ابن حزم - المجلد الثاني7
754 - مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجْنُونِ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنْ جُنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ , فَإِنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَضَى الشَّهْرَ كُلَّهُ. قَالَ : وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كُلِّهِ , فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ قَضَى الشَّهْرَ كُلَّهُ إلاَّ يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا ; لاَِنَّهُ قَدْ نَوَى صِيَامَهُ مِنْ اللَّيْلِ. وقال مالك : مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ فَأَقَامَ وَهُوَ كَذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ : فَإِنَّهُ يَقْضِي كُلَّ رَمَضَانَ كَانَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ , وَلاَ يَقْضِي شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ. قَالَ : فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ , فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ النَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ جُمْلَةً دُونَ تَقْسِيمٍ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ : لاَ قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ إلاَّ عَلَى الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وقال الشافعي : لاَ يَقْضِي الْمَجْنُونُ , وَيَقْضِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمْ. قال أبو محمد : كُنَّا نَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَبْطُلُ صَوْمُهُمَا ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا , وَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ. وَنَقُولُ : إنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ , وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ وَكُنَّا نَقُولُ : إذَا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِصَوْمٍ ، وَلاَ بِصَلاَةٍ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْخَبَرَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى يَعْقِلَ , وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلاَنُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ , وَلاَ عَوْدَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ , وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى , فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلاَ يَكُونُ مُفْطِرًا بِجُنُونِهِ ; لَكِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ , وَقَدْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ ; فَإِنْ أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ حِينِهِ وَيَكُونُ صَائِمًا ; لاَِنَّهُ حِينَئِذٍ عَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ , أَوْ مَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ يَوْمُ نَذْرِهِ أَوْ فَرْضِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ , وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا , وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ , أَوْ مَنْ نَامَ , أَوْ سَكِرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ ، وَلاَ صَحَا إلاَّ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ , أَوْ أَقَلُّهُ. وَوَجَدْنَا الْمَجْنُونَ لاَ يُبْطِلُ جُنُونُهُ إيمَانَهُ , وَلاَ أَيْمَانَهُ ، وَلاَ نِكَاحَهُ ، وَلاَ طَلاَقَهُ , وَلاَ ظِهَارَهُ ، وَلاَ إيلاَءَهُ , وَلاَ حَجَّهُ , وَلاَ إحْرَامَهُ ، وَلاَ بَيْعَهُ , وَلاَ هِبَتَهُ , وَلاَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ اللاَّزِمَةِ لَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ , وَلاَ خِلاَفَتَهُ إنْ كَانَ خَلِيفَةً , وَلاَ إمَارَتَهُ إنْ كَانَ أَمِيرًا ، وَلاَ وِلاَيَتَهُ ، وَلاَ وَكَالَتَهُ , وَلاَ تَوْكِيلَهُ , وَلاَ كُفْرَهُ , وَلاَ فِسْقَهُ , وَلاَ عَدَالَتَهُ , وَلاَ وَصَايَاهُ , وَلاَ اعْتِكَافَهُ , وَلاَ سَفَرَهُ , وَلاَ إقَامَتَهُ , وَلاَ مِلْكَهُ , وَلاَ نَذْرَهُ , وَلاَ حِنْثَهُ , وَلاَ حُكْمَ الْعَامِّ فِي الزَّكَاةِ عَلَيْهِ. وَوَجَدْنَا ذُهُولَهُ ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ لاَ يُوجِبُ بُطْلاَنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَقَدْ يَذْهَلُ الإِنْسَانُ ، عَنِ الصَّوْمِ , وَالصَّلاَةِ , حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا ، وَلاَ صَائِمًا ; فَيَأْكُلَ , وَيَشْرَبَ , وَلاَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ ، وَلاَ صَلاَتُهُ , بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا , وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَلاَ فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ , وَلاَ يُبْطِلُ الْجُنُونُ وَالإِغْمَاءُ إلاَّ مَا يُبْطِلُ النَّوْمُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَقَطْ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْفِطْرِ لاَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَالْمَجْنُونُ , وَالْمُكْرَهُ مَغْلُوبَانِ مُكْرَهَانِ مُضْطَرَّانِ بِقَدَرٍ غَالِبٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَصَابَهُمَا , فَلاَ يُبْطِلُ ذَلِكَ صَوْمَهُمَا. وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جُنَّ ; أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ ; فَلاَ يَجُوزُ بُطْلاَنُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ; ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُخَاطَبًا , وَلاَ لَزِمَتْهُ الشَّرَائِعُ , وَلاَ الأَحْكَامُ وَلَمْ يَزَلْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْقَلَمُ ; فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمٍ أَصْلاً ; بِخِلاَفِ قَوْلِ مَالِكٍ : فَإِذَا عَقَلَ فَحِينَئِذٍ ابْتَدَأَ الْخِطَابُ بِلُزُومِهِ إيَّاهُ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ وَكَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَصَحَا بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ النَّهَارِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ : فَصَوْمُهُ تَامٌّ , وَلَيْسَ السُّكْرُ مَعْصِيَةً , إنَّمَا الْمَعْصِيَةُ شُرْبُ مَا يُسْكِرُ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ فُتِحَ فَمُهُ أَوْ أُمْسِكَتْ يَدُهُ وَجَسَدُهُ وَصُبَّ الْخَمْرُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ , لاَِنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مَا يُسْكِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ , وَالسُّكْرُ لَيْسَ هُوَ فِعْلُهُ , إنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ , وَإِنَّمَا يُنْهَى الْمَرْءُ ، عَنْ فِعْلِهِ , لاَ ، عَنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الَّذِي لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلاَّ فِي النَّهَارِ ، وَلاَ فَرْقَ ; أَوْ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَيْقِظْ إلاَّ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ , فَصَوْمُهُ تَامٌّ. وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ , أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ , أَوْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُفِقْ ، وَلاَ صَحَا ، وَلاَ انْتَبَهَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا وَالْغَدَ كُلَّهُ إلَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ : أَيَقْضِيهِ أَمْ لاَ. فَوَجَدْنَا الْقَضَاءَ إيجَابَ شَرْعٍ ; وَالشَّرْعُ لاَ يَجِبُ إلاَّ بِنَصٍّ , فَلاَ نَجِدُ إيجَابَ الْقَضَاءِ فِي النَّصِّ إلاَّ عَلَى أَرْبَعَةٍ : الْمُسَافِرُ , وَالْمَرِيضُ بِالْقُرْآنِ وَالْحَائِضُ , وَالنُّفَسَاءُ , وَالْمُتَعَمِّدُ لِلْقَيْءِ بِالسُّنَّةِ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَوَجَدْنَا النَّائِمَ , وَالسَّكْرَانَ , وَالْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ عَلَيْهِ لَيْسُوا مُسَافِرِينَ ، وَلاَ مُتَعَمِّدِينَ لِلْقَيْءِ , وَلاَ حُيَّضًا , وَلاَ مِنْ ذَوَاتِ النِّفَاسِ , وَلاَ مَرْضَى ; فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ أَصْلاً , وَلاَ خُوطِبُوا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الأَحْوَالِ ; بَلْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ بِالسُّنَّةِ. وَوَجَدْنَا الْمَصْرُوعَ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَرِيضَيْنِ بِلاَ شَكٍّ , لإِنَّ الْمَرَضَ هِيَ حَالٌ مُخْرِجَةٌ لِلْمَرْءِ ، عَنْ حَالِ الاِعْتِدَالِ وَصِحَّةِ الْجَوَارِحِ وَالْقُوَّةِ إلَى الاِضْطِرَابِ وَضَعْفِ الْجَوَارِحِ وَاعْتِلاَلِهَا , وَهَذِهِ صِفَةُ الْمَصْرُوعِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ , وَيَبْقَى وَهْنُ ذَلِكَ وَضَعْفُهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الإِفَاقَةِ مُدَّةً ; فَإِذْ هُمَا مَرِيضَانِ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْسَ قَوْلُنَا بِسُقُوطِ الصَّلاَةِ ، عَنِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إلاَّ مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ مِنْهَا وَبِقَضَاءِ النَّائِمِ لِلصَّلاَةِ : مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا هَاهُنَا ; بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ , لإِنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّلاَةِ فِيهِ , وَلاَ كَانَ أَيْضًا مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ ; وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ , وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ : قَضَاءَ صَلاَةٍ , وَأَوْجَبَ قَضَاءَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّائِمِ , وَالنَّاسِي , وَلَمْ يُوجِبْ قَضَاءَ صِيَامٍ عَلَى النَّائِمِ , وَالنَّاسِي بَلْ أَسْقَطَهُ تَعَالَى ، عَنِ النَّاسِي , وَالنَّائِمِ ; إذْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ. فَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَلَمْ يَتَّبِعْ نَصًّا , وَلاَ قِيَاسًا ; لاَِنَّهُ رَأَى عَلَى مَنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ جُنُونِهِ : قَضَاءَ الشَّهْرِ كُلِّهِ , وَهُوَ لاَ يَرَاهُ عَلَى مَنْ بَلَغَ , أَوْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ : الْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ ، عَنْ تَكَلُّفِ إبْطَالِهِ , وَمَا نَدْرِي فِيمَا يُشْبِهُ الْمَجْنُونُ الْحَائِضَ
755 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ , أَوْ الْعَطَشُ حَتَّى غَلَبَهُ الأَمْرُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَإِنْ كَانَ خَرَجَ بِذَلِكَ إلَى حَدِّ الْمَرَضِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْمَرَضِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ; لاَِنَّهُ مَغْلُوبٌ مُكْرَهٌ مُضْطَرٌّ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ. وَلَمْ يَأْتِ الْقُرْآنُ ، وَلاَ السُّنَّةُ بِإِيجَابِ قَضَاءٍ عَلَى مُكْرَهٍ , أَوْ مَغْلُوبٍ ; بَلْ قَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءَ عَمَّنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَهُ 756 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَلْزَمُ صَوْمٌ فِي رَمَضَانَ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ إلاَّ بِتَبَيُّنِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي , وَأَمَّا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ , كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ. فَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلْيَقْذِفْ مَا فِي فَمِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ , وَلْيَصُمْ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ; وَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يُجَامِعُ فَلْيَتْرُكْ مِنْ وَقْتِهِ , وَلْيَصُمْ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ; وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ طُلُوعُ الْفَجْرِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ , فَلَوْ تَوَقَّفَ بَاهِتًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَصَوْمُهُ تَامٌّ ; وَلَوْ أَقَامَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ شَرِبَ فَهُوَ عَاصٍ لَهُ تَعَالَى , مُفْسِدٌ لِصَوْمِهِ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ ; فَإِنْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ : بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ وَهَذَا نَصُّ مَا قلنا , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْوَطْءَ وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَنَا الْفَجْرُ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ , وَلاَ قَالَ : حَتَّى تَشُكُّوا فِي الْفَجْرِ ; فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ , وَلاَ أَنْ يُوجِبَ صَوْمًا بِطُلُوعِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْمَرْءِ , ثُمَّ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْتِزَامَ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , قَالَ الْقَاسِمُ : عَنْ عَائِشَةَ , وَقَالَ نَافِعٌ : عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَتْ عَائِشَةُ , وَابْنُ عُمَرَ : كَانَ بِلاَلٌ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ , فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ; فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ , فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ , قَالَ : وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ مِنْ السُّحُورِ , وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ , وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْخَيْطَيْنِ الأَسْوَدِ , وَالأَبْيَضِ فَقَالَ عليه السلام إنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. قال أبو محمد : فَنَصَّ عليه السلام عَلَى أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ , وَأَبَاحَ الأَكْلَ إلَى أَذَانِهِ , فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الأَكْلَ مُبَاحٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِمُرِيدِ الصَّوْمِ طُلُوعُهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ قوله تعالى : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَ حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُقَارِبَةِ , مِثْلُ قوله تعالى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ إنَّمَا مَعْنَاهُ فَإِذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ , قال أبو محمد : وَقَائِلُ هَذَا مُسْتَسْهِلٌ لِلْكَذِبِ عَلَى الْقُرْآنِ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ r . أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَإِحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ مَوَاضِعِهِ , وَلِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ ; وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ بِلاَلُ , وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعًا لاَ يُؤَذِّنَانِ إلاَّ قَبْلَ الْفَجْرِ , وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , لاَ هُمْ ، وَلاَ غَيْرُهُمْ. وَأَمَّا قوله تعالى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَإِقْحَامُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ فَإِذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ : بَاطِلٌ وَكَذِبٌ , وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ يَجُوزُ لَهُ الرَّجْعَةُ إلاَّ عِنْدَ مُقَارَبَةِ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ ; ، وَلاَ يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ , لاَ هُمْ ، وَلاَ غَيْرُهُمْ , وَهُوَ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ ; بَلْ الآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا , وَبُلُوغُ أَجَلِهِنَّ هُوَ بُلُوغُهُنَّ أَجَلَ الْعِدَّةِ , لَيْسَ هُوَ انْقِضَاءَهَا , وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ; لاَِنَّهُنَّ إذَا كُنَّ فِي أَجَلِ الْعِدَّةِ كُلِّهِ فَلِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ , وَلَهُ الطَّلاَقُ ; فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ. وقال بعضهم : قَوْلُ النَّبِيِّ r لِبِلاَلٍ : اكْلاَْ لَنَا الْفَجْرَ مُوجِبٌ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ إلاَّ لِلصَّلاَةِ , لاَ لِلصَّوْمِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِلصَّوْمِ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لاَ لَهُمْ ; لإِنَّ الأَكْلَ , وَالْجِمَاعَ : مُبَاحَانِ إلَى أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِلاَلٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ , وَإِنْذَارُهُ إيَّاهُمْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لاَ يَكُونُ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلاَ شَكٍّ ; فَالأَكْلُ , وَالشُّرْبُ , وَالْجِمَاعُ : مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ , وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ , وَإِنَّمَا يَحْرُمُ كُلُّ ذَلِكَ بِإِنْذَارِ بِلاَلٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ; هَذَا مَا لاَ حِيلَةَ لَهُمْ فِيهِ , وَقَوْلُهُمْ هُنَا خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِجَمِيعِ السُّنَنِ : حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو ثَوْرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ تَسَحَّرْتُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلَى الْمَسْجِدِ , فَدَخَلْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ , فَأَمَرَ بِلِقْحَةٍ فَحُلِبَتْ , ثُمَّ أَمَرَ بِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ , ثُمَّ قَالَ : كُلْ. قُلْتُ : إنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ , قَالَ : وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ , فَأَكَلْنَا ثُمَّ شَرِبْنَا ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : هَكَذَا فَعَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ r فَقُلْتُ : بَعْدَ الصُّبْحِ قَالَ : بَعْدَ الصُّبْحِ ; إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ : أَيُّ وَقْتٍ تَسَحَّرْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ r قَالَ : هُوَ النَّهَارُ , إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ قَالَ عَمَّارٌ : وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ إذَا بَزَغَ الْفَجْرُ. قَالَ حَمَّادٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ : كَانَ أَبِي يُفْتِي بِهَذَا وَ حدثنا حمام ، حدثنا ابْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ تَسَحَّرَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَهُوَ عليه السلام يُرِيدُ الصَّوْمَ , ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ , ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ الْفَجْرُ بَعْدُ ; فَبِهَذَا تَتَّفِقُ السُّنَنُ مَعَ الْقُرْآنِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبَانَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا نَظَرَ الرَّجُلاَنِ إلَى الْفَجْرِ فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فَلْيَأْكُلاَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ لِي : قُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْفَجْرِ حَتَّى تَسَحَّرَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : قُمْ فَاسْتُرْنِي مِنْ الْفَجْرِ , ثُمَّ أَكَلَ. سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ هَذَا أَشْجَعِيٌّ كُوفِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ , قَالَ وَكِيعٌ : عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ , وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ , قَالاَ جَمِيعًا : كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ : أَجِيفُوا الْبَابَ حَتَّى نَتَسَحَّرَ الإِيجَافُ : الْغَلْقُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ : إذَا شَكَّ الرَّجُلاَنِ فِي الْفَجْرِ فَلْيَأْكُلاَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : حدثنا حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ : أَحْرَزْتُهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَحَلَّ اللَّهُ الشَّرَابَ مَا شَكَكْتَ ; يَعْنِي فِي الْفَجْرِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : اسْقِنِي يَا غُلاَمُ , قَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ , فَقُلْت : كَلًّا , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : شَكٌّ لَعَمْرُ اللَّهِ , اسْقِنِي فَشَرِبَ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ ، عَنْ مَكْحُولٍ الأَزْدِيِّ قَالَ : رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ : أَطَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ أَحَدُهُمَا : قَدْ طَلَعَ , وَقَالَ الآخَرُ : لاَ ; فَشَرِبَ ابْنُ عُمَرَ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ تَسَحَّرَ فِي رَمَضَانَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدَةَ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَسَحَّرَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُمَا يُرِيدَانِ الصِّيَامَ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ : أَقِمْ الصَّلاَةَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ : تَسَحَّرْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُقِيمَ الصَّلاَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ : أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ , فَأَخْرَجَ لَنَا فَضْلَ سُحُورٍ , فَتَسَحَّرْنَا مَعَهُ , فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ ; فَخَرَجْنَا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ نَحْوُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : سَمِعْتُ عَمَّتِي وَكَانَتْ قَدْ حَجَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ , فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بِلاَلٌ , وَإِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ , قَالَتْ : وَكَانَ يَصْعَدُ هَذَا وَيَنْزِلُ هَذَا قَالَتْ : فَكُنَّا نَتَعَلَّقُ بِهِ فَنَقُولُ : كَمَا أَنْتَ حَتَّى نَتَسَحَّرَ. فَحَصَلَ لَنَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا كَانَا مُؤَذِّنَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِيَسِيرٍ , أَيَّهُمَا كَانَا : حِينًا هَذَا وَحِينًا هَذَا وَالآخَرُ ، وَلاَ بُدَّ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : كُلْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْفَجْرُ. وَعَنِ الْحَسَنِ : كُلْ مَا امْتَرَيْت. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ : السَّاطِعُ : ذَلِكَ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ , وَلَكِنْ إذَا انْفَضَحَ الصُّبْحُ فِي الآُفُقِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : الْمُعْتَرِضُ الأَحْمَرُ يُحِلُّ الصَّلاَةَ وَيُحَرِّمُ الطَّعَامَ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَتَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ وَأَنَا فِي الْبَيْتِ لاَ أَدْرِي لِعَلَيَّ قَدْ أَصْبَحْت قَالَ : لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ , هُوَ شَكٌّ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ : لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ , إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلاَُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ تَسَحَّرَ وَخَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَعَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ جِدًّا , حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ : لاَ صَوْمَ لَهُ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ " مَنْ تَسَحَّرَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ " مَنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ قَضَاءً. فَهَؤُلاَءِ : أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ عُمَرَ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَحُذَيْفَةُ , وَعَمُّهُ خُبَيْبٌ , وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , فَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ , لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. إلاَّ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْهُ ; وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْجَزَّارِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , وَأَبُو مِجْلَزٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ , وَمُسْلِمٌ , وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَطَاءٌ , وَالْحَسَنُ , وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , وَمُجَاهِدٌ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَجَابِرُ بْنِ زَيْدٍ. وَمِنْ الْفُقَهَاءِ : مَعْمَرٌ , وَالأَعْمَشُ. فَإِنْ ذَكَرُوا رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ : أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ , وَبِالرِّوَايَةِ ، عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ : فَإِنَّمَا هَذَا فِي الإِفْطَارِ عِنْدَ اللَّيْلِ , لاَ فِي الأَكْلِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ , وَبَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقٌ , وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ إلاَّ بَعْدَ يَقِينِ غُرُوبِ الشَّمْسِ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : إلَى اللَّيْلِ فَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي مَجِيءِ اللَّيْلِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى , وَصِيَامُهُ بَاطِلٌ , فَإِنْ جَامَعَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ , لاَِنَّهُ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ , مَا لَمْ يُوقِنْ اللَّيْلَ , بِخِلاَفِ قَوْلِهِ : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ لإِنَّ هَذَا فِي فَرْضِ الإِفْطَارِ حَتَّى يُوقِنَ بِالنَّهَارِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 757 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِخَبَرِ مَنْ يُصَدِّقُهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ , أَوْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ : عَبْدٍ , أَوْ حُرٍّ , أَوْ أَمَةٍ , أَوْ حُرَّةٍ , فَصَاعِدًا أَنَّ الْهِلاَلَ قَدْ رُئِيَ الْبَارِحَةَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فَفُرِضَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ , صَامَ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَصُومُوا , وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ هُوَ وَحْدَهُ , وَلَوْ صَحَّ عِنْدَهُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا فَصَاعِدًا : أَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ فَلْيُفْطِرْ , أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ صَامُوا ; وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ هُوَ وَحْدَهُ ; فَإِنْ خَشِيَ فِي ذَلِكَ أَذًى فَلْيَسْتَتِرْ بِذَلِكَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى : قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ , وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ , فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْبَخْتَرِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ بِمِثْلِ قَوْلِنَا فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ , وَلَمْ يُجِيزُوا فِي هِلاَلِ شَوَّالٍ إلاَّ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. قال أبو محمد : وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وقال مالك : لاَ أَقْبَلُ فِي كِلَيْهِمَا إلاَّ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. قال أبو محمد : أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الأَحْكَامِ. قال أبو محمد : وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً ; لإِنَّ الْحُقُوقَ تَخْتَلِفُ : فَمِنْهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ مَا يُقْبَلُ فِيهَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ , وَمِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلاَّ رَجُلاَنِ , أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَمِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلاَّ رَجُلاَنِ فَقَطْ. وَمِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلاَّ أَرْبَعَةٌ. وَمِنْهَا مَا يُسْمَحُ فِيهِ حَتَّى يُجِيزُوا فِيهِ النَّصْرَانِيَّ وَالْفَاسِقَ , كَالْعُيُوبِ فِي الطِّبِّ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا بَعْضَ هَذِهِ الْحُقُوقِ دُونَ بَعْضٍ بِقِيَاسِ الشَّهَادَةِ فِي الْهِلاَلِ عَلَيْهِ. وَنَسْأَلُهُمْ ، عَنْ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلاَّ فُسَّاقٌ , أَوْ نَصَارَى , أَوْ نِسَاءٌ وَفِيهِمْ عَدْلٌ يَضْعُفُ بَصَرُهُ ، عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ قال أبو محمد : فأما نَحْنُ فَخَبَرُ الْكَافَّةِ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا ; لاَِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ ضَرُورَةً. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى قَبُولِ عَدْلَيْنِ فِي ذَلِكَ قلنا : لاَ , بَلْ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَقُولُ : إنْ كَانَ الْجَوُّ صَافِيًا لَمْ أَقْبَلْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ. فَإِنْ قَالُوا : كَلاَمُهُ سَاقِطٌ قلنا : نَعَمْ , وَقِيَاسُكُمْ أَسْقَطُ. فَإِنْ قَالُوا : فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ فِيهِمَا خَبَرَ الْوَاحِدِ قلنا : لاَِنَّهُ مِنْ الدِّينِ ; وَقَدْ صَحَّ فِي الدِّينِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَهُوَ مَقْبُولٌ فِي كُلِّ مَكَان , إلاَّ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ لاَ يُقْبَلَ إلاَّ عَدَدٌ سَمَّاهُ لَنَا. وَأَيْضًا : فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَذَانِ بِلاَلٍ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَأَمَرَ عليه السلام بِالْتِزَامِ الصِّيَامِ بِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالصُّبْحِ , وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ تَبَيَّنَ. وَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ السَّمَرْقَنْدِيُّ ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ نَافِعِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ , فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَنِّي رَأَيْتُهُ , فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ ; إنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ : أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ ; أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : قُمْ يَا بِلاَلُ فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا. قال أبو محمد : رِوَايَةُ سِمَاكٍ لاَ نَحْتَجُّ بِهَا ، وَلاَ نَقْبَلُهَا مِنْهُمْ , وَهُمْ قَدْ احْتَجُّوا بِهَا فِي أَخْذِ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ , فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا هَاهُنَا , وَإِلاَّ فَهُمْ مُتَلاَعِبُونَ فِي الدِّينِ فَإِنْ تَعَلَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هِلاَلِ رَمَضَانَ وَهِلاَلِ شَوَّالٍ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ , وَقَالَ : لَمْ يَرِدْ إلاَّ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ قلنا : وَلاَ جَاءَ نَصٌّ قَطُّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ , وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ , فَهَلاَّ قِسْتُمْ هِلاَلَ شَوَّالٍ عَلَى هِلاَلِ رَمَضَانَ فَإِنْ قَالُوا : إنَّ الشَّاهِدَ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ لاَ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ , وَالشَّاهِدُ فِي هِلاَلِ شَوَّالٍ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ قلنا : فَرَدُّوا بِهَذَا الظَّنِّ بِعَيْنِهِ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ فِي شَوَّالٍ أَيْضًا ; لاَِنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا , كَمَا تَفْعَلُونَ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَنْ يَكْذِبُ فِي مِثْلِ هَذَا لاَ يُبَالِي قُبِلَ أَوْ رُدَّ وَنَقُولُ لَهُمْ : إذَا صُمْتُمْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ; فَغُمَّ الْهِلاَلُ بَعْدَ الثَّلاَثِينَ , أَتَصُومُونَ أَحَدًا وَثَلاَثِينَ فَهَذِهِ طَامَّةٌ , وَشَرِيعَةٌ لَيْسَتْ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ تُفْطِرُونَ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلاَثِينَ وَإِنْ لَمْ تَرَوْا الْهِلاَلَ فَقَدْ أَفْطَرْتُمْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَتَنَاقَضْتُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : فَإِنْ شَغَبُوا بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ : حدثنا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَدَلِيُّ جَدِيلَةُ قَيْسٍ : أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ خَطَبَ فَقَالَ : عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَنْسُكَ لِرُؤْيَتِهِ , فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا. وَبِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَعْرَابِيَّانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَمُسْلِمَانِ أَنْتُمَا قَالاَ : نَعَمْ فَأَمَرَ النَّاسُ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا. وَعَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ : إذَا شَهِدَ رَجُلاَنِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَفْطَرُوا. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : أَبِي عُثْمَانُ أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ : إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ نَهَارًا فَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلاَنِ : لَرَأَيَاهُ بِالأَمْسِ. قلنا : أَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ فَإِنَّ رَاوِيَهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ قَبُولُهُ اثْنَيْنِ , وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا , وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَقْبَلَ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي عُثْمَانَ , عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي فِعْلِ عَلِيٍّ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ t إنَّمَا رَدَّ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ لاَِنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ ; لاَ لاَِنَّهُ وَاحِدٌ ; وَلَقَدْ كَانَ هَاشِمٌ أَحَدَ الْمُجَلِّبِينَ عَلَى عُثْمَانَ t. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ : فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا خِلاَفُ ذَلِكَ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْهِلاَلِ , فَرَآهُ رَجُلٌ , فَقَالَ عُمَرُ : يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ ; فَأَمَرَهُمْ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا : ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t مِثْلَ هَذَا ;. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى رُؤْيَتِهِ فَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ خِلاَفَ ذَلِكَ ; وَهُوَ أَنَّ مَنْ رَآهُ وَحْدَهُ فِي اسْتِهْلاَلِ رَمَضَانَ فَلاَ يَصُمْ , وَمَنْ رَآهُ وَحْدَهُ فِي اسْتِهْلاَلِ شَوَّالٍ فَلاَ يُفْطِرُ . وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ : رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ : أَنَّ رَجُلَيْنِ رَأَيَا الْهِلاَلَ فِي سَفَرٍ ; فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ ضُحَى الْغَدِ , فَأَخْبَرَا عُمَرَ , فَقَالَ لاَِحَدِهِمَا : أَصَائِمٌ أَنْتَ قَالَ : نَعَمْ , كَرِهْت أَنْ يَكُونَ النَّاسُ صِيَامًا وَأَنَا مُفْطِرٌ , كَرِهْت الْخِلاَفَ عَلَيْهِمْ , وَقَالَ لِلآخِرِ : فَأَنْتَ قَالَ : أَصْبَحْت مُفْطِرًا ; لاَِنِّي رَأَيْت الْهِلاَلَ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لَوْلاَ هَذَا يَعْنِي الَّذِي صَامَ لاََوْجَعْنَا رَأْسَكَ , وَرَدَدْنَا شَهَادَتَكَ ; ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَأَفْطَرُوا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أُخْبِرْت ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ التَّيْمِيِّ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعُمَرَ : إنِّي رَأَيْت هِلاَلَ رَمَضَانَ , قَالَ : أَرَآهُ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ : لاَ قَالَ : فَكَيْف صَنَعْت قَالَ : صُمْت بِصِيَامِ النَّاسِ , فَقَالَ عُمَرُ : يَا لَكَ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ : قال أبو محمد : يَنْبَغِي لِمَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِيمَا يَدْعُونَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَتَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ : أَنْ يُقَلِّدَهُ هَاهُنَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ : يَصُومُ إنْ رَآهُ وَحْدَهُ , وَلاَ يُفْطِرُ إنْ رَآهُ وَحْدَهُ وَهَذَا تَنَاقُضٌ وقال الشافعي كَمَا قلنا وَخُصُومُنَا لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا ، وَلاَ نَقُولُ بِهِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : لاَ تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فَمَنْ رَآهُ فَقَدْ شَهِدَهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. 758 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا رُئِيَ الْهِلاَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ مِنْ الْبَارِحَةِ وَيَصُومُ النَّاسُ مِنْ حِينَئِذٍ بَاقِيَ يَوْمِهِمْ إنْ كَانَ أَوَّلَ رَمَضَانَ وَيُفْطِرُونَ إنْ كَانَ آخِرَهُ , فَإِنْ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا الظَّاهِرُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ , وَلَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ إلاَّ مِنْ الْغَدِ ; وَبَقِيَ حُكْمُ لَفْظِ الْحَدِيثِ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ , لِلاِخْتِلاَفِ فِي ذَلِكَ ; فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى النَّصِّ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْهِلاَلَ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّمَا يَرَاهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ وَالشَّمْسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ مَعَ حَوَالَةِ الشَّمْسِ دُونَهُ إلاَّ وَقَدْ أَهَلَّ مِنْ الْبَارِحَةِ وَبَعُدَ عَنْهَا بُعْدًا كَثِيرًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى النَّاسِ إذَا رَأَيْتُمُوهُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَأَفْطِرُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَ زَوَالِهَا فَلاَ تُفْطِرُوا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِمِثْلِهِ . وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ t إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَفْطِرُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ فَلاَ تُفْطِرُوا فَإِنَّ الشَّمْسَ تَزِيغُ عَنْهُ أَوْ تَمِيلُ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ بِبَلَنْجَرَ فَرَأَيْت الْهِلاَلَ ضُحًى فَأَتَيْت سَلْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَامَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَمَّا رَآهُ أَمَرَ النَّاسَ فَأَفْطَرُوا. وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيُّ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد , وَغَيْرُهُ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ خِلاَفُ هَذَا قلنا : نَعَمْ وَإِذَا صَحَّ التَّنَازُعُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الآنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 759 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَإِنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّمْسِ ، عَنْ أُفُقِ الصَّائِمِ ، وَلاَ مَزِيدَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً. وَمِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ. قال أبو محمد : لاَ يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السَّحُورِ ; لاَِنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ , وَلاَ يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ غَيْرِهِ إلاَّ بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ وَيُعَجِّلُ الإِفْطَارَ , فَقَالَتْ عَائِشَةُ : هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَصْنَعُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرُبَتْ الشَّمْسُ قَالَ : انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتُ قَالَ : انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ : انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ , وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلِ الْمَشْرِقِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي مُوسَى : تَأْخِيرَ الْفِطْرِ حَتَّى تَبْدُوَ الْكَوَاكِبُ ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَالأَذَانِ أَفْضَلُ , كَذَلِكَ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. 760 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ الْفَجْرُ لَهُ , أَوْ بَلَغَ كَذَلِكَ , أَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ كَذَلِكَ , أَوْ مِنْ النِّفَاسِ كَذَلِكَ , أَوْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ كَذَلِكَ , أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بَاقِيَ نَهَارِهِمْ وَيَطَئُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ , أَوْ مَنْ طَهُرَتْ فِي يَوْمِهَا ذَلِكَ , وَيَسْتَأْنِفُونَ الصَّوْمَ مِنْ غَدٍ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ , أَوْ بَلَغَ ; وَتَقْضِي الْحَائِضُ , وَالْمُفِيقُ , وَالْقَادِمُ , وَالنُّفَسَاءُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَعْضِ هَذَا : فَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ : لاَ تَأْكُلُ إلَى اللَّيْلِ , كَرَاهَةَ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ , وَعَنْ عَطَاءٍ إنْ طَهُرَتْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْتُتِمَّ يَوْمَهَا , وَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِهِ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ ; وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا الْكَافِرُ يُسْلِمُ : فَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ إنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ صَامَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ النَّهَارِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُ ذَلِكَ , وَقَالَ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي صَلاَةِ الْمُقِيمِينَ. وَعَنِ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة فِي الصَّبِيِّ يَبْلُغُ بَعْدَ الْفَجْرِ : أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَقْدُمُ بَعْدَ الْفَجْرِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ صَوْمَ بَاقِي الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ : قَدْ كَانَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَأْمُورًا بِالصِّيَامِ فَكَيْف بَعْدَ بُلُوغِهِ. وَقَالُوا : هَلاَّ جَعَلْتُمْ هَؤُلاَءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ قلنا : هَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً لإِنَّ الَّذِي جَاءَهُ خَبَرُ الْهِلاَلِ كَانَ مَأْمُورًا بِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّهُ فَرْضُهُ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَّرَنَا فَهُمْ عَالِمُونَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهِمْ , وَبِدُخُولِ رَمَضَانَ , إلاَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مَنْهِيٌّ ، عَنِ الصَّوْمِ جُمْلَةً ; وَلَوْ صَامَ كَانَ عَاصِيًا : كَالْحَائِضِ , وَالنُّفَسَاءِ , وَالْمُسَافِرِ , وَالْمَرِيضِ الَّذِي يُؤْذِيهِ الصَّوْمُ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّوْمِ , وَلَوْ صَامَهُ لَمْ يُجِزْهُ وَهُوَ الصَّبِيُّ وَإِنَّمَا يَصُومُ إنْ صَامَ تَطَوُّعًا لاَ فَرْضًا. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدِّمَ الإِسْلاَمَ قَبْلَهُ , وَهُوَ الْكَافِرُ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مَفْسُوحٌ لَهُ فِي الصَّوْمِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَفِي الْفِطْرِ إنْ شَاءَ وَهُوَ الْمَرِيضُ الَّذِي لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ; فَكُلُّهُمْ غَيْرُ مُلْزَمٍ ابْتِدَاءً صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِحَالٍ بِخِلاَفِ مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ , وَاَلَّذِي جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ يُجْزِئْهُ صِيَامُ بَاقِي يَوْمِهِ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيَعْصِي إنْ أَكَلَ , وَإِنَّمَا اتَّبَعْنَا فِيمَنْ بَلَغَهُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ فَقَطْ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَنْ ذَكَرْنَا لاَ يَخْتَلِفُ الْحَاضِرُونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي أَنَّ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ , وَالنِّفَاسِ , وَالْقَادِمَ مِنْ السَّفَرِ , وَالْمُفِيقَ مِنْ الْمَرَضِ : لاَ يُجْزِئُهُمْ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الَّذِي بَلَغَ , وَاَلَّذِي أَسْلَمَ إنْ أَكَلاَ فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرُ صَائِمِينَ أَصْلاً , وَإِذَا كَانُوا غَيْرَ صَائِمِينَ فَلاَ مَعْنَى لِصِيَامِهِمْ , وَلاَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِصَوْمٍ لَيْسَ صَوْمًا , وَلاَ هُمْ مُؤَدُّونَ بِهِ فَرْضًا لِلَّهِ تَعَالَى , وَلاَ هُمْ عَاصُونَ لَهُ بِتَرْكِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ لِلشَّهْرِ كُلِّهِ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا الْقَوْلِ , وَإِلاَّ فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 761 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي بَاقِيهِ ، وَلاَ أَنْ يَشْرَبَ , وَلاَ أَنْ يُجَامِعَ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ صَائِمٍ بِخِلاَفِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا , لإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا إمَّا مَنْهِيٌّ ، عَنِ الصَّوْمِ , وَأَمَّا مُبَاحٌ لَهُ تَرْكُ الصَّوْمِ فَهُمْ فِي إفْطَارِهِمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرُ عَاصِينَ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلاَّ مَنْ جَهِلَ أَنَّهُ يَوْمُ فَرْضِهِ فَقَطْ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِمْ , فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومُوا , لأَنَّهُمْ لَمْ يَنْوُوهُ مِنْ اللَّيْلِ , وَلَمْ يَكُونُوا عُصَاةً بِالْفِطْرِ فَهُمْ مُفْطِرُونَ لاَ صَائِمُونَ. وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ عَاصِيًا فَهُوَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ بِلاَ خِلاَفٍ , صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ , وَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فِيهِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهُ إذَا عَصَى بِتَعَمُّدِ الْفِطْرِ , فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ , وَهُوَ مُتَزَيِّدٌ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَتَى مَا تَزَيَّدَ فِطْرًا , وَلاَ صَوْمَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَحْوَ هَذَا , وَعَنِ الْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ : أَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. 762 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ , أَوْ لاَ طَاعَةَ ، وَلاَ مَعْصِيَةَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا تَجَاوَزَ مِيلاً , أَوْ بَلَغَهُ , أَوْ إزَاءَهُ , وَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ حِينَئِذٍ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , وَيَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ , وَلَهُ أَنْ يَصُومَهُ تَطَوُّعًا , أَوْ ، عَنْ وَاجِبٍ لَزِمَهُ , أَوْ قَضَاءً ، عَنْ رَمَضَانَ خَالٍ لَزِمَهُ , وَإِنْ وَافَقَ فِيهِ يَوْمَ نَذْرِهِ صَامَهُ لِنَذْرِهِ. وَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ , وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَلَمْ يَرَوْا لَهُ الْفِطْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامِ أُخَرَ فَعَمّ تَعَالَى الأَسْفَارَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَأَيْضًا فَقَدْ أَتَيْنَا بِالْبَرَاهِينِ عَلَى بُطْلاَنِ الصَّوْمِ بِالْمَعْصِيَةِ بِتَعَمُّدٍ , وَالسَّفَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَفُسُوقٌ , فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهِمَا. وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَلاَ يَخْتَلِفُونَ : أَنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ , أَوْ ضَارَبَ قَوْمًا ظَالِمًا لَهُمْ مُرِيدًا قَتْلَهُمْ , وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ فَدَفَعُوهُ ، عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَثْخَنُوهُ ضَرْبًا فِي تِلْكَ الْمُدَافَعَةِ حَتَّى أَوْهَنُوهُ ; فَمَرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الصَّوْمِ , وَلاَ عَلَى الصَّلاَةِ قَائِمًا ; فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَيَقْصُرُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَرَضِ الْمَعْصِيَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مُتَقَصَّى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ طَرَفًا : وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَدَّ السَّفَرَ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ بِمَسِيرِ ثَلاَثَةٍ أَيَّامٍ , وَمِنْ الْمَسَافَاتِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْمَدَائِنِ ; ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَحَدَّ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً. وَحَّدَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ , مَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً , وَمَرَّةً ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً , وَمَرَّةً خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً , وَمَرَّةً اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً , وَمَرَّةً أَرْبَعِينَ مِيلاً , وَمَرَّةً سِتَّةً وَثَلاَثِينَ مِيلاً ; ذَكَرَ ذَلِكَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذِهِ حُدُودٌ فَاسِدَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ قَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ : فَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ خَيْبَرٍ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلاً ; وَرُوِيَ عَنْهُ أَنْ لاَ يَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ الْمَدِينَةَ إلَى السُّوَيْدَاءِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلاً , وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ يَكُونُ الْفِطْرُ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ; وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ يَكُونُ الْقَصْرُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي ثَلاَثِينَ مِيلاً ; وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً ; وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ سَاعَةٍ , وَفِي مِيلٍ وَفِي سَفَرِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْهُ , وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْهُ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ يَوْمٌ تَامٌّ , وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ قَصْرَ فِي يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ فَإِنْ زِدْت فَأَقْصِرْ , وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا , وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُمْ , وَعَنِ الزُّهْرِيِّ , وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا حَدَّا ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا مِسْعَرٌ ، وَ، هُوَ ابْنُ كِدَامٍ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : إنِّي لاَُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي مَسِيرَةِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ : سَمِعْت جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ يَقُولُ : سَمِعْت ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ : لَوْ خَرَجْت مِيلاً لَقَصَرْت الصَّلاَةَ. وَعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَصَرَ فِي أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ. وَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ إلَى مَكَان عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً فَقَصَرَ ابْنُ عُمَرَ الصَّلاَةَ وَهَذِهِ أَسَانِيدُ عَنْهُ كَالشَّمْسِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقَصْرُ فِي ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ. وَعَنْ أَنَسٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلاً. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأَقْصُرُ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةَ قَالَ : نَعَمْ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ : أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ الْحَضْرَمِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ جَبْرٍ قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَرَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ قَالَ : اقْتَرِبْ فَقُلْتُ : أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ فَقَالَ : أَتَرْغَبُ ، عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَكَلَ. وَالرِّوَايَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. فأما تَحْدِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ , فَلاَ مَعْنَى لَهُ أَصْلاً وَإِنَّمَا هِيَ دَعَاوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا مَنَعَ مِنْ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قال أبو محمد : وَذَلِكَ خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ أَثَرٌ ، وَلاَ دَلِيلٌ. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ ثَلاَثًا وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ لَيْلَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ يَوْمًا وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ بَرِيدًا. وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَابْنِ عُمَرَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْخَبَرُ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ دُونَ تَحْدِيدٍ أَصْلاً وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَصْلاً ; فَإِنْ عَزَمُوا عَلَى تَرْكِ مَنْ اخْتَلَفَ عَنْهُ وَالأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ ; فَهُوَ أَوْلَى عَلَى هَذَا الأَصْلِ , وَإِنْ أَخَذُوا بِالزِّيَادَةِ , فَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الزَّائِدَةُ عَلَى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ , لاَِنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ سَفَرٍ ; وَإِنْ أَخَذُوا بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَأَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثٍ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لاَ الثَّلاَثُ , كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ , وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ قَزَعَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لاَِبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً إلاَّ كَتَعَلُّقِ الزُّهْرِيِّ , وَالْحَسَنِ بِذِكْرِ اللَّيْلَتَيْنِ فِيهِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَمَا لَهُمْ بَعْدَ هَذَا حِيلَةٌ , عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ , فَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ : أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ الرُّعَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَأَفْطَرَ فِي مَخْرَجِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ الْقَضَاءُ , وَرَأَى الْقَصْرَ فِي مِنًى مِنْ مَكَّةَ , وَهَذَا قَوْلُنَا , وَكَذَلِكَ رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمُتَأَوِّلِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَأَوْا لِمَنْ سَافَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَنْ يُفْطِرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ ; فَإِنْ رَجَعَ لِشَيْءٍ أُوجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّفَرِ ; فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الْقَضَاءُ , فَقَدْ أَوْجَبُوا الْفِطْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ , وَيُغْنِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَوَجَدْنَا مَا دُونَ الْمِيلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ ; لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَبْعُدُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَلاَ يَقْصُرُ ، وَلاَ يُفْطِرُ , وَلَمْ نَجِدْ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ قَوْلاً ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَاللُّغَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَلَّقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ بِحَدِيثِ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ أَنْ لاَ يَرَى الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِي سَفَرٍ مَعْصِيَةً ; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُبِحْ لَهَا بِلاَ خِلاَفٍ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ أَصْلاً ; وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهَا بِلاَ شَكٍّ أَسْفَارَ الطَّاعَاتِ ; وَهَذَا مِمَّا أَوْهَمُوا فِيهِ مِنْ الأَخْبَارِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : فأما مَا دُونَ الْمِيلِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ ; فَلاَ يَجُوزُ الْفِطْرُ ، وَلاَ الْقَصْرُ فِيهِ أَصْلاً , وَإِنْ أَرَادَ مِيلاً فَصَاعِدًا ; لإِنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ هِيَ غَيْرُ السَّفَرِ ; وَقَدْ يَنْوِي السَّفَرَ مَنْ لاَ يُسَافِرُ , وَقَدْ يُسَافِرُ مَنْ لاَ يَنْوِي السَّفَرَ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ أَنَسٍ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَنْزِلِهِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ. وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ : إذْ يُفَارِقُ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : تَرْكُ الْقَصْرِ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَانَ هَذَا هُوَ النَّظَرُ لَوْلاَ حَدِيثُ أَنَسٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ نَصٍّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ فَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ , وَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي سَفَرٍ , وَفِي حَضَرٍ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِأَيَّامٍ أُخَرَ حَضَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : مَنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ كُلَّهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ ، وَلاَ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ. ثُمَّ افْتَرَقَ الْقَائِلُونَ بِتَخْيِيرِهِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الصَّوْمُ أَفْضَلُ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْفِطْرُ أَفْضَلُ : وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُمَا سَوَاءٌ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ : فَرُوِّينَا الْقَوْلَ الأَوَّلَ : عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَعَنْ عَبِيدَةُ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ ; وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّهَا نَهَتْ عَنِ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ ; وَعَنْ خَيْثَمَةَ كَانُوا يَقُولُونَ : إذَا حَضَرَ رَمَضَانُ : فَلاَ تُسَافِرْ حَتَّى تَصُومَ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلُهُ قَالَ : فَإِنْ أَبَى أَنْ لاَ يُسَافِرَ فَلْيَصُمْ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي مِجْلَزٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ أَيَصُومُ أَمْ يُفْطِرُ فَقَالَ : يَصُومُ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْمُجَوِّزَةُ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ ; أَوْ الْمُخْتَارَةُ لِلصَّوْمِ : فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ; فَشَغَبُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ : مِنْهَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ يَأْوِي إلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , وَجَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي السَّفَرِ بِالْفِطْرِ وَهُوَ صَائِمٌ فَتَرَدَّدُوا وَفَطَرَ هُوَ عليه السلام. وَذَكَرُوا ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ فِي السَّفَرِ وَتُتِمُّ الصَّلاَةَ ; وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنْ أَفْطَرَتْ فَرُخْصَةُ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنْ صُمْت فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : الصَّوْمُ أَفْضَلُ. وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثِ مِثْلُهُ ; وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَامَ فِي سَفَرٍ ; لاَِنَّهُ كَانَ رَاكِبًا , وَأَفْطَرَ سَعْدٌ مَوْلاَهُ , لاَِنَّهُ كَانَ مَاشِيًا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : صُمْهُ فِي الْيُسْرِ وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ. وَعَنْ طَاوُوس : الصَّوْمُ أَفْضَلُ , وَعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ مِثْلُهُ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الأَمْرَيْنِ سَوَاءً بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ. وَبِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ ، عَنِ الْغِطْرِيفِ أَبِي هَارُونَ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَافَرَا , فَصَامَ أَحَدُهُمَا وَأَفْطَرَ الآخَرُ , فَذَكَرَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : كِلاَكُمَا أَصَابَ. وَبِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ : مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ , كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَلاَ يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ , وَالأَسْوَدِ , وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ سَافَرُوا فِي رَمَضَانَ فَصَامَ بَعْضُهُمْ , وَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطُرْ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْفِطْرَ أَفْضَلَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو إذْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عليه السلام : هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ اخْتِيَارُ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ : سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , رُوِّينَا أَنَّهُ سَافَرَ هُوَ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ الأَسْوَدِ , وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَصَامَا وَأَفْطَرَ سَعْدٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : أَنَا أَفْقَهُ مِنْهُمَا. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ مَعَهُ رَقِيقٌ فَكَانَ يَقُولُ : يَا نَافِعُ ضَعْ لَهُ سُحُورَهُ قَالَ نَافِعٌ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سَافَرَ أَحَبَّ إلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ يَقُولُ : رُخْصَةُ رَبِّي أَحَبُّ إلَيَّ وَأَنْ آجَرَ لَكَ أَنْ تُفْطِرَ فِي السَّفَرِ. وَيَحْتَجُّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي رُوِّينَا آنِفًا ، عَنِ النَّبِيِّ r هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ , وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ , فَحَسَّنَ الْفِطْرَ وَلَمْ يَزِدْ فِي الصَّوْمِ عَلَى إسْقَاطِ الْجُنَاحِ. قال علي : هذا مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّنْ رَأَتْ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَمْ نَدْعُ مِنْهُ شَيْئًا , وَلَسْنَا نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ فَنَحْتَاجُ إلَى تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ , إلاَّ أَنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ , وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِنَا فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا دَفْعُهَا كُلُّهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ وَنَسْتَعِينُ : أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ , وَكَذَبَ كَذِبًا فَاحِشًا مَنْ احْتَجَّ بِهَا فِي إبَاحَةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ ; لاَِنَّهُ حَرْفُ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ مَوْضِعِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَهَذَا عَارٌ لاَ يَرْضَى بِهِ مُحَقِّقٌ ; لإِنَّ نَصَّ الآيَةِ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي حَالِ الصَّوْمِ الْمَنْسُوخَةِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْحُكْمُ فِي أَوَّلِ نُزُولِ صَوْمِ رَمَضَانَ : أَنَّ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَأَطْعَمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا , وَكَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ , هَذَا نَصُّ الآيَةِ , وَلَيْسَ لِلسَّفَرِ فِيهَا مَدْخَلٌ أَصْلاً ، وَلاَ لِلإِطْعَامِ مَدْخَلٌ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ أَصْلاً ; فَكَيْف اسْتَجَازُوا هَذِهِ الطَّامَّةَ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَد بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ أَنَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ أَنَّا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا بَكْرِ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. قال أبو محمد : فَحِينَئِذٍ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ ; فَظَهَرَتْ فَضِيحَةُ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْمُحَبَّقِ مَنْ كَانَ يَأْوِي إلَى حَمُولَةٍ أَوْ شِبَعٍ فَلْيَصُمْ فَحَدِيثٌ سَاقِطٌ لإِنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ بَصْرِيٌّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لاَِحَدٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ إلاَّ لِلْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ " صُمْهُ فِي الْيُسْرِ , وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ " لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ إيجَابُ الصَّوْمِ , وَلاَ بُدَّ عَلَى ذِي الْحَمُولَةِ وَالشِّبَعِ , وَهَذَا خِلاَفُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْغِطْرِيفِ , وَأَبِي عِيَاضٍ فَمُرْسَلاَنِ ; ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ; وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي ذَكَرْنَا هَاهُنَا الَّذِي فِيهِ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ ; فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَمْزَةَ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَأَبُوهُ كَذَلِكَ ; وَأَمَّا الثَّابِتُ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ هُوَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , وَجَابِرٍ ; فَلاَ حَجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ صَائِمًا لِرَمَضَانَ , وَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ , وَلاَ الاِحْتِجَاجُ بِاخْتِرَاعِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْقُرْآنِ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا تَطَوُّعًا. وَالثَّانِي أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهَا نَصًّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ ; لإِنَّ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r إيجَابُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ ; فَلَوْ كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام كَمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ أَهَلَّ عَلَيْهِ الشَّهْرُ فِي الْحَضَرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ , فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : فَمَنْ شَهِدَ بَعْضَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ ; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى صِيَامَهُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ لاَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ , ثُمَّ يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ أَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَجَعَلَ السَّفَرَ وَالْمَرَضَ. نَاقِلَيْنِ ، عَنِ الصَّوْمِ فِيهِ إلَى الْفِطْرِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَفْطَرَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَبِّهِ تَعَالَى , وَالْبَلاَغُ مِنْهُ نَأْخُذُهُ , وَعَنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ. فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , وَجَبَ أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا , بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : نَذْكُرُ الآنَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , وَجَابِرٍ ; وَحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو مِنْ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَرَى أَنَّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا ; ثُمَّ نُعَقِّبُ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ , وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ ، حدثنا الْوَلِيدِ ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَتْنِي أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إلاَّ رَسُولُ اللَّهِ r وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى عَلَى غَدِيرٍ فَقَالَ لِلْقَوْمِ : اشْرَبُوا فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَشْرَبُ ، وَلاَ تَشْرَبُ فَقَالَ : إنِّي أَيْسَرُكُمْ إنِّي رَاكِبٌ وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ فَشَرِبَ وَشَرِبُوا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي رَمَضَانَ فَمَرَّ بِمَاءٍ فَقَالَ : انْزِلُوا فَاشْرَبُوا ; فَتَلَكَّأَ الْقَوْمُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ r فَشَرِبَ وَشَرِبْنَا مَعَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقٍ لاَ يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي قَزَعَةُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً , فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ , ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ فَقَالَ : إنَّكُمْ تُصَبِّحُونَ عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا فَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا , ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ r فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَعَطِشَ النَّاسُ فَدَعَا النَّبِيُّ r بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ : إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ ، حدثنا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ وَقَالَ يَحْيَى ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادٌ كِلاَهُمَا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ : صُمْ إنْ شِئْتَ. قَالَ عَلِيٌّ : كُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ : فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَصْلاً , وَإِقْحَامُ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ كَذِبٌ ; وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَلاَ نُنْكِرُهُ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ ، وَلاَ لَنَا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَطَرِيقُ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لاَ يُحْتَجُّ بِهَا ; ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ ; لإِنَّ فِيهِ : أَنَّ آخِرَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r كَانَ الْفِطْرُ , هَذَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ. وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ ; وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانٌ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ , وَفِيهِمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : أَمْرٌ عَظِيمٌ , لأَنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ لِمَنْ صَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي ابْتَدَأَ صِيَامَهُ , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَمَا يَبْعُدُ عَنْهُمْ إطْلاَقُ اسْمِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهِ , وَمَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ; فَلْيَنْظُرْ نَاصِرُ أَقْوَالِهِمْ فَبِمَاذَا يَدْخُلُ فِي احْتِجَاجِهِ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مِنْ إطْلاَقِ اسْمِ الْخَطَأِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِي إفْطَارِهِ , وَهَذَا خُرُوجٌ ، عَنِ الإِسْلاَمِ مِمَّنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ : لَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ صَائِمًا يَنْوِيه مِنْ رَمَضَانَ لَكَانَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ , وَآخِرِ فِعْلِهِ , وَإِذْ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَامَ تَطَوُّعًا , وَالْفِطْرُ لِلصَّائِمِ تَطَوُّعًا مُبَاحٌ مُطْلَقٌ لاَ كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ عليه السلام. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِقَطْعِ يَدِهَا : لَعَلَّهُ إنَّمَا قَطَعَ يَدَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ : لَعَلَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالإِعَادَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصَّلاَةُ تُقَامُ فَقَالَ لَهُ : بِأَيِّ صَلاَتَيْكَ تَعْتَدُّ : لَعَلَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلاَّهُمَا بَيْنَ النَّاسِ مُكَابَرَةً لِلْبَاطِلِ : وَفِي الْخَبَرِ مَنْصُوصٌ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا نَاحِيَةً. ثُمَّ لاَ يَقُولُ هَاهُنَا : لَعَلَّهُ كَانَ يَصُومُ تَطَوُّعًا ; وَهَاهُنَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ هَذَا ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي الأَخْبَارِ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ; وَأَمَّا تِلْكَ الأَخْبَارُ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحْتَمِلُ مَا تَأَوَّلُوهُ لإِنَّ نَصَّهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي إجَازَةِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ أَثَرٌ ، وَلاَ عَثْرٌ مِنْ إجَازَةِ الصَّوْمِ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ ; وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ. وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ قَوْلَ أَسْمَاءَ : ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ حُجَّةً , وَلاَ يَرَوْنَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ طَلاَقَ الثَّلاَثِ كَانَتْ تُجْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَاحِدَةً حُجَّةً. وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ وَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُهُ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا غَيْرَ رَمَضَانَ ; وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لاَ يُعْلَمُ أَنَّهُ عليه السلام سَافَرَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ عَامِ الْفَتْحِ. وَأَمَّا خَبَرُ حَمْزَةَ فَبَيَانٌ جَلِيٌّ فِي أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عليه السلام ، عَنِ التَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ إنِّي امْرُؤٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَأَوَّلُوهُ , وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ حُجَّةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ فَلِنَذْكُرَ الآنَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَهَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ مَنْسُوخَةٌ ، وَلاَ مَخْصُوصَةٌ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ صَوْمَ الشَّهْرِ إلاَّ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ , وَلاَ فَرْضَ عَلَى الْمَرِيضِ , وَالْمُسَافِرِ إلاَّ أَيَّامًا أُخَرَ غَيْرَ رَمَضَانَ , وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ حِيلَةَ فِيهِ ; ، وَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ قَالَ : إنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَفْطَرَا فِيهِ ; لاَِنَّهَا دَعْوَى مَوْضُوعَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَد بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ : أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. قال أبو محمد : إنْ كَانَ صِيَامُهُ عليه السلام لِرَمَضَانَ فَقَدْ نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ وَصَارَ الْفِطْرُ فَرْضًا وَالصَّوْمُ مَعْصِيَةً , وَلاَ سَبِيلَ إلَى خَبَرٍ نَاسِخٍ لِهَذَا أَبَدًا , وَإِنْ كَانَ صِيَامُهُ عليه السلام تَطَوُّعًا فَهَذَا أَحْرَى لِلْمَنْعِ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ , وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ , وَمُسْلِمٍ. قَالَ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا آدَم , وَقَالَ مُسْلِمٌ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ اتَّفَقَ آدَم وَمُحَمَّدٌ وَكِلاَهُمَا ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ : صَائِمٌ , فَقَالَ : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ هَذَا لَفْظُ آدَمَ , وَلَفْظُ غُنْدَرٍ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ. قال أبو محمد : وَهَذَا مَكْشُوفٌ وَاضِحٌ. فإن قيل : إنَّمَا مَنَعَ عليه السلام فِي مِثْلِ حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ قلنا : هَذَا بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ لإِنَّ تِلْكَ الْحَالَ مُحَرَّمُ الْبُلُوغِ إلَيْهَا بِاخْتِيَارِ الْمَرْءِ لِلصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ كَمَا هُوَ فِي السَّفَرِ فَتَخْصِيصُ النَّبِيِّ r بِالْمَنْعِ مِنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ إبْطَالٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ عَلَيْهِ r وَوَاجِبٌ أَخْذُ كَلاَمِهِ عليه السلام عَلَى عُمُومِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ. صَفْوَانُ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مَكِّيٌّ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِالدَّرْدَاءِ بِنْتِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَكَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ مَشْهُورُ الصُّحْبَةِ هَاجَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى وَهُوَ مِنْ الأَشَاقِرِ حَيٌّ مِنْ الأَزْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِيُّ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ : أُخْبِرُكَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، حدثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ هَانِئِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ وَدَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ : أَتَدْرِي مَا وَضَعَ اللَّهُ ، عَنِ الْمُسَافِرِ قُلْتُ : مَا وَضَعَ اللَّهُ ، عَنِ الْمُسَافِرِ قَالَ : الصَّوْمُ , وَشَطْرُ الصَّلاَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَنِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلٍّ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَقَالَ : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا فَهَذَا أَمْرٌ بِقَبُولِهَا وَأَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام فَرْضٌ فَهِيَ رُخْصَةٌ مُفْتَرَضَةٌ ; وَصَحَّ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ وَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ لَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يُعَارِضُهَا فَلاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهَا. فإن قيل : فَإِنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ مَانِعَةٌ كُلُّهَا بِعُمُومِهَا مِنْ كُلِّ صَوْمٍ فِي السَّفَرِ وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَ فِيهِ كُلَّ صَوْمٍ إلاَّ رَمَضَانَ وَحْدَهُ قلنا : نَعَمْ , لإِنَّ النُّصُوصَ جَاءَتْ بِمِثْلِ مَا قلنا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ فَافْتَرَضَ تَعَالَى صَوْمَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ فِي السَّفَرِ ، وَلاَ بُدَّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الْحَضِّ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ كَانَ حَاجًّا. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام : إنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَعَمَّ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ النَّارَ ، عَنْ وَجْهِهِ فَحَضَّ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ. فَوَجَبَ الأَخْذُ بِجَمِيعِ النُّصُوصِ فَخَرَجَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ بِالْمَنْعِ وَحْدَهُ وَبَقِيَ سَائِرُ الصَّوْمِ وَاجِبُهُ وَتَطَوُّعُهُ عَلَى جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ نَصٍّ لاِخَرَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ : مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ. قال أبو محمد : هَذَا تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ , وَكَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَتَقْوِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْ , وَفَاعِلُ هَذَا يَتَبَوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ بِنَصِّ قَوْلِهِ عليه السلام , وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ بِإِخْرَاجِهِ ، عَنْ ظَاهِرِهِ وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ جَمِيعُ النُّصُوصِ وَتَخْرُجَ ، عَنْ ظَوَاهِرِهَا فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْقَرَامِطَةِ فِي إحَالَةِ الْقُرْآنِ ، عَنْ مَفْهُومِهِ وَظَاهِرِهِ , وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَاهُنَا فَقَدْ كَفَى خَصْمَهُ مُؤْنَتَهُ. وَيُقَالُ لَهُ : إذَا قُلْت هَذَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ فَقُلْهُ أَيْضًا فِي قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَلاَ فَرْقَ قال أبو محمد : وَمَنْ سَلَكَ هَذَا السَّبِيلَ فَقَدْ أَبْطَلَ الدِّينَ وَالْعَقْلَ وَالتَّفَاهُمَ جُمْلَةً. فإن قيل : فَكَيْف تَقُولُونَ فِي صَوْمِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. قلنا : هَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لاَ تَخْلُو هَذِهِ الآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا تَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ فَتْحِ مَكَّةَ أَوْ بَعْدَهُ , وَتَقَدَّمَ فَرْضُ رَمَضَانَ بِوَحْيٍ آخَرَ كَمَا كَانَ نُزُولُ آيَةِ الْوُضُوءِ فِي الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرًا ، عَنْ نُزُولِ فَرْضِهِ ; فَإِنْ كَانَ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ نُزُولُهَا فَلاَ يَخْلُو عليه الصلاة والسلام فِي صَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَامَهُ لِرَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا , فَإِنْ كَانَ صَامَهُ تَطَوُّعًا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَإِنْ كَانَ صَامَهُ عليه الصلاة والسلام لِرَمَضَانَ فَلاَ نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام نَسَخَ بِفِعْلِهِ حُكْمَ الآيَةِ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَعَادَ حُكْمُ الآيَةِ , فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ فَكَيْف ، وَلاَ دَلِيلَ أَصْلاً عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِ الآيَةِ قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا نَزَلَ بَعْضُهَا إلاَّ بَعْدَ إسْلاَمِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِمُدَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْنَا إلاَّ أَنْ نَذْكُرَ مَنْ قَالَ : بِمِثْلِ قَوْلِنَا لِئَلاَّ يَدَّعُوا عَلَيْنَا خِلاَفَ الإِجْمَاعِ ; فَالدَّعْوَى لِذَلِكَ مِنْهُمْ سَهْلَةٌ , وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ خِلاَفًا لِلإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَفِي غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قَيْسٍ أَنَّهُ صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعِيدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يُعِيدَ صِيَامَهُ فِي السَّفَرِ. قال أبو محمد : إنَّ مَنْ احْتَجَّ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : الْبَيْعُ عَلَى صَفْقَةٍ أَوْ تَخَايُرٍ ; ثُمَّ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عُمَرَ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ : لاَُعْجُوبَةٌ وَأُخْلُوقَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَهَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ أَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ : يُسْرٌ وَعُسْرٌ خُذْ بِيُسْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قال أبو محمد : إخْبَارُهُ بِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ عُسْرٌ : إيجَابٌ مِنْهُ لِفِطْرِهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا : الإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ : عَزْمَةٌ. رُوِّينَا هَذَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ , وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لاَ يُجْزِئْهُ يَعْنِي لاَ يُجْزِئْهُ صِيَامُهُ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ : إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكَ أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقْتَ بِصَدَقَةٍ فَرُدَّتْ عَلَيْكَ أَلَمْ تَغْضَبْ قال أبو محمد : هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ مُغْضِبًا لِلَّهِ تَعَالَى , وَلاَ يُقَالُ هَذَا فِي شَيْءٍ مُبَاحٍ أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ أَنَّ امْرَأَةً صَحِبَتْ ابْنَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَوَضَعَ الطَّعَامَ فَقَالَ لَهَا : كُلِّي قَالَتْ : إنِّي صَائِمَةٌ قَالَ : لاَ تَصْحَبِينَا وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يُقَالُ : الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ كَالإِفْطَارِ فِي الْحَضَرِ. قال أبو محمد : هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ , وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ , وَلاَ يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ فِي الدِّينِ : يُقَالُ كَذَا إلاَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِهِ ، رضي الله عنهم ، , وَأَمَّا خُصُومُنَا فَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا لَكَانَ أَسْهَلَ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا : لاَ يَقُولُ ذَلِكَ إلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ , وَهَذَا سَنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ أُعِيدَهُ فِي أَهْلِي , وَأَنْ أَقْضِيَهُ فَقَضَيْته. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأُتِمُّ الصَّلاَةَ فِي السَّفَرِ وَأَصُومُ قَالَ : لاَ فَقَالَ : إنِّي أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ قَالَ سَعِيدٌ : رَسُولُ اللَّهِ r كَانَ أَقْوَى مِنْك قَدْ كَانَ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ : أَمَّا الْمَفْرُوضُ فَلاَ ; وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ مَوْلَى قُرَيْبَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ صَامَ فِي السَّفَرِ : إنَّهُ يَقْضِيه فِي الْحَضَرِ , قَالَ شُعْبَةُ : لَوْ صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِالآخِرِ فَالآخِرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لاَ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَنْهَى ، عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ ; وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يَنْهَى ، عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : لاَ يَصُومُ الْمُسَافِرُ أَفْطِرْ أَفْطِرْ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. قال أبو محمد : وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ لَوْ وَجَدُوا مِثْلَهُ لَعَظُمَ الْخَطْبُ مَعَهُمْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ r قَالَ : الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ. قال أبو محمد : وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَحْتَجُّ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ ، وَلاَ نَرَاهُ حُجَّةً لَنَا ، وَلاَ عَلَيْنَا وَفِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ كِفَايَةٌ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ إتْمَامُ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ , وَمَالِكٌ يَرَى فِي ذَلِكَ الإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَخْتَارُونَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ عَلَى الْفِطْرِ , تَنَاقُضًا لاَ مَعْنَى لَهُ , وَخِلاَفًا لِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَلِلْقِيَاسِ الَّذِي يَدَّعُونَ لَهُ السُّنَنَ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا , وَلَهُ أَنْ يَصُومَ فِيهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ أَفْطَرَهُ قَبْلُ أَوْ سَائِرَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّوْمِ نَذْرًا أَوْ غَيْرَهُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : وَلَمْ يَخُصَّ رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ مِنْ صِيَامِهِ إلاَّ لِعَيْنِهِ فَقَطْ ; وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَإِنْ كَانَ يُؤْذِيه الصَّوْمُ فَتَكَلَّفَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ لاَِنَّهُ مَنْهِيٌّ ، عَنِ الْحَرَجِ وَالتَّكَلُّفِ , وَعَنْ أَذَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ ; لاَِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ مَرِيضًا لاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَالْحَرَجُ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدِّينِ. 763 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَقَامَ مِنْ قَبْلِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُسَافِرْ إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي سَفَرِهِ فَعَلَيْهِ إذَا نَوَى الإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ ، وَلاَ بُدَّ , سَوَاءٌ كَانَ فِي جِهَادٍ , أَوْ عُمْرَةٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ إنَّمَا أُلْزِمَ الْفِطْرَ إذَا كَانَ عَلَى سَفَرٍ وَهَذَا مُقِيمٌ ; فَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ إنْ كَانَ جَاهِلاً مُتَأَوِّلاً , وَعَصَى إنْ كَانَ عَالِمًا ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ; لاَِنَّهُ مُقِيمٌ صَحِيحٌ ظَنَّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ ; فَإِنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي سَفَرِهِ أَنْ يَرْحَلَ غَدًا فَلَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ حَدَثَتْ لَهُ إقَامَةٌ فَهُوَ مُفْطِرٌ ; لاَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِمَا فَعَلَ , وَهُوَ عَلَى سَفَرٍ مَا لَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهَذَا بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ ; لإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الصَّلاَةِ بِقَصْرِ عِشْرِينَ يَوْمًا يُقِيمُهَا فِي الْجِهَادِ , وَبِقَصْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يُقِيمُهَا فِي الْحَجِّ. وَبِقَصْرِ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ مُقِيمًا مَا بَيْنَ نُزُولِهِ إلَى رَحِيلِهِ مِنْ غَدٍ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنْ يُفْطِرَ فِي غَيْرِ يَوْمٍ لاَ يَكُونُ فِيهِ مُسَافِرًا. فإن قيل : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَهَذَا عَلَى سَفَرٍ قلنا : لَوْ كَانَتْ " عَلَى " فِي هَذِهِ الآيَةِ مَعْنَاهَا مَا ظَنَنْتُمْ مِنْ إرَادَةِ السَّفَرِ لاَ الدُّخُولِ فِي السَّفَرِ لَوَجَبَ عَلَى مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ بَعْدَ أَيَّامٍ ; لاَِنَّهُ عَلَى سَفَرٍ وَهَذَا مَا لاَ يُشَكُّ فِي أَنَّهُ لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ ; وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا أَوَّلُ الآيَةِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فَوَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ صِيَامُهُ وَعَلَى الْمُسَافِرِ إفْطَارُهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : إنَّ اللَّهَ وَضَعَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ الصِّيَامَ وَشَطْرَ الصَّلاَةِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ إلاَّ مُسَافِرٌ أَوْ شَاهِدٌ ; فَالشَّاهِدُ يَصُومُ وَالْمُسَافِرُ يُفْطِرُ وَلَيْسَ الْمُسَافِرُ إلاَّ الْمُنْتَقِلُ لاَ الْمُقِيمُ ; فَلاَ يُفْطِرُ إلاَّ مَنْ انْتَقَلَ بِخِلاَفِ مَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ , وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا صَائِمًا فَحَدَثَ لَهُ سَفَرٌ فَإِنَّهُ إذَا بَرَزَ ، عَنْ مَوْضِعِهِ فَقَدْ سَافَرَ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : بَلْ نَقِيسَ الصَّوْمَ عَلَى الصَّلاَةِ قلنا : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً ; لأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ قَصْرَ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ لاَ يُقَاسَ عَلَيْهِ قَصْرُ سَائِرِهَا , فَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ قِيَاسُ قَصْرِ صَلاَةٍ عَلَى قَصْرِ صَلاَةٍ أُخْرَى فَأَبْطَلُ وَأَبْعَدُ أَنْ يُقَاسَ فِطْرٌ عَلَى فِطْرٍ ; وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْوِي فِي الصَّلاَةِ الْمُسَافِرُ إقَامَةً فَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْمُقِيمِ ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ , فَبَطَلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخِرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 764 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَيْضُ الَّذِي يُبْطِلُ الصَّوْمَ هُوَ الأَسْوَدُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ. وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : فَإِذَا جَاءَ الآخَرُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ , وَغَيْرِهَا كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا. 765 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا رَأَتْ الْحَائِضُ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ رَأَتْهُ النُّفَسَاءُ وَأَتَمَّتَا عِدَّةَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَخَّرَتَا الْغُسْلَ عَمْدًا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ اغْتَسَلَتَا وَأَدْرَكَتَا الدُّخُولَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَضُرَّهُمَا شَيْئًا وَصَوْمُهُمَا تَامٌّ ; لاَِنَّهُمَا فَعَلَتَا مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُمَا ; فَإِنْ تَعَمَّدَتَا تَرْكَ الْغُسْلِ حَتَّى تَفُوتَهُمَا الصَّلاَةُ بَطَلَ صَوْمُهُمَا ; لاَِنَّهُمَا عَاصِيَتَانِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ عَمْدًا , فَلَوْ نَسِيَتَا ذَلِكَ أَوْ جَهِلَتَا فَصَوْمُهُمَا تَامٌّ ; لاَِنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا مَعْصِيَةً ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 766 - مَسْأَلَةٌ : وَتَصُومُ الْمُسْتَحَاضَةُ كَمَا تُصَلِّي عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 767 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ فَأَخَّرَ قَضَاءَهَا عَمْدًا , أَوْ لِعُذْرٍ , أَوْ لِنِسْيَانٍ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَفْطَرَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ قَضَى الأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ ، وَلاَ مَزِيدَ , وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ; وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهَا عِدَّةَ سِنِينَ ، وَلاَ فَرْقَ إلاَّ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِي تَأْخِيرِهَا عَمْدًا سَوَاءٌ أَخَّرَهَا إلَى رَمَضَانَ أَوْ مِقْدَارَ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهَا مِنْ الأَيَّامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَالْمُسَارَعَةُ إلَى اللَّهِ الْمُفْتَرَضَةُ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَأَمَرَ النَّبِيُّ r الْمُتَعَمِّدَ لِلْقَيْءِ , وَالْحَائِضَ , وَالنُّفَسَاءَ : بِالْقَضَاءِ ; وَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r فِي ذَلِكَ وَقْتًا بِعَيْنِهِ , فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى أَبَدًا , وَلَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ بِإِيجَابِ إطْعَامٍ فِي ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ إلْزَامُ ذَلِكَ أَحَدًا لاَِنَّهُ شَرْعٌ وَالشَّرْعُ لاَ يُوجِبُهُ فِي الدِّينِ إلاَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r فَقَطْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : يُطْعِمُ مَعَ الْقَضَاءِ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الرَّمَضَانِ الآتِي مُدًّا مُدًّا عَدَدَهَا مَسَاكِينَ إنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْقَضَاءِ ; فَإِنْ كَانَ تَمَادَى مَرَضُهُ قَضَى ، وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد : وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ ، عَنِ السَّلَفِ ، رضي الله عنهم ، أَقْوَالاً : فَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ ,. وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ , وَعَطَاءٌ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الآخَرَ ، وَلاَ يَقْضِي الأَوَّلَ بِصِيَامٍ , لَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مُدًّا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو قَتَادَةَ , وَعِكْرِمَةُ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا : يُهْدِي مَكَانَ كُلِّ رَمَضَانَ فَرَّطَ فِي قَضَائِهِ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَصُومُ هَذَا وَيَقْضِي الأَوَّلَ وَلَمْ يَذْكُرْ طَعَامًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ , وطَاوُوس , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ عَلِيٌّ : عَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ ; فَهَلاَّ قَالُوهُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ 768 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمُتَابَعَةُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَقْضِيهَا مُتَفَرِّقَةً وَتُجْزِئُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَلَمْ يَحُدَّ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَقْتًا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِخُرُوجِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ نَعْنِي أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ قَضَائِهَا مُتَفَرِّقَةً. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : بِأَنَّهَا لاَ تُجْزِئُ إلاَّ مُتَتَابِعَةً بِأَنَّ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ ". قَالَ عَلِيٌّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ : قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : نَزَلَتْ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ " فَسَقَطَتْ " مُتَتَابِعَاتٌ ". قال أبو محمد : سُقُوطُهَا مُسْقِطٌ لِحُكْمِهَا , لاَِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ الْقُرْآنُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلاَّ بِإِسْقَاطِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ مَا نَنْسَخُ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ فإن قيل : قَدْ يَسْقُطُ لَفْظُ الآيَةِ وَيَبْقَى حُكْمُهَا كَمَا كَانَ فِي آيَةِ الرَّجْمِ. قلنا : لَوْلاَ إخْبَارُ النَّبِيِّ r بِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّجْمِ لَمَا جَازَ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الآيَةِ النَّازِلَةِ بِهِ لإِنَّ مَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ يَجُوزُ لَنَا إبْقَاءُ لَفْظِهِ ، وَلاَ حُكْمِهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ. 769 - مَسْأَلَةٌ : وَالأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ عَرَفَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا ; لاَِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِصَوْمِهِ فِي الْقُرْآنِ ; فَإِنْ سُوفِرَ بِهِ أَفْطَرَ ، وَلاَ بُدَّ لاَِنَّهُ عَلَى سَفَرٍ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِمَا ذُكِرَ قَبْلُ ; فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّهْرَ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ صِيَامُهُ وَلَزِمَتْهُ أَيَّامٌ أُخَرُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَإِلاَّ فَلاَ. . وَقَالَ قَوْمٌ : يَتَحَرَّى شَهْرًا وَيُجْزِئُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ : إنْ وَافَقَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ , وَإِنْ وَافَقَ شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ , لاَِنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً ، عَنْ رَمَضَانَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا تَحَرِّي شَهْرٍ فَيُجَزِّئُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ قَضَاءً فَحُكْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ. قلنا : هَذَا بَاطِلٌ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحَرِّيَ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ ; بَلْ مَنْ جَهِلَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا , فَيُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلاَةِ. قلنا : وَهَذَا بَاطِلٌ , أَيْضًا , لاَِنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ صَلاَةٌ إلاَّ حَتَّى يُوقِنَ بِدُخُولِ وَقْتِهَا. قال أبو محمد : وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى صِيَامَهُ إلاَّ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ , وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ جَهِلَ وَقْتَهُ فَلَمْ يَشْهَدْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ مَعْرِفَةُ دُخُولِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى صِيَامَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ الشَّهْرِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ; لاَِنَّهُ صَوْمُ غَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَعَلَيْهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ فِيهِ وَالْمُسَافِرِ فِيهِ وَهُوَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ , فَيَقْضِي الأَيَّامَ الَّتِي سَافَرَ , وَاَلَّتِي مَرِضَ فَقَطْ ، وَلاَ بُدَّ ; وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّهُ مَرِضَ فِيهِ أَوْ سَافَرَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 770 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَامِلُ , وَالْمُرْضِعُ , وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ كُلُّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ , فَإِنْ خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْمُرْضَعِ قِلَّةَ اللَّبَنِ وَضَيْعَتَهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا , أَوْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا , أَوْ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ , أَوْ عَجَزَ الشَّيْخُ ، عَنِ الصَّوْمِ لِكِبَرِهِ : أَفْطَرُوا ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ إطْعَامَ , فَإِنْ أَفْطَرُوا لِمَرَضٍ بِهِمْ عَارِضٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ. أَمَّا قَضَاؤُهُمْ لِمَرَضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْفِطْرِ عَلَيْهِمَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْجَنِينِ , وَالرَّضِيعِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ فَإِذْ رَحْمَةُ الْجَنِينِ , وَالرَّضِيعِ : فَرْضٌ , وَلاَ وُصُولَ إلَيْهَا إلاَّ بِالْفِطْرِ : فَالْفِطْرُ فَرْضٌ ; وَإِذْ هُوَ فَرْضٌ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا الصَّوْمُ , وَإِذَا سَقَطَ الصَّوْمُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءَ إلاَّ عَلَى الْمَرِيضِ , وَالْمُسَافِرِ , وَالْحَائِضِ , وَالنُّفَسَاءِ , وَمُتَعَمِّدِ الْقَيْءِ فَقَطْ , وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ لِكِبَرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ فِي وُسْعِهِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ. وَأَمَّا تَكْلِيفُهُمْ إطْعَامًا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. قال أبو محمد : رُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلْقَمَةَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ : إنِّي حُبْلَى وَأَنَا أُطِيقُ الصَّوْمَ وَزَوْجِي يَأْمُرُنِي أَنْ أُفْطِرَ فَقَالَ لَهَا عَلْقَمَةُ : أَطِيعِي رَبَّكِ وَأَعْصِي زَوْجَكِ. وَمِمَّنْ أَسْقَطَ عَنْهَا الْقَضَاءَ : رُوِّينَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلاَهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ وَهِيَ حُبْلَى فَقَالَ لَهَا : أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، وَلاَ تَقْضِي. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَقَتَادَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ لاََمَةٍ لَهُ مُرْضِعٍ : أَنْتِ بِمَنْزِلَةِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، وَلاَ تَقْضِي. رُوِّينَا كِلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ حَمَّادٍ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : تُفْطِرُ الْحَامِلُ الَّتِي فِي شَهْرِهَا وَالْمُرْضِعُ الَّتِي تَخَافُ عَلَى وَلَدِهَا وَتُطْعِمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ , وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِمَّنْ أَسْقَطَ الإِطْعَامَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تُفْطِرُ الْحَامِلُ , وَالْمُرْضِعُ فِي رَمَضَانَ وَيَقْضِيَانِهِ صِيَامًا ، وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهِمَا. وَمِثْلُهُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ. وَمِمَّنْ رَأَى عَلَيْهِمَا الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا : عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ عَلَى وَلَدِهَا فَلْتُفْطِرْ وَلْتُطْعِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ وَلِتَقْضِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد : فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى إيجَابِ الْقَضَاءِ ، وَلاَ عَلَى إيجَابِ الإِطْعَامِ فَلاَ يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; إذْ لاَ نَصَّ فِي وُجُوبِهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ , وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ , فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ مُرْضِعٍ فِي رَمَضَانَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَرَخَّصَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْفِطْرِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً ، وَلاَ طَعَامًا , وقال مالك : أَمَّا الْمُرْضِعُ فَتُفْطِرُ وَتُطْعِمُ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَتَقْضِي مَعَ ذَلِكَ , وَأَمَّا الْحَامِلُ فَتَقْضِي ، وَلاَ إطْعَامَ عَلَيْهَا , وَلاَ يُحْفَظْ هَذَا التَّقْسِيمُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ رَأَى الإِطْعَامَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حدثنا قَتَادَةُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ , وَالشَّيْخِ , وَالْعَجُوزِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ جُوَيْبِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ r يُرَخِّصُ لِلْحُبْلَى , وَالْمُرْضِعِ أَنْ يُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ فَإِذَا أَفْطَمَتْ الْمُرْضِعُ , وَوَضَعَتْ الْحُبْلَى جَدَّدَتَا صَوْمَهُمَا. قَالَ عَلِيٌّ : حَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ ; وَحَدِيثُ الضَّحَّاكِ فِيهِ ثَلاَثُ بَلاَيَا , جُوَيْبِرٌ وَهُوَ سَاقِطٌ وَالضَّحَّاكُ مِثْلُهُ وَالإِرْسَالُ مَعَ ذَلِكَ , لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ قَبْلُ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ , أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَقَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ , فَهَذَا هُوَ الْمُسْنَدُ الصَّحِيحُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ يُصَرِّفُونَ هَذِهِ الآيَةَ تَصْرِيفَ الأَفْعَالِ فِي غَيْرِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ , فَمَرَّةً يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ , وَمَرَّةً يُصَرِّفُونَهَا فِي الْحَامِلِ , وَالْمُرْضِعِ , وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ , وَكُلُّ هَذَا إحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ , وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْتَجِيزُ مَنْ يَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ مِثْلَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَفِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ , وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ الإِطْعَامَ عَلَيْهِ وَاجِبًا ". وقال الشافعي مَرَّةً كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَرَّةً كَقَوْلِ مَالِكٍ. قال أبو محمد : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ سُفْيَانَ , وَجَرِيرٍ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٌ يُكَلَّفُونَهُ ، وَلاَ يُطِيقُونَهُ. قَالَ : هَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ الْهَرِمَةُ لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَقَالَ جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : مِثْلَهُ. قال علي : هذا صَحِيحٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ : إنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا , وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ ضَعُفَ ، عَنِ الصَّوْمِ إذْ كَبِرَ فَكَانَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا , قَالَ قَتَادَةُ : الْوَاحِدُ كَفَّارَةٌ , وَالثَّلاَثَةُ تَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ هُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي عَجَزَ ، عَنِ الصَّوْمِ , وَالْحُبْلَى يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّوْمُ , فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إطْعَامُ مِسْكِينٍ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ , وَقَتَادَةَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ , وَالْعَجُوزِ أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَعَنْ عَطَاءٍ , وَالْحَسَنِ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ , وطَاوُوس , وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِيمَنْ مَنَعَهُ الْعُطَاشُ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا. قال أبو محمد : فَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الشَّيْخِ الَّذِي لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ لِهَرَمِهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ , وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ عَلَى الْمُرْضِعِ خَاصَّةً , وَلَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْحَامِلِ ، وَلاَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ; لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أُبِيحَ لَهُمْ الْفِطْرُ دُونَ إطْعَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالشَّيْخُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَرِيضِ , وَالْمُسَافِرِ , لاَِنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ كَمَا أُبِيحَ لَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنْفُسِهِمَا ; وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ ; فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا : عَلِيًّا , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَقَيْسَ بْنَ السَّائِبِ ; وَأَبَا هُرَيْرَةَ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَخَالَفُوا : عِكْرِمَةَ , وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءً , وَقَتَادَةَ , وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ , وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا. قال أبو محمد : وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ r . وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَقِرَاءَةٌ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا ; لإِنَّ الْقُرْآنَ لاَ يُؤْخَذُ إلاَّ عَنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ r فَمَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلْيَقْرَأْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَحَاشَ اللَّهَ أَنْ يُطَوِّقَ الشَّيْخَ مَا لاَ يُطِيقُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْخُ هَذِهِ الآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ , وَفِي بَابِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ , وَأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ قَطُّ فِي الشَّيْخِ , وَلاَ فِي الْحَامِلِ , وَلاَ فِي الْمُرْضِعِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي حَالٍ وَقَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ. وَالشَّيْخُ , وَالْعَجُوزُ اللَّذَانِ لاَ يُطِيقَانِ الصَّوْمَ فَالصَّوْمُ لاَ يَلْزَمُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الصَّوْمُ فَالْكَفَّارَةُ لاَ تَلْزَمُهُمَا , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُلْزِمْهُمَا إيَّاهَا ، وَلاَ رَسُولُهُ r وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَمَالِكًا , وَالشَّافِعِيَّ يُسْقِطُونَ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا وَقَصَدَ إبْطَالَ صَوْمِهِ عَاصِيًا , لِلَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , وَبِالأَكْلِ , وَشُرْبِ الْخَمْرِ عَمْدًا وَبِتَعَمُّدِ الْقَيْءِ. نَعَمْ , وَبَعْضُهُمْ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ عَنْهُ فِيمَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِ فَتَعَمَّدَ أَكْلَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ , ثُمَّ يُوجِبُونَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِفْطَارِ وَأَبَاحَهُ لَهُ مِنْ مُرْضِعٍ خَائِفَةٍ عَلَى رَضِيعِهَا التَّلَفَ , وَشَيْخٍ كَبِيرٍ لاَ يُطِيقُ الصَّوْمَ ضَعْفًا , وَحَامِلٍ تَخَافُ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا ; وَحَسْبُكَ بِهَذَا تَخْلِيطًا ; ، وَلاَ يَحِلُّ قَبُولُ مِثْلِ هَذَا إلاَّ مِنْ الَّذِي لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r . 771 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَطِئَ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ عَامِدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ , وَمَنْ وَطِئَ فِي يَوْمَيْنِ عَامِدًا فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ , سَوَاءٌ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ لِكُلِّ ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَفَّرَ ثُمَّ أَفْطَرَ نَهَارًا آخَرَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الأَيَّامُ مِنْ شَهْرٍ وَاحِدٍ ; فَإِنْ كَانَ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ أَفْطَرَ فِيهِمَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ اثْنَيْنِ , فَلِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ غَيْرُ كَفَّارَةِ الْيَوْمِ الآخَرِ. فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ أَيَّامَ رَمَضَانَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْهَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ , إذَا لَمْ يُكَفِّرْ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ كَفَّرَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَكَفَّرَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ ; فَمَرَّةٌ قَالَ : عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى , وَمَرَّةٌ قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ الْكَفَّارَةُ الَّتِي كَفَّرَ بَعْدُ. وقال مالك وَاللَّيْثُ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيُّ : مِثْلَ قَوْلِنَا وَهُوَ عَطَاءٍ , وَأَحَدُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد : وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ.فَصَحَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْكَفَّارَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا , وَكُلُّ يَوْمٍ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ; لإِنَّ الْخِطَابَ بِالْكَفَّارَةِ وَاقِعٌ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ ، وَلاَ فَرْقَ. فإن قيل : هَلاَّ قِسْتُمْ هَذَا عَلَى الْحُدُودِ قلنا : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لإِنَّ الْحُدُودَ الَّتِي يُقِيمُهَا الإِمَامُ وَالْحَاكِمُ عَلَى الْمَرْءِ كُرْهًا , وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى نَفْسِهِ , بِخِلاَفِ الْكَفَّارَةِ الَّتِي إنَّمَا يُقِيمُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ , وَلَيْسَ مُخَاطَبًا بِالْحُدُودِ عَلَى نَفْسِهِ ; وَفُرُوقٌ أُخَرُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُدُودِ وَأَيْضًا : فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَأَى إنْ كَانَ الْيَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَكَفَّارَتَانِ ، وَلاَ بُدَّ ; ، وَلاَ خِلاَفَ مِنْهُ فِي أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِامْرَأَتَيْنِ مِنْ بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ , وَلَوْ شَرِبَ خَمْرًا مِنْ عَصِيرِ عَامٍ وَاحِدٍ , وَخَمْرًا مِنْ عَصِيرِ عَامٍ آخَرَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ , وَلَوْ سَرَقَ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَطْعٌ وَاحِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَا ذَكَرْنَا , وَرَأَى فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتَيْهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ كَفَّارَةً أُخْرَى. وَقَالَ فِيمَنْ قَالَ فِي مَجْلِسٍ : وَاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا , ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ : وَاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا أَنَّهُمَا يَمِينَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ , وَمَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا : فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا إذَا كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَإِنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَأْمُرْهُ إلاَّ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَعَادَ أَمْ لاَ وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ فَقَدْ أَفْطَرَ , فَالْوَطْءُ الثَّانِي وَقَعَ فِي غَيْرِ صِيَامٍ فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ , وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْوَاطِئَ بِأَوَّلِ إيلاَجِهِ مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَاوَدَ أَوْ لَمْ يُعَاوِدْ , وَلاَ كَفَّارَةَ فِي إيلاَجِهِ ثَانِيَةً بِالنَّصِّ , وَالإِجْمَاعِ 772 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَدَدُ الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ ، وَلاَ يُجْزِئُهُ شَهْرٌ نَاقِصٌ مَكَانَ تَامٍّ , وَلاَ يَلْزَمُهُ شَهْرٌ تَامٌّ مَكَانَ نَاقِصٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : يُجْزِئُ شَهْرٌ مَكَانَ شَهْرٍ إذَا صَامَ مَا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ ، وَلاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ. 773 - مَسْأَلَةٌ : وَلِلْمَرْءِ أَنْ يُفْطِرَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ , لاَ نَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ , إلاَّ أَنَّ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ عَامِدًا قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ , وَهَذَا مَعْلُومٌ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ , وَالسُّنَنِ , وَالإِجْمَاعِ , وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ , إذْ لاَ يُمْكِنُ قِسْمٌ ثَالِثٌ أَصْلاً ; فَالْفَرْضُ هُوَ الَّذِي يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ ; وَالتَّطَوُّعُ هُوَ الَّذِي لاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ وَلَوْ عَصَى لَكَانَ فَرْضًا , وَالْمُفَرِّطُ فِي التَّطَوُّعِ تَارِكٌ مَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ فَرْضًا , فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ r الأَعْرَابِيَّ الَّذِي سَأَلَهُ ، عَنِ الصَّوْمِ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام بِرَمَضَانَ فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ : لاَ إلاَّ أَنْ تَتَطَوَّعَ شَيْئًا فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ : وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ ; فَقَالَ عليه السلام : أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ , دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ فَلَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ r فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ كَرَاهَةً أَصْلاً. وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ صَلاَةَ تَطَوُّعٍ , أَوْ بَدَا لَهُ فِي صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ , أَوْ فَسَخَ عَمْدًا حَجَّ تَطَوُّعٍ , أَوْ اعْتِكَافَ تَطَوُّعٍ , وَلاَ فَرْقَ لِمَا ذَكَرْنَا , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهَا , وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r إلاَّ أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلاَّ فِي فِطْرِ التَّطَوُّعِ فَقَطْ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فإن قيل : إنَّكُمْ تُوجِبُونَ فَرْضًا فِي الصَّوْمِ غَيْرَ رَمَضَانَ كَالنَّذْرِ وَصِيَامِ الْكَفَّارَاتِ قلنا : نُوجِبُ مَا أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ r وَنُضِيفُهُ إلَى فَرْضِ رَمَضَانَ , وَلاَ نُوجِبُ مَا لَمْ يُوجِبْ ، وَلاَ نَتَعَدَّى حُدُودَهُ ، وَلاَ نُعَارِضُهُ بِآرَائِنَا , وَقَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ : كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَتَانَا يَوْمًا فَقَالَ : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ قلنا : نَعَمْ , أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ : أَمَّا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ , حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، حدثنا أَبُو الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : آخَى النَّبِيُّ r بَيْنَ سَلْمَانَ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا , فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ : كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ ; قَالَ سَلْمَانُ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ , وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَفِيهِ : أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لَهُ : إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا , وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا , وَلاَِهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا , فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ , فَأَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ عليه السلام : صَدَقَ سَلْمَانُ فَهَذَا النَّبِيُّ r قَدْ صَوَّبَ قَوْلَ سَلْمَانَ فِي إفْطَارِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي دَاوُد عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْحَفْرِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ r بِطَعَامٍ وَهُوَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لاَِبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اُدْنُوَا فَكُلاَ قَالاَ : إنَّا صَائِمَانِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ارْحَلُوا لِصَاحِبِكُمْ , اعْمَلُوا لِصَاحِبِكُمْ , اُدْنُوَا فَكُلاَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ , وَبِهَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ قَالَ : فَلَمْ يَأْلُوا مَا شَكُّوا عَلَيْهِ , وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَصَبْت حَلاَلاً وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ ; قَالَ لَهُ عُمَرُ : أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الَّذِي يَأْكُلُ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ : لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الصِّيَامُ تَطَوُّعًا وَالطَّوَافُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ إنْ شَاءَ مَضَى وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ. وَرُوِّينَا أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ يُفْطِرُ ، وَلاَ يُبَالِي وَيَأْمُرُ بِقَضَاءِ يَوْمٍ مَكَانَهُ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِإِفْطَارِ التَّطَوُّعِ بَأْسًا. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَعَطَاءٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ; وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , إلاَّ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا فِي ذَلِكَ قَضَاءً. وقال مالك : إنْ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يُتِمُّ صَوْمَهُ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَيَقْضِي. قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ خِلاَفِهِ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا إيجَابُنَا الْقَضَاءَ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَصْبَحْتُ صَائِمَةً أَنَا وَحَفْصَةُ أُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَعْجَبَنَا فَأَفْطَرْنَا فَدَخَلَ النَّبِيُّ r فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ : صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْخَبَرِ , إلاَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لإِنَّ جَرِيرًا ثِقَةٌ ; وَدَعْوَى الْخَطَأِ بَاطِلٌ إلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي لَهُ بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ ; وَلَيْسَ انْفِرَادُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عِلَّةً , لاَِنَّهُ ثِقَةٌ. قال أبو محمد : لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ مَا أَفْطَرَ بِهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمٌ وَاحِدٌ , فَمِنْ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ فِي كُلِّ ذَلِكَ , وَمُسْقِطٍ لَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ ; وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِالْقَضَاءِ فِي الإِفْطَارِ فَمَا نُبَالِي بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الإِفْطَارِ نَاسِيًا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ فَخَطَأٌ لاَ وَجْهَ لَهُ , وَلَيْسَ إلاَّ صَائِمٌ أَوْ مُفْطِرٌ , فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْقَضَاءِ أَوْ تَرْكِهِ ; وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلاَ قَضَاءَ عَلَى صَائِمٍ. 774 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ قَضَاءُ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَطْ ; لإِنَّ إيجَابَ الْقَضَاءِ إيجَابُ شَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ كَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ; لاَِنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ. قال أبو محمد : هَذَا أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا , وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ , يَوْمِ رَمَضَانَ , وَيَوْمِ الْقَضَاءِ. 775 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ , أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ فَفَرْضٌ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَنْ يَصُومُوهُ عَنْهُ هُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ , وَلاَ إطْعَامَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُهُ عَنْهُ ، وَلاَ بُدَّ أَوْصَى بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمَا. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : إنْ أَوْصَى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ , وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالإِطْعَامُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مُدٌّ مُدٌّ , وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَاعٌ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ , نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ دَقِيقِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ كَمَا قلنا. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي النَّذْرِ خَاصَّةً. قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ , وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ ، حدثنا أَبِي. ثُمَّ اتَّفَقَ مُوسَى , وَابْنُ وَهْبٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَعَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ النَّبِيَّ r فَقَالَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. قال أبو محمد : سَمِعَهُ الأَعْمَشُ مِنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ , وَمِنْ الْحَكَمِ , وَمِنْ سَلَمَةَ , وَسَمِعَهُ الْحَكَمُ , وَسَلَمَةُ مِنْ مُجَاهِدٍ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ , وَعَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيِّ , قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ , وَقَالَ عَبْدٌ : حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ : حدثنا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ , ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ نُمَيْرٍ , وَسُفْيَانُ , وَعَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ : صُومِي , قَالَتْ : إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ : حُجِّي عَنْهَا. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ : شَهْرَيْنِ , وَاتَّفَقُوا عَلَى كُلٍّ مَا عَدَا ذَلِكَ. قال أبو محمد : فَهَذَا الْقُرْآنُ , وَالسُّنَنُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا , وَكُلُّهُمْ يَقُولُ : يُحَجُّ ، عَنِ الْمَيِّتِ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ , ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ , وَكِلاَهُمَا عَمَلُ بَدَنٍ , وَلِلْمَالِ فِي إصْلاَحِ مَا فَسَدَ مِنْهُمَا مَدْخَلٌ بِالْهَدْيِ , وَبِالإِطْعَامِ , وَبِالْعِتْقِ , فَلاَ الْقُرْآنَ اتَّبَعُوا , وَلاَ بِالسُّنَنِ أَخَذُوا ، وَلاَ الْقِيَاسَ عَرَفُوا , وَشُغِلُوا فِي ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ : مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى. وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : عِلْمٌ عَلَّمَهُ , أَوْ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ , أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ. وَبِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ , وَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ وقال بعضهم : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمَا رَوَيَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا الصِّيَامَ ، عَنِ الْمَيِّتِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ اسْمُهَا عَمْرَةُ : أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَقْضِيه عَنْهَا قَالَتْ : لاَ , بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ. وَإِذَا تَرَكَ الصَّاحِبُ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ , إذْ لَوْ تَعَمَّدَ مَا رَوَاهُ لَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ , وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَقَالُوا : لاَ يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لاَ يُصَلَّى عَنْهُ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ , وَهُوَ كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ , أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى فَحَقٌّ إلاَّ أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِهِ r لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ : مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى , وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ r أَنَّ لَهُ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ , وَالصَّوْمُ عَنْهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقَالُوا : إنْ حَجَّ ، عَنِ الْمَيِّتِ , أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ , أَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ , فَأَجْرُ كُلِّ ذَلِكَ لَهُ ، وَلاَ حَقَّ بِهِ , فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ : إنَّمَا يُحَجُّ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ , لاَِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى قلنا لَهُ : فَقُولُوا : بِأَنْ يُصَامَ عَنْهُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لاَِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا : لِلْمَالِ فِي الْحَجِّ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ قلنا : وَلِلْمَالِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْعِتْقِ وَالاِطِّعَامِ ; وَكُلُّ هَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ , وَتَنَاقُضٌ , وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ يُجِيزُونَ الْعِتْقَ عَنْهُ , وَالصَّدَقَةَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وَأَمَّا إخْبَارُهُ عليه السلام بِأَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ , فَصَحِيحٌ , وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا الْفَضِيحَةَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ قَالَ لَهُمْ : إنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ ، عَنِ الْمَيِّتِ هُوَ عَمَلُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَأْتُوا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلاَّ انْقِطَاعُ عَمَلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعُ عَمَلِ غَيْرِهِ أَصْلاً , وَلاَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ; فَظَهَرَ قُبْحُ تَمْوِيهِهِمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلاَّ عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ فَسَادِهَا لِعِلَلٍ ثَلاَثٍ فِيهِ : إحْدَاهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ , وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ فِيهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ , وَهُوَ سَاقِطٌ , وَالثَّالِثَةُ : أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ كَذَّابٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لإِنَّ فِيهِ إيجَابَ الإِطْعَامِ عَنْهُ إنْ صَحَّ بَعْدَ أَنْ مَرِضَ , وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ , إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ , وَإِلاَّ فَلاَ. فَإِنْ قَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ قلنا : كَذَبْتُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ خِلاَفَ مَا فِيهِ , لإِنَّ فِيهِ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَصِحَّ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ فَلَوْ أَرَادَ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ تَمَادِي مَرَضِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَلاَ يُطْعَمُ عَنْهُ , وَبَيْنَ صِحَّتِهِ بَيْنَ مَرَضِهِ وَمَوْتِهِ فَيُطْعَمُ عَنْهُ ; لاَِنَّهُ إنْ أَوْصَى بِالإِطْعَامِ عَنْهُ , وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ ; فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْهَالِكِ وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّ عَائِشَةَ , وَابْنَ عَبَّاسٍ رَوَيَا الْخَبَرَ وَتَرَكَاهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا قَالُوا , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رِوَايَةِ الصَّاحِبِ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَلَمْ يَفْتَرِضْ عَلَيْنَا قَطُّ اتِّبَاعَ رَأْيِ أَحَدِهِمْ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الصَّاحِبُ اتِّبَاعَ مَا رَوَى لِوُجُوهٍ غَيْرِ تَعَمُّدِ الْمَعْصِيَةِ , وَهِيَ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِيمَا رَوَى تَأْوِيلاً مَا اجْتَهَدَ فِيهِ فَأَخْطَأَ فَأُجِرَ مَرَّةً , أَوْ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَا رَوَى فَأَفْتَى بِخِلاَفِهِ ; أَوْ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِخِلاَفِهِ وَهُمَا مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ ، عَنِ الصَّاحِبِ ; فَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنُ فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ r لِمَا لَمْ يَأْمُرْنَا بِاتِّبَاعِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَكَيْفَ وَكُلُّهَا مُمْكِنٌ فِيهِ ، وَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ , لاَِنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ : كَوْنُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَ ذَلِكَ الصَّاحِبِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِخِلاَفِهِ , أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ ، عَنْ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَمَّا إذَا خَالَفَ قَوْلُ الصَّاحِبِ رَأْيَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ إطْرَاحُ رَأْيِ الصَّاحِبِ وَالتَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِ وَهَذَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الْوَرَعِ فَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها رَوَتْ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r زِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الآُولَى. ثُمَّ رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقِ الإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ ; فَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا , إذْ خَالَفَتْ فِيهِ مَا رَوَتْ , وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٍ ثُمَّ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبُوهَا غَائِبٌ بِالشَّامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ , وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ أَشَدَّ الإِنْكَارِ , فَخَالَفُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ ثُمَّ كَانَتْ لاَ تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا , وَتُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أَخَوَاتِهَا , فَتَرَكُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ عَنْهُ : إيجَابَ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ , وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَأَنَّهُ لاَ يَقْضِيهِ , فَتَرَكُوا الثَّابِتَ مِنْ رَأْيِهِ لِلْهَالِكِ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ثُمَّ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَاءَانِ لاَ يُجْزِئَانِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ : مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْحَمَّامِ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ " مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ " مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ , وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ رَأْيِهِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَتَرَكَ الْحَنَفِيُّونَ رَأْيَهُ لِرِوَايَتِهِ , وَهَذَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ تُحَقِّقُ تَلاَعُبَ الْقَوْمِ بِدِينِهِمْ. وَالرَّابِعُ أَنْ نَقُولَ : لَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ ، عَنْ عَائِشَةَ فِيهِ الإِطْعَامُ كَأَنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَتْ فَلاَ صَوْمَ عَلَيْهَا وَالْخَامِسُ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفُتْيَا بِمَا رُوِيَ مِنْ الصَّوْمِ ، عَنِ الْمَيِّتِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ لَمْ نُكَلَّفْهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنِ السَّلَفِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ : رُوِّينَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لاَِخِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ : إنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَيْنِ لَمْ أَصُمْهُمَا فَسَأَلَ أَخُوهُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : بَدَنَتَانِ مُقَلَّدَتَانِ , ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَا شَأْنُ الْبُدْنِ وَشَأْنُ الصَّوْمِ , أَطْعِمْ ، عَنْ أَخِيكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قال أبو محمد : إنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ حُجَّةً فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِطْعَامِ حُجَّةً ، وَلاَ فَرْقَ ; وَلَعَلَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُطِيقًا لِلصَّوْمِ , أَوْ لَعَلَّ ذَيْنَكَ الرَّمَضَانَيْنِ كَانَا ، عَنْ تَعَمُّدٍ فَلاَ قَضَاءَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ صَوْمٌ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْلَ مَوْتِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنْ صَحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةً. وَعَنِ الْحَسَنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , فَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِ صَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مَكُّوكٌ مِنْ بُرٍّ , وَمَكُّوكٌ مِنْ تَمْرٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ طَائِفَةٍ مُدٌّ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ , وَقَدْ جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ : لاَ إطْعَامَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ صِيَامَ , وَأَيْضًا فَإِنَّ احْتِجَاجَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ بِتَرْكِ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأَنَّهُمْ خَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهَا أَنْ يُطْعِمَ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ لِمِسْكِينٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ : بِهَذَا , فَإِنْ كَانَ تَرْكُ عَائِشَةَ لِلْخَبَرِ حُجَّةً , فَقَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةً فَلَيْسَ تَرْكُهَا لِلْخَبَرِ حُجَّةً , فَظَهَرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ بِمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَقَطْ ; فَإِذَا خَالَفَ مَنْ قَلَّدُوهُ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلاَفُ الصَّاحِبِ , وَهَذَا دَلِيلُ سَوْءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ , وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَنَذْرُ شَهْرٍ : يُطْعَمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ نَذْرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ ، عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَصَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ : يُطْعَمُ عَنْهُ لِرَمَضَانَ وَيُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ , وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ; فَإِنْ كَانَ تَرْكُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْخَبَرِ حُجَّةً فَأَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ حُجَّةٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ بِهِ حُجَّةً فَتَرْكُهُ مَا تَرَكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا عَدَا هَذَا فَتَلاَعُبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ : حَدَّثُونِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ : إنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يُطْعَمُ عَنْهُ صَامَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ قَضَى عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ , قَالَ مَعْمَرٌ : وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صِيَامٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ. قال أبو محمد : لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ; لإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ أَوْجَبَ مَا أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِالإِطْعَامِ فَيُطْعَمَ عَنْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ قَالَ بِهَذَا ; إلاَّ رِوَايَةً ، عَنِ الْحَسَنِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : لاَ يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لاَ يُصَلَّى عَنْهُ ; فَبَاطِلٌ وَقِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُصَلَّى عَنْهُ النَّذْرُ , وَصَلاَةُ فَرْضٍ إنْ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى مَاتَ ; فَهَذَا دَخَلَ تَحْتَ , قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ". وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ تُصَلَّى الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ ، عَنِ الْمَيِّتِ الَّذِي يُحَجُّ عَنْهُ ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي قَضَاءِ الصَّلاَةِ ، عَنِ الْمَيِّتِ. وقال الشافعي : إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قلنا بِهِ وَإِلاَّ فَيُطْعَمُ عَنْهُ مُدٌّ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَإِنَّمَا قلنا : إنَّ الاِسْتِئْجَارَ لِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. قال أبو محمد : مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : بَلْ دَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ. 776 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ صَامَهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ أَجْزَأَ ; لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَاقْتَسَمُوهُ جَازَ كَذَلِكَ أَيْضًا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ أَنْ يَصُومُوا كُلُّهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. فَلاَ بُدَّ مِنْ أَيَّامٍ مُتَغَايِرَةٍ , فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ، وَلاَ عَلَيْهِ ; لإِنَّ الأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ , وَهَذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ الصَّوْمُ فَلَمْ يُكَلَّفْ , وَإِذَا لَمْ يُكَلَّفْهُ فَقَدْ مَاتَ ، وَلاَ صَوْمَ عَلَيْهِ. وَالأَوْلِيَاءُ هُمْ ذَوُو الْمَحَارِمِ بِلاَ شَكٍّ وَلَوْ صَامَهُ الأَبْعَدُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَجْزَأَ عَنْهُ , لاَِنَّهُ وَلِيُّهُ , فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الصَّوْمِ فَهُمْ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمِ ; لاَِنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَبِأَمْرِهِ عليه السلام الْوَلِيَّ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ. 777 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُوقِعَهَا عَلَى وَلِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ نَذْرًا ، وَلاَ يَلْزَمُهُ هُوَ ، وَلاَ وَلِيُّهُ بَعْدَهُ , وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. قال علي : وهذا النَّذْرُ إنَّمَا يَكُونُ نَذْرًا إذَا قُصِدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَإِذَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَلاَ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ ، وَلاَ غَيْرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 778 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ , شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ تَقَرُّبًا إلَيْهِ تَعَالَى , أَوْ إنْ فَاقَ , أَوْ إنْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلاً يَأْمُلُهُ لاَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَأْمُولِ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا الْقَعْنَبِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَيْلِيِّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلاَ يَعْصِهِ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمِ حَيْضَتِهَا أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ. 779 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ نَذَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً ، وَلاَ مَعْصِيَةً كَالْقُعُودِ فِي دَارِ فُلاَنٍ أَوْ أَنْ لاَ يَأْكُلَ خُبْزًا مَأْدُومًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ , وَلاَ حُكْمَ لِهَذَا إلاَّ اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ , لإِنَّ إيجَابَ النَّذْرِ شَرِيعَةٌ , وَالشَّرَائِعُ لاَ تَلْزَمُ إلاَّ بِنَصٍّ ، وَلاَ نَصَّ إلاَّ فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ فَقَطْ. 780 - مَسْأَلَةٌ : وَيُنْهَى ، عَنِ النَّذْرِ جُمْلَةً فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَ كَمَا قَدَّمْنَا , رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي دَاوُد ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْهَى ، عَنِ النَّذْرِ وَيَقُولُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَفِي قَوْلِهِ عليه السلام وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ إيجَابٌ لِلْوَفَاءِ بِهِ إذَا وَقَعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. 781 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ تَعَالَى صَوْمُ يَوْمَ أُفِيقُ , أَوْ قَالَ : يَوْمَ يَقْدَمُ فُلاَنٌ , أَوْ قَالَ يَوْمَ أَنْطَلِقُ مِنْ سِجْنِي , أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَكَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا : لَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلاَ قَضَاؤُهُ ، وَلاَ صَوْمُ غَيْرِهِ ; لاَِنَّهُ إنْ كَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلاً فَلَمْ يَكُنْ فِي يَوْمٍ فَلاَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ , وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلاَ يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ صَوْمٍ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ ، وَلاَ تَقَدَّمَ إلْزَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ , وَلاَ يَلْزَمُهُ صِيَامُ يَوْمٍ آخَرَ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ قَدِمَ نَهَارًا صَامَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ , وقال مالك : إنْ قَدِمَ لَيْلاً صَامَ النَّاذِرُ غَدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ 782 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ : عَلَيَّ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ لَيْلاً لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَدَّمْنَا , لاَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَلاَ يَلْزَمُ صِيَامُ اللَّيْلِ , لاَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ , فَإِنْ كَانَ نَهَارًا لَزِمَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا تَكَرَّرَ كَمَا نَذَرَهُ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ غَيْرُ مَا نَذَرَ. 783 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَذْرٍ عَامِدًا أَوْ لِعُذْرٍ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ أَنْ يَقْضِيَهُ فَيَلْزَمُهُ , لاَِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْذِرْ الْقَضَاءَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ ; إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ. 784 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا لاَِنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا نَذَرَ. 785 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَةٍ أَوْ قَالَ : شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ إلاَّ مُتَتَابِعًا ، وَلاَ بُدَّ ; فَإِنْ تَعَمَّدَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ فِطْرًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ : ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ لإِنَّ اسْمَ الْجُمُعَةِ وَالشَّهْرِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ لاَ مُتَفَرِّقَةٍ , فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ لاَ مَا لَمْ يَنْذِرْ ; فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. 786 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَتَيْنِ أَوْ قَالَ : شَهْرَيْنِ , وَلَمْ يَنْذِرْ التَّتَابُعَ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ كُلَّ جُمُعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ ، وَلاَ بُدَّ , وَكُلُّ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا ، وَلاَ بُدَّ , وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةِ , وَبَيْنَ الشَّهْرِ وَالشَّهْرِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا إلاَّ أَنْ يَنْذِرَهُمَا مُتَتَابِعِينَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ طَاعَةٌ زَائِدَةٌ. 787 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ صَامَ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ , فَإِنْ ابْتَدَأَ صِيَامَهُ بَعْدَ دُخُولِ الشَّهْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مُتَّصِلَةٌ ، وَلاَ بُدَّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَلاَ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ يَوْمٍ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ ; وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا نَذَرَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ ; فَإِنْ نَذَرَ نِصْفَ شَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا , لإِنَّ كَسْرَ يَوْمٍ لاَ يَلْزَمُهُ صِيَامُهُ لِمَنْ نَذَرَهُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ يَوْمًا زَائِدًا لَمْ يُنْذَرْهُ. 788 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : يَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لاَ يَعُدُّ فِيهَا رَمَضَانَ , وَلاَ يَوْمَ الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى , وَلاَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ , وَفِي هَذَا عِنْدَنَا نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ ; لإِنَّ هَذِهِ الْفُتْيَا إلْزَامٌ لَهُ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ ; لإِنَّ اسْمَ سَنَةٍ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مُتَّصِلَةٍ لاَ مُبَدَّدَةٍ , وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ كَمَا نَذَرَهُ ; فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَلاَ نَذَرَهُ , وَلاَ أَنْ يَلْتَزِمَ مَا لَمْ يُمْكِنْ , وَمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ ; لاَِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ ، عَنْ صَاحِبٍ أَصْلاً , وَلاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ قَوْلاً ، عَنْ تَابِعٍ. وَقَدْ قَالَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ يُفْطِرُ فِيهَا يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ , ثُمَّ يَقْضِيهَا. وَقَالَ زُفَرُ : يُفْطِرُ الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ , وَلاَ يَقْضِيهَا. وقال مالك : يَصُومُ , وَيُفْطِرُ الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ , وَلاَ يَقْضِي رَمَضَانَ , وَلاَ الأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ , إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ قَضَاءَهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ : يَصُومُ وَيَقْضِي رَمَضَانَ وَيَوْمَيْنِ مَكَانَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى , وَيَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. قال أبو محمد : فَهَذِهِ الأَقْوَالُ إمَّا مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ ، وَلاَ الْتَزَمَهُ , وَأَمَّا مُسْقِطَةٌ عَنْهُ مَا نَذَرَ. قال أبو محمد : إنْ كَانَ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ الأَيَّامِ وَصَوْمَ رَمَضَانَ ، عَنْ نَذْرِهِ ; فَقَدْ نَذَرَ الضَّلاَلَ وَالْبَاطِلَ , وَأَمْرًا مُخَالِفًا لِدِينِ الإِسْلاَمِ ; فَلاَ يَلْزَمُهُ نَذْرُهُ ذَلِكَ لاَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ , وَلاَ يَلْزَمُ صَوْمُ سَائِرِ الأَيَّامِ لاَِنَّهُ غَيْرُ مَا نَذَرَ , وَكُلُّ طَاعَةٍ مَازَجَتْهَا مَعْصِيَةٌ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْصِيَةٌ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالطَّاعَةِ كَمَا أُمِرَ , قَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً حَاشَا رَمَضَانَ وَالأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ ، عَنْ صِيَامِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ ; وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ , أَوْ صَوْمَ ذِي الْحِجَّةِ , أَوْ صَوْمَ شَعْبَانَ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِثْنَاءَ مَا لاَ يَجُوزُ صَوْمُهُ مِنْ الأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. 789 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ نَذْرًا فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِرَمَضَانَ لاَ لِلنَّذْرِ أَصْلاً ; فَإِنْ صَامَهُ لِنَذْرِهِ أَوْ لِرَمَضَانَ وَلِنَذْرِهِ فَالإِثْمُ عَلَيْهِ ، وَلاَ يُجْزِئُهُ لاَ لِنَذْرِهِ ، وَلاَ لِرَمَضَانَ ; لإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَدِّمٌ لِنَذْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيَامِهِ مُخْلِصًا لَهُ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ; ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. 790 - مَسْأَلَةٌ : وَأَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ الصِّيَامِ الْمَفْرُوضِ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً , وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ , وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ الدَّهْرِ أَصْلاً : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَلاَ تَفْعَلْ , صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ ; فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا , وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا , وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ; وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِذَا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُد ، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ , قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُد قَالَ : نِصْفُ الدَّهْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُول اللَّهِ r وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ عليه السلام إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ , قَالَ : فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا قُلْتُ : إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد : فَصَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ r ، عَنِ الزِّيَادَةِ عَلَى صِيَامِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مُوَاقَعَةِ نَهْيِهِ , وَإِذْ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ صَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ انْحَطَّ فَضْلُهُ فَإِذَا انْحَطَّ فَضْلُهُ فَقَدْ حَبِطَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِلاَ شَكٍّ وَصَارَ عَمَلاً لاَ أَجْرَ لَهُ فِيهِ بَلْ هُوَ نَاقِصٌ مِنْ أَجْرِهِ ; فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَصْلاً. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنْ طَرَائِفِ الْمَصَائِبِ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ : قَالَ : قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : فَصُمْ صَوْمَ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ، وَلاَ يَفِرُّ إذَا لاَقَى فَقَالَ : إنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ لِمَنْ لاَ يَفِرُّ إذَا لاَقَى. قال أبو محمد : فَجَمَعَ هَذَا الْكَلاَمُ الْمَلْعُونُ وَجْهَيْنِ مِنْ الضَّلاَلِ : أَحَدُهُمَا : الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ بَلْ قَدْ أَمَرَ عليه السلام بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَقَطَعَ بِأَنَّهُ لاَ صَوْمَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ دَاوُد. وَالثَّانِي أَنَّهُ تَأْوِيلٌ سَخِيفٌ لاَ يُعْقَلُ ; لاَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لاَ يَفِرُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا لاَقَى أَفْضَلُ مِمَّنْ يَفِرُّ ; فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الأَفْضَلِ أَنْ لاَ يَتَزَيَّدَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الصِّيَامِ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ; فَهَذِهِ شَرِيعَةُ إبْلِيسٍ لاَ شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ r . حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ سَمِعَ أَبَا الْعَبَّاسِ هُوَ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا آدَم ، حدثنا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ , وَفِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ مَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ عليه السلام لاَ صَامَ ، وَلاَ أَفْطَرَ , أَوْ مَا صَامَ ، وَلاَ أَفْطَرَ. وَكَذَلِكَ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنْ أَبِيهِ , وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كِلاَهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ لاَ صَامَ ، وَلاَ أَفْطَرَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ حَبِطَ صَوْمُهُ وَلَمْ يُفْطِرْ. وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا لاَ يَجُوزُ إذَا صَامَ الدَّهْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ الأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا . فَقُلْنَا : كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَنَعَ وَنَهَى ، عَنِ الزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الدَّهْرِ وَأَبْطَلَ أَجْرَ مَنْ زَادَ. قال أبو محمد : وَشَغَبَ مَنْ خَالَفَنَا بِأَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ : إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ : أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ ، عَنْ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيُقَالُ : لاَ يُفْطِرُ. قال أبو محمد : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ , لإِنَّ السَّرْدَ إنَّمَا هُوَ الْمُتَابَعَةُ لاَ صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ , يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ أَفْطَرَ , وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ , كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ , كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلاَّ قَلِيلاً. فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيَّنَتْ السَّرْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ أُسَامَةُ , وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ , فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ الآثَارِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ ; قُلْت : الدَّهْرُ قَالَ : كَانَتْ تَسْرُدُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ عُمَرُ يَسْرُدُ الصَّوْمَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سَرَدَ الصَّوْمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ هُوَ الضُّبَعِيُّ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ قَلَّ مَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ أَجْلِ الْعَدُوِّ , فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ r مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا إلاَّ يَوْمَ أَضْحَى , أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمَيْمَةَ ، عَنْ جَدَّتِهِ قَالَتْ : كَانَ عُثْمَانُ يَصُومُ الدَّهْرَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ إلاَّ هَجْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ. وَعَنِ الأَسْوَدِ , وَعُرْوَةَ , وَعُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ الدَّهْرَ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ : أَمَّا عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، فَقَدْ فَرَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ صِيَامِ الدَّهْرِ وَبَيْنَ سَرْدِ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرْنَا , وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا إلاَّ السَّرْدُ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لاَ صَوْمُ الدَّهْرِ ; وَلَوْ صَحَّ عَنْهَا ذَلِكَ ، وَلاَ يَصِحُّ : فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْهَا ، رضي الله عنها ، أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَارُ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ ; فَإِنْ كَانَ مَا لاَ يَصِحُّ عَنْهَا مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ حُجَّةً فَاَلَّذِي صَحَّ عَنْهَا مِنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَيَوْمِ الشَّكِّ حُجَّةٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَجَّةً فَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةً. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ r ، عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قِيلَ لَهُمْ : وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ عليه السلام ، عَنْ صَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ , وَصَحَّ نَهْيُهُ ، عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ السَّرْدُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لاَ صِيَامُ الدَّهْرِ ; بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ تَحْرِيمُ صِيَامِ الدَّهْرِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ : بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَنَّ رَجُلاً يَصُومُ الدَّهْرَ فَأَتَاهُ فَعَلاَهُ بِالدِّرَّةِ وَجَعَلَ يَقُولُ : كُلْ يَا دَهْرُ كُلْ يَا دَهْرُ ; وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْهُ ; فَصَحَّ أَنَّ تَحْرِيمَ صَوْمِ الدَّهْرِ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مُبَاحًا لَمَا ضَرَبَ فِيهِ ، وَلاَ أَمَرَ بِالْفِطْرِ. وَأَمَّا عُثْمَانُ , فَإِنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمَيْمَةَ وَجَدَّتَهُ مَجْهُولاَنِ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا أَبُو طَلْحَةَ فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَأْكُلُ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ. قال أبو محمد : وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي شَغَبُوا بِهِ : أَنَّ أَنَسًا قَالَ : مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا إلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ , أَوْ يَوْمَ أَضْحَى , فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ أَبِي طَلْحَةَ فِي أَكْلِهِ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ حُجَّةً فَصَوْمُهُ الدَّهْرَ لَيْسَ حُجَّةً ; وَلَئِنْ كَانَ صَوْمُهُ الدَّهْرَ حُجَّةً فَإِنَّ أَكْلَهُ الْبَرَدَ فِي صِيَامٍ حُجَّةٌ ; فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَأَمَّا الأَسْوَدُ : فَرُوِّينَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ : أَنَّ الأَسْوَدَ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ ثَلاَثِينَ سَنَةً قَالَ هِشَامٌ : لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ يَوْمَ نَحْرٍ ; فَلْيَقْتَدُوا بِهِمَا فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِلاَّ فَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ. قَالَ عَلِيٌّ : صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّهْيِ ، عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ , وَأَمْرِهِ بِالْفِطْرِ فِيهِ , وَضَرْبِهِ عَلَى صِيَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَكَذَا : وَقَبَضَ كَفَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ , وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مُسْنَدًا. قَالَ عَلِيٌّ : مِنْ نَوَادِرِهِمْ قَوْلُهُمْ : مَعْنَاهُ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ حَتَّى لاَ يَدْخُلَهَا قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ لُكْنَةٌ وَكَذِبٌ : أَمَّا اللُّكْنَةُ : فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَقَالَ : ضُيِّقَتْ عَنْهُ , وَلَمْ يَقُلْ : عَلَيْهِ , وَأَمَّا الْكَذِبُ : فَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ عَلَى التَّشْدِيدِ وَالنَّهْيِ ، عَنْ صَوْمِهِ فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هِيَ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَطْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ أَبِي أَنْعُمٍ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ : لَوْ رَأَى هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ r لَرَجَمُوهُ. قَالَ عَلِيٌّ : هُمْ يَدَّعُونَ الإِجْمَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا ; وَقَدْ يَكُونُ الرَّجْمُ حَصْبًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ بِمَنْ رَآهُ يَتَكَلَّمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَالْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسُئِلَ ، عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ فَكَرِهَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ , وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا كَرِهَا صَوْمَ رَجَبٍ , وَهَذَا يَقْتَضِي ، وَلاَ بُدَّ أَنَّهُمَا لاَ يُجِيزَانِ صِيَامَ الدَّهْرِ. قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا كَرِهَهُ , لإِنَّ فِعْلَ الْخَيْرِ لاَ يُكْرَهُ , وَلاَ يُكْرَهُ إلاَّ مَا لاَ خَيْرَ فِيهِ ، وَلاَ أَجْرَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ الدَّهْرِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ 791 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ , وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ الاِثْنَيْنِ , وَالْخَمِيسِ , وَكُلُّ هَذَا فَبِأَنْ لاَ يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ , فأما الثَّلاَثَةُ الأَيَّامِ فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَمَّا الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسُ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنِ الْمُسَيِّبِ ، هُوَ ابْنُ رَافِعٍ ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَصُومُ الاِثْنَيْنِ , وَالْخَمِيسَ ". وَيَكْرَهُ صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ r . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ قَوْلِنَا آنِفًا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. 792 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرْضِ فَقَطْ فَحَسَنٌ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r لِلَّذِي سَأَلَهُ ، عَنِ الدِّينِ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام بِوُجُوبِ رَمَضَانَ قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ : لاَ إلاَّ أَنْ تَتَطَوَّعَ وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ; فَقَالَ السَّائِلُ : وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا ، وَلاَ أَنْقُصُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ. 793 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ : وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ صَامَ الْعَاشِرَ بَعْدَهُ فَحَسَنٌ. وَنَسْتَحِبُّ أَيْضًا صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. وَسُئِلَ ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : إذَا رَأَيْتَ هِلاَلَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا فَقُلْتُ : هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ r يَصُومُهُ قَالَ : نَعَمْ. ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ : خَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ , فإن قيل : مِنْ أَيْنَ أَحْبَبْتُمْ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : إنَّ النَّاس شَكُّوا فِي صَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ بِحِلاَبٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَمِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : أَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّانًا فَقَالَ : اُدْنُ فَكُلْ لَعَلَّكَ صَائِمٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَكُنْ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ : لَمْ يَصُمْهُ النَّبِيُّ r ، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ , وَلاَ عُمَرُ , وَلاَ عُثْمَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا حَوْشَبُ بْنُ عُقَيْلٍ ، عَنْ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت عَطَاءً ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ : وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَصُمْهُ فَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ عليه السلام قَدْ حَضَّ عَلَى صِيَامِهِ أَعْظَمَ حَضٍّ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ , وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْتَظِرَ بَعْدَ هَذَا أَيَصُومُهُ عليه السلام أَمْ لاَ وَقَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ قَالَ : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور قَالَ : حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r لَيَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ رِوَايَةَ حَوْشَبٍ بْنِ عُقَيْلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، عَنْ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَهَذَا لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَأَمَّا تَرْكُ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ صِيَامَهُ فَقَدْ صَامَهُ غَيْرُهُمْ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ : صَامَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُظَلَّلُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حدثنا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهِيَ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَقَالَ لَهَا : أَفْطِرِي فَقَالَتْ : أُفْطِرُ وَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْعَامَ الَّذِي قَبْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَدْعُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إذَا أَفَاضَ النَّاسُ بِمَاءٍ ثُمَّ يُفِيضُ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ تَوْبَةَ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ قَالَ : قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ أَتُصَلِّي الضُّحَى قَالَ : لاَ ; قُلْتُ : فَعُمَرُ قَالَ : لاَ , قُلْتُ : فَأَبُو بَكْرٍ قَالَ : لاَ , قُلْتُ : فَرَسُولُ اللَّهِ r قَالَ : لاَ إخَالُهُ. فَمَنْ كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَصُمْهُ , وَلاَ أَبُو بَكْرٍ , وَلاَ عُمَرُ , فَلْيَكْرَهْ صَلاَةَ الضُّحَى فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ , وَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ وَإِلاَّ فَهُوَ مُتَلاَعِبٌ بِالدِّينِ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ لَمْ يَكُونَا يُضَحِّيَانِ فَلْيَكْرَهُوا الآُضْحِيَّةَ أَيْضًا لِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ r قَدْ جَاءَ بِأَغْلَظِ الْوَعِيدِ ، عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ وَلَمْ يَصُمْهُ عليه السلام فَيَسْتَحِبُّونَهُ وَيُبِيحُونَهُ ثُمَّ يَأْتِي حَضُّ النَّبِيِّ r بِأَشَدِّ الْحَضِّ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ فَيَكْرَهُونَهُ , لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَصُمْهُ وَلَمْ يَحُضَّ النَّبِيُّ r بِتَرْكِهِ الْحَاجَّ دُونَ غَيْرِهِ , وَلاَ بِالْحَضِّ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ حَاجًّا مِنْ حَاجٍّ وَأَمَّا سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فَعَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ وَالثِّقَاتُ مَقْبُولُونَ لاَ يَحِلُّ رَدُّ رِوَايَاتِهِمْ بِالظُّنُونِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 794 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ النَّحْرِ لِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِيهِمْ الْعَمَلُ أَوْ أَفْضَلُ فِيهِنَّ الْعَمَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلاَ الْجِهَادُ قَالَ : وَلاَ الْجِهَادُ إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. قال أبو محمد : هُوَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ , وَالصَّوْمُ عَمَلُ بِرٍّ ; فَصَوْمُ عَرَفَةَ يَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا. 795 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلاَّ لِمَنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَوْ نَذَرَهُ إنْسَانٌ كَانَ نَذْرُهُ بَاطِلاً , فَلَوْ كَانَ إنْسَانٌ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَجَاءَهُ صَوْمُهُ فِي الْجُمُعَةِ فَلْيَصُمْهُ ; : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ :. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ ، حدثنا بِشْرٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ ، حدثنا سَعِيدٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا : أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ : لاَ قَالَ : أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ : لاَ قَالَ : فَأَفْطِرِي. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ ; وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ جُنَادَةَ الأَزْدِيُّ : وَلَهُ صُحْبَةٌ كُلُّهُمْ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ ، هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ لِزَيْدِ بْنِ صَوْحَانَ : اُنْظُرْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلاَ تُصَلِّهَا قَالَ عَلِيٌّ : لاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ قَالَ : مَرَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَبِي ذَرٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُمْ صِيَامٌ فَقَالَ : عَزَمْت عَلَيْكُمْ لِمَا أَفْطَرْتُمْ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ وَجَالَسَهُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَى ، عَنْ تَعَمُّدِ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لاَ تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلاَّ أَنْ تَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ; وَمُجَاهِدٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمْ , وَذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ لَقِيَ , وَإِنَّمَا لَقِيَ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ. فإن قيل : فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زَرٍّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرً وَقَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَلَّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ قَطُّ. قال أبو محمد : لَيْثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصَحِيحٌ , وَالْقَوْلُ فِيهَا كُلُّهَا سَوَاءٌ , وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لاَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَلاَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَلاَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إبَاحَةُ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ دُونَ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ. وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ صِيَامَهُ إذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ نَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَنُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْهُ صَاحِبُهُ , وَلاَ أَنْ نَحْمِلَ فِعْلَهُ عَلَى مُخَالِفَةِ أَمْرِهِ أَلْبَتَّةَ إلاَّ بِبَيَانِ نَصٍّ صَحِيحٍ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا , قَالَ تَعَالَى آمِرًا لَهُ أَنْ يَقُولَ : وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وطَاوُوس بَيَانُ قَوْلِنَا بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى ، عَنْ افْتِرَادِ الْيَوْمِ كُلَّمَا مَرَّ بِالإِنْسَانِ يَعْنِي ، عَنْ صِيَامِهِ : فَصَحَّ نَهْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ افْتِرَادِ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فِي الصَّوْمِ , فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى يَوْمًا يَصُومُهُ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفًا أَصْلاً فِي النَّهْيِ ، عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 796 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ نَذَرَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمَ يُفِيقُ , أَوْ ذَلِكَ فَوَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لَمْ يَلْزَمْ ; لاَِنَّهُ لاَ يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَهُ , وَلاَ يَوْمًا بَعْدَهُ , وَلاَ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ , وَلاَ يَجُوزُ صِيَامُهُ إلاَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 797 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ اللَّيْلِ أَصْلاً , وَلاَ أَنْ يَصِلَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ لاَ يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا , وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَلاَ بُدَّ. حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ ، حدثنا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ يَزِيدَ ، هُوَ ابْنُ الْهَادِي ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ , قَالُوا : فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ , وَأَنَسٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَابْنِ عُمَرَ , كُلِّهِمْ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَهَذِهِ الآثَارُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قلنا. قال أبو محمد : وَقَدْ رُوِّينَا النَّهْيَ ، عَنِ الْوِصَالِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلِيٍّ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَرُوِّينَا ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إبَاحَةَ الْوِصَالِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْوِصَالِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ : وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي ; فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ، عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلاَلَ فَقَالَ عليه السلام : لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ ; كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. وَعَنْ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تُوَاصِلُ , وَكَانَ أَخُوهَا يَنْهَاهَا ; قَالَ عَلِيٌّ : هِيَ صَاحِبَةٌ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حدثنا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلَةَ السَّابِعَةَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ سَمْنٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ يُؤْتَى بِثَرِيدَةٍ فِيهَا عَرْقَانِ وَيُؤْتِي النَّاسَ بِالْجِفَانِ فَيَقُولُ : هَذَا مِنْ خَالِصِ مَالِي , وَهَذَا مِنْ بَيْتِ مَالِكُمْ. وَكَانَ ابْنُ وَضَّاحٍ يُوَاصِلُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. قال أبو محمد : هَذَا يُوَضِّحُ أَنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ صَاحِبٍ , وَلاَ غَيْرِهِ ; فَقَدْ وَاصَلَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ r وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيلاَتِ الْبَعِيدَةَ فَكَيْفَ بَعْدَهُ عليه السلام فَكَيْفَ مَنْ دُونَهُمْ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَضَّهُ عليه السلام عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَنَهْيَهُ عليه السلام ، عَنْ تَخْصِيصِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ , وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ , وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ عليه السلام مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَ نَهْيَهُ ، عَنِ الْوِصَالِ وَتَأَوَّلَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُوَاصِلُ. 