ابن حزم - المجلد الثاني5

من معرفة المصادر

684 - مَسْأَلَةٌ : وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي حُلِيِّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إذَا بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِقْدَارَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَأَتَمَّ عِنْدَ مَالِكِهِ عَامًا قَمَرِيًّا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ ، وَلاَ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا ، عَنِ الآخَرِ ، وَلاَ قِيمَتُهُمَا فِي عَرْضٍ أَصْلاً , وَسَوَاءٌ كَانَ حُلِيَّ امْرَأَةٍ أَوْ حُلِيَّ رَجُلٍ , وَكَذَلِكَ حِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَالْخَاتَمِ وَكُلِّ مَصُوغِ مِنْهُمَا حَلَّ اتِّخَاذُهُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ وقال أبو حنيفة : بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وقال مالك : إنْ كَانَ الْحُلِيُّ لاِمْرَأَةٍ تَلْبَسُهُ أَوْ تُكْرِيهِ أَوْ كَانَ لِرَجُلٍ يَعُدُّهُ لِنِسَائِهِ فَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ , فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ يَعُدُّهُ لِنَفْسِهِ عِدَّةً فَفِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ , وَالْمِنْطَقَةِ , الْمُصْحَفِ , وَالْخَاتَمِ وقال الشافعي : لاَ زَكَاةَ فِي حُلِيِّ ذَهَبٍ , أَوْ فِضَّةٍ وَجَاءَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ السَّلَفِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي حُلِيِّ امْرَأَتِهِ. وَهُوَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِي ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : لِي حُلِيٌّ فَقَالَ لَهَا : إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى : مُرْ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ : وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَأْمُرُ بِالزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ وَمِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : لاَ بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إذَا أُعْطِيت زَكَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ , وَعَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَذَرٍّ الْهَمْدَانِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ , وَاسْتَحَبَّهُ الْحَسَنُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَالَ اللَّيْثُ : مَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ يُلْبَسُ وَيُعَارُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ , وَمَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ اُتُّخِذَ لِيُحْرَزَ مِنْ الزَّكَاةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنُ عُمَرَ : لاَ زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ; وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَائِشَةَ , وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ , وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ; وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ طَاوُوس , وَالْحَسَنِ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ , وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا قال أبو محمد : وَهُنَا قَوْلُ أَنَسٍ : إنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ , ثُمَّ لاَ تَعُودُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ : أَنَّ حِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْكُنُوزِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ : لاَ زَكَاةَ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ ، وَلاَ فِي مِنْطَقَةٍ مُحَلاَّةٍ ، وَلاَ فِي سَيْفٍ مُحَلًّى. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ , وَمَا عِلْمنَا ذَلِكَ التَّقْسِيمَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلاَ تَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا سَقَطَتْ ، عَنِ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِلنِّسَاءِ لاَِنَّهُ مُبَاحٌ لَهُنَّ , وَكَذَلِكَ ، عَنِ الْمِنْطَقَةِ , وَالسَّيْفِ , وَحِلْيَةِ الْمُصْحَفِ , وَالْخَاتَمِ لِلرِّجَالِ قال أبو محمد : فَكَانَ هَذَا الاِحْتِجَاجُ عَجَبًا وَلَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ وَنِقَارَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ : مُبَاحٌ اتِّخَاذُ كُلِّ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تَسْقُطَ الزَّكَاةُ ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ , إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ صَحِيحَةً وَيَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِمَّا لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ عُقُوبَةً لَهُ , كَمَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا اُتُّخِذَ مِنْهُ حُلِيٌّ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ فَإِنْ قَالُوا : إنَّهُ يُشْبِهُ مَتَاعَ الْبَيْتِ الَّذِي لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا قلنا لَهُمْ : فَأَسْقِطُوا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا إنْ صَحَّحْتُمُوهَا الزَّكَاةَ ، عَنِ الإِبِلِ الْمُتَّخَذَةِ لِلرُّكُوبِ وَالسَّنِيِّ وَالْحَمْلِ وَالطَّحْنِ , وَعَنِ الْبَقَرِ الْمُتَّخَذَةِ لِلْحَرْثِ وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدُ , فَمَعَ فَسَادِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَتَنَاقُضِهَا , مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِهَا وَمِنْ أَيْنَ صَحَّ لَكُمْ أَنَّ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْ الْحُلِيِّ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَمَا هُوَ إلاَّ قَوْلُكُمْ جَعَلْتُمُوهُ حُجَّةً لِقَوْلِكُمْ ، وَلاَ مَزِيدَ ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ إبَاحَةَ اتِّخَاذِ الْمِنْطَقَةِ الْمُحَلاَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ دُونَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ , وَالْمَهَامِيزِ الْمُحَلاَّةِ بِالْفِضَّةِ فَإِنْ ادَّعَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً ، عَنِ السَّلَفِ ادَّعَوْا مَا لاَ يَجِدُونَهُ وَأَوْجَدْنَاهُمْ ، عَنِ السَّلَفِ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ فِي تَارِيخِهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : رَأَيْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , وَصُهَيْبٍ خَوَاتِيمَ ذَهَبٍ وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. فَأَسْقِطُوا لِهَذَا الزَّكَاةَ ، عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ ; أَوْ قِيسُوا حِلْيَةَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ عَلَى الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ ; وَإِلاَّ فَلاَ النُّصُوصَ اتَّبَعْتُمْ , وَلاَ الْقِيَاسَ اسْتَعْمَلْتُمْ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَفَاسِدٌ أَيْضًا , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لاَ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ , فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَفِي كُلِّ حَالٍّ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَمَا عَلِمْنَا عَلَى مَنْ اتَّخَذَ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لِيُحْرِزَهُ مِنْ الزَّكَاةِ زَكَاةً وَلَوْ كَانَ هَذَا لَوَجَبَ عَلَى مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ دَارًا أَوْ ضَيْعَةً لِيُحْرِزَهَا مِنْ الزَّكَاةِ أَنْ يُزَكِّيَهَا , وَهُوَ لاَ يَقُولُ بِهَذَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالنَّمَاءِ. فَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ ، عَنِ الْحُلِيِّ وَعَنِ الإِبِلِ ; وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ غَيْرِ السَّوَائِمِ قال أبو محمد : وَهَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ نَظَرٌ صَحِيحٌ ; وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الثِّمَارَ وَالْخُضَرَ تَنْمِي , وَهُوَ لاَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا وَكِرَاءُ الإِبِلِ , وَعَمَلُ الْبَقَرِ يَنْمِي , وَهُوَ لاَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا وَالدَّرَاهِمُ لاَ تَنْمِي إذَا بَقِيَتْ عِنْدَ مَالِكِهَا , وَهُوَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا , وَالْحُلِيُّ يَنْمِي كِرَاؤُهُ وَقِيمَتُهُ , وَهُوَ لاَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ , وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ ، عَنِ الْمُسْتَعْمَلَةِ مِنْ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْغَنَمِ ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ الذَّهَبَ , وَالْفِضَّةَ قَبْلَ أَنْ يُتَّخَذَ حُلِيًّا كَانَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ , ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ : قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا حَقُّ الزَّكَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَسْقُطْ , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَسْقُطَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِاخْتِلاَفٍ . فَقُلْنَا : هَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ ; إلاَّ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ لَكُمْ فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ ; لاِتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تُعْلَفَ , فَلَمَّا عُلِفَتْ اخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ أَوْ تَمَادِيهَا , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَسْقُطَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِاخْتِلاَفٍ وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : وَجَدْنَا الْمَعْلُوفَةَ نُنْفِقُ عَلَيْهَا وَنَأْخُذُ مِنْهَا , وَوَجَدْنَا السَّوَائِمَ نَأْخُذُ مِنْهَا ، وَلاَ نُنْفِقُ عَلَيْهَا ; وَالْحُلِيُّ يُؤْخَذُ كِرَاؤُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ ، وَلاَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ , فَكَانَ أَشْبَهَ بِالسَّوَائِمِ مِنْهُ بِالْمَعْلُوفَةِ فَقِيلَ لَهُ : وَالسَّائِمَةُ أَيْضًا يُنْفَقُ عَلَيْهَا أَجْرُ الرَّاعِي. وَهَذِهِ كُلُّهَا أَهْوَاسٌ وَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالضَّلاَلِ قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ , لاَ وَجْهَ لِلاِشْتِغَالِ بِهَا , إلاَّ أَنَّنَا نُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَبْكِيتًا لِلْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِمِثْلِهَا وَبِمَا هُوَ دُونَهَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهِيَ : خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَفِي يَدِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا : أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ : لاَ , قَالَ : أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَأَلْقَتْهُمَا , وَقَالَتْ : هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ , وَلَمْ يَرْوِهِ هَاهُنَا حُجَّةً : وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَتَّابٍ ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا لِي مِنْ ذَهَبٍ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ قَالَ : مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ. وَعَتَّابٌ مَجْهُولٌ , إلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ , وَسَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ , وَهَذَا خَيْرٌ مِنْهُ : وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ : أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ r فَرَأَى فِي يَدِي سِخَابًا مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ : أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُ قُلْت : لاَ , أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَقَالَ : هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ. قال أبو محمد : يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ضَعِيفٌ , وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَتِهِ , إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ. وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ : أَنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقٍ لاَ خَيْرَ فِيهَا أَنَّهُ خَالَفَ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ الْخَبَرِ الثَّابِتِ إلاَّ بِهَذَا , ثُمَّ أَخَذْتُمْ بِرَاوِيَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ الَّتِي لاَ تَصِحُّ ; وَهِيَ قَدْ خَالَفَتْهُ مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ , فَمَا هَذَا التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رُوِيَ عَنْهَا الأَخْذُ بِمَا رَوَتْ مِنْ هَذَا قلنا لَهُمْ : وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الأَخْذُ بِمَا رَوَى فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رَوَى زَكَاةَ الْحُلِيِّ كَمَا أَوْرَدْتُمْ غَيْرُ عَائِشَةَ , وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. قلنا لَهُمْ : وَقَدْ رَوَى غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ ; وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ لَهُمْ مِنْهُ قال أبو محمد : لَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآثَارُ لَمَا قلنا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ ; وَلَكِنْ لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَكَانَ الْحُلِيُّ وَرِقًا وَجَبَ فِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ , لِعُمُومِ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لاَ يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلاَّ جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ , وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ عَمَّنْ لاَ بَيَانَ فِي هَذَا النَّصِّ بِإِيجَابِهَا فِيهِ ; وَهُوَ الْعَدَدُ وَالْوَقْتُ , لاِِجْمَاعِ الآُمَّةِ كُلِّهَا بِلاَ خِلاَفٍ مِنْهَا أَصْلاً عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ , وَلاَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ , فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ وَجَبَ أَنْ لاَ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ مَا صَحَّ عَنْهُ بِنَقْلِ آحَادٍ أَوْ بِنَقْلِ إجْمَاعٍ ; وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ قَطُّ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُرِدْ إلاَّ بَعْضَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ وَصِفَاتِهِ , فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ فإن قيل : فَهَلاَّ أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحُلِيِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ , فَلَمْ تُوجِبُوا فِيهِ الزَّكَاةَ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ قلنا لَهُمْ : لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ عُمُومًا , وَلَمْ يَخُصَّ الْحُلِيَّ مِنْهُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهِ , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِإِجْمَاعٍ , فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ , وَخَصَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْضَ الأَعْدَادِ مِنْهُمَا وَبَعْضَ الأَزْمَانِ , فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا إلاَّ فِي عَدَدٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَفِي زَمَانٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ , وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُمَا ; إذْ قَدْ عَمَّهُمَا النَّصُّ ; فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ , وَصَحَّ يَقِينًا بِلاَ خِلاَفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ عَامٍ , وَالْحُلِيِّ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ " إلاَّ الْحُلِيَّ " بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَالِكًا , وَأَبَا يُوسُفَ , وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ , قَالُوا : مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَا إذَا حَسِبَهُمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ دِينَارٍ بِإِزَاءِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةً وَاحِدَةً , مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دِينَارٌ وَمِائَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا , أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَبَدًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى غَلاَءِ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ , أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ رُخْصِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ , فَإِذَا بَلَغَ قِيمَةُ مَا عِنْدَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ , وَإِلاَّ فَلاَ , فَيَرَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ يُسَاوِي لِغَلاَءِ الذَّهَبِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ وَعِنْدَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ : أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَرَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ لاَ تُسَاوِي دِينَارًا زَكَاةً وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ; وَشَرِيكٌ ; وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ يُضَمُّ ذَهَبٌ إلَى وَرِقٍ أَصْلاً ; لاَ بِقِيمَةٍ ، وَلاَ عَلَى الأَجْزَاءِ , فَمَنْ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ غَيْرُ حَبَّةٍ وَعِشْرُونَ دِينَارًا غَيْرُ حَبَّةٍ : فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا , فَإِنْ كَمُلَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا زَكَّاهُ وَلَمْ يُزَكِّ الآخَرَ قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ الأَشْيَاءِ قَالَ عَلِيٌّ : فَيُقَالُ لَهُ : وَالْفُلُوسُ قَدْ تَكُونُ أَثْمَانًا أَيْضًا , فَزَكِّهَا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ الْفَاسِدِ. وَالأَشْيَاءُ كُلُّهَا قَدْ يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ , فَتَكُونُ أَثْمَانًا , فَزَكِّ الْعُرُوضَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَأَيْضًا : فَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا أَثْمَانًا لِلأَشْيَاءِ وَجَبَ ضَمُّهُمَا فِي الزَّكَاةِ فَهَذِهِ عِلَّةٌ لَمْ يُصَحِّحْهَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٌ يُعْقَلُ , وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَأَيْضًا : فَإِذْ صَحَّحْتُمُوهَا فَاجْمَعُوا بَيْنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الزَّكَاةِ , لاَِنَّهُمَا يُؤْكَلاَنِ وَتُشْرَبُ أَلْبَانُهُمَا , وَيُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْهَدْيِ نَعَمْ , وَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي الزَّكَاةِ , لاَِنَّهَا كُلَّهَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِيّ وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فإن قيل : النَّصُّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قلنا : وَالنَّصُّ فَرَّقَ بَيْنَ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ , لاَ يَخْلُو الذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ جِنْسَيْنِ , فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَحَرَّمُوا بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ مُتَفَاضِلاً , وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لاَ يَجُوزُ , إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ فِي الزَّكَاةِ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا , لاَِنَّهُمَا قُوتَانِ حُلْوَانِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ وَأَيْضًا : فَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ أَنْ يُزَكِّيَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَقَدْ شَاهَدْنَا الدِّينَارَ يَبْلُغُ بِالأَنْدَلُسِ أَزْيَدَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَهَذَا بَاطِلٌ شَنِيعٌ جِدًّا وَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِتَكَامُلِ الأَجْزَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الذَّهَبُ رَخِيصًا أَوْ غَالِيًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الذَّهَبَ ، عَنِ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةَ بِالْقِيمَةِ. أَوْ تُخْرَجُ الْفِضَّةُ ، عَنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا ضِدُّ مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَهُمَا , فَمَرَّةً رَاعَى الْقِيمَةَ لاَ الأَجْزَاءَ , وَمَرَّةً رَاعَى الأَجْزَاءَ لاَ الْقِيمَةَ , فِي زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا خَطَأٌ بِيَقِينٍ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : بَلْ أَجْمَعُ الذَّهَبَ مَعَ الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَأُخْرِجُ عَنْهُمَا أَحَدَهُمَا بِمُرَاعَاةِ الأَجْزَاءِ ; وَكِلاَهُمَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ وَأَيْضًا : فَيَلْزَمُهُ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ تَجِبُ فِيهِمَا عِنْدَهُ الزَّكَاةُ وَكَانَ الدِّينَارُ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ إنْ أَخْرَجَ ذَهَبًا ، عَنْ كِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَقَلَّ ، عَنْ زَكَاةِ عِشْرِينَ دِينَارًا , وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ , وَإِنْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ ، عَنْ كِلَيْهِمَا وَكَانَ الدِّينَارُ لاَ يُسَاوِي إلاَّ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَجَبَ أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ ، عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ فَإِنْ قَالُوا : إنَّكُمْ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فِي الزَّكَاةِ , وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ قلنا نَعَمْ , لإِنَّ الزَّكَاةَ جَاءَتْ فِيهِمَا بِاسْمٍ يَجْمَعُهُمَا , وَهُوَ لَفْظُ " الْغَنَمِ " " وَالشَّاءِ " وَلَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ يَجْمَعُهُمَا وَلَوْ لَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الضَّأْنِ إلاَّ بِاسْمِ " الضَّأْنِ " ، وَلاَ فِي الْمَاعِزِ إلاَّ بِاسْمِ " الْمَاعِزِ " لَمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا , كَمَا لَمْ نَجْمَعْ بَيْنَ الْبَقَرِ , وَالإِبِلِ وَلَوْ جَاءَتْ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ وَاسْمٍ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا قال أبو محمد : وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ الْفِضَّةِ , وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِمِائَةٍ مِنْ الآخَرِ , وَأَنَّ أَحَدَهُمَا حَلاَلٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ , وَالآخَرَ حَلاَلٌ لِلنِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ , وَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي عَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ قال أبو محمد : وَحُجَّتُنَا فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَكَانَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ قَدْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ; وَهُمْ يُصَحِّحُونَ الْخَبَرَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي أَقَلَّ. وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ , وَعُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ : إسْقَاطُ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إخْرَاجُ الذَّهَبِ ، عَنِ الْوَرِقِ , وَالْوَرِقِ ، عَنِ الذَّهَبِ , فَإِنَّ مَالِكًا , وَأَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَاهُ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَبِهِ نَأْخُذُ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ , وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَنْ أَخْرَجَ غَيْرَ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِإِخْرَاجِهِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ. وَمَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ , وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ فَلَمْ يُزَكِّ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَالآُمَّةُ كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ فِي زَكَاتِهَا الذَّهَبَ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ , وَوَافَقَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخْرَجَ فِضَّةً ، عَنْ ذَهَبٍ , أَوْ عَرْضًا ، عَنْ أَحَدِهِمَا , أَوْ غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا عَدَاهُمَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r حُكْمًا بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ 685 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ يُزَكَّى حِينَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً وقال أبو حنيفة : لاَ يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً إلاَّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يَجِبُ فِي عَدَدِ مَا عِنْدَهُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ : فَإِنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ : فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمُكْتَسَبَ مَعَ الأَصْلِ , سَوَاءٌ عِنْدَهُ الذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ , وَالْمَاشِيَةُ , وَالأَوْلاَدُ , وَغَيْرُهَا وقال مالك : لاَ يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً , وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ , إلاَّ الْمَاشِيَةَ ; فَإِنَّ مَنْ اسْتَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ وِلاَدَةٍ مِنْهَا , فَإِنْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا نِصَابًا : زَكَّى الْجَمِيعَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ , وَإِلاَّ فَلاَ , وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وِلاَدَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الآُمَّهَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَكُنْ وقال الشافعي : لاَ يُزَكَّى مَالٌ مُسْتَفَادٌ مَعَ نِصَابٍ كَانَ عِنْدَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَلْبَتَّةَ , إلاَّ أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا فَقَطْ إذَا كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا وَإِلاَّ فَلاَ قال أبو محمد : وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ فَسَادِ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا ; وَيَكْفِي مِنْ فَسَادِهَا أَنَّهَا كُلَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَكُلُّهَا دَعَاوٍ مُجَرَّدَةٌ , وَتَقَاسِيمُ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا. لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ وقال أبو حنيفة : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ تَلِفَتْ كُلُّهَا أَوْ أَنْفَقَهَا إلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ ; فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ اكْتَسَبَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا : فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ لِحَوْلِ الَّتِي تَلِفَتْ , فَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا ، وَلاَ دِرْهَمٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اكْتَسَبَ وَلَوْ أَنَّهَا مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهَا حَوْلٌ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ هَذَا الدِّرْهَمِ وَمَا قَوْلُهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ فَلْسٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ ذَهَبٍ , أَوْ مِنْ بَقَرٍ , أَوْ مِنْ إبِلٍ , أَوْ مِنْ غَنَمٍ ; ثُمَّ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلاَّ وَاحِدَةً ; ثُمَّ اكْتَسَبَ مِنْ جِنْسِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ مَا يُتِمُّ بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُ النِّصَابَ وَهَذَا قَوْلٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةً فِي الدِّرْهَمِ الْبَاقِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ غَيْرَهُ ; نَعَمْ , وَفِيمَا اكْتَسَبَ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ آخَرُ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ بَاقِيَةٍ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَوْلِ بِمَا اكْتَسَبَ مَعَهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفَائِدَةِ : ابْنُ مَسْعُودٍ , وَمُعَاوِيَةُ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَالْحَسَنُ , وَالزُّهْرِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ : لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ حَوْلٌ : عَلِيٌّ , وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ , وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنُ عُمَرَ , وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابٍ ذِكْرِنَا أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ فَلاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، نَعَمْ , وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ. قال أبو محمد : كُلُّ فَائِدَةٍ فَإِنَّمَا تُزَكَّى لِحَوْلِهَا , لاَ لِحَوْلِ مَا عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الأَحْوَالُ تَفْسِيرُ ذَلِكَ : لَوْ أَنَّ امْرَأً مَلَكَ نِصَابًا وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ , أَوْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ , أَوْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ , إلاَّ أَنَّهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا , أَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ تَمَامَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ : فَإِنْ كَانَ مَا اكْتَسَبَ لاَ يُغَيِّرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الَّتِي مَلَكَ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ ; لاَِنَّهَا لاَ تُغَيِّرُ حُكْمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ , فَيُزَكَّى ذَلِكَ لِحَوْلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْجَمِيعَ حَوْلاً , فَإِنْ اسْتَفَادَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ مَا يُغَيِّرُ الْفَرِيضَةَ فِيمَا عِنْدَهُ , إلاَّ أَنَّ تِلْكَ الْفَائِدَةَ لَوْ انْفَرَدَتْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْوَرِقِ خَاصَّةً عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ : فَإِنَّهُ يُزَكِّي الَّذِي عِنْدَهُ وَحْدَهُ لِتَمَامِ حَوْلِهِ , وَضَمَّ حِينَئِذٍ الَّذِي اسْتَفَادَ إلَيْهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ وَاسْتَأْنَفَ بِالْجَمِيعِ حَوْلاً مِثْلُ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً ثُمَّ اسْتَفَادَ شَاةً فَأَكْثَرَ , أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بَقَرَةً فَأَفَادَ بَقَرَةً فَأَكْثَرَ , أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ مِنْ الإِبِلِ فَأَفَادَ وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ أَوْ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا فَأَفَادَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ , لإِنَّ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الَّذِي زَكَّى لاَ زَكَاةَ فِيهِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكَّى مَالٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَلَكَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ نِصَابًا أَيْضًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ مَالٍ لِحَوْلِهِ ; فَإِنْ رَجَعَ الأَوَّلُ مِنْهُمَا إلاَّ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ زَكَّاهَا ثُمَّ ضَمَّ الأَوَّلَ حِينَئِذٍ إلَى الآخَرِ , لإِنَّ الأَوَّلَ قَدْ صَارَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَعَ مَا قَدْ زَكَّاهُ مِنْ الْمَالِ الثَّانِي , فَيَكُونُ يُزَكِّي الثَّانِي مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ ; وَيَسْتَأْنِفُ بِالْجَمِيعِ حَوْلاً فَإِنْ رَجَعَ الْمَالُ الثَّانِي إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَبَقِيَ الأَوَّلُ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ إذَا حَالَ حَوْلُهُ , ثُمَّ يَضُمُّ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فَيَسْتَأْنِفُ بِهِمَا حَوْلاً فَلَوْ خَلَطَهُمَا فَلَمْ يَتَمَيَّزَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ عَدَدٍ مِنْهُمَا لِحَوْلِهِ , وَيَجْعَلُ مَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ نُقْصَانًا مِنْ الْمَالِ الثَّانِي ; لاَِنَّهُ لاَ يُوقِنُ بِالنَّقْصِ إلاَّ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ الثَّانِي , وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلاَ يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقَصَ ; فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ كِلاَهُمَا إلَى مَا يُوقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ نَقَصَ ، وَلاَ بُدَّ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ مِثْلُ : أَنْ يُرْجِعَ الْغَنَمَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ ; لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ ، عَنْ هَذَا الْعَدَدِ بِشَاتَيْنِ , أَوْ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ الْبَقَرَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ , وَالذَّهَبَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا , وَالإِبِلاَنِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ , وَالْفِضَّتَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِذَا رَجَعَ الْمَالاَنِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّ النَّقْصَ دَخَلَ فِي كِلَيْهِمَا , وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي أَحَدِهِمَا , إلاَّ أَنَّهُ بِلاَ شَكٍّ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ; فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالشَّكِّ فَإِذَا كَانَ هَذَا : ضَمَّ الْمَالَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الأَوَّلِ أَبَدًا , حَتَّى يَرْجِعَ الْكُلُّ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلَوْ اقْتَنَى خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ إلاَّ أَنَّهُ عَدَدٌ يُزَكَّى بِالْغَنَمِ ثُمَّ اقْتَنَى فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ عَدَدًا يُزَكَّى وَحْدَهُ لَوْ انْفَرَدَ إمَّا بِالْغَنَمِ , وَأَمَّا بِالإِبِلِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا كَانَ عِنْدَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِالْغَنَمِ ; ثُمَّ ضَمَّهُ إثْرَ ذَلِكَ إلَى مَا اسْتَفَادَ ; إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ إبِلٌ لَهُ قَدْ تَمَّ لِجَمِيعِهَا حَوْلٌ فَيُزَكِّي بَعْضَهَا بِالْغَنَمِ وَبَعْضَهَا بِالإِبِلِ ; لاَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي زَكَاةِ الإِبِلِ فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ إحْدَى عَشْرَةَ زَكَّى الأَوَّلَ لِحَوْلِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ ; ثُمَّ ضَمَّهَا إلَى الْفَائِدَةِ مِنْ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلٍ مِنْ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفٍ بِبِنْتِ لَبُونٍ ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ تَخْتَلِفُ زَكَاةُ إبِلٍ وَاحِدَةٍ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فإن قيل : فَإِنَّكُمْ تُؤَخِّرُونَ زَكَاةَ بَعْضِهَا ، عَنْ بَعْضٍ ، عَنْ حَوْلِهِ شُهُورًا قلنا : نَعَمْ : لاَِنَّنَا لاَ نَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ , إلاَّ بِإِحْدَاثِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ ; وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعْجِيلُ مُبَاحٌ لاَ حَرَجَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 686 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ اجْتَمَعَ فِي مَالِهِ زَكَاتَانِ فَصَاعِدًا هُوَ حَيٌّ قال أبو محمد : تُؤَدَّى كُلُّهَا لِكُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ ; وَسَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ لِهُرُوبِهِ بِمَالِهِ ; أَوْ لِتَأْخِيرِ السَّاعِي ; أَوْ لِجَهْلِهِ , أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ; وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ , وَالْحَرْثُ , وَالْمَاشِيَةُ , وَسَوَاءٌ أَتَتْ الزَّكَاةُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لَمْ تَأْتِ , وَسَوَاءٌ رَجَعَ مَالُهُ بَعْدَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ , وَلاَ يَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الزَّكَاةُ وقال مالك : إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَزْنُ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَالذَّهَبُ إلَى عِشْرِينَ دِينَارًا , فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السِّنِينَ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ زَرْعٍ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ أُخِذَتْ كُلُّهَا وَإِنْ اصْطَلَمَتْ جَمِيعَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً. فَإِنْ كَانَ هُوَ هَرَبَ أَمَامَ السَّاعِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ عَامٍ ; فَإِذَا رَجَعَ مَالُهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ إلاَّ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ لِسَائِرِ مَا بَقِيَ مِنْ الأَعْوَامِ , وَإِنْ كَانَ السَّاعِي هُوَ الَّذِي تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا وُجِدَ بِيَدِهِ لِكُلِّ عَامٍ خَلاَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ فِيمَا خَلاَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ ; فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وقال أبو حنيفة فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَشْرٌ مِنْ الإِبِلِ عَامَيْنِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا : إنَّهُ يُزَكِّي لِلْعَامِ الأَوَّلِ شَاتَيْنِ. وَلِلْعَامِ الثَّانِي شَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ هُوَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَلَمْ يُزَكِّهَا سَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا : إنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ ; لإِنَّ الزَّكَاةَ صَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيهَا هَذَا نَصُّ كَلاَمِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ فَقَطْ وَقَالَ زُفَرُ : عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِكُلِّ عَامٍ أَبَدًا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ , وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ , لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ ; لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَمَا الْعَجَبُ إلاَّ مِنْ رِفْقِهِمْ بِالْهَارِبِ أَمَامَ الْمُصَدِّقِ وَتَحَرِّيهِمْ الْعَدْلَ فِيهِ وَشِدَّةِ حَمْلِهِمْ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ السَّاعِي , فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ زَكَاةً أَلْفَ نَاقَةٍ لِعَشْرِ سِنِينَ ; وَلَمْ يَمْلِكْهَا إلاَّ سَنَةً وَاحِدَةً , وَإِنَّمَا مَلَكَ فِي سَائِرِ الأَعْوَامِ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَقَطْ. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِأَنَّ هَكَذَا زَكَّى النَّاسُ إذْ أَجْمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ قال أبو محمد : وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا مُعَاوِيَةَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الأَعْطِيَةِ وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ; وَقَلَّدُوا هَاهُنَا سُعَاةَ مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ , كَمَرْوَانَ , وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ , وَمَا هُنَالِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ إبِلٍ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْلِمُ وَتُعَطَّلَ زَكَاةً قَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَالِ نَفْسِهِ , وَلاَ فِي الذِّمَّةِ , وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ قَبْلُ ; وَأَوْضَحْنَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي الْعَيْنِ , وَلَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ نَفْسِهِ ; وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَى خِلاَفِهِ ; وَعَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ ; فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَلاَ يُسْقِطُهَا عَنْهُ ذَهَابُ مَالِهِ , وَلاَ رُجُوعُهُ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ امْرَأً لَوْ بَاعَ مَاشِيَتَهُ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ الْمَبِيعَةِ قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ ; وَمَا لَهُ ذَلِكَ ; لاَِنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ; . وَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةٌ مِنْ عُمَرَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى زَيْدٍ ; وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْبَائِعُ بِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 687 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ مَاتَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ , وَرِثَهُ وَلَدُهُ أَوْ كَلَالَةً , لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا لِلْوَصِيَّةِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ كُلُّهَا ; سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ , لَا تُؤْخَذُ أَصْلًا , سَوَاءٌ مَاتَ إثْرَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ , أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِسِنِينَ . وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا الْمُصَدَّقُ مِنْهَا , وَإِنْ وَجَدَهَا بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ . وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ : أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ : فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ , وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهَا تُؤْخَذُ بَعْدِ مَوْتِهِ , وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي الْمَاشِيَةِ , وَالزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ ; فَأَمَّا زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : بِأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ . وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ كَانَ حَاشَا الْمَوَاشِيَ - : فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا , فَتَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبْدَاةً عَلَى سَائِرِ وَصَايَاهُ كُلِّهَا , حَاشَا التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ , وَهِيَ مُبْدَاةٌ عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ قَالَ : وَأَمَّا الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ إنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي فَلَا سَبِيلَ لِلسَّاعِي عَلَيْهَا , وَقَدْ بَطَلَتْ , إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا , فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ مُبْدَاةٍ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا . وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الأَُوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ : فَمَرَّةٌ رَآهَا مِنْ الثُّلُثِ , وَمَرَّةً رَآهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ ; فَفِي غَايَةِ الْخَطَأِ ; لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا بِمَوْتِ الْمَرْءِ دَيْنًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ , بِلَا بُرْهَانٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا : لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا شَاءَ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُوَرِّثَ وَرَثَتَهُ شَيْئًا إلَّا أَمْكَنَهُ . فَقُلْنَا : فَمَا تَقُولُونَ فِي إنْسَانٍ أَكْثَرَ مِنْ إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا , وَلَوْ أَنَّهَا دُيُونُ يَهُودِيٍّ , أَوْ نَصْرَانِيٍّ لَا فِي خُمُورٍ أَهْرَقَهَا لَهُمْ . فَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّهَا كُلَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ , سَوَاءٌ وَرِثَ وَرَثَتُهُ أَوْ لَمْ يَرِثُوا , فَنَقَضُوا عِلَّتَهُمْ بِأَوْحَشِ نَقْضٍ وَأَسْقَطُوا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى - الَّذِي جَعَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَالْغَارِمِينَ مِنْهُمْ , وَفِي الرِّقَابِ مِنْهُمْ , وَفِي سَبِيلِهِ تَعَالَى , وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى - : وَأَوْجَبُوا دُيُونَ الآدَمِيِّينَ وَأَطْعَمُوا الْوَرَثَةَ الْحَرَامَ . وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مِنْ إيجَابِهِمْ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا عَلَى الْعَامِدِ لِتَرْكِهَا , وَإِسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ وَوَقْتُهَا قَائِمٌ عَنِ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا . ثُمَّ تَقْسِيمُ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَغَيْرِ الْمَوَاشِي , وَبَيْنَ زَكَاةِ عَامِهِ ذَلِكَ وَسَائِرِ الأَُعْوَامِ , فَرَأَى زَكَاةَ عَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ , وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ يَعِيشُونَ مِنْهُ , وَلَمْ يَرَ زَكَاةَ سَائِرِ الأَُعْوَامِ إلَّا سَاقِطَةً . ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ زَكَاةِ النَّاضِّ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا إلَّا عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَتُبَدَّى عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ - : وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَلَا تُبَدَّى الْوَصَايَا , وَهَذِهِ أَشْيَاءُ غَلِطَ فِيهَا مَنْ غَلِطَ وَقَصَدَ الْخَيْرَ , وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِتَقْلِيدِ قَائِلِهَا . ثُمَّ اسْتَعْمَلَ نَفْسَهُ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ نَصْرًا لَهَا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَبَيْنَ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَوَارِيثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَعَمَّ - عَزَّ وَجَلَّ - الدُّيُونَ كُلَّهَا , وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَسَاكِينِ , وَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَسَائِرِ مَنْ فَرَضَهَا تَعَالَى لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَُشَجُّ . قَالَ الْوَكِيعِيُّ : ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ ; وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَُحْمَرُ ثُمَّ اتَّفَقَ زَائِدَةُ , وَأَبُو خَالِدٍ الأَُحْمَرُ كِلَاهُمَا عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , قَالَ مُسْلِمُ الْبُطَيْنُ : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ , وَسَلَمَةُ : سَمِعْنَا مُجَاهِدًا ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا ؟ فَقَالَ : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى . قَالَ أَبُو خَالِدٍ : فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَذَكَرَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ الأَُعْمَشَ سَمِعَهُ مِنْ الْحَكَمِ , وَسَلَمَةَ وَمُسْلِمٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ r فَذَكَرَهُ , وَفِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ : فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ . فَهَؤُلَاءِ : عَطَاءٌ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ , وَمُجَاهِدٌ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَقَالَ : هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ , بَلْ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطٌ وَدَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَالنَّاسُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَيَسْأَلُونَ عَنِ الزَّكَاةِ أَفِي الذِّمَّةِ هِيَ أَمْ فِي عَيْنِ الْمَالِ . ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ . فَإِنْ قَالُوا : فِي عَيْنِ الْمَالِ , فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ , فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُمْ وَتَبْقَى دَيْنُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؟ وَإِنْ قَالُوا : فِي الذِّمَّةِ فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطُوهَا بِمَوْتِهِ ؟ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لَازِمٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ إبْطَالُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ؟ فَإِنْ قَالُوا : لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ , كَذَبُوا وَتَنَاقَضُوا لِأَنَّ الإِقْرَارَ إنْ كَانَ وَصِيَّةً فَهُوَ مِنْ الصَّحِيحِ أَيْضًا فِي الثُّلُثِ , وَإِلَّا فَهَاتُوا فَرْقًا بَيْنَ الْمَرِيضِ , وَالصَّحِيحِ . وَإِنْ قَالُوا : لِأَنَّنَا نَتَّهِمُهُ . قُلْنَا : فَهَلَّا اتَّهَمْتُمْ الصَّحِيحَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتُّهْمَةِ ؟ لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ قَوْلَ الْمَرِيضِ فِي دَعْوَاهُ : إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ , وَيُبْطِلُونَ إقْرَارَهُ فِي مَالِهِ , وَهَذِهِ أُمُورٌ كَمَا تَرَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ : أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ . وَقَالَ رَبِيعَةُ : لَا تُؤْخَذُ وَعَلَيْهِ مَا تَحَمَّلَ - : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَسَنِ , وطَاوُوس أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَجَّةِ الإِسْلَامِ , وَالزَّكَاةِ : هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ قَالَ عَلِيٌّ : وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ : إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَتَحَاصُّ مَعَ دُيُونِ النَّاسِ . قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذَا خَطَأٌ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى . قَالَ عَلِيٌّ : هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ - الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا - وَالْقِيَاسَ , وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ نَعْلَمُهُ . 688 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إذَا أَخْرَجَهَا الْمُسْلِمُ ، عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ , فَإِنْ أَخَذَهَا الإِمَامُ , أَوْ سَاعِيهِ , أَوْ أَمِيرُهُ , أَوْ سَاعِيهِ فَبِنِيَّةِ كَذَلِكَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. فَلَوْ أَنَّ امْرَأً أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالٍ لَهُ غَائِبٍ فَقَالَ : هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ سَالِمًا , وَإِلاَّ فَهِيَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ : لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ ، عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ إنْ كَانَ سَالِمًا , وَلَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لاَِنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ مَحْضَةٍ كَمَا أُمِرَ , وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ إنْ أَخْرَجَهَا عَلَى أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ فَقَطْ ; فَإِنْ كَانَ الْمَالُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ , لاَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ مُخْلِصًا لَهَا , وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ تَلِفَ , فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعْطَى , وَإِنْ فَاتَتْ أَدَّى الإِمَامُ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ , لأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهَا , فَهُمْ غَارِمُونَ بِذَلِكَ , وَهَذَا كَمَنْ شَكَّ : عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لاَ وَهَلْ عَلَيْهِ صَلاَةُ فَرْضٍ أَمْ لاَ فَصَلَّى عَدَدَ رَكَعَاتِ تِلْكَ الصَّلاَةِ وَقَالَ : إنْ كُنْتَ أُنْسِيتُهَا فَهِيَ هَذِهِ , وَإِلاَّ فَهِيَ تَطَوُّعٌ ; وَصَامَ يَوْمًا فَقَالَ : إنْ كَانَ عَلَيَّ يَوْمٌ فَهُوَ هَذَا ; وَإِلاَّ فَهُوَ تَطَوُّعٌ ; فَإِنَّ هَذَا لاَ يُخْرِجُهُ ، عَنْ تِلْكَ الصَّلاَةِ ، وَلاَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إنْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَلَيْهِ. 689 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ خَرَجَ الْمَالُ ، عَنْ مِلْكِهِ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ ، عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ رَجَعَ إلَيْهِ , وَلَوْ إثْرَ خُرُوجِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ أَكْثَرَ : فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ رُجُوعِهِ , لاَ مِنْ حِينِ الْحَوْلِ الأَوَّلِ , لإِنَّ ذَلِكَ الْحَوْلَ قَدْ بَطَلَ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُعَدَّ عَلَيْهِ وَقْتٌ كَانَ فِيهِ الْمَالُ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ إبِلاً بِإِبِلٍ , أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ , أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ , أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ , أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ : فَإِنَّ حَوْلَ الَّذِي خَرَجَ ، عَنْ مِلْكِهِ , مِنْ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ , وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ الَّذِي صَارَ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا. وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ , فَهُوَ عَاصٍ بِنِيَّتِهِ السُّوءَ فِي فِرَارِهِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ , ثُمَّ نَاقَضَ مَنْ قَرَّبَ فَقَالَ : مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ أَوْ بِدَنَانِيرِهِ عَقَارًا أَوْ مَتَاعًا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اشْتَرَى. قال أبو محمد : وَمِنْ الْمُحَالِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُزَكِّيَ الإِنْسَانُ مَالاً هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ عِنْدَهُ. قَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةً وِزْرَ أُخْرَى. وقولنا في هذا كُلِّهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : إنْ بَادَلَ إبِلاً بِبَقَرٍ أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ , وَإِنْ بَادَلَ إبِلاً بِإِبِلٍ , أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ , أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ , أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ , أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ : فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي خَرَجَ ، عَنْ يَدِهِ قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ , وَدَعْوَى لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ يَصِحُّ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِهَذَا : أَهَذِهِ الَّتِي صَارَتْ إلَيْهِ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْهُ أَمْ هِيَ غَيْرُهَا فَإِنْ قَالَ : هِيَ غَيْرُهَا قِيلَ : فَكَيْفَ يُزَكِّي ، عَنْ مَالٍ لاَ يَمْلِكُهُ وَلَعَلَّهَا أَمْوَاتٌ , أَوْ عِنْدَ كَافِرٍ. وَإِنْ : قَالَ بَلْ هِيَ تِلْكَ , كَابِرُ الْعِيَانِ , وَصَارَ فِي مِسْلاَخِ مَنْ يَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ جِهَارًا , فَإِنْ قَالَ : لَيْسَتْ هِيَ , وَلَكِنَّهَا مِنْ نَوْعِهَا قلنا نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ زَكَاةُ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْحَوْلُ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعِهِ ثُمَّ يُسْأَلُونَ إنْ كَانَتْ الأَعْدَادُ مُخْتَلِفَةً : أَيُّ الْعَدَدَيْنِ يُزَكِّي الْعَدَدَ الَّذِي خَرَجَ ، عَنْ مِلْكِهِ أَمْ الْعَدَدُ الَّذِي اكْتَسَبَ وَلَعَلَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ نِصَابًا وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيُّ شَيْءٍ قَالُوا فِي ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا وَبَاطِلاً بِلاَ بُرْهَانٍ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَالِكًا لِمِائَةِ شَاةٍ أَوْ لِعَشْرٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَوْلاً كَامِلاً مُتَّصِلاً قلنا : إنَّمَا الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ ، عَنْ مَالِ مِلْكِهِ بِعَيْنِهِ حَوْلاً كَامِلاً مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِلاَ خِلاَفٍ ; فَعَلَيْكُمْ الْ بُرْهَانُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، عَنْ عَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَكِنْ فِي أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ , وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ , إلاَّ بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. زَكَاة الْمَغْصُوبِ 690 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ غُصِبَهُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَيُّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ , فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ يَوْمًا مَا اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً مِنْ حِينَئِذٍ , وَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا خَلاَ ; فَلَوْ زَكَّاهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ كُلَّهُ , وَضَمِنَ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ ; لاَِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الآُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ , وَلَمْ يُكَلَّفْ الزَّكَاةَ مَنْ سِوَاهُ مَا لَمْ يَبِعْهُ هُوَ أَوْ يُخْرِجْهُ ، عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ , فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكَلَّفُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ , فَسَقَطَ بِهَذَا الإِجْمَاعِ تَكْلِيفُهُ أَدَاءَ زَكَاةٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ; ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ذَلِكَ , وَكَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ , أَوْ الْمُتْلَفِ , أَوْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ : سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ , بِخِلاَفِ مَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إحْضَارِهِ وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ , وَمَا سَقَطَ بِبُرْهَانٍ لَمْ يَعُدْ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ , وَقَدْ كَانَتْ الْكُفَّارُ يُغِيرُونَ عَلَى سَرْحِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ r ; فَمَا كَلَّفَ قَطُّ أَحَدًا زَكَاةَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ مَالِهِ. وَقَدْ يُسْرَقُ الْمَالُ وَيُغْصَبُ فَيُفَرَّقُ ، وَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَكَانَهُ , فَكَانَ تَكْلِيفُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي قَدْ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى , إذْ يَقُولُ : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَكَذَلِكَ تَغَلُّبُ الْكُفَّارِ عَلَى بَلَدِ نَخْلٍ فَمِنْ الْمُحَالِ تَكْلِيفُ رَبِّهَا أَدَاءَ زَكَاةِ مَا أَخْرَجَتْ , وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ , يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَإِعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ تَعَدٍّ مِنْهُ , فَهُوَ ضَامِنٌ لَمَا تَعَدَّى فِيهِ قَالَ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وقال أبو حنيفة : بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ , إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ بِتَلَفِ مَكَانِهِ فِي مَنْزِلِهِ أَدَّى زَكَاتَهُ ; وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ , وقال مالك : لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ , فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ سِنِينَ. وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلٍ لَهُ رَجَعَ إلَيْهِ , وَكَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ : يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ هَاهُنَا , وَلَمْ يُقَلِّدُوهُ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ ; وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَلَّدُوهُ فِيهِ لاَِنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حِينَ يُفَادُ فَخَالَفُوهُ هَاهُنَا وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ , وَقَالَ سُفْيَانُ : فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ : عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ وَقَدْ جَاءَ ، عَنْ عُثْمَانَ , وَابْنِ عُمَرَ : إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا لاَ يَرَيَانِ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم . وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ , وَاللَّيْثِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ سُفْيَانَ , وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى ، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالٍ رَدَّهُ عَلَى رَجُلٍ كَانَ ظُلِمَهُ : أَنْ خُذْ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِمَا أَتَتْ عَلَيْهِ , ثُمَّ صَبَّحَنِي بَرِيدُ عُمَرَ : لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً , فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا أَوْ غَوْرًا. 691 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ رَهَنَ مَاشِيَةً , أَوْ ذَهَبًا , أَوْ فِضَّةً , أَوْ أَرْضًا فَزَرَعَهَا , أَوْ نَخْلاً فَأَثْمَرَتْ , وَحَال الْحَوْلُ عَلَى الْمَاشِيَةِ , وَالْعَيْنِ : فَالزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، وَلاَ يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فِي زَكَاتِهِ , أَمَّا وُجُوبُ الزَّكَاةِ ; فَلاَِنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ , عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ; وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ عَنْهُ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِتَكْلِيفِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ تَكْلِيفِهِ الْعِوَضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ وَعِدْوَانٍ , فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِرَدِّهِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِحَقٍّ مُفْتَرَضٍ إخْرَاجُهُ ; فَتَكْلِيفُهُ حُكْمًا فِي مَالِهِ بَاطِلٌ , وَلاَ يَجُوزُ إلاَّ بِنَصٍّ , أَوْ إجْمَاعٍ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ 692 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى السُّلْطَانِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ مَالَهُ لِلْمُصَدَّقِ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْحَقَّ , ثُمَّ مُؤْنَةُ نَقْلِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الزَّكَاةِ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ وَهُمْ السُّعَاةُ فَيَقْبِضُونَ الْوَاجِبَ وَيَبْرَأُ أَصْحَابُ الأَمْوَالِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ ، وَلاَ مَزِيدَ ; لإِنَّ تَكْلِيفَ النَّقْلِ مُؤْنَةٌ وَغَرَامَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ; ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ مَيْلاً أَوْ مَنْ كَلَّفَهُ إلَى خُرَاسَانَ أَوْ أَبْعَدَ. 693 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ، وَلاَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ , وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا , وَيَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ قَبْلَ وَقْتِهِ ; لاَِنَّهُ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَصَحَّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَعَطَاءٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَالضَّحَّاكِ , وَالْحَكَمِ , وَالزُّهْرِيِّ وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ لِثَلاَثِ سِنِينَ , وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ : لاَ أَدْرِي مَا هَذَا , وقال أبو حنيفة : وَأَصْحَابُهُ بِجَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا ثُمَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ تَخْلِيطٌ كَثِيرٌ : مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالٍ عِنْدَهُ , وَلاَ فِي زَرْعٍ قَدْ زَرَعَهُ , وَلاَ فِي نَخْلٍ قَدْ أَطْلَعَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ اطِّلاَعِ النَّخْلِ وَقَبْلَ زَرْعِ الأَرْضِ , وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ ثَلاَثِ سِنِينَ أَجْزَأَهُ. وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ تَخَالِيطِ أَقْوَالِهِمْ فِي كِتَابِ الأَعْرَابِ " و اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ : بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ ، عَنْ مَالٍ عِنْدَهُ , لاَ ، عَنْ مَالٍ لَمْ يَكْتَسِبْهُ بَعْدُ وَقَالَ : إنْ اسْتَغْنَى الْمِسْكِينُ مِمَّا أَخَذَ مِمَّا عَجَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَ صَاحِبَ الْمَالِ ; فَإِنْ اسْتَغْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْ ، عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ. وقال مالك : يُجْزِئُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , لاَ أَكْثَرَ , فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فَكَمَا قلنا نَحْنُ , وَهَذِهِ كُلُّهَا تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ يَصِحُّ , وَلاَ قِيَاسٍ. وَقَوْلُ اللَّيْثِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ : كَقَوْلِنَا. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا بِحُجَجٍ : مِنْهَا : الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي , فِي هَلْ تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَمْ لاَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ r اسْتَسْلَفَ بَكْرًا فَقَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ جَمَلاً رَبَاعِيًا وَهَذَا لاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ , لاَِنَّهُ اسْتِسْلاَفٌ كَمَا تَرَى , لاَ اسْتِعْجَالَ صَدَقَةٍ ; بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَهَا لاَ يَجُوزُ , إذْ لَوْ جَازَ لَمَا احْتَاجَ عليه الصلاة والسلام إلَى الاِسْتِقْرَاضِ ; بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ زَكَاةً لِحَاجَتِهِ إلَى الْبِكْرِ , وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ حُجِّيَّةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَأَذِنَ لَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هُشَيْمٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنِ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ r بَعَثَ عُمَرَ مُصَدِّقًا وَقَالَ لَهُ ، عَنِ الْعَبَّاسِ : إنَّا قَدْ اسْتَسْلَفْنَا زَكَاتَهُ لِعَامِ عَامِ الأَوَّلِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ قَالَ " قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ : أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ : قَدْ أَدَّيْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ , فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ r فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : صَدَقَ ". هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ. وَقَالُوا : حُقُوقُ الأَمْوَالِ كُلُّهَا جَائِزٌ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا , قِيَاسًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ وَحُقُوقِهِمْ , كَالنَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَالُوا : إنَّمَا أُخِّرَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْحَوْلِ فُسْحَةً عَلَى النَّاسِ فَقَطْ. وَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ حُجِّيَّةَ : فَحُجِّيَّةُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالْعَدَالَةِ , وَلاَ تَقُومُ الْحُجَّةُ إلاَّ بِرِوَايَةِ الْعُدُولِ الْمَعْرُوفِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ هُشَيْمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هُشَيْمٍ , وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَبَنَّدَ بِهِ , فَصَارَ مُنْقَطِعًا , ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا لَفْظَ أَنَسٍ ، وَلاَ كَيْفَ رَوَاهُ , فَلَمْ يُجِزْ الْقَطْعَ بِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ , وَأَمَّا سَائِرُ الأَخْبَارِ فَمُرْسَلَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ الْمُرْسَلَ , وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ : إنَّهُ كَالْمُسْنَدِ , وَرَدُّوا فِيهِ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ , وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِهَا إذَا وَافَقَتْهُمْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الزَّكَاةَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ : فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لإِنَّ تَعْجِيلَ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ قَدْ وَجَبَ بَعْدُ , ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى تَأْجِيلِهَا وَالزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ , فَقِيَاسُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى مَا قَدْ وَجَبَ فِي الأَدَاءِ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا : فَتَعْجِيلُ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِرِضًا مِنْ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ , وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ; لاَِنَّهَا لَيْسَتْ لاِِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ , وَلاَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ , فَيَجُوزُ الرِّضَا مِنْهُمْ بِالتَّعْجِيلِ , وَإِنَّمَا هِيَ لاَِهْلِ صِفَاتٍ تَحْدُثُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا , وَتَبْطُلُ عَمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْقَابِضِينَ لَهَا الآنَ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا لَوْ أَبْرَءُوا مِنْهَا دُونَ قَبْضٍ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ , وَلاَ بَرِئَ مِنْهَا مِنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ بِإِبْرَائِهِمْ بِخِلاَفِ إبْرَاءِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ , وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهَا إلَى السَّاعِي , فَقَدْ يَأْتِي وَقْتُ الزَّكَاةِ وَالسَّاعِي مَيِّتٌ أَوْ مَعْزُولٌ , وَاَلَّذِي بَعَثَهُ كَذَلِكَ , فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ , وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُمْ عَلَى النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ , وَلَوْ أَنَّ امْرَأً عَجَّلَ نَفَقَةً لاِمْرَأَتِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ النَّفَقَةَ , وَاَلَّذِي تَجِبُ لَهُ مُضْطَرٌّ : لَمْ يُجْزِئْهُ تَعْجِيلُ مَا عَجَّلَ , وَأُلْزِمَ الآنَ النَّفَقَةَ , وَأُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ بِمَا عَجَّلَ لَهُ دَيْنًا , لاِسْتِهْلاَكِهِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ , بَلْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى تَعْجِيلِ الصَّلاَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالصَّوْمُ قَبْلَ وَقْتِهِ أَصَحُّ , لاَِنَّهَا كُلَّهَا عِبَادَاتٌ مَحْدُودَةٌ بِأَوْقَاتٍ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ. فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّلاَةِ أَكْذَبَهُمْ الأَثَرُ الصَّحِيحُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ , وَهْبَكَ لَوْ صَحَّ لَهُمْ الإِجْمَاعُ لَكَانَ هَذَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لإِنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ قِيَاسَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ قَبْلُ , ثُمَّ فُسِحَ لِلنَّاسِ فِي تَأْخِيرِهَا : فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَطُّ إلاَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , لِصِحَّةِ النَّصِّ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُصَدِّقِينَ عِنْدَ الْحَوْلِ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , وَمَا كَانَ عليه السلام لَيُضَيِّعَ قَبْضَ حَقٍّ قَدْ وَجَبَ وَلاِِجْمَاعِ الآُمَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى وُجُوبِهَا قَبْلَهُ , وَلاَ تَجِبُ الْفَرَائِضُ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ , فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ : أَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَمْ لَمْ تَجِبْ فَإِنْ قَالُوا : لَمْ تَجِبْ قلنا : فَكَيْفَ تُجِيزُونَ أَدَاءَ مَا لَمْ يَجِبْ وَمَا لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ تَطَوُّعٌ , وَمَنْ تَطَوَّعَ فَلَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَإِنْ قَالُوا : قَدْ وَجَبَتْ قلنا : فَالْوَاجِبُ إجْبَارُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَى أَدَائِهِ , وَهَذَا بُرْهَانٌ لاَ مَحِيدَ عَنْهُ أَصْلاً , وَنَسْأَلُهُمْ : كَيْفَ الْحَالُ إنْ مَاتَ الَّذِي عَجَّلَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ الَّذِينَ أَعْطُوهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ خَرَجُوا ، عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تُسْتَحَقُّ الزَّكَوَاتُ فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَهَا بَاطِلٌ , وَإِعْطَاءٌ لِمَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهَا , وَمَنْعٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا , وَإِبْطَالُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ ; وَكُلُّ هَذَا لاَ يَجُوزُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إجَازَةِ الْحَنَفِيِّينَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ وَمَنْعُهُمْ مِنْ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَكِلاَهُمَا مَالٌ مُعَجَّلٌ , إلاَّ أَنَّ النَّصَّ قَدْ يَصِحُّ بِتَعْجِيلِ مَا مَنَعُوا تَعْجِيلَهُ , وَلَمْ يَأْتِ بِتَعْجِيلِ مَا أَبَاحُوا تَعْجِيلَهُ , فَتَنَاقَضُوا فِي الْقِيَاسِ , وَصَحَّحُوا الآثَارَ الْفَاسِدَةَ , وَأَبْطَلُوا الأَثَرَ الصَّحِيحَ , وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ مَعَ مَا تَنَاقَضُوا خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ , وَهُمَا يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ , وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ الْقِيَاسَ , وَقَبِلُوا الْمُرْسَلَ الَّذِي يَرُدُّونَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 694 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ مَاشِيَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ لَمْ يَتْلَفْ وَأَتَمَّ عِنْدَهُ حَوْلاً مِنْهُ مَا فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ : زَكَّاهُ , وَإِلاَّ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَصْلاً , وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ سِنِينَ . وَقَالَ قَوْمٌ : يُزَكِّيهِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : إذَا حَلَّتْ يَعْنِي الزَّكَاةَ فَاحْسِبْ دَيْنَكَ وَمَا عِنْدَكَ وَاجْمَعْ ذَلِكَ جَمِيعًا ثُمَّ زَكِّهِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ : يَجِيءُ إبَّانَ صَدَقَتِي فَأُبَادِرُ الصَّدَقَةَ فَأُنْفِقُ عَلَى أَهْلِي وَأَقْضِي , دَيْنِي قَالَ عُمَرُ : لاَ تُبَادِرْ بِهَا , وَاحْسِبْ دَيْنَك وَمَا عَلَيْكَ , وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمْطُلُهُ قَالَ : زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي يَأْكُلُ مَهْنَأَةً وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ نَحْوَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ ، عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْهُ : ابْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالاَ : حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وُلِّيَ مَالَ يَتِيمٍ فَكَانَ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ , يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أُحْرِزَ لَهُ : وَيُؤَدِّي زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ , فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لاَ يُزَكِّيهِ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ , وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : إذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ ; إنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ , وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ مِنْ مَالِكَ , وَمَا لَكَ عَلَى الْمَلِيءِ ، وَلاَ تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ : وَمَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ , وَوَكِيعٍ قال أبو محمد : إنَّمَا وَافَقْنَا قَوْلَ هَؤُلاَءِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ ، عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : خَالَفَنِي إبْرَاهِيمُ فِي الدَّيْنِ , كُنْتُ أَقُولُ : لاَ يُزَكِّي , ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِي : وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ لَهُ ، وَلاَ عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ : السَّلَفُ يُسْلِفُهُ الرَّجُلُ. قَالَ : لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْمَالِ ، وَلاَ عَلَى الَّذِي اسْتَسْلَفَهُ زَكَاةٌ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : لاَ يُزَكِّي الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الدِّينَ , وَلاَ يُزَكِّيهِ الَّذِي هُوَ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا. قال أبو محمد : إذَا خَرَجَ الدَّيْنُ ، عَنْ مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُ , وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُزَكِّيَ ، عَنْ لاَ شَيْءَ , وَعَمَّا لاَ يَمْلِكُ , وَعَنْ شَيْءٍ لَوْ سَرَقَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ ; لاَِنَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. 695 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ , مِنْ جِنْسِهِ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ : فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا عِنْدَهُ , وَلاَ يَسْقُطُ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ : وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. وقال مالك : يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي عِنْدَهُ الَّتِي لاَ زَكَاةَ فِيهَا , وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عُرُوضٌ جَعَلَ دَيْنَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ , وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ الزَّكَاةَ , فَإِنْ فَضَلَ ، عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلاَّ فَلاَ , وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمَوَاشِي وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فَلاَ ; وَلَكِنْ يُزَكِّي كُلَّ ذَلِكَ , سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَقَالَ آخَرُونَ : يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَوَاشِي , وَلاَ يُسْقِطُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ : يُجْعَلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ , سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ , وَالْمَوَاشِي , وَالْحَرْثُ , وَالثِّمَارُ , وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ , وَيَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ كُلِّ ذَلِكَ. وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُهُ فِي عُرُوضِ الْقِنْيَةِ مَا دَامَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ , أَوْ مَا دَامَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ ; وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ : لاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الزَّرْعِ إلاَّ فِي الزَّرْعِ , وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الْمَاشِيَةِ إلاَّ فِي الْمَاشِيَةِ , وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الْعَيْنِ إلاَّ فِي الْعَيْنِ , فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا عَلَيْهِ دَيْنُ مِثْلِهِ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ : حَرْثٌ لِرَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ , أَيُؤَدِّي حَقَّهُ قَالَ : مَا نَرَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً , لاَ فِي مَاشِيَةٍ ، وَلاَ فِي أَصْلٍ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ , سَمِعْت طَاوُوسًا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. قال أبو محمد : إسْقَاطُ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ; بَلْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَنُ الصِّحَاحُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَوَاشِي , وَالْحَبِّ , وَالتَّمْرِ , وَالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , بِغَيْرِ تَخْصِيصِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّنْ لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ , وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ جَارِيَةً يَطَؤُهَا وَيَأْكُلَ مِنْهُ وَيُنْفِقَ مِنْهُ ; وَلَوْ لَمْ يَكْفِي لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا ; فَإِذَا هُوَ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ ، عَنْ مِلْكِهِ وَيَدِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَزَكَاةُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ : فَفِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ , وَمَا نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ ; وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَالْمَالِكِيُّونَ : يُنْكِرُونَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي إيجَابِهِ لِلزَّكَاةِ فِي زَرْعِ الْيَتِيمِ وَثِمَارِهِ دُونَ مَاشِيَتِهِ وَذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ , فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَبْضَ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ إلَى الْمُصَدِّقِ. قِيلَ : فَكَانَ مَاذَا وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَبْضُ زَكَاةِ الْعَيْنِ إلَى السُّلْطَانِ إذَا طَلَبَهَا ، وَلاَ فَرْقَ. 696 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً عِنْدَ مَلِيءٍ مُقِرٍّ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ أَوْ مُنْكِرٍ , أَوْ عِنْدَ عَدِيمٍ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَلاَ زَكَاةَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ , وَلَوْ أَقَامَ عَنْهُ سِنِينَ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلاً كَسَائِرِ الْفَوَائِدِ ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ , لاَ حِينَئِذٍ ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَاشِيَةُ , وَالذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَمَّا النَّخْلُ , وَالزَّرْعُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ زَرْعِهِ ، وَلاَ مِنْ ثِمَارِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُزَكِّيهِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ ، عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى آخَرَ فَقَالَ : يُزَكِّيهِ صَاحِبُ الْمَالِ , فَإِنْ خَشِيَ أَنْ لاَ يَقْضِيَهُ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ , فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هِشَامُ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ : سُئِلَ عَلِيٌّ ، عَنِ الدَّيْنِ الظَّنُونِ : أَيُزَكِّيهِ قَالَ : إنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ لِمَا مَضَى وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَالظَّنُونُ : هُوَ الَّذِي لاَ يُرْجَى. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوس : إذَا كَانَتْ لَك دَيْنٌ فَزَكِّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ ، عَنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : يُزَكِّيهِ يَعْنِي : مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ , وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ احْسَبْ دَيْنَكَ وَمَا عَلَيْكَ وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ : إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَعَلَى صَاحِبِهِ أَدَاءُ زَكَاتِهِ , فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْدِمٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ ; فَيَكُونُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السِّنِينَ الَّتِي مَضَتْ , وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ : إذَا كَانَ لَكَ الدَّيْنُ فَعَلَيْكَ زَكَاتُهُ ; وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْكَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ , فَإِذَا قَبَضَهُ أَوْ قَبَضَ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ , وَإِنْ بَقِيَ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ زَكَّاهُ ; وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : زَكُّوا أَمْوَالَكُمْ مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ , فَمَا كَانَ فِي دَيْنٍ فِي ثِقَةٍ فَاجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيكُمْ , وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ ظَنُونٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ صَاحِبُهُ. وَعَنْ طَاوُوس مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ : إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فَزَكِّهِ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ : زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ وَمَالَكَ عَلَى الْمَلِيءِ , وَلاَ تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ. ثُمَّ رَجَعَ ، عَنْ هَذَا. وَعَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ : مَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ فِي مَلِيءٍ تَرْجُوهُ فَاحْسُبْهُ , ثُمَّ أَخْرِجْ مَا عَلَيْك وَزَكِّ مَا بَقِيَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ : إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَزَكِّهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ , وَأَمَّا قَوْلُنَا فَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُ , وَعَنْ عَطَاءٍ , وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ ; لاَِنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الدَّيْنِ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ , وَعَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. فَأَوْجَبَ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ , فَحَصَلَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعُشْرِ , وَفِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاتَانِ , وَكَذَلِكَ مَا زَادَ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ إلاَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ وَمِثْلُ قَوْلِنَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَسَّمَ ذَلِكَ تَقَاسِيمَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَهِيَ أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ لَيْسَ ، عَنْ بَدَلٍ , أَوْ كَانَ ، عَنْ بَدَلِ مَا لاَ يَمْلِكُ , كَالْمِيرَاثِ , وَالْمَهْرِ , وَالْجُعْلِ , وَدِيَةِ الْخَطَأِ , وَالْعَمْدِ إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا , وَالْخُلْعِ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ أَصْلاً حَتَّى يَقْبِضَهُ , فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً , وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ ، عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَقَرْضِ الدَّرَاهِمِ وَفِيمَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي , وَثَمَنِ عَبْدِ التِّجَارَةِ : فَإِنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ حَتَّى يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ , ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ أَرْبَعِينَ يَقْبِضُ , وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ ، عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعُرُوضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ يَبِيعُهَا : قِسْمًا آخَرَ , فَاضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُهُ , فَمَرَّةً جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْمِيرَاثِ , وَالْمَهْرِ , وَمَرَّةً قَالَ : لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ , وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ مَا كَانَ عِنْدَ عَدِيمٍ أَوْ مَلِيءٍ إذَا كَانَا مُقِرَّيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْلِيطٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. قال أبو محمد : إنَّمَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ غَرِيمِهِ عَدَدٌ فِي الذِّمَّةِ وَصِفَةٌ فَقَطْ , وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالٍ أَصْلاً , وَلَعَلَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ اللَّذَيْنِ لَهُ عِنْدَهُ فِي الْمَعْدِنِ بَعْدُ , وَالْفِضَّةُ تُرَابٌ بَعْدُ , وَلَعَلَّ الْمَوَاشِيَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ , فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ : لاَ يُعْرَفُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا , لإِنَّ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ فِي الْغَصْبِ لاَ فِي الدَّيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 697 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْمُهُورُ وَالْخُلْعُ , وَالدِّيَاتُ , فَبِمَنْزِلَةِ مَا قلنا ; مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَهْرُ ; لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَيْنٌ , فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ فِضَّةً مُعَيَّنَةً دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ ذَهَبًا بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ مَاشِيَةً بِعَيْنِهَا , أَوْ نَخْلاً بِعَيْنِهَا , أَوْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِيرَاثًا : فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ ; لاَِنَّهَا أَمْوَالٌ صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ مَوْجُودَةٌ , فَالزَّكَاةُ فِيهَا , وَلاَ مَعْنَى لِلْقَبْضِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ صَاحِبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ مَنَعَ صَارَ مَغْصُوبًا وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 698 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ بُرًّا , أَوْ شَعِيرًا , أَوْ ذَهَبًا , أَوْ فِضَّةً , أَوْ مَاشِيَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ قِبَلَهُ , وَنَوَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ وَنَوَى بِذَلِكَ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ , وَبِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْهَا , فَإِذَا كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ يُسَمَّى صَدَقَةً فَقَدْ أَجْزَأَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ بُكَيْرٍ ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أُصِيبَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ. 699 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا , أَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ الْمَأْمُورِ بِقَبْضِهَا فَبَاعَهَا مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ فِيهَا أَوْ مَنْ لَهُ قَبْضُهَا نَظَرًا لاَِنَّهَا لاَِهْلِهَا : فَجَائِزٌ لِلَّذِي أَعْطَاهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا , وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِهِبَةٍ , أَوْ هَدِيَّةٍ , أَوْ مِيرَاثٍ , أَوْ صَدَاقٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ سَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ , وَلاَ يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا ; لاَِنَّهُ ابْتَاعَ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ; وَهَذَا لاَ يَجُوزُ ; لاَِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا الَّذِي ابْتَاعَ , وَلَمْ يُعْطِ الزَّكَاةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا , وَبِهَذَا نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا لَزِمَهُ الْقِيمَةُ , وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فَهُوَ قَدْ أَدَّى صَدَقَةَ مَالِهِ كَمَا أُمِرَ , وَبَاعَهَا الآخِذُ كَمَا أُبِيحَ لَهُ , وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ ; وَكَرِهَهُ مَالِكٌ ; وَأَجَازَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ : حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ , وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ تَشْتَرِهِ , وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ " أَنَّ الزُّبَيْرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , فَوَجَدَ فَرَسًا مِنْ ضِئْضِئِهَا يَعْنِي مِنْ نَسْلِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ , فَنُهِيَ " وَنَحْوَ هَذَا أَيْضًا ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ , وَلاَ يَصِحُّ , قال أبو محمد وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لإِنَّ فَرَسَ عُمَرَ كَانَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , فَصَارَ حَبْسًا فِي هَذَا الْوَجْهِ , فَبَيْعُهُ إخْرَاجٌ لَهُ عَمَّا سُبِّلَ فِيهِ , وَلاَ يَحِلُّ هَذَا أَصْلاً ; فَابْتِيَاعُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ , وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرَيْنِ الآخَرَيْنِ , لَوْ صَحَّا , لاَ سِيَّمَا , وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ نَهَى نِتَاجَهَا , وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَبْسِ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهُ وَكَانَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَبِيعُهَا إنْ شَاءَ فَلَيْسَ ابْتِيَاعُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَوْدًا فِي صَدَقَتِهِ , لاَ فِي اللُّغَةِ , وَلاَ فِي الدِّيَانَةِ ; لإِنَّ الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ انْتِزَاعُهَا وَرَدُّهَا إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَإِبْطَالُ صَدَقَتِهِ بِهَا فَقَطْ , وَالْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ يُجِيزُونَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا بِالْمِيرَاثِ , وَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ كَمَا عَادَتْ بِالشِّرَاءِ ، وَلاَ فَرْقَ ; فَصَحَّ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا فَقَطْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، قَالَتْ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ r بِلَحْمٍ , فَقُلْتُ : هَذَا مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَالَ : هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، حدثنا الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ السَّبَّاقَ أَنَّهُ سَمِعَ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : هَلْ مِنْ طَعَامٍ فَقُلْتُ : لاَ , إلاَّ عَظْمًا أُعْطِيَتْهُ مَوْلاَةٌ لَنَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ : قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَيْهِ r فَقَدْ اسْتَبَاحَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا مَحِلَّهَا , إذْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا , أَوْ لِغَارِمٍ , أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ , أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ , فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ. فَهَذَا نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ r بِجَوَازِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ , وَلَمْ يَخُصَّ الْمُتَصَدِّقَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لاَ تَشْتَرِ الصَّدَقَةَ حَتَّى تَعْقِلَ : يَعْنِي حَتَّى تُؤَدِّيَهَا : وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْك , أَوْ وَرِثْتهَا حَلَّتْ لَك , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلاَ يَبْتَاعَهَا حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قال أبو محمد : فَهَذَا عُمَرُ يُجِيزُ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ ابْتِيَاعَهَا إذَا انْتَقَلَتْ ، عَنِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ ; ، وَلاَ فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الأَمْرَيْنِ , وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ , وَمَكْحُولٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ , وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ , وَأَجَازَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ تَصَدَّقَ بِهِ , وَيُفْتِي بِذَلِكَ , فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم مُوَافِقٌ. 700 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَلاَ شَيْءَ فِي الْمَعَادِنِ , وَهِيَ فَائِدَةٌ , لاَ خُمْسَ فِيهَا ، وَلاَ زَكَاةً مُعَجَّلَةً , فَإِنْ بَقِيَ الذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ عِنْدَ مُسْتَخْرِجِهَا حَوْلاً قَمَرِيًّا , وَكَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ : زَكَّاهُ , وَإِلاَّ فَلاَ. وقال أبو حنيفة : عَلَيْهِ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَالنُّحَاسِ , وَالرَّصَاصِ , وَالْقَزْدِيرِ , وَالْحَدِيدِ : الْخُمْسُ , سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ , سَوَاءٌ أَصَابَهُ مُسْلِمٌ , أَوْ كَافِرٌ , عَبْدٌ , أَوْ حُرٌّ. قَالَ : فَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِ فَلاَ خُمْسَ فِيهِ , وَلاَ زَكَاةَ , وَلاَ شَيْءَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَادِنِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزِّئْبَقِ , فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ , وَمَرَّةً لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا , وقال مالك : فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ : الزَّكَاةُ مُعَجَّلَةٌ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلاَ شَيْءَ فِي غَيْرِهَا , وَلاَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ يَكُونُ عَلَيْهِ ; فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ , أَوْ الْفِضَّةِ نُدْرَةً بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ فَفِي ذَلِكَ الْخُمْسُ. قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ : وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ ، عَنِ الرِّكَازِ. فَقَالَ : هُوَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. قال أبو محمد : هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ ; لإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَى إطْرَاحِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي الذَّهَبِ خَاصَّةً. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا سَائِرَ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الذَّهَبِ. قلنا لَهُمْ : فَقِيسُوا عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَادِنَ الْكِبْرِيتِ , وَالْكُحْلِ , وَالزِّرْنِيخِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا : هَذِهِ حِجَارَةٌ. قلنا : فَكَانَ مَاذَا وَمَعْدِنُ الْفِضَّةِ , وَالنُّحَاسِ أَيْضًا حِجَارَةٌ ، وَلاَ فَرْقَ وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَطْ ; لاَ الْمَعَادِنُ , لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي اللُّقَطَةِ مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْخَرَابِ وَالأَرْضِ الْمِيْتَاءِ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا , وَهَذَا كَمَا تَرَى , وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لَكَانَ الْخُمْسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ , كَمَا أَنَّ الْخُمْسَ فِي كُلِّ دَفْنٍ لِلْجَاهِلِيَّةِ , أَيُّ شَيْءٍ كَانَ ; فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَنَاقُضُهُمْ لاَ سِيَّمَا فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْخَرَاجِ , وَلَمْ يُسْقِطُوا الْخُمْسَ فِي الْمَعَادِنِ بِالْخَرَاجِ وَأَوْجَبُوا فِيهَا خُمْسًا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ , وَعَلَى الْكَافِرِ , وَالْعَبْدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَعْدِنِ فِي الدَّارِ وَبَيْنَهُ خَارِجَ الدَّارِ , وَلاَ يُعْرَفُ كُلُّ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : بِرَدِّ الأَخْبَارِ الصِّحَاحِ إذَا خَالَفَتْ الآُصُولَ وَحُكْمُهُمْ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِلآُصُولِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ فِيهِ الْخُمْسَ. قلنا : أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ إنْ كَانَ حُجَّةً ; لإِنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي رَجُلٍ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا فَبَاعَهُ بِمِائَةِ شَاةٍ , وَأَخْرَجَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ثَمَنَ أَلْفِ شَاةٍ فَرَأَى عَلِيٌّ الْخُمْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي ; لاَ عَلَى الْمُسْتَخْرِجِ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَطَعَ لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْفُرْعِ. قَالَ : فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إلاَّ الزَّكَاةَ إلَى الْيَوْمِ. قال أبو محمد : وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لاَِنَّهُ مُرْسَلٌ , وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ إرْسَالِهِ إلاَّ إقْطَاعُهُ عليه السلام تِلْكَ الْمَعَادِنَ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ ; لأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي النُّدْرَةِ تُصَابُ فِيهِ بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ : الْخُمْسَ ; وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا ، عَنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْكَبِيرِ وَحَدِّ النُّدْرَةِ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ إلاَّ بِدَعْوَى لاَ يَجُوزُ الاِشْتِغَالُ بِهَا فَظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَتَنَاقُضُهُ. وَقَالُوا أَيْضًا : الْمَعْدِنُ كَالزَّرْعِ يَخْرُجُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ : قِيَاسُ الْمَعْدِنِ عَلَى الزَّرْعِ كَقِيَاسِهِ عَلَى الزَّكَاةِ , وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَتَعَارَضَ هَذَانِ الْقِيَاسَانِ ; وَكِلاَهُمَا فَاسِدٌ , أَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الرِّكَازِ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ ; وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا , وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الزَّرْعِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُرَاعُوا فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا , وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَقِيسُوا كُلَّ مَعْدِنٍ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ عَلَى الزَّرْعِ , وَاحْتَجَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ; ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُبَيٍّ نَعَمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ : بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا , فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ , وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ , وَزَيْدِ الْخَيْرِ , وَذَكَرَ رَابِعًا , وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ. فَقَالَ مَنْ رَأَى فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ : هَؤُلاَءِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ , وَحَقُّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لاَ فِي الْخُمْسِ ; وَقَالَ الآخَرُونَ : عَلِيٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ فِي الصَّدَقَةِ , وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي الأَخْمَاسِ. قَالَ عَلِيٌّ : كِلاَ الْقَوْلَيْنِ دَعْوًى فَاسِدَةٌ , وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ مِنْ خُمْسٍ وَاجِبٍ , أَوْ مِنْ زَكَاةٍ لَمَا جَازَ أَلْبَتَّةَ أَخْذُهَا إلاَّ بِوَزْنٍ وَتَحْقِيقٍ , لاَ يُظْلَمُ مَعَهُ الْمُعْطِي ، وَلاَ أَهْلُ الأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ ; فَلَمَّا كَانَتْ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَانَتْ هَدِيَّةً مِنْ الَّذِي أَصَابَهَا , أَوْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ , فَأَعْطَاهَا عليه السلام مَنْ شَاءَ , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ غَيْرِ الزَّرْعِ إلاَّ بَعْدَ الْحَوْلِ , وَالْمَعْدِنِ مِنْ جُمْلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ; فَلاَ شَيْءَ فِيهَا إلاَّ بَعْدَ الْحَوْلِ , وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ , وَقَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ , وَيَصِيرُ لِلسُّلْطَانِ , وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ ; ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَعَلَى هَذَا إنْ ظَهَرَ فِي مَسْجِدٍ أَنْ يَصِيرَ مِلْكُهُ لِلسُّلْطَانِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ.فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَهُوَ لَهُ , يُورَثُ عَنْهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ. 701 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تُؤْخَذُ زَكَاةٌ مِنْ كَافِرٍ لاَ مُضَاعَفَةً ، وَلاَ غَيْرَ مُضَاعَفَةٍ , لاَ مِنْ بَنِي تَغْلِبٍ ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ , كَذَلِكَ إلاَّ فِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا : تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةُ مُضَاعَفَةً , وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ وَاهٍ مُضْطَرِبٍ فِي غَايَةِ الاِضْطِرَابِ , رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ التَّغْلِبِيِّ قَالَ : صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، عَنْ بَنِي تَغْلِبَ بَعْد أَنْ قَطَعُوا الْفُرَاتَ وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ عَلَى أَنْ لاَ يَصْبُغُوا صَبِيًّا ، وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ قَالَ دَاوُد بْنُ كُرْدُوسٍ : لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ , قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ عُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَقَالَ لَهُ : إنَّهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ , فَلاَ تُعِنْ عَدُوَّكَ بِهِمْ ; فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ أُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ , فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ : أَنْ لاَ يَنْصُرُوا أَوْلاَدَهُمْ. قَالَ مُغِيرَةُ فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لاَُقَتِّلَنَّ مُقَاتِلَتَهُمْ وَلاََسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ ; فَقَدْ نَقَضُوا , وَبَرِئَتْ مِنْهُمْ الذِّمَّةُ حِينَ نَصَرُوا أَوْلاَدَهُمْ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ : فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ النُّعْمَانِ , وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لاَ ذِمَّةَ لَهُمْ الْيَوْمَ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : لاَ نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إلاَّ الْجِزْيَةَ غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ الْمَوَاشِي تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَيْ الصَّدَقَةِ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ , وَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r لَمَا حَلَّ الأَخْذُ بِهِ لاِنْقِطَاعِهِ وَضَعْفِ رُوَاتِهِ , فَكَيْفَ وَلَيْسَ هُوَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ وَهَدَمُوا بِهِ أَكْثَرَ أُصُولِهِمْ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا كَثُرَتْ بِهِ الْبَلْوَى , وَهَذَا أَمْرٌ تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلاَ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ , فَقَبِلُوا فِيهِ خَبَرًا لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَهُمْ قَدْ رَدُّوا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا خَبَرَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ , وَيَقُولُونَ : لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ , وَرَدُّوا بِهَذَا حَدِيثَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَكَذَّبُوا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ , وَلاَ خِلاَفَ لِلْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَقَالُوا هُمْ : إلاَّ بَنِي تَغْلِبَ فَلاَ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ ، وَلاَ صَغَارَ عَلَيْهِمْ ; بَلْ يُؤَدُّونَ الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً ; فَخَالَفُوا الْقُرْآنَ , وَالسُّنَنَ الْمَنْقُولَةَ نَقْلَ الْكَافَّةِ بِخَبَرٍ لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَقَالُوا : لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا خَالَفَ الآُصُولَ , وَرَدُّوا بِذَلِكَ خَبَرَ الْقُرْعَةِ فِي الأَعْبُدِ السِّتَّةِ , وَخَبَرَ الْمُصَرَّاةِ , وَكَذَّبُوا مَا هُمَا مُخَالِفَيْنِ لِلآُصُولِ بَلْ هُمَا أَصْلاَنِ مِنْ كِبَارِ الآُصُولِ , وَخَالَفُوا هَاهُنَا جَمِيعَ الآُصُولِ فِي الصَّدَقَاتِ , وَفِي الْجِزْيَةِ بِخَبَرٍ لاَ يُسَاوِي بَعْرَةً , وَتَعَلَّلُوا بِالاِضْطِرَابِ فِي أَخْبَارِ الثِّقَاتِ , وَرَدُّوا خَبَرَ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ وَخَبَرَ لاَ قَطْعَ إلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَسْقَطِ خَبَرٍ وَأَشَدِّهِ اضْطِرَابًا , لاَِنَّهُ يَقُولُ رِوَايَةً مَرَّةً : عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ , وَمَرَّةً : عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى , وَمَرَّةً ، عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ ، عَنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَرَّةً : عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ , أَوْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ , أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ وَمَعَ شِدَّةِ هَذَا الاِضْطِرَابِ الْمُفْرِطِ فَإِنَّ جَمِيعَ هَؤُلاَءِ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمْ مِنْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ , كَكَلاَمِهِ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ , وَنَفْيِهِ فِي الزِّنَى وَإِغْرَامِهِ فِي السَّرِقَةِ قَبْلَ الْقَطْعِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ : أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ آخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ , وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ. قال أبو محمد : فَكَمَا لَمْ يُسْقِطْ أَخْذُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَيْضًا الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ , وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ , لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا , فَقَدْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ أَيْضًا , ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَثَبَتَ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ ; لإِنَّ جَمِيعَ مَنْ رَوَوْهُ عَنْهُ أَوَّلُهُمْ ، عَنْ آخِرِهِمْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ : إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَدْ نَقَضُوا تِلْكَ الذِّمَّةَ ; فَبَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ , وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْضًا ، عَنْ عَلِيٍّ , فَخَالَفُوا : عُمَرَ وَعَلِيًّا , وَالْخَبَرَ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا وَالْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كِتَابِيٍّ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا , كَهَجَرَ , وَالْيَمَنِ , وَغَيْرِهِمَا وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَالْقِيَاسَ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. 702 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ زَكَاةٍ ، وَلاَ تَعْشِيرَ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ تُجَّارُ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ مِنْ كَافِرٍ أَصْلاً تَجَرَ فِي بِلاَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بِلاَدِهِ إلاَّ أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْجِزْيَةِ فِي أَصْلِ عَقْدِهِمْ , فَتُؤْخَذُ حِينَئِذٍ مِنْهُمْ وَإِلاَّ فَلاَ , أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي الْعُرُوضِ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَقَطْ ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا مَعَ الْجِزْيَةِ فَهُوَ حَقٌّ وَعَهْدٌ صَحِيحٌ , وَإِلاَّ فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ صِحَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ وَالصِّغَارِ , مَا لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وقال أبو حنيفة : يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا سَافَرُوا نِصْفُ الْعُشْرِ فِي الْحَوْلِ مَرَّةً فَقَطْ ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ , وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَإِلاَّ فَلاَ ; إلاَّ إنْ كَانُوا لاَ يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا شَيْئًا فَلاَ نَأْخُذُ مِنْ تُجَّارِهِمْ شَيْئًا قَالَ مَالِكٌ : يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعُشْرُ إذَا تَجَرُوا إلَى غَيْرِ بِلاَدِهِمْ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ إذَا بَاعُوا , وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سُفْرَةٍ كَذَلِكَ , وَلَوْ مِرَرًا فِي السَّنَةِ , فَإِنْ تَجَرُوا فِي بِلاَدِهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ , وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ كَذَلِكَ إلاَّ فِيمَا حَمَلُوا إلَى الْمَدِينَةِ خَاصَّةً مِنْ الْحِنْطَةِ , وَالزَّبِيبِ خَاصَّةً , فَإِنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلاَّ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ. قال أبو محمد : احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ : كُنْتُ أَعْشُرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْصَافَ عُشْرِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا تَجَرُوا بِهِ وَبِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا , وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا , وَمِمَّنْ لاَ ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمِ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ : أَمَرَنِي عُمَرُ بِأَنْ آخُذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ , وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كُنْتُ غُلاَمًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَيْضًا فَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا آنِفًا , وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حُكْمِ عُمَرُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الآثَارَ مُخْتَلِفَةٌ ، عَنْ عُمَرَ , فِي بَعْضِهَا الْعُشْرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَفِي بَعْضِهَا نِصْفُ الْعُشْرِ , فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , وَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ الآثَارَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ تِجَارَتِهِمْ فِي أَقْطَارِ بِلاَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا , وَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ فِي وَضْعِهِمْ ذَلِكَ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَطْ , وَذَلِكَ فِي هَذِهِ الآثَارِ , وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَاسِدًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مِهْرَانَ : أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَيُّوبَ بْنِ شُرَحْبِيلَ : خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا , وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا , إذَا كَانُوا يُدِيرُونَهَا , ثُمَّ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى رَأْسَ الْحَوْلِ , فَإِنِّي سَمِعْتُ ذَلِكَ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ r قال أبو محمد : وَهَذَا ، عَنْ مَجْهُولِينَ , وَلَيْسَ أَيْضًا فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ النَّبِيِّ r قال أبو محمد : فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ t بَيَانَ هَذَا كُلِّهِ , كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ ، حدثنا الأَنْصَارِيُّ هُوَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ : بَعَثَ عُمَرُ : عَمَّارًا , وَابْنَ مَسْعُودٍ , وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ مَسَحَ الأَرْضَ فَوَضَعَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا , وَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَجَعَلَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ : أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ وَذِمَّتِهِمْ , وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ : حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ : سَأَلْت زِيَادَ بْنَ حُدَيْرٍ : مَنْ كُنْتُمْ تُعْشِرُونَ قَالَ مَا كُنَّا نُعْشِرُ مُسْلِمًا ، وَلاَ مُعَاهِدًا , كُنَّا نُعْشِرُ تُجَّارَ أَهْلِ الْحَرْبِ كَمَا يُعَشِّرُونَنَا إذَا أَتَيْنَاهُمْ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يُعَاقَدْ عَلَى ذَلِكَ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ : حدثنا مُعَاوِيَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : وَاَللَّهِ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَخْوَفُ عِنْدِي أَنْ يُدْخِلُنِي النَّارَ مِنْ عَمَلِكُمْ هَذَا , وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ فِيهِ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا دِينَارًا ، وَلاَ دِرْهَمًا , وَلَكِنْ لاَ أَدْرِي مَا هَذَا الْحَبَلُ الَّذِي لَمْ يَسُنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r ، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ , وَلاَ عُمَرُ قَالُوا : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ دَخَلْتَ فِيهِ قَالَ : لَمْ يَدَعْنِي زِيَادٌ , وَلاَ شُرَيْحٌ , وَلاَ الشَّيْطَانُ , حَتَّى دَخَلْتُ فِيهِ. قال أبو محمد : فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مُحْدَثٌ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ t أَنَّهُ تَعَدَّى مَا كَانَ فِي عَقْدِهِمْ ; كَمَا لاَ يُظَنُّ بِهِ فِي أَمْرِهِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ أَنَّهُ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 703 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُصِيبَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ بِحَرِيِّهِ وَبَرِّيِّهِ : شَيْءٌ أَصْلاً , وَهُوَ كُلُّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ فِي الْعَنْبَرِ , وَفِي كُلِّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ حِلْيَةِ الْبَحْرِ : الْخُمْسُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ. قال أبو محمد : الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مُطْرَحٌ. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَنْبَرِ : إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمْسُ , مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ شَيْءَ فِيهِ. قال أبو محمد : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ إغْرَامُ مُسْلِمٍ شَيْئًا بِغَيْرِ نَصٍّ صَحِيحٍ , وَكَانَ بِلاَ خِلاَفٍ كُلُّ مَا لاَ رَبَّ لَهُ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. زَكَاةُ الْفِطْرِ 704 - مَسْأَلَةٌ : زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ , ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ , وَإِنْ كَانَ مَنْ ذَكَرْنَا جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ r وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلُ , وَلاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا , لاَ قَمْحَ , وَلاَ دَقِيقَ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ , وَلاَ خُبْزَ ، وَلاَ قِيمَةَ ; ، وَلاَ شَيْءَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ , رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ , صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ : صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. وقال مالك : لَيْسَتْ فَرْضًا , وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنْ قَالَ : مَعْنَى " فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r " أَيُّ قَدَّرَ مِقْدَارَهَا. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , لاَِنَّهُ دَعْوًى بِلاَ بُرْهَانٍ وَإِحَالَةُ اللَّفْظِ ، عَنْ مَوْضُوعِهِ بِلاَ دَلِيلٍ. وَقَدْ أَوْرَدَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِهَا وَأَمْرُهُ فَرْضٌ , قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ , فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا , وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ وَعَنْهُ أَيْضًا كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُعْطِي الْفِطْرَ مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةُ , فَلَمَّا نَزَلاَ لَمْ نُؤْمَرْ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ , وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ وَقَالَ أبو محمد وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لإِنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولُ اللَّه r بِزَكَاةِ الْفِطْرِ , فَصَارَ أَمْرًا مُفْتَرَضًا ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَبَقِيَ فَرْضًا كَمَا كَانَ , وَأَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَلَوْلاَ أَنَّهُ عليه السلام صَحَّ ، أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ لَكَانَ فَرْضُهُ بَاقِيًا , وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ; فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ : زَكَاةً , فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا , وَالدَّلاَئِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا وَرُوِّينَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَأَبِي قِلاَبَةَ قَالاَ جَمِيعًا : زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمَا. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ قَوْمٌ : يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ : وَالزَّبِيبُ , وَالأَقِطُ. وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ , . فَقُلْنَا : هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلاَ بُرْهَانٍ , ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لاَِنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لاَ الْحَبَّ : فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لاَِنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ , وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ , فَإِنْ قَالُوا : هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ. قلنا : صَدَقْتُمْ , وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ , وَالشَّعِيرَ , وَقَالُوا : إنَّمَا خَصَّ عليه السلام بِالذَّكَرِ التَّمْرَ , وَالشَّعِيرَ ; لاَِنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلٌ فَاحِشٌ جِدًّا ; أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r مَكْشُوفٌ , لإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ ; وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا , وَيُقَالُ لَهُ : مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ , وَالزَّبِيبَ ; فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ , وَالشَّعِيرِ ; أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَهَذَا لاَ يَعْلَمْنَهُ إلاَّ مَنْ أَخْبَرَهُ عليه السلام بِذَلِكَ ، عَنْ نَفْسِهِ , أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ , وَأَيْضًا : فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ , وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ r أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ , وَالْعِرَاقَ , وَمِصْرَ , وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ , فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ دِينَهُمْ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا ، وَلاَ يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلاَمِهِ مَا لاَ يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ , وَالشَّعِيرِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ , وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ لاَ تَصِحُّ : مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r صَدَقَةَ الْفِطْرِ : صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ الأَقِطُ لاَ سَائِرَ مَا يُجِيزُونَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ ، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَذَكَرَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَاقِطٌ , لاَ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلاَّ الأَقِطُ , وَالزَّبِيبُ. وَمِنْ طَرِيقِ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَذَكَرَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ مِنْ قَمْحٍ , وَيَقُولُ أَغْنُوهُمْ ، عَنْ تَطْوَافِ هَذَا الْيَوْمِ. وَأَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ هَذَا نَجِيحٌ مُطَّرَحٌ يُحَدِّثُ بِالْمَوْضُوعَاتِ ، عَنْ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَعْلَى ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَشَادٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r صَاعًا مِنْ بُرٍّ ، عَنْ كُلِّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ , غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ , حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ خَالَفَهُ ; لاَِنَّهُ لاَ يُوجِبُ إلاَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى : حدثنا بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ دَاوُد ، حدثنا الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ , أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ أَمَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ : صَاعَ تَمْرٍ , أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ , أَوْ صَاعَ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَهَذَانِ مُرْسَلاَنِ : وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ : صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْعَتَكِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ , أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ : صَاعٌ مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ. فَحَصَل هَذَا الْحَدِيثُ رَاجِعًا إلَى رَجُلٍ مَجْهُولِ الْحَالِ , مُضْطَرِبٍ عَنْهُ , مُخْتَلَفٍ فِي اسْمِهِ , مَرَّةً : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ , وَمَرَّةً : ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَلْقَ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ , وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ صُحْبَةٌ. وَأَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ هَمَّامُ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ , أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ النَّبِيَّ r قَامَ خَطِيبًا فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ , صَاعَ تَمْرٍ , أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ : " الْبُرَّ " ، وَلاَ شَيْئًا غَيْرَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ : وَلَكِنَّا لاَ نَحْتَجُّ بِهِ ; لإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ مَجْهُولٌ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ r لِمُظَاهِرٍ شَعِيرًا وَقَالَ : أَطْعِمْ هَذَا , فَإِنَّ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ يَقْضِيَانِ مُدًّا مِنْ قَمْحٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمَّا حَجَّ بَعَثَ صَارِخًا فِي بَطْنِ مَكَّةَ : أَلاَ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ حِنْطَةٍ , أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ كَانُوا يُخْرِجُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ , وَعُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ , وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ , وَعُقَيْلٌ : عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَقَالَ عَمْرٌو : عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ثُمَّ اتَّفَقَ يَزِيدُ , وَالزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r صَدَقَةَ الْفِطْرِ : مُدَّيْنِ حِنْطَةً وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِثْلُهُ أَيْضًا ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , كُلِّهِمْ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَهِيَ مَرَاسِيلُ. وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r فَرَضَهَا يَعْنِي زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، وَلاَ يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَوْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ , وَلاَ يَشْتَغِلُ بِهِ , وَلاَ يَعْمَلُ بِهِ إلاَّ جَاهِلٌ. قال أبو محمد : وَهَذَا مِمَّا نَقَضَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِيهِ أَصْلَهَا : فأما الشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ ، عَنِ الشَّافِعِيِّ : بِأَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ , وَقَدْ تَرَكُوا هَاهُنَا مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : وقال الشافعي : فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ لاَ تُجْزِئُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلاَّ مِنْ حَبٍّ تَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ , وَتُوقَفُ فِي الأَقِطِ , وَأَجَازَهُ مَرَّةً أُخْرَى : وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ , فَأَجَازُوا الْمُرْسَلَ وَجَعَلُوهُ كَالْمُسْنَدِ , وَخَالَفُوا هَاهُنَا مِنْ الْمَرَاسِيلِ مَا لَوْ جَازَ قَبُولُ شَيْءٍ مِنْهَا لَجَازَ هَاهُنَا , لِكَثْرَتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَمَجِيئِهَا مِنْ طَرِيقِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ فِي أَشْهَرِ رِوَايَاتِهِمْ عَنْهُ جَعَلَ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ فِي أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ , وَلَمْ يُجِزْ الأَقِطَ إلاَّ بِالْقِيمَةِ , وَلاَ أَجَازَ غَيْرَ الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ وَدَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ فَقَطْ إلاَّ بِالْقِيمَةِ , وَهَذَا خِلاَفٌ لِبَعْضِ هَذِهِ الآثَارِ وَخِلاَفٌ لِجَمِيعِهَا فِي إجَازَةِ الْقِيمَةِ , وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ رَاوِيَ الْخَبَرِ إذَا تَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى سُقُوطِ الْخَبَرِ , كَمَا فَعَلُوا فِي خَبَرِ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا. وَقَدْ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرُّقِيُّ ، عَنْ مَخْلَدٍ ، هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ذَكَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ " صَاعٌ مِنْ بُرٍّ , أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعٌ مِنْ سُلْتٍ ". فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَ مَا رُوِيَ بِأَصَحَّ إسْنَادٍ يَكُونُ عَنْهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ رَدُّ تِلْكَ الرِّوَايَةِ , وَإِلاَّ فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا صَحِيحًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ : " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ , صَاعًا مِنْ طَعَامٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ; أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ " قال أبو محمد : وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ , وَهُوَ أَيْضًا مُضْطَرِبٌ فِيهِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ. فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ ، عَنْ زَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ , وَكَانَ طَعَامُنَا : الشَّعِيرَ , وَالزَّبِيبَ , وَالأَقِطَ وَالتَّمْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ : كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَرَسُولُ اللَّهِ r فِينَا ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ , حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ : مِنْ ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ : صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , صَاعًا مِنْ أَقِطٍ , صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فأما أَنَا فَلاَ أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ : حدثنا ابْنُ عَجْلاَنَ سَمِعْتُ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُخْبِرُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : لَمْ نُخْرِجْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ ثُمَّ شَكَّ سُفْيَانُ فَقَالَ : دَقِيقٌ أَوْ سُلْتٌ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنْ يَزِيدَ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عِيَاضَ بْنَ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ , لاَ نُخْرِجُ غَيْرَهُ يَعْنِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ , قال أبو محمد : فَفِي بَعْضِ هَذِهِ الأَخْبَارِ إبْطَالُ إخْرَاجِ " الْبُرِّ " جُمْلَةً , وَفِي بَعْضِهَا إثْبَاتُ الزَّبِيبِ , وَفِي بَعْضِهَا نَفْيُهُ , وَإِثْبَاتُ الأَقِطِ جُمْلَةً , وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ , وَهُمْ يَعِيبُونَ الأَخْبَارَ الْمُسْنَدَةَ الَّتِي لاَ مَغْمَزَ فِيهَا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الاِضْطِرَابِ , كَحَدِيثِ إبْطَالِ تَحْرِيم الرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ , وَلاَ عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِي خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ : كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ , ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَلَى اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ : أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ , أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ , وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ r وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ , عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا , أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ , أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ , وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلأَكْلِ فِي جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِي الْجَانِبِ الآخَرِ , وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلاَصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ ; أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ , مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الأَغْلَبِ ; فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ , ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلاَثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَشْهَرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ نِصْفَ صَاعِ زَبِيبٍ يُجْزِئُ ، وَأَنَّ الأَقِطَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَشْهَرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الأَقِطَ لاَ يُجْزِئُ , وَأَجَازَ إخْرَاجَ مَا مَنَعَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ مِنْ إخْرَاجِهِ , مِمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مِنْ الذُّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ فَخَالَفُوهَا جُمْلَةً ; لأَنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ لِمَنْ كَانَتْ قُوتَهُ , وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ لاَ يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ , وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ إخْرَاجَ مَا مَنَعَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ مِنْ إخْرَاجِهِ , فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ مَا هَذَا مِنْ التَّقْوَى , وَلاَ مِنْ الْبِرِّ , وَلاَ مِنْ النُّصْحِ لِمَنْ أَغْتَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَوَاَللَّهِ لَوْ انْسَنَدَ صَحِيحًا شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الأَخْبَارِ لَبَادَرَنَا إلَى الأَخْذِ بِهِ , وَمَا تَوَقَّفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ , لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا مُسْنَدٌ صَحِيحٌ ، وَلاَ وَاحِدٌ , فَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى , وقال بعضهم : إنَّمَا قلنا بِجَوَازِ الْقَمْحِ لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ , وَجَمَحَ فَرَسُ بَعْضِهِمْ فَادَّعَى الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ جُرْأَةً وَجَهْلاً , فَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ , وَالآُنْثَى , وَالْحُرِّ , وَالْعَبْدِ : صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَعَدَلَهُ النَّاسُ بَعْدُ : مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَعَدَلَ النَّاسُ بَعْدُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ , فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ التَّمْرَ عَامًا فَأَعْطَى الشَّعِيرَ ". قال أبو محمد : لَوْ كَانَ فِعْلُ النَّاسِ حُجَّةً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ مَا اسْتَجَازَ خِلاَفَهُ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ. وَلاَ حُجَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِالنَّاسِ , لَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْجِنِّ مَعَهُمْ , وَنَحْنُ نَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلاَفِ النَّاسِ الَّذِينَ تَقَرَّبَ ابْنُ عُمَرَ إلَيْهِ بِخِلاَفِهِمْ , وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ ، عَنْ زَائِدَةَ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ تَمْرٍ , أَوْ زَبِيبٍ , أَوْ سُلْتٍ قال أبو محمد : هَذَا لاَ يَنْسَنِدُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلِمَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ , ثُمَّ خِلاَفُهُمْ لَهُ لَوْ أُسْنِدَ وَصَحَّ كَخِلاَفِهِمْ لِسَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا , وَإِبْطَالُ تَهْوِيلِهِمْ بِمَا فِيهِ مِنْ " كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ " بِخِلاَفِ ابْنِ عُمَرَ الْمُخْبِرِ عَنْهُمْ كَمَا فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , وَأَيْضًا فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْخَبَرِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ , وَالْبُرُّ أَفْضَلُ مِنْ التَّمْرِ يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ. قال أبو محمد : فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يُخْرِجُ إلاَّ التَّمْرَ , أَوْ الشَّعِيرَ , وَلاَ يُخْرِجُ الْبُرَّ , وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ أَصْحَابِهِ ; فَهَؤُلاَءِ هُمْ النَّاسُ الَّذِينَ يُسْتَوْحَشُ مِنْ خِلاَفِهِمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، , بِأَصَحِّ طَرِيقٍ , وَإِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ الإِجْمَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَجَدُوهُ. وَعَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ : كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَرْسَلَ صَدَقَةَ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ قَالَ : كَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُخْرِجُ إلاَّ تَمْرًا " يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. فَهَؤُلاَءِ : ابْنُ عُمَرَ , وَالْقَاسِمُ , وَسَالِمٌ , وَعُرْوَةُ : لاَ يُخْرِجُونَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلاَّ التَّمْرَ , وَهُمْ يَقْتَاتُونَ الْبُرَّ بِلاَ خِلاَفٍ , وَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ لَتَسَعُ إلَى إخْرَاجِ صَاعِ دَرَاهِمَ ، عَنْ أَنْفُسِهِمْ , وَلاَ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ. ، رضي الله عنهم . فإن قيل : هُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قلنا : مَا خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ r بِحُكْمِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الصِّينِ , وَلاَ بَعَثَ إلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إجَازَةِ مَالِكٍ إخْرَاجَ الذُّرَةِ , وَالدَّخَنِ , وَالآُرْزِ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ , وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ أَصْلاً , وَمَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ لاَِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الأَخْبَارِ ; وَمَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الْقَطَانِيِّ وَإِنْ كَانَتْ قُوتَ الْمُخْرِجِ , وَمَنَعَ مِنْ التِّينِ , وَالزَّيْتُونِ , وَإِنْ كَانَا قُوتَ الْمُخْرِجِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ , وَخِلاَفٌ لِلأَخْبَارِ , وَتَخَاذُلٌ فِي الْقِيَاسِ , وَإِبْطَالُهُمْ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْبُرَّ أَفْضَلُ مِنْ الشَّعِيرِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ مِنْ الْبُرِّ وَالسُّكَّرُ أَفْضَلُ مِنْ الْبُرِّ وَأَقَلُّ مُؤْنَةٍ وَأَعْجَلُ نَفْعًا , فَمَرَّةً يُجِيزُونَ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ , وَمَرَّةً يَمْنَعُونَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الشَّافِعِيِّينَ ، وَلاَ فَرْقَ. قال أبو محمد : وَشَغِبَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَخْبَارٍ نَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ , وَشُعْبَةَ , كِلاَهُمَا ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ سَمِعَ أَبَا قِلاَبَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ أَدَّى إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نِصْفَ صَاعٍ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُوَادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ تَمْرٍ , أَوْ سُلْتٍ , أَوْ زَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الأَشْيَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثَ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ t وَهُوَ يَخْطُبُ , فَقَالَ : فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ : صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " كَانَ النَّاسُ يُعْطُونَ زَكَاةَ رَمَضَانَ نِصْفَ صَاعٍ , فأما إذْ أَوْسَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ : كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ تُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمَوَّنَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ , أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ , أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ , أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ تَمْرٍ. قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : وَبَلَغَنِي هَذَا أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالأَسْوَدِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ , أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ , أَوْ شَعِيرٍ يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبَ ، حدثنا دَاوُد يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ , فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا ; فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءَ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فأما أَنَا فَلاَ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ : أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِكَ , فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : إنَّ مَرْوَانَ لاَ يَعْلَمُ , إنَّمَا عَلَيْنَا أَنَّ نُطْعِمَ ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ تَمْرٍ , أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : " ذَكَرْتُ لاَِبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَقَالَ لاَ أُخْرِجُ إلاَّ مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعَ زَبِيبٍ أَوْ صَاعَ أَقِطٍ , فَقِيلَ لَهُ : أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ فَقَالَ : لاَ , تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ , لاَ أَقْبَلُهَا , وَلاَ أَعْمَلُ بِهَا ". فَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ يَمْنَعُ مِنْ " الْبُرِّ " جُمْلَةً ; وَمِمَّا عَدَا مَا ذُكِرَ , وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى الإِنْسَانِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ , أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَيْنَا بِذَلِكَ , وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنْ طَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ. وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قال أبو محمد : تَنَاقَضَ هَاهُنَا الْمَالِكِيُّونَ الْمُهَوِّلُونَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَخَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , وَعَائِشَةَ , وَأَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ , وَأَبَا هُرَيْرَةَ , وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ مَسْعُودٍ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَابْنَ الزُّبَيْرِ , وَأَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ , وَهُوَ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ صَحِيحٌ إلاَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , إلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ إذَا وَافَقَتْهُمْ. ثُمَّ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ : ابْنَ الْمُسَيِّبِ , وَعُرْوَةَ , وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ وَغَيْرَهُمْ أَفَلاَ يَتَّقِي اللَّهَ مَنْ يَزِيدُ فِي الشَّرَائِعِ مَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ , مِنْ جَلْدِ الشَّارِبِ لِلْخَمْرِ ثَمَانِينَ , بِرِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ ، عَنْ عُمَرَ , ثُمَّ قَدْ صَحَّ خِلاَفُهَا عَنْهُ , وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَهُ , وَعَنْ عُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ بَعْدَهُ , وَالْحَسَنِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُخَالِفُهُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ , وَمَعَهُمْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ : ثُمَّ لاَ يَلْتَفِتُ هَاهُنَا إلَى هَؤُلاَءِ كُلِّهِمْ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ الْمُتَزَيِّنُونَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِاتِّبَاعِهِمْ فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ; وَابْنَ مَسْعُودٍ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ , وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , وَأُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ , وَخَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , وَأَبَا مَسْعُودٍ , وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ , وَبِلاَلاً وَأَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَابْنَ عُمَرَ , وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ , وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قال أبو محمد : وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ لَيْسَ عَلَى الأَعْرَابِ , أَهْلِ الْبَادِيَةِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَعَنِ الْحَسَنِ : أَنَّهَا عَلَيْهِمْ , وَأَنَّهُمْ يُخْرِجُونَ فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ. قال أبو محمد : لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ r أَعْرَابِيًّا ، وَلاَ بَدَوِيًّا مِنْ غَيْرِهِمْ , فَلَمْ يُجِزْ تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ يُجْزِئُ لَبَنٌ ، وَلاَ غَيْرُهُ , إلاَّ الشَّعِيرَ , أَوْ التَّمْرَ فَقَطْ. وَأَمَّا الْحَمْلُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَهَا عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ , وَالْجَنِينُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ : صَغِيرٍ , فَإِذَا أَكْمَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ انْصِدَاعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ , قَالَ حَفْصُ : حدثنا شُعْبَةُ , وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ , وَشُعْبَةُ كِلاَهُمَا ، عَنِ الأَعْمَشِ : حدثنا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ ، حدثنا رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ , رِزْقُهُ , وَعَمَلُهُ , وَأَجَلُهُ , ثُمَّ يُكْتَبُ : شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ , ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ قال أبو محمد : هُوَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا مَوَاتَ , فَلاَ حُكْمَ عَلَى مَيِّتٍ , فأما إذَا كَانَ حَيًّا كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ r فَكُلُّ حُكْمٍ وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : حدثنا أَبِي ، حدثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَقَتَادَةَ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ ، عَنِ الصَّغِيرِ , وَالْكَبِيرِ , وَالْحَمْلِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ : كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنِ الصَّغِيرِ , وَالْكَبِيرِ , حَتَّى ، عَنِ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ , وَأَبُو قِلاَبَةَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَصَحِبَهُمْ وَرَوَى عَنْهُمْ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْحَمْلِ أَيُزَكَّى عَنْهُ قَالَ : نَعَمْ. وَلاَ يُعْرَفُ لِعُثْمَانَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ. 705 - مَسْأَلَةٌ : وَيُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُ ، عَنْ رَقِيقِهِ , مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ , مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْكُفَّارِ وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ تُؤَدَّى إلاَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وقال أبو حنيفة : لاَ تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ ، عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : تُؤَدَّى عَنْهُمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ حَاشَا أَبَا سُلَيْمَانَ : يُخْرِجُهَا السَّيِّدُ عَنْهُمْ , وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ : يُخْرِجُهَا الرَّقِيقُ ، عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إخْرَاجَهَا ، عَنِ الرَّقِيقِ الْكُفَّارِ بِمَا رُوِيَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى حُرٍّ , أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قال أبو محمد : وَهَذَا صَحِيحٌ , وَبِهِ نَأْخُذُ , إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُهَا ، عَنِ الْمُسْلِمِ فِي الْكُفَّارِ مِنْ رَقِيقِهِ ، وَلاَ إيجَابُهَا , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْنَا زَكَاةُ الْفِطْرِ إلاَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رَقِيقِنَا فَقَطْ. وَلَكِنْ وَجَدْنَا حَدَّثَنَاهُ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الشَّرِيفِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْخَوْلاَنِيِّ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْغَافِقِيُّ قَالاَ جَمِيعًا : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ , إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ. قال أبو محمد : فَأَوْجَبَ عليه الصلاة والسلام صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي رَقِيقِهِ عُمُومًا , فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَكَانَ بَاقِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بَعْضَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , لاَ مُعَارِضًا لَهُ أَصْلاً , فَلَمْ يَجُزْ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ. وَبِهَذَا الْخَبَرِ تَأْدِيَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ ، عَنْ رَقِيقِهِ , لاَ عَلَى الرَّقِيقِ وَبِهِ أَيْضًا يَسْقُطُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ , لاَِنَّهُ عليه السلام أَبْطَلَ كُلَّ زَكَاةٍ فِي الرَّقِيقِ إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ أَتَوْا إلَى زَكَاتَيْنِ مَفْرُوضَتَيْنِ , إحْدَاهُمَا فِي الْمَوَاشِي , وَالآُخْرَى زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ : فَأَسْقَطُوا بِإِحْدَاهُمَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الْمَوَاشِي الْمُتَّخَذَةِ لِلتِّجَارَةِ , وَأَسْقَطُوا الآُخْرَى بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا تَلاَعُبًا وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ غَلَّبُوا مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ وَلَمْ يُغَلِّبُوا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ فِي أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ إلاَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَتَنَاقُضٌ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَغْلِيبِ الأَعَمِّ عَلَى الأَخَصِّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ , إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بَيَانُ نَصٍّ فِي الأَخَصِّ بِنَفْيِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الأَعَمِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 706 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى سَيِّدَيْهِمَا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ , يُخْرِجُ ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِكَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ , وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّقِيقُ كَثِيرًا بَيْنَ سَيِّدَيْنِ فَصَاعِدًا وقال أبو حنيفة , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لَيْسَ عَلَى سَيِّدَيْهِ ، وَلاَ عَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : يُخْرِجُ عَنْهُ سَيِّدَاهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ الرَّقِيقُ قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَعَنْ سَيِّدِهِ حُجَّةً أَصْلاً , إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ سَيِّدَيْهِ يَمْلِكُ عَبْدًا , وَلاَ أَمَةً وقال بعضهم : مَنْ مَلَكَ بَعْضَ الصَّاعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ , فَكَذَلِكَ مَنْ مَلَكَ بَعْضَ عَبْدٍ , أَوْ بَعْضَ كُلِّ عَبْدٍ , أَوْ أَمَةٍ مِنْ رَقِيقٍ كَثِيرٍ قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُهُمْ : لاَ يَمْلِكُ عَبْدًا , وَلاَ أَمَةً فَصَدَقُوا , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَقُلْ : يُخْرِجُهَا كُلُّ أَحَدٍ ، عَنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ , وَإِنَّمَا قَالَ : لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ ، وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ فَهَؤُلاَءِ رَقِيقٌ , وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ رَقِيقٌ , فَالصَّدَقَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ , وَهَذَا اسْمٌ يَعُمُّ النَّوْعَ كُلَّهُ وَبَعْضَهُ , وَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ , وَبِهَذَا النَّصِّ لَمْ يَجُزْ فِي الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ , لاَِنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ " رَقَبَةٌ " وَالنَّصُّ جَاءَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : مَنْ أَعْطَى نِصْفَيْ شَاتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ أَجْزَأَتْهُ , وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : مَنْ كَانَ مِنْ مَمْلُوكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى سَادَاتِهِ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ ; فَإِنْ كَانَ عَبْدَانِ فَصَاعِدًا ، عَنْ اثْنَيْنِ فَلاَ صَدَقَةَ فِطْرٍ عَلَى الرَّقِيقِ ، وَلاَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ بَعْضَ الصَّاعِ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ , بَلْ مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ , عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَيْسَ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلاَّ عَنْ مَمْلُوكٍ تَمْلِكُهُ , قَالَ وَكِيعٌ : يَعْنِي فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ , وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفٌ , وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي إيجَابِهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ , وَعَبْدٍ , صَغِيرٍ , وَكَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , وَخَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ ; لأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي الْغَنَمِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَسْقَطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنِ الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ. 707 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَهُوَ عَبْدٌ , يُؤَدِّي سَيِّدُهُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ. فَإِنْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ , أَوْ كَانَ عَبْدٌ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ , أَوْ أَمَةٌ كَذَلِكَ : فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مَمْلُوكٌ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ إخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ ; وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ ، عَنْ نَفْسِهِ بِمِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ , وَلَمْ يَرِدْ عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنْ مُكَاتَبِهِ. وقال مالك : يُؤَدِّي السَّيِّدُ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنْ مُكَاتَبِهِ وَعَنْ مِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ ، عَنِ الَّذِي بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَبَعْضُهُ حُرٌّ أَنْ يُخْرِجَ بَاقِيَ الصَّاعِ ، عَنْ بَعْضِهِ الْحُرِّ. وقال أبو حنيفة : لاَ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , لاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَلاَ عَلَى سَيِّدِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى السَّيِّدِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ ، عَنْ مُكَاتَبِهِ بِرِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنْ رَقِيقِهِ وَرَقِيقِ امْرَأَتِهِ , وَكَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ فَكَانَ لاَ يُؤَدِّي عَنْهُ , وَكَانَ لاَ يَرَى عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةً. قَالُوا : وَهَذَا صَاحِبٌ لاَ مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ. قال أبو محمد : لاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الأَثَرِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى الْمَرْءِ إخْرَاجَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ بَعْضُهُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنْ قَالُوا : لَعَلَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِإِخْرَاجِهَا ، عَنْ رَقِيقِ الْمَرْأَةِ قِيلَ : وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ كَلَّفَهُ إخْرَاجَهَا مِنْ كَسْبِهِ , كَمَا لِلْمَرْءِ أَنْ يُكَلِّفَ ذَلِكَ عَبْدَهُ , كَمَا يُكَلِّفُهُ الضَّرِيبَةَ ; وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُكَاتَبُ ، عَنْ نَفْسِهِ ; وَلَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ ، عَنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ , فَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ " لَعَلَّ ". وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ ; لاَِنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ ; أَوْ عُشْرَ صَاعٍ , أَوْ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ صَاعٍ فَقَطْ , وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا , وَأَوْجَبَهَا عَلَى بَعْضِ إنْسَانٍ دُونَ سَائِرِهِ , وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ ; لاَِنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْفِطْرِ فِيمَنْ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رَقِيقٍ مِمَّنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ , وَهَذَا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. قال أبو محمد : وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَهَا عَلَى الْحُرِّ , وَالْعَبْدِ , وَالذَّكَرِ , وَالآُنْثَى , وَالصَّغِيرِ , وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَلَيْسَ حُرًّا , وَلاَ هُوَ أَيْضًا عَبْدٌ , وَلاَ هُوَ رَقِيقٌ , فَسَقَطَ بِذَلِكَ ، عَنْ أَنْ يَجِبَ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ عَنْهُ شَيْءٌ , وَلَكِنَّهُ ذَكَرٌ , أَوْ أُنْثَى , صَغِيرٌ , أَوْ كَبِيرٌ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ، عَنْ نَفْسِهِ ، وَلاَ بُدَّ بِهَذَا النَّصِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي بَعْضَ كِتَابَتِهِ إنَّهُ يُؤَدِّيهَا ، عَنْ نَفْسِهِ : فَهُوَ لإِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ مَمْلُوكٌ كَمَا ذَكَرْنَا ; فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا ، عَنْ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ ، حدثنا يَزِيدُ ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَقَتَادَةَ , قَالَ قَتَادَةُ : عَنْ خِلاَسٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَقَالَ أَيُّوبُ : عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ , وَابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمِقْدَارِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ. وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , وَعَطَاءٍ : يُؤَدِّيهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ. 708 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّاعِ شَعِيرًا وَبَعْضِهِ تَمْرًا , وَلاَ تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَصْلاً ; لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r وَالْقِيمَةُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ لاَ تَجُوزُ إلاَّ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا , وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ رِضَاهُ , أَوْ إبْرَاؤُهُ. 