَهُ لِبَاسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ , وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ. وقال بعضهم : قَطْعُ الْخُفَّيْنِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. قال أبو محمد : حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ , فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ كَمَا هِيَ ، وَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ; وَأَمَّا الْخُفَّانِ فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ الْقَطْعِ حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ , وَلاَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ , وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ " وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، حدثنا نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ : قَالَ : يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا حَتَّى يَكُونَا مِثْلَ النَّعْلَيْنِ ; وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَسُفْيَانَ , وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَبِهِ نَأْخُذُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ إبَاحَةَ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ بِلاَ ضَرُورَةٍ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الرِّجَالِ. وقال أبو حنيفة : إنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ , فَإِنْ لَبِسَهَا يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَلاَ بُدَّ. وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ , وَإِنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ , وَإِنْ لَبِسَهُمَا أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ ; وقال مالك : مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ وَافْتَدَى , وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ قَطَعَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَبِسَهُمَا ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ وَيَتَّزِرُ بِهَا ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أبو محمد : أَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ لِبَاسِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ , وَبَيْنَ لِبَاسِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُونَ إنْ لَبِسَهُمَا يَوْمًا غَيْرَ طَرْفَةِ عَيْنٍ , أَوْ غَيْرَ نِصْفِ سَاعَةٍ وَهَكَذَا نَزِيدُهُمْ دَقِيقَةً دَقِيقَةً حَتَّى يَلُوحَ هَذَيَانُهُمْ , وَقَوْلُهُمْ بِالأَضَالِيلِ فِي الدِّينِ , وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ الدَّمَ فِي ذَلِكَ , أَوْ الصَّدَقَةَ , لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لإِنَّ فِدْيَةَ الأَذَى جَاءَتْ بِتَخْيِيرٍ بَيْنَ صِيَامٍ , أَوْ صَدَقَةٍ , أَوْ نُسُكٍ , وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ هَاهُنَا الدَّمَ ، وَلاَ بُدَّ ; أَوْ صَدَقَةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ ، وَلاَ بُدَّ ; ، وَلاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ الْكَفَّارَاتِ لاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا بِالْقِيَاسِ , فَكَمْ هَذَا التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمُهُ بَيْنَ حُكْمِ السَّرَاوِيلِ وَبَيْنَ حُكْمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ , خَطَأٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ , لاَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَإِنَّمَا الْمَلاَمَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ وَخَالَفَهُ لِتَقْلِيدِ رَأْيِ مَالِكٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَخَطَأٌ ; لاَِنَّهُ اسْتَدْرَكَ بِعَقْلِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ عليه السلام وَأَوْجَبَ فِدْيَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا النَّبِيُّ عليه السلام. قال أبو محمد : وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ ; وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَائِشَةَ , وَعَلِيٍّ , وَالْمِسْوَرِ , وَلاَ نَعْلَمُ لاَِحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قَوْلاً غَيْرَ الأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ كُلُّهَا آرَاءٌ فَاسِدَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ ، عَنِ الْقُفَّازَيْنِ , وَعَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ , وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ , وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إبَاحَةَ الْقُفَّازَيْنِ لِلْمَرْأَةِ , وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ , وَحَمَّادٍ , وَعَطَاءٍ , وَمَكْحُولٍ , وَعَلْقَمَةَ , وَغَيْرِهِمْ ; وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً وَلِلْمُحْرِمِ خَاصَّةً أَيْضًا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنِ عُمَرَ , وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ : إبَاحَتَهُ لِلْمُحْرِمِ , وَلَمْ يُبِحْهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ : لِلْمُحْرِمِ , وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَلِيٍّ , وَعَقِيلِ ابْنَيْ أَبِي طَالِبٍ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَغَيْرِهِمْ , إبَاحَةَ الْمُوَرَّدِ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ , وَهُوَ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ بِزَعْفَرَانٍ , أَوْ وَرْسٍ , أَوْ عُصْفُرٍ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ. 824 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ عِنْدَ الإِحْرَامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , وَلَيْسَ فَرْضًا إلاَّ عَلَى النُّفَسَاءِ وَحْدَهَا : لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ تُهِلُّ. 825 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ أَنْ يَتَطَيَّبَا عِنْدَ الإِحْرَامِ بِأَطْيَبَ مَا يَجِدَانِهِ مِنْ الْغَالِيَةِ وَالْبَخُورِ بِالْعَنْبَرِ , وَغَيْرِهِ ; ثُمَّ لاَ يُزِيلاَنِهِ ، عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا وَكُرِهَ الطِّيبُ لِلْمُحْرِمِ قَوْمٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِيحَ طِيبٍ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ : مِمَّنْ هَذِهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : مِنِّي طَيَّبَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ عُمَرُ , وَقَالَ : مِنْك لَعَمْرِي أَقْسَمْت عَلَيْك لَتَرْجِعَن إلَى أُمِّ حَبِيبَةَ , فَلْتَغْسِلْهُ عَنْك كَمَا طَيَّبَتْكَ ; وَ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا الْحَاجُّ الأَشْعَثُ , الأَدْفَرُ , الأَشْعَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلاً قَدْ تَطَيَّبَ عِنْدَ الإِحْرَامِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِطِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : لاََنْ أُصْبِحَ مَطْلِيًّا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَالزُّهْرِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَمَالِكٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ : إنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَقَبْلَ إفَاضَتِهِ , فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَبَاحَهُ جُمْهُورُ النَّاسِ كَمَا رُوِّينَا آنِفًا ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَمُعَاوِيَةَ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ : أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ فَقَالَ : مِمَّنْ هَذِهِ الرِّيحُ فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ : مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , قَالَ : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ امْرَأَتَك عَطِرَةٌ إنَّمَا الْحَاجُّ , الأَدْفَرُ , الأَغْبَرُ وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَتَطَيَّبُ بِالْمِسْكِ عِنْدَ إحْرَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَصَابَ ثَوْبَهُ مِنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَغْسِلْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ : طَيَّبْت أَبِي بِالسُّكِّ , وَالذَّرِيرَةِ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ , وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ , أَوْ يَطُوفَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْهَا وَغَيْرِهِ , أَنَّهَا سَأَلَتْ مَا كَانَ ذَلِكَ الطِّيبُ قَالَتْ : الْبَانُ الْجَيِّدُ , وَالذَّرِيرَةُ الْمُمَسَّكَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كُنَّا نُضَمِّخُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ , ثُمَّ نُحْرِمَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَنَعْرَقُ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِنَا فَلاَ يَنْهَانَا عَنْهُ النَّبِيُّ r . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي ذَرَّةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَلِّفُ رَأْسَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمِسْكِ , وَالْعَنْبَرِ عِنْدَ الإِحْرَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أُمِّهِ وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَأَيْت عَائِشَةَ تَنْكُثُ فِي مَفَارِقِهَا الطِّيبَ ثُمَّ تُحْرِمُ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُدَهَّنُ بِالْبَانِ عِنْدَ الإِحْرَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ : سَأَلْنَا أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ يُدَهَّنُ الْمُحْرِمُ قَالَ : بِالدُّهْنِ. وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ : رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ لاَِتَّخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِالْغَالِيَةِ الْجَدِيدَةِ عِنْدَ إحْرَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنِ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ فَقَالَ : إنِّي لاَُسَغْسِغُهُ فِي رَأْسِي قَبْلَ أَنْ أُحْرِمَ ثُمَّ أُحِبُّ بَقَاءَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ. فَهَؤُلاَءِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : عَائِشَةُ , وَأُمُّ حَبِيبَةَ ; وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , وَأَبُو ذَرٍّ , وَأَبُو سَعِيدٍ , وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ , وَأَنَسٌ , وَمُعَاوِيَةُ , وَكَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ , وَابْنُ الزُّبَيْرِ , وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ بِالْغَالِيَةِ الْجَيِّدَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يُدَهَّنُ بِالسَّلِيخَةِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُحَمِّرُ ثِيَابَهُ , وَيُحْرِمُ فِيهَا قَالَ : وَكَانَ يَرَى لِحَانَا تَقْطُرُ مِنْ الْغَالِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَلاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْنَا. وَعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يُحْرِمُ وَوَبِيصُ الطِّيبِ يُرَى فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا : تَطَيَّبُوا قَبْلَ أَنْ تُحْرِمُوا وَقَبْلَ أَنْ تُفِيضُوا يَوْمَ النَّحْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَزَّانُ أَنَا عَمْرُو بْنُ أَيُّوبَ ، حدثنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ حَجَّ جَمَعَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَسَالِمٌ , وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَابْنُ شِهَابٍ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ فَسَأَلَهُمْ ، عَنِ الطِّيبِ قَبْلَ الإِفَاضَةِ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ بِالطِّيبِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَهُ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ جَادًّا مُجِدًّا وَكَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ثُمَّ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيُفِيضُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ سَالِمٌ : صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ r وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ r أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ , هَكَذَا نَصُّ كَلاَمِ سَالِمٍ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ تَتَّبِعْ مَا جَاءَ ، عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَابْنِ جُرَيْجٍ , وَاسْتَحَبَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَيُّ طِيبٍ كَانَ عِنْدَ الإِحْرَامِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ. قال أبو محمد : فَهَؤُلاَءِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ , وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَزُفَرَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ , وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. قال أبو محمد : أَمَّا عُمَرُ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا إذْ شَمَّ الطِّيبَ مِنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ تُوقَفُ كَرَاهِيَتُهُ وَإِنْكَارُهُ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ ، عَنِ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ فَقَالَ : لاَ آمُرُ بِهِ ، وَلاَ أَنْهَى عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : دَعَوْت رَجُلاً وَأَنَا جَالِسٌ بِجَنْبِ أَبِي فَأَرْسَلْته إلَى عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا ، عَنِ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَهَا وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ يَسْمَعَهُ أَبِي فَجَاءَنِي رَسُولِي فَقَالَ : إنَّ عَائِشَةَ تَقُولُ : لاَ بَأْسَ بِالطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ فَأَصِبْ مَا بَدَا لَك فَصَمَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قال علي : هذا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ بَيَانٌ فِي أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ ، عَنْ كَرَاهَتِهِ جُمْلَةً وَلَمْ يُنْكِرْ اسْتِحْسَانَهُ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ , وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إلاَّ عُثْمَانُ وَحْدَهُ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ، رضي الله عنهم ، مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إجَازَةِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ فَخَالَفُوهُ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ حُجَّةً , وَلَمْ يَجْعَلْ فِعْلَهُ حَيْثُ لاَ خِلاَفَ فِيهِ لِلسُّنَنِ حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. قال أبو محمد : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ r فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُدَهَّنُ بِالزَّيْتِ , فَذَكَرْته لاِِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ فَقَالَ : مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ : حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مُحْرِمٌ . حدثنا أحمد بن قاسم ، حدثنا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حدثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا أَبُو إسْمَاعِيلَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : رَأَيْت الطِّيبَ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ r بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ , وَمَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ , وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالاَ جَمِيعًا : حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ r قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ , وَيَوْمَ النَّحْرِ , قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ : . حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، حدثنا عُثْمَانَ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت لِعَائِشَةَ : بِأَيِّ شَيْءٍ طَيَّبْتِ النَّبِيَّ r قَالَتْ : بِأَطْيَبِ الطِّيبِ عِنْدَ حِلِّهِ وَحَرَمِهِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ عَنْهَا. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا ; رَوَاهُ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : عُرْوَةُ , وَالْقَاسِمُ , وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَعَمْرَةُ , وَمَسْرُوقٌ , وَعَلْقَمَةُ , وَالأَسْوَدُ. وَرَوَاهُ ، عَنْ هَؤُلاَءِ : النَّاسُ الأَعْلاَمُ. قال أبو محمد : فَاعْتَرَضَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا , وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ r لاِِحْلاَلِهِ وَلاِِحْرَامِهِ طِيبًا لاَ يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا تَعْنِي لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ لَفْظَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلاَمِهَا بِلاَ شَكٍّ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِمَّنْ دُونَهَا , وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ; وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ , وَعَلْقَمَةَ , وَالأَسْوَدِ وَهُمْ النُّجُومُ الثَّوَاقِبُ أَنَّهَا قَالَتْ : إنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفْرِقِهِ عليه السلام بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ، وَلاَ ضَعْفَ أَضْعَفُ مِمَّنْ يُكَذِّبُ رِوَايَةَ هَؤُلاَءِ عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْ بِعَيْنِهَا بِرِوَايَةِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ بِظَنٍّ ظَنَّهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّهُ ; اللَّهُمَّ فَلاَ أَكْثَرَ فَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ. وقال بعضهم : هَذَا خُصُوصٌ لَهُ عليه السلام قال أبو محمد : كَذَبَ قَائِلُ هَذَا لإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَى عَنْهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ عليه السلام قَالَتْ : بِيَدَيَّ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِّينَاهُ قَبْلُ أَنَّهُنَّ كُنَّ يُضَمِّخْنَ جِبَاهَهُنَّ بِالْمِسْكِ ثُمَّ يُحْرِمْنَ ثُمَّ يَعْرَقْنَ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِهِنَّ فَيَرَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r فَلاَ يُنْكِرُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كُلُّ هَذِهِ الظُّنُونِ لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ ; لإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام تَطَيَّبَ عِنْدَ الإِحْرَامِ بِطِيبٍ , فَيُقَالُ لَهُمْ : لِيَكُنْ أَيَّ طِيبٍ شَاءَ , هُوَ طِيبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الطِّيبَ بِكُلِّ حَالٍ , فَكَمْ هَذَا التَّمْوِيهُ بِمَا هُوَ عَلَيْكُمْ وَتُوهِمُونَ أَنَّهُ لَكُمْ , فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يُعَارِضُونَ الْحَقَّ الْبَيِّنَ بِالظُّنُونِ وَالتَّكَاذِيبِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهَا " لاَ يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا " إنْ صَحَّ عَنْهَا عَلَى أَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِنَا , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا لِقَوْلِهَا الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنْهَا آنِفًا " أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ عليه السلام بِأَطْيَبِ الطِّيبِ ". وَاعْتَرَضَ فِي ذَلِكَ مَنْ دَقَّقَ مِنْهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَطَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. قَالَ : فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ فَزَالَ ذَلِكَ الطِّيبُ عَنْهُ. قال أبو محمد : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْهَوَى وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَابَرَةِ لِلْحَقِّ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ , وَيُكَذِّبُ ظَنَّ هَذَا الظَّانِّ مَا رَوَاهُ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ ، عَنْ عَائِشَةَ مِمَّنْ لاَ يُعْدَلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ , فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعُوا مِنْ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ عليه السلام عِنْدَ إحْرَامِهِ وَلاِِحْلاَلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنْهُمْ مِنْ أَنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفَارِقِهِ عليه السلام بَعْدَ ثَالِثَةٍ مِنْ إحْرَامِهِ. وَأَيْضًا : فَقَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ لاَ خِلاَفَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا أَحْرَمَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ إثْرَ صَلاَةِ الظُّهْرِ ; فَصَحَّ أَنَّ الطِّيبَ الَّذِي رَوَى ابْنُ الْمُنْتَشِرِ هُوَ طِيبٌ آخَرُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلَيْلَةٍ طَافَ فِيهَا عليه السلام عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ ; فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُتَعَلِّقٌ , وَابْنُ الْمُنْتَشِرِ كُوفِيٌّ , فَيَا عَجَبًا لِلْمَالِكِيِّينَ لاَ يَزَالُونَ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِذَا وَافَقَتْهُمْ تَرَكُوا لَهَا الْمَشْهُورَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَيْفَ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قِيلَ : مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : الأَشْعَثُ التَّفِلُ. قال علي : وهذا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ , وَهُوَ سَاقِطٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَشْعَثَ تَفِلاً مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ، وَلاَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَثَلاَثَةٍ ; وَإِنَّمَا أَبَحْنَا لَهُ الطِّيبَ عِنْدَ الإِحْرَامِ , وَعِنْدَ الإِحْلاَلِ كَغَسْلِ الرَّأْسِ بِالْخِطْمِيِّ حِينَئِذٍ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ أَنَا عِيسَى ، هُوَ ابْنُ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ : أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ : أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ r ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْف تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ , وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَصًّا. قَالَ عَلِيٌّ : فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عِبْرَةٌ ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , أَمَّا الْعَجَبُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْجِعْرَانَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ إثْرَ فَتْحِ مَكَّةَ مُتَّصِلَةٌ بِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لإِنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ , وَكَانَتْ حُنَيْنٌ مُتَّصِلَةً بِهِ , ثُمَّ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ مُنْصَرِفُهُ عليه السلام مِنْ حُنَيْنٍ ; ثُمَّ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدَ ; ثُمَّ كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحَجَّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ ; ثُمَّ كَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ ; وَكَانَ تَطَيُّبُ النَّبِيِّ r وَأَزْوَاجُهُ , مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ حَدِيثِ هَذَا الرَّجُلِ بِأَزْيَدَ مِنْ عَامَيْنِ ; فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ آخِرَ فِعْلِهِ عليه السلام بِأَوَّلِ فِعْلِهِ هَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِيهِ نَهْيٌ ، عَنِ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ , وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لَهُمْ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَجَلُّ مِنْهُ فَبَيَّنَهُ كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَاجِيَّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ ، حدثنا عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمَّا كَانَ بِالْجِعْرَانَةِ أَتَاهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَدَعَانِي عُمَرُ فَنَظَرْت إلَيْهِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَا كُنْتَ تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ قَالَ : أَنْزِعُ ثِيَابِي هَذِهِ وَأَغْسِلُ هَذَا عَنِّي قَالَ : فَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مِثْلَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ التَّابِعِينَ صَحِبَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنَ عُمَرَ , فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ إنَّمَا كَانَ خَلُوقًا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، حدثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْت قَيْسًا ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ r وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى فَقَالَ : انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ , وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حدثنا هَمَّامُ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، حدثنا عَطَاءٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ r وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ خَلُوقٌ أَوْ قَالَ : أَثَرُ الصُّفْرَةِ فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ , أَوْ قَالَ : أَثَرَ الْخَلُوقِ , وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ. فَاتَّفَقَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى , وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ عَطَاءٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَضَمِّخًا بِخَلُوقٍ. وَهُوَ الصُّفْرَةُ نَفْسُهَا , وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ بِلاَ خِلاَفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى الرِّجَالِ عَامَّةً فِي كُلِّ حَالٍ , وَعَلَى الْمُحْرِمِ أَيْضًا بِخِلاَفِ سَائِرِ الطِّيبِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُول : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ قَالَ : فَقُلْتُ : لِلْمُحْرِمِ قَالَ : نَعَمْ. فَبَطَلَ تَشْغِيبُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لاَِنَّهُ إنَّمَا فِيهِ نَهْيٌ ، عَنِ الصُّفْرَةِ لاَ ، عَنْ سَائِرِ الطِّيبِ , وَلاَِنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ ، عَنِ الطِّيبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ فِعْلِهِ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وقال بعضهم : وَجَدْنَا الْمُحْرِمَ مَنْهِيًّا ، عَنْ ابْتِدَاءِ التَّطَيُّبِ , وَعَنْ ابْتِدَاءِ الصَّيْدِ , ثُمَّ وَجَدْنَاهُ لَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَكَذَلِكَ الطِّيبُ. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ فَاسِدٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مِنْ الْقِيَاسِ بَاطِلاً لاَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ قَدْ تَصَيَّدَهُ فِي إحْلاَلِهِ أَنْ يُطْلِقَهُ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلْخَطَإِ بِالْخَطَإِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ : إنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ وَفِي قَفَصِهِ فِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إطْلاَقُ الَّذِي فِي يَدِهِ ، وَلاَ يَلْزَمُهُ إطْلاَقُ الَّذِي فِي الْقَفَصِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَقَاسَهُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ , وَسَرَاوِيلُ , وَعِمَامَةٌ قال أبو محمد : وَيُعَارِضُ قِيَاسَهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ ; فَإِنْ تَزَوَّجَ ثُمَّ أَحْرَمَ يَبْطُلُ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قَالُوا : لاَ نُوَافِقُ عَلَى هَذَا. قلنا : إنَّمَا خَاطَبَنَا بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ , وَأَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ : إنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ ذَبْحِ الصَّيْدِ وَأَكْلِهِ , وَلاَ تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ ذَبَحَ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّ مِلْكَهُ وَأَكْلَهُ لَهُ حَلاَلٌ. 826 - مَسْأَلَةٌ : ثُمَّ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ , أَوْ يَنْوِيَانِ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ. 827 - مَسْأَلَةٌ : ثُمَّ يَجْتَنِبَانِ تَجْدِيدَ قَصْدٍ إلَى الطِّيبِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّ ; أَمَّا اجْتِنَابُ الْقَصْدِ إلَى الطِّيبِ فَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا , وَأَمَّا إنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ , فَلاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَهْيٌ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصَابَهُ فَلَمْ يَغْسِلْهُ ; وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ , وَسُئِلَ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ. 828 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ بِمَا هُوَ مُلْتَحِفٌ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ ; ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَسْدُلَ الْمَرْأَةُ الثَّوْبَ مِنْ عَلَى رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا. أَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ , فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r إنَّمَا نَهَاهَا ، عَنِ النِّقَابِ ; ، وَلاَ يُسَمَّى السَّدْلُ نِقَابًا فَإِنْ كَانَ " الْبُرْقُعُ " يُسَمَّى نِقَابًا , لَمْ يَحِلَّ لَهَا لِبَاسُهُ ; وَأَمَّا اللِّثَامُ فَإِنَّهُ نِقَابٌ بِلاَ شَكٍّ ; فَلاَ يَحِلُّ لَهَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَمُبَاحٌ , وَمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَحَلاَلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ; وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : رَأَى ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً قَدْ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ فَقَالَ لَهَا : اكْشِفِي وَجْهَك فَإِنَّمَا حُرْمَةُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا. وَصَحَّ خِلاَفُ هَذَا ، عَنْ غَيْرِهِ , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ : سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ فَقَالَتْ : لاَ تَنْتَقِبُ , وَلاَ تَلْثِمُ , وَتَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا وَعَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا ذَلِكَ , فَكَانَ الْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَطْ. وَأَمَّا الرَّجُلُ : فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْفُرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَابْنُ الزُّبَيْرِ يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ , وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَيْهِمَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ : رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ : سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مِنْ الْغُبَارِ وَيُغَطِّي وَجْهَهُ إذَا نَامَ وَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يُخَمِّرَانِ وُجُوهَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مَا دُونَ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ تَسْدُلُ ثَوْبَهَا مِنْ قِبَلِ قَفَاهَا عَلَى هَامَتِهَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَيْضًا : إبَاحَةُ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَعَلْقَمَةَ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كُلِّهِمْ أَفْتَى الْمُحْرِمَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ وَبَيَّنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الشَّمْسِ , وَالْغُبَارِ , وَالذُّبَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لاَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ , وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمُحْرِمِ إنْ غَطَّى وَجْهَهُ شَيْئًا لاَ فِدْيَةَ , وَلاَ صَدَقَةَ , وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ إلاَّ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقَطْ , بَلْ قَدْ رَوَى عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : الذَّقَنُ مِنْ الرَّأْسِ فَلاَ تُغَطِّهِ , وَقَالَ : إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا , وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ : لاَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْجُمْهُورِ ; وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا : عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ , وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ , وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَابْنَ الزُّبَيْرِ , وَجُمْهُورَ التَّابِعِينَ ; فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِابْنِ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ ، عَنْ أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا وَقَدْ خَالَفُوهُ , وَرُوِّينَا عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ; فَمَرَّةً هُوَ حُجَّةٌ , وَمَرَّةً لَيْسَ هُوَ حُجَّةً , أُفٍّ لِهَذَا عَمَلاً قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا كَانَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَحَقُّ لاَِنَّهُ أَغْلَظُ حَالاً مِنْهَا فِي الإِحْرَامِ قال أبو محمد : وَالسُّنَّةُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الإِحْرَامِ فَوَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ فِي الإِحْرَامِ كَشْفُ رَأْسِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ , وَاتَّفَقَا فِي أَنْ لاَ يَلْبَسَا قُفَّازَيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ , فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ سَخِيفٌ جِدًّا , وَأَيْضًا : فَقَدْ كَذَبُوا وَمَا نُهِيَتْ الْمَرْأَةُ ، عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا ; بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لَهَا فِي الإِحْرَامِ وَإِنْ نُهِيَتْ ، عَنِ النِّقَابِ فَقَطْ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَمْرِهِ فِي الَّذِي مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ لاَ يُخَمَّرَ رَأْسُهُ , وَلاَ وَجْهُهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ : مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ , وَلاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ ، وَلاَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. قال أبو محمد : إنَّ الْحَيَاءَ لَفَضِيلَةٌ , وَكَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّهُ مِنْ الإِيمَانِ , وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ , وَأَوَّلُ عَاصٍ لِرَسُولِ اللَّهِ r فِيهِ فَلاَ يَرَوْنَ فِيمَنْ مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ يُكْشَفَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ ; بَلْ يُغَطُّونَ كُلَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنْ لاَ يُغَطِّيَ الْحَيُّ الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَيَقُولُونَ : إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَهُمْ هُوَ , وَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمُحْرِمِ الْحَيِّ أَنْ يُخَمِّرَ وَجْهَهُ ; فَأَيْنَ لَك ذَلِكَ الأَصْلُ الْخَبِيثُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ الْحَيَّ الْمُحْرِمَ لاَ يَلْزَمُهُ كَشْفُ وَجْهِهِ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَشْفُ رَأْسِهِ فَقَطْ ; فَإِذَا مَاتَ أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُكْمًا زَائِدًا وَهُوَ أَنْ لاَ يُخَمَّرَ وَجْهُهُ ، وَلاَ رَأْسُهُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ تَعَالَى , وَالْقِيَاسُ ضَلاَلٌ , وَزِيَادَةٌ فِي الدِّينِ شَرْعًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ كَانَ تَغْطِيَةُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ مَكْرُوهًا أَوْ مُحَرَّمًا , لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَإِذَا لَمْ يَنْهَ ، عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 829 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ مِنْ حِينِ الإِحْرَامِ فَمَا بَعْدَهُ دَائِمًا فِي حَالِ الرُّكُوبِ , وَالْمَشْيِ , وَالنُّزُولِ , وَعَلَى كُلِّ حَالٍ , وَيَرْفَعُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ صَوْتَهُمَا بِهَا ، وَلاَ بُدَّ , وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً وَهِيَ : لَبَّيْكَ , اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكُ لاَ شَرِيكَ لَك. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ جَعْفَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ بَدْرِيٌّ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْحَجِّ , فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ الصَّلاَةِ , ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ , فَإِذَا رَاحِلَتُهُ قَائِمَةٌ فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ أَهَلَّ ثُمَّ مَضَى , فَلَمَّا عَلاَ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنْ حَيْثُ أَهَلَّ أَجْزَأَهُ لاَِنَّهُ فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : إنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يُهِلُّ مُلَبِّيًا يَقُولُ : لَبَّيْكَ , اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ , وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ". قال أبو محمد : وَقَدْ رَوَى غَيْرُهُ الزِّيَادَةَ , وَمَنْ زَادَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسَنٌ , وَمَنْ اخْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ فَحَسَنٌ , كُلُّ ذَلِكَ ذِكْرٌ حَسَنٌ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ r لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ ثِقَةٌ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ خَلاَّدِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي : يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ. قال أبو محمد : هَذَا أَمْرٌ , وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ. قال علي : وهذا خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ ; وقال بعضهم : لاَ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ. قال أبو محمد : هَذَا خَطَأٌ وَتَخْصِيصٌ بِلاَ دَلِيلٍ , وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَفُوَيْقَ ذَلِكَ ; وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَاسْتِحْبَابِهِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا حُمَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى أَنِّي لاََسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ : وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَطِيَّةَ ، حدثنا أَبُو حَازِمٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَبْلُغُوا الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ أَصْوَاتُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ : قَدِمَتْ امْرَأَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَعَ النَّاسِ وَلَمْ تُهِلَّ بِشَيْءٍ إلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى , فَقَالَ عَطَاءٌ : لاَ يُجْزِئُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لَيْلَةَ النَّفَرِ فَسَمِعَ صَوْتَ تَلْبِيَةٍ فَقَالَ : مَنْ هَذَا قِيلَ : عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيمِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَوْ سَأَلَنِي لاََخْبَرْته ; فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَرْفَعُ صَوْتَهَا حَتَّى يَسْمَعَهَا مُعَاوِيَةُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لاَ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ : لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَرْفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِالتَّلْبِيَةِ قلنا : رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ هِيَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّا لَكَانَتْ رِوَايَةُ عَائِشَةَ مُوَافِقَةً لِلنَّصِّ. 830 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا قَدِمَ الْمُعْتَمِرُ , أَوْ الْمُعْتَمِرَةُ مَكَّةَ فَلْيَدْخُلاَ الْمَسْجِدَ ، وَلاَ يَبْدَآ بِشَيْءٍ لاَ رَكْعَتَيْنِ ، وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَصْدِ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَيُقَبِّلاَنِهِ , ثُمَّ يَلْقَيَانِ الْبَيْتَ عَلَى الْيَسَارِ ، وَلاَ بُدَّ , ثُمَّ يَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ إلَى أَنْ يَرْجِعَا إلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ , مِنْهَا ثَلاَثُ مَرَّاتٍ خَبَبًا وَهُوَ مَشْيٌ فِيهِ سُرْعَةٌ , وَالأَرْبَعُ طَوَّافَاتِ الْبَوَاقِي مَشْيًا , وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَخُبَّ فِي الثَّلاَثِ الطَّوَّافَاتِ , وَهِيَ الأَشْوَاطُ مِنْ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ مَارًّا عَلَى الْحَجَرِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ , ثُمَّ يَمْشِي رِفْقًا مِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الأَسْوَدِ فِي كُلِّ شَوْطٍ مِنْ الثَّلاَثَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَكُلَّمَا مَرَّا عَلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ قَبَّلاَهُ , وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ أَيْضًا فَقَطْ , فَإِذَا تَمَّ الطَّوَافُ الْمَذْكُورُ أَتَيَا إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَصَلَّيَا هُنَالِكَ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَتَا فَرْضًا. ثُمَّ خَرَجَا ، وَلاَ بُدَّ إلَى الصَّفَا فَصَعِدَا عَلَيْهِ , ثُمَّ هَبَطَا فَإِذَا صَارَا فِي بَطْنِ الْوَادِي أَسْرَعَ الرَّجُلُ الْمَشْيَ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْحَدِرَ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الصَّفَا ثُمَّ يَرْجِعَ كَذَلِكَ إلَى الْمَرْوَةِ هَكَذَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ : مِنْهَا ثَلاَثٌ خَبَبًا وَأَرْبَعٌ مَشْيًا , وَلَيْسَ الْخَبَبُ بَيْنَهُمَا فَرْضًا. ثُمَّ يَحْلِقُ الرَّجُلُ رَأْسَهُ , أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهِ ، وَلاَ تَحْلِقُ الْمَرْأَةُ لَكِنْ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا , وَقَدْ تَمَّتْ الْعُمْرَةُ وَحَلَّ لَهُمَا كُلُّ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِمَا بِالإِحْرَامِ مِنْ لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد : لاَ خِلاَفَ فِيمَا ذَكَرْنَا إلاَّ فِي أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَهِيَ : وُجُوبُ الْخَبَبِ فِي الطَّوَافِ , وَجَوَازُ تَنْكِيسِ الطَّوَافِ بِأَنْ يَلْقَى الْبَيْتَ عَلَى الْيَمِينِ , وَوُجُوبُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه السلام عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ : وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قُدَامَةَ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ الثَّلاَثَ وَيَمْشِي الأَرْبَعَ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَهَذَا بَيَانُ الرَّمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَشْوَاطِ الآُوَلِ , وَأَنَّ الرَّمَلَ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الأَشْوَاطِ جَائِزٌ. فإن قيل : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الرَّمَلِ : لَيْسَ سُنَّةً , وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ قلنا : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَنَحْنُ نَسْأَلُكُمْ مَا قَوْلُكُمْ , وَقَوْلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِيهِمْ لَوْ أَنَّهُمْ إذْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنْ يَرْمُلُوا يَقُولُونَ لَهُ : لاَ نَفْعَلُ وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَعُصَاةً كَانُوا يَكُونُونَ أَمْ مُطِيعِينَ وَأَمَّا وُجُوبُهُ : فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ , وَعَطَاءٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَمَكْحُولٍ , لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَمَلٌ مِنْ طُرُقٍ لَوْ شِئْنَا لَتَكَلَّمَنَا فِي أَكْثَرِهَا لِضَعْفِهَا. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَطَاءٍ , لَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ شَيْءٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ، عَنْ حَبِيبٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَأَلَ ، عَنِ الْمُجَاوِرِ إذَا أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ هَلْ يَسْعَى الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ قَالَ : إنَّهُمْ يَسْعَوْنَ قَالَ : فأما ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الآفَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ , وَابْنُ عُمَرَ فَاعْتَمَرَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ : وَكُنْت جَالِسًا عِنْدَ زَمْزَمَ فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ نَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ أَرْمِلْ الثَّلاَثَ الآُوَلَ فَرَمَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السَّبْعَ كُلَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ قَالاَ : لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ , وَلاَ عَلَى مَنْ أَهَلَّ مِنْهَا إلاَّ أَنْ يَجِيءَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ خَارِجٍ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الرَّمَلِ عَلَى أَهْلِ الآفَاقِ. وَعَنِ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِيجَابِهِ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ سَاكِنٌ بِمَكَّةَ , وَأَقَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ اخْتِلاَفًا مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ , وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا تَرَكُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ وَمَا انْفَرَدُوا بِهِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لَكِنْ بِرَأْيٍ ; وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ , وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُهُ إذَا اُتُّبِعَتْ السُّنَّةُ فِي خِلاَفِهِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ فَسُنَّةٌ وَلَيْسَ فَرْضًا , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمْرٌ , وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَطْ , وَقَدْ طَافَ عليه السلام رَاكِبًا يُشِيرُ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ إلَى الرُّكْنِ. وَأَمَّا تَنْكِيسُ الطَّوَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ , وَتَنْكِيسَ الأَذَانِ , وَتَنْكِيسَ الإِقَامَةِ , وَتَنْكِيسَ الطَّوَافِ. قال أبو محمد : إذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالْخَبَبِ فِي الأَشْوَاطِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ عَلَّمَهُمْ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُونَ وَكَيْفَ يَمْشُونَ فَصَارَ ذَلِكَ أَمْرًا , وَأَمْرُهُ عليه السلام فَرْضٌ , وَلاَ أَعْجَبُ مِمَّنْ لاَ يَرَى الْعُمْرَةَ , أَوْ الْحَجَّ يَبْطُلاَنِ بِمُخَالَفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ r ثُمَّ يَرَاهُمَا يَبْطُلاَنِ بِمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ أَمْرٌ بِذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ r كَتَعَمُّدِ الإِمْنَاءِ فِي مُبَاشَرَةِ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّ أَنَسًا وَغَيْرَهُ قَالُوا : لَيْسَ فَرْضًا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ : " فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قال أبو محمد : هَذَا قَوْلٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ إدْخَالٌ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا : الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ : سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقْرَأُ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ , وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ : هُمَا تَطَوُّعٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، إيجَابَ فَرْضِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا , وَقَالَتْ فِي هَذِهِ الآيَةِ : إنَّمَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ كَانُوا لاَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا ; فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ r . قال أبو محمد : لَوْ لَمْ تَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ لَكَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي : أَحَجَجْتَ فَقُلْتُ : نَعَمْ فَقَالَ : بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ قُلْتُ : لَبَّيْتُ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : فَقَدْ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ , وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ. قَالَ عَلِيٌّ : بِهَذَا صَارَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَرْضًا. وَأَمَّا الرَّمَلُ بَيْنَهُمَا : فَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلاَنَ الْمَرْوَزِيِّ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ : رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ : إنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ r يَمْشِي , وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ r يَسْعَى. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ " اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ " فَإِنَّمَا رَوَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ ، عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ ; وَقَدْ قِيلَ : هِيَ بِنْتُ أَبِي تَجْرَاةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ , وَمَنْ عَجَزَ ، عَنِ الْخَبَبِ الْمَذْكُورِ مَشَى ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا 831 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ تَصَيُّدُ شَيْءٍ مِمَّا يُصَادُ لِيُؤْكَلَ , وَلاَ وَطْءٌ كَانَ لَهُ حَلاَلاً قَبْلَ إحْرَامِهِ , وَلاَ لِبَاسُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النَّبِيَّ r نَهَى ، عَنْ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَهَذَا أَيْضًا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. 832 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ إمَّا مِنْ أَهْلِهَا , أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِلإِحْرَامِ بِهَا إلَى الْحِلِّ ، وَلاَ بُدَّ فَيَخْرُجَ إلَى أَيِّ الْحِلِّ شَاءَ , وَيُهِلُّ بِهَا فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَاعْتَمَرَ عليه السلام مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ ، حدثنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَانْتَظَرَهَا عليه السلام بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ. 833 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ , أَوْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ , وَالْهَدْيُ إمَّا مِنْ الإِبِلِ , أَوْ الْبَقَرِ , أَوْ الْغَنَمِ , فَإِنْ كَانَ لاَ هَدْيَ مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الأَفْضَلُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ ، وَلاَ بُدَّ لاَ يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ ; فَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ; أَوْ بِقِرَانِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ إهْلاَلَهُ ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّهَا , لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ ; ثُمَّ إذَا أَحَلَّ مِنْهَا ابْتَدَأَ الإِهْلاَلَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا مِنْ مَكَّةَ وَهَذَا يُسَمَّى : مُتَمَتِّعًا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُشْعِرَ هَدْيَهُ إنْ كَانَ مِنْ الإِبِلِ , وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِحَدِيدَةٍ فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يُدْمِيَهُ ثُمَّ يُقَلِّدَهُ , وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَعْلاً فِي حَبْلٍ وَيُعَلِّقُهَا فِي عُنُقِ الْهَدْيِ وَإِنْ جَلَّلَهُ بِجَلٍّ فَحَسَنٌ , فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ مِنْ الْغَنَمِ فَلاَ إشْعَارَ فِيهِ لَكِنْ يُقَلِّدُهُ رُقْعَةَ جِلْدٍ فِي عُنُقِهِ ; فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَقَرِ فَلاَ إشْعَارَ فِيهِ ، وَلاَ تَقْلِيدَ كَانَتْ لَهُ أَسْنِمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. ثُمَّ يَقُولُ : لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ مَعًا , لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ ذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ ; وَإِنْ قَالَ : لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ; أَوْ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا , أَوْ حَجَّةً وَعُمْرَةً ; أَوْ نَوَى كُلَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ , وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ ; وَهَذَا يُسَمَّى : الْقِرَانَ. وَمَنْ سَاقَ مِنْ الْمُعْتَمِرِينَ الْهَدْيَ فَعَلَ فِيهِ مِنْ الإِشْعَارِ , وَالتَّقْلِيدِ مَا ذَكَرْنَا ; وَنُحِبُّ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَشْتَرِطَ فَيَقُولَ عِنْدَ إهْلاَلِهِ : اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي , فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ أَمْرٌ مَا يَعُوقُهُ ، عَنْ تَمَامِ مَا خَرَجَ لَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَحَلَّ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; لاَ هَدْيَ ، وَلاَ قَضَاءَ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ ، وَلاَ اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ وَعُمْرَتَهُ. بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ , قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ r بِحَجٍّ , وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ; وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. قال أبو محمد : فَهَذَا أَوَّلُ أَمْرِهِ عليه السلام بِذِي الْحُلَيْفَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ الإِهْلاَلَ بِلاَ شَكٍّ , إذْ هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ قَالَ : قَدِمْت مَكَّة مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ النَّاسُ : تَصِيرُ حَجَّتُك الآنَ مَكِّيَّةً فَدَخَلْت عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ : حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ , وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ , وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلاَلاً حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ ، عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ r فَقَالَ : حَتَّى إذَا كَانَ آخِرَ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ , قَالَ عليه السلام : لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ r أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الآُخْرَى وَقَالَ : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ , لاَ بَلْ لاَِبَدٍ أَبَدٍ. حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى الصُّبْحِ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا , فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ ، حدثنا عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَالِكٌ , وَمَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ r عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ , ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ r : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ، وَلاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. قال أبو محمد : فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بُرْهَانُ كُلِّ مَا قلنا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ : فَفِي الأَوَّلِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمَرَ النَّبِيُّ r مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ ، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ ، وَلاَ بُدَّ , ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَمْرُهُ r مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ قَارِنًا ، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ، وَلاَ بُدَّ ; ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ أَيْضًا مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمْرُهُ r كُلُّ مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ عُمُومًا بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ , وَأَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ أَمْرِهِ عَلَى الصَّفَا بِمَكَّةَ ; وَأَنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ مَعَهُ , وَتَأَسَّفَ إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ , وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَقَدْ أَمِنَّا أَنْ يُنْسَخَ أَبَدًا ; وَمَنْ أَجَازَ نَسْخَ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَدْ أَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَهَذَا تَعَمُّدُهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ ; وَفِيهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا لإِنَّ الْحَجَّ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِعُمْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَهُ يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ مَقْرُونَةٍ مَعَهُ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَفِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُ r مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَقْرُنَ بَيْنَ الْحَجِّ , وَالْعُمْرَةِ :. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَمُجَاهِدٌ , وَعَطَاءٌ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ , وَغَيْرُهُ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنِي يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : مَا طَافَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ إنْ كَانَ حَاجًّا إلاَّ حَلَّ بِعُمْرَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ , وَلاَ طَافَ وَمَعَهُ هَدْيٌ إلاَّ اجْتَمَعَتْ لَهُ : حَجَّةٌ , وَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ ، وَلاَ غَيْرُ حَاجٍّ إلاَّ حَلَّ. فَقُلْت لِعَطَاءٍ : مِنْ أَيْنَ تَقُولُ ذَلِكَ قَالَ : مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. قُلْت : فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : وَاَللَّهِ مَا تَمَّتْ حَجَّةُ رَجُلٍ قَطُّ إلاَّ بِمُتْعَةٍ إلاَّ رَجُلٌ اعْتَمَرَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ : بِمَ أَهْلَلْتَ قُلْتُ : أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النَّبِيِّ r قَالَ : هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ : لاَ , قَالَ : طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ , فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ , وَإِمَارَةِ عُمَرَ ; فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ : إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ قُلْتُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا بِهِ , فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ قَالَ : إنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا r فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. قال أبو محمد : هَذَا أَبُو مُوسَى قَدْ أَفْتَى بِمَا قلنا مُدَّةَ إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما , وَلَيْسَ تَوَقُّفُهُ لِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَوَقَّفَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَا رُوِيَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَحَسْبُنَا قَوْلُهُ لِعُمَرَ مَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عُمَرُ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ t فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَلاَ إتْمَامَ لَهُمَا إلاَّ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ r النَّاسَ وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ , وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عليه السلام لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَهُ حَفْصَةُ ، رضي الله عنها ، رَوَتْ ، عَنِ النَّبِيِّ r بَيَانَ فِعْلِهِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ r مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ : إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَلِيٌّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، حدثنا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرِ ، حدثنا يُونُسُ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، هُوَ ابْنُ عَازِبٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ : إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ , لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ , وَلَكِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ. فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ ; وَقَدْ خَالَفُوهُ فِيهِ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَسُقْ هَدْيَهُ مَعَهُ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ قَالَ : حَجَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحَجَجْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيدٍ إنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَإِنِّي قَدِمْت مُهِلًّا بِالْحَجِّ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : اجْعَلْهَا عُمْرَةً وَأَحِلَّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَى الْحَسَنِ وَشَاعَ قَوْلُهُ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : صَدَقَ الشَّيْخُ , وَلَكِنَّا نَفْرُقُ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ قال أبو محمد : لَيْسَ إنْكَارُ أَهْلِ الْجَهْلِ حُجَّةً عَلَى سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ r وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : مَنْ أَهَلَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَهُ مُتْعَةٌ بِالْحَجِّ خَالِصًا أَوْ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَهِيَ مُتْعَةُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ r وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ ، عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَقَالَ : هُوَ الرَّجُلُ يُفْرِدُ الْحَجَّ وَيَذْبَحُ فَقَدْ دَخَلَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فِي الْحَجِّ فَوَجَبَتَا لَهُ جَمِيعًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ : مَنْ جَاءَ حَاجًّا فَأَهْدَى هَدْيًا فَلَهُ عُمْرَةٌ مَعَ حَجَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ ، حدثنا خُصَيْفٌ ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ خُصَيْفٌ : وَكُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ فَأَتَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُلَيْمٍ وَقَدْ خَرَجَ حَاجًّا فَسَأَلَ مُجَاهِدًا فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ : اجْعَلْهَا عُمْرَةً , فَقَالَ : هَذَا أَوَّلُ مَا حَجَجْت فَلاَ تُشَايِعُنِي نَفْسِي فَأَيُّ ذَلِكَ تَرَى أَتَمَّ أَنْ أَمْكُثَ كَمَا أَنَا أَوْ أَجْعَلَهَا عُمْرَةً قَالَ خُصَيْفٌ : فَقُلْت لَهُ : أَظُنُّ هَذَا أَتَمَّ لِحَجِّك أَنْ تَمْكُثَ كَمَا أَنْتَ فَرَفَعَ مُجَاهِدٌ تَبِنَةً مِنْ الأَرْضِ وَقَالَ : مَا هُوَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا , وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِبَاحَةِ فَسْخِ الْحَجِّ لاَ بِإِيجَابِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ عَلِيٌّ : رَوَى أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ لاَ هَدْيَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلَّ بِأَوْكَدِ أَمْرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , وَعَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ , وَحَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ , وَفَاطِمَةُ بِنْت رَسُول اللَّه r , وَعَلِيٌّ , وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ , وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَأَنَسٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَسَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ , وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ , وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ , وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ; وَرَوَاهُ ، عَنْ هَؤُلاَءِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ ; وَرَوَاهُ ، عَنْ هَؤُلاَءِ مَنْ لاَ يُحْصِيهِ إلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ ، عَنْ هَذَا. وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ كُلَّ هَذَا بِاعْتِرَاضَاتٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ; مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ , وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ; وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ r بِالْحَجِّ , فأما مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ , وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عُرْوَةَ , وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ ، عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَحَلَّ فَقَالَ عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ : قَالَتْ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r " أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ , ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ , ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ , ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْته أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ , ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ , ثُمَّ مُعَاوِيَةُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , ثُمَّ حَجَجْت مَعَ الزُّبَيْرِ أَبِي فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ , ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ , ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ ، وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ , وَقَدْ رَأَيْت أُمِّي , وَخَالَتِي تَقْدُمَانِ لاَ تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ , وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ قَطُّ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا , وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ ". وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r لِلْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرْت أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ , أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَلَمْ يَحْلِلْ حَتَّى قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجِّ , وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ حَجًّا ". قال أبو محمد : حَدِيثُ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْهَا مُنْكَرَانِ , وَخَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ السَّقَطِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُتَّلِيُّ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ السُّدَّانِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَمُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَقَالَ أَحْمَدُ : إيشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَبِ هَذَا خَطَأٌ , قَالَ الأَثْرَمُ : فَقُلْت لَهُ : الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ بِخِلاَفِهِ قَالَ أَحْمَدُ : نَعَمْ , وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. قال أبو محمد : وَلاَِبِي الأَسْوَدِ الْمَذْكُورِ حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَابِ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِ , وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا , وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْت أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ , وَالزُّبَيْرُ , وَفُلاَنٌ , وَفُلاَنٌ ; فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ. قال علي : وهذا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ ; لإِنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، لَمْ تَعْتَمِرْ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ الْحَجِّ أَصْلاً ; لاَِنَّهَا دَخَلَتْ وَهِيَ حَائِضٌ حَاضَتْ بِسَرَفٍ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ طَهُرَتْ يَوْمَ النَّحْرِ هَذَا أَمْرٌ فِي شُهْرَةِ الشَّمْسِ ; وَلِذَلِكَ رَغِبَتْ مِنْ النَّبِيِّ r أَنْ يَعْمُرَهَا بَعْدَ الْحَجِّ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَرَوَاهُ ، عَنْ عَائِشَةَ : عُرْوَةُ , وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ , وَالأَسْوَدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَبَلِيَّةٌ أُخْرَى فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ فِيهِ : ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ , وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ , لإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ; وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , كُلَّهُمْ رَوَوْا : أَنَّ الإِحْلاَلَ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ r ، وَأَنَّ إهْلاَلَهُمْ بِالْحَجِّ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ يَوْمُ مِنًى وَبَيْنَ يَوْمِ إحْلاَلِهِمْ يَوْمَ إهْلاَلِهِمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلاَ شَكٍّ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كُتُبِنَا وَذَكَرَهَا النَّاسُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ فِي الْمُسْنَدِ ; فَظَهَرَ عَوَارُ رِوَايَةِ أَبِي الأَسْوَدِ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَمْرَ النَّبِيِّ r مَنْ لاَ هَدْيَ لَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ وَأَنَّهُمْ فَسَخُوهُ , وَلاَ يُعْدَلُ أَبُو الأَسْوَدِ بِالزُّهْرِيِّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ r فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ r مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُقَصِّرُ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ; قَالَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُرْوَةَ : إنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَالِمٌ ، عَنْ أَبِيهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عَائِشَةَ مَنْ لاَ يُذْكَرُ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُمْ : الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ; وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ , وَذَكْوَانُ مَوْلاَهَا وَكَانَ يَؤُمُّهَا , وَعَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ أَخَصُّ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ وَأَضْبَطُ وَأَوْثَقُ مِنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلاَنِيُّ ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ الْحَدِيثَ : وَفِيهِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَِصْحَابِهِ : اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ , فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا. وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ الثَّلاَثَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الأَسْوَدِ , وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ إنَّمَا هِيَ مَوْقُوفَةٌ لاَ مُسْنَدَةٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مَوْقُوفٍ فَكَيْفَ إذَا رَوَى بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ ، عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفَ ذَلِكَ وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِحَدِيثَيْ أَبِي الأَسْوَدِ , وَحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا : إنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِحَجٍّ , أَوْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ إنَّمَا كَانُوا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ أَضَافَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ كَمَا رَوَى مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيّ r فَتَخْرُجُ حِينَئِذٍ هَذِهِ الأَخْبَارُ سَالِمَةً لإِنَّ مَا رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا فِيهِ زِيَادَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو الأَسْوَدِ , وَلاَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ لَوْ كَانَ مَا رَوَيَا مُسْنَدًا فَكَيْفَ وَلَيْسَ مُسْنَدًا وَنَحْمِلُ حَدِيثَ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ فِي حَجِّ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُوقُونَ الْهَدْيَ فَتَتَّفِقُ الأَخْبَارُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِنَهْيِ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ ، عَنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد : هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لاَِنَّهُ إنْ كَانَ نَهْيُهُمَا رضي الله عنهما حُجَّةً فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمَا النَّهْيُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ , وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا فِي ذَلِكَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ , وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ هُشَيْمٌ : أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ وَقَالَ حَمَّادٌ : عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ , وَخَالِدٌ كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَنَا أُنْهِي عَنْهُمَا وَأَضْرِبُ عَلَيْهِمَا ; هَذَا لَفْظُ أَيُّوبَ ; وَفِي رِوَايَةِ خَالِدٍ : أَنَا أُنْهِي عَنْهُمَا , وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا : مُتْعَةُ النِّسَاء , وَمُتْعَةُ الْحَجِّ. وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ : أَنَّ عُثْمَانَ نَهَى ، عَنِ الْمُتْعَةِ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَبِيهٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَمِعَ رَجُلاً يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَقَالَ : عَلَيَّ بِالْمُهِلِّ ; فَضَرَبَهُ وَحَلَقَهُ. قال أبو محمد : وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا وَيُجِيزُونَ الْمُتْعَةَ حَتَّى أَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الإِفْرَادِ , فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ نَهْيَ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما ، عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ نَهْيَهُمَا ، عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَضَرْبَهُمَا عَلَيْهَا حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ أَبَاحَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ قلنا : وَقَدْ أَوْجَبَ فَسْخَ الْحَجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ، وَلاَ فَرْقَ : وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا الْفِرْيَابِيُّ ، حدثنا أَبَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَحَلَّ لَنَا الْمُتْعَةَ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r وَعَنْ عُثْمَانَ : كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ , لأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إبَاحَةِ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ بِلاَ شَكٍّ , لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْحَجِّ ; وَهَؤُلاَءِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَ مَحْمُولاً عِنْدَهُمْ عَلَى مُتْعَةِ الْحَجِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَوْ اعْتَمَرْت فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ حَجَجْت لَجَعَلْت مَعَ حَجَّتِي عُمْرَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُرَقَّعِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ فَسْخُ الْحَجِّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r لَنَا خَاصَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ; وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ لاَِحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً إنَّمَا كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r . قال أبو محمد : إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ إنَّ مُتْعَةَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ فَلَيْسَ قَوْلُهُ : إنَّ فَسْخَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ ; لاَ سِيَّمَا وَذَلِكَ الإِسْنَادُ عَنْهُ صَحِيحٌ ; لاَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ; وَهَذِهِ الأَسَانِيدُ عَنْهُ وَاهِيَةٌ ; لاَِنَّهَا ، عَنِ الْمُرَقَّعِ , وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ , وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَبُو مُوسَى فَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ خَاصَّةً. ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ; لإِنَّ أَوَامِرَ النَّبِيِّ r عَلَى لُزُومِ الإِنْسِ , وَالْجِنِّ , الطَّاعَةُ لَهَا وَالْعَمَلُ بِهَا. فإن قيل : هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ قلنا : فَيَجِبُ عَلَى هَذَا مَتَى وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ فِي آيَةٍ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِهِ ; وَأَقَرَّ بِذَلِكَ قَوْلَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ : إنَّهَا خَاصَّةٌ , وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا قَالَ : لَكُمْ خَاصَّةً. قال أبو محمد الْحَارِثُ بْنُ بِلاَلٍ مَجْهُولٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ هَذَا الْخَبَرَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ ; وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ بِيَقِينٍ ; كَمَا أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه r إذْ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لاَِبَدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r بَلْ لاَِبَدِ الأَبَدِ.وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَعَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالاَ جَمِيعًا : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ لاَ يَخْلِطُهُ شَيْءٌ ; فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً , وَأَنْ نَحِلَّ إلَى نِسَائِنَا فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ r فَقَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهِ لاََنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ , وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ , وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لاََحْلَلْتُ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلأَبَدِ قَالَ : لاَ بَلْ لِلأَبَدِ. قال أبو محمد : وَهَكَذَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ جَابِرٍ : قال أبو محمد : فَبَطَلَ التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ وَأُمِنَ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا , وَوَاللَّهِ إنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ ثُمَّ عَارَضَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r بِكَلاَمِ أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّهُ كَلاَمُ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ , وَعَائِشَةَ , وَأَبَوَيْهِمَا ، رضي الله عنهم ، لَهَالِكٌ ; فَكَيْفَ بِأُكْذُوبَاتٍ كَنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي هُوَ أَوْهَنُ الْبُيُوتِ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلاَلٍ , وَالْمُرَقَّعِ , وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ الَّذِينَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ فِي الْخَلْقِ , وَمُوسَى الرَّبَذِيِّ , وَكَفَاك وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , وَلَيْسَ لاَِحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ عليه السلام دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَوَازَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ دُونَ مَا بَيَّنَهُ جَابِرٌ , وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ إنْكَارِهِ عليه السلام أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُمْ خَاصَّةً أَوْ لِعَامِهِمْ دُونَ ذَلِكَ , وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r جِهَارًا. قال أبو محمد : وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ , وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ الثَّابِتَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ فَقَدِمَ النَّبِيُّ r وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ : الْحِلُّ كُلُّهُ " فَقَالَ قَائِلُهُمْ : إنَّمَا أَمَرَهُمْ عليه السلام بِذَلِكَ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلاً وَعَمَلاً. قال أبو محمد : وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ ; أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ r فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيُعَلِّمَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَبِحَقِّ أَمْرٍ أَمْ بِبَاطِلٍ فَإِنْ قَالُوا : بِبَاطِلٍ كَفَرُوا , وَإِنْ قَالُوا : بِحَقٍّ قلنا : فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ عليه السلام بِذَلِكَ لاَِيِّ وَجْهٍ كَانَ قَدْ صَارَ حَقًّا وَاجِبًا , ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا الْهَوَسُ الَّذِي قَالُوهُ فَلاَِيِّ مَعْنًى كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ وَأَطَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ r اعْتَمَرَ بِهِمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ قَبْلَ الْفَتْحِ , ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْفَتْحِ , ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ : مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ , وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ , وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ ; فَفَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ , فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَبَلَغَ الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، مِنْ الْبَلاَدَةِ , وَالْبَلَهِ , وَالْجَهْلِ أَنْ لاَ يَعْرِفُوا مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ عَمِلُوهَا مَعَهُ عليه السلام عَامًا بَعْدَ عَامٍ بَعْدَ عَامٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُمْ فِي عُمْرَةٍ لِيَعْلَمُوا جَوَازَ ذَلِكَ , تَاللَّهِ إنَّ الْحَمِيرَ لِتُمَيِّزَ الطَّرِيقَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا ; فَكَمْ هَذَا الإِقْدَامُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى مُدَافَعَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي نَصْرِ التَّقْلِيدِ مَرَّةً بِالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ , وَمَرَّةً بِالْحَمَاقَةِ الْمَشْهُورَةِ , وَمَرَّةً بِالْغَثَاثَةِ وَالْبَرْدِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ الإِفْرَادِ بِالْحَجِّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا. قال أبو محمد : كُلُّ مُسْلِمٍ فَلاَ يَشُكُّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَعْلَمْ هَذَا إلاَّ بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً ; ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ وَحْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُتْرَكُ بِشَكٍّ لاَِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَشُكُّ.فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الشَّكَّ مِنْ قِبَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ لاَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ r , ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ عليه السلام لَكَانَ ذَلِكَ إذْ كَانَ الإِفْرَادُ مُبَاحًا , ثُمَّ نُسِخَ بِأَمْرِهِ عليه السلام مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ بِالْمُتْعَةِ ، وَلاَ بُدَّ , وَمَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْقِرَانِ ، وَلاَ بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ : فَظَهَرَ الْحَقُّ وَاضِحًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وقال مالك : الإِفْرَادُ أَفْضَلُ , وَوَافَقَنَا هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا , وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ. وقال الشافعي مَرَّةً : الإِفْرَادُ أَفْضَلُ , وَمَرَّةً قَالَ : التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ , وَمَرَّةً قَالَ : الْقِرَانُ أَفْضَلُ ; وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ : الْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإِفْرَادُ , وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ إلاَّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الإِشْعَارُ : فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ ، حدثنا قَالَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاَّسُ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ الأَعْرَجِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r لَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا مِنْ الشِّقِّ الأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَبِهِ إلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ ، حدثنا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَشْعَرَ بُدْنَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كُنْت أَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلنَّبِيِّ r فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلاَلاً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَمَنْصُورٍ , كُلِّهِمْ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قال أبو محمد : وَلَمْ يَأْتِ فِي الْبَقَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا , وَرُوِّينَا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَقْسِمَ لُحُومَ الْبُدْنِ وَجَلاَّلِهَا ; فَصَحَّ التَّجْلِيلُ فِيهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مِسْهَرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إنْ شِئْت فَأَشْعِرْ , وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُشْعِرْ , وَإِنْ شِئْت فَقَلِّدْ , وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُقَلِّدْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي إشْعَارِ الْبَدَنَةِ فَقَالَتْ : إنْ شِئْت , إنَّمَا تُشْعِرُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الأَيْمَنِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : تُشْعِرُهَا مِنْ الأَيْمَنِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا أَفْلَحُ ، هُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : رَأَيْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ; وَأَبِي سُلَيْمَانَ ; وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : رَأَيْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلْغَنَمِ تُسَاقُ مَعَهَا هَدْيًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَقَدْ رَأَيْت الْغَنَمَ يُؤْتَى بِهَا مُقَلَّدَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ ، عَنْ بُرْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : رَأَيْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r يَسُوقُونَ الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ ; وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ بَسَّامٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ : رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْت الْغَنَمَ تُقَلَّدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ : رَأَيْت الْغَنَمَ تَقْدُمُ مَكَّةَ مُقَلَّدَةً. قال أبو محمد : وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَكْرَهُ الإِشْعَارَ , وَهُوَ مُثْلَةٌ قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ طَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ r أُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَتَعَقَّبُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ r وَيَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ الْحِجَامَةُ , وَفَتْحُ الْعِرْقِ : مِثْلَهُ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , وَأَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ مِنْ قَطْعِ الأَنْفِ , وَقَلْعِ الأَسْنَانِ , وَجَدْعِ الآُذُنَيْنِ : مُثْلَةٌ ; وَأَنْ يَكُونَ قَطْعُ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ : مُثْلَةً ; وَالرَّجْمُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ : مُثْلَةً , وَالصَّلْبُ لِلْمُحَارِبِ : مُثْلَةً , إنَّمَا الْمُثْلَةُ فِعْلُ مَنْ بَلَّغَ نَفْسَهُ مَبْلَغَ انْتِقَادِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَثَّلَ بِنَفْسِهِ ; وَالإِشْعَارُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّهْيُ ، عَنِ الْمُثْلَةِ كَانَ قَبْلَ قِيَامِ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ ; فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُثْلَةً وَهَذِهِ قَوْلَةٌ : لاَ يُعْلَمُ لاَِبِي حَنِيفَةَ فِيهَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ السَّلَفِ , وَلاَ مُوَافِقٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ عَصْرِهِ إلاَّ مَنْ ابْتَلاَهُ اللَّهُ بِتَقْلِيدِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , وَمَالِكٌ : يُشْعِرُ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ. قال أبو محمد : وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَتْ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَتَيْنِ قَلَّدَ إحْدَاهُمَا فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ , وَالآُخْرَى فِي الأَيْسَرِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ قلنا : هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ; وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلُكُمْ , وَسَالِمٌ ابْنُهُ أَوْثَقُ وَأَجَلُّ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْ نَافِعٍ رَوَى عَنْهُ الإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ كَمَا أَوْرَدْنَا , وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ فِي فِعْلٍ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ فَمَرَّةً عَلَيْهِمْ وَمَرَّةً لَيْسَ لَهُمْ , وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ , وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. فإن قيل : فَلِمَ لَمْ تَقُولُوا أَنْتُمْ : بِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا أَشْعَرَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ آنِفًا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأُشْعِرَ فِي سَنَامِهَا قلنا : لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَمْرٌ بِالإِشْعَارِ , وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَقُلْنَا بِإِيجَابِهِ مُسَارِعِينَ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا فَأُدْنِيَتْ إلَيْهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا ; لاَِنَّهُ هُوَ عليه السلام تَوَلَّى بِيَدِهِ إشْعَارَهَا , بِذَلِكَ صَحَّ الأَثَرُ عَنْهُ عليه السلام كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , وَابْنِ عُمَرَ إشْعَارَ الْبَقَرِ فِي أَسْنِمَتِهَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ : الشَّاةُ لاَ تُقَلَّدُ. وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ , فَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : الإِبِلُ تُقَلَّدُ , وَتُشْعَرُ , وَالْغَنَمُ لاَ تُقَلَّدُ , وَلاَ تُشْعَرُ , وَالْبَقَرُ تُقَلَّدُ , وَلاَ تُشْعَرُ وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ تُقَلَّدُ الْغَنَمُ وَرَأَى مَالِكٌ إشْعَارَ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ. قال علي : وهذا خَطَأٌ وَمَقْلُوبٌ ; بَلْ الإِبِلُ : تُقَلَّدُ , وَتُشْعَرُ ; وَالْبَقَرُ : لاَ تُقَلَّدُ , وَلاَ تُشْعَرُ , وَالْغَنَمُ : تُقَلَّدُ , وَلاَ تُشْعَرُ. وقال أبو حنيفة : لاَ يُقَلَّدُ إلاَّ هَدْيُ الْمُتْعَةِ , وَالْقِرَانِ , وَالتَّطَوُّعِ مِنْ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ فَقَطْ : وَلاَ يُقَلَّدُ : هَدْيُ الإِحْصَارِ , وَلاَ الْجِمَاعِ , وَلاَ جَزَاءِ الصَّيْدِ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ ; وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ r . قَالَ عَلِيٌّ : وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ : إنَّمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ ، عَنْ عَائِشَةَ مِنْ هَدْيِ الْغَنَمِ مُقَلَّدَةً ; إنَّمَا هُوَ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلاَئِدَ الْهَدْيِ مِنْ الْغَنَمِ أَيْ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ : قال أبو محمد : وَهَذَا اسْتِسْهَالٌ لِلْكَذِبِ الْبَحْتِ وَخِلاَفٌ لِمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ إهْدَائِهِ عليه السلام الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَأَمَّا الاِشْتِرَاطُ : فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهَا : أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ : وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلاَّ وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا : حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي : اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي , وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ طَاوُوس , وَعِكْرِمَةَ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , كُلِّهِمْ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ أَهِّلِي بِالْحَجِّ وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ ضُبَاعَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r . فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إنْ حَجَجْت وَلَسْت صَرُورَةً فَاشْتَرَطَ إنْ أَصَابَنِي مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ أَوْ حَبْسٌ فَأَنَا حِلٌّ. وَرُوِّينَا أَيْضًا الأَمْرَ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ : وَكِيعٍ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , كُلِّهِمْ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ , وَيَحْيَى : ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ : أَفْرِدْ الْحَجَّ وَاشْتَرِطْ , فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت , وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا شَرَطْت. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِثْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلاً وَاقِفًا بِعَرَفَةَ قَالَ لَهُ : أَشَارَطْتَ قَالَ : نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ جَمَّةِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ مَيْسَرَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ قَالَ : اللَّهُمَّ حَجَّةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ , أَوْ عُمْرَةٌ إنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ : حُجَّ وَاشْتَرِطْ , وَقُلْ : اللَّهُمَّ الْحَجُّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلاَّ فَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ : اللَّهُمَّ لِلْحَجِّ خَرَجْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ قَضَيْت فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَالَ دُونَهُ شَيْءٌ فَهِيَ عُمْرَةٌ ; وَإِنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ عُرْوَةَ بِأَنْ يَشْتَرِطَ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ عَمَّارٍ ، هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَرَدْت الْحَجَّ فَاشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ. فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ عُمَيْرَةُ بْنُ زِيَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إنْ تَيَسَّرَ , وَإِلاَّ فَعُمْرَةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ , اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ عَلَيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا الرَّبِيعُ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُحْرِمِ يَشْتَرِطُ : قَالاَ جَمِيعًا : لَهُ شَرْطُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : كَانَ عَلْقَمَةُ , وَالأَسْوَدُ يَشْتَرِطَانِ فِي الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَرَدْت الْحَجَّ فَأَرْسِلْ إلَيَّ عَبِيدَةُ هُوَ السَّلْمَانِيُّ أَنْ اشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : كَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَشْتَرِطُ فِي الْحَجِّ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ إنَّك قَدْ عَرَفْت نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ ; فَإِنْ كَانَ أَمْرًا تُتِمُّهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ حَرَجَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ فِي الْعُمْرَةِ ; وَجَاءَ أَيْضًا نَصًّا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , وَعِكْرِمَةَ وقال الشافعي : إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قُلْت بِهِ. قال أبو محمد : قَدْ صَحَّ الْخَبَرُ وَبَالَغَ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدُ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَأَلَ ، عَنِ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ قَالَ : لاَ أَعْرِفُهُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ اضْطِرَابًا فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الإِحْرَامِ وَكَانُوا لاَ يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ اُبْتُلِيَ وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ ، أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَجِّ. قال أبو محمد : هَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ , مَرَّةً كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الشَّرْطَ , وَمَرَّةً كَانُوا يَكْرَهُونَهُ , فَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا تَرْكُ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ جُمْلَةً لاِضْطِرَابِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ : الْمُشْتَرِطُ وَغَيْرُ الْمُشْتَرِطِ سَوَاءٌ إذَا أَحْصَرَ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا , وَالصَّحِيحُ ، عَنْ عَطَاءٍ خِلاَفُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ طَاوُوس الاِشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادٍ مِثْلُ هَذَا ; وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالْحَنَفِيِّينَ. قال أبو محمد : وَشَغَبُوا فِي مُخَالَفَةِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنْ قَالُوا : هَذَا الْخَبَرُ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ الآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لاَ عَلَيْنَا لأَنَّهُمْ يُفْتُونَ مَنْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ ; فَقَدْ خَالَفُوا الآيَةَ فِي إتْمَامِ الْحَجِّ ; وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَقُولُ : إنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَنَا قَدْ أَمَرَ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ ، وَأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْقَدَرِ النَّافِذِ ; فَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْ الآيَةَ إذَا أَخَذْنَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ r وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا بِآرَائِكُمْ الْفَاسِدَةِ إلَى مُخَالَفَتِكُمْ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَالُوا : هَذَا الْخَبَرُ خِلاَفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ قلنا : كَذَبَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ خِلاَفٌ لِهَذِهِ الآيَةِ ; بَلْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا إذْ قُلْتُمْ : مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ لَمْ يَحِلَّ إلاَّ بِعُمْرَةٍ بِرَأْيٍ لاَ نَصَّ فِيهِ ; وَأَمَّا نَحْنُ . فَقُلْنَا بِهَذِهِ الآيَةِ : إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا أَمَرَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ وَأَمَرَ بِبَيَانِهَا لَنَا قال أبو محمد : وَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ السُّنَّةَ مُعَارِضَةً لِلْقُرْآنِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الرِّوَايَةَ فِي الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا. لإِنَّ حَدِيثَ الاِشْتِرَاطِ لَمْ يُضْطَرَبْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ; وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي حَدِيثِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ خَبَرٌ فِي تَحْدِيدِ الْقَطْعِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بَلْ قَوْلُهُمْ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْقُرْآنِ حَقًّا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ. ، وَلاَ حَرَجَ , وَلاَ عُسْرَ , وَلاَ تَكْلِيفَ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ أَكْثَرُ مِنْ إيجَابِ الْبَقَاءِ عَلَى حَالِ الإِحْرَامِ , وَمَنْعِ الثِّيَابِ , وَالطِّيبِ , وَالنِّسَاءِ , لِمَنْ قَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ; فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآيَاتُ لَكَفَتْ فِي وُجُوبِ إحْلاَلِ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ ، عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , فَكَيْفَ وَالسُّنَّةُ قَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ نَصًّا وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ , كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. قال أبو محمد : هَذَا مِنْ أَعْجَبْ شَيْءٍ لأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَالاِشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْصُوصٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قوله تعالى : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ. وَقَوْله تَعَالَى وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وَإِنَّمَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحُوا : مِنْ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَى فُلاَنَةَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ , وَكُلَّ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ. وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الصَّدَاقِ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ إلَى كَذَا وَكَذَا عَامًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً. وَكَبَيْعِ السُّنْبُلِ وَعَلَى الْبَائِعِ دَرْسُهُ. وَكَنُزُولِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِأَيْدِيهِمْ الأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُمْنَعُوا مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ ، وَلاَ مِنْ رَدِّهِمْ إلَى بِلاَدِ الْكُفْرِ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي أَبَاحُوا ; وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ , وَعَطَاءٌ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وطَاوُوس وَرُوِيَ عَنْهُمْ خِلاَفُهُ. قال أبو محمد : . فَقُلْنَا : سَمِعْنَاكُمْ تَقْبَلُونَ هَذَا فِي الصَّاحِبِ إذَا رَوَى الْخَبَرَ وَخَالَفَهُ فَأَنْكَرْنَاهُ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِالآبِدَةِ إذْ جَعَلْتُمْ تَرْكَ التَّابِعِ لِمَا رَوَى حُجَّةً فِي تَرْكِ السُّنَنِ ; وَهَذَا إنْ أَدْرَجْتُمُوهُ بَلَغَ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ بَعْدَنَا فَصَارَ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَتَرَكَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ ; وَهَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ اللَّعِينِ , وَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْتُمْ ; وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ رِوَايَتِهِمْ ; لأَنَّهُمْ ثِقَاتٌ عُدُولٌ وَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنْ الْخَطَإِ فِي الرَّأْيِ. وَلاَ عَجَبَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ طَاوُوسًا , وَعَطَاءً , وَعُرْوَةَ , وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ : خَالَفُوا مَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَوْ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى صَبْغِ قَمِيصِهِ أَخْضَرَ فَقَالُوا لَهُ : بَلْ اُصْبُغْهُ أَحْمَرَ لَمْ يَرَ رَأْيَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً ، وَلاَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الأَخْذَ بِهِ ثُمَّ رَأْيُهُمْ حُجَّةٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَئِنْ كَانَ خَالَفَ هَؤُلاَءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ : كَعِكْرِمَةَ , وَعَطَاءٍ ; ، وَلاَ يَصِحُّ ، عَنْ عَطَاءٍ إلاَّ الْقَوْلُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَخَذَا بِهِ. وَقَالُوا : لَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ عُمَرَ . فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا فَقَدْ عَرَفَهُ : عُمَرُ , وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ , وَعَائِشَةُ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَعَمَّارٌ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَخَذُوا بِهِ , وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ بَلْ لَيْسَ لاِبْنِ عُمَرَ هَاهُنَا خِلاَفٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِإِبْطَالِهِ , وَإِنَّمَا قَالَ : لاَ أَعْرِفُهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَعْرِفْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الإِهْلاَلُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ السُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ وَقَالَ عُمَرُ , وَعُثْمَانُ , بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ فَخَالَفُوهُمَا وَمَعَهُمَا السُّنَّةُ وَتَعَلَّقُوا بِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ إذْ جَاءَ عَنْهُمَا خِلاَفُ أَمْرِ النَّبِيِّ r فَكَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَنِ , وَمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنْ مُوَافَقَةِ السُّنَنِ : وَالْقَوْمُ غَرْقَى فِي بِحَارِ هَوَاهُمْ وَبِكُلِّ مَا يُرْدِي الْغَرِيقَ تَعَلَّقُوا وَذَكَرُوا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ : كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ ، وَلاَ يَرَوْنَهُ شَيْئًا قال أبو محمد : وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ يَصِفُهُمْ بِفَسَادِ الرَّأْيِ وَالتَّلاَعُبِ ; إذْ يَشْتَرِطُونَ مَا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ , وَلاَ يَصِحُّ , وَلاَ يَجُوزُ , وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ , وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا صَحَّتْ لَمْ يَحِلَّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهَا , وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً فِي مُعَارَضَتِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ , وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ , وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ , وَالْقِيَاسَ ; لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : مَنْ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ فَعَجَزَ ، عَنْ إتْمَامِهَا قَائِمًا , وَعَنِ الرُّكُوعِ , وَعَنِ السُّجُودِ : سَقَطَ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ فَرْضٍ فَعَجَزَ ، عَنْ إتْمَامِهِ : سَقَطَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلَّفْهُ ; وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ , وَقَالُوا هَاهُنَا : مَنْ دَخَلَ فِي حَجِّ فَرْضٍ , أَوْ تَطَوُّعٍ , أَوْ عُمْرَةٍ , كَذَلِكَ فَعَجَزَ عَنْهُمَا : لَمْ يَسْقُطَا عَنْهُ ; بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ. 834 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا جَوَازُ تَقْدِيمِ لَفْظَةِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ , أَوْ لَفْظَةِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ; فَلاَِنَّهُ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَبَدَأَ بِلَفْظَةِ الْحَجِّ ; وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجَّةً وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ نُبَالِي أَيُّ ذَلِكَ قُدِّمَ فِي اللَّفْظِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 835 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا جَاءَ الْقَارِنُ إلَى مَكَّةَ عَمِلَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا قلنا فِي الْعُمْرَةِ إلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي الثَّلاَثِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا فِي الْحَجِّ ثُمَّ إذَا أَتَمَّ ذَلِكَ أَقَامَ مُحْرِمًا كَمَا هُوَ إلَى يَوْمِ مِنًى وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْمَذْكُورُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ نَهَضَ الْقَارِنُ , وَالْمُتَمَتِّعُ إلَى مِنًى فَيَبْقَيَانِ بِهَا نَهَارَهُمَا وَلَيْلَتَهُمَا فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ وَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى عَرَفَةَ فَيُصَلِّي هُنَالِكَ الإِمَامُ وَالنَّاسُ الظُّهْرَ بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ ثُمَّ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ , وَيُقِيمَ وَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِالنَّاسِ , فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ إقَامَةً بِلاَ أَذَانٍ وَصَلَّى بِهِمْ الْعَصْرَ إثْرَ سَلاَمِهِ مِنْ الظُّهْرِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ لاَ يَنْتَظِرُ وَقْتَ الْعَصْرِ كَمَا فِي سَائِرِ الأَيَّامِ , ثُمَّ يَقِفُ النَّاسُ لِلدُّعَاءِ فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى مُزْدَلِفَةَ. وَلَوْ نَهَضَ إنْسَانٌ إلَى مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لاَ دَمَ ، وَلاَ غَيْرَهُ وَحَجُّهُ تَامٌّ. فَإِذَا أَتَوْا مُزْدَلِفَةَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ , ثُمَّ أَقَامَ وَصَلَّى الإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ ، وَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ مُزْدَلِفَةَ ، وَلاَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ , فَإِذَا سَلَّمَ أُقِيمَ لِصَلاَةِ الْعَتَمَةِ إقَامَةً بِلاَ أَذَانٍ فَيُصَلِّيهَا بِالنَّاسِ , وَهِيَ لَيْلَةُ عِيدِ الأَضْحَى وَيَبِيتُ النَّاسُ هُنَالِكَ , فَإِذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى مِقْدَارِ مَا يُدْفَعُ مِنْهَا وَيُدْرِكُ بِمُزْدَلِفَةَ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ الإِمَامِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ إنْ كَانَ رَجُلاً , وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ بِمُزْدَلِفَةَ صَلاَةَ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ إنْ كَانَ رَجُلاً. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنْ وَقَفْنَ بِعَرَفَةَ إلَى قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ دَفَعْنَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا أَجْزَأَهُنَّ الْحَجُّ ; وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مِنْهُنَّ بِعَرَفَةَ لاَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَلاَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ , فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا , وَمَنْ لَمْ تَقِفْ مِنْهُنَّ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ وُقُوفِهَا بِعَرَفَةَ وَتَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ , فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا. فَإِذَا صَلَّى الإِمَامُ كَمَا ذَكَرْنَا بِمُزْدَلِفَةَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالنَّاسِ وَقَفُوا لِلدُّعَاءِ , فَإِذَا أَسْفَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ دَفَعُوا كُلُّهُمْ إلَى مِنًى , فَإِذَا أَتَوْا مِنًى أَحْبَبْنَا لَهُمْ التَّطَيُّبَ بَعْدَ أَنْ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُونَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ , وَلاَ يَقْطَعُونَ التَّلْبِيَةَ مُذْ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ , أَوْ بِالْقِرَانِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلاَّ مَعَ تَمَامِ رَمْيِ السَّبْعِ حَصَيَاتٍ , فَإِذَا رَمَوْهَا كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ تَمَّ إحْرَامُهُمْ وَيَحْلِقُونَ أَوْ يُقَصِّرُونَ , وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرِّجَالِ. وَيَنْحَرُونَ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُمْ , ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُمْ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ اللِّبَاسِ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ , وَحَلَّ لَهُمْ التَّصَيُّدُ فِي الْحِلِّ , وَالتَّطَيُّبُ حَاشَا الْوَطْءَ فَقَطْ. فَإِنْ نَهَضُوا مِنْ يَوْمِهِمْ إلَى مَكَّةَ فَطَافُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا لاَ خَبَبَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا , أَوْ إنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ بَيْنَهُمَا أَوَّلَ دُخُولِهِ إنْ كَانَ قَارِنًا فَقَدْ تَمَّ الْحَجُّ كُلُّهُ , أَوْ الْقِرَانُ كُلُّهُ وَحَلَّ لَهُمْ الْوَطْءُ. وَيَرْجِعُونَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَرْمُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ الْجَمَرَاتِ الثَّلاَثَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ , سَبْعِ حَصَيَاتٍ , سَبْعِ حَصَيَاتٍ : يَبْدَأُ بِالْقُصْوَى , ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِيهَا , ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ يَقِفُ عِنْدَ الآُولَيَيْنِ لِلدُّعَاءِ , وَلاَ يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ; فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ , فَقَدْ تَمَّ جَمِيعُ عَمَلِ الْحَاجِّ. وَيَأْكُلُ الْقَارِنُ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ ، وَلاَ بُدَّ. فأما الْمُتَمَتِّعُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ , وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ قَاطِنِينَ هُنَالِكَ : فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا , وَلاَ بُدَّ إمَّا رَأْسٌ مِنْ الإِبِلِ , أَوْ مِنْ الْبَقَرِ , وَأَمَّا شَاةٌ , وَأَمَّا نَصِيبٌ مُشْتَرَكٌ فِي رَأْسٍ مِنْ الإِبِلِ , أَوْ فِي رَأْسٍ مِنْ الْبَقَرِ بَيْنَ عَشَرَة أَنْفُسٍ فَأَقَلَّ لاَ نُبَالِي مُتَمَتِّعِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُتَمَتِّعِينَ , وَسَوَاءٌ أَرَادَ بَعْضُهُمْ حِصَّتَهُ لِلأَكْلِ , أَوْ لِلْبَيْعِ , أَوْ لِلَّهِ دْيِ , وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى ، وَلاَ بُدَّ , أَوْ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ أَنْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ النَّحْرِ , فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَلْيُؤَخِّرْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ وَهُوَ الطَّوَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَوْمَ النَّحْرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ , ثُمَّ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ ; ثُمَّ يَطُوفَ بَعْدَ تَمَامِ صِيَامِهِنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ ; ثُمَّ يَصُومَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ كُلِّهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ ; فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِمَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا هَدْيٌ , وَلاَ صِيَامٌ , وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلُهُ مِنْ سُكَّانِ الْحَرَمِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ , أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ , أَوْ لَمْ يَرْجِعْ , وَلاَ يَضُرُّ الْهَدْيَ أَنْ لاَ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ , وَلاَ هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ حَاشَا الْهَدْيَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ. فَمَنْ أَرَادَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَخْرُجَ ، عَنْ مَكَّةَ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا , ثُمَّ يَخْرُجَ إثْرَ تَمَامِهِ مَوْصُولاً بِهِ ، وَلاَ بُدَّ ; فَإِنْ تَرَدَّدَ لاَِمْرٍ مَا أَعَادَ الطَّوَافَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ ، عَنْ مَكَّةَ , فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ ، وَلاَ بُدَّ وَلَوْ مِنْ أَقْصَى الدُّنْيَا حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ بِمَكَّةَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَمَنْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ حَتَّى خَرَجَ : فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ حَتَّى يُتِمَّهُ ; فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ. وَمَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَاقِيَ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ ; وَيُجْزِئُ الْقَارِنَ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِعُمْرَتِهِ وَلِحَجِّهِ , كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ ، وَلاَ فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ جَمِيعًا ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ.. قَالَ : قُلْت لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَخْبِرْنِي ، عَنْ حَجَّة الْوَدَاعِ فَقَالَ جَابِرٌ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَذَكَرَ كَلاَمًا ثُمَّ قَالَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r فِي الْمَسْجِدِ , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ فَذَكَرَ كَلاَمًا ثُمَّ قَالَ : حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا , ثُمَّ نَفَذَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.. ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ , ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا ; فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ; فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ , فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ , وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ , أَنْجَزَ وَعْدَهُ , وَنَصَرَ عَبْدَهُ , وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ. ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ; ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ قَالَ : لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ; فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ r أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الآُخْرَى وَقَالَ : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لاَ , بَلْ لاَِبَدٍ أَبَدٍ , وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ r فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ , وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ : إنِّي أُمِرْتُ بِهَذَا.. فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ r فَقَالَ : صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ r قَالَ : فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلاَ تَحِلُّ.. فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إلاَّ النَّبِيَّ r وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ; فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ r فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ , ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ r .. حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ.. فَنَزَلَ فِي الْقُبَّةِ بِنَمِرَةَ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا كَثِيرًا ثُمَّ أَذَّنَ , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ; ثُمَّ رَكِبَ عليه السلام حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ , وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً.. وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ , وَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ , كُلَّمَا أَتَى جَبَلاً مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ , حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ , وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا , ثُمَّ اضْطَجَعَ عليه السلام حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ; ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ ; فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ , وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً ; ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ , رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ; ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا , ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَتَنَاوَلَ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. قال أبو محمد : كُلُّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ دُعَاءٍ , وَصِفَةِ مَشْيٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا , فَهُوَ كُلُّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَمَّا قَوْلُنَا : مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَحَجُّهُ تَامٌّ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَوُجُوبُ فَرْضِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا وَكِيعٌ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ قَالَ : شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ r بِعَرَفَةَ وَسُئِلَ ، عَنِ الْحَجِّ فَقَالَ : الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ أَدْرَكَ. وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حدثنا خَالِدٌ ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لاَمٍ الطَّائِيُّ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r بِجَمْعٍ فَقُلْت لَهُ : هَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ : مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلاَةَ مَعَنَا وَوَقَفَ هَذَا الْمَوْقِفَ حَتَّى يُفِيضَ , وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ أَفَاضَ مِنْهَا نَهَارًا فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ دَمٌ. وقال مالك : إنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا لَيْلاً فَلاَ حَجَّ لَهُ , وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَفَ بِهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ . فَقُلْنَا : وَوَقَفَ نَهَارًا , فَأَبْطَلُوا حَجَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا نَهَارًا. فَقَالُوا : قَدْ قَالَ عليه السلام , مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ . فَقُلْنَا : وَقَدْ قَالَ عليه السلام : وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ فَبَلَّحُوا. فَأَتَوْا بِنَادِرَةٍ , وَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا : مَعْنَى قَوْلِهِ " لَيْلاً أَوْ نَهَارًا " إنَّمَا هُوَ لَيْلاً وَنَهَارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا . فَقُلْنَا : هَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ r صُرَاحًا ; وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ لَمَا كَانَ عليه السلام مَنْهِيًّا ، عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ آثِمًا إلاَّ حَتَّى يَكُونَ كَفُورًا ; وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ , بَلْ هُوَ عليه السلام مَنْهِيٌّ ، عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ الآثِمَ , وَالْكَفُورَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الآثِمُ كَفُورًا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُمْ فِي الْخَبَرِ تَأْوِيلُكُمْ الْفَاسِدُ لَكَانَ لاَ يَصِحُّ لاَِحَدٍ حَجٌّ حَتَّى يَقِفَ بِهَا نَهَارًا وَلَيْلاً مَعًا , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَقِفْ بِهَا إلاَّ نَهَارًا وَدَفَعَ مِنْهَا إثْرَ تَمَامِ غُرُوبِ الْقُرْصِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ , وَالدَّفْعُ لاَ يُسَمَّى وُقُوفًا , بَلْ هُوَ زَوَالٌ عَنْهَا. وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ الْفَرَّاءِ الْوَاسِطِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. قال أبو محمد : هَذَا عَوْرَةٌ لإِنَّ أَبَا عَوْنِ بْنَ عَمْرٍو , وَرَحْمَةَ بْنَ مُصْعَبٍ , وَدَاوُد بْنَ جُبَيْرٍ مَجْهُولُونَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ ; وَعَلَى هَذَا الْخَبَرِ يَبْطُلُ حَجُّ النَّبِيِّ r لاَِنَّهُ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ إنَّمَا دَفَعَ مِنْهَا فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، حدثنا عَطَاءٌ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ , وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ الْمُرْسَلَ. وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ , حدثنا ابْنُ أَبِي نَافِعٍ ، عَنِ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ تَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَدْفَعَ الإِمَامُ. وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ ; وَالثَّانِي : أَنَّ فِيهِ ثَلاَثَةً ضُعَفَاءَ فِي نَسَقٍ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَيْلاً أَصْلاً ; وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ ; لأَنَّهُمْ لاَ يُبْطِلُونَ حَجَّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ مِنْ عَرَفَةَ , وَلاَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ. وَمِنْهَا : خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمَدَنِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ ، هُوَ ابْنُ جُعْدُبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ أَجَازَ بَطْنَ عُرَنَةَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلاَ حَجَّ لَهُ وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ , لإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ سَاقِطٌ وَأَبَا مُعَاوِيَةَ مَجْهُولٌ ; وَيَزِيدَ كَذَّابٌ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ ; ثُمَّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ ; لإِنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ فَلَيْسَ فِيهِ وُجُوبُ الْوُقُوفِ لَيْلاً بِعَرَفَةَ أَصْلاً. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّا لاَ نَدْفَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ يَعْنِي مِنْ عَرَفَاتٍ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ , وَإِنَّا نَدْفَعُ قَبْلَ ذَلِكَ , هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لاَِنَّهُ مُرْسَلٌ , ثُمَّ هُوَ ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ , ثُمَّ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ ; لأَنَّهُمْ لاَ يُبْطِلُونَ حَجَّ مَنْ دَفَعَ مِنْ جَمْعٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا أَصْلاً. قال أبو محمد : وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ إيجَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَيْلاً , وَإِبْطَالُ الْحَجِّ بِتَرْكِهِ وَهُمْ لاَ يُبْطِلُونَ الْحَجَّ بِمُخَالَفَةِ عَمَلِ النَّبِيِّ r كُلِّهِ فِي عَرَفَةَ , وَفِي الدَّفْعِ مِنْهَا , وَفِي مُزْدَلِفَةَ : فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ , وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قلنا : قَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ فَخَالَفْتُمُوهُ , وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ : مَنْ قَدِمَ ثِقَلُهُ مِنْ مِنًى بَطَلَ حَجُّهُ فَخَالَفْتُمُوهُ ; فَمِنْ أَيْنَ صَارَ ابْنُ عُمَرَ هَاهُنَا حُجَّةً , وَلَمْ يَصِرْ حُجَّةً هُوَ ، وَلاَ أَبُوهُ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا مِمَّا اسْتَسْهَلْتُمْ خِلاَفَهُمَا فِيهِ ; وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً وَأَمَّا إيجَابُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ فَخَطَأٌ ; لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ أَوْ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ ; فَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; وَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ فَحَجُّهُ بَاطِلٌ ، وَلاَ مَزِيدَ. قال أبو محمد : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مِلاَكُ الْحَجِّ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. وَأَمَّا اسْتِحْبَابُنَا لِلْمُتَمَتِّعِ أَنَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي أَخْذِهِ فِي النُّهُوضِ إلَى مِنًى فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r بِحَضْرَتِهِ ; وَاخْتَارَ مَالِكٌ أَنَّ يُهِلَّ الْمُتَمَتِّعُ , وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ , وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَقْدَمُ النَّاسُ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدَّهِنُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ فَأَهِلُّوا ; فَإِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ لاَ نَعْلَمُهَا تَتَّصِلُ إلَى عُمَرَ ; إنَّمَا نَذْكُرُهَا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عُمَرَ ; وَكِلاَهُمَا لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَعْوَامٍ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ الثَّابِتُ الْمُتَّصِلُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ r أَوْلَى مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، حدثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إذْ رَأَى هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ عَامًا ثُمَّ عَامًا آخَرَ ; فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ قِيلَ لَهُ : قَدْ رُئِيَ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ : مَا أَنَا إلاَّ كَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي , وَمَا أَرَانِي أَفْعَلُ إلاَّ كَمَا فَعَلُوا , فَأَمْسَكَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ , ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْبَطْحَاءِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بِالْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَامًا مِنْ الْمَسْجِدِ حِينَ أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ عَامًا آخَرَ كَذَلِكَ , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّالِثُ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ : فَسَأَلْته ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إنِّي كُنْت امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُهِلَّ بِإِهْلاَلِهِمْ ثُمَّ ذَهَبْت أَنْظُرُ فَإِذَا أَنَا أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي وَأَنَا مُحْرِمٌ وَأَخْرُجُ وَأَنَا مُحْرِمٌ , فَإِذَا ذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ ; لإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَحْرَمَ خَرَجَ لِوَجْهِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ : فَقُلْت لاِبْنِ عُمَرَ : فَأَيَّ ذَلِكَ تَرَى قَالَ : يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُهِلَّ الْمُتَمَتِّعُ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ , وَرَغِبَ ، عَنْ رَأْيِ أَبِيهِ لَوْ ثَبَتَ أَيْضًا عَنْهُ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا اخْتَرْنَا لَهُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَشْعَثَ قلنا : مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r اخْتِيَارَ الشُّعْثِ لِلْمُحْرِمِ فَإِنْ اخْتَرْتُمُوهُ فَأْمُرُوهُمْ بِالإِهْلاَلِ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ فَهُوَ أَتَمُّ لِلشُّعْثِ وَأَمَّا قَوْلُنَا : أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَتَمَّ الإِمَامُ الْخُطْبَةَ بِعَرَفَةَ , ثُمَّ يُقِيمَ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ , ثُمَّ يُقِيمَ لِلْعَصْرِ ، وَلاَ يُؤَذِّنَ لَهَا ; فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَبَرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r آنِفًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ ; وقال مالك مَرَّةً أُخْرَى : إنْ شَاءَ أَذَّنَ , وَالإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ , وَإِنْ شَاءَ إذَا أَتَمَّ. وقال أبو حنيفة , وَأَبُو ثَوْرٍ : يُؤَذِّنُ إذَا قَعَدَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الإِمَامِ ; ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : يُؤَذِّنُ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ الْخُطْبَةِ , وَذَكَرَ ذَلِكَ ، عَنْ مُؤَذِّنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وقال الشافعي : يَأْخُذُ فِي الأَذَانِ إذَا أَتَمَّ الإِمَامُ الْخُطْبَةَ الآُولَى. قال أبو محمد : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ حُجَّةَ لِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجُمُعَةِ قلنا : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ الأَذَانِ بِعَرَفَةَ عَلَى الأَذَانِ بِالْجُمُعَةِ بِأَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ لِلْجُمُعَةِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي عَرَفَةَ لاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : لاَ جُمُعَةَ بِعَرَفَةَ فإن قيل : فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلاَدِ قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُبِيحٍ مُخَالَفَةَ مَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي صِفَةِ الأَذَانِ فِيهَا بِخِلاَفِهِ فِي سَائِرِ الْبِلاَدِ كَمَا كَانَ بِعَرَفَةَ حُكْمُ الصَّلاَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ , وَالْعَصْرِ , بِخِلاَفِ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْبِلاَدِ , وَلَوْ قلنا : إنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ خِلاَفٌ لاِِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كُلِّهِمْ فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ لَصَدَقْنَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا : بِالْجَمْعِ بَيْنَ صَلاَتَيْ الظُّهْرِ , وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَلِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ; وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ ; فِي الصَّلاَةِ بِعَرَفَةَ كَمَا قلنا. وقال مالك : بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ , وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً لاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ عَمَلِ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ , فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ قلنا : هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ , وَقَوْلُكُمْ هَذَا فِي مُزْدَلِفَةَ خَطَأٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لإِنَّ صَلاَةَ الظُّهْرِ , وَالْعَصْرِ , بِعَرَفَةَ لَيْسَتَا فَائِتَتَيْنِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ قِيَاسُ صَلاَةٍ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا عَلَى صَلاَةٍ فَائِتَةٍ لاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِهَذَا الْعَمَلِ فِي الْفَائِتَاتِ , وَقَالَ سُفْيَانُ , وَإِسْحَاقُ : يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ , وَالْعَصْرِ , بِعَرَفَةَ بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ بِلاَ أَذَانٍ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى بِمَكَّةَ وَبِمِنًى كُلَّ صَلاَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ , وَصَلَّى بِعَرَفَةَ , وَبِجَمْعٍ كُلَّ صَلاَةٍ بِإِقَامَةٍ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ , لإِنَّ خَبَرَ جَابِرٍ وَرَدَ بِزِيَادَةِ ذِكْرِ الأَذَانِ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا , وَلاَ بُدَّ , وَأَمَّا الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا. وَفِي هَذَا خِلاَفٌ مِنْ السَّلَفِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : عَنْ نَافِعٍ قَالَ : لَمْ أَحْفَظْ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَذَانًا ، وَلاَ إقَامَةً بِجَمْعٍ يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِجَمْعٍ الْمَغْرِبَ بِلاَ أَذَانٍ ، وَلاَ إقَامَةٍ , ثُمَّ الْعِشَاءَ بِلاَ أَذَانٍ ، وَلاَ إقَامَةٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ : وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةِ بِلاَ أَذَانٍ وَرُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , كِلاَهُمَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ , وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r فَعَلَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ , وَغَيْرِهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , قَالَ سُفْيَانُ : عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; وَقَالَ الْقَطَّانُ : عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ; ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r جَمَعَ بِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ , وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلاَةٍ إقَامَةٌ دُونَ أَذَانٍ : رُوِّينَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ يَعْنِي بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ , كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ يَعْنِي بِمُزْدَلِفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَتَيْنِ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى , وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا عَاصِمٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ , وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا , وَلاَ عَلَى إثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ : وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، حدثنا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِمُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ , أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ , ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ : الصَّلاَةَ , فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَشْعَثُ : وَأَخْبَرَنِي عِلاَجُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا قَالَ : فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r هَكَذَا. وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَقَامَ لِلْعِشَاءِ إقَامَةً أُخْرَى. وَقَوْلٌ خَامِسٌ : وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ كُنْت مَعَ عُمَرَ فَأَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ , كُلُّ صَلاَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ : حدثنا حمام ، حدثنا الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيٌّ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : صَلَّيْت مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ , ثُمَّ أَتَيْنَا بِعِشَائِنَا فَتَعَشَّيْنَا , ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. وَبِهِ نَصًّا إلَى أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ كُلُّ صَلاَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَذَكَرَهُ ، عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ;. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ. وَلاَ حُجَّةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ خَبَرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ عُمَرَ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَاخْتَلَفَ ، عَنْ عُمَرَ أَيْضًا كَمَا أَوْرَدْنَا , فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلاَ حُجَّةَ لاَِبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ إعَادَةَ الأَذَانِ لِلْعِشَاءِ هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ عُمَرَ , وَابْنَ مَسْعُودٍ تَعَشَّيَا بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ ; لاَِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ , وَلاَ أَخْبَرَا : أَنَّ إعَادَتَهُمَا الأَذَانَ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ الْعِشَاءِ , فَهِيَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ فإن قيل : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إذَا صُلِّيَتْ الآُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا , وَالآُخْرَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , فَلاَ بُدَّ مِنْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ قلنا : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ مَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ قال أبو محمد : وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَسَالِمٍ ابْنِهِ , وَعَطَاءٍ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ : صَلَّيْت خَلْفَ سَالِمٍ : الْمَغْرِبَ , وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ , فَلَقِيت نَافِعًا فَقُلْت لَهُ : هَكَذَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : نَعَمْ , فَلَقِيت عَطَاءً فَقُلْت لَهُ فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَقُولُ لَهُمْ : لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِإِقَامَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْهُ , فَهِيَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهُمَا : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِلاَ أَذَانٍ ، وَلاَ إقَامَةٍ , وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِي : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَصَحَّ أَيْضًا : عَنِ ابْنِ عُمَرَ : وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي بَكْرٍ بْنِ دَاوُد وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالثَّالِثُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ ; رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَصَحَّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ , وَأَحْمَدَ , وَالشَّافِعِيِّ ; وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالرَّابِعُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ ; وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالْخَامِسُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَسَالِمٍ ابْنِهِ , وَعَطَاءٍ , وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَبِهِ نَأْخُذُ وَصَحَّ بِذَلِكَ خَبَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالسَّادِسُ : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. فأما الأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَبَعْضُهَا بِإِقَامَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ , وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَبَعْضُهَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ , وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَبَعْضُهَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ ; فَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ , وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : زَادَتْ عَلَى الآُخْرَى ; وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ إقَامَةٌ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ , وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ , وَعَنْ جَابِرٍ تَزِيدُ عَلَى الآُخْرَى , وَعَلَى رِوَايَةِ أُسَامَةَ أَذَانًا , فَوَجَبَ الأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ لاَِنَّهَا رِوَايَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا , فَإِذَا جَمَعْت رِوَايَةَ سَالِمٍ , وَعِلاَجٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ صَحَّ مِنْهُمَا أَذَانٌ , وَإِقَامَتَانِ كَمَا جَاءَ بَيِّنًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ ; ، وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إلاَّ بِمُزْدَلِفَةَ ، وَلاَ بُدَّ , وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ، وَلاَ بُدَّ , فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا ابْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : لَمَّا أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ عَرَفَاتٍ عَدَلَ إلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي قَالَ : الْمُصَلَّى أَمَامَكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ , وَابْنُ حُجْرٌ قَالُوا : حدثنا إسْمَاعِيلُ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ r الشِّعْبَ الأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَاخَ فَبَالَ ; ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا , ثُمَّ قُلْتُ : الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : الصَّلاَةُ أَمَامَكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد : فَإِذْ قَدْ قَصَدَ عليه السلام تَرْكَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّ الْمُصَلَّى مِنْ أَمَامٍ , وَأَنَّ الصَّلاَةَ مِنْ أَمَامٍ , فَالْمُصَلَّى هُوَ مَوْضِعُ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلاَةِ وَوَقْتَ الصَّلاَةِ مِنْ أَمَامٍ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ مُصَلًّى , وَلاَ الصَّلاَةُ فِيهِ صَلاَةٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُنَا فَيَقُولُ : أَلاَّ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ يُرَدِّدُهَا ثَلاَثًا. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ , وَلَوْ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ : صَلاَةُ الْمَغْرِبِ دُونَ جَمْعٍ , وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَمَّا بُطْلاَنُ حَجِّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ , فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمِصِّيصِيِّ ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضُوا مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ , وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ وَالنَّاسِ فَلَمْ يُدْرِكْ. وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَخْبَرَنِي عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِيُّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُكَ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي , وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ مِنْ جَبَلٍ إلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ هَاهُنَا , ثُمَّ أَقَامَ مَعَنَا , وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهَا فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ ، وَلاَ حَجَّ لَهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أَمَرَ ; إلاَّ أَنَّ إدْرَاكَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِيهَا مَعَ الإِمَامِ هُوَ الذِّكْرُ الْمُفْتَرَضُ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ r الْمَذْكُورِ , وَمَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ صَلاَةِ الإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ : إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَائِمَةِ الإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ بِخِلاَفِ السَّائِمَةِ. وَمِمَّنْ يَقُولُ : إنَّ قَوْلَهُ عليه السلام وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ دَلِيلٌ أَنَّ الإِمَامَ لاَ يَقُولُ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ , وَأَنَّ الْمَأْمُومَ لاَ يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ لاَ يَرَى قَوْلَهُ عليه السلام : مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ هَاهُنَا مَعَنَا , وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ هُنَالِكَ مَعَ الإِمَامِ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ ; فَكَيْفَ وَقَدْ غُنِينَا ، عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ فَلَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ r : الْحَجُّ عَرَفَةَ قَالَ عَلِيٌّ : وَهُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِهَذَا الاِحْتِجَاجِ لإِنَّ عِنْدَهُمْ فَرَائِضَ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِتَرْكِهَا سِوَى عَرَفَةَ كَتَرْكِ الإِحْرَامِ وَتَرْكِ طَوَافِ الإِفَاضَةِ. وَتَرْكِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ عليه السلام : وَالْحَجُّ عَرَفَةَ بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ عَرَفَةَ الْحَجَّ أَيْضًا إذَا جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً وَالْبَيْتُ غَيْرُ عَرَفَةَ بِلاَ شَكٍّ. وَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ الأَمْرِ بِعَرَفَةَ , وَالأَمْرِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْقُرْآنِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ. وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ ، وَلاَ يَكُونُ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ إلاَّ وَغَيْرُهُ يَوْمُ الْحَجِّ الأَصْغَرِ , وَمُحَالٌ مُمْتَنِعٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ، وَلاَ يَكُونَ فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ وَيَكُونَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي غَيْرِهِ. فَصَحَّ أَنَّ جُمْلَةَ فَرَائِضِ الْحَجِّ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ , وَهِيَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ الَّذِي لاَ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ , وَرَمْيُ الْجَمْرَةِ , وَالإِفَاضَةُ ; وَقَدْ يَكُونَانِ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا عَرَفَةُ فِيمَا قَبْلَهُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فَلاَ حَجَّ لَهُ ". وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : أَلاَ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ ; فَإِذَا أَبْطَلَ الصَّلاَةَ إلاَّ بِمُزْدَلِفَةَ فَقَدْ جَعَلَهَا مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ : سَأَلْت عَلْقَمَةَ عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ , أَوْ جَمْعًا , أَوْ وَقَعَ بِأَهْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ فَقَالَ : عَلَيْهِ الْحَجُّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانَ يُقَالُ : مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ أَوْ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ , أَوْ جَمْعٌ , أَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ فَقَدْ فَسَدَ حَجُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ جَعَلَهَا عُمْرَةً. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِجَمْعٍ فَلاَ حَجَّ لَهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : مَنْ فَاتَهُ الإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ عَرَفَةُ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ وَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَاتَهُ الْحَجُّ قال أبو محمد : صَدَقَ سَعِيدٌ ; لإِنَّ مَنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ لاَِنَّهُ يَقِفُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ ; وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ لإِنَّ فِيهِ فَرَائِضَ ثَلاَثًا مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ , وَهُوَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ لاَ يَكُونُ جَازِئًا إلاَّ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ , وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ , وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ , وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ ; فَصَحَّ أَنَّ مُزْدَلِفَةَ أَشَدُّ فُرُوضِ الْحَجِّ تَأْكِيدًا وَأَضْيَقُهَا وَقْتًا ; وَقَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلاَفُ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ النِّسَاءَ , وَالصِّبْيَانَ , وَالضُّعَفَاءَ بِخِلاَفِ هَذَا ; فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ لَهُ بِمُزْدَلِفَةَ : هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ : لاَ , فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَتْ : ارْحَلْ بِي فَارْتَحَلْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ صَلَّتْ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا أَيْ هَنْتَاهُ لَقَدْ غَلَّسْنَا , قَالَتْ : كَلًّا أَيْ بُنَيَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَذِنَ لِلظُّعُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللَّيْلِ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ : أَنَّ ابْنَ شَوَّالٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرَتْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r فِي الثَّقَلِ وَفِي الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. قال أبو محمد : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ قَدْ نَاهَزَ الاِحْتِلاَمَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ , هَكَذَا ذَكَرَ ، عَنْ نَفْسِهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ أَتَى مِنًى عَلَى أَتَانٍ , وَرَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ : وَأَنَا غُلاَمٌ قَدْ نَاهَزْت الاِحْتِلاَمَ فَخَرَجَ هَؤُلاَءِ ، عَنْ وُجُوبِ حُضُورِ صَلاَةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ , وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى هُنَالِكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ ، وَلاَ بُدَّ لِعُمُومِ قوله تعالى : فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَأَمَّا وُجُوبُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ , فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r : إنِّي أَمْسَيْتُ , وَلَمْ أَرْمِ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ فَأَمَرَ عليه السلام بِرَمْيِهَا فَوَجَبَ فَرْضًا. فإن قيل : إنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : اذْبَحْ ، وَلاَ حَرَجَ فَأَوْجَبُوا الذَّبْحَ فَرْضًا قلنا : إنْ كَانَ ذَلِكَ الذَّبْحُ مَنْذُورًا أَوْ هَدْيًا وَاجِبًا فَنَعَمْ هُوَ فَرْضٌ , وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَيَكْفِي مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ ذَبْحُهُ فَرْضًا تَيَقُّنُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لاَ فَرْضٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : قَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ : إنْ ذَكَرَ وَهُوَ بِمِنًى رَمَى , وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى نَفَرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ . وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد , وَأَصْحَابُنَا , وَلاَ يُجْزِئُ الرَّمْيُ إلاَّ بِحَصًى كَحَصَى الْخَذْفِ لاَ أَصْغَرَ , وَلاَ أَكْبَرَ ; لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حدثنا عَوْفُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، حدثنا زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ هَاتِ اُلْقُطْ لِي فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ , هِيَ حَصَى الْخَذْفِ , فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ : بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ. وقال مالك : أُحِبُّ أَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ ; وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَمُخَالَفَةِ الأَثَرِ الثَّابِتِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنِ الزُّبَيْرِ , قَالاَ جَمِيعًا : مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا لاَ مِنْ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ تَابِعٍ ; وَهَذَانِ الأَثَرَانِ يُبْطِلاَنِ قَوْلَ مَنْ قَالَ : يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الْحَصَى وَأَمَّا الْعَدَدُ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : جَلَسْنَا فَقَالَ بَعْضُنَا : رَمَيْت بِسِتٍّ , وَقَالَ بَعْضُنَا : رَمَيْت بِسَبْعٍ ; فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ يُفْتِي بِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِمَا رَمَى بِهِ الإِنْسَانُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو حَبَّةَ. قال أبو محمد : أَبُو حَبَّةَ بَدْرِيٌّ وَرُوِّينَا ، عَنْ طَاوُوس مَنْ تَرَكَ حَصَاةً فَإِنَّهُ يُطْعِمُ تَمْرَةً أَوْ لُقَيْمَةً وَعَنْ عَطَاءٍ : مَنْ فَاتَتْهُ الْجِمَارُ يَوْمًا تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ , وَمَنْ فَاتَتْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ عَلِيٌّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ : نَسِيت أَنْ أَرْمِيَ بِحَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْجَمْرَةِ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ : اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ فَسَلْهُ ثُمَّ ارْجِعْ فَأَخْبِرْنِي بِمَا يَقُولُ , قَالَ : فَسَأَلْته فَقَالَ لِي : لَوْ نَسِيت شَيْئًا مِنْ صَلاَتِي لاََعَدْت , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَصَابَ. قال أبو محمد : هَذَا الشَّيْخُ هُوَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَنْ نَسِيَ الْجَمْرَةَ رَمَاهَا بِاللَّيْلِ حِينَ يَذْكُرُ. وَعَنْ طَاوُوس , وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ قَالُوا كُلُّهُمْ : يَرْمِي بِاللَّيْلِ هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ ; وَلَمْ يُوجِبُوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا. قال أبو محمد : إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ r ، عَنْ رَمْيِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ , وَأَبَاحَ رَمْيَهَا بَعْدَ ذَلِكَ , وَإِنْ أَمْسَى ; وَهَذَا يَقَعُ عَلَى اللَّيْلِ وَالْعَشِيِّ مَعًا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَصَاةٍ نَسِيَهَا طَعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ إلاَّ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا. وقال مالك : عَلَيْهِ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فَأَكْثَرَ إنْ نَسِيَهَا دَمٌ ; فَإِنْ تَرَكَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ; فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ ; فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ ; فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَمَرَّةً قَالَ : عَلَيْهِ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مُدُّ طَعَامٍ , وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ , وَفِي ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا دَمٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي حَصَاةٍ ثُلُثُ دَمٍ , وَفِي الْحَصَاتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ , وَفِي الثَّلاَثِ فَصَاعِدًا دَمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ لِلْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فَصَاعِدًا دَمٌ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ , وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَ الْقَائِلِ بِكُلِّ قَوْلٍ ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَأَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا : لاَ امْرَأَةً ، وَلاَ رَجُلاً : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ الْمَرْوَزِيِّ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَبِيبٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r قَدَّمَ أَهْلَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ : إبَاحَةَ الرَّمْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَالَ سُفْيَانُ : مَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَعَادَ الرَّمْيَ بَعْدَ طُلُوعِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلاَّ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ; فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ : يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا نَهَضَ إلَى عَرَفَةَ , وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَنْ عَلِيٍّ ; وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : التَّلْبِيَةُ اسْتِجَابَةٌ فَإِذَا وَصَلَ فَلاَ مَعْنَى لِلتَّلْبِيَةِ. قال أبو محمد : أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ فَلاَ تَصِحُّ ; لاَِنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ إلَيْهِ ; وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ , وَأَمَّا ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فَالْمَرْجُوعُ فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ التَّلْبِيَةَ اسْتِجَابَةٌ فَدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا ; وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا : لَوَجَبَتْ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الأَذَانِ , وَوُجُوبِ النُّهُوضِ إلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا ; وَمَا التَّلْبِيَةُ إلاَّ شَرِيعَةٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا لاَ عِلَّةَ لَهَا إلاَّ مَا قَالَ تَعَالَى ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. ثُمَّ لَوْ كَانَتْ اسْتِجَابَةً كَمَا قَالُوا : لَكَانَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ لاَِنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ لاَ يَكُونُ وَاصِلاً إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ إلاَّ بِتَمَامِهَا كَعَرَفَةَ , وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ فَقِيلَ لَهُ : عَنْ أَيِّ هَذَا فَقَالَ : أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَكَانِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّتْ حِينَ رَمَتْ الْجَمْرَةَ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لاَ يُمْسِكُ الْحَاجُّ ، عَنِ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، حدثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُلَبِّي بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْت عُمَرَ يُلَبِّي غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَقُولُ : أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ , وَأَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ كَانَتْ تُلَبِّي بَعْدَ عَرَفَةَ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ الزُّهْرِيَّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ أَبَاهُ صَعِدَ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمِنْبَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ : مَا يَمْنَعُك أَنْ تُهِلَّ فَقَدْ رَأَيْت عُمَرَ فِي مَكَانِك هَذَا يُهِلُّ فَأَهَلَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ : تُلَبِّي حَتَّى يَنْقَضِيَ حَرَمُك إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : كُنْت مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَلَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. قال أبو محمد : وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَنْهَى ، عَنْ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : غَدَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَامًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ يَصِيحُونَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا التَّلْبِيَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا جَرِيرُ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ أَمْسَكَ ، عَنِ التَّلْبِيَةِ مَا دَامَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ : لاَ , بَلْ يُلَبِّي قَبْلَ الطَّوَافِ , وَفِي الطَّوَافِ , وَبَعْدَ الطَّوَافِ , وَلاَ يَقْطَعُهَا حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. قال أبو محمد : إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ : يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا فِي الْجَمْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ الْجَمْرَةِ لاَِنَّهُ نَصُّ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r كَمَا حَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ , وَأُسَامَةُ أَنَّهُ عليه السلام لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , لَقَالاَ : حَتَّى بَدَأَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُنَيْنٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُهِلُّ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقُلْت لَهُ : فِيمَا الإِهْلاَلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : وَهَلْ قَضَيْنَا نُسُكَنَا بَعْدُ وَهُوَ الْمَفْهُومُ الظَّاهِرُ مِنْ فِعْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ : إنَّ الْحَاجَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ , وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , فَإِذَا أَتَمَّ ذَلِكَ عَاوَدَهَا. قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : لاَ يَقْطَعُهَا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ r لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ , وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ : حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ r وَقَالَ : فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ r بِالتَّوْحِيدِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ , إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ , فَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ r تَلْبِيَتَهُ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقْطَعْهَا : وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَانِ إنَّ نَاسًا يَنْهَوْنَ ، عَنِ الإِهْلاَلِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَقَالَ : لَكِنِّي آمُرُك بِهِ ; وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. فَإِنْ ذَكَرُوا : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلاَّ أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ بِتَهْلِيلٍ : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يُلَبِّي حَتَّى انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ وَقَالَ لِي : سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُهِلُّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ , وَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَهَلَّ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهَا. قلنا : الْحَارِثُ ضَعِيفٌ , وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَ خَبَرُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ , وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ : زَائِدَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا رَغْبَةً عَنْهَا وَاخْتِيَارًا لِغَيْرِهَا عَلَيْهَا ; وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَهْيٌ عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأُسَامَةَ. . وَقَالَ قَوْمٌ : يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَقْطَعُهَا إلاَّ حَتَّى يَرَى بُيُوتَ مَكَّةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ مَكَّةَ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَقْطَعُهَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَإِذَا اسْتَلَمَهُ قَطَعَهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ : إذَا بَلَغَ الْكَعْبَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ. وقال الشافعي : لاَ يَقْطَعُهَا حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ وقال مالك : مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ أَوَّلَ الْحَرَمِ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ , أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ قَطَعَهَا إذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ , أَوْ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ : رُوِّينَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لاَ يَقْطَعْ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ , وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ قَالَ وَكِيعٌ : وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ : يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ. قال أبو محمد : وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ لاَ يَقْطَعْهَا حَتَّى يُتِمَّ جَمِيعَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ ; فَإِنْ ذَكَرُوا : مَا رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، حدثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَبَّى فِي عُمْرَتِهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ : وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r ثَلاَثَ عُمَرَ , كُلُّ ذَلِكَ لاَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَهَذَانِ أَثَرَانِ ضَعِيفَانِ فِي أَحَدِهِمَا : ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَفِي الآخَرِ : الْحَجَّاجُ , وَنَاهِيكَ بِهِ ; وَهُوَ أَيْضًا صَحِيفَةٌ. فَإِنْ قَالُوا : فَهَلْ عِنْدَكُمْ اعْتِرَاضٌ فِيمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ ، عَنِ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى , ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ , وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قلنا : لاَ مُعْتَرَضَ فِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ , إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ ; أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا تَذْكُرُونَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ ; فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ , وَلِمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا. ثم نقول لِمَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا : إنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْمَبِيتِ بِذِي طُوًى وَصَلاَةِ الصُّبْحِ بِهَا فَقَطْ ; وَهَكَذَا نَقُولُ. أَوْ يَكُونُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَطْعِ التَّلْبِيَةِ كَمَا تَقُولُونَ ; فَإِنْ كَانَ هَذَا فَخَبَرُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَأُسَامَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَزِمَ التَّلْبِيَةَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا ; لاَِنَّهُ ذَكَرَ عِلْمًا كَانَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. . وَأَمَّا اخْتِيَارُنَا الطِّيبَ بِمِنًى قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ ; فَلِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي اخْتِيَارِ التَّطَيُّبِ لِلإِحْرَامِ مِنْ النَّصِّ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَغَيْرِهِمْ ، رضي الله عنهم ، , فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ , وَبِدُخُولِ وَقْتِهَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا مِنْ اللِّبَاسِ , وَالطِّيبِ , وَالتَّصَيُّدِ فِي الْحِلِّ , وَعَقْدِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ , وَلِغَيْرِهِ حَاشَا الْجِمَاعَ فَقَطْ , فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بَعْدُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ : فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ. وقال مالك , وَسُفْيَانُ : إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ , وَالتَّصَيُّدَ , وَالطِّيبَ قَالَ : فَإِنْ تَطَيَّبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ تَصَيَّدَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَعَنْ سَالِمٍ , وَعُرْوَةَ مِثْلُ هَذَا. قال أبو محمد : أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ , وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ : عَائِشَةَ وَغَيْرَهَا ; كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ , وَذَبَحْتُمْ , وَحَلَقْتُمْ , فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ , إلاَّ الطِّيبَ , وَالنِّسَاءَ ; فَقَالَتْ عَائِشَةُ : أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ r أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. قال أبو محمد : هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي لَوْ اتَّبَعُوهُ لَوُفِّقُوا : وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ , فَقَالَ رَجُلٌ : وَالطِّيبُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ أَطِيبٌ ذَلِكَ أَمْ لاَ : وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، قَالَتْ : إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَك كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَك كُلُّ شَيْءٍ مَا وَرَاءَ النِّسَاءِ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَعَلْقَمَةَ , وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ. قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا. وَجَاءَ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ حَرَامٌ عَلَيْهِ لِبَاسُ الْقُمُصِ , وَالْعَمَائِمِ , وَالْبَرَانِسِ , وَالْخُفَّيْنِ , وَالسَّرَاوِيلِ , وَحَلْقُ الرَّأْسِ ; وَوَافَقُونَا مَعَ مَجِيءِ النَّصِّ عَلَى جَوَازِ لِبَاسِ كُلِّ ذَلِكَ إذَا رَمَى وَنَحَرَ. وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّوَافِ , وَالذَّبْحِ , وَالرَّمْيِ , وَالْحَلْقِ , بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. فَصَحَّ أَنَّ الإِحْرَامَ قَدْ بَطَلَ بِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ , وَالْحَلْقِ , وَالنَّحْرِ , رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ , حَلَقَ أَوْ لَمْ يَحْلِقْ , نَحَرَ أَوْ لَمْ يَنْحَرْ , طَافَ أَوْ لَمْ يَطُفْ ; وَإِذَا حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا فِي الإِحْرَامِ ; فَبِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ الإِحْرَامُ , وَبَطَلَ حُكْمُهُ ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ , فَحَلَّ لَهُ الصَّيْدُ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ إلاَّ بِالإِحْرَامِ , وَحَلَّ لَهُ بِالإِحْلاَلِ , وَكَذَلِكَ الزَّوَاجُ وَالتَّزْوِيجُ ; لإِنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِأَنْ لاَ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ , وَلاَ يُنْكِحَ , وَلاَ يَخْطُبَ.فَصَحَّ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ , وَمَنْ حَلَّ لَهُ لِبَاسُ الْقُمُصِ , وَالْبَرَانِسِ , وَحَلْقُ الرَّأْسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ لاَ مُحَرَّمٌ فَالنِّكَاحُ , وَالإِنْكَاحُ , وَالْخُطْبَةُ حَلاَلٌ لَهُ ; إذْ لَيْسَ مُحَرَّمًا , وَأَمَّا الْجِمَاعُ فَبِخِلاَفِ هَذَا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ فَحُرِّمَ الرَّفَثُ , وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي الْحَجِّ جُمْلَةً لاَ عَلَى الْمُحْرِمِ خَاصَّةً , وَمَا دَامَ يَبْقَى مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ فَهُوَ بَعْدُ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا , وَالْوَطْءُ حَرَامٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْحَجِّ. قال أبو محمد : وَمَالِكٌ يَرَى فِي الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْفِدْيَةُ , كَمَا يَرَى الْجَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الصَّيْدِ ثُمَّ رَأَى هَاهُنَا الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ فِي التَّطَيُّبِ , وَهَذَا عَجَبٌ فَإِنْ احْتَجُّوا لَهُ بِالأَثَرِ الْوَارِدِ فِي طِيبِ النَّبِيِّ r قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قلنا لَهُمْ : لاَ يَخْلُو هَذَا الأَثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَفَرْضٌ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُخَالِفُوهُ , وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ , أَوْ يَكُونَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلاَ تُرَاعُوهُ , وَأَوْجَبُوا الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ كَمَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ , وَلاَ فَرْقَ. ثم نقول لَهُمْ : أَخْبِرُونَا ، عَنْ إيجَابِكُمْ الْجَزَاءَ عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ فِي الْحِلِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ , أَحَرَمٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ حَرَمٍ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ قُلْتُمْ : هُوَ حَرَمٌ قلنا لَكُمْ : فَحَرِّمُوا عَلَيْهِ اللِّبَاسَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ وَحَرِّمُوا عَلَيْهِ حَلْقَ رَأْسِهِ. وَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ حَرَامًا قلنا : فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي التَّصَيُّدِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَمْرِهِ بِحَلْقِ رَأْسِهِ , وَبِلِبَاسِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ قلنا : فَهَذَا بُرْهَانٌ كَافٍ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا , وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ ; وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِعُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ ; وَإِنَّمَا عَنْهُمَا الْمَنْعُ مِنْ التَّطَيُّبِ لاَ مِنْ الصَّيْدِ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ , وَهُمْ قَدْ أَبَاحُوا لِبَاسَ الْقُمُصَ , وَالسَّرَاوِيلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ , وَحَلْقِ الرَّأْسِ , وَمَنَعُوا مِنْ الصَّيْدِ , وَالطِّيبِ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهُ عَلَى الْجِمَاعِ قلنا : هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ , لإِنَّ اللِّبَاسَ , وَالْحَلْقَ , وَالطِّيبَ , وَالصَّيْدَ عِنْدَكُمْ خَبَرٌ وَاحِدٌ , وَحُكْمٌ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ فِي الإِحْرَامِ , وَكَانَ لِلْجِمَاعِ خَبَرٌ آخَرُ , لاَِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ فِي الإِحْرَامِ ; فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الطِّيبِ , وَالصَّيْدِ , عَلَى اللِّبَاسِ , وَالْحَلْقُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْجِمَاعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ نَهَضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا لاَ رَمَلَ فِيهَا وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا , أَوْ لَمْ يَسْعَ إنْ كَانَ قَارِنًا , وَكَانَ قَدْ سَعَى بَيْنَهُمَا فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقِرَانُهُ , وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ فَإِجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مَعَ النَّصِّ فِي قوله تعالى : وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا يَرْمُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ الْجَمَرَاتِ الثَّلاَثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ سَبْعِ حَصَيَاتٍ كُلُّ جَمْرَةٍ يَبْدَأُ بِالْقُصْوَى , ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا ; ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ , وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَعَمَلُهُ كُلُّهُ فَإِجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : يَقِفُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الآُولَيَيْنِ ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ ; فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ ، حدثنا يُونُسُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً , وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ , ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى ; ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً ثُمَّ يَدْعُو , وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ , ثُمَّ يَقُومُ طَوِيلاً ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا , ثُمَّ يَنْصَرِفُ , وَيَقُولَ : هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَفْعَلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنَى قَالاَ جَمِيعًا ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ , ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : وَيَأْكُلُ الْقَارِنُ مِنْ هَدْيِهِ ، وَلاَ بُدَّ وَيَتَصَدَّقُ , وَكَذَلِكَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَارِنِينَ , وَأَكَلاَ مِنْ هَدْيِهِمَا وَتَصَدَّقَا. قال أبو محمد : وَرُوِيَ أَثَرٌ : أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُحْرِمًا كَمَا كَانَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّهَا ، عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَلاَ يَصِحُّ , لإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورَ الشَّرَفِ وَالْجَلاَلَةِ فِي الرِّيَاسَةِ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِنَقْلِ الْحَدِيثِ , وَلاَ مَعْرُوفًا بِالْحِفْظِ ; وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ إلَى ذَلِكَ ; وَقَدْ قَالَ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : فأما الْمُتَمَتِّعُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ قَاطِنِينَ هُنَالِكَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا ، وَلاَ بُدَّ ; ، وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا ، وَلاَ مَا يَبْتَاعُهُ بِهِ فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَى انْقِضَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيُؤَخِّرْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ , ثُمَّ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ , فَإِذَا أَتَمَّهَا كُلَّهَا طَافَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ , ثُمَّ ابْتَدَأَ بِصِيَامِ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى خَرَجَ ، عَنْ عَمَلِ الْحَجِّ صَامَ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ فَقَطْ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ. وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَمْ يُجْزِهِ وَفَرْضُهُ الصَّوْمُ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَفَرْضُهُ الْهَدْيُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. وَقَدْ أَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ , وَهَذَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَصُومَهَا فِي الْحَجِّ , وَمَا لَمْ يُحْرِمْ الْمَرْءُ فَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَجِّ فَلَيْسَ هُوَ فِي وَقْتِ صِيَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ ، وَلاَ الصِّيَامُ الْمَذْكُورُ إلاَّ بِتَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , وَلاَ يُجْزِئُ أَدَاءُ فَرْضٍ إلاَّ فِي وَقْتِهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا خَطَأٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلاَنِ هَذَا الْقَوْلِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ , وَنَهَى النَّبِيُّ r ، عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جُمْلَةً. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَغَيْرُهُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ لاَ يَقْضِي عَنْهُ إلاَّ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا جَوَازَ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَمَتِّعِ , وَلاَ حُجَّةَ مَعَ التَّنَازُعِ إلاَّ فِيمَا صَحَّ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى , أَوْ ، عَنْ رَسُولِهِ عليه السلام. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمُتَمَتِّعِ : يَفُوتُهُ الصَّوْمُ فِي الْعَشْرِ أَنَّهُ يَتَسَحَّرُ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَيَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ. قال أبو محمد : لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ هِيَ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ التَّالِيَةُ لاِخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدُ. قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى صِيَامَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ إلاَّ فِي الْحَجِّ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا لاَ قَبْلَ الْحَجِّ ، وَلاَ بَعْدَ الْحَجِّ ; لاَِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ , وَلَمْ يُوجِبْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، صِيَامَهَا فِي الإِحْرَامِ لَكِنْ فِي الْحَجِّ , وَهُوَ مَا لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ. وقال أبو حنيفة : إنْ صَامَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ , وَقَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا , وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ , وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ; فَكَانَ هَذَا تَنَاقُضًا لاَ خَفَاءَ بِهِ , وَخِلاَفًا لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ دَلِيلٍ. وقال بعضهم : مَعْنَى قوله تعالى : فِي الْحَجِّ أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ . فَقُلْنَا : هَذَا كَذِبٌ عَلَى الْقُرْآنِ , فَإِنْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَأَجِيزُوا لَهُ صِيَامَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ , وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ , وَصَحَّ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَصُومُ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ إلاَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ ; وقال الشافعي : يَصُومُهُنَّ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَلَوْ بِيَوْمٍ. قال علي : وهذا خَطَأٌ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ , وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَقَالَ عَطَاءٌ : لاَ يُجْزِئُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ إلاَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُجْزِئُ مُذْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ , وَبِهِ نَأْخُذُ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قوله تعالى : وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ. فَقَالَ قَوْمٌ : إذَا رَجَعْتُمْ إلَى بِلاَدِكُمْ , وَقَالَ آخَرُونَ : إذَا رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِلاَ نَصٍّ ، وَلاَ ضَرُورَةَ مُوجِبَةٌ لِتَخْصِيصِهِ , وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى صِيَامَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ فِي الْحَجِّ ; ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ الْمُوجِبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الصِّيَامَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَيُقَصِّرْ , وَيَحِلَّ , ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. قلنا : نَعَمْ وَالرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْمَشْيُ إلَى بَلَدِهِ , وَالآخَرُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ ; وَإِنْ حَلَّ لَهُ فِيهَا مَا كَانَ لَهُ حَرَامًا بِالْعَمَلِ لِلْحَجِّ. وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَحَمْلُهُ عَلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُجُوعٍ هُوَ الْوَاجِبُ , فَإِنْ صَامَ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ صَامَهَا إذَا رَجَعَ بِالْمَشْيِ فَذَلِكَ جَائِزٌ. قال أبو محمد : فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ حَتَّى أَتَمَّ الْحَجَّ فَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَصَحَّ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيَيْنِ : هَدْيَ الْمُتْعَةِ , وَهَدْيًا لِتَأْخِيرِهِ , وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : يَصُومُهُنَّ بَعْدَ الْحَجِّ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : يُطْعِمُ ، عَنِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ r وَقَدْ نَصَّ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا , وَلاَ ثَمَنَهُ أَنَّ فَرْضَهُ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ , وَأَنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ , فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ بِيَقِينٍ , وَبِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَإِيجَابٌ هَدْيٍ قَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ يُجْزِئُهُ أَيْضًا أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صِيَامَهَا فِيهِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ وَعُمَرُ , وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولاَنِ : لاَ يَصُومُ بَعْدُ وَعَلِيٌّ يَقُولُ : لاَ يُهْدِي بَعْدُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ : لاَ يُهْدِي ، وَلاَ يَصُومُهُنَّ , لَكِنْ يُطْعِمُ وَغَيْرُهُ لاَ يَرَى الإِطْعَامَ , فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ صَوْمٍ , أَوْ هَدْيٍ , أَوْ إطْعَامٍ بِغَيْرِ إجْمَاعٍ ، وَلاَ نَصٍّ ; بَلْ النَّصُّ مَانِعٌ مِنْهُمَا , وَغَيْرُ مُوجِبٍ لِلإِطْعَامِ. وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وَهُوَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ فِي وَقْتٍ قَدْ فَاتَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بَعْدُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَسَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ لِعَجْزِهِ ، عَنْ أَدَائِهَا كَمَا أَمَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ صِيَامُ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ , لاَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَبَدًا وَتُجْزِئُ عَنْهُ , فَإِنْ مَاتَ , وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ ، وَلاَ تُصَامُ عَنْهُ الثَّلاَثَةُ الأَيَّامِ لاَِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ بَعْدُ , إلاَّ أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُهَا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَلْيَتُبْ وَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ , وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة : إنْ وَجَدَ هَدْيًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صِيَامَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّهُنَّ , وَقَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ , وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَدْ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فَصَوْمُهُ تَامٌّ , وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ ، وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الصَّوْمِ عَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ : قَالَ عَلِيٌّ : كِلاَ الْقَوْلَيْنِ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى مَا أَوْجَبَ مِنْ الْهَدْيِ , أَوْ مِنْ الصَّوْمِ إنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ , فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَتَّى الآنَ هَدْيٌ , وَلاَ صَوْمٌ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ اعْتَمَرَ , وَهُوَ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ ، وَلاَ صَوْمَ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلاَّ بِدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ , فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَإِذًا لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَإِنَّمَا حُكْمُهُ حِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالتَّمَتُّعِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ فِي أَثَرٍ حِينَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَادِرًا عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ الْهَدْيُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا قَبْلَ ذَلِكَ , وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْهَدْيِ بِدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ مَتَى وَجَدَ. فَإِنْ كَانَ فِي أَثَرٍ حِينَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لاَ يَقْدِرُ عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَادِرًا عَلَى هَدْيٍ أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ بِدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ. وَقَاسَهُ الْحَنَفِيُّونَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَتَحِيضُ قَبْلَ إتْمَامِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْعِدَّةِ بِالأَقْرَاءِ , أَوْ بِالْمُطَلَّقَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لاَِنَّهُ لاَ نِسْبَةَ بَيْنَ الْحَجِّ وَبَيْنَ الطَّلاَقِ , وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ إلَى الْعِدَّةِ بِالأَقْرَاءِ ; لإِنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا , وَبِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الأَقْرَاءُ إلاَّ أَنَّ الَّتِي لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ , فَإِذَا حَاضَتْ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ , وَلاَ مِنْ اللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ بِمَا أَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ مِنْ الأَقْرَاءِ , وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ ; لاَِنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ , وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَاقٍ عَلَيْهَا , وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا , فَإِذَا مَاتَ زَوْجُهَا لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَمَا أَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى , فَظَهَرَ تَخْلِيطُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ , وَجَهْلُهُمْ بِالْقِيَاسِ , وَخِلاَفُهُمْ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَوَجَدْنَا النَّاسَ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنْ عَطَاءٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ , وَصَحَّ عَنْ مَكْحُولٍ. وقال الشافعي : هُمْ مَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُرْدٍ بِحَيْثُ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلَى مَكَّةَ ; وَصَحَّ هَذَا ، عَنْ عَطَاءٍ. وقال مالك : هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ , وَذِي طُوًى. وَقَالَ سُفْيَانُ , وَدَاوُد : هُمْ أَهْلُ دُورِ مَكَّةَ فَقَطْ ; وَصَحَّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ , وَعَنِ الأَعْرَجِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ إلاَّ أَنَّ طَاوُوسًا قَالَ : إذَا اعْتَمَرَ الْمَكِّيُّ مِنْ أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ : مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ : الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ مَعْمَرٌ , عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ , وَقَالَ سُفْيَانُ : عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ , ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالُوا كُلُّهُمْ : هِيَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ فِي الْحَرَمِ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : وَجَدْنَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الْمَوَاقِيتَ إلاَّ مُحْرِمِينَ , وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا قَبْلَهَا.فَصَحَّ أَنَّ لِلْمَوَاقِيتِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا. قال علي : وهذا الاِحْتِجَاجُ فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ , وَيُقَالُ لَهُمْ : نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَا وَرَاءَهَا إلَى مَكَّةَ هُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَلْ هَذَا التَّخْلِيطُ إلاَّ كَمَنْ قَالَ : وَجَدْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ فِيمَنْ لَقِيَ وَغَارَتَهُ وَوَجَدْنَا مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ وَغَارَتَهُ.فَصَحَّ أَنَّ لاَِهْلِ دَارِ الإِسْلاَمِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ غَيْرِهَا فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَهْلِ دَارِ الإِسْلاَمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : إنَّ الْحَاضِرَ عِنْدَكُمْ يُتِمُّ الصَّلاَةَ , وَالْمُسَافِرُ يَقْصُرُهَا فَإِذَا كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ , وَالْجُحْفَةِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ عِنْدَكُمْ يَقْصُرُونَ إلَى مَكَّةَ وَيُفْطِرُونَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَاضِرُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنْ جَعَلَ مَنْ كَانَ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ سَاكِنًا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مِائَتَيْ مِيلٍ , وَجَعَلَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا خَلْفَ يَلَمْلَمُ لَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ مِيلاً , فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ; إذْ صَارَتْ الشَّرَائِعُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى تُشَرَّعُ بِمِثْلِ هَذَا الرَّأْيِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ : فَتَخْصِيصُهُ ذَا طُوًى قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : فَإِنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , وَقَوْلُهُ هُنَالِكَ خَطَأٌ فَبَنَى الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ وَيُقَالُ لَهُمْ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ : لاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْحَاضِرِ الْمُقِيمِ أَصْلاً وَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ ; فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ , وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ : صَاحِبًا , لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِهَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ , وَدَاوُد : فَوَهْمٌ مِنْهُمَا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : حَاضِرِي مَكَّةَ , وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَسَقَطَتْ مُرَاعَاةُ مَكَّةَ هَاهُنَا , وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَاعَى هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَقَطْ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ نَطْلُبَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِنَعْرِفَ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ إنْ تَمَتَّعَ مِمَّنْ لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا لَفْظَةَ " الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " لاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْكَعْبَةَ فَقَطْ , أَوْ مَا أَحَاطَتْ بِهِ جُدْرَانُ الْمَسْجِدِ فَقَطْ , أَمْ أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ ; لاَِنَّهُ لاَ يَقَعُ اسْمُ " مَسْجِدٍ حَرَامٍ " إلاَّ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَطْ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْكَعْبَةَ فَقَطْ ; لاَِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ لاَ يَسْقُطُ الْهَدْيُ إلاَّ عَمَّنْ أَهْلُهُ فِي الْكَعْبَةِ وَهَذَا مَعْدُومٌ وَغَيْرُ مَوْجُودٍ. وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَرَادَ مَا أَحَاطَتْ بِهِ جُدْرَانُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ ; لإِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَدْ زِيدَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً فَكَانَ لاَ يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ يَنْتَقِلُ ، وَلاَ يَثْبُتُ. وَأَيْضًا فَكَانَ لاَ يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ إلاَّ لِمَنْ أَهْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَهَذَا مَعْدُومٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ , فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَقَدْ صَحَّ الثَّالِثُ إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَقَعُ عَلَى الْحَرَمِ كُلِّهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ بَعْضُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الاِسْمُ دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ عَلَيْنَا فَقَالَ : يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَهْمَلَ ذَلِكَ وَلَبَيَّنَهُ , أَوْ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَنِّتًا لَنَا غَيْرَ مُبَيِّنٍ عَلَيْنَا مَا أَلْزَمَنَا , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَظُنَّ هَذَا مُسْلِمٌ. فَصَحَّ إذْ لَمْ يُبَيِّنْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ , فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى. وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَجَابِرٍ , وَحُذَيْفَةَ جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. فَصَحَّ أَنَّ الْحَرَمَ مَسْجِدٌ لاَِنَّهُ مِنْ الأَرْضِ فَهُوَ كُلُّهُ مَسْجِدٌ حَرَامٌ فَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِلاَ شَكٍّ , وَالْحَاضِرُونَ هُمْ الْقَاطِنُونَ غَيْرُ الْخَارِجِينَ ; فَصَحَّ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ الْحَرَمَ فإن قيل : فَإِنَّ مَنْ سَكَنَ خَارِجًا مِنْهُ بِقُرْبِهِ هُمْ حَاضِرُوهُ قلنا : هَذَا خَطَأٌ : وَبُرْهَانُ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّنَا نَسْأَلُكُمْ ، عَنْ تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْقُرْبِ الَّذِي يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ حَاضِرًا مِمَّا يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ غَيْرَ حَاضِرٍ , وَهَذَا لاَ سَبِيلَ إلَى تَفْصِيلِهِ إلاَّ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ ; لإِنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا خَطٌّ بَعْدَ خَطٍّ إلَى مُنْقَطَعِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ : سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ فَقَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قال أبو محمد : فَصَحَّ أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ لإِنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُبْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَإِنَّمَا بَنَاهَا إبْرَاهِيمُ , وَإِسْمَاعِيلُ عليهما السلام , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ وَلَمْ يُبْنَ الْمَسْجِدُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلاَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ أَبَدًا حَتَّى يَعُمَّ بِهِ جَمِيعَ الْحَرَمِ يُسَمَّى مَسْجِدًا حَرَامًا , وَأَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يُسَمَّ مَا زِيدَ فِيهِ مَسْجِدًا حَرَامًا , فَارْتَفَعَ كُلُّ إشْكَالٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.