798 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ , وَلاَ صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ إلاَّ مَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَيَصُومُهُمَا حِينَئِذٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُمَا لَهُ لاَ لاَِنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ ، وَلاَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَأَبُو كُرَيْبٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ ، وَلاَ يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَهُ عليه السلام بِأَنْ لاَ يُصَامُ حَتَّى يُرَى الْهِلاَلُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَمْرٍو : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَغَضِبَ وَقَالَ : لاَ. قال أبو محمد : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ r هَذَا الْخَبَرُ يُوَضِّحُ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَيِّ صَاحِبٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ أَصْلاً وَبِهَذَا يَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لاََنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ فِيهِ يَوْمًا لَيْسَ فِيهِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى ، عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي آخِرِ شَعْبَانَ يَقُولُ : مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ ; وَابْنِ عَبَّاسٍ ; وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُمَا قَالاَ : لَوْ صُمْت السَّنَةَ كُلَّهَا لاََفْطَرْت الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ قال أبو محمد : وَرُوِيَ خِلاَفُ هَذَا ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : لاََنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ : أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ : وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا خَلَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مِنْ شَعْبَانَ بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ الْهِلاَلَ فَإِنْ حَالَ مِنْ دُونِ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا , وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ أَصْبَحَ مُفْطِرًا. وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَكْرَهُ صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ إلاَّ إنْ أُغْمِيَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ , وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ يَوْمَ الشَّكِّ صَائِمًا فَإِنْ قَدِمَ خَبَرٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ أَتَمَّ صَوْمَهُ وَإِلاَّ أَفْطَرَ. وَبِالنَّهْيِ ، عَنْ صَوْمِهِ جُمْلَةً يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَعِكْرِمَةُ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ. قال أبو محمد : هَذَا ابْنُ عُمَرَ هُوَ رَوَى أَنْ لاَ يُصَامُ حَتَّى يَرَى الْهِلاَلَ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ مَا ذَكَرْنَا ; وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ لِرَجُلٍ : هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا يَعْنِي شَعْبَانَ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ ، عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ قَالَ : قَامَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي النَّاسِ فِي دَيْرِ مِسْحَلٍ الَّذِي عَلَى بَابِ حِمْصٍ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْهِلاَلَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّا مُتَقَدِّمٌ بِالصِّيَامِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ , فَقَامَ إلَيْهِ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيُّ فَقَالَ : يَا مُعَاوِيَةُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِكَ فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ. قال أبو محمد : الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً , لإِنَّ نَصَّهُ صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ شَهْرُ رَمَضَانَ لاَ مَا سِوَاهُ " وَسِرَّهُ " مُضَافٌ إلَيْهِ , وَلاَ يَخْلُو " سِرُّهُ " مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ أَوْ وَسَطَهُ وَأَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنْ رَمَضَانَ لاَ مِنْ شَعْبَانَ , وَلَيْسَ فِيهِ : صُومُوا سِرَّ شَعْبَانَ ; فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ أُمِّ سَلَمَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لإِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ فَلْيَصُمْهُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ صَوْمُ النَّبِيِّ r لَهُ وَفِي وَصْلِهِ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ إلاَّ عَلَى أَنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ كَانَ لَهُ وَأَمَّا خَبَرُ عِمْرَانَ فَصَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّنَا لاَ نَدْرِي مَاذَا كَانَ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ r لَوْ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ : إنَّهُ صَامَ سِرَرَ شَعْبَانَ أَيَنْهَاهُ أَمْ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَالشَّرَائِعُ الثَّابِتَةُ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا بِالظُّنُونِ ، وَلاَ بِمَا لاَ بَيَانَ فِيهِ , ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لإِنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ كَانَ مُبَاحًا بِلاَ شَكٍّ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ ; لإِنَّ الصَّوْمَ جُمْلَةً عَمَلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ ; فَلَمَّا صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ r ، عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ قَبْلَ رَمَضَانَ إلاَّ لِمَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ يَصُومُهُ صَحَّ يَقِينًا لاَ مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ الإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ ; لإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِهَذَا النَّهْيِ بِنَصِّهِ كَمَا هُوَ لاِسْتِثْنَائِهِ عليه السلام مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ فَلْيَصُمْهُ , وَلاَ يَحِلُّ الْعَمَلُ بِشَيْءٍ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ النَّاسِخِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَالَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ ، وَأَنَّ النَّاسِخَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَقَالَ مَا لاَ دَلِيلَ لَهُ بِهِ أَبَدًا , وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. 799 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ مَعْنَى لِلتَّلَوُّمِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ , لاَِنَّهُ إنْ كَانَ تَلَوُّمُهُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r بِتَرْكِ صَوْمِهِ وَوَاقَعَ النَّهْيَ , وَإِنْ كَانَ تَلَوَّمُهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ فَهُوَ عَنَاءٌ لاَ مَعْنَى لَهُ , وَتَرْكُ الْمُفْطِرِ الأَكْلَ عَمَلٌ فَارِغٌ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ أَنَسٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ فِي أَوَّلِهِ. 800 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ صَوْمُ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا أَصْلاً ، وَلاَ لِمَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ : قَدِمَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ فَمَالَ إلَى مَجْلِسِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا فَقَالَ الْعَلاَءُ : اللَّهُمَّ إنَّ أَبِي حَدَّثَنِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ ذَلِكَ. قال أبو محمد : هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ ، عَنِ الْعَلاَءِ , وَالْعَلاَءُ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ : شُعْبَةُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَمَالِكٌ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ , وَأَبُو الْعُمَيْسِ , وَكُلُّهُمْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَلاَ يَضُرُّهُ غَمْزُ ابْنِ مَعِينٍ لَهُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالَفَةُ مَا رَوَى ، عَنِ النَّبِيِّ r وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ; فَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ الصَّوْمَ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ جُمْلَةً , إلاَّ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُتَيَقَّنَ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِ هَذَا الْخَبَرِ النَّهْيُ ، عَنِ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ , وَلاَ يَكُونُ الصِّيَامُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّهْيِ ، عَنْ صَوْمِ بَاقِي الشَّهْرِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بَيِّنًا , وَلاَ يَخْلُو شَعْبَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَلاَثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَانْتِصَافُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ; وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَانْتِصَافُهُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ , وَلَمْ يَنْهَ ، عَنِ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ , فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ بِلاَ شَكٍّ. فإن قيل : فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا ، عَنِ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ. قلنا : نَعَمْ , وَهَذَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ ، عَنْ كُلِّ مَا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ; وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ بَعْضِ مَا بَعْدَ النِّصْفِ , وَلَيْسَ أَحَدُ الاِحْتِمَالَيْنِ أَوْلَى بِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ الآخَرِ ; وَقَدْ رُوِّينَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ وَقَوْلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام : كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ إلاَّ قَلِيلاً وَقَوْلُهُمَا هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُدَاوِمُ ذَلِكَ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا وَأَلاَّ يُرَدَّ مِنْهَا شَيْءٌ لِشَيْءٍ أَصْلاً ; فَصَحَّ صِيَامُ أَكْثَرِ شَعْبَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ , وَصَحَّ جَوَازُ صَوْمِ آخِرِهِ ; فَلَمْ يَبْقَ يَقِينُ النَّهْيِ إلاَّ عَلَى مَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسَ عَشَرَ كَمَا قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ ادَّعَى نَسْخًا فِي خَبَرِ الْعَلاَءِ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا خَلاَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ , أَكْثَرُ ذَلِكَ مِمَّا قَالُوهُ بِرَأْيٍ لاَ بِنَصٍّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : يُجْزِئُ مَنْ مَسَحَ الرَّأْسَ فِي الْوُضُوءِ مِقْدَارُ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ ، وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهُ , وَمَرَّةً قَالَ : رُبْعُ الرَّأْسِ ، وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ , وَيُجْزِي مَسْحُهُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ ، وَلاَ يُجْزِئُ بِأُصْبُعَيْنِ ، وَلاَ بِأُصْبُعٍ. وَأَجَازُوا الاِسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثِ. وَقَوْلُهُ : الْمِرَّةُ وَالْمَاءُ الْخَارِجَانِ , مِنْ الْجَوْفِ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْءَ الْفَمِ , فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ ; وَكَذَلِكَ تَعَمُّدُ الْقَيْءِ وَالدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ غَلَبَ عَلَى الْبُصَاقِ وَإِنْ لَمْ يَمْلاَْ الْفَمَ , وَالْبَلْغَمُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ مَلاََ الْفَمَ. وَقَوْلُهُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ : إنْ شَاءَ أَعْطَى ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ مِنْ الإِنَاثِ أَوْ الذُّكُورِ أَوْ الإِنَاثِ مَخْلُوطِينَ ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ , وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا قِيمَةً وَأَعْطَى ، عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةً , وَلاَ يُعْطِي مِنْ الذُّكُورِ الْمُفْرَدَةِ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ : الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلاَّ الْحَطَبَ , وَالْقَصَبَ , وَالْحَشِيشَ , وَقَصَبَ الزَّرِيرَةِ , فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ فِي الدَّارِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ , وَكُلُّ هَذَا لاَ يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَكَقَوْلِ مَالِكٍ : مَنْ تَرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ , أَوْ ثَلاَثَ تَسْمِيعَاتٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ , فَإِنْ تَرَكَ تَكْبِيرَتَيْنِ فَأَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ ، وَلاَ تَسْمِيعَتَيْنِ فَأَقَلَّ. وَقَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ فِيمَا تُخْرِجُهُ الأَرْضُ وَمِمَّا لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ. وَقَوْلُهُ : إنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَرْءِ إلاَّ زَكَاةَ عَامِهِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِيمَا تَخْرُجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْحُبُوبِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ : فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ : فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا لاَ يُجْزِئُ فِيهَا مِنْهَا. وَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ لَهُ لَمْ يَقْبَلْ نَجَاسَةً إلاَّ أَنْ تُغَيِّرَهُ , فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَوْ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَكُلُّ هَذَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ ذَكَرْنَا. وَلَوْ تَتْبَعْنَا مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا لَبَلَغَ لاَِبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ : أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ , وَلَبَلَغَ لِلشَّافِعِيِّ مِائَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 801 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْفِطْرِ , وَلاَ يَوْمِ الأَضْحَى لاَ فِي فَرْضٍ ، وَلاَ فِي تَطَوُّعٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى , أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ , وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ أَنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ ثُمَّ يَصُومُ يَوْمًا مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مَكَانَهُ وَيُطْعِمُ مَعَ ذَلِكَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ. قَالَ عَلِيٌّ : إنَّمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إذَا كَانَ طَاعَةً لاَ إذَا كَانَ مَعْصِيَةً , وَإِذْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ r ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى , أَوْ أَيِّ يَوْمٍ نَهَى عَنْهُ فَصَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعْصِيَةٌ ; وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِالْوَفَاءِ بِنَذْرٍ مَعْصِيَةٍ , وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ آثَارٌ : مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ : شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t فَقَالَ : هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ صِيَامِهِمَا : يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ , وَالْيَوْمُ الآخَرُ يَوْمَ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ : " مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ : فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ وَيُفْطِرَ : يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ; ، وَلاَ يُطْعِمُ شَيْئًا , لَكِنْ يُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ ". وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. 802 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الأَضْحَى , لاَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ , وَلاَ فِي نَذْرٍ , وَلاَ فِي كَفَّارَةٍ , وَلاَ لِمُتَمَتِّعٍ بِالْحَجِّ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك : يَصُومُهَا الْمُتَمَتِّعُ الْمَذْكُورُ كُلَّهَا , وَلاَ يَصُومُ النَّاذِرُ مِنْهَا إلاَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ ; ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ شَيْءٌ مِنْهَا تَطَوُّعًا , وَلاَ فِي كَفَّارَةٍ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَالَ : إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ : كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَانَا ، عَنْ صِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ : هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا بَكْرٌ ، هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ مُؤْمِنٌ , وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. قال أبو محمد : تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَبَيْنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً ; فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ عُرْوَةُ : عَنْ عَائِشَةَ , وَقَالَ سَالِمٌ : عَنْ أَبِيهِ , ثُمَّ اتَّفَقَا , قَالاَ : لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ ، عَنْ شُعْبَةَ : يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ , وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ , فَإِنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهم ، , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْنَدَ هَذَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِالظَّنِّ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي نَعَامَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُفْطِرُ إلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. وَعَنِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ ; لاَِنَّهُ أَبَاحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَنْ يَصُومَهُ النَّاذِرُ , وَهُوَ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ. قال أبو محمد : عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ : هَذَا لاَ يُقَالَ بِالرَّأْيِ , قَالُوا ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِ جَابِرٍ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ. وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، لاُِمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إذْ بَاعَتْ مِنْهُ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِ مِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ : أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ , وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ. وَفِي التَّيَمُّمِ إلَى الْكُوعَيْنِ , فَهَلاَّ قَالُوا هُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ , وَابْنِ عُمَرَ : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ السُّنَنِ مَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى : لاَ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ , وَرَدُّوا بِذَلِكَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ , فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا : هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ , إذْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَحِيحًا مَا خَفِيَ عَلَى عَائِشَةَ , وَأَبِي طَلْحَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَالأَسْوَدِ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْخَبَرَ الْمُضْطَرَبَ فِيهِ مَرْدُودٌ , وَادَّعُوا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ : لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ فَهَذَا الْخَبَرُ أَشَدُّ اضْطِرَابًا , لاَِنَّهُ رُوِيَ ، عَنْ بِشْرٍ بْنِ سُحَيْمٍ , وَمَرَّةً عَنْهُ ، عَنْ عَلِيٍّ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ : هَذَا نَدْبٌ فَهَلاَّ قَالُوهُ هَاهُنَا وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ : إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا وَتَرَكَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ , وَعَائِشَةُ قَدْ رَوَتْ كَمَا ذَكَرْنَا النَّهْيَ ، عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَرَكَتْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَصُومُهَا تَطَوُّعًا ; فَهَلاَّ تَرَكُوا هَاهُنَا رِوَايَتَهَا لِرَأْيِهَا ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنَّهُمَا وَابْنَ عَبَّاسٍ صَامَاهَا فِي تَمَتُّعِ الْحَجِّ ; لإِنَّ يَسَارَهُمَا وَيَسَارَ الأَسْوَدِ وَسَعَةَ أَمْوَالِهِمْ لاَِلْفِ هَدْيٍ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ إلاَّ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ أَصْلاً. 803 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ صَوْمٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ كَأَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ : أَنَا لاَ أَدْخُلُ دَارَكَ فَإِنْ دَخَلْتُهَا فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ , أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى : حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : حدثنا أَبِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إلاَّ بِاَللَّهِ. قال أبو محمد : فَصَارَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً , وَخِلاَفًا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالنَّذْرُ اللاَّزِمُ : هُوَ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. 803 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ صَوْمٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ كَأَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ : أَنَا لاَ أَدْخُلُ دَارَكَ فَإِنْ دَخَلْتُهَا فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ , أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى : حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : حدثنا أَبِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إلاَّ بِاَللَّهِ. قال أبو محمد : فَصَارَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً , وَخِلاَفًا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالنَّذْرُ اللاَّزِمُ : هُوَ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. 805 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ تَدْرِيبَ الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إذَا أَطَاقُوهُ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وُجُوبَ الأَحْكَامِ بِالإِنْبَاتِ , وَالْحَيْضِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَتَدْرِيبُهُمْ عَلَى الصَّوْمِ خَيْرٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ t لِلشَّيْخِ الَّذِي وَجَدَهُ سَكْرَانَ فِي رَمَضَانَ : وِلْدَانُنَا صِيَامٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ لَبِيبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا صَامَ الْغُلاَمُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ. قال أبو محمد : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ لَبِيبَةَ لاَ شَيْءَ إلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , أَخَذُوا بِرِوَايَتِهِ فِي إبَاحَةِ كِرَاءِ الأَرْضِ وَأَبْطَلُوا بِهَا الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ كِرَاءِ الأَرْضِ , فَهُوَ حُجَّةٌ إذَا اشْتَهَوْا وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً إذَا اشْتَهَوْا : وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t إذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , وَقَتَادَةَ , وَالزُّهْرِيِّ : يُؤْمَرُ الْغُلاَمُ بِالصَّلاَةِ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ , وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : يُؤْمَرُونَ بِالصَّلاَةِ إذَا عَقَلُوهَا , وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقُوهُ قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الصَّلاَةُ عَلَى الْجَارِيَةِ إذَا حَاضَتْ , وَعَلَى الْغُلاَمِ إذَا احْتَلَمَ. 806 - مَسْأَلَةٌ : وَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ التَّمْرَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَإِلاَّ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ ، وَلاَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ ; لإِنَّ صَوْمَهُ قَدْ تَمَّ وَصَارَ فِي غَيْرِ صِيَامٍ ; وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ , أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ , أَوْ زَنَى ; فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ ، عَنِ الرَّبَابِ ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ r قَالَ : إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ ، حدثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : كَانَ النَّبِيُّ r : يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : لَيْسَ هَذَا فَرْضًا ; لاَِنَّهُ عليه السلام قَدْ أَفْطَرَ فِي طَرِيقِ خَيْبَرٍ عَلَى السَّوِيقِ . فَقُلْنَا وَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ بَعْدُ عَلَى تَمْرٍ , أَوْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ وَالسَّوِيقُ الْمَجْدُوحُ بِالْمَاءِ , فَالْمَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ , فَهُوَ فِطْرٌ عَلَى الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَالْفِطْرُ عَلَى كُلِّ مُبَاحٍ مُوَافِقٌ لِلْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ , وَالأَمْرُ بِالْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمَاءِ أَمْرٌ وَارِدٌ يَجِبُ فَرْضًا ; وَهُوَ رَافِعٌ لِلْحَالَةِ الآُولَى بِلاَ شَكٍّ ,. وَادَّعَى قَوْمٌ الإِجْمَاعَ عَلَى غَيْرِ هَذَا وَقَدْ كَذَبَ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْصِيَ فِي هَذَا أَقْوَالَ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، ; وَذَكَرُوا إفْطَارَ عُمَرَ t بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ عَلَى اللَّبَنِ : قال أبو محمد : إنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا أَوْ حُجَّةً فَقَدْ خَالَفُوهُ وَأَوْجَبُوا الْقَضَاءَ بِخِلاَفِ قَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ , فَقَدْ اعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلاَفَ الإِجْمَاعِ , وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا إجْمَاعًا , وَلاَ يَكُونُ إجْمَاعًا إلاَّ مَا لاَ شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقُولُ بِهِ ; فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ كَافِرٌ : كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ , وَالْحَجِّ إلَى مَكَّةَ , وَصَوْمِ رَمَضَانَ ; وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 807 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هُوَ الْمَهْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَجْوَدَ النَّاسَ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ 808 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُجِبْ ; فَإِذَا أَتَاهُمْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَلْيَقُلْ : إنِّي صَائِمٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ هُوَ الأَحْمَرُ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ , فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ , وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ. قَالَ هِشَامٌ : وَالصَّلاَةُ الدُّعَاءُ. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ : إنِّي صَائِمٌ. قال أبو محمد : فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَتَاهُمْ فَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ : دَعَانِي أَنَسٌ إلَى طَعَامٍ فَقُلْت : إنِّي لاَ أَطْعَمُ فَقَالَ : قُلْ : إنِّي صَائِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ أَبَاهُ أَوْلَمَ بِالْمَدِينَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَدْعُو النَّاسَ فَدَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ فَأَجَابَهُ وَدَعَا لَهُمْ وَرَجَعَ.