709 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يُخْرِجَهَا ، عَنْ أَبِيهِ , وَلاَ عَنْ أُمِّهِ , وَلاَ عَنْ زَوْجَتِهِ , وَلاَ عَنْ وَلَدِهِ , وَلاَ أَحَدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , وَلاَ تَلْزَمُهُ إلاَّ عَنْ نَفْسِهِ , وَرَقِيقِهِ فَقَطْ. وَيَدْخُلُ فِي : الرَّقِيقِ أُمَّهَاتُ الأَوْلاَدِ , وَالْمُدَبَّرُونَ , غَائِبُهُمْ وَحَاضِرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَغَيْرِهِمْ. وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : يُخْرِجُهَا ، عَنْ زَوْجَتِهِ , وَعَنْ خَادِمِهَا الَّتِي لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهَا ، وَلاَ يُخْرِجُهَا ، عَنْ أَجِيرِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ : يُخْرِجُهَا ، عَنْ زَوْجَتِهِ , وَعَنْ أَجِيرِهِ الَّذِي لَيْسَتْ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةً , فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةً فَلاَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ , وَلاَ عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى الزَّوْجِ ، عَنْ زَوْجَتِهِ وَخَادِمِهَا إلاَّ خَبَرًا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ , أَوْ عَبْدٍ , ذَكَرٍ , أَوْ أُنْثَى , مِمَّنْ تَمُونُونَ. قال أبو محمد : وَفِي هَذَا الْمَكَانِ عَجَبٌ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لاَ يَقُولُ بِالْمُرْسَلِ , ثُمَّ أَخَذَ هَاهُنَا بِأَنْتَنِ مُرْسَلٍ فِي الْعَالِمِ , مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ , وَيَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ كُلِّ كَذَّابٍ , وَسَاقِطٍ ; ثُمَّ تَرَكُوا هَذَا الْخَبَرَ وَعَابُوهُ بِالإِرْسَالِ وَبِضَعْفِ رَاوِيهِ وَتَنَاقَضُوا فَقَالُوا : لاَ يُزَكِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنْ زَوْجَتِهِ , وَعَلَيْهِ فُرِضَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهَا فَحَسْبُكُمْ بِهَذَا تَخْلِيطًا. وَأَمَّا تَقْسِيمُ اللَّيْثِ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ ثُمَّ خَالَفُوهُ ; فَلَمْ يَرَوْا أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنِ الأَجِيرِ , وَهُوَ مِمَّنْ يُمَوَّنُ قال أبو محمد : إيجَابُ رَسُولِ اللَّهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ , وَالْكَبِيرِ , وَالْحُرِّ , وَالْعَبْدِ , وَالذَّكَرِ , وَالآُنْثَى : هُوَ إيجَابٌ لَهَا عَلَيْهِمْ , فَلاَ تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ فِيهِ إلاَّ مَنْ أَوْجَبَهُ النَّصُّ , وَهُوَ الرَّقِيقُ فَقَطْ , قَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. قال أبو محمد : وَوَاجِبٌ عَلَى ذَاتِ الزَّوْجِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ رَقِيقِهَا , بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 710 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ مِنْ الْعَبِيدِ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْهُمْ لاَ عَلَى سَيِّدِهِ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ , وَلاَ عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ. فَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ وَهُوَ رَقِيقٌ لِغَيْرِهِ , وَلَهُ رَقِيقٌ , فَعَلَى مَنْ هُوَ لَهُ رَقِيقٌ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ ; وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا ، عَنْ رَقِيقِهِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : كَيْفَ لاَ يَلْزَمُهُ ، عَنْ نَفْسِهِ وَتَلْزَمُهُ ، عَنْ غَيْرِهِ قلنا : كَمَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r . ثم نقول لِلْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهَذَا حَيْثُ تُخْطِئُونَ , فَتَقُولُونَ : إنَّ الزَّوْجَةَ لاَ تُخْرِجُهَا ، عَنْ نَفْسِهَا , وَعَلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَهَا ، عَنْ رَقِيقِهَا حَاشَا مَنْ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ لِخِدْمَتِهَا وَلَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدُهُ فَحُبِسَ لِيُبَاعَ فَجَاءَ الْفِطْرُ , عَلَى مَنْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمَا وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ لاَ تَقَعَانِ فِي قَوْلِنَا أَبَدًا ; لاَِنَّهُ سَاعَةَ تَسَلُّمِ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ : عَتَقَا فِي الْوَقْتِ. 711 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَهُ عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ ، عَنْ أَحَدِهِمَا تَمْرًا وَعَنِ الآخَرِ شَعِيرًا , صَاعًا صَاعًا. وَإِنْ شَاءَ التَّمْرَ ، عَنِ الْجَمِيعِ , وَإِنْ شَاءَ الشَّعِيرَ ، عَنِ الْجَمِيعِ ; لاَِنَّهُ نَصُّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ 712 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الصِّغَارُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجَهَا الأَبُ , وَالْوَلِيُّ عَنْهُمْ مِنْ مَالٍ إنْ كَانَ لَهُمْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَلاَ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ , وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ وقال أبو حنيفة : يُؤَدِّيهَا الأَبُ ، عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لاَ مَالَ لَهُمْ ; فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ , فَإِنْ أَدَّاهَا مِنْ مَالِهِمْ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ قَالَ : وَيُؤَدِّيهَا ، عَنِ الْيَتِيمِ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ , وَعَنْ رَقِيقِ الْيَتِيمِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لَيْسَ عَلَى الْيَتِيمِ زَكَاةُ الْفِطْرِ , كَانَ لَهُ مَالٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ ; فَإِنْ أَدَّاهَا وَصِيُّهُ ضَمِنَهَا وقال مالك عَلَى الأَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ , فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ فَهِيَ فِي أَمْوَالِهِمْ ; وَهِيَ عَلَى الْيَتِيمِ فِي مَالِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الأَبَ لاَ يُؤَدِّيهَا ، عَنْ وَلَدِهِ الْكِبَارِ , كَانَ لَهُمْ مَالٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , إلاَّ الدَّعْوَى : فِي أَنَّ الْقَصْدَ بِذِكْرِ الصِّغَارِ إنَّمَا هُوَ إلَى آبَائِهِمْ لاَ إلَيْهِمْ قال أبو محمد : وَهَذِهِ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لاَِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْخِطَابِ إلَيْهِمْ فِي إيجَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ , وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى غَيْرِهِمْ : فَمَنْ جَعَلَ الآبَاءَ مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ , وَالأَقَارِبِ , وَالْجِيرَانِ , وَالسُّلْطَانِ فَإِنْ قَالُوا : لإِنَّ الأَبَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ رَجَعَ الْحَنِيفِيُّونَ إلَى مَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ فِي هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَهَا الأَبُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ عَنْهُمْ , كَانَ لَهُمْ مَالٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لاَِنَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ دُونَهُمْ. فَوَضَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ. وَالْحَقُّ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r عَلَى : الْكَبِيرِ , وَالصَّغِيرِ , فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ , وَادَّعَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r مَا لَمْ يَقُلْهُ , وَلاَ دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَوَجَدْنَا مَنْ لاَ مَالَ لَهُ مِنْ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ ; فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْهَا قَطُّ , وَلَمَّا كَانَ لاَ يَسْتَطِيعُهَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهَا , بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام وَهِيَ لاَزِمَةٌ لِلْيَتِيمِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ , وَإِنَّمَا قلنا : إنَّهَا لاَ تَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَحْدُودَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ , بِخِلاَفِ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ , فَلَمَّا خَرَجَ وَقْتُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَجِبَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَفِي غَيْرِ وَقْتِهَا ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 713 - مَسْأَلَةٌ : وَاَلَّذِي لاَ يَجِدُ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ ;. لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ , وَلاَ تَلْزَمُهُ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَمَنْ قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشَّعِيرِ لِغَلاَئِهِ , أَوْ قَدَرَ عَلَى الشَّعِيرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّمْرِ لِغَلاَئِهِ : أَخْرَجَ صَاعًا ، وَلاَ بُدَّ مِنْ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ , لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلاَّ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ أَدَّاهُ ، وَلاَ بُدَّ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهُوَ وَاسِعٌ لِبَعْضِ الصَّاعِ , فَهُوَ مُكَلَّفٌ إيَّاهُ , وَلَيْسَ وَاسِعًا لِبَعْضِهِ , فَلَمْ يُكَلَّفْهُ. وَهَذَا مِثْلُ الصَّلاَةِ , يَعْجِزُ ، عَنْ بَعْضِهَا وَيَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهَا , وَمِثْلُ الدِّينِ , يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهِ ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى سَائِرِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلُ الصَّوْمِ , يَعْجِزُ فِيهِ عَنْ تَمَامِ الْيَوْمِ , أَوْ تَمَامِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ ; ، وَلاَ مِثْلُ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ , وَالإِطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَاتِ , وَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ , يَقْدِرُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى سَائِرِهِ ; فَلاَ يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْهُ. لإِنَّ مَنْ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَهُ ثُمَّ بَعْضَهُ ثُمَّ بَعْضَهُ. وَلاَ يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْيَوْمِ , وَلاَ يُسَمَّى مَنْ لَمْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ صَائِمَ يَوْمٍ , إلاَّ حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَيُجْزِئُهُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا بَعْضُ الرَّقَبَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ بِتَعْوِيضِ الصِّيَامِ مِنْ الرَّقَبَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ فَلَمْ يَجُزْ تَعَدِّي النَّصِّ , وَكَانَ مُعْتِقُ بَعْضِ رَقَبَةٍ مُخَالِفًا لِمَا أُمِرَ بِهِ وَافْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّقَبَةِ التَّامَّةِ , أَوْ مِنْ الإِطْعَامِ الْمُعَوِّضِ مِنْهَا , أَوْ الصِّيَامِ الْمُعَوِّضِ مِنْهَا. وَأَمَّا بَعْضُ الشَّهْرَيْنِ فَمِنْ بَعْضِهَا , أَوْ فَرَّقَهُمَا فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مُتَتَابِعًا , فَهُوَ عَلَيْهِ أَوْ عَوَّضَهُ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالتَّعْوِيضِ مِنْهُ. وَأَمَّا الْهَدْيُ فَإِنَّ بَعْضَ الْهَدْيِ مَعَ بَعْضِ هَدْيٍ آخَرَ لاَ يُسَمَّى هَدْيًا , فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ ; فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الإِطْعَامُ فَيُجْزِئُهُ مَا وَجَدَ مِنْهُ حَتَّى يَجِدَ بَاقِيَهُ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الآخِرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 714 - مَسْأَلَةٌ : وَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ ، عَنْ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ , وَالآبِقِ , وَالْغَائِبِ , وَالْمَغْصُوبِ , لأَنَّهُمْ رَقِيقُهُ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ هَؤُلاَءِ. وَلِلسَّيِّدِ إنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ أَنْ يُكَلِّفَهُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مَالِهِ , لإِنَّ لَهُ انْتِزَاعَ مَالٍ مَتَى شَاءَ , وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْخَرَاجَ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ , فَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا كُلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا شَاءَ. 715 - مَسْأَلَةٌ : وَالزَّكَاةُ لِلْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَجْنُونِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ; لاَِنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى , حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ , صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ. 716 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَخَذَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهَا مِقْدَارَ مَا يَقُومُ بِقُوتِ يَوْمِهِ وَفَضَلَ لَهُ مِنْهُ مَا يُعْطِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ : لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَالشَّافِعِيِّ. وقال أبو حنيفة : مَنْ لَهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ , وَلَهُ أَخْذُهَا , وَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ : مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ فَقِيرٌ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا : مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ , فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ فَهُوَ فَقِيرٌ وَقَالَ آخَرُونَ : مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ قال أبو محمد : سَنَتَكَلَّمُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ , وَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْفَقِيرِ بِإِسْقَاطِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ إذَا كَانَ وَاجِدًا لِمِقْدَارِهَا أَوْ لِبَعْضِهِ قَوْلٌ لاَ يَجُوزُ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ , نَعْنِي بِإِسْقَاطِهَا ، عَنِ الْفَقِيرِ , وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ بِإِسْقَاطِ تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَقَطْ ; فَإِذَا كَانَتْ فِي وُسْعِ الْفَقِيرِ فَهُوَ مُكَلَّفٌ إيَّاهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ , ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى , صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ فِي الْفَقِيرِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَيُعْطِيهَا 717 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَرَادَ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ أَوْ الْكِبَارِ أَوْ ، عَنْ غَيْرِهِمْ : لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلاَّ بِأَنْ يَهَبَهَا لَهُمْ , ثُمَّ يُخْرِجَهَا ، عَنِ الصَّغِيرِ , وَالْمَجْنُونِ , وَلاَ يُخْرِجَهَا عَمَّنْ يَعْقِلُ مِنْ الْبَالِغِينَ إلاَّ بِتَوْكِيلٍ مِنْهُمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا فَرَضَهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَجِدُ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ , أَوْ يَكُونُ وَلِيُّهُ قَادِرًا عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ , وَلاَ يَكُونُ مَالُ غَيْرِهِ مَكَانًا لاَِدَاءِ الْفَرْضِ عَنْهُ ; إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ; فَإِذَا وَهَبَهَا لَهُ فَقَدْ صَارَ مَالِكًا لِمِقْدَارِهَا , فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا , فأما مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ; ، وَلاَ يَعْقِلُ ; فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَأَمَّا الْبَالِغُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 718 - مَسْأَلَةٌ : وَوَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ الَّذِي لاَ تَجِبُ قَبْلَهُ , إنَّمَا تَجِبُ بِدُخُولِهِ , ثُمَّ لاَ تَجِبُ بِخُرُوجِهِ : فَهُوَ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ , مُمْتَدًّا إلَى أَنْ تَبْيَضَّ الشَّمْسُ وَتَحِلَّ الصَّلاَةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ ; فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ , وَمَنْ وُلِدَ حِينَ ابْيِضَاضِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ , أَوْ أَسْلَمَ كَذَلِكَ : فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ , وَمَنْ مَاتَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ تَمَادَتْ حَيَاتُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ : فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ , فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا وَلَهُ مِنْ ابْنٍ يُؤَدِّيهَا فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا مَتَى أَدَّاهَا. وقال الشافعي : وَقْتُهَا مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , فَمَنْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ أَوْ أَسْلَمَ فَلاَ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِ , وَمَنْ مَاتَ فِيهَا فَهِيَ عَلَيْهِ. وقال أبو حنيفة : وَقْتُهَا انْشِقَاقُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ , فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ , أَوْ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ , أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِ. وقال مالك مَرَّةً كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ , وَمَرَّةً قَالَ : إنَّ مَنْ وُلِدَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ. قال أبو محمد أَمَّا مَنْ رَأَى وَقْتَهَا غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ قَالَ : هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ , وَذَلِكَ هُوَ الْفِطْرُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ جُمْلَةً. وَقَالَ الآخَرُونَ الَّذِينَ رَأَوْا وَقْتَهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ : إنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ الْفِطْرِ , لاَ مَا قَبْلَهُ ; لاَِنَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَانَ يُفْطِرُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُصْبِحُ صَائِمًا فَإِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ صَوْمِهِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ , لاَ قَبْلَهُ , وَحِينَئِذٍ دَخَلَ وَقْتُهَا بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ. قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْمُصَلَّى. قال أبو محمد : فَهَذَا وَقْتُ أَدَائِهَا بِالنَّصِّ , وَخُرُوجُهُمْ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لاِِدْرَاكِهَا , وَوَقْتُ صَلاَةِ الْفِطْرِ هُوَ جَوَازُ الصَّلاَةِ بِابْيِضَاضِ الشَّمْسِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَمَّ الْخُرُوجُ إلَى صَلاَةِ الْفِطْرِ بِدُخُولِهِمْ فِي الصَّلاَةِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا وَبَقِيَ الْقَوْلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا : فَوَجَدْنَا الْفِطْرَ الْمُتَيَقَّنَ إنَّمَا هُوَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ; وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَهَا غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ ; لاَِنَّهُ خِلاَفُ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ عليه السلام بِأَدَائِهَا فِيهِ. قال أبو محمد : فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَقَدْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ , فَهِيَ دَيْنٌ لَهُمْ , وَحَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ , وَقَدْ وَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالٍ وَحَرُمَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا فِي مَالِهِ , فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا أَبَدًا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَيَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّهُمْ , وَيَبْقَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَضْيِيعِهِ الْوَقْتَ , لاَ يَقْدِرُ عَلَى جَبْرِهِ إلاَّ بِالاِسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَصْلاً. فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ إذْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r بِالْمَبِيتِ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً , وَثَانِيَةً , وَثَالِثَةً : فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لاَِنَّهُ لاَ تَخْلُو تِلْكَ اللَّيَالِي أَنْ تَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ , لاَِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ , وَلاَ يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ حَبَسَ صَدَقَةً وَجَبَ أَدَاؤُهَا ، عَنْ أَهْلِهَا , وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَلاَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ; إذْ لَمْ يُكْمِلْ وَحَبَسَ وُجُودَ أَهْلِهَا ; وَفِي تَأْخِيرِهِ عليه الصلاة والسلام إعْطَاءَهَا بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ إخْرَاجِهَا لَمْ يَحِنْ بَعْدُ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ فَلَمْ يُخْرِجْهَا عليه السلام. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا ، وَلاَ يُجْزِئُ ; وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَيَالِي شَوَّالٍ فَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ أَهْلَهَا لَمْ يُوجَدُوا , فَتَرَبَّصَ عليه الصلاة والسلام وُجُودَهُمْ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ قَسْمُ الصَّدَقَةِ 719 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ زَكَاةِ مَالِهِ أَوْ زَكَاةِ فِطْرِهِ أَوْ تَوَلاَّهَا الإِمَامُ أَوْ أَمِيرُهُ : فَإِنَّ الإِمَامَ , أَوْ أَمِيرَهُ : يُفَرِّقَانِهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ مُسْتَوِيَةٍ : لِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ , وَلِلْفُقَرَاءِ سَهْمٌ , وَفِي الْمُكَاتَبِينَ وَفِي عِتْقِ الرِّقَابِ سَهْمٌ , وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى سَهْمٌ , وَلاَِبْنَاءِ السَّبِيلِ سَهْمٌ , وَلِلْعُمَّالِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا سَهْمٌ , وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَهْمٌ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ زَكَاةَ مَالِهِ فَفِي سِتَّةِ أَسْهُمٍ كَمَا ذَكَرْنَا , وَيَسْقُطُ : سَهْمُ الْعُمَّالِ , وَسَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَهْلِ سَهْمٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَنْفُسٍ , إلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ , فَيُعْطِي مَنْ وَجَدَ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ أَهْلِ السِّهَامِ دُونَ بَعْضٍ , إلاَّ أَنْ يَجِدَ , فَيُعْطِيَ مَنْ وَجَدَ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهَا كَافِرًا , وَلاَ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ , وَالْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ , وَلاَ أَحَدًا مِنْ مَوَالِيهِمْ فَإِنْ أَعْطَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً لَمْ يُجْزِهِ , وَلاَ جَازَ لِلآخِذِ , وَعَلَى الآخِذِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ , وَعَلَى الْمُعْطِي أَنْ يُوفِيَ ذَلِكَ الَّذِي أَعْطَى فِي أَهْلِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وقال بعضهم : يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ صَدَقَتَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى عُمُومِ جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَجَمِيعِ الْمَسَاكِينِ. فَصَحَّ أَنَّهَا فِي الْبَعْضِ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. فَصَحَّ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرْءُ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُ , وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ , لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ إيفَائِهِ ; فَسَقَطَ عُمُومُ كُلِّ فَقِيرٍ وَكُلِّ مِسْكِينٍ , وَبَقِيَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الأَصْنَافِ , فَإِنْ عَجَزَ ، عَنْ بَعْضِهَا سَقَطَ عَنْهُ أَيْضًا ; وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُسْقِطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَذَكَرُوا حَدِيثَ الذُّهَيْبَةِ الَّتِي قَسَمَهَا عليه الصلاة والسلام بَيْنَ الأَرْبَعَةِ قال أبو محمد : وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ , وَأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الذُّهَيْبَةُ مِنْ الصَّدَقَةِ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلاً ; ، وَلاَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْطَى عليه الصلاة والسلام الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ , بَلْ قَدْ أَعْطَاهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. وَذَكَرُوا حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَعْطَاهُ صَدَقَةَ بَنِي زُرَيْقٍ. قال أبو محمد : وَهَذَا مُرْسَلٌ , وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَرَّمَ سَائِرَ الأَصْنَافِ مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ. وَادَّعَى قَوْمٌ : أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قَدْ سَقَطَ قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , بَلْ هُمْ الْيَوْمَ أَكْثَرُ مَا كَانُوا , وَإِنَّمَا يَسْقُطُونَ هُمْ وَالْعَامِلُونَ إذَا تَوَلَّى الْمَرْءُ قِسْمَةَ صَدَقَةِ نَفْسِهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ عَامِلُونَ عَلَيْهَا , وَأَمْرُ الْمُؤَلَّفَةِ إلَى الإِمَامِ لاَ إلَى غَيْرِهِ. قال أبو محمد : لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَمَرَ لِقَوْمٍ بِمَالٍ وَسَمَّاهُمْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَخُصَّ بِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ , فَمِنْ الْمُصِيبَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ أَمْرَ النَّاسِ أَوْكَدُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا رِفَاعَةُ ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ بَعْضَ الآُمَرَاءِ اسْتَعْمَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَلَى صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ , فَأَتَاهُ لاَ شَيْءَ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَافِعٌ إنَّ عَهْدِي بِرَسُولِ اللَّهِ r حَدِيثٌ وَإِنِّي جَزَيْتُهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَقَسَّمْتُهَا , وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَصْنَعُ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّكَاةِ : ضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ مِثْلُ ذَلِكَ , وَقَالَ فِي نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ رَدُّهُ عَلَى الآخَرِينَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : ضَعْهَا حَيْثُ أَمَرَك اللَّهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ , وَرَافِعٍ , كَمَا أَوْرَدْنَا , وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِي ، عَنْ حُذَيْفَةَ ; وَعَطَاءٍ , وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ إلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ : فَلاَِنَّ اسْمَ الْجَمْعِ : لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا , وَلاَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ , وَلِلتَّثْنِيَةِ بِنِيَّةٍ فِي اللُّغَةِ , تَقُولُ : مِسْكِينٌ لِلْوَاحِدِ , وَمِسْكِينَانِ لِلاِثْنَيْنِ , وَمَسَاكِينُ لِلثَّلاَثَةِ , فَصَاعِدًا , وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفُقَرَاءِ وَسَائِرُ الأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا أَنْ لاَ يُعْطِيَ كَافِرًا فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ فِي حَدِيثِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَإِنَّمَا جَعَلَهَا عليه الصلاة والسلام لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ. وَأَمَّا بَنُو هَاشِمٍ , وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ الْقَوْمِ , وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ ، وَلاَ لاِلِ مُحَمَّدٍ. قال أبو محمد : فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي : مَنْ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ فَقَالَ قَوْمٌ : هُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَطْ , لاَِنَّهُ لاَ عَقِبَ لِهَاشِمٍ مِنْ غَيْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ بِيَقِينٍ , لاَِنَّهُ لاَ عَقِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عليه الصلاة والسلام أَهْلٌ إلاَّ وَلَدُ الْعَبَّاسِ , وَأَبِي طَالِبٍ , وَالْحَارِثِ ; وَأَبِي لَهَبٍ : بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَطْ ; وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ , وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَطْ وَمَوَالِيهِمْ. وَقَالَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ : آلُ مُحَمَّدٍ : جَمِيعُ قُرَيْشٍ , وَلَيْسَ الْمَوَالِي مِنْهُمْ. قال أبو محمد : فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ : فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا يَحْيَى ، وَ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا الْحَكَمُ ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ , فَأَرَادَ أَبُو رَافِعٍ أَنْ يَتْبَعَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لَنَا , وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ. فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ أَخْرَجَ الْمَوَالِيَ مِنْ حُكْمِهِمْ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ. وَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ جَاءَ هُوَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُكَلِّمَانِ رَسُولَ اللَّهِ r فِيمَا قَسَمَ مِنْ الْخُمْسِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ , وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَسَمْتَ لاِِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا , وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ مِنْكَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ , وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِمْ فِي شَيْءٍ أَصْلاً ; لأَنَّهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام ; فَصَحَّ أَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ , وَإِذْ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ ; فَيَخْرُجُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ , وَبَنُو نَوْفَلٍ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ , وَسَائِرُ قُرَيْشٍ ، عَنْ هَذَيْنِ : الْبَطْنَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ لِهَذَيْنِ الْبَطْنَيْنِ صَدَقَةُ فَرْضٍ ، وَلاَ تَطَوُّعٍ أَصْلاً , لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمُحَمَّدٍ ، وَلاَ لاِلِ مُحَمَّدٍ فَسَوَّى بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمْ , وَأَمَّا مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ لَهُمْ , كَالْهِبَةِ , وَالْعَطِيَّةِ , وَالْهَدِيَّةِ , وَالنُّحْلِ , وَالْحَبْسِ , وَالصِّلَةِ , وَالْبِرِّ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ تُجْزِئُ إنْ وُضِعَتْ فِي يَدِ مَنْ لاَ تَجُوزُ لَهُ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا لِقَوْمٍ خَصَّهُمْ بِهَا ; فَصَارَ حَقُّهُمْ فِيهَا ; فَمَنْ أَعْطَى مِنْهَا غَيْرَهُمْ فَقَدْ خَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَوَجَبَ عَلَى الْمُعْطِي إيصَالُ مَا عَلَيْهِ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ , وَوَجَبَ عَلَى الآخِذِ رَدُّ مَا أَخَذَ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. 720 - مَسْأَلَةٌ : الْفُقَرَاءُ هُمْ الَّذِينَ لاَ شَيْءَ لَهُمْ أَصْلاً. وَالْمَسَاكِينُ : هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ شَيْءٌ لاَ يَقُومُ بِهِمْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ إلاَّ مُوسِرٌ , أَوْ غَنِيٌّ , أَوْ فَقِيرٌ , أَوْ مِسْكِينٌ , فِي الأَسْمَاءِ. وَمَنْ لَهُ فَضْلٌ ، عَنْ قُوتِهِ. وَمَنْ لاَ يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ. وَمَنْ لَهُ مَا لاَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ مِنْهُ. وَمَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ فَهَذِهِ مَرَاتِبُ أَرْبَعٌ مَعْلُومَةٌ بِالْحِسِّ. فَالْمُوسِرُ بِلاَ خِلاَفٍ : هُوَ الَّذِي يَفْضُلُ مَالُهُ ، عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ عَلَى السَّعَةِ. وَالْغَنِيُّ : هُوَ الَّذِي لاَ يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ لاَ يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ ; لاَِنَّهُ فِي غِنًى ، عَنْ غَيْرِهِ. وَكُلُّ مُوسِرٍ غَنِيٌّ , وَلَيْسَ كُلُّ غَنِيٍّ مُوسِرًا : فإن قيل : لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْمِسْكِينِ , وَالْفَقِيرِ قلنا : لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْئَيْنِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا : إنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ , إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ ضَرُورَةِ حِسٍّ ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَسَاكِينَ وَلَهُمْ سَفِينَةٌ ; وَلَوْ كَانَتْ تَقُومُ بِهِمْ لَكَانُوا أَغْنِيَاءَ بِلاَ خِلاَفٍ. فَصَحَّ اسْمُ الْمِسْكِينِ بِالنَّصِّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَبَقِيَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ أَصْلاً ; وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الأَسْمَاءِ إلاَّ الْفَقِيرُ , فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّهُ ذَاكَ. وَرُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأَكْلَةُ وَالأَكْلَتَانِ , وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ , قَالُوا : فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : الْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى , وَلاَ يَفْطِنُ لِحَاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. قال أبو محمد : فَصَحَّ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى إلاَّ أَنَّ لَهُ شَيْئًا لاَ يَقُومُ لَهُ , فَهُوَ يَصْبِرُ وَيَنْطَوِي , وَهُوَ مُحْتَاجٌ ، وَلاَ يَسْأَلُ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَصَحَّ أَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لاَ مَالَ لَهُ أَصْلاً ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ أَمْوَالِهِمْ. فإن قيل : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ. قلنا : صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَلْبَسُ الْمَرْءُ فِي تِلْكَ الْبِلاَدِ إزَارًا وَرِدَاءً خَلِقَيْنِ غَسِيلَيْنِ لاَ يُسَاوِيَانِ دِرْهَمًا , فَمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ ظَنَّهُ غَنِيًّا , وَلاَ يُعَدُّ مَالاً مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ , إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَذَكَرُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ : أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدُ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لإِنَّ مَنْ كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ عِيَالِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ , وَإِنَّمَا صَارَ فَقِيرًا إذَا لَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدٌ , وَهُوَ قَوْلُنَا وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا : هُمْ الْعُمَّالُ الْخَارِجُونَ مِنْ عِنْدِ الإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ , وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ , السُّعَاةُ قال أبو محمد : وَقَدْ اتَّفَقَتْ الآُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ : أَنَا عَامِلٌ عَامِلاً , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ; ، وَلاَ يُجْزِئُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ , وَهِيَ مَظْلِمَةٌ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا , فَتُجْزِئُ حِينَئِذٍ ; لاَِنَّهَا قَدْ وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا. وَأَمَّا عَامِلُ الإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ ; وَلَيْسَ عَلَيْنَا مَا يَفْعَلُ فِيهَا ; لاَِنَّهُ وَكِيلٌ , كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَوَكِيلِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ : هُمْ قَوْمٌ لَهُمْ قُوَّةٌ لاَ يُوثَقُ بِنَصِيحَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَلَّفُونَ بِأَنْ يُعْطَوْا مِنْ الصَّدَقَاتِ , وَمِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَالرِّقَابُ : هُمْ الْمُكَاتَبُونَ , وَالْعُتَقَاءُ ; فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ الزَّكَاةِ. وقال مالك : لاَ يُعْطَى مِنْهَا الْمُكَاتَبُ. وَقَوْلُ غَيْرِهِ : يُعْطَى مِنْهَا مَا يُتِمُّ بِهِ كِتَابَتَهُ. وَقَالَ أبو محمد : وَهَذَانِ قَوْلاَنِ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِمَا وَبِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ , وَالْمُطَّلِبِيِّ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمَا , وَلاَ مَوْلًى لَهُمَا مَا لَمْ يُعْتَقْ كُلُّهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الإِمَامُ مِنْ الزَّكَاةِ رِقَابًا فَوَلاَؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ لاَِنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَلاَ مِنْ مَالٍ بَاقٍ فِي مِلْكِ الْمُعْطِي الزَّكَاةَ. فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَرْءُ مِنْ زَكَاةِ نَفْسِهِ فَوَلاَؤُهَا لَهُ ; لاَِنَّهُ أَعْتَقَ مِنْ مَالِهِ , وَعَبْدِ نَفْسِهِ ; وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام : إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَعْتِقْ مِنْ زَكَاتِك. فإن قيل : إنَّهُ إنْ مَاتَ رَجَعَ مِيرَاثُهُ إلَى سَيِّدِهِ. قلنا : نَعَمْ هَذَا حَسَنٌ , إذَا بَلَغَتْ الزَّكَاةُ مَحَلَّهَا فَرُجُوعُهَا بِالْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ حَسَنٌ , وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ مِنْ زَكَاتِهِ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ فَوَجَبَ مِيرَاثُهُ لِلْمُعْطِي : إنَّهُ لَهُ حَلاَلٌ , وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنُ زَكَاتِهِ. وَالْغَارِمُونَ : هُمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ لاَ تَفِي أَمْوَالُهُمْ بِهَا , أَوْ مَنْ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِهَا ; فأما مَنْ لَهُ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَلاَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ غَارِمًا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوَرٍ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هَارُونِ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ قَالَ : تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ r أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ : أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرُ لَكَ بِهَا يَا قَبِيصَةُ إنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ إلاَّ لاَِحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ , أَوْ قَالَ : سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَمَّا سَبِيلُ اللَّهِ فَهُوَ الْجِهَادُ بِحَقٍّ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ : لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا , أَوْ لِغَارِمٍ , أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ , أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ ، عَنْ غَيْرِ مَعْمَرٍ فَأَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ , وَنَقَصَ بَعْضُهُمْ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ مَعْمَرٌ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا فإن قيل : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا فِي الْحَجِّ. قلنا : نَعَمْ , وَكُلُّ فِعْلِ خَيْرٍ فَهُوَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , إلاَّ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ كُلَّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ , فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُوضَعَ إلاَّ حَيْثُ بَيَّنَ النَّصُّ , وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَابْنُ السَّبِيلِ : هُوَ مَنْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةٍ فَاحْتَاجَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ حَسَّانَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ فِي الْحَجِّ وَأَنْ يُعْتِقَ مِنْهَا النَّسَمَةَ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالْحَنَفِيُّونَ : صَاحِبًا , لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ لَهُ مُخَالِفٌ. 721 - مَسْأَلَةٌ : وَجَازَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ مِنْهَا مُكَاتَبَهُ وَمُكَاتَبَ غَيْرِهِ , لاَِنَّهُمَا مِنْ الْبِرِّ , وَالْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي يَظْلِمُهُ سَيِّدُهُ ، وَلاَ يُعْطِيهِ حَقَّهُ ; لاَِنَّهُ مِسْكِينٌ , وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ : أَجَازَ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ أَبُوهُ ; أَوْ أُمُّهُ ; أَوْ ابْنُهُ , أَوْ إخْوَتُهُ , أَوْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْغَارِمِينَ , أَوْ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; أَوْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ : جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ صَدَقَتِهِ الْفَرْضَ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَدَاءُ دُيُونِهِمْ ، وَلاَ عَوْنُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ وَالْغَزْوِ وَكَمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَوْصَى عُمَرَ فَقَالَ : مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ زَكَاةٌ , وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالدُّنْيَا جَمِيعِهَا , وَعَنِ الْحَسَنِ : لاَ تُجْزِئُ حَتَّى يَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 722 - مَسْأَلَةٌ : وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا ; إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ , صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ أَفْتَى زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْهُ : أَيَسَعُهَا أَنْ تَضَعَ صَدَقَتَهَا فِي زَوْجِهَا , وَفِي بَنِي أَخٍ لَهَا يَتَامَى فَأَخْبَرَهَا عليه الصلاة والسلام أَنَّ لَهَا أَجْرَيْنِ : أَجْرَ الصَّدَقَةِ وَأَجْرَ الْقَرَابَةِ. 723 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ , كَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالاً أَوْ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ خَمْسِينَ بَقَرَةً , أَوْ أَصَابَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ , أَوْ شَعِيرٍ , أَوْ تَمْرٍ وَهُوَ لاَ يَقُومُ مَا مَعَهُ بِعَوْلَتِهِ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ أَوْ لِغَلاَءِ السِّعْرِ : فَهُوَ مِسْكِينٌ , يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ , وَتُؤْخَذُ مِنْهُ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِقُوتِ الْيَوْمِ , أَوْ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , أَوْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا , أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْغِنَى بِقُوتِ الْيَوْمِ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ , فَقِيلَ : وَمَا حَدُّ الْغِنَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ : إنْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِكَ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُعَشِّيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي كُلَيْبٍ الْعَامِرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ الْحَبَشِيِّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً يَتَكَثَّرُ بِهَا ، عَنْ غِنًى فَقَدْ اسْتَكْثَرَ مِنْ النَّارِ , فَقِيلَ : مَا الْغِنَى قَالَ : غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ شَيْءَ , لإِنَّ أَبَا كَبْشَةَ السَّلُولِيَّ مَجْهُولٌ وَابْنَ لَهِيعَةَ سَاقِطٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ. قَالَ : " وَكَانَتْ الآُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ". وَمِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ : أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهَا : إنْ كَانَتْ لَكِ أُوقِيَّةٌ فَلاَ تَحِلُّ لَكِ الصَّدَقَةُ , قَالَ مَيْمُونُ : وَالآُوقِيَّةُ حِينَئِذٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قال أبو محمد : الأَوَّلُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ , وَلاَ يُدْرَى صِحَّةُ صُحْبَتِهِ , وَالثَّانِي ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُقَلَّدِينَ عُمَرَ t فِي تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى ذَلِكَ النَّاكِحِ فِي الأَبَدِ , وَقَدْ رَجَعَ عُمَرُ ، عَنْ ذَلِكَ , وَفِي سَائِرِ مَا يَدَّعُونَ أَنَّ خِلاَفَهُ فِيهِ لاَ يَحِلُّ كَحَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ , وَتَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً : أَنْ يُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا , وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ , وَلَكِنْ لاَ يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ خُمُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَمَا يُغْنِيهِ. قَالَ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنْ الذَّهَبِ قَالَ سُفْيَانُ : وَسَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ , وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ , وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , قَالَ مَنْ حَدَّثَهُ : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ : عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَقَالَ الْحَكِيمُ : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالُوا كُلُّهُمْ ; لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا , قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَوْ عِدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ . وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. قال أبو محمد : حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ سَاقِطٌ , وَلَمْ يُسْنِدْهُ زُبَيْدٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ وَالْمُعَظِّمِينَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ , وَالْمُحْتَجِّينَ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، عَنْ عُمَرَ فِي رَدِّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا : أَنْ لاَ يَخْرُجُوا ، عَنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ; لاَِنَّهُ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ خِلاَفٌ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَسَعْدٍ , وَعَلِيٍّ ، رضي الله عنهم ، , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُرْسَلِ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَهُوَ أَسْقَطُ الأَقْوَالِ كُلِّهَا لاَِنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ إلاَّ أَنْ قَالُوا : إنَّ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ , فَهَذَا غَنِيٌّ : فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا. قال أبو محمد : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالزَّكَاةِ عَلَى مَنْ أَصَابَ سُنْبُلَةً فَمَا فَوْقَهَا , أَوْ مَنْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ ; أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا حَدَّ الْغِنَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , دُونَ السُّنْبُلَةِ ; أَوْ دُونَ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ , أَوْ دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً , وَكُلُّ ذَلِكَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَهَذَا هَوَسٌ مُفْرِطٌ. وَهَكَذَا رُوِّينَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ تَبْلُغُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ لَهُ الدُّورُ الْعَظِيمَةُ , وَالْجَوْهَرُ ، وَلاَ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام : تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ غَنِيٍّ ، وَلاَ تُرَدُّ إلاَّ عَلَى فَقِيرٍ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَقَطْ , وَهَذَا حَقٌّ , وَتُؤْخَذُ أَيْضًا بِنُصُوصٍ أُخَرَ مِنْ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَيْسُوا أَغْنِيَاءَ , وَتُرَدُّ بِتِلْكَ النُّصُوصِ عَلَى أَغْنِيَاءَ كَثِيرٍ , كَالْعَامِلِينَ ; وَالْغَارِمِينَ ; وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ , وَابْنِ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ. فَهَذِهِ خَمْسُ طَبَقَاتٍ أَغْنِيَاءَ , لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمْ إذْ يَقُولُ : إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا إلَى آخِرِ الآيَةِ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِمْ مَنْ لَيْسَ فَقِيرًا , وَلاَ مِسْكِينًا وَتُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إلاَّ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ , وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ , وَلَيْسَ لَهُ إلاَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ , وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ , وَمِمَّنْ لَمْ يُصِبْ إلاَّ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَعَلَّهَا لاَ تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ فِي عَامٍ سُنَّةً. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ , وَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لاَ يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قَالَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَفْصٍ ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا يَعْنِي مِنْ الصَّدَقَةِ , وَلاَ نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ خِلاَفًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ مَنْ لَهُ الدَّارُ , وَالْخَادِمُ , إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ ذَلِكَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ الْفَرَسُ , وَالدَّارُ ; وَالْخَادِمُ وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ : يُعْطَى مَنْ لَهُ الْعَطَاءُ مِنْ الدِّيوَانِ وَلَهُ فَرَسٌ قال أبو محمد : وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْكَثِيرُ جِدًّا وَالْقَلِيلُ , لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ , إذْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ 724 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : إظْهَارُ الصَّدَقَةِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ رِيَاءً : حَسَنٌ , وَإِخْفَاءُ كُلِّ ذَلِكَ أَفْضَلُ , وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وقال مالك : إعْلاَنُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ. قال أبو محمد : وَهَذَا فَرْقٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فَإِنْ قَالُوا : نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى صَلاَةِ الْفَرْضِ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; فَإِنْ قُلْتُمْ : هُوَ حَقٌّ , فَأَذِّنُوا لِلزَّكَاةِ كَمَا يُؤَذَّنُ لِلصَّلاَةِ وَمِنْ الصَّلاَةِ غَيْرِ الْفَرْضِ مَا يُعْلَنُ بِهَا كَالْعِيدَيْنِ , وَالْكُسُوفِ , وَرَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ , فَقِيسُوا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ عَلَى ذَلِكَ 725 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَفُرِضَ عَلَى الأَغْنِيَاءِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يَقُومُوا بِفُقَرَائِهِمْ , وَيُجْبِرُهُمْ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ , إنْ لَمْ تَقُمْ الزَّكَوَاتُ بِهِمْ , وَلاَ فِي سَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ , فَيُقَامُ لَهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ مِنْ الْقُوتِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ , وَمِنْ اللِّبَاسِ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَبِمَسْكَنٍ يَكُنُّهُمْ مِنْ الْمَطَرِ , وَالصَّيْفِ وَالشَّمْسِ , وَعُيُونِ الْمَارَّةِ. وَ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. فَأَوْجَبَ تَعَالَى حَقَّ الْمَسَاكِينِ , وَابْنِ السَّبِيلِ , وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ مَعَ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى وَافْتَرَضَ الإِحْسَانَ إلَى الأَبَوَيْنِ , وَذِي الْقُرْبَى , وَالْمَسَاكِينِ , وَالْجَارِ , وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ , وَالإِحْسَانُ يَقْتَضِي كُلَّ مَا ذَكَرْنَا , وَمَنْعُهُ إسَاءَةٌ بِلاَ شَكٍّ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. فَقَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى إطْعَامَ الْمِسْكِينِ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ. وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ لاَ يَرْحَمْ النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ. قال أبو محمد : وَمَنْ كَانَ عَلَى فَضْلَةٍ وَرَأَى الْمُسْلِمَ أَخَاهُ جَائِعًا عُرْيَانَ ضَائِعًا فَلَمْ يُغِثْهُ : فَمَا رَحِمَهُ بِلاَ شَكٍّ. وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ , وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , وَأَبِي ظَبْيَانَ وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ , وَكُلُّهُمْ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . رَوَى أَيْضًا مَعْنَاهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ هُوَ التَّبُوذَكِيُّ ، حدثنا الْمُعْتَمِرُ ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةَ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ , وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ , لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. قال أبو محمد : مَنْ تَرَكَهُ يَجُوعُ وَيَعْرَى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إطْعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ فَقَدْ أَسْلَمَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حدثنا أَبُو الأَشْهَبِ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ , وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ , قَالَ : فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ , حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لاَِحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. قال أبو محمد : وَهَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، يُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ , وَبِكُلِّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ نَقُولُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى ، عَنِ النَّبِيِّ r : أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ. وَالنُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ , وَالأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t : لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لاََخَذْت فُضُولَ أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ فَقَسَّمْتُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْجَلاَلَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِي فُقَرَاءَهُمْ , فَإِنْ جَاعُوا أَوْ عَرُوا وَجَهَدُوا فَمَنَعَ الأَغْنِيَاءُ , وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحَاسِبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَيُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : فِي مَالِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّهُمْ لِمَنْ سَأَلَهُمْ : إنْ كُنْت تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُوجِعٍ , أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَثَلاَثِمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ زَادَهُمْ فَنِيَ فَأَمَرَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجَمَعُوا أَزْوَادَهُمْ فِي مِزْوَدَيْنِ , وَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيَّاهَا عَلَى السَّوَاءِ فَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ. وَصَحَّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَمُجَاهِدٍ , وطَاوُوس , وَغَيْرِهِمْ , كُلُّهُمْ يَقُولُ : فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. قال أبو محمد : وَمَا نَعْلَمُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلاَفَ هَذَا , إلاَّ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ , فَإِنَّهُ قَالَ : نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ حَقٍّ فِي الْمَالِ. قال أبو محمد : وَمَا رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَأْيُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَيَرَى فِي الْمَالِ حُقُوقًا سِوَى الزَّكَاةِ , مِنْهَا النَّفَقَاتُ عَلَى الأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ , وَعَلَى الزَّوْجَةِ , وَعَلَى الرَّقِيقِ , وَعَلَى الْحَيَوَانِ , وَالدُّيُونِ , وَالآُرُوشِ , فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. فإن قيل : فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَتَصَدَّقَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ نَسَخَتْهَا : الْعُشْرُ , وَنِصْفُ الْعُشْرِ. فَإِنَّ رِوَايَةَ مِقْسَمٍ سَاقِطَةٌ لِضَعْفِهِ ; وَلَيْسَ فِيهَا وَلَوْ صَحَّتْ خِلاَفٌ لِقَوْلِنَا وَأَمَّا رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ فَإِنَّمَا هِيَ أَنْ لاَ يَتَصَدَّقَ تَطَوُّعًا ; وَهَذَا صَحِيحٌ وَأَمَّا الْقِيَامُ بِالْمَجْهُودِ فَفَرْضٌ وَدَيْنٌ , وَلَيْسَ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ. وَيَقُولُونَ : مَنْ عَطِشَ فَخَافَ الْمَوْتَ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ حَيْثُ وَجَدَهُ وَأَنْ يُقَاتِلَ عَلَيْهِ. قال أبو محمد : فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَبَاحُوا لَهُ مِنْ الْقِتَالِ عَلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ , وَبَيْنَ مَا مَنَعُوهُ مِنْ الْقِتَالِ ، عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْهَا الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ. وَهَذَا خِلاَفٌ لِلإِجْمَاعِ , وَلِلْقُرْآنِ , وَلِلسُّنَنِ , وَلِلْقِيَاسِ. قال أبو محمد : وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ اُضْطُرَّ أَنْ يَأْكُلَ مَيْتَةً , أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ وَهُوَ يَجِدُ طَعَامًا فِيهِ فَضْلٌ ، عَنْ صَاحِبِهِ , لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ ; لإِنَّ فَرْضًا عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ إطْعَامُ الْجَائِعِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ ، وَلاَ إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ ، عَنْ ذَلِكَ , فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ , وَإِنْ قَتَلَ الْمَانِعَ فَإِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ ; لاَِنَّهُ مَنَعَ حَقًّا , وَهُوَ طَائِفَةٌ بَاغِيَةٌ , قَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الآُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ وَمَانِعُ الْحَقِّ بَاغٍ عَلَى أَخِيهِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ ; وَبِهَذَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ t مَانِعَ الزَّكَاةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ كِتَابُ الزَّكَاةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ عَوْنِهِ. بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الصِّيَامِ 726 - مَسْأَلَةٌ : الصِّيَامُ قِسْمَانِ فَرْضٌ , وَتَطَوُّعٌ , وَهَذَا إجْمَاعُ حَقٍّ مُتَيَقَّنٍ , وَلاَ سَبِيلَ فِي بِنْيَةِ الْعَقْلِ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ 727 - مَسْأَلَةٌ : فَمِنْ الْفَرْضِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ , الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ , وَشَوَّالٍ , فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ مُقِيمٍ , حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا , ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى , إلاَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ , فَلاَ يَصُومَانِ أَيَّامَ حَيْضِهِمَا أَلْبَتَّةَ , وَلاَ أَيَّامَ نَفَسِهِمَا , وَيَقْضِيَانِ صِيَامَ تِلْكَ الأَيَّامِ وَهَذَا كُلُّهُ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. 728 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ صِيَامٌ أَصْلاً رَمَضَانَ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إلاَّ بِنِيَّةٍ مُجَدَّدَةٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِصَوْمِ الْيَوْمِ الْمُقْبِلِ , فَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ النِّيَّةِ بَطَلَ صَوْمُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَصَحَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ فِي الدِّينِ إلاَّ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالإِخْلاَصِ لَهُ فِيهَا بِأَنَّهَا دِينُهُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ عَمَلَ إلاَّ بِنِيَّةٍ لَهُ , وَأَنَّهُ لَيْسَ لاَِحَدٍ إلاَّ مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فَلَهُ صَوْمٌ , وَمَنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ صَوْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ : أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ ، عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ ; وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ , وَعَنِ الْجِمَاعِ , وَعَنِ الْمَعَاصِي , فَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَوْ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ بِلاَ نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ لَكَانَ فِي كُلِّ وَقْتٍ صَائِمًا , وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُ أَحَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ وَنَوَاهُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ , وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُجْزِئُ مَنْ لَمْ يَنْوِهِ مِنْ اللَّيْلِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ , وَهُوَ لاَ يَنْوِي صَوْمًا أَصْلاً , بَلْ نَوَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ , إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ , وَلاَ جَامَعَ : فَإِنَّهُ صَائِمٌ وَيُجْزِئُهُ , وَلاَ بُدَّ لَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ نِيَّةٍ وقال أبو حنيفة : النِّيَّةُ فَرْضٌ لِلصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , أَوْ التَّطَوُّعِ , أَوْ النَّذْرِ إلاَّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي النَّهَارِ , مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ , وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ , وَلاَ شَرِبَ , وَلاَ جَامَعَ , فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْهَا لاَ مِنْ اللَّيْلِ ، وَلاَ مِنْ النَّهَارِ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِإِحْدَاثِ النِّيَّةِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ , وَلاَ صَوْمَ لَهُ , وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ , وَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ , وَإِلاَّ فَلاَ صَوْمَ لَهُ , وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وقال مالك : لاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فِي الصَّوْمِ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ , ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ , إلاَّ أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ , أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ , فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ حِينَئِذٍ مُجَدَّدَةٍ قَالَ : وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ لَيْلَةٍ. وقال الشافعي , وَدَاوُد : مِثْلَ قَوْلِنَا , إلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً إحْدَاثَ النِّيَّةِ لَهُ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ , وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ , أَوْ شَرِبَ , أَوْ جَامَعَ : وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ يَصُومُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : لاَ يَصُومُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ : أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَجْمَعْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلاً , وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ : يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَقَدْ خَالَفُوهُمْ هَاهُنَا , مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; هُمْ يُشَنِّعُونَ أَيْضًا بِمِثْلِ هَذَا عَلَى مَنْ قَالَهُ مُتَّبِعًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ , وَهُمْ هَاهُنَا خَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ لَمْ يُحْفَظْ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ قال أبو محمد : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ. وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ , وَلاَ يَضُرُّ إسْنَادُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ أَنْ أَوْقَفَهُ مَعْمَرٌ , وَمَالِكٌ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ , وَيُونُسُ , وَابْنُ عُيَيْنَةَ , فَابْنُ جُرَيْجٍ لاَ يَتَأَخَّرُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ , وَالزُّهْرِيُّ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ , فَمَرَّةً يَرْوِيهِ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ , وَمَرَّةً ، عَنْ حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِيهِ , وَكِلاَهُمَا ثِقَةٌ , وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ , مَرَّةً رَوَاهُ مُسْنَدًا , وَمَرَّةً رَوَى أَنَّ حَفْصَةَ أَفْتَتْ بِهِ , وَمَرَّةً أَفْتَى هُوَ بِهِ , وَكُلُّ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِهِمْ : أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ. قال أبو محمد : وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ , وَلاَ تَبْدِيلُهُ , وَلاَ الزِّيَادَةُ فِيهِ , وَلاَ النَّقْصُ مِنْهُ , إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ فإن قيل : فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ , كَمَا تَقُولُونَ : فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ , وَالزَّكَاةِ , وَالْحَجِّ , وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ. قلنا : لِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ وَلَسْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِمَّنْ يَضْرِبُ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ r بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهِ , وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهِ , وَلاَ مِمَّنْ يُعَارِضُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ r بِنَظَرِهِ الْفَاسِدِ ; بَلْ نَأْخُذُ جَمِيعَ السُّنَنِ كَمَا وَرَدَتْ ; وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِجَمِيعِهَا كَمَا أَتَتْ وَالثَّانِي : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَلَمْ يُكَلِّفْنَا ، عَزَّ وَجَلَّ ، السَّهَرَ مُرَاعَاةً لِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ , وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ ; ثُمَّ نَحْنُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَإِنْ نِمْنَا وَإِنْ غَفَلْنَا , مَا لَمْ نَتَعَمَّدْ إبْطَالَهَا. فإن قيل : فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ إحْدَاثَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. قلنا : نَعَمْ , بِنَصٍّ صَحِيحٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا فَعَلْنَاهُ قال أبو محمد : وَمَا نَعْلَمُ لِزُفَرَ حُجَّةً إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : رَمَضَانُ مَوْضِعٌ لِلصِّيَامِ وَلَيْسَ. مَوْضِعًا لِلْفِطْرِ أَصْلاً , فَلاَ مَعْنَى لِنِيَّةِ الصَّوْمِ فِيهِ , إذْ لاَ بُدَّ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ , مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِ ; لاَِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضِعًا لِلصَّوْمِ لاَ لِلْفِطْرِ أَصْلاً وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِذَلِكَ الصَّوْمِ , وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا , وَلاَ يُخْرِجُهَا مَخْرَجَ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ. وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ أُمِرْنَا بِأَنْ نَجْعَلَهُ لِلصَّوْمِ , وَنُهِينَا فِيهِ ، عَنِ الْفِطْرِ , إلاَّ حَيْثُ جَاءَنَا النَّصُّ بِالْفِطْرِ فِيهِ , فَهُوَ وَقْتٌ لِلطَّاعَةِ مِمَّنْ أَطَاعَ بِأَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ وَوَقْتٌ وَاَللَّهِ لِلْمَعْصِيَةِ الْعَظِيمَةِ فَمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ ; فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ يَقِينًا بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلاَ بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ قَصْدٍ إلَى الطَّاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ , وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ , وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلاَّ بِنِيَّةٍ لِذَلِكَ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ إلاَّ مِقْدَارُ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا أَوْ عَابِثًا : أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ ; لإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتٌ لَهَا , لاَ لِغَيْرِهَا أَصْلاً , وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ : إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. وَمَا عَلِمْنَا لاَِبِي حَنِيفَةَ حُجَّةً أَصْلاً فِي تِلْكَ التَّقَاسِيمِ الْفَاسِدَةِ السَّخِيفَةِ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ ابْتَلاَهُ بِتَقْلِيدِهِ مَوَّهَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ نَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ , لاَِنَّهُ مَوْضِعُهُ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلِّقٌ لاَِبِي حَنِيفَةَ أَصْلاً , بَلْ قَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ , فَأَوْجَبَ فِيهِ نِيَّةً ; بِخِلاَفِ قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ , ثُمَّ أَوْجَبَهَا فِي النَّهَارِ بِلاَ دَلِيلٍ , وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلاً ; إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : رَمَضَانُ كَصَلاَةٍ وَاحِدَةٍ قال أبو محمد : وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ ; لإِنَّ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ لاَ يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِعَمْدٍ مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلاً , وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ , فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ ; وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ , أَوْ تَحِيضُ , فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ , وَكَانَ بِالأَمْسِ صَائِمًا , وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا. وَإِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ , يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلاَتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلاَةً , فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ صَلاَةٍ مِنْ نِيَّةٍ , فَكَذَلِكَ لاَ بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ , فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ ، وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ , فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلاَةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ , وَيَوْمٍ وَاحِدٍ. وَإِنَّمَا يَخْرُجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الَّذِي يَرَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا أَوْ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ سَوَاءٌ , وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ قَضَاءُ شَهْرٍ , كَمَا عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ , وَلاَ فَرْقَ. وَهَذَا مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ الْقِيَاسَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعُوا , وَلاَ الصَّحَابَةَ قَلَّدُوا , وَلاَ قِيَاسَ صَحِبُوا , وَلاَ الاِحْتِيَاطَ الْتَزَمُوا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 729 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَيُّ وَقْتٍ ذَكَرَ مِنْ النَّهَارِ التَّالِي لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ سَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ وَقْتِهِ إذَا ذَكَرَ , وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ , وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ ذَلِكَ تَامًّا , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ , وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ , إلاَّ مِقْدَارُ النِّيَّةِ فَقَطْ , فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلاَ صَوْمَ لَهُ , وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَمِّدٌ لاِِبْطَالِ صَوْمِهِ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ هِلاَلَ رَمَضَانَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ فَسَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ جَاءَ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ فِي آخِرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ سَاعَةً صَحَّ الْخَبَرُ عِنْدَهُ , وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ , وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَوْمُهُ بَاطِلٌ , كَمَا قلنا فِي الَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ , وَكَذَلِكَ أَيْضًا : مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَسِيَ النِّيَّةَ وَذَكَرَ بِالنَّهَارِ فَكَمَا قلنا ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ بِالنَّهَارِ ، وَلاَ فَرْقَ وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي رَمَضَانَ , أَوْ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ , أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَنْتَبِهْ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ , وَلَوْ فِي آخِرِهِ كَمَا قلنا فَكَمَا قلنا أَيْضًا آنِفًا سَوَاءٌ سَوَاءٌ , وَلاَ فَرْقَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً , فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَلاَ اسْتَيْقَظَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ : فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : رُفِعَ ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا نَاسٍ , أَوْ مُخْطِئٌ غَيْرُ عَامِدٍ , فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، حدثنا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ r غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ : مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ , وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ : حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ , فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ : مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ , وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إلَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا الْمَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : أَمَرَ النَّبِيُّ r رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ : إنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ , فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا. قال أبو محمد : وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ كَانَ الْفَرْضُ حِينَئِذٍ صِيَامَهُ. كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حدثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْمُرُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ , فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ , وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ , حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ. قَالَ عِرَاكٌ : فَقَالَ عليه السلام : مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ. قال أبو محمد : فَكَانَ هَذَا حُكْمَ صَوْمِ الْفَرْضِ , وَمَا نُبَالِي بِنَسْخِ فَرْضِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ , فَقَدْ أُحِيلَ صِيَامُ رَمَضَانَ أَحْوَالاً , فَقَدْ كَانَ مَرَّةً : مَنْ شَاءَ صَامَهُ , وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَأَطْعَمَ ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا , إلاَّ أَنَّ حُكْمَ مَا كَانَ فَرْضًا حُكْمٌ وَاحِدٌ ; وَإِنَّمَا نَزَلَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ ; وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ نَاسٍ , أَوْ جَاهِلٍ , أَوْ نَائِمٍ فَلَمْ يَعْلَمُوا وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ , فَحُكْمُهُمْ كُلِّهِمْ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ اسْتِدْرَاكِ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ مَتَى مَا عَلِمُوا بِوُجُوبِ صَوْمِهِ عَلَيْهِمْ , وَسُمِّيَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَائِمًا , وَجَعَلَ فِعْلَهُ صَوْمًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ : أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى الْهِلاَلِ بَعْدَمَا أَصْبَحُوا , فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ ، عَنِ الطَّعَامِ , وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَعَنْ عَطَاءٍ : إذَا أَصْبَحَ رَجُلٌ مُفْطِرًا وَلَمْ يَذُقْ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ فَلْيَصُمْ مَا بَقِيَ ، وَلاَ يُبَدِّلْهُ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ أَبِي بَشِيرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ : مَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ , وَمَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ قَالَ عَلِيٌّ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ عَلَى أَقْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَنْوِي صَوْمَ يَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ , وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ نَأْخُذُ , وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا : وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لاَ يَصُومُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ , وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ قَضَاءً , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا ,. وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا : وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَأْكُلُ بَقِيَّتَهُ وَيَقْضِيهِ , وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ ، عَنْ عَطَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُمْسِكُ فِيهِ عَمَّا يُمْسِكُ الصَّائِمُ , وَلاَ يُجْزِئُهُ , وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَكَلَ خَاصَّةً , دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ ; وَفِيمَنْ عَلِمَ الْخَبَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَطْ , أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ , وَهَذَا أَسْقَطُ الأَقْوَالِ ; لاَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِيهِ , وَلاَ قِيَاسَ , وَلاَ نَعْلَمُهُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ يَخْلُو هَذَا الإِمْسَاكُ الَّذِي أَمَرُوهُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يُجْزِئُهُ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا , أَوْ لاَ يَكُونُ صَوْمًا ، وَلاَ يُجْزِئُهُ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَأْمُرُوهُ بِعَمَلٍ يَتْعَبُ فِيهِ وَيَتَكَلَّفُهُ ، وَلاَ يُجْزِئُهُ , وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا أَوْ صَائِمًا ; فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلِمَ يَقْضِيهِ إذَنْ فَيَصُومُ يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِعَمَلِ الصَّوْمِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا , وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قال أبو محمد : احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَصْحِيحِ تَخْلِيطِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ بِخَبَرِ الرُّبَيِّعِ , وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ الَّذِي ذَكَرْنَا , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ خَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ r فِي نَفْسِ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ , فَقَالُوا : مَنْ أَكَلَ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ بَاقِي يَوْمِهِ , وَفِي تَخْصِيصِهِمْ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ , ثُمَّ احْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِنْ عَادَتِهِمْ هَذَا الْخُلُقُ الذَّمِيمُ , وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا , وَتَمْوِيهٌ لاَ يَسْتَجِيزُهُ مُحَقِّقٌ نَاصِحٌ لِنَفْسِهِ , وقال بعضهم : قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ r يَعْنِي فِي عَاشُورَاءَ فَقَالَ : صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا قَالُوا : لاَ , قَالَ : فَأَتِمُّوا يَوْمَكُمْ هَذَا وَاقْضُوا. قال أبو محمد : لَفْظَةُ " وَاقْضُوا " مَوْضُوعَةٌ بِلاَ شَكٍّ , وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ مَوْلَى بَنِي أَبِي الشَّوَارِبِ يُكَنَّى أَبَا الْحُسَيْنِ , مَاتَ سَنَةَ 51 هـ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَثَلاَثِمِائَةٍ , وَقَدْ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ , وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَتَرَكَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ مَجْهُولٌ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ , وَلَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ. كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا قَتَادَةُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْمِنْهَالِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لاَِسْلَمَ : صُومُوا الْيَوْمَ قَالُوا : إنَّا قَدْ أَكَلْنَا , قَالَ : صُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ يَعْنِي عَاشُورَاءَ. حدثنا عبد الله بن ربيع التَّمِيمِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ هُوَ الْبُرْسَانِيُّ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ : غَدَوْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r صَبِيحَةَ عَاشُورَاءَ ; فَقَالَ لَنَا : أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا قلنا : قَدْ تَغَدَّيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ; قَالَ : فَصُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ. قال أبو محمد : وَمِنْ الْغَرَائِبِ تَمْوِيهُ الْحَنَفِيِّينَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ قَانِعٍ مِنْ قَوْلِهِ : وَاقْضُوا ثُمَّ خَالَفُوهَا فَلَمْ يَرَوْا الْقَضَاءَ إلاَّ عَلَى مَنْ أَكَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ , وَعَلَى مَنْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفُ الْكِذْبَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , فَحَيْثُمَا تَوَجَّهُوا عَثَرُوا , وَبِكُلِّ مَا احْتَجُّوا فَقَدْ خَالَفُوهُ , وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ الْخِذْلاَنُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ , وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَيْهِ إلاَّ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ ; وَلاَِنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ صَوْمًا , وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَ النِّيَّةِ , فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ يَجِبُ فِي الدِّينِ حُكْمٌ إلاَّ بِأَحَدِهِمَا ; وَإِنَّمَا أُمِرَ بِصِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ , لاَ بِصَوْمِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ , فَلاَ يُجْزِئُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ مَكَانَ مَا أُمِرَ بِهِ. 730 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلاَّ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ , وَلاَ صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ , أَوْ الْكَفَّارَاتِ إلاَّ كَذَلِكَ , لإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِأَنْ لاَ صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا قَدَّمْنَا , وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ مَا كَانَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ , وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى النَّصِّ الْعَامِّ. وَقَوْلُنَا بِهَذَا فِي التَّطَوُّعِ , وَقَضَاءِ رَمَضَانَ , وَالْكَفَّارَاتِ : هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ; وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. فإن قال قائل : فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلاَفَ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ , وَعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهَا : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ وَقَالَ مَرَّةً : مِنْ غَدَاءٍ قلنا : لاَ , قَالَ : فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ. وَقَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ قلنا : نَعَمْ , أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ , قَالَ : أَمَا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ. وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورُ السَّلَفِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ , قَالَ ثَابِتٌ : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : إنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ مِنْ الضُّحَى , فَيَقُولُ : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ فَإِنْ قَالُوا : لاَ , قَالَ : فَأَنَا صَائِمٌ , وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ بِمِثْلِ فِعْلِ أَبِي طَلْحَةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَبِيبٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : إنِّي لاَُصْبِحُ يَوْمَ طُهْرِي حَائِضًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ , فَأَسْتَبِينُ طُهْرِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ فَأَغْتَسِلُ ثُمَّ أَصُومُ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ; وَقَالَ مَعْمَرٌ : عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , قَالَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ , وَقَالَ أَيُّوبُ : عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ , ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ , وَأَبُو إدْرِيسَ , وَأَبُو قِلاَبَةَ كُلُّهُمْ ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ , أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْغَدَاءَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ; قَالَ : إنَّا صَائِمُونَ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي حَدِيثِهِ : إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ حِينَ يَنْتَصِفُ النَّهَارُ , فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ غِذَاءٍ فَيَجِدُهُ , أَوْ لاَ يَجِدُهُ , فَيَقُولُ : لاَُتِمَّنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَطَاءٌ : وَأَنَا أَفْعَلُهُ , وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ : أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يَسْأَلُ الْغَدَاءَ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ يَوْمَهُ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ : إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصْبِحُ مُفْطِرًا , فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ طَعَامٍ فَيَجِدُهُ , أَوْ لاَ يَجِدُهُ ; فَيُتِمُّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا أَصْبَحْتَ وَأَنْتَ تُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ : إنْ شِئْتَ صُمْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ ; إلاَّ أَنْ تَفْرِضَ عَلَى نَفْسِكَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , فَقَالَ : أَصْبَحْتُ ، وَلاَ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ , فَإِنْ انْتَصَفَ النَّهَارُ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفْطِرَ. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالاَ جَمِيعًا : الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ ; قَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا لَمْ يُطْعِمْ , فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطْعِمَ طَعِمَ , وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ صَوْمًا كَانَ صَوْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالصِّيَامِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ , حَتَّى يَمْتَدَّ النَّهَارُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : إنَّ أَحَدَكُمْ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ مَا لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ طَلْحَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ هُوَ السُّلَمِيُّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَدَا لَهُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ أَنْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَامَ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَيْضًا ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ بَدَا لَهُ فِي الصِّيَامِ بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ فَلْيَصُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ : كُنْتُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ يَوْمَ فِطْرٍ ; فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ : لاََصُومَنَّ هَذَا الْيَوْمَ ; فَصُمْتُ , فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , فَقَالَ : أَصَبْتَ , قَالَ عَطَاءٌ : وَكُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ : إنِّي لَمْ آكُلْ الْيَوْمَ شَيْئًا أَفَأَصُومُ. قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَإِنَّ عَلَيَّ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ , أَفَأَجْعَلُهُ مَكَانَهُ قَالَ نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : إذَا عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الضُّحَى فَلَهُ النَّهَارُ أَجْمَعُ ; فَإِنْ عَزَمَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ ; وَإِنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَعْزِمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : سَأَلْتُ عَطَاءً ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ , فَأَصْبَحَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ , ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا أَصْبَحَ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ. فَقَالَ عَطَاءٌ : لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ : الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ , فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : مَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : إذَا تَسَحَّرَ الرَّجُلُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ , فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَإِنْ هَمَّ بِالصَّوْمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ , إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ ; فَإِنْ سَأَلَهُ إنْسَانٌ فَقَالَ : أَصَائِمٌ أَنْتَ فَقَالَ : نَعَمْ , فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلاَّ أَنْ يَقُولَ : إنْ شَاءَ , فَإِنْ قَالَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ ; إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ : عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَنَسٌ , وَأَبُو طَلْحَةَ , وَأَبُو أَيُّوبَ , وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ , وَأَبُو الدَّرْدَاءِ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : ابْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ , وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَالْحَسَنُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : مَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ ، وَلاَ شَرِبَ ، وَلاَ وَطِئَ : فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ , وَيَصِحُّ صَوْمُهُ بِذَلِكَ. قال أبو محمد : فَنَقُولُ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نُخَالِفَ شَيْئًا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَوْ أَنْ نَصْرِفَهُ ، عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ , وَهَذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ , وَلاَ أَنَّهُ عليه السلام أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ لَقُلْنَا بِهِ , لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام , كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ , وَهَذَا مُبَاحٌ عِنْدَنَا لاَ نَكْرَهُهُ , كَمَا فِي الْخَبَرِ , فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَا , وَكَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْيَقِينَ لِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَلَوْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ نَهَارًا لَبَيَّنَهُ , كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ إذْ كَانَ فَرْضًا , وَالتَّسَمُّحُ فِي الدِّينِ لاَ يَحِلُّ , فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ r يَجِيءُ فَيَدْعُو بِالطَّعَامِ فَلاَ يَجِدُهُ فَيَفْرِضُ الصَّوْمَ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ الْبَلْخِيّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُصْبِحُ وَلَمْ يَجْمَعْ الصَّوْمَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَصُومُ قلنا : لَيْثٌ ضَعِيفٌ , وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ : هَالِكٌ , وَمِنْ دُونِهِ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ , وَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. قال أبو محمد : أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الْجُمْهُورِ , وَخَالَفُوا هَاهُنَا الْجُمْهُورَ بِلاَ رِقْبَةٍ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ أَجَازَ أَنْ يُصْبِحَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا لاِِرَادَةِ الْفِطْرِ , ثُمَّ يَبْقَى كَذَلِكَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَنْوِي الصِّيَامَ حِينَئِذٍ وَيُجْزِئُهُ , وَادَّعَوْا الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فِي ذَلِكَ قَدْ كَذَبُوا , وَلاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَذِبِ , وَقَدْ صَحَّ هَذَا ، عَنْ حُذَيْفَةَ نَصًّا , وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِطْلاَقٍ , وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَصًّا , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَصًّا , وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ كَذَلِكَ , وَعَنِ الْحَسَنِ , وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قال أبو محمد : وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 731 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَزَجَ نِيَّةَ صَوْمٍ فُرِضَ بِفَرْضٍ آخَرَ أَوْ بِتَطَوُّعٍ , أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلاَةٍ أَوْ زَكَاةٍ , أَوْ حَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ , أَوْ عِتْقٍ : لَمْ يُجْزِهِ لِشَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَبَطَلَ ذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ , صَوْمًا كَانَ أَوْ صَلاَةً , أَوْ زَكَاةً , أَوْ حَجًّا , أَوْ عُمْرَةً أَوْ عِتْقًا , إلاَّ مَزْجُ الْعُمْرَةِ بِالْحَجِّ لِمَنْ أَحْرَمَ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَطْ , فَهُوَ حُكْمُهُ اللاَّزِمُ لَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَالإِخْلاَصُ هُوَ أَنْ يَخْلُصَ الْعَمَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لِلْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ فَقَطْ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَمَنْ مَزَجَ عَمَلاً بِآخَرَ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ أَمْرُ رَسُولِهِ r فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : مَنْ صَلَّى , وَهُوَ مُسَافِرٌ رَكْعَتَيْنِ نَوَى بِهِمَا الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا أَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا وَأَعْطَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَالِهِ وَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا , أَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ الإِسْلاَمِ وَنَوَى بِهَا الْفَرِيضَةَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا : فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ مِنْ صَلاَةِ الْفَرْضِ وَصَوْمِ الْفَرْضِ , وَزَكَاةِ الْفَرْضِ , وَحَجَّةِ الْفَرْضِ , وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : أَمَّا الصَّلاَةُ فَتَبْطُلُ ، وَلاَ تُجْزِئُهُ , لاَ ، عَنْ فَرْضٍ ، وَلاَ عَنْ تَطَوُّعٍ وَأَمَّا الزَّكَاةُ , وَالصَّوْمُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا فِيهِمَا جَمِيعًا , وَيَبْطُلُ الْفَرْضُ وَأَمَّا الْحَجُّ فَيُجْزِئُهُ ، عَنِ الْفَرْضِ وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ. فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ وَمَا نَدْرِي مِمَّنْ الْعَجَبُ أَمِمَّنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ بِمِثْلِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ بِالإِهْذَارِ وَيَخُصُّ مَا يَشَاءُ , وَيُبْطِلُ بِالتَّخَالِيطِ , أَوْ مِمَّنْ قَلَّدَ قَائِلَهَا , وَأَفْنَى عُمُرَهُ فِي دَرْسِهَا وَنَصْرِهَا مُتَدَيِّنًا بِهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ ; وَنَسْأَلُهُ إدَامَةَ السَّلاَمَةِ وَالْعِصْمَةِ , وَنَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ بِذَلِكَ عَلَيْنَا كَثِيرًا. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ : إنْ شَاءَ صَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ , وَأَجْزَأَ عَنْهُ يَعْنِي مَنْ فَرَضَهُ وَنَذَرَهُ ; قَالَ مُجَاهِدٌ : وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَصَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ.