ابن حزم - المجلد الثاني3
كِتَابُ الزَّكَاةِ 637 - مَسْأَلَةٌ : الزَّكَاةُ فَرْضٌ كَالصَّلاَةِ , هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ ; وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾. فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى سَبِيلَ أَحَدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ تَعَالَى , وَيَتُوبَ ، عَنِ الْكُفْرِ , وَيُقِيمَ الصَّلاَةَ , وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ , وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ , فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ.)). قال أبو محمد : وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r مِقْدَارَ الزَّكَاةِ , وَمِنْ أَيِّ الأَمْوَالِ تُؤْخَذُ , وَفِي أَيِّ وَقْتٍ تُؤْخَذُ , وَمَنْ يَأْخُذُهَا , وَأَيْنَ تُوضَعُ 638 - مَسْأَلَةٌ : وَالزَّكَاةُ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الأَحْرَارِ مِنْهُمْ وَالْحَرَائِرُ وَالْعَبِيدُ , وَالإِمَاءُ , وَالْكِبَارُ وَالصِّغَارِ , وَالْعُقَلاَءُ , وَالْمَجَانِينُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْ كَافِرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَأُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. فَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ تَعَالَى لِكُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ , مِنْ حُرٍّ , أَوْ عَبْدٍ , ذَكَرٍ ، أَوْ أُنْثَى : لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾. فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ , وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ , وَحُرٍّ وَعَبْدٍ ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى طُهْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَتَزْكِيَتِهِ إيَّاهُمْ , وَكُلُّهُمْ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ r بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ : اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ , فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ , فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ , فَأَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ , تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ , وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ وَالأَمَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فأما أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ فَقَالاَ : زَكَاةُ مَالِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ ; لإِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ , وَلاَ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ. قال أبو محمد : أَمَّا هَذَانِ فَقَدْ وَافَقَا أَهْلَ الْحَقِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ , وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي : هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَالَهُ أَمْ لاَ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ الْكَلاَمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; وَحَسْبُنَا أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ مَعَنَا فِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ. وقال مالك : لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْعَبْدِ , لاَ عَلَيْهِ ، وَلاَ عَلَى سَيِّدِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا , لِخِلاَفِهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : الْعَبْدُ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ. فَقُلْنَا : أَمَّا تَامُّ الْمِلْكِ فَكَلاَمٌ لاَ يُعْقَلُ. لَكِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلاَثَةٍ لاَ رَابِعَ لَهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ , وَهَذَا قَوْلُنَا , وَإِذَا كَانَ لَهُ فَهُوَ مَالِكُهُ , وَهُوَ مُسْلِمٌ , فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , فَيُزَكِّيهِ سَيِّدُهُ ; لاَِنَّهُ مُسْلِمٌ ; وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُمَا مَعًا. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لاَ لِلْعَبْدِ ، وَلاَ لِلسَّيِّدِ ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ. فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ ; وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الإِمَامُ , فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَضَعُ كُلَّ مَالٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ. وَهَذَا لاَ يَقُولُونَ بِهِ , لاَ سِيَّمَا مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِي إبَاحَتِهِمْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ; فَلَوْلاَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ فَرْجٍ لاَ يَمْلِكُهُ أَصْلاً , وَلَكَانَ زَانِيًا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَالِكًا مِلْكَ يَمِينِهِ لَكَانَ عَادِيًا إذَا تَسَرَّى. وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ عَلَى : السَّفِيهِ , وَالْمَجْنُونِ , وَلاَ يَنْفُذُ أَمْرُهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا ; فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَالِ الْعَبْدِ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. . فَقُلْنَا : هَذَا الْبَاطِلُ , وَمَا رُوِيَ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ ، عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ إلاَّ عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ بَيْنِ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ الْمُكَاتَبَ : عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَصَحَّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ; فَالزَّكَاةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. وَهَذَا مَكَانٌ تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , فَقَالاَ : لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. وَاحْتَجَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِلْكٌ بَعْدُ : قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُمَا مُجْمِعَانِ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ فَلْسًا بِغَيْرِ إذْنِهِ , أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاجِبٍ ; ، وَأَنَّ مَالَهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ , مِنْ نَفَقَةٍ عَلَى نَفْسِهِ , وَكِسْوَةٍ , وَبَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ , تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ ; فَلَوْلاَ أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ مَا حَلَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِيهِ. وَهُمْ كَثِيرًا يُعَارِضُونَ السُّنَنَ بِأَنَّهَا خِلاَفُ الآُصُولِ , كَقَوْلِهِمْ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثِ الْعِتْقِ فِي السِّتَّةِ الأَعْبُدِ بِالْقُرْعَةِ وَحَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَلَيْتَ شِعْرِي. فِي أَيِّ الآُصُول وَجَدُوا مَالاً مَحْكُومًا بِهِ لاِِنْسَانٍ مَمْنُوعًا مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ سِوَاهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهِ يَدُهُ فِي بَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى ; وَهُوَ لَيْسَ لَهُ. أَمْ فِي أَيِّ سَنَةٍ وَجَدُوا هَذَا. أَمْ فِي أَيِّ الْقُرْآنِ. أَمْ فِي غَيْرِ قِيَاسٍ وَمِمَّنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ : أَبُو ثَوْرٍ , وَغَيْرُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ; وَالشَّافِعِيَّ : مُجْمِعَانِ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ , عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ; فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ ، عَنْ مَالِهِ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الْعَبِيدِ. وَأَيْضًا فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِ الْمُكَاتَبِ , وَمَالِ الْعَبْدِ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ , فَمَالُهُ لَهُ وَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ , وَأَمَّا أَنْ يَرِقَّ , فَمَالُهُ قَبْلُ وَبَعْدُ كَانَ عِنْدَهُمَا لِسَيِّدِهِ ; فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِرِوَايَاتٍ رُوِيَتْ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِهِ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، رضي الله عنهم ، لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ , وَالْمُكَاتَبُ. قال أبو محمد : أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ , فَرَأَوْا الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا بَعْضُهُ حُجَّةٌ وَبَعْضُهُ خَطَأٌ ; فَهَذَا هُوَ التَّحَكُّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ : قَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْحَذَّاءُ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ قُلْت عَلَى الْمَمْلُوكِ زَكَاةٌ. قَالَ : أَلَيْسَ مُسْلِمًا. قُلْت : بَلَى ; قَالَ : فَإِنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. فَالزَّكَاةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمُكَاتَبِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهُ قَالَ : لاُِقَاتِلَنِّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ , فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ قال أبو محمد : وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ. وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ عَلَى مَا أَوْجَبَهُمَا النَّصُّ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ : فِي مَالِ الْعَبْدِ , قَالَ : يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسٍ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : ، أَنَّهُ قَالَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْعَبْدِ , قَالَ : يُزَكِّيهِ الْمَمْلُوكُ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ حُجَيْرٍ : أَنَّ طَاوُوسًا كَانَ يَقُولُ : فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ : حدثنا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ زَمْعَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا غُنْدَرٌ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْعَبْدِ هَلْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَالَ : هَلْ عَلَيْهِ صَلاَةٌ. وَقَدْ رُوِّينَا نَحْوَ هَذَا ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا قال أبو محمد : وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , كَقَوْلِهِمَا جَمِيعًا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ : مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ. وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. وَأَمَّا مَالُ الصَّغِيرِ , وَالْمَجْنُونِ ; فَإِنَّ مَالِكًا , وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ بِقَوْلِنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ , وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِ. وقال أبو حنيفة : لاَ زَكَاةَ فِي أَمْوَالِهِمَا مِنْ النَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ خَاصَّةً , وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي ثِمَارِهِمَا وَزُرُوعِهِمَا ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ : لاَ زَكَاةَ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ خَاصَّةً ، وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالْمَوَاشِي فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَشُرَيْحٌ , فَقَالاَ : لاَ زَكَاةَ فِي مَالِهِ جُمْلَةً. قال أبو محمد : وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَسَقَطُ كَلاَمٍ وَأَغَثُّهُ لَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَوْ أَنَّ عَاكِسًا عَكَسَ قَوْلَهُمْ , فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي ذَهَبِهِمَا وَفِضَّتِهِمَا وَمَاشِيَتِهِمَا وَأَسْقَطَهَا ، عَنْ زَرْعِهِمَا وَثَمَرَتِهِمَا , أَكَانَ يَكُونُ بَيْنَ التَّحَكُّمَيْنِ فَرْقٌ فِي الْفَسَادِ قال أبو محمد : إنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لاَ صَلاَةَ عَلَيْهِمَا قِيلَ لَهُ : قَدْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَمَّنْ لاَ مَالَ لَهُ ، وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاَةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّلاَةُ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ ذِي الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ ; فَإِنْ سَقَطَ الْمَالُ : سَقَطَتْ الزَّكَاةُ , وَلَمْ تَسْقُطْ الصَّلاَةُ ; وَإِنْ سَقَطَ الْعَقْلُ أَوْ الْبُلُوغُ : سَقَطَتْ الصَّلاَةُ وَلَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ ; لاَِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ فَرْضٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ r إلاَّ حَيْثُ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ r . وَلاَ يَسْقُطُ فَرْضٌ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ فَرْضٍ آخَرَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ , بِلاَ نَصِّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ. وَأَيْضًا : فَإِنْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ ، عَنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ; لِسُقُوطِ الصَّلاَةِ عَنْهُمَا , وَلاَِنَّهُمَا لاَ يَحْتَاجَانِ إلَى طَهَارَةٍ فَلِيُسْقِطَاهَا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا مِنْ زَرْعِهِمَا وَثِمَارِهِمَا ، وَلاَ فَرْقَ ; وَلِيُسْقِطَا أَيْضًا عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ , فَإِنْ قَالُوا : النَّصُّ جَاءَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ. قلنا : وَالنَّصُّ جَاءَ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ , فَأَسْقَطْتُمُوهَا ، عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ بِآرَائِكُمْ , وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ , إذْ لَمْ يَقِيسُوا زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ عَلَى زَكَاةِ الزَّرْعِ , وَالْفِطْرِ أَوْ فَلْيُوجِبُوهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ ; لِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ , وَلاَ فَرْقَ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الأَرْضِ , يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِهِمَا : قال أبو محمد : وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الْقَائِلُ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَوَاشِي مِنْ حِينِ اكْتِسَابِهَا إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ مِنْ حِينِ ظُهُورِهَا إلَى حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِيهَا , وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ بِخُرُوجِ كُلِّ ذَلِكَ ، عَنْ يَدِ مَالِكِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ , وَقَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ لاَ عَلَى الأَرْضِ , وَلاَ شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ أَصْلاً , إنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾. فَظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ وَفَسَادُ قَوْلِهِ. وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الأَرْضِ لاَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ لَوَجَبَ أَخْذُهَا فِي مَالِ الْكَافِرِ مِنْ زَرْعِهِ وَثِمَارِهِ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى النِّسَاءِ كَهِيَ عَلَى الرِّجَالِ . وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَرَضُونَ كَثِيرَةٌ لاَ حَقَّ فِيهَا مِنْ زَكَاةٍ ، وَلاَ مِنْ خَرَاجٍ كَأَرْضِ مُسْلِمٍ جَعَلَهَا قَصَبًا وَهِيَ تُغِلُّ الْمَالَ الْكَثِيرَ , أَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا شَيْئًا , وَكَأَرْضِ ذِمِّيٍّ صَالَحَ عَلَى جِزْيَةٍ رَأْسِهِ فَقَطْ وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَأَشْهَبُ , وَالشَّافِعِيُّ : إنَّ الْخَرَاجِيَّ الْكَافِرَ إذَا ابْتَاعَ أَرْضَ عُشْرٍ مِنْ مُسْلِمٍ فَلاَ خَرَاجَ فِيهَا ، وَلاَ عُشْرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ بِالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ كَانَتْ لَهُمَا أَرَضُونَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ r . وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عليه السلام فِيهَا عُشْرًا ، وَلاَ خَرَاجًا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ , وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ قلنا : فَأَسْقَطُوا عَنْهُمَا بِهَذِهِ الْحُجَّةِ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ , وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ , الَّتِي هِيَ سَاقِطَةٌ بِهَا بِلاَ شَكٍّ , وَلَيْسَ فِي سُقُوطِ الْقَلَمِ سُقُوطُ حُقُوقِ الأَمْوَالِ , وَإِنَّمَا فِيهِ سُقُوطُ الْمَلاَمَةِ , وَسُقُوطُ فَرَائِضِ الأَبْدَانِ فَقَطْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا لاَ نِيَّةَ لِمَجْنُونٍ , وَلاَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ , وَالْفَرَائِضُ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ قلنا : نَعَمْ , وَإِنَّمَا أُمِرَ بِأَخْذِهَا الإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً فَإِذَا أَخَذَهَا مَنْ أُمِرَ بِأَخْذِهَا بِنِيَّةِ أَنَّهَا الصَّدَقَةُ أَجْزَأَتْ ، عَنِ الْغَائِبِ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ , وَمَنْ لاَ نِيَّةَ لَهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَحْفُوظَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ : كَانَتْ عَائِشَةُ تُزَكِّي أَمْوَالَنَا وَنَحْنُ أَيْتَامٌ فِي حِجْرِهَا ; زَادَ يَحْيَى : وَإِنَّهُ لِيَتَّجِرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ الْحُدَّانِيُّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إنَّ عِنْدِي مَالَ يَتِيمٍ قَدْ كَادَتْ الصَّدَقَةُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ قَالاَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ , قَالَ : يُعْطِي زَكَاتَهُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : بَاعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَرْضًا لَنَا بِثَمَانِينَ أَلْفًا , وَكُنَّا يَتَامَى فِي حِجْرِهِ ; فَلَمَّا قَبَضْنَا أَمْوَالَنَا نَقَصَتْ. فَقَالَ : إنِّي كُنْت أُزَكِّيهِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : احْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ زَكَاةٍ , فَإِذَا بَلَغَ , فَإِنْ آنَسْت مِنْهُ رُشْدًا فَأَخْبِرْهُ , فَإِنْ شَاءَ زَكَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَالزُّهْرِيِّ , وَغَيْرِهِمْ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ إلاَّ رِوَايَةً ضَعِيفَةً ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ حدثنا حمام ، عَنِ ابْنِ مُفَرِّجٍ ، عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ ، عَنِ الدَّبَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتِيمِ لاَ تَأْكُلْهُ الزَّكَاةُ وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ , وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا الْمُرْسَلَ وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم . 640 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلاَّ فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ الأَمْوَالِ فَقَطْ وَهِيَ : الذَّهَبُ , وَالْفِضَّةُ , وَالْقَمْحُ , وَالشَّعِيرُ , وَالتَّمْرُ , وَالإِبِلُ , وَالْبَقَرُ , وَالْغَنَمُ ضَأْنُهَا وَمَاعِزُهَا فَقَطْ. قال أبو محمد : لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الأَنْوَاعِ , وَفِيهَا جَاءَتْ السُّنَّةُ , عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِمَّا عَدَاهَا.
641 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ , وَلاَ مِنْ الزَّرْعِ , وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا ، وَلاَ فِي الْخَيْلِ , وَلاَ فِي الرَّقِيقِ , وَلاَ فِي الْعَسَلِ , وَلاَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ , لاَ عَلَى مُدِيرٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ
قال أبو محمد : اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا ; فَأَوْجَبَ بَعْضُهُمْ الزَّكَاةَ فِيهَا , وَلَمْ يُوجِبْهَا بَعْضُهُمْ وَاتَّفَقُوا فِي أَصْنَافٍ سِوَى هَذِهِ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهَا. فَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ كُلُّ مَا اُكْتُسِبَ لِلْقُنْيَةِ لاَ لِلتِّجَارَةِ , مِنْ جَوْهَرٍ , وَيَاقُوتٍ , وَوِطَاءٍ , وَغِطَاءٍ , وَثِيَابٍ , وَآنِيَةِ نُحَاسٍ ; أَوْ حَدِيدٍ , أَوْ رَصَاصٍ , أَوْ قَزْدِيرٍ , وَسِلاَحٍ , وَخَشَبٍ , وَدُرُوعٍ وَضِيَاعٍ , وَبِغَالٍ , وَصُوفٍ , وَحَرِيرٍ ; وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ : فَفِيهِ الزَّكَاةُ ; وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ إلاَّ تَفَكُّهًا فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وقال مالك : الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالسُّلْتِ وَهِيَ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. قَالَ : وَفِي الْعَلْسِ وَهُوَ صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى : إنَّهُ يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالسُّلْتِ. قَالَ : وَفِي الدَّخَنِ ; وَهُوَ صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ , وَفِي السِّمْسِمِ وَالآُرْزِ , وَالذُّرَةِ , وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مُنْفَرِدٌ لاَ يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَاللُّوبِيَا , وَالْعَدَسِ وَالْجُلُبَّانِ وَالْبَسِيلِ وَالتُّرْمُسِ ; وَسَائِرِ الْقُطْنِيَّةِ. وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ : وَأَمَّا فِي الْبُيُوعِ فَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِيَالِهِ , إلاَّ الْحِمَّصَ , وَاللُّوبِيَا ; فَإِنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَمَرَّةً رَأَى الزَّكَاةَ فِي حَبِّ الْعُصْفُرِ , وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا فِيهِ وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ. وَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ ، وَلاَ فِي زَيْتِهَا ، وَلاَ فِي الْكَتَّانِ , وَلاَ فِي الْكِرْسِنَّةِ. وَلاَ فِي الْخُضَرِ كُلِّهَا ، وَلاَ فِي اللُّفْتِ. وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ لاَ فِي حَبِّهِ. وَلَمْ يَرَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ , لاَ فِي تِينٍ ، وَلاَ بَلُّوطٍ , وَلاَ قَسْطَلٍ , وَلاَ رُمَّانٍ , وَلاَ جَوْزِ الْهِنْدِ , وَلاَ جَوْزٍ , وَلاَ لَوْزٍ. وَلاَ غَيْرَ غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلاً. وقال أبو حنيفة : الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ مِنْ حُبُوبٍ أَوْ ثِمَارٍ أَوْ نُوَّارٍ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا حَتَّى الْوَرْدُ وَالسَّوْسَنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ حَاشَا ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ فَقَطْ , وَهِيَ : الْحَطَبُ , وَالْقَصَبُ , وَالْحَشِيشُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي قَصَبِ الذَّرِيرَةِ فَمَرَّةً رَأَى فِيهَا الزَّكَاةَ , وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا فِيهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لاَ زَكَاةَ فِي الْخُضَرِ كُلِّهَا , وَلاَ فِي الْفَوَاكِهِ وَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الْجَوْزِ , وَاللَّوْزِ , وَالتِّينِ , وَحَبِّ الزَّيْتُونِ , وَالْجِلَّوْزِ وَالصَّنَوْبَرِ , وَالْفُسْتُقِ , وَالْكَمُّونِ , وَالْكَرَوْيَا وَالْخَرْدَلِ , وَالْعُنَّابِ , وَحَبِّ الْبَسْبَاسِ. وَفِي الْكَتَّانِ , وَفِي زَرِيعَتِهِ أَيْضًا , وَفِي حَبِّ الْعُصْفُرِ , وَفِي نُوَّارِهِ , وَفِي حَبِّ الْقِنَّبِ لاَ فِي كَتَّانِهِ , وَفِي الْفُوَّهِ إذَا بَلَغَ كُلُّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ , وَإِلاَّ فَلاَ وَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الزَّعْفَرَانِ , وَفِي الْقُطْنِ , وَالْوَرْسِ ثُمَّ اخْتَلَفَا : فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا بَلَغَ مَا يُصَابُ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ قَمْحٍ , أَوْ شَعِيرٍ , أَوْ مِنْ ذُرَةٍ , أَوْ مِنْ تَمْرٍ , أَوْ مِنْ زَبِيبٍ أَحَدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَقَطْ , لاَ مِنْ شَيْءٍ غَيْرَهَا : فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَقَصَ ، عَنْ قِيمَةِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَحَدِ مَا ذَكَرْنَا فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : إنْ بَلَغَ مَا يُرْفَعُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ : خَمْسَةَ أَمْنَانٍ وَهِيَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ , وَإِلاَّ فَلاَ , وَكَذَلِكَ الْوَرْسُ. وَإِنْ بَلَغَ الْقُطْنُ خَمْسَةَ أَحْمَالٍ وَهِيَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ رِطْلٍ فُلْفُلِيَّةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ , وَإِلاَّ فَلاَ. وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ حَبَّ الْعُصْفُرِ إنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زُكِّيَ هُوَ وَنُوَّارُهُ , وَإِنْ نَقَصَ ، عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكَّ لاَ حَبُّهُ ، وَلاَ نُوَّارُهُ. وَاخْتَلَفَا فِي الإِجَّاصِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْحِنَّاءِ , فَمَرَّةً أَوْجَبَا فِيهَا الزَّكَاةَ وَمَرَّةً أَسْقَطَاهَا وَأَسْقَطَا الزَّكَاةَ ، عَنْ خُيُوطِ الْقِنَّبِ , وَعَنْ حَبِّ الْقُطْنِ , وَعَنِ الْبَلُّوطِ , وَالْقَسْطَلِ , وَالنَّبْقِ وَالتُّفَّاحِ , وَالْكُمَّثْرَى , وَالْمِشْمِشِ , وَالْهَلِيلِجِ وَالْقِثَّاءِ , وَاللُّفْتِ , وَالتُّوتِ , وَالْخَرُّوبِ , وَالْحُرْفِ وَالْحُلْبَةِ , وَالشُّونِيزِ وَالْكُرَّاثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ , وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا : الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ , وَفِي كُلِّ ثَمَرَةٍ , وَفِي الْحَشِيشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , لاَ تَحَاشَ شَيْئًا. قَالُوا : فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْكَيْلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا , وَمَا كَانَ لاَ يَحْتَمِلُ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ. وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنِ السَّلَفِ الأَوَّلِ أَقْوَالاً : فَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْكُرَّاثِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى الزَّكَاةَ فِي السُّلْتِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ , قَلَّ أَوْ كَثُرَ , وَهُوَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : فِي عَشْرِ دَسْتَجَاتِ بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ. وَرَوَاهُ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شُعْبَةُ وَرُوِّينَا ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ عُمُومًا , دُونَ تَخْصِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي التَّوَابِلِ وَالزَّعْفَرَانِ : عُشْرُ مَا يُصَابُ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْبُقُولِ. قال أبو محمد : أَمَّا مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ t مِنْ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السُّلْتِ فَإِنَّهُ قَدَّرَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْقَمْحِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ الْقَمْحُ يَسْتَحِيلُ فِي بَعْضِ الأَرَضِينَ سُلْتًا ; فَإِنَّ اسْمَهُمَا عِنْدَ الْعَرَبِ مُخْتَلِفٌ , وَحَدُّهُمَا فِي الْمُشَاهَدَةِ مُخْتَلِفٌ , فَهُمَا صِنْفَانِ بِلاَ شَكٍّ وَقَدْ يَسْتَحِيلُ الْعَصِيرُ خَمْرًا , وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ خَلًّا , وَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ ; وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ بُرْهَانٌ مِنْ نَصٍّ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَحَالَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ; فَهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ ; وَلَكِنْ إذَا اخْتَلَفَتْ الأَسْمَاءُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقَعَ حُكْمٌ وَرَدَ فِي اسْمِ صِنْفٍ مَا عَلَى مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الاِسْمُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُوقَعَ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ حُكْمُ السَّارِقِ , وَعَلَى غَيْرِ الْغُنْمِ حُكْمُ الْغَنَمِ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ أَثَرًا لاَ يَصِحُّ , مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ , وَهُوَ سَاقِطٌ , عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ r لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ قَمْحُهُ وَسُلْتُهُ وَشَعِيرُهُ فِيمَا سُقِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالرِّشَاءِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لاَ تُسْنَدُ , وَقَدْ خَالَفَ خُصُومُنَا أَكْثَرَ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , فَإِنَّهُ حَدَّ حَدًّا فَاسِدًا لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ ; وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَاسَ عَلَى الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ كُلَّ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ , وَلَمْ يَقِسْ عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كُلَّ مَا يَتَقَوَّتُ مِنْ الثِّمَارِ , فَإِنَّ الْبَلُّوطَ وَالتِّينَ وَالْقَسْطَلَ وَجَوْزَ الْهِنْد أَقْوَى وَأَشْهَرَ فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّبِيبِ بِلاَ شَكٍّ ; فَمَا عَلِمَنَا بَلَدًا يَكُونُ قُوتُ أَهْلِهِ الزَّبِيبُ صِرْفًا , وَنَعْلَمُ بِلاَدًا لَيْسَ قُوتُهَا إلاَّ الْقَسْطَلَ , وَجَوْزَ الْهِنْدِ وَالتِّينَ صِرْفًا ; وَكَذَلِكَ الْبَلُّوطُ , وَقَدْ يُعْمَلُ مِنْهُ الْخُبْزُ وَالْعَصِيدَةُ ; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَأَشَدُّ وَأَبْيَنُ فِي الْفَسَادِ ; لاَِنَّهُ إنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ التَّقَوُّتَ فَإِنَّ الْقَسْطَلَ , وَالْبَلُّوطَ , وَالتِّينَ , وَجَوْزَ الْهِنْدِ , وَاللُّفْتَ , بِلاَ شَكٍّ أَقْوَى فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّيْتِ وَمِنْ الزَّيْتُونِ وَمِنْ الْحِمَّصِ وَمِنْ الْعَدَسِ وَمِنْ اللُّوبْيَاءِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ إيجَابُهُ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ. وَهُوَ لاَ يُؤْكَلُ , وَإِنَّمَا هُوَ لِلْوَقِيدِ خَاصَّةً ; ، وَلاَ يُعْرَفُ إلاَّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَقَطْ. وَأَخْبَرَنِي ثِقَةٌ فِي نَقْلِهِ وَتَمْيِيزِهِ أَنَّ الْمُسَمَّى بِمِصْرَ فُجْلاً يُعْمَلُ مِنْهُ الزَّيْتُ الَّذِي رَأَى مَالِكٍ فِيهِ الزَّكَاةَ , هُوَ النَّبَاتُ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالأَنْدَلُسِ " اللبشتر " وَهُوَ نَبَاتٌ صَحْرَاوِيٌّ لاَ يُغْتَرَسُ أَصْلاً. وَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ , وَلاَ فِي زَيْتِ السِّمْسِمِ , وَزَيْتِ الْجَوْزِ , وَزَيْتِ الهركان , وَزَيْتِ الزنبوج وَزَيْتِ الضَّرْوِ وَهَذِهِ تُؤْكَلُ وَيُوقِدُ بِهَا , وَهِيَ زُيُوتُ خُرَاسَانَ , وَالْعِرَاقِ , وَأَرْضِ الْمُصَامَدَةِ , وَصِقِلِّيَّةَ ، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لِقَوْلِهِ فِي قُرْآنٍ , وَلاَ فِي سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ فِي رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , لإِنَّ أَكْثَرَ مَا رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالْمَدِينَةِ وَمَا نَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ : فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ نَصًّا عَنْهُمَا : إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ. قال أبو محمد : فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ عِنْدَهُمَا , ثُمَّ يُسْقِطَانِ الزَّكَاةَ ، عَنْ أَكْثَرِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِاسْمِهِ مِنْ الرُّمَّانِ , وَسَائِرِ مَا يَكُونُ فِي الْجَنَّاتِ , وَهَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ فِيهَا فِيمَا يُحْصَدُ. فَقِيلَ لِلْمَالِكِيِّينَ : فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ الزَّكَاةَ فِي الزَّيْتُونِ , وَهُوَ عِنْدَكُمْ لاَ يُحْصَدُ. وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّينَ : مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ الْحَصَادَ لاَ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الزَّرْعِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَنَازِلَ الْكُفَّارِ فَقَالَ : مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ الْفَتْحِ : اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ : فَأَسْقَطُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا وَأَشَدُّهَا تَنَاقُضًا ; لاَِنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا التَّحْدِيدَ بِمَا يُتَقَوَّتُ , وَلاَ بِمَا يُكَالُ , وَلاَ بِمَا يُؤْكَلُ ، وَلاَ بِمَا يَيْبَسُ , وَلاَ بِمَا يُدَّخَرُ , وَأَتَيَا بِأَقْوَالٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. فَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ , وَالْجِلَّوْزِ , وَالصَّنَوْبَرِ. وَأَسْقَطَاهَا ، عَنِ الْبَلُّوطِ , وَالْقَسْطَلِ , وَاللُّفْتِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْبَسْبَاسِ , وَأَسْقَطَاهَا ، عَنِ الشُّونِيزِ , وَهُمَا أَخَوَانِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي بَعْضِ الأَقْوَالِ فِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ , وَأَسْقَطَاهَا ، عَنِ الْكُرَّاثِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْكَتَّانِ وَحَبِّهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي حَبِّ الْعُصْفُرِ وَنُوَّارِهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْقُطْنِ دُونَ حَبِّهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْقِنَّبِ , وَأَسْقَطَاهَا ، عَنْ خُيُوطِهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْخَرْدَلِ , وَأَسْقَطَاهَا ، عَنِ الْحُرْفِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْعُنَّابِ , وَأَسْقَطَاهَا ، عَنِ النَّبْقِ وَهُمَا أَخَوَانِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الرُّمَّانِ , وَأَسْقَطَاهَا ، عَنِ التُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَهِيَ سَوَاءٌ. فإن قيل : الرُّمَّانُ مَذْكُورٌ فِي الآيَةِ. قِيلَ : وَالزَّرْعُ مَذْكُورٌ فِي الآيَةِ. وَقَدْ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ ، عَنْ أَكْثَرِ مَا يُزْرَعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُ. وَمَا لَهُمَا مُتَعَلِّقٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ , وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُمَا , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ أَيْضًا جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِالْقُرْآنِ , وَلاَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ لاَِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْقَصَبَ , وَالْحَشِيشَ وَوَرَقَ الثِّمَارِ كُلِّهَا , وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِمَا احْتَجَّ بِهِ , بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ , مَعَ خِلاَفِهِ لِلسُّنَّةِ. فَخَرَجَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ ، عَنِ الْجَوَازِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُنَا , فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَحْتَجُّونَ بِالآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِالثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ. فَوَجَدْنَا الآيَةَ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَا لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ , وَالزَّكَاةُ مَدَنِيَّةٌ , بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ; فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ أُنْزِلَتْ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ : نَعَمْ هِيَ مَكِّيَّةٌ ; إلاَّ هَذِهِ الآيَةَ وَحْدَهَا , فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. قال أبو محمد : هَذِهِ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا , وَتَخْصِيصٍ بِلاَ دَلِيلٍ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ. لإِنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ زَعَمَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ ثَابِت بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ t ; إذْ جَذَّ ثَمَرَتَهُ فَتَصَدَّقَ مِنْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَا الزَّكَاةُ. وَالثَّانِي : قوله تعالى فِيهَا : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ يَجُوزُ إيتَاؤُهَا يَوْمَ الْحَصَادِ ; لَكِنْ فِي الزَّرْعِ بَعْدَ الْحَصَادِ , وَالدَّرْسِ وَالذَّرْوِ وَالْكَيْلِ , وَفِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي لاَ تَجِبُ إلاَّ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّالِثُ : قوله تعالى فِي الآيَةِ نَفْسِهَا : وَلاَ تُسْرِفُوا ، وَلاَ سَرَفَ فِي الزَّكَاةِ لاَِنَّهَا مَحْدُودَةٌ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا حَبَّةٌ ، وَلاَ تُزَادُ أُخْرَى. فإن قيل : فَمَا هَذَا الْحَقُّ الْمُفْتَرَضُ فِي الآيَةِ. قلنا : نَعَمْ , هُوَ حَقٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ , وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْحَاصِدُ حِينَ الْحَصْدِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ ، وَلاَ بُدَّ , لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ , هَذَا ظَاهِرُ الآيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَشْعَثَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَعَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ مَنْ اعْتَرَّ بِهِمْ شَيْئًا سِوَى الصَّدَقَةِ. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ. حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قَالَ : يُعْطِي نَحْوًا مِنْ الضِّغْثِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قَالَ : إذَا حَصَدْت وَحَضَرَك الْمَسَاكِينُ : طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا طَيَّبْت : طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا نَقَّيْته وَأَخَذْت فِي كَيْلِهِ : حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ : عَزَلْت زَكَاتَهُ. وَإِذَا أَخَذْت فِي جِدَادِ النَّخْلِ طَرَحْت لَهُمْ مِنْ التَّفَارِيقِ وَالتَّمْرِ وَإِذَا أَخَذْت فِي كَيْلِهِ : حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ : عَزَلْت زَكَاتَهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا : هَذَا وَاجِبٌ حِينَ يُصْرِمُ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَقَالَ : كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا غَيْرَ الصَّدَقَةِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قَالَ : يَمُرُّ بِهِ الضَّعِيفُ وَالْمِسْكِينُ فَيُعْطِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَكُونُ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. قَالَ : بَعْدَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ , يُعْطِي الضِّغْثَ وَالشَّيْءَ. وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. قَالَ : لُقَاطِ السُّنْبُلِ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي قوله تعالى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قَالَ : شَيْءٌ يَسِيرٌ سِوَى الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَلاَ يَصِحُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الزَّكَاةِ ; لاَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ , وَهُوَ سَاقِطٌ ; وَمِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ نُسِخَ لَمْ يُصَدَّقْ إلاَّ بِنَصٍّ مُتَّصِلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَإِلاَّ فَمَا يَعْجَزُ أَحَدٌ ، عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِي أَيِّ آيَةٍ شَاءَ , وَفِي أَيِّ حَدِيثٍ شَاءَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَدَعْوَى النَّسْخِ إسْقَاطٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ ; وَهَذَا لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِنَصٍّ مُسْنَدٍ صَحِيحٍ. وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ ; لَوْ لَمْ يَأْتِ مَا يَخُصُّهُ لَمْ يَجُزْ خِلاَفُهُ لاَِحَدٍ. لَكِنْ وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَعَمْرٌو النَّاقِدِ , وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ , قَالُوا كُلُّهُمْ : حدثنا وَكِيعٌ : وَقَالَ الطَّلْمَنْكِيُّ : حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ : ثُمَّ اتَّفَقَ وَكِيعٌ , وَيَحْيَى , كِلاَهُمَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقِ تَمْرٍ ، وَلاَ حَبٍّ صَدَقَةٌ. قَالَ وَكِيعٌ فِي رِوَايَتِهِ " مِنْ تَمْرٍ " وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ r الصَّدَقَةَ ، عَنْ كُلِّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ. وَلَفْظَةُ " دُونَ " فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وُقُوعًا مُسْتَوِيًا , لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ , وَهُمَا بِمَعْنَى : أَقَلُّ , وَبِمَعْنَى : غَيْرُ , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً أَيْ مِنْ غَيْرِي. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ أَيْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَحَيْثُمَا وَقَعَتْ لَفْظَةُ " دُونَ " فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ بِمَعْنَى : غَيْرُ ; فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِلَفْظَةِ " دُونَ " فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَعْنَى : أَقَلُّ دُونَ مَعْنَى : غَيْرُ وَنَحْنُ إذَا حَمَلْنَا " دُونَ " هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى : غَيْرُ دَخَلَ فِيهِ : أَقَلُّ ; وَتَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ لاَ يَحِلُّ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي غَيْرِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ , وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِنَصِّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَبِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ فِي الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَبِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ وَالنَّصِّ أَيْضًا. وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَّ فِيهِ , بِنَفْيِ النَّبِيِّ r الزَّكَاةَ ، عَنْ كُلِّ مَا هُوَ غَيْرُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ ثُمَّ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " حَبٍّ " فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r : فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى : حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْحَبُّ : الْبُرُّ , وَالْقَضْبُ : الْفِصْفِصَةُ , فَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ بِالْحَبِّ عَلَى الْبُرِّ. وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الدِّينَوَرِيُّ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي النَّبَاتِ فِي بَابِ تَرْجَمَتِهِ " بَابُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ وَأَسْمَاءِ الْحَبِّ وَالْقَطَانِيِّ وَأَوْصَافِهَا " فَقَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَهُوَ الشَّيْبَانِيُّ جَمِيعُ بُزُورِ النَّبَاتِ يُقَالُ لَهَا " الْحِبَّةُ " بِكَسْرِ الْحَاءِ. قال أبو محمد كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ قَوْلِهِ : فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ : وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : وَاحِدُ الْحَبَّةِ : حَبَّةُ , بِفَتْحِ الْحَاءِ ; فأما الْحَبُّ فَلَيْسَ إلاَّ الْحِنْطَةَ , وَالشَّعِيرَ , وَاحِدُهَا حَبَّةٌ , بِفَتْحِ الْحَاءِ ; وَإِنَّمَا افْتَرَقَتَا فِي الْجَمْعِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إثْرَ كَلاَمٍ ذَكَرَهُ لاَِبِي نَصْرٍ صَاحِبِ الأَصْمَعِيِّ كَلاَمًا نَصُّهُ : وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ كَالآُرْزِ , وَالدَّخَنِ , قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ جُمُوعٍ : الْحَبُّ لِلْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرُ خَاصَّةً , وَالْحِبَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا لِكُلِّ مَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبُزُورِ خَاصَّةً , وَالْحُبُوبُ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْبُزُورِ. وَالْكِسَائِيُّ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ , وَفِي الدِّينِ , وَالْعَدَالَةِ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْحَبَّ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r نَصًّا بِنَفْيِ الزَّكَاةِ ، عَنْ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ : فَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّبَاتِ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ. وَقَدْ رَوَى مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ , عَمَّنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , عَمَّنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْحُبُوبِ وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبِ الأَنْدَلُسِيُّ ، عَنِ الطَّلْحِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ. قال أبو محمد : . وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ بِمِثْلِ هَذَا , وَزَادُوا إلَى هَذِهِ الثَّلاَثَةِ : الزَّبِيبَ. كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ , وَطَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ : قَالَ عَمْرٌو ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ : أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ لَمْ يَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلاَّ مِنْ الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا إلاَّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا حَجَّاجٌ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَدَقَةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ , قَالَ : مَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ , أَوْ عِنَبٍ , أَوْ حِنْطَةٍ , أَوْ شَعِيرٍ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ : حدثنا يَزِيدُ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْعُشْرَ إلاَّ فِي الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، عَنْ أَشْعَثَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالاَ : الصَّدَقَةُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ : الذَّهَبِ , وَالْوَرِقِ , وَالإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْغَنَمِ , وَالْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، هُوَ ابْنُ حَيٍّ ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قَالَ لِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَقَدْ سَأَلْته ، عَنِ الأَقْطَانِ , وَالسَّمَاسِمِ : أَفِيهَا صَدَقَةٌ. قَالَ : مَا حَفِظْنَا ، عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا شَيْءٌ , إلاَّ فِي الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ. قال أبو محمد : الْحَكَمُ أَدْرَكَ كِبَارَ التَّابِعِينَ وَبَعْضَ الصَّحَابَةِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلَ عَبْدُ الْحُمَيْدِ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنِ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ مُوسَى : إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي : الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ لِي عَطَاءٌ , وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : لاَ صَدَقَةَ إلاَّ فِي نَخْلٍ , أَوْ عِنَبٍ , أَوْ حَبٍّ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد : وَادَّعَى مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الزَّبِيبِ إجْمَاعٌ , وَذَكَرَ آثَارًا لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ. أَحَدُهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ : عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ : التَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ , وَالْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ. قال أبو محمد : هَذَا مُنْقَطِعٌ , لإِنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكُ مُعَاذًا بِعَقْلِهِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ , عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ , وَهِيَ صَحِيفَةٌ , عَنِ النَّبِيِّ r الْعُشْرُ فِي : التَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ , وَالْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ. وَخُصُومُنَا يُخَالِفُونَ كَثِيرًا مِنْ صَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , وَلاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ إِسْحَاقَ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ , وَكِلاَهُمَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ , وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبِ الأَنْدَلُسِيِّ ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ وَهُوَ أَبُو جُزْءٍ , وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ ; كُلُّهُمْ يَذْكُرُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدَ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَرْصِ الْعِنَبِ. وَسَعِيدٌ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَتَّابٍ بِسَنَتَيْنِ. وَعَتَّابٌ لَمْ يُوَلِّهِ النَّبِيُّ r إلاَّ مَكَّةَ ، وَلاَ زَرْعَ بِهَا , وَلاَ عِنَبَ. فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ لاََخَذْنَا بِهِ , وَلَمَا حَلَّ لَنَا خِلاَفُهُ , كَمَا لاَ يَحِلُّ الأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَبَرٍ لاَ يَصِحُّ. وَأَمَّا دَعْوَى الإِجْمَاعِ فَبَاطِلٌ : كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ : الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ كَانَ لاَ يَرَى فِي الْعِنَبِ صَدَقَةً. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ : حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنِ الأَجْلَحِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : الصَّدَقَةُ فِي : الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بُنْدَارٌ ، حدثنا غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : لَيْسَ فِي الْخَيْلِ زَكَاةٌ ; ، وَلاَ فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ زَكَاةٌ ; وَلَيْسَ فِي الزَّبِيبِ : شَيْءٌ. فَهَؤُلاَءِ : شُرَيْحٌ , وَالشَّعْبِيُّ , وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , لاَ يَرَوْنَ فِي الزَّبِيبِ زَكَاةً. قال أبو محمد : وَلَيْسَ إلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْهُ الأَرْضُ ; عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ أَوْ قَوْلِنَا , وَهُوَ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِيمَا أَوْجَبَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r بِاسْمِهِ , عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مِنْ ، أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ ، وَلاَ تَمْرٍ صَدَقَةٌ. وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِيهِ عُمُومُهُ , وَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ : فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ , وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ , وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِتَعْلِيلٍ مُطَّرِدٍ ; بَلْ خَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ ; لأَنَّهُمْ إنْ رَاعَوْا الْقُوتَ , فَقَدْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ ، عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الأَقْوَاتِ : كَالتِّينِ , وَالْقَسْطَلِ , وَاللَّبَنِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَأَوْجَبُوهُ فِيمَا لَيْسَ قُوتًا : كَالزَّيْتِ وَالْحِمَّصِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُتَقَوَّتُ إلاَّ لِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ. وَإِنْ رَاعَوْا الأَكْلَ فَقَدْ أَسْقَطُوهَا ، عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُؤْكَلُ , وَأَوْجَبَهَا بَعْضُهُمْ فِيمَا لاَ يُؤْكَلُ : كَزَيْتِ الْفُجْلِ وَالْقُطْنِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ رَاعَوْا مَا يُوسَقُ , فَقَدْ أَسْقَطُوهَا ، عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوسَقُ. ثُمَّ أَيْضًا لَوْ رَاعَوْا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي وَطَرَدُوا أَصْلَهُمْ لَكَانُوا قَائِلِينَ بِلاَ بُرْهَانٍ ; لَكِنْ بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ وَظَنٍّ كَاذِبٍ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلاَّ أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ; فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ حَرَجٌ شَدِيدٌ , وَشِقُّ الأَنْفُسِ , وَعُسْرٌ لاَ يُطَاقُ. وَالأَخْذُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ , وَمُمْتَنِعٌ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ ; لاَِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لاَ يَنْبُتَ فِي دَارِ أَحَدٍ , أَوْ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ لَهُ : عُشْبٌ , وَلَوْ أَنَّهُ وَرَقَةٌ وَاحِدَةٌ , أَوْ نَرْجِسَةُ , أَوْ فُولٌ , أَوْ غُصْنُ حُرْفٍ أَوْ بَهَارَةٌ أَوْ تِينَةٌ وَاحِدَةٌ إلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرُ كُلِّ ذَلِكَ , أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ. وَكَذَلِكَ وَرَقُ الشَّجَرِ وَالتِّبْنُ , حَتَّى تِبْنُ الْفُولِ , وَقَصَبُ الْكَتَّانِ ; نَعَمْ. وَأُصُولُ الشَّجَرِ نَفْسُهَا ; لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْقِيهِ الْمَاءُ ; وَهَذَا مَا لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَامْتَنَّ تَعَالَى عَلَيْنَا إذْ أَجَابَنَا فِي دُعَائِنَا الَّذِي أَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَدْعُوَ بِهِ فَنَقُولَ رَبَّنَا ، وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا ، وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( يَسِّرُوا ، وَلاَ تُعَسِّرُوا. فإن قيل : يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ مَا يَفْعَلُ الشَّرِيكَانِ فِيهِ. قلنا : هَذَا لاَ يَجُوزُ ; لإِنَّ بَيْعَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ مُبَاحٌ , وَتَحْلِيلُهُ لَهُ جَائِزٌ , وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا , وَلاَ التَّحْلِيلُ مِنْهَا أَصْلاً. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ نَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلاَّ بِبَيَانِ نَصٍّ آخَرَ. فَصَحَّ أَنْ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِيمَا أَوْجَبَهُ بَيَانُ نَصٍّ غَيْرِ ذَلِكَ النَّصِّ , أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ إلاَّ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ فَقَطْ. وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَإِنَّمَا يُشَرِّعُ بِرَأْيِهِ , وَيُخَصِّصُ الأَثَرَ بِظَنِّهِ الْكَاذِبِ وَهَذَا حَرَامٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمَعَادِنُ : فَإِنَّ الآُمَّةَ مُجْمِعَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَ , وَالْحَدِيدَ , وَالرَّصَاصَ , وَالْقَزْدِيرَ : لاَ زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا , وَإِنْ كَثُرَتْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي : الدَّنَانِيرِ , وَالدَّرَاهِمِ , وَالْحُلِيِّ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : تُزَكَّى تِلْكَ الدَّنَانِيرُ , وَالدَّرَاهِمُ : بِوَزْنِهَا. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَسْقَطَ الزَّكَاةَ نَصًّا فِيمَا دُونِ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ , وَفِيمَا دُونِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّهَبِ , وَلَمْ يُوجِبْ بِلاَ خِلاَفٍ زَكَاةً فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ , فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ , وَالدَّرَاهِمِ الْمَمْزُوجَةِ بِالنُّحَاسِ , أَوْ الْحَدِيدِ , أَوْ الرَّصَاصِ , أَوْ الْقَزْدِيرِ ; فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ r مَرَّتَيْنِ : إحْدَاهُمَا فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الرَّقَّةِ. وَالثَّانِيَةُ فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا إذْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي : الصُّفْرِ , وَالرَّصَاصِ , وَالْقَزْدِيرِ , وَالْحَدِيدِ , إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا بِفِضَّةٍ , أَوْ ذَهَبٍ , وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْهَا إذَا كَانَتْ صِرْفًا وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَحِلُّ. وَأَيْضًا : فَنَسْأَلُهُمْ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ مُزِجَ بِفِضَّةٍ , أَوْ ذَهَبٍ , فَكَانَ الْمَمْزُوجُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ , وَمِنْ الْفِضَّةِ. ثُمَّ لاَ نَزَالُ نَزِيدُهُمْ إلَى أَنْ نَسْأَلَهُمْ ، عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ فَلْسُ فِضَّةٍ فَقَطْ وَسَائِرُهَا نُحَاسٌ. فَإِنْ جَعَلُوا فِيهَا الزَّكَاةَ أَفْحَشُوا جِدًّا , وَإِنْ أَسْقَطُوهَا سَأَلْنَاهُمْ ، عَنِ الْحَدِّ الَّذِي يُوجِبُونَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَاَلَّذِي يُسْقِطُونَهَا فِيهِ. فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ , وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا حَدًّا كَانُوا قَدْ خَلَطُوا مَا يُحَرِّمُونَ بِمَا يُحِلُّونَ ; وَلَمْ يُبَيِّنُوا لاَِنْفُسِهِمْ ، وَلاَ لِمَنْ اتَّبَعَهُمْ الْحَرَامَ فَيَجْتَنِبُوهُ , مِنْ الْحَلاَلِ فَيَأْتُوهُ. قال أبو محمد : وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا , هُوَ أَنَّ الأَسْمَاءَ فِي اللُّغَةِ وَالدِّيَانَةِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتٍ مَحْمُولَةٍ فِيهَا ; فَلِلْفِضَّةِ صِفَاتُهَا الَّتِي إذَا وُجِدَتْ فِي شَيْءٍ سُمِّيَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِضَّةً ; وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اسْمِ الذَّهَبِ وَاسْمِ النُّحَاسِ وَاسْمِ كُلِّ مُسَمًّى فِي الْعَالَمِ. وَأَحْكَامُ الدِّيَانَةِ إنَّمَا جَاءَتْ عَلَى الأَسْمَاءِ ; فَلِلْفِضَّةِ حُكْمُهَا , وَلِلذَّهَبِ حُكْمُهُ , وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ فِي الْعَالَمِ. فَإِذَا سَقَطَ الاِسْمُ الَّذِي عَلَيْهِ جَاءَ النَّصُّ بِالْحُكْمِ سَقَطَ ذَلِكَ الْحُكْمُ , وَانْتَقَلَ الْمُسَمَّى إلَى الْحُكْمِ الَّذِي جَاءَ فِي النَّصِّ عَلَى الاِسْمِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ ; كَالْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ , وَالْخَلِّ , وَالْمَاءِ , وَالدَّمِ , وَاللَّبَنِ , وَاللَّحْمِ , وَالآنِيَةِ , وَالدَّنَانِيرِ , وَكُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ. فَإِنْ كَانَ الْمَزْجُ فِي الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ لاَ يُغَيِّرُ صِفَاتِهِمَا الَّتِي مَا دَامَتْ فِيهَا سُمِّيَا فِضَّةً ; وَذَهَبًا فَهِيَ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ ; فَالزَّكَاةُ فِيهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَزْجُ فِي الْفِضَّةِ , أَوْ الذَّهَبِ قَدْ غَيَّرَ صِفَاتِهِمَا وَسَقَطَ ، عَنِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اسْمُ فِضَّةٍ وَاسْمُ ذَهَبٍ لِظُهُورِ الْمَزْجِ فِيهِمَا فَهُوَ حِينَئِذٍ : فِضَّةٌ مَعَ ذَهَبٍ ; أَوْ فِضَّةٌ مَعَ نُحَاسٍ , فَالْوَاجِبُ أَنَّ فِي مِقْدَارِ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي تِلْكَ الدَّرَاهِمِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا خَاصَّةً , وَلاَ زَكَاةَ فِي النُّحَاسِ الظَّاهِرِ فِيهَا أَثَرُهُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّهَبِ مَعَ مَا مُزِجَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي الدَّنَانِيرِ ذَهَبٌ تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ , وَفِضَّةٌ لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ; فَالزَّكَاةُ فِيمَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ. وَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ , وَمَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ; فَالزَّكَاةُ فِيمَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَمِنْ الذَّهَبِ مَا تَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ , زُكِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَحُكْمِهِ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا. وَإِنْ كَانَ مَا فِيهِمَا مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ الْفِضَّةِ لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوْ انْفَرَدَ , فَلاَ زَكَاةَ هُنَاكَ أَصْلاً. فَإِنْ زَادَ الْمَزْجُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِلْفِضَّةِ ، وَلاَ لِلذَّهَبِ هُنَاكَ صِفَةٌ فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الأَعْيَانِ فِضَّةٌ أَصْلاً ، وَلاَ ذَهَبٌ ; فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا أَصْلاً , اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْخَيْلُ , وَالرَّقِيقُ فَقَدْ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الرَّأْسِ عَشَرَةً وَمِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةً , وَمِنْ الْبَرَاذِينِ خَمْسَةً يَعْنِي رَأْسَ الرَّقِيقِ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ , وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ دِينَارٍ قَالَ : إنَّ حَيَّ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ : ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ ; فَنَدِمَ الْبَائِعُ , فَلَحِقَ بِعُمَرَ , فَقَالَ : غَصَبَنِي يَعْلَى وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي. فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى يَعْلَى : أَنْ الْحَقْ بِي فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ; فَقَالَ عُمَرُ : إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ عِنْدَكُمْ هَذَا فَقَالَ يَعْلَى : مَا عَلِمْت فَرَسًا بَلَغَ هَذَا قَبْلَ هَذَا. فَقَالَ عُمَرُ : فَنَأْخُذُ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً ، وَلاَ نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا قَالَ : قَالَ : فَضَرَبَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا دِينَارًا. حدثنا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَاتِ الْخَيْلِ , قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُصْدِقُ الْخَيْلَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِك. فَقَالَ لِلرَّسُولِ : إنَّ مَرْوَانَ لاَ يَعْلَمُ إنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُطْعِمَ ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ ; وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : وَفِي الْخَيْلِ الزَّكَاةُ. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ إلَى أَنَّ فِي الْخَيْلِ الزَّكَاةَ وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الآثَارِ , وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. وَقَالُوا : وَالْخَيْلُ أَمْوَالٌ ; فَالصَّدَقَةُ فِيهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ , وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا , وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا , وَلاَ ظُهُورِهَا , فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ. قال أبو محمد : هَذَا مَا مَوَّهَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ الاِحْتِجَاجِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلِ الصَّحَابَة ; وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ : أَمَّا الآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الأَمْوَالِ صَدَقَةٌ , وَإِنَّمَا فِيهَا خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَرِدْ إلاَّ هَذَا النَّصُّ وَحْدَهُ لاََجْزَأَ فَلْسٌ وَاحِدٌ ، عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِ ; لاَِنَّهُ صَدَقَةٌ أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الآيَةِ أَنَّ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الأَمْوَالِ صَدَقَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ , وَلاَ مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ , وَلاَ مَتَى تُؤْخَذُ تِلْكَ الصَّدَقَةُ. وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ , قَالَ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا , غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، وَلاَ مُبَيَّنَ الْمِقْدَارِ ; ، وَلاَ مَدْخَلَ لِلزَّكَاةِ فِي ظُهُورِ الْخَيْلِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ , وَهُوَ حُمِلَ عَلَى مَا طَابَتْ نَفْسُهُ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , وَعَارِيَّةُ ظُهُورِهَا لِلْمُضْطَرِّ. وَأَمَّا فِعْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما فَقَدْ خَالَفُوهُمَا , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ الذُّكُورِ وَلَوْ كَثُرَتْ وَبَلَغَتْ أَلْفَ فَرَسٍ فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا , أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا , سَائِمَةً غَيْرَ مَعْلُوفَةٍ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ , وَصِفَةُ تِلْكَ الزَّكَاةِ أَنَّ صَاحِبَ الْخَيْل مُخَيَّرٌ , إنْ شَاءَ أَعْطَى ، عَنْ كُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا دِينَارًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِمَ ; وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا فَأَعْطَى مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. قال أبو محمد : وَهَذَا خِلاَفُ فِعْلِ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَ عُمَرَ فِي أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّقِيقِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ , فَكَيْفَ يَجُوزُ لِذِي عَقْلٍ وَدِينٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فِعْلِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَخَالَفُوا عَلِيًّا فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ الْخَيْلِ جُمْلَةً , وَأَتَوْا بِقَوْلٍ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ ; فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَذَهَبَ جُمْهُورُ النَّاسِ إلَى أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ أَصْلاً. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ ، عَنِ الدَّبَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَدْ عَفَوْت ، عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ مِنْهُمْ لاَ وَاجِبَةٌ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ قَالَ : أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ ; فَقَالَ النَّاسُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , خَيْلٌ لَنَا وَرَقِيقٌ افْرِضْ عَلَيْنَا عَشَرَةً عَشَرَةً. فَقَالَ عُمَرُ : أَمَّا أَنَا فَلاَ أَفْرِضُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَرَأْت عَلَى أَبِي ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ زُهَيْرٍ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ حَارِثَةَ ، هُوَ ابْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ : حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَاهُ أَشْرَافُ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إنَّا أَصَبْنَا رَقِيقًا وَدَوَابَّا فَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً تُطَهِّرُنَا وَتَكُونُ لَنَا زَكَاةً. فَقَالَ : هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْعَلْهُ اللَّذَانِ كَانَا قَبْلِي. قال أبو محمد : هَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَالإِسْنَادُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً ; ، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ ; ، وَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْرِضْ ذَلِكَ. وَأَنَّ عَلِيًّا بَعْدَهُ لَمْ يَأْخُذْهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( قَدْ عَفَوْتُ ، عَنِ الْخَيْلِ , فَأَدُّوا صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ ، وَلاَ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ. وَالْفَرَسُ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ , وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ لَمَا أَغْفَلَ عليه السلام بَيَانَ مِقْدَارِهَا وَمِقْدَارِ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءٍ , وَمَكْحُولٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَهُوَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الْحَمِيرُ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهَا الزَّكَاةَ , إلاَّ شَيْئًا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , قَالَ مَنْصُورٌ : سَأَلْته ، عَنِ الْحَمِيرِ أَفِيهَا زَكَاةٌ. فَقَالَ إبْرَاهِيمُ : أَمَّا أَنَا فَأُشَبِّهُهَا بِالْبَقَرِ ; ، وَلاَ نَعْلَمُ فِيهَا شَيْئًا. قال أبو محمد : كُلُّ مَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ r فِيهِ بِزَكَاةٍ مَحْدُودَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ. وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْحَمِيرِ , لاَِنَّهَا أَمْوَالٌ , وَكَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الصَّدَاقَ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ أَنْ يَقِيسَهَا عَلَى الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , لاَِنَّهَا ذَاتُ أَرْبَعٍ مِثْلُهَا , وَإِنْ افْتَرَقَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ , فَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ يُخَالِفُ السَّرِقَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْعَسَلُ : فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابَهُمْ : لَمْ يَرَوْا فِيهِ زَكَاةً. وقال أبو حنيفة : إنْ كَانَ النَّحْلُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ , وَهُوَ عُشْرُ مَا أُصِيبَ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَرَأَى فِي الْمَوَاشِي الزَّكَاةَ , سَوَاءٌ كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذْ بَلَغَ الْعَسَلُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَفِيهِ رَطْلٌ وَاحِدٌ ; وَهَكَذَا مَا زَادَ فَفِيهِ الْعُشْرُ , وَالرَّطْلُ هُوَ الْفُلْفُلِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : إذَا بَلَغَ الْعَسَلُ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ , وَإِلاَّ فَلاَ وَالْفَرْقُ : سِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ رَطْلاً فُلْفُلِيَّةً , وَالْخَمْسَةُ الأَفْرَاقِ : مِائَةُ رَطْلٍ وَثَمَانُونَ رَطْلاً فُلْفُلِيَّةً ; قَالَ : وَالسُّكَّرُ كَذَلِكَ. قال أبو محمد : أَمَّا مُنَاقَضَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ فِي الْعَسَلِ وَلَوْ أَنَّهُ قَطْرَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَظَاهِرَةٌ لاَ خَفَاءَ بِهَا. وَأَمَّا تَحْدِيدُ صَاحِبِيهِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْخَبْطِ وَالتَّخْلِيطِ. وَهُوَ إلَى الْهَزْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْجِدِّ. لَكِنَّ فِي الْعَسَلِ خِلاَفٌ قَدِيمٌ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لاَِهْلِ الْيَمَنِ فِي الْعَسَلِ : إنَّ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَفْرَاقٍ فَرْقًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّهُ أَخَذَ عُشْرَ الْعَسَلِ مِنْ قَوْمِهِ وَأَتَى بِهِ عُمَرُ ; فَجَعَلَهُ عُمَرُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ ; قَالَ : وَقَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَسْلَمْتُ وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى قَوْمِي , وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ , ثُمَّ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ فَقُلْت لِقَوْمِي : فِي الْعَسَلِ زَكَاةٌ , فَإِنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي مَالٍ لاَ يُزَكَّى فَقَالُوا : كَمْ تَرَى. فَقُلْت : الْعُشْرُ , فَأَخَذْتُهُ وَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ بَقِيَّةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ مُرَّةَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي عُشُورِ الْعَسَلِ : مَا كَانَ مِنْهُ فِي السَّهْلِ فَفِيهِ الْعُشْرُ , وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَبَلِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَصَحَّ عَنْ مَكْحُولٍ , وَالزُّهْرِيِّ : أَنَّ فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَزْقَاقٍ مِنْ الْعَسَلِ زِقًّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى : فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ زِقٌّ , قَالَ : وَالزِّقُّ يَسَعُ رَطْلَيْنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ , وَابْنِ وَهْبٍ , وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : جَاءَ هِلاَلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ : سَلَبَةُ , فَحَمَاهُ لَهُ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرِّرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ : أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشُورُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ أَبَا سَيَّارَةَ الْمُتَعِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ r إنَّ لِي نَحْلاً. قَالَ : فَأَدِّ مِنْهُ الْعُشْرَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ كَتَبْت إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَسْأَلُهُ ، عَنْ زَكَاةِ الْعَسَلِ. فَذَكَرَ جَوَابَهُ , وَفِيهِ : ، أَنَّهُ قَالَ : ذَكَرَ لِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِي : أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيَّ قَالَ لَهُ : إنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ ، عَنْ صَدَقَةِ الْعَسَلِ. فَرَدَّ إلَيْهِ عُمَرُ : قَدْ وَجَدْنَا بَيَانَ صَدَقَةِ الْعَسَلِ بِأَرْضِ الطَّائِفِ ; فَخُذْ مِنْهُ الْعُشُورَ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ : فَصَحِيفَةٌ لاَ تَصِحُّ , وَقَدْ تَرَكُوهَا حَيْثُ لاَ تُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ أَسْقَطُ مِنْ كُلِّ سَاقِطٍ مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ : فَمُنْقَطِعٌ لإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى لاَ يُعْرَفُ لَهُ لِقَاءُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمُنْقَطِعٌ , لاَِنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : فَلاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْهُ , وَلَمْ يُدْرِكْهُ عَطَاءٌ , وَعَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ , وَكِلاَهُمَا مَجْهُولٌ , وَبَعْضُ رُوَاتِهِ يَقُولُ : مُتَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , وَعَنْ بَقِيَّةَ , وَهُوَ ضَعِيفٌ , ثُمَّ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ مُرَّةَ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي هَذَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r شَيْءٌ , أَوْ ، عَنْ عُمَرَ , أَوْ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. قال أبو محمد : وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ خَبَرٌ مُرْسَلٌ أَيْضًا كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ طَاوُوس : أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا أَتَى الْيَمَنَ أُتِيَ بِالْعَسَلِ وَأَوْقَاصِ الْغَنَمِ , فَقَالَ : لَمْ أُؤْمَرْ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَلَكِنَّا لاَ نَسْتَحِلُّ الْحِجَاجَ بِمُرْسَلٍ ; لاَِنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْيَمَنِ , فَأَرَدْت , أَنْ آخُذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ : لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَالَ : صَدَقَ , هُوَ عَدْلٌ رَضِيٌّ. قال أبو محمد : وَبِأَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ يَقُولُ مَالِكٌ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ قلنا : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَلاَ يَجُوزُ إيجَابُ فَرْضِ زَكَاةٍ فِي مَالٍ لَمْ يَصِحَّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِيهِ إيجَابُهَا. فَإِنْ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. قِيلَ لَهُمْ : فَأَوْجِبُوهَا فِيمَا خَرَجَ مِنْ مَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَفِي الْقَصَبِ , وَفِي ذُكُورِ الْخَيْلِ , فَكُلُّ ذَلِكَ أَمْوَالٌ لِلْمُسْلَمِينَ , بَلْ أَوْجَبُوهَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَأَسْقَطُوهَا مِمَّا خَرَجَ مِنْ النَّخْلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ , فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ , وَفِي الأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَلَكَنَّهُمْ قَوْمٌ يَجْهَلُونَ وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ الْمُتَّخَذَةِ لِلتِّجَارَةِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ جُنْدَبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ سَمُرَةَ أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نَعُدُّ لِلْبَيْعِ. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ قَالَ : كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا , غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا , ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ ، عَنِ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلاَبَةَ : إنَّ عُمَّالَ عُمَرَ قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إنَّ التُّجَّارَ شَكَوْا شِدَّةَ التَّقْوِيمِ , فَقَالَ عُمَرُ : هَاهْ هَاهْ خَفِّفُوا. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ : يَا حَمَاسُ , أَدِّ زَكَاةَ مَالِك. فَقُلْت : مَا لِي مَالٌ إلاَّ جِعَابٌ وَأَدَمٌ. فَقَالَ : قَوِّمْهَا قِيمَةً ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لاَ بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ , وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلاَّ أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. وقال بعضهم : الزَّكَاةُ مَوْضُوعٌ فِيمَا يَنْمِي مِنْ الأَمْوَالِ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا غَيْرَ هَذَا , وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَسَاقِطٌ ; لإِنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ مَا بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , وَسَمُرَةَ t مَجْهُولُونَ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُمْ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ : أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ; بَلْ لَوْ أَرَادَ عليه السلام بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ , أَمِنْ أَعْيَانِهَا , أَمْ بِتَقْوِيمٍ , وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لاَ يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ. وَلاَ كَيْفَ تُؤْخَذُ. وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى أَصْحَابِ تِلْكَ السِّلَعِ. كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا مُعَاوِيَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ : مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ , إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ , فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ. فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ , لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ , وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لاَ يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ ; فَلاَ يَصِحُّ , لاَِنَّهُ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ , وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : حدثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ : سَمِعْت أَبَا الأَسْوَدِ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ يَقُولُ : ذَكَرْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدِيثَ ابْنِ حَمَاسٍ فِي الْمَتَاعِ يُزَكَّى , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. فَقَالَ مَالِكٌ : يَحْيَى قَمَّاشٌ. قال أبو محمد : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْقُمَاشَ , وَهُوَ الْكُنَاسَةُ : أَيْ يَرْوِي عَمَّنْ لاَ قَدْرَ لَهُ ، وَلاَ يَسْتَحِقُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِلاَبَةَ فَمُرْسَلٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرُ بِعَقْلِهِ ، وَلاَ بِسِنِّهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ : أَنَّ تِلْكَ الأَمْوَالَ كَانَتْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَتْ لِلتُّجَّارِ أَمْوَالٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ , مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ , فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا , وَلاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ , وَهُوَ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي فَائِدَةِ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَالْمَاشِيَةِ حِينَ تُسْتَفَادُ , فَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ إذَا بَاعُوهُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّورِيِّ ، حدثنا حَمَّادٌ ، حدثنا قَتَادَةُ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ : يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ , وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا عَطَاءٌ : وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِهِ , عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ : فَصَحِيحٌ ; إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ , وَابْنَهُ. مِنْهَا لِلْمَالِكِيِّينَ الرِّوَايَةُ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ ; وَلِلْحَنَفِيِّينَ حُكْمُهُ فِي زَكَاةِ الرَّقِيقِ ; وَغَيْرِ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَابْنُهُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ : خَالَفُوا مَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا ; فَمَالِكٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَغَيْرِ الْمُدِيرِ , وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّنْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ , مَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ , وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِهِ. وَالشَّافِعِيُّ : يَرَى أَنْ لاَ يُزَكِّيَ الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إلاَّ الصَّيَارِفَةُ خَاصَّةً , وَلَيْسَ هَذَا ، عَنْ عُمَرَ , وَلاَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَكُلُّهُمْ يَرَى فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ ابْتَاعَهَا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ : أَنَّهَا لاَ زَكَاةَ فِيهَا , وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ ; ، وَلاَ فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا ; لَكِنْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلاً ; وَهَذَا خِلاَفُ عُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ ; فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِمَا رضي الله عنهما. وَقَدْ جَاءَ خِلاَفُ مَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ ، عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم . حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ الْخُوزِيُّ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَافِعٍ إذْ جَاءَهُ زِيَادٌ الْبَوَّابُ فَقَالَ لَهُ : إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : أَرْسِلْ زَكَاةَ مَالِك. فَقَامَ فَأَخْرَجَ مِائَةَ دِرْهَمٍ , وَقَالَ لَهُ : اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلاَمَ , وَقُلْ لَهُ : إنَّمَا الزَّكَاةُ فِي النَّاضِّ. قَالَ نَافِعٌ : فَلَقِيت زِيَادًا فَقُلْت لَهُ : أَبْلَغْته. قَالَ : نَعَمْ , قُلْت : فَمَاذَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ : قَالَ : صَدَقَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : مَا أَرَى الزَّكَاةَ إلاَّ فِي الْعَيْنِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ قَطَنٍ قَالَ : مَرَرْت بِوَاسِطَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَقَالُوا : قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : أَنْ لاَ تَأْخُذُوا مِنْ أَرْبَاحِ التُّجَّارِ شَيْئًا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : حدثنا مُعَاذٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ : أَتَيْت الْمَسْجِدَ وَقَدْ قُرِئَ الْكِتَابُ , فَقَالَ صَاحِبٌ لِي : لَوْ شَهِدْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْبَاحِ التُّجَّارِ أَنْ لاَ يُعْرَضَ لَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. فَهَذَا ابْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ نَافِعٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَائِشَةَ. وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد : وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ خِلاَفٌ فِي ذَلِكَ لَمَا وَجَبَتْ شَرِيعَةٌ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ لاَ يُشَكُّ فِي ، أَنَّهُ قَالَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَقَدْ أَسْقَطَ الْحَنَفِيُّونَ الزَّكَاةَ ، عَنِ الإِبِلِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْبَقَرِ الْمَعْلُوفَةِ , وَأَمْوَالِ الصِّغَارِ كُلِّهَا إلاَّ مَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ. وَأَسْقَطَ الْمَالِكِيُّونَ الزَّكَاةَ ، عَنْ أَمْوَالِ الْعَبِيدِ , وَالْحُلِيِّ. وَأَسْقَطَهَا الشَّافِعِيُّونَ ، عَنِ الْحُلِيِّ , وَعَنِ الْمَوَاشِي الْمُسْتَعْمَلَةِ. وَكُلُّ هَذَا خِلاَفٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مُصَدِّقًا فَقَالَ : مَنَعَ الْعَبَّاسُ , وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَابْنُ جَمِيلٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا , إنَّ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالُوا : فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ طُلِبَتْ مِنْهُ فِي دُرُوعِهِ , وَأَعْبُدِهِ ; ، وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا إلاَّ أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. قال أبو محمد : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ لاَ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ ، وَلاَ إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ , صَدَقَ عليه السلام , إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ; هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ , وَأَمَّا إعْمَالُ الظَّنِّ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَبَاطِلٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ , وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ، وَلاَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الإِبِلِ صَدَقَةٌ. وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ الأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ , وَعَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ ; فَمَنْ أَوْجَبَ زَكَاةً فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي كُلِّ مَا نُفِيَ عَنْهُ عليه السلام الزَّكَاةُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَصَحَّ عَنْهُ عليه السلام لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي : عَبْدِهِ , وَلاَ فَرَسِهِ , صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ عليه السلام قَالَ : قَدْ عَفَوْتُ ، عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ. وَأَنَّهُ عليه السلام ذَكَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي : الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْغَنَمِ , وَالْكَنْزِ فَسُئِلَ ، عَنِ الْخَيْلِ , فَقَالَ : الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ : هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ , وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ , وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَسُئِلَ ، عَنِ الْحَمِيرِ فَقَالَ : مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي الْخَيْلِ , وَالْحَمِيرِ , وَالْعَبِيدِ , وَقَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنْ لاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ ; فَلَوْ كَانَتْ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ , أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ عليه السلام زَكَاةٌ إذَا كَانَ لِتِجَارَةٍ : لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ ; فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْهُ عليه السلام فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا أَصْلاً. وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ , وَالْحَمِيرِ , وَالرَّقِيقِ , وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ , وَالْعَيْنِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمِنْ مُوجِبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ , وَمِنْ مَسْقَطٍ لِلزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ. وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ , وَلاَ فِي الرَّقِيقِ , وَلاَ فِي الْحَمِيرِ , وَلاَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ ; وَصَحَّ الإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ كَحُكْمِ هَذِهِ. فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ. ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةٌ ; وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَجْمَعَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي إيجَابِهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ ثُمَّ اُتُّجِرَ بِهَا بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا يَنْمَى , فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ ; لإِنَّ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ تَنْمَى قِيمَتُهَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا : الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ فِيهَا النَّمَاءُ. قلنا : وَفِيهَا أَيْضًا الْخَسَارَةُ , وَكَذَلِكَ الْحَمِيرُ تَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ , وَالْخَيْلُ تَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالإِبِلُ الْعَوَامِلُ تَنْمَى ، وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ يَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ , وَأَمْوَالُ الْعَبِيدِ تَنْمَى , وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ. قال أبو محمد : وَأَقْوَالُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالَتْ : تُزَكَّى عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ أَعْيَانِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ. وَطَائِفَةً قَالَتْ : بَلْ نُقَوِّمُهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : نُقَوِّمُهَا بِالأَحْوَطِ لِلْمَسَاكِينِ. وقال الشافعي : بَلْ رُبَّمَا اشْتَرَاهَا بِهِ ; فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ قَوَّمَهُ بِمَا هُوَ الأَغْلَبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. وقال مالك : مَنْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ أَبَدًا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ إلاَّ حَتَّى يَبِيعَ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ , فَإِذَا نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمٌ قَوَّمَ حِينَئِذٍ عُرُوضَهُ وَزَكَّاهَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ الدِّرْهَمِ هَاهُنَا , إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. فَكَيْفَ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ إلاَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ , أَوْ حَبَّةُ فِضَّةٍ , أَوْ فَلْسٌ ; كَيْفَ يَصْنَعُ. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي وَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ. وقال مالك : الْمُدِيرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُقَوِّمُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّي , وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَبَسَ عُرُوضَهُ سِنِينَ إلاَّ حَتَّى يَبِيعَ , فَإِذَا بَاعَ زَكَّى حِينَئِذٍ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : كِلاَهُمَا سَوَاءٌ , يُقَوِّمَانِ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّيَانِ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ لِي عَطَاءٌ : لاَ صَدَقَةَ فِي لُؤْلُؤٍ , وَلاَ فِي زَبَرْجَدٍ , وَلاَ يَاقُوتٍ , وَلاَ فُصُوصٍ ، وَلاَ عَرَضٍ ، وَلاَ شَيْءٍ لاَ يُدَارُ. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِين يُبَاعُ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا. وقال الشافعي : لاَ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ إلاَّ الصَّيَارِفَةُ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وقال أبو حنيفة ; وَمَالِكٌ ; بَلْ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرْبَحْهُ إلاَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا عَجَبًا. وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيفَةٌ جِدًّا لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلاً , وَأَكْثَرُ ذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ رَدَّ هَؤُلاَءِ هَذَا الاِخْتِلاَفَ إلَى كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمِ رَسُولِهِ r . وَهَلْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ نَصًّا أَوْ دَلِيلاً عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ. وَكُلُّهُمْ يَقُولُ : مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْقُنْيَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا , فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْقُنْيَةَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهَا ; فَاحْتَاطُوا لاِِسْقَاطِ الزَّكَاةِ الَّتِي أَوْجَبُوهَا بِجَهْلِهِمْ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ : مَنْ اشْتَرَى مَاشِيَةً لِلتِّجَارَةِ , أَوْ زَرَعَ لِلتِّجَارَةِ , فَإِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَسْقُطُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ; وَكَانَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ , وَلَوْ كَانَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَسْقَطَتْهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ; وَلَكِنَّ الْحَقَّ يَغْلِبُ الْبَاطِلَ. فَإِنْ قَالُوا : لاَ تَجْتَمِعُ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. قلنا : فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ لَيْتَ شِعْرِي إذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا أَوْ رَسُولُهُ r 642 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ زَكَاةَ فِي تَمْرٍ , وَلاَ بُرٍّ , وَلاَ شَعِيرٍ : حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُصِيبُهُ الْمَرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ; وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا ; وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ r . وَالْمُدُّ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفٍ إلَى رَطْلٍ وَرُبْعٍ عَلَى قَدْرِ رَزَانَةِ الْمُدِّ وَخِفَّتِهِ , وَسَوَاءٌ زَرَعَهُ فِي أَرْضٍ لَهُ أَوْ فِي أَرْضٍ لِغَيْرِهِ بِغَصْبِ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ جَائِزَةٍ , أَوْ غَيْرِ جَائِزَةٍ , إذَا كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مَغْصُوبٍ , سَوَاءٌ أَرْضَ خَرَاجٍ كَانَتْ أَوْ أَرْضَ عُشْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ ,. وَبِهِ يَقُولُ : مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ وقال أبو حنيفة : يُزَكَّى مَا قَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَثُرَ , فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيمَا أُصِيبَ فِيهَا , فَإِنْ كَانَتْ الأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةً فَالزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ لاَ عَلَى الزَّارِعِ , فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ , فَإِنْ قُضِيَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِمَا نَقَصَهَا الزَّرْعَ فَالزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ , وَإِنْ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِشَيْءٍ فَالزَّكَاةُ عَلَى الزَّارِعِ قَالَ : وَالْمُدُّ رَطْلاَنِ. فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ خَالَفَ فِيهَا الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ. وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ. وَأَخْطَأَ فِي هَذَا , لاَِنَّهُ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْخَبَرَ وَعَصَى الآخَرَ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , وَنَحْنُ أَطَعْنَا مَا فِي الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا , وَهُوَ قَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا , إذْ خَصَّ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ كَثِيرًا بِرَأْيِهِ , كَالْقَصَبِ , وَالْحَطَبِ , وَالْحَشِيشِ , وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ , وَلَمْ يَرَ أَنْ يَخُصَّهُ بِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَلِفَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُطَاقُ كَمَا قَدَّمْنَا وَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ مَا أُصِيبَ فِي عَرَصَاتِ الدُّورِ , وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ نَظِيرَ لَهَا. وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَانَ فَقَالَ : مَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّوْسِيقَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ , وَمَا كَانَ لاَ يَحْتَمِلُ التَّوْسِيقَ فَالزَّكَاةُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ صَاحِبُ قِيَاسٍ , وَهُوَ لَمْ يَرَ فِيمَا يُزَكَّى شَيْئًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَهَلاَّ قَاسَ الزَّرْعَ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ. فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعَ , وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدَ. وَأَمَّا الْمُدُّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَيُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلاَنِ , مَعَ الأَثَرِ الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ. وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لإِنَّ شَرِيكًا مُطَّرِحٌ , مَشْهُورٌ بِتَدْلِيسِ الْمُنْكَرَاتِ إلَى الثِّقَاتِ , وَقَدْ أَسْقَطَ حَدِيثَهُ الإِمَامَانِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ; وَتَاللَّهِ لاَ أَفْلَحَ مَنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْجُرْحَةِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لاَ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّ رَطْلاَنِ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ بِثُلُثَيْ الْمُدِّ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ يُعَيِّرُ لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ بِكَيْلٍ كَكَيْلِ الزَّيْتِ لاَ يَزِيدُ ، وَلاَ يَنْقُصُ. أَيْضًا فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلاَنِ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُجْزِئَ أَقَلُّ , وَهُمْ أَوَّلُ مُوَافِقٍ لَنَا فِي هَذَا , فَمَنْ تَوَضَّأَ عِنْدَهُمْ بِنِصْفِ رِطْلٍ أَجْزَأَهُ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الأَثَرِ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى الْجُهَنِيِّ : كُنْت عِنْدَ مُجَاهِدٍ فَأَتَى بِإِنَاءٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ تِسْعَةَ أَرْطَالٍ , عَشَرَةَ أَرْطَالٍ , فَقَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ الأَثَرِ الثَّابِتِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لإِنَّ مُوسَى قَدْ شَكَّ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ إلَى عَشَرَةٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ : إنَّ الصَّاعَ يَزِيدُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ ، وَلاَ فَلْسًا. وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام اغْتَسَلَ هُوَ وَعَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ يَسَعُ ثَلاَثَةَ أَمْدَادٍ ; وَأَيْضًا مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرْقُ , وَالْفَرْقُ : اثْنَا عَشَرَ مُدًّا , وَأَيْضًا بِخَمْسَةِ أَمْدَادٍ , وَأَيْضًا بِخَمْسَةِ مَكَاكِيَّ. وَكُلُّ هَذِهِ الآثَارِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَالإِسْنَادِ الْوَثِيقِ الثَّابِتِ الْمُتَّصِلِ , وَالْخَمْسَةُ مَكَاكِيَّ : خَمْسُونَ مُدًّا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُعَيِّرْ لَهُ الْمَاءَ لِلْغُسْلِ بِكَيْلٍ كَكَيْلِ الزَّيْتِ , وَلاَ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِإِنَاءَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ بَلْ قَدْ تَوَضَّأَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَر بِلاَ مُرَاعَاةٍ لِمِقْدَارِ الْمَاءِ. هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا التَّحْدِيدِ فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ اغْتَسَلَ نِصْفَ صَاعٍ لاََجْزَأهُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآثَارِ الْوَاهِيَةِ. وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَتَيْنِ وَاهِيَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ : أَنَّ الْقَفِيزَ الْحَجَّاجِيَّ قَفِيزُ عُمَرَ , أَوْ صَاعُ عُمَرَ. وَالآُخْرَى مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : الْقَفِيزُ الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ. وَبِرِوَايَةٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ : عَيَّرْنَا صَاعَ عُمَرَ فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا. وَبِرِوَايَةٍ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ r ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ , وَمُدُّهُ رَطْلَيْنِ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ , وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ. أَمَّا حَدِيثُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ فَبَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَبَيْنَهُ مَنْ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ; وَمُجَالِدٌ ضَعِيفٌ , أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَمَا انْتَفَعُوا بِهِ ; لاَِنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِي صَاعِ عُمَرَ t ، وَلاَ فِي قَفِيزِهِ , إنَّمَا نَازَعْنَاهُمْ فِي صَاعِ النَّبِيِّ r وَلَسْنَا نَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ : صَاعٌ , وَقَفِيزٌ , وَمُدٌّ. رَتَّبَهُ لاَِهْلِ الْعِرَاقِ لِنَفَقَاتِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ ; كَمَا بِمِصْرَ الْوَيْبَةُ وَالإِرْدَبُّ ; وَبِالشَّامِ الْمُدُّ وَكَمَا كَانَ لِمَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ اخْتَرَعَهُ , وَلِهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ مُدٌّ اخْتَرَعَهُ , وَلاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ فِي صَاعِ النَّبِيِّ r وَمُدِّهِ : فَقَوْلُ إبْرَاهِيمَ , وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ فِي الرَّغْبَةِ عَنْهُمَا إذَا خَالَفَا الصَّوَابَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيّ ، حدثنا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ , فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِّينَا ، عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالْمُدِّ الأَصْغَرِ مُدُّ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَنْهُ أَيْضًا فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ بِالصَّاعِ الأَوَّلِ صَاعِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ بِمُدِّ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُدِّ الأَوَّلِ فَصَحَّ أَنَّ بِالْمَدِينَةِ صَاعًا , وَمُدًّا غَيْرَ مُدِّ النَّبِيِّ r . وَلَوْ كَانَ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ r لَمَا نُسِبَ إلَى عُمَرَ أَصْلاً دُونَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ , وَلاَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا دُونَ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَصَحَّ بِلاَ شَكٍّ أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ إنَّمَا رَتَّبَهُ هِشَامٌ , وَأَنَّ صَاعَ عُمَرَ إنَّمَا رَتَّبَهُ عُمَرُ. هَذَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ صَاعٌ يُقَالُ لَهُ " صَاعُ عُمَرَ " فَإِنَّ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَمُدَّهُ مَنْسُوبَانِ إلَيْهِ لاَ إلَى غَيْرِهِ , بَاقِيَانِ بِحَسَبِهِمَا. وَأَمَّا حَقِيقَةُ الصَّاعِ الْحَجَّاجِيِّ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ : صَاعِي هَذَا صَاعُ عُمَرَ أَعْطَتْنِيهِ عَجُوزٌ بِالْمَدِينَةِ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فَرِوَايَتُهُ هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ , وَهَذَا أَصْلُ صَاعِ الْحَجَّاجِ , فَلاَ كَثُرَ ، وَلاَ طِيبَ ، وَلاَ بُورِكَ فِي الْحَجَّاجِ ، وَلاَ فِي صَاعِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحُمَيْدِ ، عَنْ يَزِيدَ ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : الصَّاعُ يَزِيدُ عَلَى الْحَجَّاجِيِّ مِكْيَالاً. فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r . كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ , قَالَ إِسْحَاقُ ، عَنِ الْمُلاَئِيِّ وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ : حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ. فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ ، عَنْ مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِقْدَارِهِ عِنْدَهُمْ , وَلاَ عَنْ مَوَازِينِ أَهْلِ مَكَّةَ , وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ " لاَ يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ مُدَّ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي بِهِ تُؤَدَّى الصَّدَقَاتُ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفٍ , وَلاَ أَقَلَّ مِنْ رَطْلٍ وَرُبْعٍ ". وقال بعضهم : رَطْلٌ وَثُلُثٌ , وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلاَفًا ; لَكِنَّهُ عَلَى حَسَبِ رَزَانَةِ الْمَكِيلِ مِنْ الْبُرِّ , وَالتَّمْرِ , وَالشَّعِيرِ : حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ مُدَّ النَّبِيِّ r الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ الصَّدَقَاتِ : رَطْلٌ وَنِصْفٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : صَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد : وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ r . حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : ذَكَرَ أَبِي أَنَّهُ عَيَّرَ مُدَّ النَّبِيِّ r بِالْحِنْطَةِ فَوَجَدَهَا رَطْلاً وَثُلُثًا فِي الْبُرِّ , قَالَ : وَلاَ يَبْلُغُ مِنْ التَّمْرِ هَذَا الْمِقْدَارُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : دَفَعَ إلَيْنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْمُدَّ , وَقَالَ هَذَا مُدُّ مَالِكٍ , وَهُوَ عَلَى مِثَالِ مُدِّ النَّبِيِّ r فَذَهَبْت بِهِ إلَى السُّوقِ , وَخُرِطَ لِي عَلَيْهِ مُدٌّ وَحَمَلْته مَعِي إلَى الْبَصْرَةِ , فَوَجَدْته نِصْفَ كَيْلَجَةٍ بِكَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ , يَزِيدُ عَلَى كَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ شَيْئًا يَسِيرًا خَفِيفًا , إنَّمَا هُوَ شَبِيهٌ بِالرُّجْحَانِ الَّذِي لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الأَجْزَاءِ , وَنِصْفُ كَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ هُوَ رُبْعُ كَيْلَجَةِ بَغْدَادَ فَالْمُدُّ : رُبْعُ الصَّاعِ , وَالصَّاعُ مِقْدَارُ كَيْلَجَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ يَزِيدُ الصَّاعُ عَلَيْهَا شَيْئًا يَسِيرًا. قال أبو محمد : وَخُرِطَ لِي مُدٌّ عَلَى تَحْقِيقِ الْمُدِّ الْمُتَوَارَثِ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ , وَهُوَ عِنْدَ أَكْبَرِهِمْ لاَ يُفَارِقُ دَارِهِ , أُخْرِجُهُ إلَى ثِقَتِي الَّذِي كَلَّفْته ذَلِكَ : عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُدُّ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَبِي جَدِّهِ أَخَذَهُ وَخَرَطَهُ عَلَى مُدِّ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ , وَأَخْبَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّهُ خَرَطَهُ عَلَى مُدِّ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى , الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى , وَخَرَطَهُ يَحْيَى عَلَى مُدِّ مَالِكٍ , وَلاَ أَشُكُّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ صَحَّحَهُ أَيْضًا عَلَى مُدِّ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ بِالْمَدِينَةِ. قال أبو محمد : ثُمَّ كِلْته بِالْقَمْحِ الطَّيِّبِ , ثُمَّ وَزَنْته فَوَجَدَتْهُ رَطْلاً وَاحِدًا وَنِصْفَ رَطْلٍ بِالْفُلْفُلِيِّ , لاَ يَزِيدُ حَبَّةً , وَكِلْته بِالشَّعِيرِ , إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّيِّبِ ; فَوَجَدْتُهُ رَطْلاً وَاحِدًا وَنِصْفَ أُوقِيَّةً. قال أبو محمد : وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ بِالْمَدِينَةِ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ , وَصَالِحِهِمْ وَطَالِحِهِمْ , وَعَالِمِهِمْ وَجَاهِلِهِمْ , وَحَرَائِرِهِمْ وَإِمَائِهِمْ , كَمَا نَقَلَ أَهْلُ مَكَّةَ مَوْضِعَ الصَّفَا , وَالْمَرْوَةِ , وَالاِعْتِرَاضُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ كَالْمُعْتَرِضِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فِي مَوْضِعِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَمَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَالْبَقِيعِ , وَهَذَا خُرُوجٌ ، عَنِ الدِّيَانَةِ وَالْمَعْقُولِ. قال أبو محمد : وَبَحَثْت أَنَا غَايَةَ الْبَحْثِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ وَثِقْت بِتَمْيِيزِهِ , فَكُلٌّ اتَّفَقَ لِي عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ : اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلاَثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ بِالْحَبِّ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ , وَالدِّرْهَمَ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ ; فَوَزْنُ الدِّرْهَمِ الْمَكِّيِّ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ حَبَّةٍ , فَالرَّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاحِدَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِالدِّرْهَمِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَوَقَفَ عَلَى أَمْدَادِ أَهْلِهَا. وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ الْوَسْقُ ; لاَِنَّهُ مِنْ وَسْقِ الْبَعِيرِ. قال أبو محمد : وَهَذَا طَرِيفٌ فِي الْهُوجِ جِدًّا وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ لَهُ بِذَلِكَ وَهَلاَّ قَالَ : لاَِنَّهُ وَسْقُ الْحِمَارِ , ثُمَّ أَيْضًا فَإِنَّ الْوِسْقَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ عِنْدَهُمْ : سِتَّةَ عَشَرَ رُبْعًا بِالْقُرْطُبِيِّ , وَحِمْلُ الْبَعِيرِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْمِقْدَارِ بِنَحْوِ نِصْفِهِ. وَأَمَّا إسْقَاطُهُمْ الزَّكَاةَ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ بُرٍّ , وَتَمْرٍ , وَشَعِيرٍ ; فَفَاحِشٌ جِدًّا , وَعَظِيمٌ مِنْ الْقَوْلِ. وَإِسْقَاطٌ لِلزَّكَاةِ الْمُفْتَرَضَةِ. وَمَوَّهُوا فِي هَذَا بِطَوَامَّ , مِنْهَا : أَنْ قَالَ قَائِلُهُمْ : إنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ. قال أبو محمد : وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ ; لإِنَّ عُمَرَ t إنَّمَا ضَرَبَ الْخَرَاجَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ , وَلاَ زَكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ. فَإِنْ ادَّعَى : أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقَدْ كَذَبَ جِدًّا , وَلاَ يَجِدُ هَذَا أَبَدًا ; وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ عُمَرَ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْهُمْ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الصَّلاَةَ عَنْهُمْ ، وَلاَ فَرْقَ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ قَوْلِهِ : مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا , وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّيْهَا وَدِينَارَهَا , وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا , وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ , قَالُوا : فَأَخْبَرَ عليه السلام بِمَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَرَضِينَ , وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ فِيهَا زَكَاةً ; وَلَوْ كَانَ فِيهَا زَكَاةٌ لاََخْبَرَ بِهَا. قال أبو محمد : مِثْلُ هَذَا لَيْسَ لاِِيرَادِهِ وَجْهٌ ; إلاَّ لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى مَنْ سَمِعَهُ عَلَى خَلاَصِهِ مِنْ عَظِيمِ مَا اُبْتُلُوا بِهِ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ , وَمُعَارَضَةِ الْحَقِّ بِأَغَثِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَلاَمِ. وَلَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ مَعْقُولٍ وَجَدُوا أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ. وَهَلْ يَقُولُ هَذَا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ التَّمْيِيزِ. وَهَلْ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ لاَِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَرْقٌ , وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الصَّلاَةَ وَالْحَجَّ لاَِنَّهُمَا لَمْ يُذْكَرَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَصَدَ بِهَذَا الْخَبَرِ ذِكْرَ مَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَرَضِينَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَهُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r لِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ سَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ أَهْلِهَا. وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ انْتَظَمَ ذِكْرَ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ أَوَّلِهَا ، عَنْ آخِرِهَا , نَعَمْ , وَلاَ سُورَةٌ أَيْضًا. وَإِنَّمَا قَصَدَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ الإِنْذَارَ بِخَلاَءِ أَيْدِي الْمُفْتَتِحِينَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ مِنْ أَخْذِ طَعَامِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَدَنَانِيرِهَا فَقَطْ ; وَقَدْ ظَهَرَ مَا أَنْذَرَ بِهِ عليه السلام. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا زَعَمُوا ; لاَِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ , وَكَانَ أَرْبَابُ أَرَاضِي الشَّامِ , وَمِصْرَ , وَالْعِرَاقِ مُسْلِمِينَ ; فَمَنْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا وَمِنْ الْمَانِعِ مَا ذَكَرَ مَنْعَهُ. هَذَا تَخْصِيصٌ مِنْهُمْ بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ , وَلَوْ قِيلَ لَهُمْ : بَلْ فِي قَوْلِهِ عليه السلام : فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْخَرَاجِ وَبُطْلاَنِهِ , إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا خَرَاجٌ لَذَكَرَهُ عليه السلام. وَالْعَجَبُ أَيْضًا إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ ، عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ فَأَسْقَطُوا فَرْضَيْنِ مِنْ فَرَائِضِ الإِسْلاَمِ بِرَأْيِ صَاحِبٍ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَخَالَفُوا ذَلِكَ الصَّاحِبَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا ; لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الْجِزْيَةِ مَعَ الْخَرَاجِ ; فَمَرَّةً يَكُونُ فِعْلُهُ حُجَّةً يُخَالِفُ بِهَا الْقُرْآنَ , وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ , فَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَطُّ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ ; وَمَرَّةً لاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً أَصْلاً وَمَعَهُ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْخَرَاجِ قِيلَ لَهُمْ : وَالصَّحَابَةُ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَرَاجِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ بِلاَ شَكٍّ ; ، وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إيجَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ إذَا مَلَكَهَا , وَإِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ , وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا مَلَكَا أَرْضَ الْعُشْرِ , وَإِسْقَاطُ الْخَرَاجِ عَنْهُمَا وَفَاعِلُ هَذَا مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ. وَقَالُوا : لاَ يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. قال أبو محمد : كَذَبُوا وَأَفِكُوا بَلْ تَجْتَمِعُ حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ ; وَلَوْ أَنَّهَا أَلْفُ حَقٍّ , وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ ; وَهُمْ يُوجِبُونَ الْخُمْسَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزَّكَاةِ أَيْضًا ; إمَّا عِنْدَ الْحَوْلِ , وَأَمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ بَلَغَ حَوْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ; وَيُوجِبُونَ أَيْضًا الْخَرَاجَ فِي أَرْضِ الْمَعْدِنِ إنْ كَانَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَغْلِيبُهُمْ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ فَأَسْقَطُوهَا بِهِ , ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمَاشِيَةِ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ , فَأَسْقَطُوهَا بِهَا ; ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ , فَأَسْقَطُوهَا بِهَا ; فَمَرَّةً رَأَوْا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْكَدَ مِنْ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ , وَمَرَّةً رَأَوْا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَوْلَى مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ. وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : يَرَى أَنْ يُزَكَّى مَا زُرِعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لاَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةِ. وَذَكَرْنَا هَذَا لِئَلاَّ يَدَّعُوا فِي ذَلِكَ إجْمَاعًا , فَهَذَا أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ. وَإِنَّ تَنَاقُضَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ لَظَاهِرٍ فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ ، عَنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِبْقَائِهِمْ إيَّاهَا مَعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَنَاقَضَ الْحَنِيفِيُّونَ إذْ أَثْبَتُوا الإِجَارَةَ وَالزَّكَاةَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَشُرَيْكٌ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. وَقَالَ سُفْيَانُ , وَأَحْمَدُ : إنْ فَضَلَ بَعْدَ الْخَرَاجِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَلاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَمْوِيهِهِمْ بِالثَّابِتِ ، عَنْ عُمَرَ t مِنْ قَوْلِهِ إذْ أَسْلَمَتْ دِهْقَانَةُ نَهَرَ الْمَلِكِ إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا أَوْ أَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا , وَإِلاَّ فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُ هَذَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ إنْكَارُ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِلْمُسْلِمِ. وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ عَقَلَ ذُو عَقْلٍ قَطُّ أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَمَّا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ. وَهَذَا مَكَانٌ لاَ يُقَابَلُ إلاَّ بِالتَّعَجُّبِ , وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الرَّافِعِ لاَ عَلَى الأَرْضِ إجْمَاعُ الآُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الْعُشْرَ مِنْ غَيْرِ الَّذِي أَصَابَ فِي تِلْكَ الأَرْضِ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ ; وَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مِنْ عَيْنِ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ فَصَحَّ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ الرَّافِعِ ; لاَ فِي الأَرْضِ 643 - مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ مَا أُصِيبَ فِي الأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِلْغَاصِبِ ; لإِنَّ غَصْبَهُ الأَرْضِ لاَ يُبْطِلُ مِلْكَهُ ، عَنْ بَذْرِهِ ; فَالْبَذْرُ إذَا كَانَ لَهُ فَمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ فَلَهُ ; وَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَقُّ الأَرْضِ فَقَطْ ; فَفِي حِصَّتِهِ مِنْهُ الزَّكَاةُ , وَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ وَمِلْكٌ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ الأَرْضُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ , أَوْ الْمَأْخُوذَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا , أَوْ الْمَمْنُوحَةُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام : فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَذْرُ مَغْصُوبًا فَلاَ حَقَّ لَهُ ; ، وَلاَ حُكْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ; سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِهِ نَفْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهَا , وَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ، وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ غَاصِبَ الْبَذْرِ إنَّمَا أَخَذَهُ بِالْبَاطِلِ , وَكَذَلِكَ كُلُّ بَذْرٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَكْلُهُ , وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ , وَلَيْسَ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِمُبِيحٍ لَهُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ. فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ , لإِنَّ رَاوِيَهُ مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ وَرَدَ فِي عَبْدٍ بِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ ; وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلاَلِ , لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا ; فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَوْلاَدَ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ الإِمَاءِ وَالْحَيَوَانِ لِلْغَاصِبِ بِهَذَا الْخَبَرِ ; وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ. 644 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ - مِنْ الْبُرِّ , أَوْ التَّمْرِ , أَوْ الشَّعِيرِ - خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَصَاعِدًا , فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى بِسَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ , أَوْ عَيْنٍ , أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ . وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِسَاقِيَةٍ , أَوْ نَاعُورَةٍ , أَوْ دَلْوٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ , فَإِنْ نَقَصَ عَنِ الْخَمْسَةِ الأَُوْسُقِ - مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ , أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ r ، قَالَ : فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ , وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ قَوْلِهِ عليه السلام : وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ , مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ . فَصَحَّ أَنَّ مَا نَقَصَ عَنِ الْخَمْسَةِ الأَُوْسُقِ نُقْصَانًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ . وَالْعَجَبُ مِنْ تَغْلِيبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْخَبَرَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ عَلَى حَدِيثِ الأَُوْسُقِ الْخَمْسَةِ , وَغَلَّبَ قَوْلَهُ عليه السلام : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ , وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الإِبِلِ صَدَقَةٌ عَلَى قَوْلِهِ عليه السلام : فِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَعَلَى قَوْلِهِ عليه السلام : مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلِ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
645 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يُضَمُّ قَمْحٌ إلَى شَعِيرٍ , وَلاَ تَمْرٌ إلَيْهِمَا.
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَأَبُو يُوسُفَ : يُضَمُّ كُلُّ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ : مِنْ الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ وَالآُرْزُ , وَالذُّرَةِ , وَالدَّخَنِ , وَجَمِيعِ الْقَطَانِيِّ , بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضِ , فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا ذَكَرْنَا , وَإِلاَّ فَلاَ وقال مالك : الْقَمْحُ , وَالشَّعِيرُ , وَالسُّلْتُ : صِنْفٌ وَاحِدٌ , يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ , فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ , وَإِلاَّ فَلاَ ; وَيُجْمَعُ الْحِمَّصُ , وَالْفُولُ , وَاللُّوبِيَا , وَالْعَدَسُ , وَالْجُلُبَّانُ وَالْبَسِيلَةُ , بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. وَلاَ يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ , وَلاَ إلَى الشَّعِيرِ ، وَلاَ إلَى السُّلْتِ. قَالَ : وَأَمَّا الآُرْزُ , وَالذُّرَةُ , وَالسِّمْسِمُ , فَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ , لاَ يُضَمُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَيَّ شَيْءٍ أَصْلاً وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْعَلَسِ , فَمَرَّةٌ قَالَ : يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ ; وَمَرَّةٌ قَالَ : لاَ يُضَمُّ إلَى شَيْءٍ أَصْلاً وَرَأَى الْقَطَانِيَّ فِي الْبُيُوعِ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً , حَاشَا اللُّوبِيَا , وَالْحِمَّصَ ; فَإِنَّهُ رَآهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفًا وَاحِدًا قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ ; فَظَاهِرُ الْخَطَأِ جُمْلَةً , لاَ يَحْتَاجُ مِنْ إبْطَالِهِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ , وَلاَ جَمَعَ هَذَا الْجَمْعَ , وَلاَ فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ قَبْلَهُ ، وَلاَ مَعَهُ ، وَلاَ بَعْدَهُ , إلاَّ مَنْ قَلَّدَهُ , وَمَا لَهُ مُتَعَلَّقٌ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ يُعْرَفُ لَهُ وَجْهُ , وَلاَ مِنْ احْتِيَاطٍ أَصْلاً وَأَمَّا مَنْ رَأَى جَمْعَ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. قال أبو محمد : وَلَوْ لَمْ يَأْتِ إلاَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ. لَكِنْ قَدْ خَصَّهُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَحِلُّ فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ , وَلاَ يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقِيَ ، وَلاَ يَحِلُّ فِي الإِبِلِ زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ ذَوْدٍ. فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ r الزَّكَاةَ عَمَّا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْبُرِّ , فَبَطَل بِهَذَا إيجَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ; مَجْمُوعًا إلَى شَعِيرٍ أَوْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ. قال أبو محمد : وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى أَنْ لاَ يُجْمَعَ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ , وَمَا نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الآخَرِ إلاَّ كَنِسْبَةِ الْبُرِّ مِنْ الشَّعِيرِ ; فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعُوا , وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا , وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ كُلِّ مَنْ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْخَمْسَةِ الأَوْسُقِ فَصَاعِدًا لاَ فِي أَقَلَّ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ التَّمْرُ إلَى الْبُرِّ , وَلاَ إلَى الشَّعِيرِ. 646 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا أَصْنَافُ الْقَمْحِ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ; وَكَذَلِكَ تُضَمُّ أَصْنَافُ الشَّعِيرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ; وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ التَّمْرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ الْعَجْوَةُ , وَالْبَرْنِيُّ , وَالصَّيْحَانِيُّ وَسَائِرُ أَصْنَافِهِ. وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ; لإِنَّ اسْمَ بُرٍّ يَجْمَعُ أَصْنَافَ الْبُرِّ ; وَاسْمَ تَمْرٍ يَجْمَعُ أَصْنَافَ التَّمْرِ ; وَاسْمَ شَعِيرٍ يَجْمَعُ أَصْنَافَ الشَّعِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 647 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُونَ شَتَّى فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ ; أَوْ فِي قُرًى شَتَّى فِي عَمَلِ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي أَعْمَالٍ شَتَّى وَلَوْ أَنَّ إحْدَى أَرْضَيْهِ فِي أَقْصَى الصِّينِ , وَالآُخْرَى إلَى أَقْصَى الأَنْدَلُسِ : فَإِنَّهُ يَضُمُّ كُلَّ قَمْحٍ أَصَابَ فِي جَمِيعِهَا بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ ; وَكُلَّ شَعِيرٍ أَصَابَهُ فِي جَمِيعِهَا بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ , فَيُزَكِّيهِ ; لاَِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالزَّكَاةِ فِي ذَاتِهِ , مُرَتَّبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ , دُونَ أَنْ يَخُصَّ اللَّهَ تَعَالَى ; أَوْ رَسُولَهُ r بِذَلِكَ مَا كَانَ فِي طُسُوجٍ وَاحِدًا , أَوْ رُسْتَاقٍ وَاحِدٍ : مِمَّا فِي طُسُّوجَيْنِ , أَوْ رُسْتَاقَيْنِ ; وَتَخْصِيصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ : بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 648 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَقَطَ السُّنْبُلَ فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْبُرِّ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا , وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَلِكَ : فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا , الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ , أَوْ بِالنَّهْرِ أَوْ بِالْعَيْنِ , أَوْ بِالسَّاقِيَّةِ , وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ ; ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى مَنْ الْتَقَطَ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَبِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَهَا عَلَى مَالِكِهَا الَّذِي يَخْرُجُ فِي مِلْكِهِ الْحَبُّ مِنْ سُنْبُلِهِ إلَى إمْكَانِ كَيْلِهِ ; وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مَنْ أَصَابَهُ مِنْ حَرْثِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ حَرْثِهِ ; ، وَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ الَّذِي الْتَقَطَ هَذَا مِنْهُ ; لاَِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ إمْكَانِ الْكَيْلِ فِيهِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا الْتَقَطَ مِنْ التَّمْرِ ; لإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ ; بِخِلاَفِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 649 - مَسْأَلَةٌ : وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ وَالإِزْهَاءُ : هُوَ احْمِرَارُهُ فِي ثِمَارِهِ وَعَلَى مَنْ مَلَكَ الْبُرَّ , وَالشَّعِيرَ قَبْلَ دِرَاسِهِمَا , وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا مِنْ التِّبْنِ وَكَيْلِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ ذَلِكَ , مِنْ مِيرَاثٍ , أَوْ هِبَةٍ , أَوْ ابْتِيَاعٍ , أَوْ صَدَقَةٍ , أَوْ إصْدَاقٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ ، عَنِ التَّمْرِ قَبْلَ الإِزْهَاءِ , وَلاَ عَلَى مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ الإِزْهَاءِ , وَلاَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ ، عَنِ الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ , قَبْلَ دِرَاسِهِمَا وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا ; ، وَلاَ عَلَى مَنْ مَلَكَهُمَا بَعْدَ إمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ ، وَلاَ تَمْرٍ صَدَقَةٌ فَلَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ r فِي الْحَبِّ صَدَقَةٌ إلاَّ بَعْدَ إمْكَانِ تَوْسِيقِهِ ; فَإِنَّ صَاحِبَهُ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِكَيْلِهِ وَإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِ ; فَلَيْسَ تَأْخِيرُهُ الْكَيْلَ وَهُوَ لَهُ مُمْكِنٌ بِمُسْقِطٍ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ; ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى التَّوْسِيقِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الدِّرَاسِ أَصْلاً ; فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ الدِّرَاسِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْهَا ، وَلاَ رَسُولَهُ r . فَمَنْ سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ قَبْلَ الدِّرَاسِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ , أَوْ إصْدَاقٍ : أَوْ مَوْتٍ , أَوْ جَائِحَةٍ , أَوْ نَارٍ , أَوْ غَرَقٍ , أَوْ غَصْبٍ فَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا , وَلاَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ الَّذِي خُوطِبَ بِزَكَاتِهِ ; فَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَلَكَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ التَّمْرُ كَذَلِكَ ; لإِنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ إذَا بَدَا طِيبُهُ , كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ إذَا يَبِسَا وَاسْتَغْنَيَا ، عَنِ الْمَاءِ. سَأَلْنَاهُ ، عَنِ الدَّلِيلِ عَلَى دَعْوَاهُ هَذِهِ ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَعَارَضْنَاهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى عَلَى مَنْ بَاعَ زَرْعًا أَخْضَرَ قَصِيلاً فَفَصَلَهُ الْمُشْتَرِي وَأَطْعَمَهُ دَابَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَبِّ : أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ , عُشْرُ الثَّمَنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ , وَلاَ سَبِيلَ لاَِحَدِهِمَا إلَى تَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى الآخَرِ وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ قَبْلَ دِرَاسِهِ : لَكَانَ وَاجِبًا إذَا أَدَّى الْعُشْرَ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي سُنْبُلِهِ أَنْ يُجْزِئَهُ ; وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ 650 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا النَّخْلُ فَإِنَّهُ إذَا أَزْهَى خُرِصَ وَأُلْزِمَ الزَّكَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا , وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ ; وَالزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ قَالَ : سَمِعْت خُبَيْبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ يُحَدِّثُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ قَالَ : أَتَانَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا أَوْ دَعُوا الثُّلُثَ ; فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوا فَدَعُوا الرُّبُعَ شَكَّ شُعْبَةُ فِي لَفْظَةِ تَأْخُذُوا وَ " تَدَعُوا " حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ. وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى الْيَهُودِ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ أَوَّلُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ , ثُمَّ يُخَيِّرُونَ الْيَهُودَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُوهَا إلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتَفْتَرِقُ. 651 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا خُرِصَ كَمَا ذَكَرْنَا فَسَوَاءٌ بَاعَ الثَّمَرَةَ صَاحِبُهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ أَجِيحَ فِيهَا : كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنْهُ ; لاَِنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ , وَأَطْلَقَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَأَمْكَنَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ , كَمَا لَوْ وَجَدَهَا , وَلاَ فَرْقَ 652 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا غَلِطَ الْخَارِصُ أَوْ ظَلَمَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ : رَدَّ الْوَاجِبَ إلَى الْحَقِّ , فَأُعْطِيَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا نَقَصَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَارِصِ ظُلْمٌ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ بِلاَ شَكٍّ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَلاَ تَعْتَدُوا فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ إلاَّ الْعُشْرَ , لاَ أَقَلُّ ، وَلاَ أَكْثَرُ , أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ , لاَ أَقَلُّ ، وَلاَ أَكْثَرُ , وَنُقْصَانُ الْخَارِصِ ظُلْمٌ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ وَإِسْقَاطٌ لِحَقِّهِمْ , وَكُلُّ ذَلِكَ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ. 653 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ ظَلَمَهُ أَوْ أَخْطَأَ ؟ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَ الْخَارِصُ عَدْلًا عَالِمًا , فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ جَائِرًا فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ ؟ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَائِرًا فَهُوَ فَاسِقٌ فَخَبَرُهُ مَرْدُودٌ . لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ . وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَتَعَرُّضُ الْجَاهِلِ لِلْحُكْمِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا لَا يَدْرِي جُرْحَةٌ ; وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ ; فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَوْلِيَتُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ . 654 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ خَرْصُ الزَّرْعِ أَصْلاً ; لَكِنْ إذَا حُصِدَ , وَدُرِسَ , فَإِنْ جَاءَ الَّذِي يَقْبِضُ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ فَقَعَدَ عَلَى الدُّرُوسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ فَلَهُ ذَلِكَ , وَلاَ نَفَقَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ خَرَصَ الزَّرْعَ , فَلاَ يَجُوزُ خَرْصُهُ ; لاَِنَّهُ إحْدَاثُ حُكْمٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. 655 - مَسْأَلَةٌ : وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ زَرْعٌ عِنْدَ حَصَادِهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمَسَاكِينِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ ; وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ قَبْلُ فِي بَابِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ ذِكْرِنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 656 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ سَاقَى حَائِطَ نَخْلٍ أَوْ زَارِعَ أَرْضِهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَيُّهُمَا وَقَعَ فِي سَهْمِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَذَلِكَ مِنْ بُرٍّ , أَوْ شَعِيرٍ : فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ , وَإِلاَّ فَلاَ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَصَاعِدًا فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ثَمَرَةِ نَخْلٍ بِحَبْسٍ , أَوْ ابْتِيَاعٍ , أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ , أَوْ الْعُمْيَانِ , أَوْ الْمَجْذُومِينَ , أَوْ فِي السَّبِيلِ , أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِأَهْلِهِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ , أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ : فَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا ذَكَرْنَا ; وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَى شَرِيكٍ مِنْ أَجْلِ ضَمِّ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ شَرِيكِهِ , قَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَمَّا مَنْ لاَ يَتَعَيَّنُ فَلَيْسَ يَصِحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لاَِحَدِهِمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ ; ، وَلاَ زَكَاةَ إلاَّ عَلَى مُسْلِمٍ يَقَعُ لَهُ مِمَّا يُصِيبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وقال أبو حنيفة فِي كُلِّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَهَذَا خَطَأٌ , لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ , وَإِنَّمَا الشَّرِيعَةُ عَلَى النَّاسِ , وَالْجِنِّ ; وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي أَرَاضِي الْكُفَّارِ فَإِنْ قَالُوا : الْخَرَاجُ نَابَ عَنْهَا قلنا : كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ r لاَ خَرَاجَ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِيمَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ ; وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ , وَبِإِجْمَاعِهِمْ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. وقال الشافعي : إذَا اجْتَمَعَ لِلشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ وَسَنَذْكُرُ بُطْلاَنَ هَذَا الْقَوْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ , وَجُمْلَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إيجَابُ شَرْعٍ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 657 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُدَّ الَّذِي لَهُ الزَّرْعُ أَوْ التَّمْرُ مَا أَنْفَقَ فِي حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ , أَوْ جَمْعٍ , أَوْ دَرْسٍ , أَوْ تَزْبِيلٍ أَوْ جِدَادٍ أَوْ حَفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - : فَيُسْقِطُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَسَوَاءٌ تَدَايَنَ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَدَايَنْ , أَتَتْ النَّفَقَةُ عَلَى جَمِيعِ قِيمَةِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ لَمْ تَأْتِ , وَهَذَا مَكَانٌ قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ ؟ - : حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , فِي الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَى ثَمَرَتِهِ , قَالَ أَحَدُهُمَا : يُزَكِّيهَا , وَقَالَ الآخَرُ : يَرْفَعُ النَّفَقَةَ وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ . وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِمَّا أَصَابَ النَّفَقَةَ , فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى , وَإِلَّا فَلَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ : الزَّكَاةُ جُمْلَةً إذَا بَلَغَ الصِّنْفُ مِنْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا ; وَلَمْ يُسْقِطْ الزَّكَاةَ عَنْ ذَلِكَ بِنَفَقَةِ الزَّارِعِ وَصَاحِبِ النَّخْلِ ; فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقٍّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ ؟ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِنَا , إلَّا أَنَّ مَالِكًا , وَأَبَا حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ تَنَاقَضُوا وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنِ الأَُمْوَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا إذَا كَانَ عَلَى صَاحِبِهَا دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهَا أَوْ يَسْتَغْرِقُ بَعْضَهَا ; فَأَسْقَطُوهَا عَنْ مِقْدَارِ مَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مِنْهَا . 658 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعُدَّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ مَا أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ فَرِيكًا أَوْ سَوِيقًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَلاَ السُّنْبُلَ الَّذِي يَسْقُطُ فَيَأْكُلُهُ الطَّيْرُ أَوْ الْمَاشِيَةُ أَوْ يَأْخُذُهُ الضُّعَفَاءُ , وَلاَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ حِينَ الْحَصَادِ ; لَكِنْ مَا صُفِّيَ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ إلاَّ حِينَ إمْكَانِ الْكَيْلِ , فَمَا خَرَجَ ، عَنْ يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ. وقال الشافعي : وَاللَّيْثُ , كَذَلِكَ. وقال مالك , وَأَبُو حَنِيفَةَ : يُعَدُّ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ. قال أبو محمد : هَذَا تَكْلِيفُ مَا لاَ يُطَاقُ , وَقَدْ يَسْقُطُ مِنْ السُّنْبُلِ مَا لَوْ بَقِيَ لاََتَمَّ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ , وَهَذَا لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ ، وَلاَ الْمَنْعُ مِنْهُ أَصْلاً. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. 659 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا التَّمْرُ : فَفَرْضٌ عَلَى الْخَارِصِ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ رُطَبًا عَلَى السَّعَةِ , لاَ يُكَلَّفُ عَنْهُ زَكَاةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وقال مالك , وَأَبُو حَنِيفَةَ : لاَ يَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا أَوْ دَعُوا الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ ، وَلاَ يَخْتَلِفُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ الَّذِينَ إجْمَاعُهُمْ الإِجْمَاعُ الْمُتَّبَعُ فِي أَنَّ هَذَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ إلَى الأَكْلِ رُطَبًا : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ , وَزَيْدٌ كِلاَهُمَا : عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ عَلَى خَرْصِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ : إذَا وَجَدْت الْقَوْمَ فِي نَخْلِهِمْ قَدْ خَرَفُوا فَدَعْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ , لاَ تَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ أَخْبَرَهُ ، عَنْ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ : أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَهُ خَارِصًا لِلنَّخْلِ , فَخَرَصَ مَال سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ سَبْعمِائَةِ وَسْقٍ , وَقَالَ : لَوْلاَ أَنِّي وَجَدْت فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا لَخَرَصْته تِسْعِمِائَةِ وَسْقٍ ; وَلَكِنِّي تَرَكْت لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ. قال أبو محمد : هَذَا فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَأَبِي حَثْمَةَ , وَسَهْلٍ , ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , لاَ مُخَالِفُ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْهُمْ , وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إذَا وَافَقَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ : يُزَكِّي مَا بَقِيَ بَعْدَمَا يَأْكُلُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلنُّصُوصِ كُلِّهَا. 660 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ كَانَ زَرْعٌ , أَوْ نَخْلٌ يُسْقَى بَعْضَ الْعَامِ بِعَيْنٍ , أَوْ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ , وَبَعْضَ الْعَامِ بِنَضْحٍ , أَوْ سَانِيَةٍ , أَوْ خَطَّارَةٍ , أَوْ دَلْوٍ , فَإِنْ كَانَ النَّضْحُ زَادَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً ظَاهِرَةً وَأَصْلَحَهُ : فَزَكَاتُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا ، وَلاَ أَصْلَحَ فَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ. قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : يُزَكِّي عَلَى الأَغْلَبِ مِنْ ذَلِكَ ; وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : حدثنا حمام ، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيٌّ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ : فِي الْمَالِ يَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ بَعْلاً عَامَّةَ الزَّمَانِ , ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى الْبِئْرِ يُسْقَى بِهَا فَقَالَ : إنْ كَانَ يُسْقَى بِالْعَيْنِ أَوْ الْبَعْلِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْقَى بِالدَّلْوِ : فَفِيهِ الْعُشْرُ , وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِالدَّلْوِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْقَى بِالْبَعْلِ : فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ : سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , وَعُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولاَنِ هَذَا الْقَوْلَ. وقال مالك مَرَّةً : إنَّ زَكَاتَهُ بِاَلَّذِي غَذَّاهُ بِهِ وَتَمَّ بِهِ , لاَ أُبَالِي بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ سَقْيِهِ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى : يُعْطِي نِصْفَ زَكَاتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُهَا نِصْفُ الْعُشْرِ , وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. قال أبو محمد : قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ r فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ بِنِصْفِ الْعُشْرِ , وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ السَّمَاءَ تَسْقِيه وَيُصْلِحُهُ مَاءُ السَّمَاءِ ; بَلْ قَدْ شَاهَدْنَا جُمْهُورَ السِّقَاءِ بِالْعَيْنِ وَالنَّضْحِ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ مَاءٌ السَّمَاءِ تَغَيَّرَ ، وَلاَ بُدَّ , فَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام لِذَلِكَ حُكْمًا ; فَصَحَّ أَنَّ النَّضْحَ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِلزَّرْعِ أَوْ النَّخْلِ فَزَكَاتُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ : وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. 661 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ زَرَعَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ أَوْ أَكْثَرَ , أَوْ حَمَلَتْ نَخْلَةٌ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَضُمُّ الْبُرَّ الثَّانِي ، وَلاَ الشَّعِيرَ الثَّانِي ، وَلاَ التَّمْرَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ ; وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ يُزَكِّهِ ; وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِانْفِرَادِهِ لَمْ يُزَكِّهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَا لَوَجَبَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَامَانِ أَوْ أَكْثَرُ ; وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ , وَإِذْ صَحَّ نَفْيُ رَسُولِ اللَّهِ r الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ رَاعَى الْمُجْتَمَعَ , لاَ زَرْعًا مُسْتَأْنَفًا لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
662 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ كَانَ قَمْحُ بِكِيرٍ أَوْ شَعِيرُ بِكِيرٍ أَوْ تَمْرُ بِكِيرٍ وَآخَرُ مِنْ جِنْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُؤَخَّرٌ , فَإِنْ يَبِسَ الْمُؤَخَّرُ أَوْ أَزْهَى قَبْلَ تَمَامِ وَقْتِ حَصَادِ الْبَكِيرِ وَجِدَادِهِ فَهُوَ كُلُّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَتَمْرٌ وَاحِدٌ , يَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ , وَتُزَكَّى مَعًا ; إنْ لَمْ يَيْبَسْ الْمُؤَخَّرُ ، وَلاَ أَزْهَى إلاَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ حَصَادِ الْبَكِيرِ فَهُمَا زَرْعَانِ وَتَمْرَانِ , يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ كُلَّ زَرْعٍ وَكُلَّ تَمْرٍ فَإِنَّ بَعْضَهُ يَتَقَدَّمُ بَعْضًا فِي الْيُبْسِ وَالإِزْهَاءِ ; وَإِنَّ مَا زُرِعَ فِي تَشْرِينَ الأَوَّلِ يَبْدَأُ يُبْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ مَا زُرِعَ فِي شُبَاطَ , إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقَضِي وَقْتُ حَصَادِ الأَوَّلِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الثَّانِي ; لاَِنَّهَا صِيفَةٌ وَاحِدَةٌ , وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ لاَ يَجْتَمِعُ وَقْتُ حَصَادِهِمَا ، وَلاَ يَتَّصِلُ وَقْتُ إزْهَائِهِمَا فَهُمَا زَمَنَانِ اثْنَانِ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبْكَرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا يَقِينًا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَنْ يُزْرَعَ فِي بِلاَدٍ مِنْ شِنْتَ بَرِيَّةَ , وَهِيَ مِنْ عَمَلِ مَدِينَةِ سَالِمٍ بِالأَنْدَلُسِ , فَإِنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الشَّعِيرَ فِي آخِرِ أَيْلُولَ وَهُوَ " شتنبر " لِغَلَبَةِ الثَّلْجِ عَلَى بِلاَدِهِمْ , حَتَّى يَمْنَعُهُمْ مِنْ زَرْعِهَا إنْ لَمْ يُبَكِّرُوا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ; وَيَتَّصِلُ الزَّرْعُ بَعْدَ ذَلِكَ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٌ أَيَّامٍ , فَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الأَعْوَامِ زَرِيعَةَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فِي صَدْرِ " آذَارٍ " وَهُوَ " مُرْسٍ ". وَأَبْكَرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا حَصَادُهُ فألش فألش " مِنْ عَمَلِ " تَدْمِيرَ " فَإِنَّهُمْ يَبْدَءُونَ بِالْحَصَادِ فِي أَيَّامٍ بَاقِيَةٍ مِنْ " نَيْسَانَ " وَهُوَ " أَبْرِيلُ " وَيَتَّصِلُ الْحَصَادُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَى صَدْرِ زَمَنِ " أَيْلُولَ " وَهُوَ " أُغِشَّتْ " وَهِيَ كُلُّهَا صِيفَةٌ وَاحِدَةٌ , وَاسْتِحْصَادٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ.
663 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ حُصِدَ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ ثُمَّ أُخْلِفَ فِي أُصُولِهِ زَرْعٌ فَهُوَ زَرْعٌ آخَرُ , لاَ يُضَمُّ إلَى الأَوَّلِ ; لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
664 - مَسْأَلَةٌ : وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ لاَ فِي عَيْنِ الْمَالِ ; قال أبو محمد : وَقَدْ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُ الْمُخَالِفِينَ فِي هَذَا. وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : هُوَ أَنْ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ مِنْ زَمَنِنَا إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَأَعْطَى زَكَاتَهُ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ التَّمْرِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الذَّهَبِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْفِضَّةِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الإِبِلِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْبَقَرِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْغَنَمِ : فَإِنَّهُ لاَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ , بَلْ سَوَاءٌ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ , أَوْ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِهَا , أَوْ مِمَّا يَشْتَرِي , أَوْ مِمَّا يُوهَبُ , أَوْ مِمَّا يُسْتَقْرَضُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي الْعَيْنِ إذْ لَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْبَتَّةُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهَا , وَلَوَجَبَ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا يُمْنَعُ مَنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ شَرِيكَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ الَّتِي هُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ إلاَّ بِتَرَاضِيهِمَا , وَعَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ لَكَانَتْ لاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ , أَوْ تَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ. فَلَوْ كَانَتْ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَحَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ رَأْسًا أَوْ حَبَّةً فَمَا فَوْقهَا ; لإِنَّ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ شَرِيكًا , وَلَحَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا , وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ. وَلَلَزِمَهُ أَيْضًا : أَنْ لاَ يُخْرِجَ الشَّاةَ إلاَّ بِقِيمَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِمَّا بَقِيَ , كَمَا يُفْعَلَ فِي الشَّرِكَاتِ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ; فَهَذَا بَاطِلٌ. وَكَانَ يَلْزَمُ أَيْضًا : مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ; لاَِنَّهُ كَانَ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَبِيعُ أَوْ يَأْكُلُ الَّذِي هُوَ حَقُّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. فَصَحَّ مَا قلنا يَقِينًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 665 - مَسْأَلَةٌ : فَكُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ مِنْ الأَمْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا , فَسَوَاءٌ تَلَفَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ إثْرِ إمْكَانِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ , إثْرِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا قَلَّ مِنْ الزَّمَنِ أَوْ كَثُرَ , بِتَفْرِيطٍ تَلَفَ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ : فَالزَّكَاةُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ كَمَا كَانَتْ لَوْ لَمْ يَتْلَفْ , وَلاَ فَرْقَ ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي عَيْنِ الْمَالِ وَإِنَّمَا قلنا : إثْرَ إمْكَانِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لاَِنَّهُ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ , وَالإِبِلُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ , إلاَّ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُزَكَّى بِالْغَنَمِ وَلَهُ غَنَمٌ حَاضِرَةٌ فَهَذَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ مِنْ الْغَنَمِ الْحَاضِرَةِ , وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْطُلَ بِالزَّكَاةِ حَتَّى يَبِيعَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. 666 - مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَعَزَلَهَا لِيَدْفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ أَوْ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَضَاعَتْ الزَّكَاةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا كُلِّهَا ، وَلاَ بُدَّ , لِمَا ذَكَرْنَا ; وَلاَِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوَصِّلَهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ وقال أبو حنيفة : إنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَحُدَّ لِذَلِكَ مُدَّةً فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ هَلَكَ ; فَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ فَقَطْ , قَلَّ أَوْ كَثُرَ ; ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلَفَ , فَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ; فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي عَيْنِ الْمَالِ , قلنا لَهُ : هَذَا بَاطِلٌ بِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا , ثُمَّ هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ الْبَاقِي لَيْسَ مِمَّا يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ ; لإِنَّ التَّالِفَ عِنْدَكُمْ لاَ زَكَاةَ فِيهِ لِتَلَفِهِ , وَالْبَاقِي لَيْسَ نِصَابًا , فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فَالتَّالِفُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا ; أَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ مُشَاعَةٌ فِي الْمَالِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالشَّرِكَةِ ; إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ إخْرَاجُهَا إلاَّ بِقِيمَةٍ مُحَقَّقَةٍ مَنْسُوبَةٍ مِمَّا بَقِيَ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا فِي زَكَاةِ الإِبِلِ , وَقَالَ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّعَامِ يَخْرُجُ ، عَنِ الطَّعَامِ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ ; فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وقال مالك : إنْ تَلَفَ النَّاضُّ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ ; وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ زَكَاةَ الطَّعَامِ فَتَلِفَتْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا , لاَ ، عَنِ الْكُلِّ ، وَلاَ عَمَّا بَقِيَ , فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَتَلَفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ زَكَاتِهِ قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ ; لإِنَّ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَتْ عَيْنًا مُعِينَةً ; بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ ، وَلاَ جُزْءًا مُشَاعًا فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ يَكُونُ مَنْ كَانَا عِنْدَهُ بِحَقٍّ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ ; فَإِذْ الزَّكَاةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى الْمُصَدِّقِ , أَوْ إلَى مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ : فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لاَ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَدًّى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ , وَجَرِيرٍ , وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , وَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ , وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ , قَالَ حَفْصٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ; و قَالَ جَرِيرٌ ، عَنِ الْمُغِيرَةَ ، عَنْ أَصْحَابِهِ ; وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ حَمَّادٍ , وَقَالَ زَيْدٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ ; وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ : فِيمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فَضَاعَتْ : أَنَّهَا لاَ تُجْزِي عَنْهُ وَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا ثَانِيَةً وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ : أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ - مَسْأَلَةٌ : وَأَيُّ بُرٍّ أَعْطَى , أَوْ أَيُّ شَعِيرٍ : فِي زَكَاتِهِ كَانَ أَدْنَى مِمَّا أَصَابَ أَوْ أَعْلَى : أَجْزَأَهُ , مَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا بِعَفَنٍ , أَوْ تَآكُلٍ , فَلاَ يُجْزِئُ ، عَنْ صَحِيحٍ , أَوْ مَا كَانَ رَدِيئًا بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ بِالنَّصِّ عُشْرُ مَكِيلَةِ مَا أَصَابَ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهَا إذَا كَانَتْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا , وَلَوْ كَانَ لاَ يُجْزِئُهُ أَدْنَى مِنْ صِفَةِ مَا أَصَابَ لَكَانَ لاَ يُجْزِئُهُ أَعْلَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ ; وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ , فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّصِّ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي أَصَابَ ; فَمَنْ ادَّعَى أَنْ لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ مِثْلَ صِفَةِ الَّتِي أَصَابَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلاَّ بِبُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إلاَّ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَعْطَى فَاسِدًا ، عَنْ صَحِيحٍ فَلاَِنَّ الْمَكِيلَةَ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَبِالإِجْمَاعِ , وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ الْعَفَنَ وَالْمُتَآكِلَ قَدْ نَقَصَا مِنْ الْمَكِيلَةِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَصْلاً , وَلاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ الْمَكِيلَةُ تَامَّةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 668 - مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ , أَيِّ تَمْرٍ أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ , سَوَاءٌ مِنْ جِنْسِ تَمْرِهِ , أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ , أَدْنَى مِنْ تَمْرِهِ أَوْ أَعْلَى , مَا لَمْ يَكُنْ رَدِيًّا كَمَا ذَكَرْنَا , أَوْ مَعْفُونًا أَوْ مُتَآكِلاً , أَوْ الْجُعْرُورُ , أَوْ لَوْنُ الْحُبَيْقِ فَلاَ يُجْزِئُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً , وَسَوَاءٌ كَانَ تَمْرُهُ كُلُّهُ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا , وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِتَمْرٍ سَالِمٍ غَيْرِ رَدِيءٍ , وَلاَ مِنْ هَذَيْنِ اللَّوْنَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ ، حدثنا الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ لَوْنَيْنِ مِنْ التَّمْرِ : الْجُعْرُورُ , وَلَوْنُ الْحُبَيْقِ , وَكَانَ النَّاسُ يَتَيَمَّمُونَ شِرَارَ ثِمَارِهِمْ فَيُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ ; فَنُهُوا ، عَنْ ذَلِكَ , وَنَزَلَتْ ، وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيِّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ السُّدِّيَّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَةِ بِأَدْنَى طَعَامِهِمْ , وَأَدْنَى تَمْرِهِمْ , فَنَزَلَتْ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ ، وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ. فإن قال قائل : الْخَبِيثُ لاَ يَكُونُ إلاَّ حَرَامًا قلنا : نَعَمْ , وَهَذَا الْمَنْهِيُّ ، عَنْ إخْرَاجِهِ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ حَرَامٌ فِيهَا , فَهُوَ خَبِيثٌ فِيهَا لاَ فِي غَيْرِهَا ; ، وَلاَ يُنْكَرُ كَوْنُ الشَّيْءِ طَاعَةً فِي وَجْهٍ مَعْصِيَةً فِي وَجْهٍ آخَرَ ; كَالأَكْلِ لِلصَّائِمِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ , هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى طَيِّبٌ حَلاَلٌ , وَلَوْ أَكَلَهُ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ لاََكَلَ حَرَامًا عَلَيْهِ خَبِيثًا فِي تِلْكَ الْحَالِ , وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ , هُمَا حَرَامَانِ خَبِيثَانِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ , وَهُمَا لِلْمُضْطَرِّ غَيْرِ الْمُتَجَانِفِ لاِِثْمٍ حَلاَلاَنِ طَيِّبَانِ غَيْرُ خَبِيثَيْنِ ; وَهَكَذَا أَكْثَرُ الأَشْيَاءِ فِي الشَّرَائِعِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حدثنا عَبَّادٌ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْجُعْرُورِ , وَلَوْنِ ابْنِ حُبَيْقٍ أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ : لَوْنَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ زَكَاةُ الْغَنَمِ. 669 - مَسْأَلَةٌ : الْغَنَمُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ , فَهِيَ مَجْمُوعٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ. وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الْمَاعِزِ وَالضَّأْنِ , كَضَأْنِ بِلاَدِ السُّودَانِ وَمَاعِزِ الْبَصْرَةِ وَالنَّفَدِ وَبَنَاتِ حَذَفٍ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ الْمَقْرُونُ الَّذِي نِصْفُهُ خِلْقَةُ مَاعِزٍ , وَنِصْفُهُ ضَأْنٍ , لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَنَمِ , وَالذُّكُورِ وَالإِنَاثِ سَوَاءٌ. وَاسْمُ الشَّاءِ أَيْضًا : وَاقِعٌ عَلَى الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللُّغَةِ. وَلاَ وَاحِدَ لِلْغَنَمِ مِنْ لَفْظِهِ , إنَّمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ : شَاةٌ , أَوْ مَاعِزَةٌ , أَوْ ضَانِيَةٌ , أَوْ كَبْشٌ , أَوْ تَيْسٌ : هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 670 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُسْلِمُ الْوَاحِدُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ رَأْسًا حَوْلاً كَامِلاً مُتَّصِلاً عَرَبِيًّا قَمَرِيًّا. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا , وَسَنَذْكُرُهُ فِي زَكَاةِ الْفَوَائِدِ , إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْمَاشِيَةِ , وَلَمْ يَحُدَّ وَقْتًا ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ هَذَا الْعُمُومِ مَتَى تَجِبُ الزَّكَاةُ , إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا عليه السلام فِي كُلِّ يَوْمٍ , وَلاَ فِي كُلِّ شَهْرٍ , وَلاَ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ فَصَاعِدًا , هَذَا مَنْقُولٌ بِإِجْمَاعٍ إلَيْهِ r فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي أَنَّهَا مَرَّةٌ فِي الْحَوْلِ , فَلاَ يَجِبُ فَرْضٌ إلاَّ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r . وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ , أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r لاَ بِنَقْلِ آحَادٍ ، وَلاَ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ ، وَلاَ بِنَقْلِ إجْمَاعٍ , وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْجَبَهَا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهَا بِنَقْلِ الإِجْمَاعِ ، عَنِ النَّبِيِّ r حِينَئِذٍ بِلاَ شَكٍّ ; فَالآنُ وَجَبَتْ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. قلنا : إنَّمَا تَجِبُ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْفَرْضِ بَعْدَ وُجُوبِهِ لاَ قَبْلَ وُجُوبِهِ , وَكَلاَمُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي أَخَوَاتِهَا إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ , فَإِذَا صَحَّ وُجُوبُ الْفَرْضِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْمُسَارَعَةُ إلَى أَدَائِهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , بِلاَ خِلاَفٍ وَأَمَّا قَوْلُنَا : أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ عَرَبِيًّا فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ الْحَوْلَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ. وَالأَشْهُرُ الْحُرُمُ لاَ تَكُونُ إلاَّ فِي الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يَسْأَلُونَكَ ، عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. وَلاَ يُعَدُّ بِالأَهِلَّةِ إلاَّ الْعَامُ الْعَرَبِيُّ ; فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ تَجِبُ شَرِيعَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِالشُّهُورِ أَوْ بِالْحَوْلِ إلاَّ بِشُهُورِ الْعَرَبِ , وَالْحَوْلِ الْعَرَبِيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 671 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا تَمَّتْ فِي مِلْكِهِ عَامًا كَمَا ذَكَرْنَا , سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَاعِزًا , أَوْ بَعْضُهَا أَكْثَرُهَا أَوْ أَقَلُّهَا ضَأْنًا , وَسَائِرُهَا كَذَلِكَ مِعْزَى : فَفِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لاَ نُبَالِي ضَانِيَةً كَانَتْ أَوْ مَاعِزَةً , كَبْشًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ كِلَيْهِمَا , كُلُّ رَأْسٍ تُجْزِئُ مِنْهُمَا ، عَنِ الضَّأْنِ , وَعَنِ الْمَاعِزِ ; وَهَكَذَا مَا زَادَتْ حَتَّى تَتِمَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَزَادَتْ لَوْ بَعْضَ شَاةٍ كَذَلِكَ عَامًا كَامِلاً كَمَا ذَكَرْنَا فَفِيهَا شَاتَانِ كَمَا قلنا , إلَى أَنْ تَتِمَّ مِائَتَيْ شَاةٍ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَزَادَتْ وَلَوْ بَعْضَ شَاةٍ كَذَلِكَ عَامًا كَامِلاً وَصَفْنَا فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ كَمَا حَدَّدْنَا ; وَهَكَذَا إلَى أَنْ تُتِمَّ أَرْبَعمِائَةِ شَاةٍ كَمَا وَصَفْنَا فَإِذَا أَتَمَّتْهَا كَذَلِكَ عَامًا كَامِلاً كَمَا ذَكَرْنَا فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. وَأَيَّ شَاةٍ أَعْطَى صَاحِبُ الْغَنَمِ فَلَيْسَ لِلْمُصَدِّقِ ، وَلاَ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ رَدُّهَا , مِنْ غَنَمِهِ كَانَتْ أَوْ مِنْ غَيْرِ غَنَمِهِ , مَا لَمْ تَكُنْ هَرِمَةً أَوْ مَعِيبَةً ; فَإِنْ أَعْطَاهُ هَرِمَةً ; أَوْ مَعِيبَةً فَالْمُصَدِّقُ مُخَيَّرٌ , إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ , وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَكَلَّفَهُ فَتِيَّةً سَلِيمَةً , وَلاَ نُبَالِي كَانَتْ تُجْزِئُ فِي الأَضَاحِيِّ أَوْ لاَ تُجْزِئُ وَالْمُصَدِّقُ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ أَوْ أَمِيرُهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَاتِ ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَ تَيْسًا ذَكَرًا إلاَّ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الْغَنَمِ ; فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ ; ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَ أَفْضَلَ الْغَنَمِ , فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي تَرْبَى أَوْ السَّمِينَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَفْضَلِ الْغَنَمِ جَازَ أَخْذُهَا ; فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَاضِلَةً أَخَذَ مِنْهَا إنْ أَعْطَاهُ صَاحِبُهَا , سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا كَانَ صَاحِبُهَا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مَا ذَكَرْنَا أَجَزَّأَ بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى الْمُسْلِمِينَ ; فَمَنْ سَأَلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا , وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطَ ". ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَشَاتَانِ ; فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ ; فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا , وَلاَ يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةً , وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ , وَلاَ تَيْسٌ إلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيِّ ، حدثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ r كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ عليه السلام , فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ , ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ , فَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْفَرَائِضِ : وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ , إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ , فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَشَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ , فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ , فَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ , وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدٌ ، هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيِّ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ , فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ , وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ. فَفِي هَذِهِ الأَخْبَارِ نَصُّ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ خِلاَفٌ. فَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لاَ يُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ إلاَّ ضَانِيَةٌ , وَمِنْ الْمَعْزِ إلاَّ مَاعِزَةٌ فَإِنْ كَانَا خَلِيطَيْنِ أُخِذَ مِنْ الأَكْثَرِ. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ ; بَلْ الَّذِي ذَكَرُوا خِلاَفٌ لِلسُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ , وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَمْعِ الْمَعْزَى مَعَ الضَّأْنِ , وَعَلَى أَنَّ اسْمَ غَنَمٍ يَعُمُّهَا , وَأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْمَاعِزِ , وَمِنْ الضَّأْنِ ; وَلَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلِمَ فِي حُكْمِهَا فَرْقًا لَبَيَّنَهُ , كَمَا خَصَّ التَّيْسَ , وَإِنْ وُجِدَ فِي اللُّغَةِ اسْمُ التَّيْسِ يَقَعُ عَلَى الْكَبْشِ وَجَبَ أَنْ لاَ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ إلاَّ بِرِضَا الْمُصَدِّقِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِ الْمَاعِزَةِ ، عَنِ الضَّأْنِ أَجَازَ أَخْذَ الذَّهَبِ ، عَنِ الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ ، عَنِ الذَّهَبِ وَهُمَا عِنْدَهُ صِنْفَانِ , يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَالْخِلاَفُ أَيْضًا فِي مَكَان آخَرَ : وَهُوَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : إنْ مَلَكَ مِائَةَ شَاةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً وَبَعْضَ شَاةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَتِمَّ فِي مِلْكِهِ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ , وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ شَاةٍ وَبَعْضَ شَاةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ شَاتَانِ حَتَّى يَتِمَّ فِي مِلْكِهِ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٌ. وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ " كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قال أبو محمد : فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرُوا , وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أَوْرَدْنَا " فَإِنْ زَادَتْ " وَلَمْ يَقُلْ " وَاحِدَةٌ " فَوَجَدْنَا الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا مُتَّفِقَيْنِ عَلَى أَنَّهَا إنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً أَوْ عَلَى مِائَتَيْ شَاةٍ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْفَرِيضَةُ. وَوَجَدْنَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْفَرِيضَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ وَعَلَى الْمِائَتَيْنِ , فَكَانَ هَذَا عُمُومًا لِكُلِّ زِيَادَةٍ , وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً , فَصَارَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا قَدْ أَخَذَ بِالْحَدِيثَيْنِ , فَلَمْ يُخَالِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ; وَصَارَ مَنْ قَالَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ , مُخَصِّصًا لَهُ بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَاهُنَا أَيْضًا خِلاَفٌ آخَرُ : وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ , ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ , وَسُفْيَانُ كِلاَهُمَا ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا زَادَتْ الْغَنَمُ وَاحِدَةٌ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ , فَكُلُّ مَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ قال أبو محمد : وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَقَدْ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ لاَ سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ , وَالْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَا عَظُمَتْ بِهِ الْبَلْوَى لاَ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ : أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ ; لأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِائَتَيْ شَاةٍ إذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ تَنْتَقِلُ وَيَجِبُ فِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ , فَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ عَلَى الثَّلاَثِمِائَةِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا , فَيَجِبُ أَنْ تَنْتَقِلَ الْفَرِيضَةُ , وَلاَ سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ قَدْ قَلَّدُوا إبْرَاهِيمَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ بَقَرَةً , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي الْبَقَرِ وَقْصًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَنْ يُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا وَيَقُولُوا : لَمْ نَجِدْ فِي الْغَنَمِ وَقْصًا مِنْ مِائَةٍ وَثَمَانٍ وَتِسْعِينَ شَاةً ; لاَ سِيَّمَا وَمَعَهُمْ هَاهُنَا فِي الْغَنَمِ قِيَاسٌ مُطَرَّدٌ , وَلَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْبَقَرِ قِيَاسٌ أَصْلاً , وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي الْبَقَرِ فَهُوَ لاَزِمٌ لَهُمْ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِمِائَةِ مِنْ الْغَنَمِ مِنْ قوله تعالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَلاَّ قَالُوا : هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا جَهِلَهُ إبْرَاهِيمُ فَإِنْ قَالُوا : إنَّ خِلاَفَ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ , وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ , وَعَنْ عَلِيٍّ , وَعَنْ صَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ قلنا : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ إلاَّ وَقَدْ خَالَفْتُمُوهَا , فَلَمْ تَكُنْ حُجَّةٌ فِيمَا خَالَفْتُمُوهُ فِيهِ , وَكَانَ حُجَّةٌ عِنْدَكُمْ فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا قال أبو محمد : كُلُّهُ خَبْطٌ لاَ مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا نُرِيهِمْ تَنَاقُضَهُمْ وَتَحَكُّمَهُمْ فِي الدِّينِ بِتَرْكِ الْقِيَاسِ لِلسُّنَنِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ , وَبِتَرْكِ السُّنَنِ لِلْقِيَاسِ كَذَلِكَ , وَبِتَرْكِهِمَا جَمِيعًا كَذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ رَاعَى فِي الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ مَا تُجْزِئُ مِنْ الآُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا قَالَ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ ; فَكَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْجَذَعَةِ فَمَا دُونَهَا فِي زَكَاةِ الإِبِلِ , وَلاَ تُجْزِئُ فِي الآُضْحِيَّةِ , وَإِنَّمَا قَالَ عليه السلام لاَِبِي بُرْدَةَ وَلَنْ تُجْزِئَ جَذَعَةٌ لاَِحَدٍ بَعْدَكَ يَعْنِي فِي الآُضْحِيَّةِ ; لاَِنَّهُ عَنْهَا سَأَلَهُ , وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْجَذَعَةِ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ ; فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَعْنِ إلاَّ الآُضْحِيَّةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إنْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا كَرَائِمُ أَخَذَ مِنْهَا بِرِضَا صَاحِبِهَا ; فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ كَرَائِمِ الْغَنَمِ ; وَهَذَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي الْغَنَمِ ، وَلاَ بُدَّ مَا لَيْسَ بِكَرَائِمَ , وَأَمَّا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا كَرَائِمُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا : هَذِهِ كَرَائِمُ هَذِهِ الْغَنَمِ ; لَكِنْ يُقَالُ هَذِهِ كَرِيمَةٌ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ الْكَرَائِمِ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يُؤْمَرُ الْمُصَدِّقُ أَنْ يَصْدَعَ الْغَنَمَ صَدْعَيْنِ فَيَخْتَارُ صَاحِبُ الْغَنَمِ خَيْرَ الصَّدْعَيْنِ وَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ الآخَرِ وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهُ قَالَ : يُفَرِّقُ الْغَنَمَ أَثْلاَثًا , ثُلُثُ خِيَارٍ , وَثُلُثُ رُذَالٍ , وَثُلُثُ وَسَطٍ ; ثُمَّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ فِي الْوَسَطِ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ نَصَّ فِيهِ ; وَلَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لاَ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ هَرِمَةً ، وَلاَ ذَاتَ عَوَارٍ ، وَلاَ تَيْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ : وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ عَاصِم بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ سُفْيَانَ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ : قُلْ لَهُمْ : إنِّي لاَ آخُذُ الشَّاةَ الأَكُولَةَ ، وَلاَ فَحْلَ الْغَنَمِ , وَلاَ الرُّبَى ، وَلاَ الْمَاخِضَ , وَلَكِنِّي آخُذُ الْعَنَاقَ وَالْجَذَعَةَ , وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ وَمِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ مُصْدِقًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَذَعَةَ , وَالثَّنِيَّةَ. 672 - مَسْأَلَةٌ : وَمَا صَغُرَ ، عَنْ أَنْ يُسَمَّى : شَاةً , لَكِنْ يُسَمَّى خَرُوفًا , أَوْ جَدْيًا , أَوْ سَخْلَةً : لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ , وَلاَ أَنْ يُعَدَّ فِيمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ , إلاَّ أَنْ يُتِمَّ سَنَةً ; فَإِذَا أَتَمَّهَا عُدَّ , وَأُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ قال أبو محمد : هَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تُضَمُّ الْفَوَائِدُ كُلُّهَا مِنْ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَالْمَوَاشِي , إلَى مَا عِنْدَ صَاحِبِ الْمَالِ فَتُزَكَّى مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ , وَلَوْ لَمْ يَفِدْهَا إلاَّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ. هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ تَجِبُ فِي مِقْدَارِ مَا مَعَهُ الزَّكَاةُ , وَإِلاَّ فَلاَ , وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ , وَلاَ يُبَالِي أَنَقَصَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ ، عَنِ النِّصَابِ أَمْ لاَ قَالَ : فَإِنْ مَاتَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كُلَّهَا وَبَقِيَ مِنْ عَدَدِ الْخِرْفَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ : فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ ثَلاَثِينَ عِجْلاً فَصَاعِدًا , أَوْ خَمْسًا مِنْ الْفُصْلاَنِ فَصَاعِدًا , عَامًا كَامِلاً دُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمَا فَوْقَهَا : فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا وقال مالك : لاَ تُضَمُّ فَوَائِدُ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , إلَى مَا عِنْدَ الْمُسْلِمِ مِنْهَا ; بَلْ يُزَكَّى كُلُّ مَالٍ بِحَوْلِهِ , حَاشَا رِبْحَ الْمَالِ وَفَوَائِدَ الْمَوَاشِي كُلِّهَا ; فَإِنَّهَا تُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ بِحَوْلِ مَا كَانَ عِنْدَهُ , وَلَوْ لَمْ يُفِدْهَا إلاَّ قَبْلَ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ , إلاَّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ فَائِدَةِ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَالْمَاشِيَةِ , مِنْ غَيْرِ الْوِلاَدَةِ , فَلَمْ يَرَ أَنْ يُضَمَّ إلَى مَا عِنْدَ الْمَرْءِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلاَّ إذَا كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا مِقْدَارًا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ وَإِلاَّ فَلاَ. وَرَأَى أَنْ تُضَمَّ وِلاَدَةُ الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْهَا , سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ أَوْ لاَ تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ. وقال الشافعي : لاَ تُضَمُّ فَائِدَةٌ أَصْلاً إلَى مَا عِنْدَهُ , إلاَّ أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ فَقَطْ , فَإِنَّهَا تُعَدُّ مَعَ أُمَّهَاتِهَا , وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِهَا إلاَّ قَبْلَ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ , هَذَا إذَا كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِلاَّ فَلاَ , فَإِنْ نَقَصَتْ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، عَنِ النِّصَابِ : فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا قال أبو محمد : أَمَّا تَنَاقُضُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ وَتَقْسِيمِهِمَا فَلاَ خَفَاءَ بِهِ , لاَِنَّهُمَا قَسَّمَا تَقْسِيمًا لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَهُ هَاهُنَا أَيْضًا تَنَاقُضٌ أَشْنَعُ مِنْ تَنَاقُضِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَهُوَ أَنَّهُ رَأَى أَنْ يُرَاعَى أَوَّلُ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ دُونَ وَسَطٍ , وَرَأَى أَنْ تُعَدَّ أَوْلاَدُ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا وَلَوْ لَمْ تَضَعْهَا إلاَّ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِسَاعَةٍ , ثُمَّ رَأَى فِي أَرْبَعِينَ خَرُوفًا صِغَارًا وَمَعَهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ مُسِنَّةٌ أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ , وَهِيَ تِلْكَ الْمُسِنَّةُ فَقَطْ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُسِنَّةٌ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا , فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ مِائَةُ خَرُوفٍ وَعِشْرُونَ خَرُوفًا صِغَارًا كُلَّهَا وَمَعَهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ : إنْ كَانَ فِيهَا مُسِنَّتَانِ فَصَدَقَتُهَا تَانِكَ الْمُسِنَّتَانِ مَعًا , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَعَهُمَا إلاَّ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا إلاَّ تِلْكَ الْمُسِنَّةِ وَحْدَهَا فَقَطْ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُسِنَّةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ أَصْلاً. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْعَجَاجِيلِ وَالْفُصْلاَنِ أَيْضًا , وَلَوْ مَلَكَهَا سَنَةً فَأَكْثَرَ قال أبو محمد : وَهَذِهِ شَرِيعَةُ إبْلِيسَ لاَ شَرِيعَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ r نَعْنِي قَوْلَهُ : إنْ كَانَ مَعَ الْمِائَةِ خَرُوفٌ وَالْعِشْرُونَ خَرُوفًا : مُسِنَّتَانِ زَائِدَتَانِ أُخِذَتَا ، عَنْ زَكَاةِ الْخِرْفَانِ كِلْتَاهُمَا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا إلاَّ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ : أُخِذَتْ وَحْدُهَا ، عَنْ زَكَاةِ الْخِرْفَانِ ، وَلاَ مَزِيدَ وَمَا جَاءَ بِهَذَا قَطُّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ , وَلاَ أَحَدُ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِي أَرْبَعِينَ خَرُوفًا : يُؤْخَذُ ، عَنْ زَكَاتِهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ , وَبِهِ يَأْخُذُ زُفَرُ , ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ : بَلْ يُؤْخَذُ ، عَنْ زَكَاتِهَا خَرُوفٌ مِنْهَا ; وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو يُوسُفَ ; ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ : لاَ زَكَاةَ فِيهَا ; وَبِهِ يَأْخُذُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ. وقال مالك كَقَوْلِ زُفَرَ , وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ , وَالشَّافِعِيُّ , كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ , وَقَالَ الشَّعْبِيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنْ تُعَدَّ الْخِرْفَانُ مَعَ أُمَّهَاتِهَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا فِي مَخَالِيفِ الطَّائِفِ , فَشَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ تَصْدِيقَ الْغِذَاءِ , وَقَالُوا : إنْ كُنْت مُعْتَدًّا بِالْغِذَاءِ فَخُذْ مِنْهُ صَدَقَتَهُ. قَالَ عُمَرُ : فَقُلْ لَهُمْ : إنَّا نَعْتَدُّ بِالْغِذَاءِ كُلِّهَا حَتَّى السَّخْلَةُ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ ; وَقُلْ لَهُمْ : إنِّي لاَ آخُذُ الشَّاةَ الأَكُولَةَ ; ، وَلاَ فَحْلَ الْغَنَمِ , وَلاَ الرُّبَى , وَلاَ الْمَاخِضَ ; وَلَكِنِّي آخُذُ الْعَنَاقُ , وَالْجَذَعَةَ , وَالثَّنِيَّةَ : وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ , وَخِيَارِهِ. وَرُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ t فِي هَذَا غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ لاَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ : حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : لاَ يُزَكَّى حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ : تَعْنِي الْمَالَ الْمُسْتَفَادَ : وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : مَنْ اسْتَفَادَ مَالاً فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَنْ اسْتَفَادَ مَالاً فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. فَهَذَا عُمُومٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعَائِشَةَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهم ، , لَمْ يَخُصُّوا فَائِدَةَ مَاشِيَةٍ بِوِلاَدَةٍ مِنْ سَائِرِ مَا يُسْتَفَادُ ; وَلَيْسَ لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ إلاَّ كَانَ كَاذِبًا عَلَيْهِمْ , وَقَائِلاً بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَقُولُوهُ قَطُّ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَعُدَّ عَلَيْهِمْ أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا : قَدْ كَانَ فِيهِمْ بِلاَ شَكٍّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r لإِنَّ سُفْيَانَ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَيَّامَ عُمَرَ t وَلِيَ الأَمْرَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ r بِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ , وَبَقِيَ عَشْرَ سِنِينَ , وَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ r بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً , وَكَانُوا بِالطَّائِفِ , وَأَهْلُ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا قَبْلَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ r بِنَحْوِ عَامٍ وَنِصْفٍ وَرَأَوْهُ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ الْخِلاَفُ فِي هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِلاَ شَكٍّ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ ; وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا ، عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مُتَّصِلَةٍ إلاَّ مِنْ طَرِيقَيْنِ : إحْدَاهُمَا : مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ , وَكِلاَهُمَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ لَمْ يُسَمَّ. وَالثَّانِيَةُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالرَّابِعُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ : خَالَفُوا قَوْلَ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا , فَقَالُوا : لاَ يُعْتَدُّ بِمَا وَلَدَتْ الْمَاشِيَةُ إلاَّ أَنْ تَكُونَ الآُمَّهَاتُ دُونَ الأَوْلاَدِ عَدَدًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِلاَّ فَلاَ تُعَدُّ عَلَيْهِمْ الأَوْلاَدُ , وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ. وَالْخَامِسُ أَنَّهُمْ لاَ يَلْتَفِتُونَ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ t بِأَصَحِّ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ , أَشْيَاءَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , إذَا خَالَفَ رَأْيَ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ : كَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ قَوْلَ عُمَرَ : الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. وَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ : أَخْذَ عُمَرَ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّقِيقِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ , وَصِفَةِ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِنْ الْخَيْلِ. وَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ إيجَابَ عُمَرَ الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ , وَلاَ يَصِحُّ خِلاَفُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ : أَمْرَ عُمَرَ الْخَارِصَ بِأَنْ يَتْرُكَ لاَِصْحَابِ النَّخْلِ مَا يَأْكُلُونَهُ لاَ يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ , وَغَيْرِ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَقَدْ وَضَحَ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِعُمَرَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ وَافَقَ شَهَوَاتِهِمْ لاَ حَيْثُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَهَذَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ جِدًّا قال أبو محمد : الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ , وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ r فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ r إنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ فَصَاعِدًا كَمَا وَصَفْنَا , وَأَوْجَبَ فِيهَا شَاةً أَوْ شَاتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةً , وَأَسْقَطَهَا عَمَّا عَدَا ذَلِكَ. وَوَجَدْنَا الْخِرْفَانَ وَالْجِدْيَانَ لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ شَاةٍ ، وَلاَ اسْمُ شَاءٍ فِي اللُّغَةِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِهَا دِينَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ r . فَخَرَجَتْ الْخِرْفَانُ , وَالْجِدْيَانُ ، عَنْ أَنْ تَجِبَ فِيهَا زَكَاةٌ. وَأَيْضًا فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لاَ يُؤْخَذَ خَرُوفٌ ، وَلاَ جَدْيٌ فِي الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ ، عَنِ الشَّاءِ فَأَقَرُّوا بِأَنَّهُ لاَ يُسَمَّى شَاةً ، وَلاَ لَهُ حُكْمُ الشَّاءِ , فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا زَكَاةٌ , فَلاَ تَجُوزُ هِيَ فِي الزَّكَاةِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ زَكَاةَ مَاشِيَةٍ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا حَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ خِرْفَانًا أَوْ عُجُولاً أَوْ فُصْلاَنًا سَنَةً كَامِلَةً فَالزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ تَمَامِ الْعَامِ ; لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُسَمَّى غَنَمًا , وَبَقَرًا وَإِبِلاً. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ خَبَّابٍ ، عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ : أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ r فَجَلَسْتُ إلَيْهِ , فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إنَّ فِي عَهْدِي أَنْ لاَ نَأْخُذَ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ. قال أبو محمد : لَوْ أَرَادَ أَنْ لاَ يُؤْخَذَ هُوَ فِي الزَّكَاةِ لَقَالَ " أَنْ لاَ نَأْخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ " لَكِنْ لَمَّا مُنِعَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ وَرَاضِعُ لَبَنٍ اسْمٌ لِلْجِنْسِ صَحَّ بِذَلِكَ أَنْ لاَ تُعَدَّ الرَّوَاضِعُ فِيمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ. وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَ هِلاَلَ بْنَ خَبَّابٍ , إلاَّ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ : لَقِيته وَقَدْ تَغَيَّرَ , وَهَذَا لَيْسَ جُرْحَةٌ , لإِنَّ هُشَيْمًا أَسَنُّ مِنْ يَحْيَى بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً , فَكَانَ لِقَاءُ هُشَيْمٍ لِهِلاَلٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ بِلاَ شَكٍّ. وَأَمَّا سُوَيْدٌ فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ r وَأَتَى إلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه السلام بِنَحْوِ خَمْسِ لَيَالٍ , وَأَفْتَى أَيَّامَ عُمَرَ t : قال أبو محمد : وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو يُوسُفَ فَطَرَدَا قَوْلَهُمَا , إذْ أَوْجَبَا أَخْذَ خَرُوفٍ صَغِيرٍ فِي الزَّكَاةِ ، عَنْ أَرْبَعِينَ خَرُوفًا فَصَاعِدًا , وُلِدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَتْ أُمَّهَاتُهَا وَأَخْذُ مِثْلِ هَذَا فِي الزَّكَاةِ عَجَبٌ جِدًّا وَأَمَّا إذَا أَتَمَّتْ سَنَةً فَاسْمُ شَاةٍ يَقَعُ عَلَيْهَا فَهِيَ مَعْدُودَةٌ وَمَأْخُوذَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَحَصَلُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ t ; وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا , فَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ أَنْ تُعَدَّ الأَوْلاَدُ مَعَ الآُمَّهَاتِ إلاَّ إذَا كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا ; وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ كَذَلِكَ وَحَصَلَ مَالِكٌ عَلَى قِيَاسٍ فَاسِدٍ مُتَنَاقِضٍ ; لاَِنَّهُ قَاسَ فَائِدَةَ الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْفَوَائِدِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ مِنْ عَدِّ أَوْلاَدِهَا مَعَهَا , ثُمَّ نَقَضَ قِيَاسَهُ فَرَأَى أَنْ لاَ تُضَمَّ فَائِدَةُ الْمَاشِيَةِ بِهِبَةٍ , أَوْ مِيرَاثٍ , أَوْ شِرَاءِ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْهَا إلاَّ إنْ كَانَ مَا عِنْدَهُ نِصَابًا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ وَإِلاَّ فَلاَ وَرَأَى أَنْ تُضَمَّ أَوْلاَدُهَا إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا تَجِبُ فِي الزَّكَاةِ وَهَذِهِ تَقَاسِيمَ لاَ يُعْرَفُ أَحَدُ قَالَ بِهَا قَبْلَهُمْ , وَلاَ هُمْ اتَّبَعُوا عُمَرَ , وَلاَ طَرَدُوا الْقِيَاسَ , وَلاَ اتَّبَعُوا نَصَّ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ. زَكَاةُ الْبَقَرِ 673 - مَسْأَلَةٌ : الْجَوَامِيسُ صِنْفٌ مِنْ الْبَقَرِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ زَكَاةَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا , أَوْ ذُكُورًا , وَإِنَاثًا , فَإِذَا تَمَّتْ خَمْسُونَ رَأْسًا مِنْ الْبَقَرِ وَأَتَمَّتْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلاً كَمَا قَدَّمْنَا : فَفِيهَا بَقَرَةٌ , إلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَةً مِنْ الْبَقَرِ , فَإِذَا بَلَغَتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا بَقَرَتَانِ , وَهَكَذَا أَبَدًا , فِي كُلِّ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ , وَلاَ شَيْءَ زَائِدٌ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ ; ، وَلاَ يُعَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يُتِمَّ حَوْلاً كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ , وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ ; وَفِي خَمْسِ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ : وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ , وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَمٍ ، حدثنا يَزِيدُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ الْبَقَرَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الإِبِلِ , يَعْنِي فِي الزَّكَاةِ , قَالَ : وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا غَيْرُهُمْ فَقَالُوا : فِيهَا مَا فِي الإِبِلِ. يَزِيدُ هَذَا هُوَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَوْ ابْنُ زُرَيْعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ ; وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ , وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ , وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَرَائِضُ الْبَقَرِ مِثْلُ فَرَائِضِ الإِبِلِ , غَيْرَ الأَسْنَانِ فِيهَا , فَإِذَا كَانَتْ الْبَقَرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ , فَإِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَبَلَغَنَا أَنَّ قَوْلَهُمْ : قَالَ النَّبِيُّ r : فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا لاَِهْلِ الْيَمَنِ , ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُرْوَى : حدثنا حمام ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ دَاوُد ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : اُسْتُعْمِلْت عَلَى صَدَقَاتِ عَكَّ , فَلَقِيت أَشْيَاخًا مِمَّنْ صَدَقَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه r فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ , فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : اجْعَلْهَا مِثْلَ صَدَقَةِ الإِبِلِ , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : فِي ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : فِي أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي قِلاَبَةَ وَآخَرُ قَالُوا : صَدَقَاتُ الْبَقَرِ كَنَحْوِ صَدَقَاتِ الإِبِلِ , فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ , وَفِي كُلِّ عَشْرٍ شَاتَانِ , وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ , وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ , وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ , فَإِنْ زَادَتْ فَبَقَرَتَانِ مُسِنَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ , فَإِذْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ : وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَالِدِ الْفَهْمِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَلْدَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ صَدَقَةَ الْبَقَرِ صَدَقَةُ الإِبِلِ , غَيْرَ أَنَّهُ لاَ أَسْنَانَ فِيهَا. فَهَؤُلاَءِ كُتَّابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَجَمَاعَةٌ أَدَّوْا الصَّدَقَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَمِنْ التَّابِعِينَ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَلْدَةَ , وَالزُّهْرِيُّ , وَأَبُو قِلاَبَةَ , وَغَيْرُهُمْ وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَمٍ ، حدثنا يَزِيدُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : إنَّ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ النَّبِيِّ r وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ الْبَقَرَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الإِبِلِ : وَبِمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرُ قَالَ : أَعْطَانِي سِمَاكُ بْنُ الْفَضْلِ كِتَابًا مِنْ النَّبِيِّ r إلَى مَالِكِ بْنِ كُفْلاَنِسَ الْمُصْعَبِيِّينَ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالأَنْهَارُ الْعُشْرُ , وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّنَا نِصْفُ الْعُشْرِ , وَفِي الْبَقَرِ مِثْلُ الإِبِلِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ الأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَأَنَّ الأَمْرَ بِالتَّبِيعِ : نُسِخَ بِهَذَا. وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْخَبَرِ مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إلاَّ بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا : فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَقَرٍ إلاَّ مَا خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ. وَقَالُوا : مَنْ عَمِلَ مِثْلَ قَوْلِنَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ ; وَمَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنَّ مَا وَجَبَ بِيَقِينٍ لَمْ يَسْقُطْ إلاَّ بِمِثْلِهِ وَقَالُوا : قَدْ وَافَقْنَا أَكْثَرَ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ تُجْزِئُ ، عَنْ سَبْعَةٍ كَالْبَدَنَةِ ; وَأَنَّهَا تُعَوَّضُ مِنْ الْبَدَنَةِ , وَأَنَّهَا لاَ يُجْزِئُ فِي الآُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ مِنْ هَذِهِ إلاَّ مَا يُجْزِئُ مِنْ تِلْكَ , وَأَنَّهَا تُشْعَرُ إذَا كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ كَالْبُدْنِ ; فَوَجَبَ قِيَاسُ صَدَقَتِهَا عَلَى صَدَقَتِهَا. وَقَالُوا : لَمْ نَجِدْ فِي الآُصُولِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ نِصَابًا مَبْدَؤُهُ ثَلاَثُونَ ; لَكِنْ إمَّا خَمْسَةٌ كَالإِبِلِ , وَالأَوَاقِي , وَالأَوْسَاقِ , وَأَمَّا أَرْبَعُونَ كَالْغَنَمِ , فَكَانَ حَمْلُ الْبَقَرِ عَلَى الأَكْثَرِ وَهُوَ الْخَمْسَةُ أَوْلَى. وَقَالُوا : إنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ فَنَعَمْ , نَحْنُ نَقُولُ : بِهَذَا , أَوْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا دُونَ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ. قَالَ : وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t وَحُكْمُهُ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَلْدَةَ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالزُّهْرِيِّ , وَهَؤُلاَءِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , فَيَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ اتِّبَاعَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ , فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ , وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَتَانِ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ ; لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ ; ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعَتَانِ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ , ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا , لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا زَائِدَةً , فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِي كُلِّ ثَلاَثِينَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ تَبِيعٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَهَذَا قَوْلٌ صَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t مِنْ طَرِيقِ , أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ قَوْمٍ صَدَّقُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ : وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ , وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ , وطَاوُوس , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَهْلِ الشَّامِ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَرِوَايَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ , وَأَبِي وَائِلٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا , وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وقال بعضهم : ثَنِيَّةٌ وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوس ، عَنْ مُعَاذٍ مِثْلُهُ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَأْمُرْهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ r ، عَنِ الأَوْقَاصِ , مَا بَيْنَ الثَّلاَثِينَ إلَى الأَرْبَعِينَ , وَمَا بَيْنَ الأَرْبَعِينَ إلَى الْخَمْسِينَ قَالَ : لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ : فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ جَذَعٌ قَدْ اسْتَوَى قَرْنَاهُ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ r لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَرَائِضُ الْبَقَرِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ , فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاَثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ رَائِعٌ جَذَعٌ , إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ , إلَى أَنْ تَبْلُغَ سَبْعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَإِنَّ فِيهَا بَقَرَةً وَعِجْلاً جَذَعًا , فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ , ثُمَّ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ : وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ , وَبَعَثَهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ وَفِيهِ فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ بَاقُورَةً تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ. وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيِّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ الْمَرْوَزِيِّ ، حدثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، حدثنا بَقِيَّةُ ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّه r مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً جَذَعًا أَوْ جَذَعَةً , وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً مُسِنَّةً , قَالُوا : فَالأَوْقَاصُ قَالَ : مَا أَمَرَنِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ r بِشَيْءٍ ; فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r سَأَلَهُ , فَقَالَ : لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا نَعْلَمُ تَقَصَّوْهُ لاَِنْفُسِهِمْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلاَثِينَ شَيْءٌ ; فَإِذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ ثَلاَثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ وَرُبْعٌ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سَبْعِينَ ; فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ : وَرُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَا ; وَهِيَ رِوَايَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُمَوِّهَ هَؤُلاَءِ بِالْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاذٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِيمَا بَيْنَ الأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَعْنِي مِنْ الْبَقَرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ , فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاَثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ , ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ ; فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ , فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بَقَرَةٌ وَجُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ بَقَرَةٍ ; وَهَكَذَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ تَزِيدُ فَفِيهَا جُزْءٌ آخَرُ زَائِدٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ بَقَرَةٍ ; هَكَذَا إلَى السِّتِّينَ , فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعَانِ ; ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا إلاَّ فِي كُلِّ عَشْرَةٍ زَائِدَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ; وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت حَمَّادًا ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَقُلْت إنْ كَانَتْ خَمْسِينَ بَقَرَةً فَقَالَ : بِحِسَابِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : يُحَاسَبُ صَاحِبُ الْبَقَرِ بِمَا فَوْقَ الْفَرِيضَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ : مَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ قال أبو محمد : هَذَا عُمُومُ إبْرَاهِيمَ , وَحَمَّادٍ , وَمَكْحُولٍ , وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِينَ إلَى الأَرْبَعِينَ وَعَلَى الأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٌ جُزْءٌ مِنْ بَقَرَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخٍ كَانُوا قَدْ صَدَّقُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالُوا : فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ , مُخَالِفِينَ لِمَنْ جَعَلَ فِي أَقَلَّ مِنْ الأَرْبَعِينَ شَيْئًا. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِينَ ، وَلاَ مَا فَوْقَهَا شَيْءٌ ; ، وَأَنَّ صَدَقَةَ الْبَقَرِ إنَّمَا هِيَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ فَقَطْ هَكَذَا أَبَدًا كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : كَانَ عُمَّالُ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَابْنِ عَوْفٍ وَعُمَّالِهِ , يَأْخُذُونَ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً ; وَمِنْ كُلِّ مِائَةٍ بَقَرَتَيْنِ , فَإِذَا كَثُرَتْ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا حَضَرْنَا ذِكْرُهُ مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ اخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ , وَكُلُّ أَثَرٍ رُوِّينَاهُ فِيهَا وَوَجَبَ النَّظَرُ لِلْمَرْءِ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَدِينُ بِهِ رَبَّهُ تَعَالَى فِي دِينِهِ : فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ وَاجِبٌ فِي الْبَقَرِ : كَمَا حَدَّثَنَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ ، وَلاَ بَقَرٍ ، وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ ; تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا , وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا , كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ لاَ يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ , وَأُقْعِدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَسِيرُ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا ; ، وَلاَ صَاحِبِ بَقَرٍ لاَ يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ , وَأُقْعِدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. قال أبو محمد : فَوَجَبَ فَرْضًا طَلَبُ ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , حَتَّى لاَ يَتَعَدَّى قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. فَنَظَرْنَا الْقَوْلَ الأَوَّلَ فَوَجَدْنَا الآثَارَ الْوَارِدَةَ فِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r مُنْقَطِعَةٌ وَالْحُجَّةُ لاَ تَجِبُ إلاَّ بِمُتَّصِلٍ , إلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا : بِهَا , وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي أُصُولِهِمْ وَتَحَكَّمُوا بِالْبَاطِلِ ; لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ. الزُّهْرِيِّ : إنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ بِهَا نَسْخُ إيجَابِ التَّبِيعِ , وَالْمُسِنَّةِ : فِي الثَّلاَثِينَ وَالأَرْبَعِينَ ; فَلَوْ قُبِلَ مُرْسَلُ أَحَدٍ لَكَانَ الزُّهْرِيُّ أَحَقَّ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالْحَدِيثِ ; وَلاَِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَلَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ فِي الثَّلاَثِينَ بِالتَّبِيعِ , وَفِي الأَرْبَعِينَ بِالْمُسِنَّةِ إلاَّ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ , لاَ ، عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَوَافَقَ الزُّهْرِيَّ عَلَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ ; فَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلَ بِهَذَا أَوْ إفْسَادَ أُصُولِهِمْ , وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ وَأُسْنِدَ مَا خَالَفْنَاهُ أَصْلاً وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِعُمُومِ الْخَبَرِ مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاتَهَا ، وَلاَ يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا وَقَوْلَهُمْ : إنَّ هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَقَرٍ : فَإِنَّ هَذَا لاَزِمٌ لِلْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , الْمُحْتَجِّينَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الآيَةُ وَالْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ وَسَائِرِ مَا احْتَجُّوا فِيهِ بِمِثْلِ هَذَا , لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلاً وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عَلَيْنَا بِهَذَا ; لاَِنَّنَا وَإِنْ كُنَّا لاَ يَحِلُّ عِنْدَنَا مُفَارِقَةُ الْعُمُومِ إلاَّ لِنَصٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ شَرْعُ شَرِيعَةٍ إلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ , وَنَحْنُ نُقِرُّ وَنَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَقَرِ زَكَاةً مَفْرُوضَةً يُعَذِّبُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ , مَا لَمْ يَغْفِرْ لَهُ بِرُجُوحِ حَسَنَاتِهِ أَوْ مُسَاوَاتِهَا لِسَيِّئَاتِهِ , إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ مِنْهَا , وَلاَ بَيَانَ الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا , وَلاَ مَتَى تُؤَدَّى ; وَلَيْسَ الْبَيَانُ لِلدِّيَانَةِ مَوْكُولاً إلَى الآرَاءِ وَالأَهْوَاءِ ; بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّهُ وَبَاعِثُهُ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ. وَلَمْ يَصِحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَا أَوْجَبُوهُ فِي الْخَمْسِ فَصَاعِدًا مِنْ الْبَقَرِ , وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الْبَقَرِ زَكَاةٌ ; فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ ، عَنْ إيجَابِ فَرْضِ ذَلِكَ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r ; فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْعُمُومِ هَاهُنَا , وَلَوْ كَانَ عُمُومًا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ لَمَا خَالَفْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ مَنْ زَكَّى الْبَقَرَ كَمَا قَالُوا فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يُزَكِّهَا كَمَا قَالُوا فَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ ; ، وَأَنَّ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ وُجُوبُهُ لَمْ يَسْقُطْ إلاَّ بِيَقِينٍ آخَرَ : فَهَذَا لاَزِمٌ لِمَنْ قَالَ : إنَّ مَنْ تَدَلَّكَ فِي الْغُسْلِ فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ ; وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ بِيَقِينٍ ; فَلاَ يَسْقُطُ إلاَّ بِيَقِينٍ مِثْلِهِ ; وَلِمَنْ أَوْجَبَ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ نَفْسِهَا ; وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ هَذَا لاَ يَلْزَمُ عِنْدَنَا ; لإِنَّ الْفَرَائِضَ لاَ تَجِبُ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَ فِي الاِسْتِدْلاَلِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ إيجَابَ الْفَرَائِضِ وَشَرْعِ الشَّرَائِعِ بِاخْتِلاَفٍ ; لاَ نَصَّ فِيهِ , وَهَذَا بَاطِلٌ ; وَلَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ عَلَى وُجُوبِ إيعَابِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ ، وَلاَ عَلَى التَّدَلُّكِ فِي الْغُسْلِ ; ، وَلاَ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي خَمْسِ مِنْ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا إلَى الْخَمْسِينَ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ اسْتِدْلاَلُهُمْ هَذَا صَحِيحًا لَوْ وَافَقْنَاهُمْ عَلَى وُجُوبِ كُلِّ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْقَطْنَا وُجُوبَهُ بِلاَ بُرْهَانٍ ; وَنَحْنُ لَنْ نُوَافِقَهُمْ قَطُّ عَلَى وُجُوبِ غُسْلٍ فِيهِ تَدَلُّكٌ ; ، وَلاَ عَلَى إيجَابِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ , وَلاَ عَلَى إيجَابِ زَكَاةٍ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا ; وَإِنَّمَا وَافَقْنَاهُمْ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ دُون تَدَلُّكٍ , وَعَلَى إيجَابِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لاَ كُلِّهِ ; وَعَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عَدَدٍ مَا مِنْ الْبَقَرِ لاَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْهَا ; فَزَادُوا هُمْ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ إيجَابَ التَّدَلُّكِ , وَمَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ , وَالزَّكَاةَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا ; وَهَذَا شَرْعٌ بِلاَ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ , وَهَذَا لاَ يَجُوزُ ; فَهَذَا يَلْزَمُ ضَبْطُهُ ; لِئَلاَّ يُمَوِّهَ فِيهِ أَهْلُ التَّمْوِيهِ بِالْبَاطِلِ , فَيَدَّعُوا إجْمَاعًا حَيْثُ لاَ إجْمَاعَ , وَيُشَرِّعُوا الشَّرَائِعَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ , وَيُخَالِفُوا الإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقِيَاسِ الْبَقَرِ عَلَى الإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ فَلاَزِمٌ لاَِصْحَابِ الْقِيَاسِ لُزُومًا لاَ انْفِكَاكَ لَهُ ; فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ صَحِيحًا وَمَا نَعْلَمُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ فَرْقًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقِيسُ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ فِي النِّكَاحِ مِنْ الصَّدَاقِ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ , وَمَنْ يَقِيسُ حَدَّ الشَّارِبِ عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ , وَمَنْ يَقِيسُ السَّقَمُونْيَا عَلَى الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ , وَيَقِيسُ الْحَدِيدَ , وَالرَّصَاصَ وَالصُّفْرَ عَلَى الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ ; وَيَقِيسُ الْجِصَّ عَلَى الْبُرِّ وَالتَّمْرِ , فِي الرِّبَا , وَيَقِيسُ الْجَوْزَ عَلَى الْقَمْحِ فِي الرِّبَا ; وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ السَّخِيفَةِ وَتِلْكَ الْعِلَلِ الْمُفْتَرَاةِ الْغَثَّةِ : أَنْ يَقِيسَ الْبَقَرَ عَلَى الإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ ; وَإِلاَّ فَقَدْ تَحَكَّمُوا بِالْبَاطِلِ ; وَأَمَّا نَحْنُ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ عِنْدَنَا بَاطِلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : لَمْ نَجِدْ فِي الآُصُولِ مَا يَكُونُ وَقْصُهُ ثَلاَثِينَ , فَإِنَّهُ عِنْدَنَا تَخْلِيطٌ وَهَوَسٌ لَكِنَّهُ لاَزِمٌ أَصَحُّ لُزُومٍ لِمَنْ قَالَ مُحْتَجًّا لِبَاطِلٍ قَوْلَهُ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ مَا بَيْنَ الأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ مِنْ الْبَقَرِ : إنَّنَا لَمْ نَجِدْ فِي الآُصُولِ مَا يَكُونُ وَقْصُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ , وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَحَكِّمُونَ فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَنَّا , وَظَهَرَ لُزُومُهُ لِلْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , لاَ سِيَّمَا لِمَنْ قَالَ : بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ , الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِي الثَّلاَثِينَ تَبِيعًا , وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً , وَلَمْ يُوجِبْ بَيْنَ ذَلِكَ ، وَلاَ بَعْدَ الأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ شَيْئًا : فَوَجَدْنَا الآثَارَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا ، عَنْ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ مُرْسَلَةً كُلَّهَا , إلاَّ حَدِيثَ بَقِيَّةَ ; لإِنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا ; وَبَقِيَّةَ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ , أَسْقَطَهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ , وَالْحُجَّةُ لاَ تَجِبُ إلاَّ بِالْمُسْنَدِ مِنْ نَقْلِ الثِّقَاتِ. فإن قيل : إنَّ مَسْرُوقًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا فَقَدْ كَانَ بِالْيَمَنِ رَجُلاً أَيَّامَ كَوْنِ مُعَاذٍ هُنَالِكَ ; وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ , فَهَذَا عِنْدَهُ ، عَنْ مُعَاذٍ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ. قلنا : لَوْ أَنَّ مَسْرُوقًا ذَكَرَ أَنَّ الْكَافَّةَ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ ، عَنْ مُعَاذٍ لَقَامَتْ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ ; فَمَسْرُوقٌ هُوَ الثِّقَةُ الإِمَامُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ : لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَطُّ هَذَا ; . وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَوَّلَ مَسْرُوقٌ رحمه الله مَا لَمْ يَقُلْ فَيُكْذَبُ عَلَيْهِ ; وَلَكِنْ لَمَّا أَمْكَنَ فِي ظَاهِرِ الأَمْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَسْرُوقٍ هَذَا الْخَبَرُ ، عَنْ تَوَاتُرٍ , أَوْ ، عَنْ ثِقَةٍ ; أَوْ عَمَّنْ لاَ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ : لَمْ يَجُزْ الْقَطْعُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ r بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ , وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَوْ كَانَ عِنْدَ مَسْرُوقٍ ، عَنْ ثِقَةٍ لَمَا كَتَمَهُ , وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا طَمَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَكَفِّلُ بِحِفْظِ الذِّكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ عليه السلام الْمُتِمِّ لِدِينِهِ : لَنَا هَذَا الطَّمْسُ حَتَّى لاَ يَأْتِيَ إلاَّ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَيْضًا : فَإِنْ زَمُّوا أَيْدِيَهُمْ وَقَالُوا : هُوَ حُجَّةٌ , وَالْمُرْسَلُ هَاهُنَا وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ. قلنا لَهُمْ : فَلاَ عَلَيْكُمْ ; خُذُوا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِشْوَرُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيِّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ هُوَ أَبُو وَائِلٍ ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الأَجْدَعِ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَمٍ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ : أَنَّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غِيلاً الْعُشْرُ , وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفُ الْعُشْرِ , وَفِي الْحَالِمِ وَالْحَالِمَةِ دِينَارٌ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمُعَافِرِ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ : حدثنا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ فَإِنَّهُ لاَ يُفْتَنُ عَنْهَا ; وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ , عَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ , فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى رُسُلِي فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ ; وَمَنْ مَنَعَهُ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. فَهَذِهِ رِوَايَةُ مَسْرُوقٍ ، عَنْ مُعَاذٍ , وَهُوَ حَدِيثُ زَكَاةِ الْبَقَرِ بِعَيْنِهِ , وَمُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ , وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ; فَإِنْ كَانَتْ مُرْسَلاَتُهُمْ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ صَحِيحَةٌ وَاجِبًا أَخْذُهَا فَمُرْسَلاَتُهُمْ هَذِهِ صَحِيحَةٌ وَاجِبٌ أَخْذُهَا , وَإِنْ كَانَتْ مُرْسَلاَتُهُمْ هَذِهِ لاَ تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فَمُرْسَلاَتُهُمْ تِلْكَ لاَ تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فإن قيل : فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ بِمَا فِي هَذِهِ الْمُرْسَلاَتِ ، وَلاَ تَقُولُونَ : بِتِلْكَ , فَكَيْف هَذَا قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : مَا قلنا بِهَذِهِ ، وَلاَ بِتِلْكَ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ بِمُرْسَلٍ لَكِنَّا أَوْجَبْنَا الْجِزْيَةَ عَلَى كُلِّ كِتَابِيٍّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَلَمْ نَخُصَّ مِنْهُ امْرَأَةً ، وَلاَ عَبْدًا , وَأَمَّا بِهَذِهِ الآثَارِ فَلاَ قال أبو محمد : لاَ سِيَّمَا الْحَنَفِيِّينَ فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا مُرْسَلاَتِ مُعَاذٍ تِلْكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ ، عَنِ الأَوْقَاصِ وَالْعَسَلِ : كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ طَاوُوس أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ وَالْعَسَلِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ ; فَقَالَ : كِلاَهُمَا لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r بِشَيْءٍ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ مُعَاذٍ حُجَّةً إذَا وَافَقَ هَوَى الْحَنَفِيِّينَ وَرَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلاَ يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُوَافِقْهُمَا , مَا نَدْرِي أَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا الْعَمَلِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ وَالضَّلاَلِ وَمِنْ أَنْ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا فَإِنْ احْتَجُّوا بِصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قلنا : هِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا لاَ تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْجَزَرِيُّ الَّذِي رَوَاهَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ وَأَنَّهُ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. فَإِنْ أَبَيْتُمْ وَلَجَجْتُمْ وَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ شَدَدْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ فَدُونَكُمُوهَا : كَمَا حَدَّثْنَهَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ ، حدثنا الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ , وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ فَذَكَرَ الْكِتَابَ. وَفِيهِ وَفِي كُلِّ ثَلاَثِينَ بَاقُورَةً تَبِيعٌ , جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ , وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ , فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ. حدثنا حمام قَالَ : حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَابُلِيِّ بِبَغْدَادَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِمَا ، عَنْ جَدِّهِمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ عَلَى الْيَمَنِ وَفِيهِ الزَّكَاةُ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ , وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ , فَإِذَا بَلَغَتْ الذَّهَبَ قِيمَةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِي قِيمَةِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ , حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا ; فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَفِيهَا دِينَارٌ. قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ : وَهَذَا ، عَنْ ابْنَيْ حَزْمٍ أَيْضًا فَرَائِضُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلاَثِينَ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ الثَّلاَثِينَ فَفِيهَا فَحْلٌ جَذَعٌ , إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ. قال أبو محمد : أَبُو أُوَيْسٍ ضَعِيفٌ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ مَعَ ذَلِكَ وَوَاللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَرَى الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ إلاَّ قَدْ انْحَلَّتْ عَزَائِمُهُمْ فِي الأَخْذِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمَذْكُورِ وَبِصَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ , وَلاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ; أَوْ الأَخْذِ بِأَنْ لاَ صَدَقَةَ فِي ذَهَبٍ لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا إلاَّ بِالْقِيمَةِ بِالْفِضَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَالزُّهْرِيِّ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِمْ , وَأَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ بِوُجُوبِ الأَوْقَاصِ فِي الدَّرَاهِمِ وَبِإِيجَابِ الْجِزْيَةِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , أَوْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ فَيَأْخُذُوا مَا اشْتَهَوْا وَيَتْرُكُوا مَا اشْتَهَوْا ; وَهَذِهِ وَاَللَّهِ أَخْزَى فِي الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ وَأَلْزَمُ وَأَنْدَمُ , , وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ : إنَّ الرَّاوِيَ إذَا تَرَكَ مَا رَوَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سُقُوطِ رِوَايَتِهِ , وَالزُّهْرِيُّ هُوَ رَوَى صَحِيفَةَ ابْنِ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَتَرَكَهَا فَهَلاَّ تَرَكُوهَا وَقَالُوا : لَمْ يَتْرُكْهَا لاَ لِفَضْلِ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَكَانَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الأَخْبَارِ بِأَنَّ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ كَزَكَاةِ الإِبِلِ مِثْلُهَا فِي الإِسْنَادِ وَوَارِدَةٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ , وَكَانَ الآخِذُ بِتِلْكَ آخِذًا بِهَذِهِ , وَكَانَ الآخِذُ بِهَذِهِ , دُونَ تِلْكَ عَاصِيًا لِتِلْكَ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ طَرِيقِ الآثَارِ جُمْلَةً فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِعَلِيٍّ , وَمُعَاذٍ , وَأَبِي سَعِيدٍ ، رضي الله عنهم . قلنا لَهُمْ : الْخَبَرُ ، عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُحَمَّدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ و أَمَّا ، عَنْ عَلِيٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَلاَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، سِوَاهُ وَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خِلاَفَ ذَلِكَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ إذَا خَالَفَهُ صَاحِبٌ آخَرُ ثُمَّ إنْ لَجَجْتُمْ فِي التَّعَلُّقِ بِعَلِيٍّ هَاهُنَا فَاسْمَعُوا قَوْلَ عَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا : حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ , وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ , وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ , وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ ; فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ , حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ , فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ أَوْ قَالَ : الْجَمَلُ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا جَذَعَةٌ , حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ , فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ , حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ ; فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ , فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ , وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ حَوْلِيِّ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ. قال أبو محمد : مَا نَرَى الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ إلاَّ قَدْ بَرُدَ نَشَاطُهُمْ فِي الاِحْتِجَاجِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ t فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ , وَلاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْ الأَخْذِ بِكُلِّ مَا رُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ , مِمَّا خَالَفُوهُ وَأَخَذَ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنْ السَّلَفِ , أَوْ تَرْكِ الاِحْتِجَاجَ بِمَا لَمْ يَصِحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَوْ التَّلاَعُبِ بِالسُّنَنِ وَالْهَزْلِ فِي الدِّينِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا أَحَبُّوا وَيَتْرُكُوا مَا أَحَبُّوا لاَ سِيَّمَا وَبَعْضُهُمْ هَوَّلَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا بِأَنَّهُ مُسْنَدٌ فَلْيَهِنْهُمْ خِلاَفُهُ إنْ كَانَ مُسْنَدًا , وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا مَا اسْتَحْلَلْنَا خِلاَفَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمْ يَبْقَ لِمَنْ قَالَ بِالتَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ فَقَطْ فِي الْبَقَرِ حُجَّةٌ أَصْلاً , وَلاَ قِيَاسَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ جُمْلَةً بِلاَ شَكٍّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُمًّا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لاَ قُرْآنٌ يُعَضِّدُهُ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ تَنْصُرُهُ , وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ تُؤَيِّدُهُ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ يَشُدُّهُ , وَلاَ قِيَاسٌ يُمَوِّهُهُ , وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ يُسَدِّدُهُ. إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَقْصًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ. فَقِيلَ لَهُمْ : وَلاَ وَجَدْتُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ زَكَاةِ الْمَوَاشِي جُزْءًا مِنْ رَأْسٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قَالُوا : أَوْجَبَهُ الدَّلِيلُ. قِيلَ لَهُمْ : كَذَبْتُمْ مَا أَوْجَبَهُ دَلِيلٌ قَطُّ , وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى رَأْيَ النَّخَعِيِّ وَحْدَهُ دَلِيلاً فِي دِينِهِ : وَقَدْ وَجَدْنَا الأَوْقَاصَ تَخْتَلِفُ , فَمَرَّةً هُوَ فِي الإِبِلِ أَرْبَعٌ , وَمَرَّةً عَشْرَةٌ , وَمَرَّةً تِسْعَةٌ , وَمَرَّةً أَرْبَعَةَ عَشَرَ , وَمَرَّةً أَحَدَ عَشَرَ , وَمَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ , وَمَرَّةً هُوَ فِي الْغَنَمِ ثَمَانُونَ , وَمَرَّةً تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ , وَمَرَّةً مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ , وَمَرَّةً تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ إذَا صَحَّ بِذَلِكَ دَلِيلٌ لَوْلاَ الْهَوَى وَالْجَهْلُ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ عَمَلِ عُمَّالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَعَمَلِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ ، وَ، هُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ جِدًّا بِالْمَدِينَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ : فَوَجَدْنَا لاَ يَصِحُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي هَذَا مِنْ طَرِيقِ إسْنَادِ الآحَادِ ، وَلاَ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ شَيْءٌ كَمَا قَدَّمْنَا , وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعَارِضُهُ غَيْرُهُ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ شَرِيعَةٌ إلاَّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا مِنْ الْقُرْآنِ , وَأَمَّا مِنْ نَقْلٍ ثَابِتٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طَرِيقِ الآحَادِ وَالتَّوَاتُرِ بَيَانُ زَكَاةِ الْبَقَرِ , وَوَجَدْنَا الإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الْمَقْطُوعَ بِهِ , الَّذِي لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ بِهِ , وَحَكَمَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمِنْ دُونِهِمْ قَدْ صَحَّ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً : بَقَرَةٌ ; فَكَانَ هَذَا حَقًّا مَقْطُوعًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ r ; فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ , وَكَانَ مَا دُونَ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا فِيهِ , وَلاَ نَصَّ فِي إيجَابِهِ ; فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلَمْ يَحِلَّ , أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ , وَلاَ إيجَابُ شَرِيعَةٍ بِزَكَاةٍ مَفْرُوضَةٍ بِغَيْرِ يَقِينٍ , مِنْ نَصٍّ صَحِيحٍ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ r . وَلاَ يَغْتَرَّنَّ مُغْتَرٌّ بِدَعْوَاهُمْ : أَنَّ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِمْ كَانَ مَشْهُورًا ; فَهَذَا بَاطِلٌ , وَمَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ إلاَّ خَامِلاً فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَلاَ يُؤْخَذُ إلاَّ عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ , بِاخْتِلاَفٍ مِنْهُمْ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَوَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ فِعْلَ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ ; وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ قَدْ أَدْرَكَ مُعَاذًا وَشَهِدَ حُكْمَهُ وَعَمَلَهُ الْمَشْهُورَ الْمُنْتَشِرَ , فَصَارَ نَقْلُهُ لِذَلِكَ , وَلاَِنَّهُ ، عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r نَقْلاً ، عَنِ الْكَافَّةِ ، عَنْ مُعَاذٍ بِلاَ شَكٍّ ; فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ.