ابن حزم - المجلد الثاني1

من معرفة المصادر

القسم الثاني

485 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ فَرْضٍ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ : إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الأَذَانَ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلاَّ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الإِمَامِ , فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ , فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ الأَذَانَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ وَاحِدٍ إلَيْهِ فَصَاعِدًا ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا مَعَهُ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ , إلاَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ التَّخَلُّفُ ، عَنِ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى النِّسَاءِ , فَإِنْ حَضَرْنَهَا حِينَئِذٍ فَقَدْ أَحْسَنَّ , وَهُوَ أَفْضَلُ لَهُنَّ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْحَرَائِرُ , أَوْ الإِمَاءُ بُعُولَتَهُنَّ أَوْ سَادَاتِهِنَّ فِي حُضُورِ الصَّلاَةِ فِي الْمَسْجِدِ : فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ الإِذْنُ لَهُنَّ ، وَلاَ يَخْرُجْنَ إلاَّ تَفِلاَتٍ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ ، وَلاَ مُتَزَيِّنَاتٍ , فَإِنْ تَطَيَّبْنَ , أَوْ تَزَيَّنَّ لِذَلِكَ : فَلاَ صَلاَةَ لَهُنَّ , وَمَنْعُهُنَّ حِينَئِذٍ فَرْضٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ , وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ , وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ كُلُّهُمْ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الأَصَمِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ r رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ , فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ , فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ , فَرَخَّصَ لَهُ , فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ وَقَالَ لَهُ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : فَأَجِبْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيِّ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا وبه إلى الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ لِرَجُلَيْنِ أَتَيَاهُ يُرِيدَانِ السَّفَرَ : إذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا. وبه إلى الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَنَا وَقَدْ أَتَيْتُهُ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي : إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ. فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ , وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ. حدثنا أحمد بن قاسم حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إلاَّ مِنْ عُذْرٍ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا ابْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ , ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا , ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , وَأَبِي مُعَاوِيَةَ كُلُّهُمْ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا. وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا الْمُتَوَعَّدُ عَلَى تَرْكِهَا دُونَ غَيْرِهَا , بَلْ هِيَ قَضِيَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ. وَأَيْضًا فَالْمُخَالِفُ مُوَافِقٌ لَنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ فِي وُجُوبِ حُضُورِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَرَسُولُ اللَّهِ r لاَ يُهِمُّ بِبَاطِلٍ ، وَلاَ يَتَوَعَّدُ إلاَّ بِحَقٍّ. فإن قيل : فَلِمَ لَمْ يُحَرِّقْهَا قِيلَ : لأَنَّهُمْ بَادَرُوا وَحَضَرُوا الْجَمَاعَةَ , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَبُو الْمَلِيحِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ ، هُوَ ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَتَجْمَعَ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ , ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ. قَالَ يَزِيدُ : فَقُلْت لِيَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ : يَا أَبَا عَوْفٍ , الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا قَالَ : صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا ذَكَرَ جُمُعَةً ، وَلاَ غَيْرَهَا ". قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ أَقْدَمَ قَوْمٌ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r جَهَارًا فَقَالَ : إنَّمَا عَنَى الْمُنَافِقِينَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ فَلاَ يَذْكُرُهُمْ وَيَذْكُرُ تَارِكِي الصَّلاَةِ وَهُوَ لاَ يُرِيدُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَابْنِ عُمَرَ كِلاَهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَةِ الْمُنْفَرِدِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. قلنا : هَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ , وَقَدْ صَحَّتْ الأَخْبَارُ الَّتِي صَدَّرْنَاهَا , وَثَبَتَ أَنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمُتَخَلِّفٍ ، عَنِ الْجَمَاعَةِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا , فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى مَا قَدْ صَحَّ هُنَالِكَ , لاَ عَلَى التَّعَارُضِ وَالتَّنَاقُضِ الْمُبْعَدَيْنِ ، عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r . فَصَحَّ أَنَّ هَذَا التَّفَاضُلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى صَلاَةِ الْمَعْذُورِ الَّتِي تَجُوزُ , وَهِيَ دُونَ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَضْلِ كَمَا أَخْبَرَ عليه السلام. وَمَنْ حَمَلَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا حَصَلَ عَلَى خِلاَفِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الأَحَادِيثِ الآُخَرِ , وَعَلَى تَكْذِيبِهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ : أَنْ لاَ صَلاَةَ فِي غَيْرِ الْجَمَاعَةِ إلاَّ لِمَعْذُورٍ , وَاسْتَخَفَّ بِوَعِيدِهِ , وَعَصَى أَمْرَهُ عليه السلام فِي إجَابَةِ النِّدَاءِ. وَبِأَنْ يَؤُمَّ الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَحَدُهُمَا , وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَهَذَا الَّذِي قلنا : هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ. فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُتَخَلِّفَ ، عَنِ الْجِهَادِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَذْمُومٌ أَشَدَّ الذَّمِّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ : مِنْهَا قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلاَّ قَلِيلٌ إلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُجَاهِدِينَ مُفَضَّلُونَ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَدَرَجَاتٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى الْقَاعِدِينَ الْمَعْذُورِينَ الَّذِينَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَالأَجْرُ , لاَ الَّذِينَ تُوُعِّدُوا بِالْعَذَابِ وَكَمَا أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ صَلاَةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ الْقَائِمِ , وَلَمْ يَخْتَلِفُوا مَعَنَا فِي أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لاَ أَجْرَ لَهُ , وَلاَ نَصِيبَ مِنْ الصَّلاَةِ.فَصَحَّ أَنَّ النِّسْبَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْفَضْلِ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْمُبَاحِ لَهُ الصَّلاَةُ قَاعِدًا لِعُذْرٍ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ فِي نَافِلَةٍ فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ النَّافِلَةَ فَقَطْ , سَأَلْنَاهُمْ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ , إلاَّ بِدَعْوَى فِي أَنَّ الْمَعْذُورَ فِي الْفَرِيضَةِ صَلاَتُهُ كَصَلاَةِ الْقَائِمِ , وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام : صَلاَةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ الْقَائِمِ دُونَ تَخْصِيصٍ مِنْهُ عليه السلام وَأَيْضًا فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ , وَالْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ : قَالَ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ : حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ : وَقَالَ بَكْرٌ : حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَا ، عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : قَالَ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ فِي حَدِيثِهِ : إنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ وَكَانَ رَجُلاً مَبْسُورًا أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ , فَقَالَ عليه السلام : مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ , وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ , وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ قَالَ عَلِيٌّ : وَخُصُومُنَا لاَ يُجِيزُونَ التَّنَفُّلَ بِالإِيمَاءِ لِلصَّحِيحِ , فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْخَيْرَ أَفْضَلُ مِنْ آخَرَ مَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنْ فِعْلِهِ , وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ : إنَّ الْفُقَرَاءَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالآُجُورِ , فَعَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r الذِّكْرَ الَّذِي عَلَّمَهُمْ , فَبَلَغَ الأَغْنِيَاءَ فَفَعَلُوهُ زَائِدًا عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ , فَذَكَرَ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ حَجَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِمَّنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ , وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الأَعْمَالِ وَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ الصَّحِيحِ : مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً , فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. فَعَمَّ عليه السلام مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ ذَكَرُوا الأَثَرَ الْوَارِدَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ حِزْبٌ مِنْ اللَّيْلِ فَأَقْعَدَهُ عَنْهُ الْمَرَضُ أَوْ النَّوْمُ : كُتِبَ لَهُ قلنا : لاَ نُنْكِرُ تَخْصِيصَ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَهُ إذَا وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا نُنْكِرُهُ بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالدَّعْوَى , وَقَدْ يُكْتَبُ لَهُ الْقِيَامُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ , وَيُضَاعَفُ الأَجْرُ لِلْقَائِمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِ قِيَامِهِ , فَهَذَا مُمْكِنٌ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ النُّصُوصِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ذَكَرُوا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَّ النَّاسَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْقَدَمِ وَفِي مَنْزِلِ أَنَسٍ قلنا : نَعَمْ , وَهُوَ مَعْذُورٌ عليه السلام بِانْفِكَاكِ قَدَمِهِ , وَلاَ يَخْلُو الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا جَمِيعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّوْا هُنَالِكَ , فَهُنَالِكَ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ , وَهَذَا لاَ نُنْكِرُهُ , أَوْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَزِمَهُ الْكَوْنُ مَعَهُ عليه السلام لِضَرُورَةٍ , فَهَذَا عُذْرٌ , وَتَكُونُ إمَامَتُهُ فِي مَنْزِلِ أَنَسٍ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةِ فَرْضٍ , لَكِنْ تَطَوُّعًا وَكُلُّ هَذَا لاَ يُعَارَضُ بِهِ مَا ثَبَتَ مِنْ وُجُوبِ فَرْضِ الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ , وَوُجُوبِ إجَابَةِ دَاعِي اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : " حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ". وقال الشافعي : هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَإِذْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا فَرْضٌ , ثُمَّ ادَّعَى سُقُوطَ الْفَرْضِ لَمْ يُصَدَّقْ إلاَّ بِنَصٍّ وَقَدْ قَالَ : بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ : رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى إنْسَانًا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ فَقَالَ " أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ r ". وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ , فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى , وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُنَّ إلاَّ مُنَافِقٌ بَيِّنُ النِّفَاقِ , وَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَإِنَّ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ وَمَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ لَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ , وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ , وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ ". وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ فِي بَيْتِهِ فَسَمِعَ الإِقَامَةَ فَخَرَجَ إلَيْهَا قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ أَجْزَأَتْ ابْنَ عُمَرَ صَلاَتُهُ فِي مَنْزِلِهِ مَا قَطَعَهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : لاََنْ يَمْتَلِئَ أُذُنَا ابْنِ آدَمَ رَصَاصًا مُذَابًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ الْمُنَادِيَ فَلاَ يُجِيبُهُ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَمْ يُرِدْ خَيْرًا وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ : حدثنا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلاَّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ قَالَ : مَنْ سَمِعَ الأَذَانَ وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ الْمَذْكُورِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ , ثُمَّ لَمْ يَأْتِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إلاَّ مِنْ عُذْرٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ : لَيْسَ لاَِحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَضَرِ وَالْقَرْيَةِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالإِقَامَةَ : رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ الصَّلاَةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : فَقُلْت لَهُ : وَإِنْ كَانَ عَلَى بَزٍّ يَبِيعُهُ يَفْرَقُ إنْ قَامَ عَنْهُ أَنْ يَضِيعَ قَالَ : لاَ , لاَ رُخْصَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ قُلْت : إنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ أَوْ رَمَدٌ غَيْرُ حَابِسٍ أَوْ تَشْتَكِي يَدُهُ قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَكَلَّفَ , قُلْت لَهُ : أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ : إنْ شَاءَ فَلْيَأْتِ , وَإِنْ شَاءَ فَلْيَجْلِسْ وَعَنْ عَطَاءٍ : كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ لاَ يَتَخَلَّفُ ، عَنِ الْجَمَاعَةِ إلاَّ مُنَافِقٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الصَّلاَةِ فِي الْجَمَاعَةِ إلاَّ لِمَرِيضٍ أَوْ خَائِفٍ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : إذَا سَمِعَ الرَّجُلُ الأَذَانَ فَقَدْ اُحْتُبِسَ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ حَرْمَلَةَ قَالَ : كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ ، عَنْ بَعْضِ الأَمْرِ وَنَادَى الْمُنَادِي فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ : قَدْ نُودِيَ بِالصَّلاَةِ , فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : إنَّ أَصْحَابِي قَدْ مَضَوْا وَهَذِهِ رَاحِلَتِي بِالْبَابِ , فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ : لاَ تَخْرُجْ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلاَّ مُنَافِقٌ , إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إلَى الصَّلاَةِ فَأَبَى الرَّجُلُ إلاَّ الْخُرُوجَ , فَقَالَ سَعِيدٌ : دُونَكُمْ الرَّجُلُ , قَالَ : فَإِنِّي عِنْدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلَمْ تَرَ الرَّجُلَ يَعْنِي ذَلِكَ الَّذِي خَرَجَ وَقَعَ ، عَنْ رَاحِلَتِهِ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ قَالَ سَعِيدٌ : قَدْ ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُصِيبُهُ أَمْرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ شُهُودَهُنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَ فَرْضًا وَقَدْ صَحَّ فِي الآثَارِ كَوْنُ نِسَاءِ النَّبِيِّ r فِي حُجَرِهِنَّ لاَ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسْجِدِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَيِّ الأَمْرَيْنِ أَفْضَلُ لَهُنَّ أَصَلاَتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَمْ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الْجَمَاعَاتِ : وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : هُوَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ النِّسَاءُ مِنْ غَيْرِهِنَّ –

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إلَيْهَا. فَقَالَ بِلاَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ , فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا , مَا سَمِعْته سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ : أُخْبِرُكَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَتَقُولُ : وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ

وبه إلى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ r قَالَ : إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا. وبه إلى مُسْلِمٍ : حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَبِي , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالاَ : حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ. وبه إلى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ. وبه إلى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، حدثنا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا حَامِدٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ , وَلاَ يَخْرُجْنَ إلاَّ وَهُنَّ تَفِلاَتٌ. قال علي : وهذا نَفْسُ قَوْلِنَا , فَإِذَا خَرَجْنَ مُتَزَيِّنَاتٍ أَوْ مُتَطَيِّبَاتٍ فَهُنَّ عَاصِيَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى , خَارِجَاتٌ بِخِلاَفِ مَا أُمِرْنَ , فَلاَ يَحِلُّ إرْسَالُهُنَّ حِينَئِذٍ أَصْلاً. وَالآثَارُ فِي حُضُورِ النِّسَاءِ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ إلاَّ جَاهِلٌ : كَحَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ. وَحَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : لَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ عَاقِدِي أُزُرِهِمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ مِنْ ضِيقِ الآُزُرِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ قَائِلٌ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ. وَقَوْلِهِ عليه السلام : إنِّي لاََدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي خَشْيَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ. وَالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ , وَشَرُّهَا الْمُؤَخَّرُ وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُقَدَّمُ , وَخَيْرُهَا الْمُؤَخَّرُ , ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , إذَا سَجَدَ الرِّجَالُ فَاغْضُضْنَ أَبْصَارَكُنَّ , لاَ تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مِنْ ضِيقِ الآُزُرِ وَحَدِيثِ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ فَمَا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُدْخَلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ , وَأَنَّهَا صَلَّتْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ النِّسَاءِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r . فَمَا كَانَ عليه السلام لِيَدَعَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ الْخُرُوجَ فِي اللَّيْلِ وَالْغَلَسِ يَحْمِلْنَ صِغَارَهُنَّ وَيُفْرِدَ لَهُنَّ بَابًا وَيَأْمُرَ بِخُرُوجِ الأَبْكَارِ وَغَيْرِ الأَبْكَارِ وَمَنْ لاَ جِلْبَابَ لَهَا فَتَسْتَعِيرُ جِلْبَابًا إلَى الْمُصَلَّى , فَيَتْرُكُهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحُطُّ أُجُورَهُنَّ , وَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُنَّ فِي تَرْكِهِ , هَذَا لاَ يَظُنُّهُ بِنَاصِحٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلاَّ عَدِيمُ عَقْلٍ , فَكَيْفَ بِرَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَة أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرِو بْن العاص قَالَ : اجْتَمَعْنَا إلَى رَسُول اللَّه r فَقَالَ : إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ , وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ قَالَ عَلِيٌّ : وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ فِي هَذَا بِخَبَرٍ مَوْضُوعٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمَّتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : إنَّ صَلاَتَكِ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِكِ مَعِي قَالَ عَلِيٌّ : عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْمُنْذِرِ مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِيهِ أَحَدٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، مِنْ قَوْلِهَا : لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ كَمَا مَنَعَهُ نِسَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ ثَمَانِيَةٍ : أَوَّلُهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاعِثُ مُحَمَّدٍ r بِالْحَقِّ مُوجِبٌ دِينَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْمُوحِي إلَيْهِ بِأَنْ لاَ يَمْنَعَ النِّسَاءَ حَرَائِرَهُنَّ وَإِمَاءَهُنَّ , ذَوَاتِ الأَزْوَاجِ وَغَيْرَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ لَيْلاً وَنَهَارًا قَدْ عَلِمَ مَا يُحْدِثُ النِّسَاءُ , فَلَمْ يُحْدِثْ تَعَالَى لِذَلِكَ مَنْعًا لَهُنَّ , وَلاَ قَالَ لَهُ : إذَا أَحْدَثْنَ فَامْنَعُوهُنَّ وَالثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام , لَوْ صَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ أَحْدَاثَهُنَّ لَمَنَعَهُنَّ لَمَا كَانَ ذَلِكَ مُبِيحًا مَنَعَهُنَّ , لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُدْرِكْ فَلَمْ يَمْنَعْ , فَلاَ يَحِلُّ الْمَنْعُ , إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ عليه السلام وَالثَّالِثُ : أَنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ نَسْخُ شَرِيعَةٍ مَاتَ عليه السلام وَلَمْ يَنْسَخْهَا , بَلْ هُوَ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ بَعْدَهُ عليه السلام وَالْخَامِسُ : أَنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، لَمْ تَقُلْ : إنَّ مَنَعَهُنَّ لَكُمْ مُبَاحٌ , بَلْ مَنَعَتْ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ ظَنًّا مِنْهَا بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ ، وَلاَ تَمَّ , فَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالسَّادِسُ أَنَّهُ لاَ حَدَثَ مِنْهُنَّ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى , وَقَدْ كَانَ فِيهِنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r , وَقَدْ نَهَاهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ التَّبَرُّجِ , وَأَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ , وَأَنْذَرَ عليه السلام بِنِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ مَائِلاَتٍ مُمِيلاَتٍ رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لاَ يَرِحْنَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ , وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ سَيَكُنَّ بَعْدَهُ , فَمَا مَنَعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَالسَّابِعُ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ عِقَابُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَالثَّامِنُ أَنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ مِنْ التَّزَاوُرِ , وَمِنْ الصَّفْقِ فِي الأَسْوَاقِ , وَالْخُرُوجِ فِي حَاجَاتِهِنَّ , وَلَيْسَ فِي الضَّلاَلِ وَالْبَاطِلِ أَكْثَرُ مِنْ إطْلاَقِهِنَّ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ أَحْدَثَ مِنْهُنَّ مَنْ أَحْدَثَ , وَتُخَصُّ صَلاَتُهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ بِالْمَنْعِ , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا , وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطَلِقُ لِسَانُ مَنْ يَعْقِلُ بِالاِحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا فِي خِلاَفِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ : حدثنا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيّ r قَالَ : صَلاَةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي حُجْرَتِهَا , وَصَلاَتُهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا. وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيُّ ، حدثنا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إنَّمَا الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ , وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا صَلاَةُ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا , وَصَلاَتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي حُجْرَتِهَا قَالَ عَلِيٌّ : هَكَذَا بِذِكْرِ الْمَخْدَعِ لَيْسَ فِيهِ لِلْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَصْلاً , ثُمَّ لَوْ صَحَّ فِيهِ أَنَّ صَلاَتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي مَسْجِدِهَا وَهَذَا لاَ يُوجَدُ أَبَدًا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ , بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْكِهِ عليه السلام لَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ التَّكَلُّفَ فِي الْغَبَشِ , رَاغِبَاتٍ فِي الصَّلاَةِ فِي الْجَمَاعَةِ مَعَهُ إلَى أَنْ مَاتَ عليه السلام , فَهَذَا آخِرُ الأَمْرِ بِلاَ شَكٍّ قَالَ عَلِيٌّ : مَسْجِدُهَا هَهُنَا هُوَ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهَا وَمَسْجِدُ قَوْمِهَا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ مَسْجِدُ بَيْتِهَا , إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ عليه السلام قَائِلاً : صَلاَتُك فِي بَيْتِك أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِك فِي بَيْتِك , وَهَذِهِ لُكْنَةٌ وَعِيٌّ , حَرَامٌ أَنْ يُنْسَبَا إلَيْهِ عليه السلام وَبِقَوْلِنَا : قَالَ الأَئِمَّةُ : رُوِّينَا ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَكَانَتْ تَشْهَدُ الصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ , فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَهَا : وَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمِينَ مَا أُحِبُّ هَذَا , فَقَالَتْ : وَاَللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى تَنْهَانِي , فَقَالَ عُمَرُ : فَإِنِّي لاَ أَنْهَاك قَالَ : فَلَقَدْ طُعِنَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّهَا لَفِي الْمَسْجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَوْ رَأَى عُمَرُ صَلاَتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلَ لَكَانَ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَجْبُرَهَا بِذَلِكَ وَيَقُولَ لَهَا : إنَّك تَدَعِينَ الأَفْضَلَ وَتَخْتَارِينَ الأَدْنَى , لاَ سِيَّمَا مَعَ أَنِّي لاَ أُحِبُّ لَك ذَلِكَ , فَمَا فَعَلَ , بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى إخْبَارِهَا بِهَوَاهُ الَّذِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِهِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَخْتَارَ وَهِيَ صَاحِبَةٌ , وَيَدَعَهَا هُوَ أَنْ تَتَكَلَّفَ إسْخَاطَ زَوْجِهَا فِيمَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ مُوَافَقَةُ رِضَا الزَّوْجِ , وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , وَصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي خُرُوجِهَا إلَى الْمَسْجِدِ فِي الْغَلَسِ وَغَيْرِهِ , وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ لِمَنْ عَقَلَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَرْفَجَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ , فَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا , وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا , قَالَ عَرْفَجَةُ : فَأَمَرَنِي فَأَمَمْت النِّسَاءَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ ابْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِهِ إذْ قَالَ : إنَّهُ يَمْنَعُ النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلاَةِ فَهَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ , ثُمَّ عَلَى هَذَا عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 486 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ الْعُذْرِ لِلرِّجَالِ فِي التَّخَلُّفِ ، عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ : الْمَرَضُ , وَالْخَوْفُ , وَالْمَطَرُ , وَالْبَرْدُ , وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ , وَحُضُورُ الأَكْلِ , وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَرِيضِ , أَوْ الْمَيِّتِ , وَتَطْوِيلُ الإِمَامِ حَتَّى يَضُرَّ بِمَنْ خَلْفَهُ , وَأَكْلُ الثُّومِ , أَوْ الْبَصَلِ , أَوْ الْكُرَّاثِ مَا دَامَتْ الرَّائِحَةُ بَاقِيَةً , وَيُمْنَعُ آكِلُوهَا مِنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ , وَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهُ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْمَسَاجِدِ أَحَدٌ غَيْرُ هَؤُلاَءِ , لاَ مَجْذُومٌ , وَلاَ أَبْخَرُ , وَلاَ ذُو عَاهَةٍ , وَلاَ امْرَأَةٌ بِصَغِيرٍ مَعَهَا فأما الْمَرَضُ وَالْخَوْفُ فَلاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا. وقوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ. وَكَذَلِكَ إضَاعَةُ الْمَالِ , وَنَهَى عليه السلام ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، حدثنا حَاتِمٌ ، هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ أَنَّهُ شَهِدَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ , وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، حدثنا عَطَاءٌ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ , قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ : الثُّومِ , ثُمَّ قَالَ : الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ فَلاَ يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا , فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حدثنا قَتَادَةُ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : " إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرَتَيْنِ مَا أُرَاهُمَا إلاَّ خَبِيثَتَيْنِ : هَذَا الْبَصَلُ , وَالثُّومُ , لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ r إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ : وَلاَ يَخْرُجُ غَيْرُ هَؤُلاَءِ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ مَنْعَ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًا فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ , وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ أَيْ فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الأَسَدِ , لاَ عَدْوَى إنَّهُ لاَ يُعْدِيك , وَلاَ يَنْفَعُك فِرَارُك مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْك , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ هَذَا لَكَانَ آخِرُ الْحَدِيثِ يَنْقُضُ أَوَّلَهُ , وَهَذَا مُحَالٌ وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْفِرَارِ لَكَانَ الأَمْرُ بِهِ عُمُومًا , فَوُجُوبُ أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ وَكُلُّ أَحَدٍ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا وَجَهْدًا , وَلَوَجَبَ أَنْ تُقْفَلَ الأَزِقَّةُ أَمَامَهُ , كَمَا يُفْعَلُ بِالأَسَدِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ , وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَصْرِهِ عليه السلام مَجْذُومُونَ فَمَا فَرَّ عَنْهُمْ أَحَدٌ. فَصَحَّ أَنَّ مُرَادَهُ عليه السلام مَا ذَكَرْنَاهُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأَنْصَارِ أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي , وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي , فَإِذَا كَانَتْ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : سَأَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ عِتْبَانُ : فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وبه إلى الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ : أَذِنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجِنَانَ ثُمَّ قَالَ : أَلاَّ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ , فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ , ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إثْرِهِ : أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ ، عَنْ أَبِيهِ هُوَ أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ , وَمُطِرْنَا مَطَرًا فَلَمْ تَبُلَّ السَّمَاءُ أَسْفَلَ نِعَالِنَا , فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ r : أَنْ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ : حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ قَالَ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ r لَيْلَةً فِيهَا بَرْدٌ , وَأَنَا تَحْتَ اللِّحَافِ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ يُلْقِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ ، وَلاَ حَرَجَ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : وَلاَ حَرَجَ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ : إذَا قُلْت " أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " فَلاَ تَقُلْ " حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ " قُلْ " صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي , إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ , وَإِنِّي كَرِهْت أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْعُقَيْلِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ الأَنْصَارِيُّ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سَعِيدٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ قَالَ : مَرَرْت بِعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ عَلَى بَابِهِ جَالِسٌ , فَقَالَ : مَا خَطْبُ أَمِيرِكُمْ قُلْت : أَمَا جَمَعْت مَعَنَا قَالَ : مَنَعَنَا هَذَا الرَّدْغُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ سَمُرَةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ يَتْرُكُونَ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا لِلطِّينِ , وَيَأْمُرُونَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ : أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ، وَلاَ نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم وَأَمَّا التَّطْوِيلُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مُعَاذٍ وَاَلَّذِي خَرَجَ ، عَنْ إمَامَتِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ r ذَلِكَ عَلَى الْخَارِجِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى ، حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : إنِّي لاََتَأَخَّرُ ، عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ , مِمَّا يُطِيلُ بِنَا , فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ , فَقَالَ يَوْمَئِذٍ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ , فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ , فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ , وَالضَّعِيفَ , وَذَا الْحَاجَةِ. فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ r تَأَخُّرَهُ ، عَنْ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَجْلِ إطَالَةِ الإِمَامِ وَأَمَّا الْمَجْذُومُ , وَالأَبْخَرُ , وَآكِلُ الْفُجْلَ وَغَيْرُهُمْ : فَلَوْ جَازَ مَنْعُهُمْ الْمَسْجِدَ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًا 487 - مَسْأَلَةٌ : وَالأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلاَةِ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ فَضْلاً. فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَأَفْقَهُهُمْ. فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَأَقْدَمُهُمْ صَلاَحًا فَإِنْ حَضَرَ السُّلْطَانُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ أَوْ أَمِيرُهُ عَلَى الصَّلاَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانُوا فِي مَنْزِلِ إنْسَانٍ فَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلاَّ مِنْ السُّلْطَانِ. وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَأَسَنُّهُمْ فَإِنْ أَمَّ أَحَدٌ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرْنَا أَجْزَأَ ذَلِكَ , إلاَّ مَنْ تَقَدَّمَ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ عَلَى السُّلْطَانِ , أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ , فَلاَ يُجْزِئُ هَذَيْنِ ، وَلاَ تُجْزِئُهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا وَكَانَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ وَالْهِجْرَةِ سَوَاءً حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ , وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وبه إلى مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالَ الأَشَجُّ : عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ. ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَالأَعْمَشُ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ شُعْبَةُ : سَمِعْت أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا مَسْعُودٍ هُوَ الْبَدْرِيُّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ , فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً , فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا , وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ , وَلاَ يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r الْهِجْرَةَ الْبَاقِيَةَ أَبَدًا كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلِيٌّ : وقال مالك : يَؤُمُّ الأَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِرَاءَةً وَهَذَا خَطَأٌ , لاَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r : حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَا نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ " كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ r وَالأَنْصَارُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ , فِيهِمْ : أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَأَبُو سَلَمَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ , وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ". قَالَ عَلِيٌّ : وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصَبَةَ مَوْضِعًا بِقُبَاءَ قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ r كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا ". قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ. فإن قيل : إنَّ عُمَرَ قَدَّمَ صُهَيْبًا قلنا : نَعَمْ , وَصَارَ صُهَيْبٌ أَمِيرًا مُسْتَخْلَفًا مِنْ قِبَلِ الإِمَامِ , فَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ لاَِنَّهُ سُلْطَانٌ قَالَ عَلِيٌّ : وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : قَالَ النَّبِيُّ r : إذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فِي سَفَرٍ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ , وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا , فَإِذَا أَمَّهُمْ فَهُوَ أَمِيرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : فَذَاكَ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَإِنَّمَا أَجَزْنَا إمَامَةَ مَنْ أَمَّ بِخِلاَفِ ذَلِكَ : لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا بَكْرُ بْنُ عِيسَى قَالَ سَمِعْت شُعْبَةَ يَذْكُرُ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى لِلنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ r فِي الصَّفِّ. وبه إلى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حدثنا حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ آخِرُ صَلاَةٍ صَلاَّهَا رَسُولُ اللَّهِ r مَعَ الْقَوْمِ : صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَحُسْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ جَمِيعًا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ قَالَ فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ r حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ , فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ r إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ , فَصَلَّى عليه السلام مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ , فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r يُتِمُّ صَلاَتَهُ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ , فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ , فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : أَحْسَنْتُمْ , أَوْ قَدْ أَصَبْتُمْ , يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ إلَى ابْنِ شِهَابٍ : عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ , وَفِيهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ : أَرَدْت تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r دَعْهُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَبِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ , فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَفْقَهُهُمْ , فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً , فَإِنْ اسْتَوَوْا , فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا : نَدْبٌ لاَ فَرْضٌ ; لاَِنَّهُ عليه السلام أَقْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَأَفْقَهُ مِنْهُمَا , وَأَقْدَمُ هِجْرَةً , إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا وَأَسَنُّ مِنْهُمَا وَبِهَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ جَازَتْ الصَّلاَةُ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ , وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ النُّقْصَانِ , لاَِنَّهُ لاَ مُسْلِمَ إلاَّ وَنِسْبَتُهُ فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ إلَى أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r : أَقْرَبُ مِنْ نِسْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ رضي الله عنهما فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r , فَخَرَجَ هَذَا بِدَلِيلِهِ وَلَمْ نَجِدْ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَثَرًا يُخْرِجُهُمَا ، عَنِ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ , فَبَقِيَ عَلَى الْوُجُوبِ. بَلْ وَجَدْنَا مَا يَشُدُّ وُجُوبَ ذَلِكَ : كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ : لَمَّا اسْتَعَزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَعَاهُ بِلاَلٌ إلَى الصَّلاَةِ , فَقَالَ : مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ , وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا , فَقَالَ : قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ , فَتَقَدَّمَ وَكَبَّرَ , فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ r صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلاً مُجْهِرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ , فَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلاَةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ قَالَ : تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَكَانَ عِنْدِي لَيْلَةَ زِفَافِ امْرَأَتِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r فَلَمَّا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ أَرَادَ أَبُو ذَرٍّ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّيَ , فَجَذَبَهُ حُذَيْفَةُ وَقَالَ : رَبُّ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ , فَقَالَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ : أَكَذَلِكَ قَالَ : نَعَمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَتَقَدَّمْت فَصَلَّيْت بِهِمْ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ فِي الْقَوْمِ يَتَنَازَلُونَ فِيهِمْ الْقُرَشِيُّ وَالْعَرَبِيُّ وَالْمَوْلَى وَالأَعْرَابِيُّ وَالْعَبْدُ , لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ فُسْطَاطٌ , فَانْطَلَقَ أَحَدُهُمْ إلَى فُسْطَاطِ أَحَدِهِمْ فَحَانَتْ الصَّلاَةُ , قَالَ : صَاحِبُ الرَّحْلِ يَؤُمُّهُمْ هُوَ , حَقُّهُ يُعْطِيه مَنْ يَشَاءُ. 488 - مَسْأَلَةٌ : وَالأَعْمَى , وَالْبَصِيرُ , وَالْخَصِيُّ , وَالْفَحْلُ , وَالْعَبْدُ , وَالْحُرُّ , وَوَلَدُ الزِّنَى , وَالْقُرَشِيُّ : سَوَاءٌ فِي الإِمَامَةِ فِي الصَّلاَةِ , وَكُلُّهُمْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا , وَلاَ تَفَاضُلَ بَيْنَهُمْ إلاَّ بِالْقِرَاءَةِ , وَالْفِقْهِ , وَقِدَمِ الْخَيْرِ , وَالسِّنِّ , فَقَطْ وَكَرِهَ مَالِكٌ إمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَى , وَكَوْنَ الْعَبْدِ إمَامًا رَاتِبًا ، وَلاَ وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ , لاَِنَّهُ لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَعُيُوبُ النَّاسِ فِي أَدْيَانِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ , لاَ فِي أَبْدَانِهِمْ ، وَلاَ فِي أَعْرَاقِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ بِأَنْ قَالَ : يُفَكِّرُ مَنْ خَلْفَهُ فِيهِ فَيُلَهَّى ، عَنْ صَلاَتِهِ قال علي : وهذا فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ وَالسُّقُوطِ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ فِكْرَةَ الْمَأْمُومِ فِي أَمْرِ الْخَلِيفَةِ إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ , أَوْ الأَحْدَبِ إذَا أَمَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ فِكْرَتِهِ فِي وَلَدِ الزِّنَى , وَلَوْ كَانَ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمٌ فِي الدِّينِ لَمَا أَغْفَلَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r : وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الإِمَامِ الرَّاتِبِ وَغَيْرِ الرَّاتِبِ وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْفَاسِقِ كَذَلِكَ وَنَكْرَهُهُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الأَقْرَأُ , وَالأَفْقَهُ , فَهُوَ أَوْلَى حِينَئِذٍ مِنْ الأَفْضَلِ , إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ , أَوْ الْفِقْهِ , وَلاَ أَحَدَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ وَلَهُ ذُنُوبٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ. فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ مَنْ لاَ يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ : إخْوَانُنَا فِي الدِّينِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ صَالِحِينَ : حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَعْلَى الْوَادِي , هُوَ وَأَبُوهُ , وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ , وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ كَثِيرٌ , فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ وَهُوَ غُلاَمُهَا لَمْ يُعْتَقْ , فَكَانَ إمَامَ أَهْلِهَا بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وَعُرْوَةَ , وَأَهْلِهَا , إلاَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ كَانَ يَسْتَأْخِرُ عَنْهُ أَبُو عَمْرٍو فَقَالَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، إذَا غَيَّبَنِي أَبُو عَمْرٍو وَدَلاَّنِي فِي حُفْرَتِي فَهُوَ حُرٌّ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : يَؤُمُّ الْعَبْدُ الأَحْرَارَ وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : كَانَ يَؤُمُّنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا عَبْدٌ , فَكَانَ شُرَيْحٌ يُصَلِّي فِيهِ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : وَلَدُ الزِّنَى وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : وَلَدُ الزِّنَى بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , يَؤُمُّ , وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلاً وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ إذَا سُئِلَتْ ، عَنْ وَلَدِ الزِّنَى : قَالَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ بُرْدِ أَبِي الْعَلاَءِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كَانَ أَئِمَّةٌ مِنْ ذَلِكَ , قَالَ وَكِيعٌ : يَعْنِي مِنْ الزِّنَى. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : سَأَلْت إبْرَاهِيمَ ، عَنْ وَلَدِ الزِّنَى , وَالأَعْرَابِيِّ , وَالْعَبْدِ , وَالأَعْمَى : هَلْ يَؤُمُّونَ قَالَ : نَعَمْ , إذَا أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ : وَلَدُ الزِّنَى تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَؤُمُّ وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ ، عَنْ وَلَدِ الزِّنَى : هَلْ يَؤُمُّ قَالَ : نَعَمْ , وَمَا شَأْنُهُ وَقَدْ كَانَ أَبُو زَيْدٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ r يَؤُمُّ وَهُوَ مُقْعَدٌ ذَاهِبُ الرِّجْلِ وَقَدْ كَانَ طَلْحَةُ أَشَلَّ الْيَدِ , وَمَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إمَامَتِهِ , وَقَدْ كَانَ فِي الشُّورَى. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ t وَهُوَ مَحْصُورٌ , فَقَالَ لَهُ : إنَّك إمَامُ عَامَّةٍ , وَنَزَلَ بِك مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ , فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : إنَّ الصَّلاَةَ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ , وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ , وَنَجْدَةَ : أَحَدُهُمَا خَارِجِيٌّ , وَالثَّانِي أَفْسَقُ الْبَرِيَّةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : الصَّلاَةُ حَسَنَةٌ مَا أُبَالِي مَنْ شَرِكَنِي فِيهَا وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : أَرَأَيْت إمَامًا يُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مُفَرِّطًا فِيهَا قَالَ : أُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ , قُلْت : وَإِنْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَلَحِقَتْ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ قَالَ : نَعَمْ , مَا لَمْ تَغِبْ , قُلْت لِعَطَاءٍ : فَالإِمَامُ لاَ يُوفِي الصَّلاَةَ , أَعْتَزِلُ الصَّلاَةَ مَعَهُ قَالَ : بَلْ صَلِّ مَعَهُ , وَأَوْفِ مَا اسْتَطَعْت , الْجَمَاعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ , فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُوفِ الرَّكْعَةَ فَأَوْفِ أَنْتَ , فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ وَلَمْ يُوفِ , فَأَوْفِ أَنْتَ , فَإِنْ قَامَ وَعَجَّلَ ، عَنِ التَّشَهُّدِ فَلاَ تُعَجِّلْ أَنْتَ , وَأَوْفِ وَإِنْ قَامَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ مَعَ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ. وَعَنْ أَبِي الأَشْعَثِ قَالَ : ظَهَرَتْ الْخَوَارِجُ عَلَيْنَا فَسَأَلْت يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ , فَقُلْت : يَا أَبَا نَصْرٍ , كَيْفَ تَرَى فِي الصَّلاَةِ خَلْفَ هَؤُلاَءِ قَالَ : الْقُرْآنُ إمَامُك , صَلِّ مَعَهُمْ مَا صَلُّوهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قُلْت لِعَلْقَمَةَ : إمَامُنَا لاَ يُتِمُّ الصَّلاَةَ قَالَ عَلْقَمَةُ : لَكِنَّا نُتِمُّهَا , يَعْنِي نُصَلِّي مَعَهُ وَنُتِمُّهَا وَعَنِ الْحَسَنِ : لاَ تَضُرُّ الْمُؤْمِنَ صَلاَتُهُ خَلْفَ الْمُنَافِقِ , وَلاَ تَنْفَعُ الْمُنَافِقَ صَلاَتُهُ خَلْفَ الْمُؤْمِنِ وَعَنْ قَتَادَةَ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ قَالَ : إنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، امْتَنَعَ مِنْ الصَّلاَةِ خَلْفَ الْمُخْتَارِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ , وَالْحَجَّاجِ , وَلاَ فَاسِقَ أَفْسَقُ مِنْ هَؤُلاَءِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَلاَ بِرَّ أَبَرُّ مِنْ الصَّلاَةِ وَجَمْعِهَا فِي الْمَسَاجِدِ فَمَنْ دَعَا إلَيْهَا فَفَرْضُ إجَابَتِهِ وَعَوْنِهِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الَّذِي دَعَا إلَيْهِمَا , وَلاَ إثْمَ بَعْدَ الْكُفْرِ آثَمُ مِنْ تَعْطِيلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ , فَحَرَامٌ عَلَيْنَا أَنْ نُعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ , وَالْحَجُّ , وَالْجِهَادُ , مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمِلْنَاهُ مَعَهُ , وَمَنْ دَعَانَا إلَى إثْمٍ لَمْ نُجِبْهُ , وَلَمْ نُعِنْهُ عَلَيْهِ وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ 489 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ صَلَّى جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَصَلاَةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ يَقِينًا فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا فَالْمُؤْتَمُّ بِمَنْ لاَ يُصَلِّي عَابِثٌ عَاصٍ مُخَالِفٌ لِمَا أُمِرَ بِهِ , وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فِي صَلاَتِهِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ وقال أبو حنيفة : لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ مَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ عَامِدًا كَانَ الإِمَامُ أَوْ نَاسِيًا وقال مالك : إنْ كَانَ نَاسِيًا فَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ , وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَلاَ صَلاَةَ لِمَنْ خَلْفَهُ وقال الشافعي , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , كَمَا قلنا قَالَ عَلِيٌّ : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا عِلْمُ الْغَيْبِ مِنْ طَهَارَتِهِ وَكُلُّ إمَامٍ يُصَلَّى وَرَاءَهُ فِي الْعَالَمِ : فَفِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا.فَصَحَّ أَنَّنَا لَمْ نُكَلَّفْ عِلْمَ يَقِينِ طَهَارَتِهِمْ وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ , وَلاَ يُبْطِلُ صَلاَةَ الْمَأْمُومِ إنْ صَحَّتْ بُطْلاَنُ صَلاَةِ الإِمَامِ , وَلاَ يُصِحُّ صَلاَةَ الْمَأْمُومِ إنْ بَطَلَتْ صِحَّةُ صَلاَةِ الإِمَامِ. وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَهُوَ مُنَاقِضٌ , لأَنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ نَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ فِي أَنَّ الإِمَامَ إنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا فَإِنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ انْتَقَضَتْ. قَالَ الْمَالِكِيُّونَ : وَصَلاَتُهُ أَيْضًا قَدْ بَطَلَتْ. ثُمَّ لاَ يَخْتَلِفُونَ : أَنَّ صَلاَةَ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ تُنْتَقَضْ ، وَلاَ طَهَارَتَهُمْ , فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ صَلاَةُ الْمَأْمُومِ مُتَعَلِّقَةً بِصَلاَةِ الإِمَامِ , وَأَنْ تَفْسُدَ بِفَسَادِهَا , وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ : فِي أَنَّ صَلاَةَ الْمَأْمُومِ إنْ فَسَدَتْ فَإِنَّهُ لاَ يُصْلِحُهَا صَلاَحُ صَلاَةِ الإِمَامِ , فَهَلاَّ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ فَقَالُوا : فَكَذَلِكَ إنْ صَحَّتْ صَلاَةُ الْمَأْمُومِ لَمْ يُفْسِدْهَا فَسَادُ صَلاَةِ الإِمَامِ فَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا , لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : يُصَلُّونَ لَكُمْ , فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكَمْ وَعَلَيْهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ : وَعُمْدَتُنَا فِي هَذَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ فَكَبَّرَ فَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ : أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ , فَصَلَّى بِهِمْ , فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ : إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ , وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا. قَالَ عَلِيٌّ : فَقَدْ اعْتَدُّوا بِتَكْبِيرِهِمْ خَلْفَهُ وَهُوَ عليه السلام جُنُبٌ قَالَ عَلِيٌّ : وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ فَأَعَادَ , وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّاسَ أَعَادُوا وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعَصْرِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ , فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِدْ أَصْحَابُهُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : فِيمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَنَّهُ يُعِيدُ ، وَلاَ يُعِيدُونَ , وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَاسٍ وَعَامِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ : لاَ يُعِيدُونَ خَلْفَ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ , وَيُعِيدُونَ خَلْفَ الْجُنُبِ وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ خَالَفَهُ عُمَرُ , وَابْنُ عُمَرَ , هَذَا لَوْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ , فَكَيْفَ ، وَلاَ يَصِحُّ , لإِنَّ فِي الطَّرِيقِ إلَيْهِ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ , وَهُوَ مُطَّرَحٌ , وَغَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زَحْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ وَرَوَى الْمُخَالِفُونَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ كَذَّابٌ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ وَهُوَ كَذَّابٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : فِي الْقَوْمِ يُصَلُّونَ خَلْفَ مَنْ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ نَاسِيًا أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُرْسَلاً لاَ حُجَّةَ فِيهِ , فَكَيْفَ وَفِيهِ : كَذَّابَانِ وَمَجْهُولٌ فَحَصَلَتْ الرِّوَايَةُ ، عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ , لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفُهَا , وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا الأَلْثَغُ , وَالأَلْكَنُ , وَالأَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ , وَاللَّحَّانُ : فَصَلاَةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ جَائِزَةٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَلَمْ يُكَلَّفُوا إلاَّ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , لاَ مَا لاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , فَقَدْ أَدَّوْا صَلاَتَهُمْ كَمَا أُمِرُوا , وَمَنْ أَدَّى صَلاَتَهُ كَمَا أُمِرَ فَهُوَ مُحْسِنٌ. قَالَ تَعَالَى ﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يُجِيزُ صَلاَةَ الأَلْثَغِ وَاللَّحَّانِ وَالأَلْكَنِ لِنَفْسِهِ وَيُبْطِلُ صَلاَةَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ فِي الصَّلاَةِ , وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُبْطِلُونَ صَلاَةَ مَنْ صَلَّى وَهُوَ جُنُبٌ نَاسِيًا , وَيُجِيزُونِ صَلاَةَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ وَهُوَ لاَ صَلاَةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 490 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ , لاَ فِي فَرِيضَةٍ , وَلاَ نَافِلَةٍ , وَلاَ أَذَانُهُ. وقال الشافعي : تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ , وَيَجُوزُ أَذَانُهُ وقال مالك : تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي النَّافِلَةِ ، وَلاَ تَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ قَالَ عَلِيٌّ : احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ إمَامَتَهُ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادُ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ : كُنَّا بِحَاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إذَا أَتَوْا النَّبِيَّ r فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا فَأَخْبَرُونَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ كَذَا وَقَالَ كَذَا , وَكُنْت غُلاَمًا حَافِظًا , فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا , فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلاَةَ , وَقَالَ : يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ , فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ , وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ , فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي , فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا , فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلاَمِ مَا فَرِحْتُ بِهِ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذَا فِعْلُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ , وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَهُ , لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , مُخَالِفٌ فَأَيْنَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ : الْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهُمْ أَتْرَكُ النَّاسِ لَهُ. لاَ سِيَّمَا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إنَّ مَا لاَ يُعْرَفُ فِيهِ خِلاَفٌ : فَهُوَ إجْمَاعٌ , وَقَدْ وَجَدْنَا لِعَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ هَذَا : صُحْبَةً , وَوِفَادَةً عَلَى النَّبِيِّ r مَعَ أَبِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حَاجَةَ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ إقْرَارٍ , أَوْ قَوْلٍ , أَوْ عَمَلٍ , وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَرَفَ هَذَا وَأَقَرَّهُ لَقُلْنَا بِهِ , فأما إذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَثَرٌ فَالْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ أَنْ يُرَدَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ : فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ قَالَ : إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكَانَ الْمُؤَذِّنُ مَأْمُورًا بِالأَذَانِ , وَالإِمَامُ مَأْمُورًا بِالإِمَامَةِ , بِنَصِّ هَذَا الْخَبَرِ. وَوَجَدْنَاهُ r قَدْ قَالَ : إنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ ، عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ. فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ ، وَلاَ مُكَلَّفٍ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالأَذَانِ , وَلاَ بِالإِمَامَةِ , وَإِذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِمَا فَلاَ يُجْزِئَانِ إلاَّ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِمَا , لاَ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا , وَمَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يُؤْتَمَّ بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِحَالِهِ فَصَلاَتُهُ بَاطِلٌ , فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ , وَظَنَّهُ رَجُلاً بَالِغًا : فَصَلاَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ تَامَّةٌ , كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ جُنُبٍ , أَوْ كَافِرٍ لاَ يَعْلَمُ بِهِمَا ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ إمَامَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْفَرِيضَةِ وَبَيْنَ إمَامَتِهِ فِي النَّافِلَةِ : فَكَلاَمٌ لاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ 491 - مَسْأَلَةٌ : وَصَلاَةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ جَائِزَةٌ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الرِّجَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ ذَلِكَ , وَأَجَازَ ذَلِكَ : وقال الشافعي : بَلْ هِيَ السُّنَّةُ وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا مَنْعُهُنَّ مِنْ إمَامَةِ الرِّجَالِ : فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَخْبَرَ : أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ , وَأَنَّ مَوْقِفَهَا فِي الصَّلاَةِ خَلْفَ الرِّجَالِ , وَالإِمَامُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ أَمَامَ الْمُؤْتَمِّينَ , أَوْ مِنْ الْوُقُوفِ ، عَنْ يَسَارِ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ. فَلَوْ تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَ الرَّجُلِ لَقَطَعَتْ صَلاَتَهُ , وَصَلاَتَهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّتْ إلَى جَنْبِهِ , لِتَعَدِّيهَا الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ , فَقَدْ صَلَّتْ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَتْ وَأَمَّا إمَامَتُهَا النِّسَاءَ : فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَقْطَعُ صَلاَةَ الْمَرْأَةِ إذَا صَلَّتْ أَمَامَهَا أَوْ إلَى جَنْبِهَا , وَلَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَكَذَلِكَ : إنْ أَذَّنَّ وَأَقَمْنَ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا ذَكَرْنَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنَ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ هُوَ أَبُو حَازِمٍ ، عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّتَهُنَّ فِي الْفَرِيضَةِ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا زِيَادُ بْنُ لاَحِقٍ ، عَنْ تَمِيمَةَ بِنْتِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّهَا أَمَّتْ النِّسَاءَ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ فَقَامَتْ وَسَطُهُنَّ وَجَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ وبه إلى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أُمَّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَتْهُمْ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّهُنَّ فِي رَمَضَانَ وَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ قَالَ عَلِيٌّ : هِيَ خِيرَةُ ثِقَةِ الثِّقَاتِ , وَهَذَا إسْنَادٌ كَالذَّهَبِ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : تُقِيمُ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا وَقَالَ طَاوُوس : كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُؤَذِّنُ , وَتُقِيمُ : وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ ، عَنْ حُجَيْرَةَ بِنْتِ حُصَيْنٍ قَالَتْ أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ , وَقَامَتْ بَيْنَنَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ , وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَؤُمُّ نِسَاءَهُ فِي رَمَضَانَ وَعَنْ عَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ , وَالْحَسَنِ , جَوَازُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ فِي الْفَرِيضَةِ , وَالتَّطَوُّعِ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَعَنِ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِالنِّسَاءِ فِي رَمَضَانَ , وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ : يُسْتَحَبُّ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ , وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ لِمَنْعِهَا مِنْ التَّقَدُّمِ حُجَّةً أَصْلاً , وَحُكْمُهَا عِنْدَنَا التَّقَدُّمُ أَمَامَ النِّسَاءِ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ إمَامَتَهَا النِّسَاءَ حُجَّةً أَصْلاً. لاَ سِيَّمَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا , لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَصْلاً , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ , وَيَرَوْنَهُ خِلاَفًا لِلإِجْمَاعِ , وَهُوَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ خِلاَفُهُمْ , إذَا لَمْ يُوَافِقْ أَهْوَاءَهُمْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 492 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا أَحْدَثَ الإِمَامُ , أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ , فَخَرَجَ , فَاسْتَخْلَفَ : فَحَسَنٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَلْيَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمْ يُتِمَّ بِهِمْ الصَّلاَةَ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ انْتِظَارَهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُتِمَّ بِهِمْ صَلاَتَهُمْ , ثُمَّ يُتِمَّ لِنَفْسِهِ أَمَّا انْتِظَارُهُ : فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ جَنُبَ فَخَرَجَ وَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ عَادَ , وَقَدْ اغْتَسَلَ فَصَلَّى بِهِمْ وَأَمَّا اسْتِخْلاَفُهُمْ : فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ r مَضَى إلَى قُبَاءَ فَقَدَّمَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r . فَلَمَّا أَحَسَّ أَبُو بَكْرٍ بِهِ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ عليه السلام فَصَلَّى بِالنَّاسِ , وَلاَِنَّ فَرْضًا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا , فَلاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْ إمَامٍ إمَّا بِاسْتِخْلاَفِ إمَامِهِمْ , وَأَمَّا بِاسْتِخْلاَفِهِمْ أَحَدَهُمْ , وَأَمَّا بِتَقَدُّمِ أَحَدِهِمْ وقال أبو حنيفة : إنْ أَحْدَثَ الإِمَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ وَاسْتَخْلَفَ : جَازَ ذَلِكَ. وَصَلاَتُهُمْ كُلُّهُمْ تَامَّةٌ. فَلَوْ كَبَّرَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ بَطَلَتْ صَلاَةُ الْجَمِيعِ. فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَطَلَتْ صَلاَةُ الْجَمِيعِ قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ , وَلَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ بَهْجَةِ الْحَقِّ أَثَرٌ وَلَيْتَ شِعْرِي إذَا أَحْدَثَ سَاجِدًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ : فِي صَلاَةٍ هُوَ أَمْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَهَلْ إمَامَتُهُ لَهُمْ بَاقِيَةٌ أَوْ لاَ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ : فَإِنْ قَالُوا : هُوَ فِي صَلاَةٍ وَإِمَامَتُهُ بَاقِيَةٌ , جَعَلُوهُ مُصَلِّيًا بِلاَ وُضُوءٍ , وَإِمَامًا بِلاَ وُضُوءٍ , وَهَذَا خِلاَفُ أَصْلِهِمْ الآخَر الْفَاسِدِ فِي بُطْلاَنِ صَلاَةِ مَنْ ائْتَمَّ بِإِمَامٍ هُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا ثم نقول لَهُمْ : إذْ هُوَ فِي صَلاَةٍ وَهُوَ بَعْدُ بَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ لَهُمْ فَمَا ذَنْبُهُ إذْ كَبَّرَ فَأَبْطَلَ صَلاَةَ نَفْسِهِ وَصَلاَتَهُمْ هَذِهِ عَدَاوَةٌ مِنْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَخِيَّةُ قَوْلِكُمْ : مَنْ عَطَسَ فِي صَلاَتِهِ فَقَالَ بِلِسَانِهِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَلَوْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَذَفَ مُحْصَنَةً , أَوْ ضَرَطَ عَامِدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ تَعَالَى اللَّهُ , مَا أَوْحَشَ هَذِهِ الأَقْوَالَ الَّتِي لاَ يَحِلُّ قَبُولُهَا إلاَّ لَوْ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ r وَحْدَهُ , الَّذِي لَمْ نَأْخُذْ الصَّلاَةَ , وَلاَ الدِّينَ , وَلاَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى إلاَّ عَنْهُ , فَلاَ يَحِلُّ لَنَا إذَنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ كَمَا أَمَرَنَا وَإِنْ قَالُوا : بَلْ لَيْسَ فِي صَلاَةٍ , وَلاَ هُمْ بَعْدُ فِي إمَامَتِهِ قلنا لَهُمْ : فَإِذْ قَدْ خَرَجَ بِالْحَدَثِ مِنْ إمَامَتِهِمْ وَعَنِ الطَّهَارَةِ الَّتِي لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِهَا : فَمَا الَّذِي وَلَّدَ عَلَيْهِ تَكْبِيرُهُ مِنْ الضَّرَرِ , حَتَّى أَحْدَثَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " : بُطْلاَنَ صَلاَتِهِ , وَكَذَلِكَ خُرُوجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ السَّخَافَةِ غَيْرُ قَلِيلٍ وَهَذَا مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ طُولُهُ ثَمَانُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَنَيِّفٍ , وَرُبَّ مَسْجِدٍ لَيْسَ عَرْضُهُ إلاَّ ثَلاَثَةُ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهَا , وَطُولُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَطْ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَسْلِيمِهِ إيَّانَا مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْمُنَافِرَةِ لِصِحَّةِ الدِّمَاغِ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُكَبِّرْ بَعْدُ , أَوْ قَدْ كَبَّرَ , أَوْ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَوَّلَ صَلاَتِهِ , أَوْ قَدَّمُوا لَهُمْ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ , أَوْ تَقَدَّمَ هُوَ : فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ , إذْ اسْتِخْلاَفُ إمَامٍ يُتِمُّ بِهِمْ فَرْضٌ كَمَا ذَكَرْنَا , لِوُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِمْ , فَلْيَبْدَأْ الْمُسْتَخْلِفُ إنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَاسْتُخْلِفَ فِي الثَّانِيَةِ : فَيُتِمَّ تِلْكَ الرَّكْعَةِ بِهِمْ , ثُمَّ إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْهَا أَشَارَ إلَيْهِمْ فَجَلَسُوا , وَقَامَ هُوَ إلَى ثَانِيَتِهِ , فَإِذَا أَتَمَّهَا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ , ثُمَّ قَامَ وَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَمَّ بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ الرَّكْعَةِ : إنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ , فَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحَ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , فَإِذَا أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ سَلَّمَ وَسَلَّمُوا فَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ وَاسْتُخْلِفَ فِي الْجُلُوسِ كَبَّرَ وَقَامُوا مَعَهُ بَعْدَ أَنْ يُتِمُّوا تَشَهُّدَهُمْ بِأَسْرَعَ مَا يُمْكِنُ , وَأَتَى بِالرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَهُمْ مَعَهُ , فَإِذَا جَلَسُوا قَامَ إلَى بَاقِي صَلاَتِهِ فَأَتَمَّهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جُلُوسِ الصُّبْحِ فَكَذَلِكَ , ثُمَّ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا فَإِنْ فَاتَتْهُ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ وَاسْتُخْلِفَ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةِ صَلاَّهَا , فَإِذَا رَفَعَ مِنْ آخِرِ سُجُودِهِ قَامَ وَجَلَسُوا , ثُمَّ أَتَى بِرَكْعَةٍ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ , ثُمَّ قَامَ وَأَتَى بِبَاقِي صَلاَتِهِ , ثُمَّ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا وَبِالْجُمْلَةِ فَلاَ يُصَلِّي إلاَّ صَلاَةَ نَفْسِهِ , لاَ كَمَا كَانَ يُصَلِّي لَوْ كَانَ مَأْمُومًا , لاَِنَّهُ إمَامٌ وَالإِمَامُ لاَ يَتْبَعُ أَحَدًا فِي صَلاَتِهِ لَكِنْ يُتْبَعُ فِيهَا , وَأَمَّا هُمْ فَيَتْبَعُونَهُ فِيمَا لاَ يُرِيدُونَ بِهِ فِي صَلاَتِهِمْ وُقُوفًا ، وَلاَ سَجْدَةً ثَالِثَةً , وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسِ إلاَّ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ فِي مُؤَخَّرِ الصُّفُوفِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَحَدِ جِهَاتِ الصَّفِّ الأَوَّلِ : فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مُسْتَقْبِلاً لِلْقِبْلَةِ كَمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ إلَى مَوْقِفِ الإِمَامِ ; لإِنَّ فَرْضَ الإِمَامِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ وَرَاءَهُ ، وَلاَ بُدَّ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ ، عَنْ كَوْنِ وَجْهِهِ إلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , إلاَّ لِضَرُورَةٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 493 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ وَهُوَ يَنْظُرُ مَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ , لاَ فِي فَرِيضَةٍ ، وَلاَ نَافِلَةٍ , فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ , وَصَلاَةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ عَالِمًا بِحَالِهِ , عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ قَالَ عَلِيٌّ : مَنْ لاَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةَ مَا لاَ يَحْفَظُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ. قَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا ذَلِكَ فَتَكَلَّفَهُ مَا سَقَطَ عَنْهُ : بَاطِلٌ , وَنَظَرُهُ فِي الْمُصْحَفِ عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهِ فِي الصَّلاَةِ نَصٌّ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام : إنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً وَكَذَلِكَ صَلاَةُ مَنْ صَلَّى عَلَى عَصًا , أَوْ إلَى حَائِطٍ لِضَعْفِهِ ، عَنِ الْقِيَامِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَحُكْمُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ يُصَلِّي جَالِسًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَضْلاً لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَوْلَى بِذَلِكَ , لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ , بَلْ صَلَّى جَالِسًا إذْ عَجَزَ ، عَنِ الْقِيَامِ , وَأَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ , فَصَلاَةُ الْمُعْتَمِدِ : مُخَالِفَةٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَقَدْ قَالَ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنِ , وَغَيْرِهِمَا 494 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَسِيَ صَلاَةَ فَرْضٍ أَيَّ صَلاَةٍ كَانَتْ فَوَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي صَلاَةً أُخْرَى أَيَّ صَلاَةٍ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ : فَفَرْضٌ عَلَيْهِ ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ فَيُصَلِّي الَّتِي فَاتَتْهُ , وَتُجْزِئُهُ , وَلاَ نُبَالِي بِاخْتِلاَفِ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَجَائِزٌ صَلاَةُ الْفَرْضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ : وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ , وَصَلاَةُ فَرْضٍ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صَلاَةَ فَرْضٍ أُخْرَى , كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ , وَسُنَّةٌ وَلَوْ وَجَدَ الْمَرْءُ جَمَاعَةً تُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ , وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ , فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ , يَنْوِي فَرْضَهُ , فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ أَتَمَّ صَلاَتَهُ فَلاَ يُسَلِّمُ , بَلْ يَقُومُ , فَإِنْ قَامَ الإِمَامُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ : قَامَ هُوَ أَيْضًا فَائْتَمَّ بِهِ فِيهِمَا , ثُمَّ يُسَلِّمُ بِسَلاَمِ الإِمَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ صَلاَةً فَائِتَةً وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلِّيَ إمَامٌ وَاحِدٌ بِجَمَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فِي مَسَاجِدَ شَتَّى صَلاَةً وَاحِدَةً هِيَ لَهُمْ : فَرْضٌ , وَكُلُّهَا لَهُ : نَافِلَةٌ , سِوَى الَّتِي صَلَّى أَوَّلاً. وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى صَلاَةَ فَرْضٍ فِي جَمَاعَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلاَةِ جَمَاعَةً أُخْرَى وَجَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ. وَمَنْ فَاتَتْهُ الصُّبْحُ فَوَجَدَ قَوْمًا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ صَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الصُّبْحَ , ثُمَّ سَلَّمَ , وَصَلَّى الْبَاقِيَتَيْنِ بِنِيَّةِ الظُّهْرَ , ثُمَّ أَتَمَّ ظُهْرَهُ , وَهَكَذَا يَعْمَلُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ عَلَى حَسْبِ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : لاَ يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ نِيَّةُ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. قَالَ عَلِيٌّ : إنَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ الْحَنِيفِيُّونَ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ وَالْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ , أَوْ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ. وَفِيهِمْ مَنْ يُجِيزُ صَوْمَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الإِفْطَارِ , وَتَرْكَ الصَّوْمِ وَكُلُّهُمْ يُجِيزُهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَيُجْزِئُهُ ، عَنْ فَرْضِهِ , وَبِنِيَّةِ الْفِطْرِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ , فَيُبْطِلُونَ النِّيَّاتِ حَيْثُ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ r ثُمَّ يُوجِبُونَهَا هَهُنَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r . وَفِي الْمَالِكِيِّينَ مَنْ يُجْزِئُ عِنْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ , وَدُخُولُ الْحَمَّامِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ , فَيُسْقِطُونَ النِّيَّةَ حَيْثُ هِيَ فَرْضٌ , وَيُوجِبُونَهَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r . قَالَ عَلِيٌّ : وَإِنَّمَا يَجِبُ الْكَلاَمُ فِي وُجُوبِ اتِّفَاقِ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ , أَوْ فِي سُقُوطِ وُجُوبِهِ , فَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهُ صَحَّتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرْنَا كُلُّهَا , لاَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الأَصْلِ , وَمُنْتَجَةٌ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ : فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ : قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قِيَاسٌ : يُوجِبُ اتِّفَاقَ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ , وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , فَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ , وَهَذِهِ شَرِيعَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا , فَهِيَ بَاطِلٌ ثُمَّ الْبُرْهَانُ يَقُومُ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ ذَلِكَ , وَقَدْ كَانَ يَكْفِي مِنْ سُقُوطِهِ عَدَمُ الْبُرْهَانِ عَلَى وُجُوبِهِ قَالَ عَلِيٌّ : مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ مِنَّا لِنِيَّةِ الإِمَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا عِلْمُ مَا غُيِّبَ عَنَّا مِنْ نِيَّةِ الإِمَامِ حَتَّى نُوَافِقَهَا , وَإِنَّمَا عَلَيْنَا مَا يَسَعُنَا وَنَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْدِ بِنِيَّاتِنَا تَأْدِيَةَ مَا أُمِرْنَا بِهِ كَمَا أُمِرْنَا , وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ وَبُرْهَانٌ آخَرُ : وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ كَافٍ فِي إبْطَالِ قَوْلِهِمْ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ قلنا : نَعَمْ , وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَلْزَمُ الاِئْتِمَامَ بِالإِمَامِ فِيهَا , وَهِيَ قَوْلُهُ عليه السلام : فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا , وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا , وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا , وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا فَهَاهُنَا أَمَرَ عليه السلام بِالاِئْتِمَامِ فِيهِ , لاَ فِي النِّيَّةِ الَّتِي لاَ سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى , ثُمَّ لِنَاوِيهَا وَحْدَهُ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ مِنْ إيجَابِ مُوَافَقَةِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِنِيَّةِ الإِمَامِ : أَوَّلُ عَاصِينَ لِهَذَا الْخَبَرِ : فَيَقُولُونَ : لاَ يَقْتَدِي الْمَأْمُومُ بِالإِمَامِ فِي قَوْلِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : هَذَا قَالُوا : لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ r ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُمْ : وَلاَ نَهَى عَنْهُ , وَلاَ ذَكَرَ عليه السلام أَيْضًا مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِلإِمَامِ , لاَ فِي هَذَا ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَمْرِهِ بِأَنْ نُصَلِّيَ قُعُودًا إذَا صَلَّى قَاعِدًا , فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَ نَصَّ مَا فِيهِ وَيُوجِبُونَ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَقَالَ عليه السلام : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَنَصَّ عليه السلام نَصًّا جَلِيًّا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا نَوَى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِلإِمَامِ نِيَّتَهُ , وَلِلْمَأْمُومِ نِيَّتَهُ , لاَ تَعَلُّقَ لاِِحْدَاهُمَا بِالآُخْرَى , وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ بَحْتٌ لاَ شَكَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عِشَاءَ الآخِرَةِ , ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ وبه إلى مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ r ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ , فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ r الْعِشَاءَ , ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ , فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ , فَقَالُوا لَهُ : أَنَافَقْتَ يَا فُلاَنُ قَالَ : لاَ وَاَللَّهِ , وَلاَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ , وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ : يَا مُعَاذُ , أَفَتَّانٌ أَنْتَ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ r قَدْ عَلِمَ بِالأَمْرِ وَأَقَرَّهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهَا حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ مَيْسَرَةَ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ ; لإِنَّ بَعْضَ مَنْ لاَ يَرْدَعُهُ دِينٌ ، عَنِ الْكَذِبِ قَالَ : لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إلاَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ فَأَرَيْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ , وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ثِقَتِهِ , ثُمَّ حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ بِهَا عَمْرٌو فَكَانَ مَاذَا مَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ عَمْرًا هُوَ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ثِقَةً وَحِفْظًا وَإِمَامَةً , وَبِلاَ شَكٍّ فَهُوَ فَوْقَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اللَّذَيْنِ يُعَارِضُ هَؤُلاَءِ السُّنَنِ بِرَأْيِهِمَا الَّذِي أَخْطَآ فِيهِ ; لإِنَّ عَمْرًا لَقِيَ الصَّحَابَةَ وَأَخَذَ عَنْهُمْ. وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ عَمْرٍو : أَنْ يَكُونَ فِي نِصَابِ شُيُوخِ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ : كَالزُّهْرِيِّ , وَنَافِعٍ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ رَوَى ، عَنْ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمِثْلِهِمَا : كَأَيُّوبَ , وَمَنْصُورٍ , وَشُعْبَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , وَسُفْيَانَ , وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ فِي هَذَا مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْ فِعْلِ مُعَاذٍ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r صَلاَةَ الْخَوْفِ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ , وَاَلَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ , فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ r أَرْبَعًا , وَلِهَؤُلاَءِ رَكْعَتَيْنِ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْعَنْبَرِيُّ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا الأَشْعَثُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ , فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ , وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ , فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ , ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ , فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ , فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَرْبَعًا وَلاَِصْحَابِهِ : رَكْعَتَيْنِ , رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْحَسَنُ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ : كَمَا قَدْ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا أَبُو مُوسَى هُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُول : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى الْمِنْبَرِ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مَعَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَبُو مُوسَى هَذَا : ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَفَّانُ ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبَانُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ : فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ , فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا , وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الآُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ جَابِرٌ : فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ r أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ , وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. قال علي : وهذا حَدِيثٌ سَمِعَهُ يَحْيَى مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ جَابِرٍ , وَرُوِّينَاهُ كَذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ , اكْتَفَيْنَا بِهَذَا طَلَبَ الاِخْتِصَارِ. فَهَذَا آخِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r لإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ شَهِدَهُ , وَإِنَّمَا كَانَ إسْلاَمُهُ يَوْمَ الطَّائِفِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَ حُنَيْنٍ وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا يَلْجَأُ إلَيْهِ الْمَفْضُوحُ الْمُبْلِحُ الَّذِي لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ : لَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَلَّمَ عليه السلام بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ , وَالرَّكْعَتَيْنِ قَالَ عَلِيٌّ : فَيُقَالُ لَهُ : كَذَبْت , قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام سَلَّمَ بَيْنَهُمَا. فَقَالُوا : قَدْ تُكُلِّمَ فِي سَمَاعِ قُتَيْبَةَ مِنْ سُلَيْمَانَ . فَقُلْنَا : أَنْتُمْ تَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ , فَالآنَ أَتَاكُمْ التَّعَلُّلُ بِالْبَاطِلِ فِي الْمُسْنَدِ بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ , إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو بَكْرَةَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ عليه السلام سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ , وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ , لأَنَّهُمْ إنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُو أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى عَلَى مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهُوَ مُسَافِرٌ : أَنَّ صَلاَتَهُ فَاسِدَةٌ , إلاَّ أَنْ يَجْلِسَ فِي الاِثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَتَصِحُّ صَلاَتُهُ , وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ يَقُومُ إلَيْهِمَا تَطَوُّعًا. فَإِنْ كَانَ عليه السلام لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَلاَتُهُ عِنْدَهُمْ فَاسِدَةٌ , فَإِنْ أَقْدَمُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَفَرُوا بِلاَ مِرْيَةٍ. وَإِنْ كَانَ عليه السلام قَعَدَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ , فَقَدْ صَارَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مُصَلِّيَةً فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ , وَهُوَ عليه السلام مُتَنَفِّلٌ , وَهَذَا قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْمُسَافِرَ إنْ صَلَّى أَرْبَعًا : فَقَدْ أَسَاءَ فِي صَلاَتِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ. فَإِنْ قَالُوا : هَذَا فِي صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ r كَفَرُوا بِلاَ مِرْيَةٍ , وَإِنْ قَالُوا : بَلْ سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ : أَقَرُّوا بِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ ، رضي الله عنهم ، صَلَّوْا فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ عليه السلام وَهُوَ مُتَنَفِّلٌ وَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مَعَ النَّبِيِّ r مِمَّنْ حَضَرَ , وَلاَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى مَنْ غَابَ , وَكُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ لاَِمْرِهِ عليه السلام وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ مِنْ مُقَلِّدِي مَالِكٍ إلَى أَنْ قَالَ : هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ r , لإِنَّ فِي الاِئْتِمَامِ بِهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي النَّافِلَةِ مَا لَيْسَ فِي الاِئْتِمَامِ بِغَيْرِهِ فِي الْفَرِيضَةِ : قَالَ عَلِيٌّ : فَرَّ هَذَا الْبَائِسُ مِنْ الإِذْعَانِ لِلْحَقِّ إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَعْوَاهُ الْخُصُوصَ فِيمَا لَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ : إنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ. بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، أَنَّهُ قَالَ صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ : إنَّهُ يَجُوزُ مَعَهُ عليه السلام فِي الصَّلاَةِ مَا لاَ يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِ , إلاَّ هَؤُلاَءِ الْمُقَدِّمُونَ , نَصْرًا لِتَقْلِيدِهِمْ الْفَاسِدِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَاعْتَرَضُوا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا , وَإِنْ كُنَّا غَانِينَ ، عَنْ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَجَابِرٍ , لَكِنَّ نَصْرَ الْحَقِّ فَضِيلَةٌ , وَقَمْعَ الْبَاطِلِ وَسِيلَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى

قَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ يَجُوزُ اخْتِلاَفُ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَخْبَرَ الْجُرْجَانِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسِ الْقِتْبَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الَّتِي أُقِيمَتْ : 

قال علي : وهذا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ ; لإِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو صَالِحٍ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ : فَهُوَ مَا رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، وَابْنُ جُرَيْجِ بْنِ سَلَمَةَ وَوَرْقَاءُ بْنُ عَمْرٍو وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيّ r : قَالَ : إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الْمَكْتُوبَةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَفْظُ صَالِحٍ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ ; لإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الصُّبْحِ إذَا أُقِيمَتْ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ , وَلاَ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ : يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الَّتِي أُقِيمَتْ فَسُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَهُمْ لِلاِحْتِجَاجِ بِمَا لاَ يَصِحُّ مِنْ الأَخْبَارِ فِي إبْطَالِ مَا صَحَّ مِنْهَا ثُمَّ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلاَفِ مَا احْتَجُّوا بِهِ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ وَأَيْضًا : فَهُمْ مُصَفِّقُونَ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَقُلْنَا بِهِ , وَلاَسْتَعْمَلْنَا مَعَهُ مَا قَدْ صَحَّ مِنْ سَائِرِ الأَخْبَارِ , مِنْ حَدِيثِ : مُعَاذٍ , وَجَابِرٍ , وَأَبِي بَكْرَةَ , وَأَبِي ذَرٍّ , وَلَمْ نَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا لِشَيْءٍ آخَرَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ خَبَرًا : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَيَأْتِي مُعَاذٌ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَا مُعَاذُ لاَ تَكُنْ فَتَّانًا إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ لِقَوْمِكَ , أَوْ تَجْعَلَ صَلاَتَكَ مَعِي. فَادَّعَوْا مِنْ هَذَا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَجْعَلُ الَّتِي يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ r نَافِلَةً قال علي : وهذا تَأْوِيلٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ , لِوُجُوهٍ سِتَّةٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ كَذِبٌ وَدَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ , وَهَذَا لاَ يَعْجِزُ عَنْهُ مَنْ لاَ يَحْجُزُهُ عَنْهُ تَقْوَى أَوْ حَيَاءٌ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ مُنْقَطِعٌ ; لإِنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ r ، وَلاَ أَدْرَكَ هَذَا الَّذِي شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِمُعَاذٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : أَنَّ سُلَيْمًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r إنِّي رَجُلٌ أَعْمَلُ نَهَارِي حَتَّى إذَا أَمْسَيْتُ أَمْسَيْتُ نَاعِسًا , فَيَأْتِينَا مُعَاذٌ وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا , فَلَمَّا احْتَبَسَ صَلَّيْتُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : أَنَّ سُلَيْمًا صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ : إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الْمَكْتُوبَةَ. وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ثُمَّ يَكُونُ مُعَاذٌ وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ هَذِهِ الآُمَّةِ بِالدِّينِ يُضَيِّعُ فَرْضَ صَلاَتِهِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ , فَيَتْرُكُ أَدَاءَهُ , وَيَشْتَغِلُ بِالتَّنَفُّلِ , وَصَلاَةُ الْفَرْضِ قَدْ أُقِيمَتْ , حَتَّى لاَ يُدْرِكَ مِنْهَا شَيْئًا , لاَ سِيَّمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r . فَلَيْتَ شِعْرِي , إلَى مَنْ كَانَ يُؤَخِّرُ مُعَاذٌ صَلاَةَ فَرْضِهِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَهُ رَاغِبًا ، عَنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r اتِّبَاعًا لِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَلاَّ إنَّ هَذَا هُوَ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ , قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاذًا عَنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ وَالرَّابِعُ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ السَّخِيفَ الَّذِي لَمْ يَسْتَحْيُوا مِنْ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى مُعَاذٍ t : لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا , وَهُوَ أَنْ تَحْضُرَ صَلاَةُ فَرْضٍ فَيَنْوِيَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بَعْدُ تِلْكَ الصَّلاَةَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ لاَ يَنْوِي بِهَا إلاَّ التَّطَوُّعَ فَفِي كُلِّ حَالٍ قَدْ نَسَبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لاَ يَحِلُّ عِنْدَهُمْ ، وَلاَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ , وَهَذِهِ فِتْنَةُ سُوءٍ مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ , فَأَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي أَنْ يَنْسُبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لاَ يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بِلاَ مَعْنًى وَالْخَامِسُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : إذْ جَوَّزْتُمْ لِمُعَاذٍ مَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r وَمُعَاذٌ لَمْ يُصَلِّ ذَلِكَ الْفَرْضَ بَعْدُ , وَهُوَ عليه السلام يُصَلِّي فَرْضَهُ : فَأَيُّ فَرْقٍ فِي شَرِيعَةٍ , أَوْ فِي مَعْقُولٍ بَيْنَ صَلاَةِ نَافِلَةٍ خَلْفَ مُصَلِّي فَرِيضَةٍ , وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ مِنْهُ مِنْ صَلاَةِ فَرْضٍ خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً , وَكِلاَهُمَا اخْتِلاَفُ نِيَّةِ الإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِ , وَلاَ فَرْقَ فَهَلاَّ قَاسُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الآخَرِ وَهَلاَّ قَاسُوا جَوَازَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مِنْ الأَئِمَّةِ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْحَاجِّ تَطَوُّعًا مِنْ الأَئِمَّةِ , يَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ وَيَأْتَمُّ بِهِ فِي حَجِّهِ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهِ , وَهُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَلَكِنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ فِيمَا شَغَلُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَتَرَكُوا السُّنَنَ فَكَيْفَ بِمَا لاَ يَشْتَغِلُونَ بِهِ مِنْ طَلَبِ السُّنَنِ وَالاِعْتِنَاءِ بِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ قَالَ عَلِيٌّ : وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ هُنَا بِكَلاَمٍ يُشْبِهُ كَلاَمَ الْمَمْرُورِينَ وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ بَعْضَ سَبَبِ التَّطَوُّعِ سَبَبُ الْفَرِيضَةِ , وَأَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ صَلاَةً لاَ يَنْوِي بِهَا شَيْئًا كَانَ دَاخِلاً فِي نَافِلَةٍ قال علي : هذا كَلاَمٌ لاَ يَفْهَمُهُ قَائِلُهُ فَكَيْفَ سَامِعُهُ وَحَقُّ قَائِلِهِ سُكْنَى الْمَارَسْتَانِ وَمُعَانَاةُ دِمَاغِهِ وَيُقَالُ لَهُ : اجْعَلْ هَذَا الْكَلاَمَ حُجَّةً فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ وَأَيْضًا : فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ , بَلْ مَنْ ابْتَدَأَ صَلاَةً لاَ يَنْوِي بِهَا شَيْئًا فَلَيْسَ مُصَلِّيًا ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَنَحْنُ نَدِينُ بِأَنَّ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ r أَحَقُّ بِالاِتِّبَاعِ مِنْ كَلاَمِ هَذَا الْمُمَخْرِقِ بِالْهَذَيَانِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً , لاَِنَّهُ وَاضِحُ الْمَعْنَى , وَكَانَ يَكُونُ قَوْلُهُ عليه السلام إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ ، عَنْ قَوْمِكَ أَوْ اجْعَلْ صَلاَتَكَ مَعِي أَيْ لاَ تُصَلِّ بِهِمْ إذَا لَمْ تُخَفِّفْ بِهِمْ , وَاقْتَصِرْ عَلَى أَنْ تَكُونَ صَلاَتُك مَعِي فَقَطْ , هَذَا مُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي لاَ يَحْتَمِلُ سِوَاهُ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَعَافِرِيِّ قَالَ : وَكَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَيُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ r فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ r أَنْ يُعِيدُوا الصَّلاَةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَخَبَرٍ آخَرَ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إلَى أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ شَاذِ بْنُ دَاوُد الْمِصْرِيُّ قَالَ : حدثنا عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سَعِيدِ الأَزْدِيُّ الْحَافِظُ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمَةَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ : حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : سَمِعْت يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَقُولُ : أَنَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلاَطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ , فَقُلْتُ : أَلاَ تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ : قَدْ صَلَّيْتُ فِي رَحْلِي إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قَالَ : فَكَانَتْ صَلاَةُ مُعَاذٍ إذْ كَانَ مُبَاحًا أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلاَةَ مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : فَصَحِيحٌ , وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ : فَسَاقِطٌ ; لاَِنَّهُ مُرْسَلٌ. ثُمَّ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا : أَوَّلُ ذَلِكَ : أَنَّ قَائِلَ هَذَا قَدْ كَذَبَ , وَمَا كَانَ قَطُّ مُبَاحًا أَنْ تُصَلِّيَ صَلاَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ مَرَّتَيْنِ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ إلاَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ , حَاشَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَطْ , وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ : هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهَ بِهِ هَذَا الْمُمَوِّهُ وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاحِدٌ , وَهُوَ حَقٌّ , وَمَا حَلَّ قَطُّ , وَلاَ قلنا نَحْنُ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ : أَنْ تُصَلَّى صَلاَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ : وَإِنَّمَا قلنا : أَنْ تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ , كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَصْحَابُهُ ، رضي الله عنهم ، , وَتُصَلَّى النَّافِلَةُ خَلْفَ مُصَلِّي الْفَرْضِ , كَمَا أَمَرَ عليه السلام , وَكَمَا يُجِيزُونَ هُمْ أَيْضًا مَعَنَا. وَتُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ خَلْفَ مُؤَدِّي فَرِيضَةٍ أُخْرَى , كَمَا أَخْبَرَ عليه السلام : بِأَنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى , وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام ، عَنْ ذَلِكَ قَطُّ ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ , حَتَّى حَدَثَ مَا حَدَثَ وَإِنَّمَا الْمُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلاَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ : فَالْمَالِكِيُّونَ الْقَائِلُونَ : بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ فِي الْوَقْتِ , وَبِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلاَةً فِي أُخْرَى : صَلَّى الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ الَّتِي ذَكَرَ , ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي صَلَّى , وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ , وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا وقال بعضهم قَوْلاً يَجْرِي فِي الْقُبْحِ مَجْرَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ وَيُرْبِي عَلَيْهِ , وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاذٍ لِعَدَمِ مَنْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ حِينَئِذٍ قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ اتَّقَى اللَّهَ قَائِلُ هَذَا الْهَوَسِ أَوْ اسْتَحْيَا مِنْ الْكَذِبِ , لَمْ يَنْصُرْ الْبَاطِلَ بِمَا هُوَ أَبْطَلُ مِنْهُ. وَلَوْ عَرَفَ قَدْرَ الصَّحَابَةِ وَمَنْزِلَتَهُمْ فِي الْعِلْمِ : لَمْ يَقُلْ هَذَا ; لاَِنَّنَا نَجِدُ , الزِّنْجِيَّ وَالتُّرْكِيَّ , وَالصَّقْلَبِيَّ وَالرُّومِيَّ وَالْيَهُودِيَّ : يُسَلِّمُونَ , فَلاَ تَمْضِيَ لَهُمْ جُمُعَةٌ إلاَّ وَقَدْ تَعَلَّمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ , وَالرَّجُلُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَمَا يُقِيمُونَ بِهِ صَلاَتَهُمْ. وَلَمْ يَسْتَحِ هَذَا الْجَاهِلُ الْوَقَّاحُ أَنْ يَنْسُبَ إلَى حَيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أَحْيَاءِ الأَنْصَارِ , وَحَيٍّ آخَرَ صَغِيرٍ مِنْهُمْ , وَهُمْ بَنُو سَلَمَةَ , وَبَنُو أَدَى قَدْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامَيْنِ وَأَشْهُرٍ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ , وَأَسْلَمَ جُمْهُورُهُمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِدَهْرٍ أَنَّهُمْ بَقُوا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ لَمْ يَهْتَبِلُوا بِصَلاَتِهِمْ , وَلاَ تَعَلَّمُوا سُورَةً يُصَلُّونَ بِهَا , وَهُمْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَصَائِرِ فِي الدِّينِ : اللَّهُمَّ الْعَنْ مَنْ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ فَلْيَعْلَمْ أَهْلُ الْجَهْلِ أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلَمَةَ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ فِيهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ثَلاَثُونَ عَقَبِيًّا , وَثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا سِوَى غَيْرِهِمْ. أَفَمَا كَانَ فِي جَمِيعِ هَؤُلاَءِ الْفُضَلاَءِ أَحَدٌ يُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ. وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ : جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَوَالِدُهُ , وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ , وَأَبُو الْيَسْرِ وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ , وَمُعَاذٌ , وَمُعَوِّذٌ , وَخَلاَّدٌ بَنُو عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ , وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِئٍ وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ , وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ , وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى حَفِظْتُ سُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْكِذْبَةَ الَّتِي قَالَهَا هَذَا الْجَاهِلُ دَعْوَى افْتَرَاهَا لَمْ يَجِدْهَا قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ السَّقِيمَةِ فَكَيْفَ الصَّحِيحَةِ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ وَجْهَ لِلشُّغْلِ بِهَا إلاَّ فَضِيحَةُ قَائِلِهَا فَقَطْ , ثُمَّ تَحْذِيرُ الضُّعَفَاءِ مِنْهُ , وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَالثَّالِثُ : أَنْ يُقَالَ لَهُ : هَبْكَ أَنَّ هَذِهِ الْكِذْبَةَ كَمَا ذَكَرْتَ , أَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ وَهَلْ يَحِلُّ لَدَيْكُمْ أَنْ تُسْلِمَ طَائِفَةٌ فَلاَ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إلاَّ وَاحِدٌ فَيُصَلِّي ذَلِكَ الْوَاحِدُ مَعَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ يَؤُمُّهُمْ فِي تِلْكَ الصَّلاَةِ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي اسْتِنْبَاطِ كَذِبٍ لاَ تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي تَرْقِيعِ فَاسِدِ تَقْلِيدِكُمْ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : احْمِلُوهُ عَلَى مَا شِئْتُمْ , أَلَيْسَ قَدْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَقَرَّهُ فَبِأَيِّ وَجْهٍ تُبْطِلُونَ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ r وَحُكْمَهُ وَقَدْ تَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ بِنَحْوِ هَذِهِ الْفَضَائِحِ فَقَالَ : لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تُقْصَرَ الصَّلاَةُ , أَوْ فِي سَفَرٍ لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي مِثْلِهِ . فَقُلْنَا : هَذَا جَهْلٌ وَكَذِبٌ آخَرُ , أَبُو بَكْرَةَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلاَمِ , لَمْ يَشْهَدْ بِالْمَدِينَةِ قَطُّ خَوْفًا , وَلاَ صَلاَةَ خَوْفٍ , وَلاَ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهَا , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ : بِنَخْلٍ , وَبِذَاتِ الرِّقَاعِ , فَكِلاَ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، أَنَّ الصَّلاَةَ أُنْزِلَتْ بِمَكَّةَ : رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ , فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ , وَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ فَبَطَلَ كُلُّ عَارٍ أَتَوْا بِهِ فِي إبْطَالِ الْحَقَائِقِ مِنْ السُّنَنِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا ثُمَّ هُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَمَّارِ الْعَنَزِيِّ : أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ بِكَسْكَرَ فَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ , ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ , فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ إنِّي رَأَيْتنِي شَاخِصًا ، عَنْ أَهْلِي وَلَمْ أَرَنِي بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ فَرَأَيْت أَنْ أُصَلِّيَ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُسَلِّمَ ثُمَّ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُسَلِّمَ , فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَنْ قَدْ أَحْسَنْت وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ : كُنَّا مَعَ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ r فِي جَيْشٍ , وَهُوَ يُصَلِّي بِنَا صَلاَةَ الصُّبْحِ , وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ , فَمَرَّ حِمَارٌ بَيْنَ يَدَيْ الصُّفُوفِ فَأَعَادَ بِهِمْ الصَّلاَةَ , وَقَالَ : قَدْ كَانَ بَيْنَ يَدَيَّ مَا يَسْتُرُنِي يَعْنِي الْعَنَزَةَ وَلَكِنِّي أَعَدْت لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ : فَهَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ r صَلَّى نَافِلَةً بِمَنْ يُؤَدِّي فَرِيضَةً وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ : أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَى مَسْجِدَ دِمَشْقَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّى مَعَهُمْ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً , فَجَعَلَ ثَلاَثًا لِلْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ هَذَا الْخَبَرَ , وَزَادَ فِيهِ : ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : فِيمَنْ أَتَى التَّرَاوِيحَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَقَدْ بَقِيَ لِلنَّاسِ رَكْعَتَانِ قَالَ : اجْعَلْهُمَا مِنْ الْعِشَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ : مَنْ صَلَّى مَعَ قَوْمٍ هُوَ يَنْوِي الظُّهْرَ وَهُمْ يُرِيدُونَ الْعَصْرَ , قَالَ : لَهُ مَا نَوَى , وَلَهُمْ مَا نَوَوْا , وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ طَاوُوس : مِنْ وَجَدَ النَّاسَ يُصَلُّونَ الْقِيَامَ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ , وَلْيَعْتَدَّهَا الْمَكْتُوبَةَ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ , وَرَوَاهُ ، عَنْ هَؤُلاَءِ الثِّقَاتِ قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفًا أَصْلاً , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَقَوْلُنَا هَذَا : هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 495 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَتْ بِهِ صَلاَةُ فَرْضٍ جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلاَّهَا : فَلْيُصَلِّهَا فِي جَمَاعَةٍ , وَيُجْزِئُهُ الأَذَانُ الَّذِي أُذِّنَ فِيهِ قَبْلُ , وَكَذَلِكَ الإِقَامَةُ , وَلَوْ أَعَادُوا أَذَانًا وَإِقَامَةً : فَحَسَنٌ , لاَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ , وَأَمَّا الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ : فَإِنَّهُ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مِمَّنْ شَهِدَهُمَا أَوْ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمَا وقال مالك : لاَ تُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى إلاَّ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ. وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِ، أَنَّهُ قَالَ هَذَا قَطْعًا لاََنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الأَهْوَاءِ قَالَ عَلِيٌّ : وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ لاَ يَرَى الصَّلاَةَ خَلْفَ أَئِمَّتِنَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا فِي مَنَازِلِهِمْ , وَلاَ يَعْتَدُّونَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ مُبْتَدَأَةً أَوْ غَيْرَ مُبْتَدَأَةٍ مَعَ إمَامٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. فَهَذَا الاِحْتِيَاطُ لاَ وَجْهَ لَهُ , بَلْ مَا حَصَلُوا إلاَّ عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَنْعِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَدَاءِ الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ لاَ يَكَادُ يُوجَدُ مِمَّنْ لاَ يُبَالِي بِاحْتِيَاطِهِمْ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيَ بْنِ زَرْبٍ الْقَاضِي إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ فِيهِ إمَامُهُ الرَّاتِبُ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ بَعْدُ جَمَعَ بِمَنْ مَعَهُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ عَلِيٌّ : الْقَصْدُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ عَجَبٌ آخَرُ قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَ ، عَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ , لَكِنْ قِلَّةَ اهْتِبَالٍ , أَوْ لِهَوًى , أَوْ لِعَدَاوَةٍ مَعَ الإِمَامِ : فَإِنَّنَا نَنْهَاهُ , فَإِنْ انْتَهَى وَإِلاَّ أَحْرَقْنَا مَنْزِلَهُ , كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r . وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ : فَإِنْ صَلَّوْهَا فِيهِ جَمَاعَةً أَجْزَأَتْهُمْ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلاَةِ جَمَاعَةٍ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَهِيَ عِنْدَهُمْ جَازِيَةٌ عَمَّنْ صَلاَّهَا فَأَيُّ اخْتِيَارٍ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا وَرُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ : جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّيْنَا فَأَقَامَ وَأَمَّ أَصْحَابَهُ وَرُوِّينَا أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ. وَرُوِّينَا أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أَنَسٍ وَسَمَّاهُ حَمَّادُ فَقَالَ : فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : نَفَرٌ دَخَلُوا مَسْجِدَ مَكَّةَ خِلاَفَ الصَّلاَةِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا , أَيَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ قَالَ : نَعَمْ , وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ : أَمَّنِي إبْرَاهِيمُ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ , فَأَقَامَنِي ، عَنْ يَمِينِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ ، وَلاَ إقَامَةٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ صَحِبْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْبَصْرَةِ , فَأَتَيْنَا مَسْجِدَ أَهْلِ مَاءٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ , فَأَذَّنَ أَيُّوبُ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِنَا وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ : دَخَلْت مَعَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ , فَأَذَّنَ ثَابِتٌ وَأَقَامَ , وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ فَصَلَّى بِنَا , فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيدٍ : أَمَا يُكْرَهُ هَذَا قَالَ : وَمَا بَأْسُهُ قَالَ عَلِيٌّ هَذَا مِمَّا لاَ يُعْرَفُ فِيهِ لاَِنَسٍ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، هُوَ ابْنُ الأَسْوَدِ النَّاجِي ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ بْنُ دَاوُد النَّاجِي ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا , فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطَار ٍ496 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ دَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَوَجَدُوا الإِمَامَ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ مَعَهُ , فَإِذَا سَلَّمَ فَالأَفْضَلُ لِلَّذِينَ يُتِمُّونَ مَا فَاتَهُمْ أَنْ يَقْضُوهُ بِإِمَامٍ يَؤُمُّهُمْ مِنْهُمْ , لأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالصَّلاَةِ جَمَاعَةً , وَلَوْلاَ نَصٌّ وَرَدَ بِأَنْ يَقْضُوا فُرَادَى لَمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ : وَرُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ : دَخَلْت مَعَ ابْنِ سَابِطٍ فِي أُنَاسٍ الْمَسْجِدَ وَالإِمَامُ سَاجِدٌ فَسَجَدَ بَعْضُنَا وَتَهَيَّأَ بَعْضُنَا لِلسُّجُودِ , فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ ابْنُ سَابِطٍ بِأَصْحَابِهِ , فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ فَقَالَ : كَذَلِكَ يَنْبَغِي , فَقُلْت : إنَّ هَذَا لاَ يُفْعَلُ عِنْدَنَا. قَالَ : يَفْرُقُونَ. قال علي : هذا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّاسَ مَضَوْا عَلَى أَعْمَالِ سَلاَطِينِ الْجَوْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : فِي الْقَوْمِ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ فَيُدْرِكُونَ فِيهِ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً قَالَ : يَقُومُونَ فَيَقْضُونَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ , يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ وَهُوَ قَائِمٌ مَعَهُمْ فِي الصَّف.

الثاني

المحلى لابن حزم حُكْمُ الْمَسَاجِدِ 497 - مَسْأَلَةٌ وَتُكْرَهُ الْمَحَارِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ , وَوَاجِبٌ كَنْسُهَا , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُطَيِّبَ بِالطِّيبِ : وَيُسْتَحَبُّ مُلاَزَمَةُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ هُوَ فِي غِنًى ، عَنِ الْكَسْبِ وَالتَّصَرُّفِ وَقَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا الْمَحَارِيبُ فَمُحْدَثَةٌ , وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقِفُ وَحْدَهُ وَيَصُفُّ الصَّفُّ الأَوَّلُ خَلْفَهُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عُقَيْلُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ , لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلاَّ رَسُولُ اللَّهِ r قَدْ كَشَفَ سَجْفَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ , فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ , وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّلاَةِ , وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ r فَأَشَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r بِيَدِهِ : أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ , ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي مِحْرَابٍ لَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r إذْ كَشَفَ السِّتْرَ , وَكَانَ هَذَا يَوْمَ مَوْتِهِ عليه السلام وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْمِحْرَابَ فِي الْمَسْجِدِ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي طَاقِ الإِمَامِ , قَالَ سُفْيَانُ وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ وَعَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْت الْحَسَنَ جَاءَ إلَى ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَقَالَ ثَابِتٌ : تَقَدَّمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ , قَالَ الْحَسَنُ : بَلْ أَنْتَ أَحَقُّ , قَالَ ثَابِتٌ : وَاَللَّهِ لاَ أَتَقَدَّمُك أَبَدًا فَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ فَاعْتَزَلَ الطَّاقَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قَالَ مُعْتَمِرٌ : وَرَأَيْت أَبِي , وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ يَعْتَزِلاَنِهِ وَعَنْ وَكِيعٍ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ تَنْقُصُ أَعْمَارُهُمْ , يُزَيِّنُونَ مَسَاجِدَهُمْ , وَيَتَّخِذُونَ لَهَا مَذَابِحَ كَمَذَابِحِ النَّصَارَى فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صُبَّ عَلَيْهِمْ الْبَلاَءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا كَنْسُ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ، وَلاَ بَيْعٌ ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَجِيءَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لِصَلاَةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَكْرَهُ الْمَجِيءَ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ أَوْقَاتِهَا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ , وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ قَالَ عَلِيٌّ : الدُّورُ هِيَ الْمَحَلاَّتُ , وَالأَرْبَاضُ , تَقُولُ : دَارُ بَنِي عَبْدَ الأَشْهَلِ , وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ تُرِيدُ : مَحَلَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ، حدثنا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ r نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ , فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ , فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا أَحْسَنَ هَذَا 498 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّحَدُّثُ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا لاَ إثْمَ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا , مُبَاحٌ , وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ. وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ فِيهِ مُبَاحٌ , وَالتَّعَلُّمُ فِيهِ لِلصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ مُبَاحٌ , وَالسَّكَنُ فِيهِ وَالْمَبِيتُ مُبَاحٌ , مَا لَمْ يَضِقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ , وَإِدْخَالُ الدَّابَّةِ فِيهِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ , وَالْحُكْمُ فِيهِ وَالْخِصَامُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ , وَالتَّطَرُّقُ فِيهِ جَائِزٌ , إلاَّ أَنَّ مَنْ خَطَرَ فِيهِ بِنَبْلٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُمْسِكَ بِحَدَائِدِهَا , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي كُلِّ مَا أَصَابَ مِنْهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ , فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ , فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ لِقَوْمٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إلاَّ الدَّمَ يَسِيلُ إلَيْهِمْ , فَقَالُوا : يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ , مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا , فَمَاتَ مِنْهَا. وَحَدِيثُ السَّوْدَاءِ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا. وَأَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا سُكَّانًا فِي الْمَسْجِدِ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ فِي الْمَسْجِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَنِّي أَشْتَكِي , قَالَ : طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَنَا يُونُسُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي الْحَدْرَدِ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ , فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا فَنَادَى : يَا كَعْبُ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا , وَأَوْمَأَ إلَيْهِ : أَيْ الشَّطْرَ , قَالَ : لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : قُمْ فَاقْضِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ فَقَالَ : قَدْ كُنْت أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا الْوَلِيدُ ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إنِّي لاََقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَدْ صَلَّى عليه السلام حَامِلاً أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ r وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، حدثنا أَبُو بُرْدَةَ هُوَ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ هُوَ جَدُّهُ عَامِرُ بْنُ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ لاَ يَعْقِرْ مُسْلِمًا. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ " , وَهِيَ صَحِيفَةٌ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَالْحَسَنِ , وَالشَّعْبِيِّ : إبَاحَةَ التَّطَرُّقِ فِي الْمَسْجِدِ. 499 – - مَسْأَلَةٌ : وَدُخُولُ الْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ : جَائِزٌ , حَاشَا حَرَمَ مَكَّةَ كُلَّهُ الْمَسْجِدَ وَغَيْرَهُ فَلاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَدْخُلَهُ كَافِرٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وقال أبو حنيفة : لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ الْيَهُودِيُّ , وَالنَّصْرَانِيُّ , وَمَنَعَ مِنْهُ سَائِرَ الأَدْيَانِ وَكَرِهَ مَالِكٌ دُخُولَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾. قَالَ عَلِيٌّ : فَخَصَّ اللَّهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ , فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ , وَقَدْ كَانَ الْحَرَمُ قَبْلَ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. فَصَحَّ أَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا اللَّيْثُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ , فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ : عِنْدِي خَيْرٌ , يَا مُحَمَّدُ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ , وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ , وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِإِطْلاَقِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ : فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , يَا مُحَمَّدُ , وَاَللَّهِ : مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ , فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إلَيَّ , وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِكَ , فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْكُفَّارِ : فَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ قَالَ : وَالْمُشْرِكُ : هُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا , لاَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَرِيكًا قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ لَهُ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فأما تَعَلُّقُهُ بِالآيَتَيْنِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِمَا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ وَالرُّمَّانُ مِنْ الْفَاكِهَةِ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ وَهُمَا مِنْ الْمَلاَئِكَةِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَهَؤُلاَءِ مِنْ النَّبِيِّينَ إلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ حُجَّةً : إنْ لَمْ يَأْتِ بُرْهَانٌ بِأَنَّ الْيَهُودَ , وَالنَّصَارَى , وَالْمَجُوسَ , وَالصَّابِئِينَ : مُشْرِكُونَ , لاَِنَّهُ لاَ يُحْمَلُ شَيْءٌ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ إلاَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ , حَتَّى يَأْتِيَ بُرْهَانٌ بِأَنَّهُ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِنَصِّ الآيَتَيْنِ أَبُو حَنِيفَةَ ; لإِنَّ الْمَجُوسَ عِنْدَهُ : مُشْرِكُونَ , وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الذِّكْرِ بَيْنَ الْمَجُوسِ , وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فَبَطَلَ تَعَلُّقَهُ بِعَطْفِ اللَّهِ تَعَالَى إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الآُخْرَى ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فَلَوْ كَانَ هَاهُنَا كُفْرٌ لَيْسَ شِرْكًا لَكَانَ مَغْفُورًا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ الشِّرْكِ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ جَرِيرٍ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ : أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا , وَهُوَ خَلَقَكَ , قَالَ : ثُمَّ أَيُّ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : أَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاَثًا الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ , قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَمَا هُنَّ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ , وَالسِّحْرُ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ , وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ عَلِيٌّ : فَلَوْ كَانَ هَاهُنَا كُفْرٌ لَيْسَ شِرْكًا لَكَانَ ذَلِكَ الْكُفْرُ خَارِجًا ، عَنِ الْكَبَائِرِ , وَلَكَانَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَشَهَادَةُ الزُّورِ , أَعْظَمُ مِنْهُ , وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ كُفْرٍ شِرْكٌ , وَكُلَّ شِرْكٍ كُفْرٌ , وَأَنَّهُمَا اسْمَانِ شَرْعِيَّانِ أَوْقَعَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَأَمَّا حُجَّتُهُ بِأَنَّ الْمُشْرِكَ هُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فَقَطْ : فَهِيَ مُنْتَقِضَةٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّصَارَى يَجْعَلُونَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ , وَهُوَ يَقُولُ : إنَّهُمْ لَيْسُوا مُشْرِكِينَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي : أَنَّ الْبَرَاهِمَةَ , وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ , وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَاحِدًا لَمْ يَزَلْ , وَالْقَائِلِينَ بِنُبُوَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُغِيرَةِ وَبُزَيْغٍ كُلُّهُمْ لاَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا وَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُشْرِكُونَ , وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُ إلاَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّشْرِيكِ فِي اللُّغَةِ : وَهُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا فَقَطْ : لَوَجَبَ أَنْ لاَ يَكُونَ الْكُفْرُ إلاَّ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَهُ جُمْلَةً , لاَ مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَجْحَدْهُ , فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لاَ يَكُونَ الْكُفَّارُ إلاَّ الدَّهْرِيَّةُ فَقَطْ , وَأَنْ لاَ يَكُونَ الْيَهُودُ , وَلاَ النَّصَارَى , وَلاَ الْمَجُوسُ , وَلاَ الْبَرَاهِمَةُ. كُفَّارًا ; لأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى , وَهُوَ لاَ يَقُولُ بِهَذَا , وَلاَ مُسْلِمٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ. أَوْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ غَطَّى شَيْئًا : كَافِرًا , فَإِنَّ الْكُفْرَ فِي اللُّغَةِ : التَّغْطِيَةُ , فَإِذَا كُلُّ هَذَا بَاطِلٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمَا اسْمَانِ نَقَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، عَنْ مَوْضُوعِهِمَا فِي اللُّغَةِ إلَى كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ دِينِ اللَّهِ الإِسْلاَمِ يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ r بَعْدَ بُلُوغِ النِّذَارَةِ إلَيْهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 500 - مَسْأَلَةٌ : وَاللَّعِبُ , وَالزَّفْنُ مُبَاحَانِ فِي الْمَسْجِدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَدَعَانِي النَّبِيُّ r فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ , فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ , حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ. 501 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ إنْشَادُ الضَّوَالِّ فِي الْمَسَاجِدِ : " فَمَنْ نَشَدَهَا فِيهِ قِيلَ لَهُ : لاَ وَجَدْت : لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك " : حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حدثنا الْحِجِّيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ يَعْنِي فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لاَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا " لاَ وَجَدْت ". 502 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَنْ بَالَ فِيهِ صُبَّ عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ , وَلاَ يَجُوزُ الْبُصَاقُ , فَمَنْ بَصَقَ فِيهِ فَلْيَدْفِنْ بَصْقَتَهُ. وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ بِذَهَبٍ , وَلاَ فِضَّةٍ , إلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ خَاصَّةً : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ بِذَلِكَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ , فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ r دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ , أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ , فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ قَالَ عَلِيٌّ : أَمْرُ النَّبِيِّ r بِتَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ يَقْتَضِي كُلَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تَنْظِيفٍ وَتَطْيِيبٍ , وَالتَّنْظِيفُ وَالتَّطْيِيبُ : يُوجِبَانِ إبْعَادَ كُلِّ مُحَرَّمٍ , وَكُلِّ قَذِرٍ , وَكُلِّ قُمَامَةٍ , فَلاَ بُدَّ مِنْ إذْهَابِ عَيْنِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا أَمَرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لِتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ الْعَبَّاسِ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ ، هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ وَاصِلٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : جَلَسْت إلَى شَيْبَةَ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ قَالَ : جَلَسَ إلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِك هَذَا فَقَالَ : هَمَمْت أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ ، وَلاَ بَيْضَاءَ إلاَّ قَسَمْتهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ , قُلْت : مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ , قَالَ : لِمَ قُلْت : لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاك , قَالَ : هُمَا الْمَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا ". وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ : إذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ , وَزَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ : فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّ الْقَوْمَ إذَا زَيَّنُوا مَسَاجِدَهُمْ : فَسَدَتْ أَعْمَالُهُمْ , وَأَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ عَلَى مَسْجِدٍ لِلتَّيْمِ مَشُوفٍ فَكَانَ يَقُولُ : هَذِهِ بِيعَةُ التَّيْمِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا : لاَ تُحَمِّرْ , وَلاَ تُصَفِّرْ 503 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ , وَلاَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ تَحْتَهُ بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْهُ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَسْجِدًا , وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَانِيهِ كَمَا كَانَ بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْهَوَاءَ لاَ يُتَمَلَّكُ , لاَِنَّهُ لاَ يُضْبَطُ ، وَلاَ يَسْتَقِرُّ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ يَكُونُ مَسْجِدًا إلاَّ خَارِجًا ، عَنْ مِلْكِ كُلِّ أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ شَرِيكَ لَهُ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ بَيْتٍ مُتَمَلَّكٍ لاِِنْسَانٍ فَلَهُ أَنْ يُعَلِّيَهُ مَا شَاءَ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْهَوَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ ، عَنْ مِلْكِهِ , وَحُكْمُهُ الْوَاجِبُ لَهُ , لاَ إلَى إنْسَانٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا بَنِي عَلَى الأَرْضِ مَسْجِدًا وَشَرَطَ الْهَوَاءَ لَهُ يَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ : فَلَمْ يُخْرِجْهُ ، عَنْ مِلْكِهِ إلاَّ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا : فَإِذَا عَمِلَ مَسْجِدًا عَلَى الأَرْضِ وَأَبْقَى الْهَوَاءَ لِنَفْسِهِ : فَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لَهُ فَهَذَا مَسْجِدٌ لاَ سَقْفَ لَهُ , وَلاَ يَكُونُ بِنَاءٌ بِلاَ سَقْفٍ أَصْلاً. وَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لِلْمَسْجِدِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ. وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي الْعُلْوِ وَالسَّقْفُ لِلْمَسْجِدِ : فَهَذَا مَسْجِدٌ لاَ أَرْضَ لَهُ , وَهَذَا بَاطِلٌ. فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ , فَإِنَّمَا أَبْقَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا بِلاَ سَقْفٍ , وَهَذَا مُحَالٌ وَأَيْضًا : فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ سُفْلاً فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى رُءُوسِ حِيطَانِهِ شَيْئًا , وَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عُلْوًا , فَلَهُ هَدْمُ حِيطَانِهِ مَتَى شَاءَ , وَفِي ذَلِكَ هَدْمُ الْمَسْجِدِ وَانْكِفَاؤُهُ ، وَلاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ. 504 - مَسْأَلَةٌ : وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنْ ذَلِكَ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ , وَهِيَ صَحِيفَتُهُ. 505 - مَسْأَلَةٌ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى وَالصَّلاَةُ الْوُسْطَى : هِيَ الْعَصْرُ , وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ : فَصَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّهَا الظُّهْرُ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَابْنِ عُمَرَ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُمْ وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r . وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : أَنَّهَا الصُّبْحُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُمَا. وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْل : طَاوُوس , وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ , وَعِكْرِمَةَ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّهَا الْمَغْرِبُ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ، أَنَّهُ قَالَ : هِيَ الْعَتَمَةُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا الْعَصْرُ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا الظُّهْرُ : بِمَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ , وَالنَّاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ أَوْ لاَُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : قَبْلَهَا : صَلاَتَانِ وَبَعْدَهَا : صَلاَتَانِ. قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا الْمَغْرِبُ بِأَنَّ أَوَّلَ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ الظُّهْرُ , فَهِيَ الآُولَى , وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ الآُولَى , وَبَعْدَهَا الْعَصْرُ , صَلاَتَانِ لِلنَّهَارِ , فَالْمَغْرِبُ هِيَ الْوُسْطَى , وَبِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا إلاَّ وَقْتًا وَاحِدًا قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لاَِنَّهَا خَمْسٌ أَبَدًا بِالْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ شِئْت , فَالثَّالِثَةُ الْوُسْطَى , وَمَنْ جَعَلَ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ , إذْ قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا : " الْعَتَمَةُ " حُجَّةً نَشْتَغِلُ بِهَا وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إنَّهَا الصُّبْحُ بِأَنْ قَالَ : إنَّهَا تُصَلَّى فِي سَوَادٍ مِنْ اللَّيْلِ وَبَيَاضٍ مِنْ النَّهَارِ قال علي : وهذا لاَ شَيْءَ , لإِنَّ الْمَغْرِبَ تُشَارِكُهَا فِي هَذِهِ الصِّفَةِ , وَلَيْسَ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ بَيَانٌ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا الصَّلاَةُ الْوُسْطَى. وَقَالُوا : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً , وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ فِي هَذَا تَفْضِيلٌ لَهَا عَلَى الظُّهْرِ , وَلاَ عَلَى الْعَصْرِ , وَلاَ عَلَى الْمَغْرِبِ , وَإِنَّمَا فِيهِ تَفْضِيلُهَا عَلَى الْعَتَمَةِ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ : أَنَّهَا الصَّلاَةُ الْوُسْطَى. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَنْ فَاتَهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r تَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ , يَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ شَارَكَهَا فِي هَذَا صَلاَةُ الْعَصْرِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا هِيَ الصَّلاَةُ الْوُسْطَى. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام : إنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا. وَمَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَلاَ فَرْقَ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَهَذَا لاَ بَيَانَ فِيهِ بِأَنَّهَا الْوُسْطَى , لاَِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِغَيْرِ الصُّبْحِ كَمَا أَمَرَ بِصَلاَةِ الصُّبْحِ قَالَ تَعَالَى ﴿ أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فَالأَمْرُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَعَاقَبُ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ , فَقُرْآنُ الْعَصْرِ مَشْهُودٌ كَقُرْآنِ الْفَجْرِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَلَيْسَ فِي قوله تعالى : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا دَلِيلٌ أَنَّ قُرْآنَ غَيْرِ الْفَجْرِ مِنْ الصَّلَوَاتِ لَيْسَ مَشْهُودًا , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا بَلْ كُلُّهَا مَشْهُودٌ بِلاَ شَكٍّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا أَصْعَبُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُصَلِّينَ , فِي الشِّتَاءِ : لِلْبَرْدِ , وَفِي الصَّيْفِ : لِلنَّوْمِ , وَقِصَرِ اللَّيَالِيِ. قال علي : وهذا لاَ دَلِيلَ فِيهِ أَصْلاً عَلَى أَنَّهَا الْوُسْطَى , وَالظُّهْرُ يَشْتَدُّ فِيهَا الْحَرُّ حَتَّى تَكُونَ أَصْعَبَ الصَّلَوَاتِ , كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قال علي : هذا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجَّةٌ , وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَقَالَ عليه السلام : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ يَحِلُّ الإِخْبَارُ ، عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ , مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : نَجْعَلُ كُلَّ صَلاَةٍ هِيَ الْوُسْطَى قال علي : وهذا لاَ يَجُوزُ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صَلاَةً وَاحِدَةً , فَلاَ يَحِلُّ حَمْلُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ , وَلاَ عَلَى غَيْرِ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا , فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ : فَوَجَبَ طَلَبُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ الْوُسْطَى مِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ : فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ. وَقَالَ الْمُسْنَدِيُّ : حدثنا يَزِيدُ , ثُمَّ اتَّفَقَ يَزِيدُ وَيَحْيَى قَالاَ : أَنَا هِشَامُ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ الْخَنْدَقِ : شَغَلُونَا ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ , مَلاََ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ أَوْ أَجْوَافَهُمْ نَارًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالاَ : حدثنا شُعْبَةُ قَالَ : سَمِعْت قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ هُوَ مُسْلِمٌ الأَجْرَدُ ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ الأَحْزَابِ : شَغَلُونَا ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى آبَتْ الشَّمْسُ , مَلاََ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا هَذَا لَفْظُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ , وَلَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قُبُورَهُمْ أَوْ بُيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ نَارًا. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : قُلْتُ لِعُبَيْدَةَ : سَلْ عَلِيًّا ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : كُنَّا نَرَاهَا صَلاَةَ الْفَجْرِ , حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ يَوْمَ الأَحْزَابِ : شَغَلُونَا ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ , مَلاََ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ أَوْ بُيُوتَهُمْ نَارًا. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ زِرٍّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ قَالُوا : حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَشُتَيْرٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ , وَأَبُوهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ , وَقَدْ سَمِعَهُ شُتَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ لاَ يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا , وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ عَلِيٌّ : فَتَعَلَّلَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَتْ بِخَطِّ يَدِهَا فِي مُصْحَفِهَا حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وَبِمَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَتْهُ أَنْ يَنْسَخَ لَهَا مُصْحَفًا , وَأَمَرَتْهُ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ إذَا بَلَغَ إلَى هَذَا الْمَكَانِ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. وَعَنْ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَمْلَتْ عَلَيْهِ فِي مُصْحَفٍ كَتَبَهُ لَهَا : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وَقَالَتْ : " سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّه r ". وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : كَانَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ " وَعَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَؤُهَا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ. قَالُوا : فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صَلاَةَ الْعَصْرِ قال علي : هذا اعْتِرَاضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لاَِنَّهُ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r شَيْءٌ , وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى حَفْصَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ , وَعَائِشَةَ : أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , حَاشَا رِوَايَةَ عَائِشَةَ فَقَطْ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ نَصُّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r بِكَلاَمِ غَيْرِهِ فَإِنْ وَهَّنُوا تِلْكَ الرِّوَايَاتِ قِيلَ لَهُمْ : هَذِهِ الرِّوَايَاتُ هِيَ الْوَاهِيَةُ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ ثم نقول لَهُمْ : مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُكُمْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهَا لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا , وَلاَ أَنْ يَكْتُبَهَا فِي مُصْحَفِهِ , وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهَا رِوَايَاتٌ لاَ تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَكُلُّ مَا كَانَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ غَيْرِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ r لاَ إلَى غَيْرِهِمَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى , وَخَالَفَ أَمْرَهُ , فَهَذَا بُرْهَانٌ كَافٍ ثُمَّ آخَرُ , وَهُوَ : أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَعَارَضَتْ ، عَنْ هَؤُلاَءِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَكُمْ كُلَّ مَا تُرِيدُونَ فِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ الزَّائِدَةِ الَّتِي فِي هَذِهِ الآثَارِ وَهِيَ أَنَّنَا رُوِّينَا خَبَرَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَتْ مُصْحَفًا فَقَالَتْ : اُكْتُبْ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ هَكَذَا بِلاَ وَاوٍ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ هَكَذَا بِلاَ وَاوٍ فَاخْتَلَفَ وَكِيعٌ , وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى دَاوُد بْنِ قَيْسٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَاخْتَلَفَ وَكِيعٌ , وَيَحْيَى عَلَى شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلَيْسَ وَكِيعٌ دُونَ يَحْيَى ، وَلاَ دُونَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَمَّا خَبَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ مَجْلُوبِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ : فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ صَلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ دُونَ الآُولَى , فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ فَهَذِهِ أَصَحُّ رِوَايَةٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ ، وَوَكِيعٌ , وَمَعْمَرٌ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , وَغَيْرُهُمْ. فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ , إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ ، عَنْ هَؤُلاَءِ الْمَذْكُورِينَ بِأُولَى مِنْ بَعْضٍ , وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ عليه السلام إلاَّ أَنَّ الصَّلاَةَ الْوُسْطَى : صَلاَةُ الْعَصْرِ فإن قيل : فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُورِدَتْ ، عَنْ حَفْصَةَ , وَعَائِشَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ , وَأُبَيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : الَّتِي فِيهَا " وَصَلاَةُ الْعَصْرِ " وَاَلَّتِي فِيهَا " صَلاَةُ الْعَصْرِ " عَنْهُمْ " بِلاَ وَاوٍ " حَاشَا حَفْصَةَ وَكَيْفَ تَقُولُونَ فِي الْقِرَاءَةِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ , وَهِيَ لاَ تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهَا الْيَوْمَ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَنَّ الَّذِي يُظَنُّ مِنْ اخْتِلاَفِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ اخْتِلاَفًا , بَلْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَعَ " الْوَاوِ " وَمَعَ إسْقَاطِهَا سَوَاءٌ , وَهُوَ أَنَّهَا تَعْطِفُ الصِّفَةَ عَلَى الصِّفَةِ , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ فَرَسُولُ اللَّهِ r هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ. وَكَمَا تَقُولُ : أَكْرِمْ إخْوَانَك , وَأَبَا زَيْدٍ الْكَرِيمِ وَالْحَسِيبِ أَخَا مُحَمَّدٍ فَأَبُو زَيْدٍ هُوَ الْحَسِيبُ , وَهُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ. فَقَوْلُهُ " وَصَلاَةُ الْعَصْرِ " بَيَانٌ لِلصَّلاَةِ الْوُسْطَى فَهِيَ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلاَةُ الْعَصْرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام شَغَلُونَا ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ فَلاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً أَصْلاً , فَوَجَبَ بِذَلِكَ حَمْلُ قَوْلِهِ عليه السلام وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى أَنَّهَا عَطْفُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ ، وَلاَ بُدَّ وَيُبَيِّنُ أَيْضًا صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْهُمْ مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ عَنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ " وَالصَّلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ ". وَصَحَّتْ الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ , وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ نُزُولَ الآيَةِ فِيهَا " وَصَلاَةُ الْعَصْرِ " فَصَحَّ أَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهَا صِفَةٌ لِصَلاَةِ الْعَصْرِ , وَهِيَ سَمِعَتْ النَّبِيَّ r يَتْلُوهَا كَذَلِكَ , وَبِهَذَا ارْتَفَعَ الاِضْطِرَابُ عَنْهُمْ , وَتَتَّفِقُ أَقْوَالُهُمْ , وَيَصِحُّ كُلُّ مَا رُوِيَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ , وَيَنْتَفِي عَنْهُ الاِخْتِلاَفُ , وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ اضْطِرَابٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَمَنْ أَبَى مِنْ هَذَا لَمْ يَحْصُلْ عَلَى مَا يُرِيدُ , وَوَجَبَ الاِضْطِرَابُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , وَوَجَبَ سُقُوطُ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا , وَصَحَّ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَبَطَلَ الاِعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِرِوَايَاتٍ اضْطَرَبَ عَلَى أَصْحَابِهَا بِمَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمُخَالِفُ , وَبِمَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يُوَافِقُ قَوْلَنَا , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلاَ تَحِلُّ , وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَزِيدَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ , وَأُبَيٌّ , وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا : هُوَ أَنَّ تِلْكَ اللَّفْظَةَ كَانَتْ مُنَزَّلَةً ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهَا : كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبِدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حُمَيْدٍ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى فَقَالَتْ : كُنَّا نَقْرَؤُهَا فِي الْحَرْفِ الأَوَّلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حدثنا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَنَزَلَتْ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ : هِيَ إذَنْ صَلاَةُ الْعَصْرِ , فَقَالَ الْبَرَاءُ : قَدْ أَخْبَرْتُك كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " قَالَ عَلِيٌّ : فَصَحَّ نَسْخُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ , وَبَقِيَ حُكْمُهَا كَآيَةِ الرَّجْمِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ يُثْبِتُهَا مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَالَ بِهَذَا مِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَافِعٍ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ ، عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى فَقَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ : أَلَسْت تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْك بِهَذَا الْقُرْآنِ حَتَّى تَفْهَمَهَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ الْمَغْرِبُ. وَقَالَ : مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ الْعَتَمَةُ. وَقَالَ : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا الْغَدَاةُ. ثُمَّ قَالَ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ , هِيَ الْعَصْرُ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّلاَةَ الْوُسْطَى : صَلاَةَ الْعَصْرِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ هُوَ يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْمَرَاغِيُّ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الصَّلاَةِ الْوُسْطَى قَالَ : هِيَ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا ابْنُ دَاوُد يَعْنِي صَلاَةَ الْعَصْرِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي : أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ عَلِيًّا : أَيُّ الصَّلَوَاتِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوُسْطَى وَقَدْ نَادَى مُنَادِيهِ الْعَصْرَ , فَقَالَ : هِيَ هَذِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَصِحُّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، وَلاَ عَنْ عَائِشَةَ : غَيْرُ هَذَا أَصْلاً. وَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ. وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى : صَلاَةُ الْعَصْرِ وَعَنْ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى : صَلاَةُ الْعَصْرِ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى : صَلاَةُ الْعَصْرِ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ : الصَّلاَةُ الْوُسْطَى : صَلاَةُ الْعَصْرِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَدَاوُد , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ , وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى النَّبِيِّ r مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ. 506 - مَسْأَلَةٌ : وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ إثْرَ كُلِّ صَلاَةٍ : حَسَنٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْته يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ بِالتَّكْبِيرِ " قَالَ عَلِيٌّ : فإن قيل : قَدْ نَسِيَ أَبُو مَعْبَدٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرَهُ قلنا : فَكَانَ مَاذَا عَمْرٌو أَوْثَقُ الثِّقَاتِ , وَالنِّسْيَانُ لاَ يَعْرَى مِنْهُ آدَمِيٌّ. وَالْحُجَّةُ قَدْ قَامَتْ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ 507 - مَسْأَلَةٌ : وَجُلُوسُ الإِمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ سَلاَمِهِ : حَسَنٌ مُبَاحٌ لاَ يُكْرَهُ , وَإِنْ قَامَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ : فَحَسَنٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ رَمَقْتُ الصَّلاَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ , فَسَجَدْتَهُ , فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ , فَسَجْدَتَهُ , فَجِلْسَتَهُ , وَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالاِنْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَخْبَرَتْنِي هِنْدٌ الْفِرَاسِيَّةُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ إذَا سَلَّمْنَ مِنْ الصَّلاَةِ قُمْنَ , وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ r وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ , فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r قَامَ الرِّجَالُ وَقَدْ صَحَّتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مُسْنَدَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r الصُّبْحَ , فَلَمَّا صَلَّى انْحَرَفَ قَالَ عَلِيٌّ : وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ مَأْثُورٌ ، عَنِ السَّلَفِ : رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ t أَنَّهُ كَانَ إذَا سَلَّمَ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ وَرُوِّينَا خِلاَفَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ : أَيَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ قَالَ : نَعَمْ , وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إمَامٍ وَغَيْرِ إمَامٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : قَدْ كَانَ يَجْلِسُ الإِمَامُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ , قِيلَ لِطَاوُسٍ : أَيَتَحَوَّلُ الرَّجُلُ إذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَتَطَوَّعَ فَقَالَ : أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ 508 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا فِي آخِرِ صَلاَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ , سَوَاءٌ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الصَّلاَةِ مِنْ أَوَّلِهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لَمْ يَطْمَعْ , فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ , فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لاَ مَشَقَّةَ فِي قَصْدِهِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ النُّهُوضُ إلَيْهِ. وَلاَ يَجُوزُ الإِسْرَاعُ إلَى الصَّلاَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ اُبْتُدِئَتْ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حدثنا شَيْبَانُ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ , فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا : اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلاَةِ قَالَ : فَلاَ تَفْعَلُوا , إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا , وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا آدَم ، حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا , وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَهَذَا عُمُومٌ لِمَا أَدْرَكَهُ الْمَرْءُ مِنْ الصَّلاَةِ , قَلَّ أَمْ كَثُرَ , وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ ، وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الأَخْذِ بِالزِّيَادَةِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ قَوْمًا جُلُوسًا فِي آخِرِ صَلاَتِهِمْ فَقَالَ : أَدْرَكْتُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ : مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ : إذَا أَدْرَكَهُمْ سُجُودًا سَجَدَ مَعَهُمْ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , قُلْت لِعَطَاءٍ : إنْ سَمِعَ الإِقَامَةَ أَوْ الأَذَانَ وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَيَقْطَعُ صَلاَتَهُ وَيَأْتِي الْجَمَاعَةَ قَالَ : إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ شَيْئًا فَنَعَمْ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ جَاءَ قَوْمًا فَوَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا , فَسَمِعَ مُؤَذِّنًا فَخَرَجَ إلَيْهِ وَرُوِّينَا : أَنَّ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ فَعَلَهُ أَيْضًا وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مُقْبِلاً إلَى صَلاَةٍ فَلْيَمْشِ عَلَى رِسْلِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلاَةٍ , فَمَا أَدْرَكَ فَلْيُصَلِّ , وَمَا فَاتَهُ فَلْيَقْضِهِ بَعْدُ , قَالَ عَطَاءٌ وَإِنِّي لاََصْنَعُهُ وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ : أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيَّ فَجَعَلَ يُقَارِبُ بَيْنَ الْخُطَا , فَانْتَهَيْنَا إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ سُبِقْنَا بِرَكْعَةٍ , فَصَلَّيْنَا مَعَ الإِمَامِ وَقَضَيْنَا مَا فَاتَنَا , فَقَالَ لِي أَنَسٌ : يَا ثَابِتٌ أَغَمَّك مَا صَنَعْتُ بِك قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : صَنَعَهُ بِي أَخِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ : مَنْ أَقْبَلَ لِيَشْهَدَ الصَّلاَةَ فَأُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ فَلاَ يُسْرِعُ ، وَلاَ يَزِدْ عَلَى مِشْيَتِهِ الآُولَى , فَمَا أَدْرَكَ فَلْيُصَلِّ مَعَ الإِمَامِ , وَمَا لَمْ يُدْرِكْ فَلْيُتِمَّهُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ زِيَادٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُعَجِّلُ إلَى الْمَسْجِدِ , فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ : أَقْصِدْ , فَإِنَّك فِي صَلاَةٍ , لاَ تَخْطُو خُطْوَةً إلاَّ رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً قَالَ عَلِيٌّ : وَحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ , فَقَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ". وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ : فِيهِمَا النَّهْيُ ، عَنِ الإِسْرَاعِ أَيْضًا 509 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَنْصَرِفَ ، عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ انْصَرَفَ ، عَنْ شِمَالِهِ : فَمُبَاحٌ , لاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ كَرَاهَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ , حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، حدثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ سَمِعْت أَبِي ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ , وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنِ السُّدِّيَّ : سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : كَيْفَ أَنْصَرِفُ إذَا صَلَّيْت قَالَ : أَمَّا أَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَنْصَرِفُ عَلَى يَمِينِهِ وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَكْثَرَ مَا يَنْصَرِفُ ، عَنْ يَسَارِهِ , قَالَ عُمَارَةُ : فَرَأَيْتُ حِجْرَ رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ. 510 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَجَدَ الإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ جَالِسًا فَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا , لَكِنْ يُكَبِّرُ وَهُوَ فِي الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ إمَامَهُ عَلَيْهَا ، وَلاَ بُدَّ , تَكْبِيرَتَيْنِ ، وَلاَ بُدَّ , إحْدَاهُمَا لِلإِحْرَامِ بِالصَّلاَةِ , وَالثَّانِيَةِ لِلْحَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا. لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. وَلِقَوْلِهِ عليه السلام : مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. فَأَمَرَ عليه السلام بِالاِئْتِمَامِ بِالإِمَامِ , وَالاِئْتِمَامُ بِهِ : هُوَ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ الإِنْسَانُ فِي جَمِيعِ عَمَلِهِ , وَمَنْ كَبَّرَ قَائِمًا وَالإِمَامُ غَيْرُ قَائِمٍ فَلَمْ يَأْتَمَّ بِهِ , فَقَدْ صَلَّى بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِهِ إلاَّ بَعْدَ تَمَامِ صَلاَةِ الإِمَامِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ﴿صلاة المسافر﴾ 511 - مَسْأَلَةٌ : صَلاَةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَبَدًا , وَفِي الْخَوْفِ كَذَلِكَ. وَصَلاَةُ الْمَغْرِبِ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ , وَالسَّفَرِ , وَالْخَوْفِ أَبَدًا. وَلاَ يَخْتَلِفُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ إلاَّ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعَتَمَةِ , فَإِنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ لِلصَّحِيحِ , وَالْمَرِيضِ , وَرَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ , وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ. كُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , إلاَّ كَوْنُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ فَفِيهِ خِلاَفٌ. 512 - مَسْأَلَةٌ : وَكَوْنُ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ فَرْضٌ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ , أَوْ لاَ طَاعَةَ ، وَلاَ مَعْصِيَةَ , أَمْنًا كَانَ أَوْ خَوْفًا فَمَنْ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا عَامِدًا , فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ , وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ فَقَطْ وَأَمَّا قَصْرُ كُلِّ صَلاَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ إلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ فَمُبَاحٌ , مَنْ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ : فَحَسَنٌ , وَمَنْ صَلاَّهَا رَكْعَةً : فَحَسَنٌ وقال أبو حنيفة : قَصْرُ الصَّلاَةِ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَرْضٌ , فَمَنْ أَتَمَّهَا فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ الاِثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ , وَأَعَادَ أَبَدًا وقال مالك : مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ , فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وقال الشافعي : الْقَصْرُ مُبَاحٌ , وَمَنْ شَاءَ أَتَمَّ ، وَلاَ قَصْرَ عِنْدَ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ إلاَّ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ فَقَطْ وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَلاَ مَالِكٌ , وَلاَ الشَّافِعِيُّ : الْقَصْرَ فِي الْخَوْفِ إلَى رَكْعَةٍ أَصْلاً , لَكِنْ رَكْعَتَانِ فَقَطْ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ : فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا , وَتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الآُولَى. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ , قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " صَلاَةُ الأَضْحَى رَكْعَتَانِ , وَصَلاَةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ , وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ , وَصَلاَةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ , تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ , عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ r وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ، حدثنا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : صَلاَةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَقَدْ كَفَرَ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلاَمِ ابْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ , قَالَ : عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَصَحَّ أَنَّ الصَّلاَةَ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَلَغَهَا فِي الْحَضَرِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعًا , وَأَقَرَّ صَلاَةَ السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. وَصَحَّ أَنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ : رَكْعَتَانِ بِقَوْلِهِ عليه السلام , فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَهِيَ رَكْعَتَانِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ , وَمَنْ تَعَدَّاهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أَمَرَ , فَلاَ صَلاَةَ لَهُ , إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ. وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ , بَلْ عَمَّ , فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ , وَلَمْ يَجُزْ رَدُّ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَمَرَ عليه السلام بِقَبُولِهَا , فَيَكُونُ مَنْ لاَ يَقْبَلُهَا عَاصِيًا وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الأَسْفَارِ بِذَلِكَ بِأَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ مُحَرَّمٌ , فَلاَ حُكْمَ لَهُ . فَقُلْنَا : أَمَّا مُحَرَّمٌ فَنَعَمْ , هُوَ مُحَرَّمٌ , وَلَكِنَّهُ سَفَرٌ , فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ , وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّهُ مُحَرَّمٌ , ثُمَّ تَجْعَلُونَ فِيهِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ , وَتُجِيزُونَ الصَّلاَةَ فِيهِ , وَتَرَوْنَهَا فَرْضًا , فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَجَزْتُمْ مِنْ الصَّلاَةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ مِنْ تَأْدِيَتِهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّفَرِ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ وَكَذَلِكَ الزِّنَى مُحَرَّمٌ , وَفِيهِ مِنْ الْغُسْلِ كَاَلَّذِي فِي الْحَلاَلِ , لاَِنَّهُ إجْنَابٌ. وَمُجَاوَزَةُ خِتَانٍ لِخِتَانٍ , فَوَجَبَ فِيهِ حُكْمُ عُمُومِ الإِجْنَابِ وَمُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ لِلْخِتَانِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ قَاتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ مَنَعَتْهُ مِنْ الْقِيَامِ , فَإِنَّ لَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلاَةِ جَالِسًا مَا لِمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلاَ فَرْقَ , لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام : صَلُّوا قِيَامًا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا. فإن قيل لَنَا : فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ : مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ سَبِيلِ الْحَقِّ رَاكِبًا أَوْ مُقَاتِلاً أَوْ مَاشِيًا فَلاَ صَلاَةَ لَهُ فَمَا الْفَرْقُ قلنا : نَعَمْ , إنَّ هَؤُلاَءِ فَعَلُوا فِي صَلاَتِهِمْ حَرَكَاتٍ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ فِعْلُهَا , فَبِذَلِكَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ الْمُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً فِي صَلاَتِهِ شَيْئًا غَيْرَهَا , وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ فَمَشَوْا مَشْيًا مُحَرَّمًا فِي الصَّلاَةِ , وَقَاتَلُوا فِيهَا قِتَالاً مُحَرَّمًا وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ أَتَوْا إلَى عُمُومِ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّفَرِ , وَعُمُومِ رَسُولِ اللَّهِ r لِلسَّفَرِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَخَصُّوهُ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا قَصْرَ الصَّلاَةِ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْطَلَ فِيهِ الْعُمُومَ , مِنْ تَحْرِيمِهِ الْمَيْتَةَ جُمْلَةً , ثُمَّ قَالَ فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ، وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقَوْلُهُ : فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ : إنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ , وَالْخِنْزِيرِ : حَلاَلٌ لِلْمُضْطَرِّ , وَإِنْ كَانَ مُتَجَانِفًا لاِِثْمٍ , وَبَاغِيًا عَادِيًا قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ , مُنْتَظِرًا لِرِفَاقِ الْمُسْلِمِينَ يُغِيرُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَيَسْفِكُ دِمَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا : حَرَامٌ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ. . فَقُلْنَا لَهُمْ : وَلِمَ يَقْتُلْ نَفْسَهُ بَلْ يَتُوبُ الآنَ مِنْ نِيَّتِهِ الْفَاسِدَةِ , وَيَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ حِينِهِ , وَالتَّوْبَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، وَلاَ بُدَّ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا : لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ إلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ , أَوْ عُمْرَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلاَّ حَاجٌّ , أَوْ مُجَاهِدٌ وَعَنْ طَاوُوس أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ ، عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ فَيَقُولُ : إذَا خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْقَصْرَ إلاَّ فِي : حَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ , أَوْ جِهَادٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَقَالُوا : لَمْ يُصَلِّ عليه السلام رَكْعَتَيْنِ إلاَّ فِي : حَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ جِهَادٍ قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ لَمْ يَرِدْ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ وَفَعَلَهُ عليه السلام لَكَانَ مَا قَالُوا , لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ عليه السلام : رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ , وَأَمَرَ بِقَبُولِ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ : كَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الآيَةِ وَعَلَى عَمَلِهِ عليه السلام , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الأَخْذِ بِالشَّرْعِ الزَّائِدِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ فِي قَوْلِهِمْ : إنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ : بِهَذِهِ الآيَةِ , وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِلَفْظِ لاَ جُنَاحَ وَهَذَا يُوجِبُ الإِبَاحَةَ لاَ الْفَرْضَ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ , فَلَمَّا قَدِمَتْ مَكَّةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَصَرْتُ وَأَتْمَمْتُ , وَأَفْطَرْتُ وَصُمْتُ قَالَ : أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُسَافِرُ فَيُتِمُّ الصَّلاَةَ وَيَقْصُرُ. وَبِأَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ بِمِنًى بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَأَتَمُّوهَا مَعَهُ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ وَهِيَ رَوَتْ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ. قال علي : هذا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ : أَمَّا الآيَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي الْقَصْرِ الْمَذْكُورِ , بَلْ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا , إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِمَا : أَمَّا الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ فَانْفَرَدَ بِهِ الْعَلاَءُ بْنُ زُهَيْرٍ الأَزْدِيُّ , لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ , وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ , لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ , وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : هُوَ ضَعِيفٌ , كُلُّ حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ وَأَمَّا فِعْلُ عُثْمَانَ , وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما فَإِنَّهُمَا تَأَوَّلاَ تَأْوِيلاً خَالَفَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْغَدْرِيُّ ، حدثنا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْخَبَرَ , وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَقُلْت لِعُرْوَةِ : فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْخَبَرَ , وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَقُلْت لِعُرْوَةِ : فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ أَنْ تُتِمَّ فِي السَّفَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ : تَأَوَّلَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلاَةِ بِمِنًى وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا صَلاَّهَا أَرْبَعًا يَعْنِي بِمِنًى لاَِنَّهُ أَزْمَعَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ الْحَجِّ. فَعَلَى هَذَا أَتَمَّ مَعَهُ مَنْ كَانَ يُتِمُّ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , لأَنَّهُمْ أَقَامُوا بِإِقَامَتِهِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَعَادَهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ ، عَنْ صَلاَةِ السَّفَرِ بِمِنًى فَقَالَ : " سَمِعْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَصَلِّ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ : حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ ، عَنْ مُوَرِّقِ الْعِجْلِيّ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ : حَدِّثْنِي ، عَنْ صَلاَةِ السَّفَرِ , قَالَ : أَتَخْشَى أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ , قُلْت : لاَ , قَالَ : رَكْعَتَانِ , مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُقَيْلِيُّ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا كَمَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : اعْتَلَّ عُثْمَانُ وَهُوَ بِمِنًى فَأَتَى عَلِيٌّ فَقِيلَ لَهُ : صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ : إنْ شِئْتُمْ صَلَّيْت لَكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ r يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ قَالُوا : لاَ , إلاَّ صَلاَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنُونَ عُثْمَانَ : أَرْبَعًا فَأَبَى عُثْمَانُ. وَهَكَذَا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ : رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ الإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ لِمَنْ شَاءَ , فَقَالَ : لاَ , الصَّلاَةُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ حَتْمَانِ لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُمَا. فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ , وَالْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ , لأَنَّهُمْ إذَا تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَخَالَفُوا رِوَايَتَهُ قَالُوا : هُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ r إلاَّ لِعِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ رَآهُ أَوْلَى مِمَّا رَوَى. وَهَا هُنَا أَخَذُوا رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَتَرَكُوا فِعْلَهَا , وَقَالُوا بِأَقْبَحَ مَا يُشَنِّعُونَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ , فَرَأَوْا أَنَّ عُثْمَانَ , وَعَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهُمَا صَلَّوْا صَلاَةً فَاسِدَةً يَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا , إمَّا أَبَدًا وَأَمَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ , وَقُتَيْبَةُ , كُلُّهُمْ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ r فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا , وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ , وَجَابِرٍ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ , كُلِّهِمْ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا. كَتَبَ إلَى هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ الْخَيْرِ قَالَ : حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ الطَّوِيلُ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدَوَيْهِ النَّجِيرَمِيُّ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَصْفَهَانِيُّ ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ ، حدثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ : سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ , أَقْصُرُهُمَا قَالَ جَابِرٌ لاَ : إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ لَيْسَتَا بِقَصْرٍ , إنَّمَا الْقَصْرُ رَكْعَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ قَالَ عَلِيٌّ : وَبِهَذِهِ الآيَةِ قلنا : إنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ إنْ شَاءَ رَكْعَةً وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَانِ ; لاَِنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظَةِ لاَ جُنَاحَ لاَ بِلَفْظِ الأَمْرِ وَالإِيجَابِ , وَصَلاَّهُمَا النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مَرَّةً رَكْعَةً وَمَرَّةً رَكْعَتَيْنِ , فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الاِخْتِيَارِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ t 513 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ خَرَجَ ، عَنْ بُيُوتِ مَدِينَتِهِ , أَوْ قَرْيَتِهِ , أَوْ مَوْضِعِ سُكْنَاهُ فَمَشَى مِيلاً فَصَاعِدًا : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَلاَ بُدَّ إذَا بَلَغَ الْمِيلَ , فَإِنْ مَشَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ : صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ عَلِيٌّ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ t كَتَبَ : إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً يَخْرُجُونَ إمَّا لِجِبَايَةٍ , وَأَمَّا لِتِجَارَةٍ , وَأَمَّا لِجَشَرٍ ثُمَّ لاَ يُتِمُّونَ الصَّلاَةَ , فَلاَ تَفْعَلُوا , فَإِنَّمَا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا , أَوْ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ : لاَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ : جَابٍ , وَلاَ تَاجِرٌ , وَلاَ تَانٍ , إنَّمَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ مَنْ كَانَ مَعَهُ الزَّادُ وَالْمَزَادُ. قَالَ عَلِيٌّ : الثَّانِي هُوَ صَاحِبُ الضَّيْعَةِ قَالَ عَلِيٌّ : هَكَذَا فِي كِتَابِي وَصَوَابُهُ عِنْدِي : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لاَ يَغُرَّنَّكُمْ سَوَادُكُمْ هَذَا مِنْ صَلاَتِكُمْ , فَإِنَّهُ مِنْ مِصْرِكُمْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَأْذَنْته أَنْ آتِيَ أَهْلِي بِالْكُوفَةِ , فَأَذِنَ لِي وَشَرَطَ عَلَيَّ أَنْ لاَ أُفْطِرَ ، وَلاَ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْهِ , وَبَيْنَهُمَا نَيِّفٌ وَسِتُّونَ مِيلاً وَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ : أَنْ لاَ يَقْصُرَ إلَى السَّوَادِ , وَبَيْنَ الْكُوفَةِ وَالسَّوَادِ : سَبْعُونَ مِيلاً. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ , وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : لاَ يَطَأُ أَحَدُكُمْ بِمَاشِيَتِهِ أَحْدَابَ الْجِبَالِ , وَبُطُونَ الأَوْدِيَةِ , وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ سَفَرٌ , لاَ ، وَلاَ كَرَامَةَ , إنَّمَا التَّقْصِيرُ فِي السَّفَرِ الْبَاتُّ , مِنْ الآُفُقِ إلَى الآُفُقِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ : الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الزَّادُ وَالْمَزَادُ وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ شُقَيْقِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى وَاسِطَ فَقَالَ : لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي ذَلِكَ , وَبَيْنَهُمَا مِائَةُ مِيلٍ وَخَمْسُونَ مِيلاً فَهُنَا قَوْلٌ : وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي نَافِعٌ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ أَدْنَى مَا يُقْصِرُ الصَّلاَةَ إلَيْهِ : مَالٌ لَهُ بِخَيْبَرَ , وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ فَوَاصِلٌ لَمْ يَكُنْ يُقْصِرُ فِيمَا دُونَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَحُمَيْدٍ , كِلاَهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقْصِرُ الصَّلاَةَ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ , وَخَيْبَرَ , وَهِيَ كَقَدْرِ الأَهْوَازِ مِنْ الْبَصْرَةِ , لاَ يَقْصُرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : بَيْنَ الْمَدِينَةِ , وَخَيْبَرَ كَمَا بَيْنَ الْبَصْرَةِ , وَالأَهْوَازِ : وَهُوَ مِائَةُ مِيلٍ وَاحِدَةٌ غَيْرُ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , ثُمَّ ، عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ : ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ قَصْرَ فِي أَقَلِّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلاً , كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ , وَبَغْدَادَ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ الأَسَدِيِّ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ ، عَنْ تَقْصِيرِ الصَّلاَةِ فَقَالَ : حَاجٌّ , أَوْ مُعْتَمِرٌ , أَوْ غَازٍ قُلْت : لاَ , وَلَكِنَّ أَحَدَنَا تَكُونُ لَهُ الضَّيْعَةُ بِالسَّوَادِ , فَقَالَ : تَعْرِفُ السُّوَيْدَاءَ قُلْت : سَمِعْت بِهَا وَلَمْ أَرَهَا , قَالَ : فَإِنَّهَا ثَلاَثٌ وَلَيْلَتَانِ وَلَيْلَةٌ لِلْمُسْرِعِ , إذَا خَرَجْنَا إلَيْهَا قَصَرْنَا قَالَ عَلِيٌّ : مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى السُّوَيْدَاءِ : اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلاً , أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا فَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُولُ : سَمِعْت سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ : إذَا سَافَرْت ثَلاَثًا فَاقْصُرْ الصَّلاَةَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , كِلاَهُمَا ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ , قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَتِهِ : مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ : إلَى نَحْوِ الْمَدَائِنِ يَعْنِي مِنْ الْكُوفَةِ , وَهُوَ نَحْوُ نَيِّفٍ وَسِتِّينَ مِيلاً , لاَ يَتَجَاوَزُ ثَلاَثَةً وَسِتِّينَ ، وَلاَ يَنْقُصُ ، عَنْ وَاحِدٍ وَسِتِّينَ وَبِهَذَيْنِ التَّحْدِيدَيْنِ جَمِيعًا يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الثَّلاَثِ : سَيْرُ الأَقْدَامِ وَالثِّقَلِ وَالإِبِلِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ , وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ تَحْدِيدَ الثَّلاَثِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ : فِي مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ : حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ : لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ إلاَّ فِي لَيْلَتَيْنِ , وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ تَحْدِيدَ اللَّيْلَتَيْنِ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ , قَالَ : وَبِهِ يَأْخُذُ قَتَادَةُ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ , إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ وَلَمْ نَجِدْ ، عَنْ قَتَادَةَ , وَلاَ عَنِ الزُّهْرِيِّ : تَحْدِيدَ الْيَوْمَيْنِ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إذَا سَافَرْت يَوْمًا إلَى الْعِشَاءِ فَأَتِمَّ , فَإِنْ زِدْت فَقَصْرٌ وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ : حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ ، عَنْ مَسِيرَةِ يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ , إلاَّ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : أَقْصُرُ إلَى عَرَفَةَ قَالَ : لاَ , وَلَكِنْ إلَى الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ , فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً وَعَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا يَأْخُذُ اللَّيْثُ , وَمَالِكٌ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِ عَنْهُ. وَقَالَ : فَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ لاَ أَمْيَالَ فِيهَا فَلاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلثِّقَلِ قَالَ : وَهَذَا أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ إلَيَّ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ : لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا. وَرُوِيَ عَنْهُ : لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي أَرْبَعِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا. وَرَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ : لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ مِيلاً فَصَاعِدًا ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ : إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ. وَرَأَى لاَِهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً فِي الْحَجِّ خَاصَّةً : أَنْ يَقْصُرُوا الصَّلاَةَ إلَى مِنًى فَمَا فَوْقَهَا , وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ : ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ خَرَجَ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ كَالرِّعَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَتَأَوَّلَ فَأَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَرُوِّينَا ، عَنِ الشَّافِعِيِّ : لاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً بِالْهَاشِمِيِّ وَهَهُنَا أَقْوَالٌ أُخَرُ أَيْضًا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ شُبَيْلٍ ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ : قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : أَقْصُرُ إلَى الآُبُلَّةِ قَالَ : تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فِي يَوْمٍ قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : لاَ , إلاَّ يَوْمٌ مُتَاحٌ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : أَقْصُرُ إلَى مِنًى أَوْ عَرَفَةَ قَالَ : لاَ , وَلَكِنْ إلَى الطَّائِفِ , أَوْ جُدَّةَ , أَوْ عُسْفَانَ , فَإِذَا وَرَدْت عَلَى مَاشِيَةٍ لَك , أَوْ أَهْلٍ : فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ قَالَ عَلِيٌّ : مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ بِتَكْسِيرِ الْحُلَفَاءِ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ مِيلاً. وَأَخْبَرَنَا الثِّقَاتُ أَنَّ مِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ : أَرْبَعِينَ مِيلاً. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : لاَ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ إلاَّ فِي يَوْمٍ تَامٍّ وَعَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَافَرَ إلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلاَةَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَهِيَ عَلَى ثَلاَثِينَ مِيلاً مِنْ الْمَدِينَةِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ : إذَا خَرَجْتَ فَبِتَّ فِي غَيْرِ أَهْلِكَ فَاقْصُرْ , فَإِنْ أَتَيْتَ أَهْلَكَ فَأَتْمِمْ . وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ : لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي يَوْمٍ تَامٍّ وَلَمْ نَجِدْ ، عَنْ هَؤُلاَءِ تَحْدِيدَ الْيَوْمِ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ , وَكُنْت أُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلاَ يَقْصُرُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : ذَاتُ النُّصْبِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ : حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : خَرَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً فَلَمَّا أَتَاهَا قَصَرَ الصَّلاَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا جُوَيْبِرٌ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ إلَى النُّخَيْلَةِ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ , وَالْعَصْرَ : رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ , وَقَالَ : أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ r . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ : حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ : خَرَجْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إلَى أَرْضِهِ بِبَذْقِ سِيرِينَ وَهِيَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فِي سَفِينَةٍ , وَهِيَ تَجْرِي بِنَا فِي دَجْلَةَ قَاعِدًا عَلَى بِسَاطٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ , ثُمَّ صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّازِ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ أَنَّهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا " دَوْمِينُ " مِنْ حِمْصٍ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلاً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , فَقُلْت لَهُ : أَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ يُصَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ , وَقَالَ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَفْعَلُ ". وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : خَرَجَ ابْنُ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ إلَى أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا " دَوْمِينُ " مِنْ حِمْصٍ عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِيلاً , فَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ , وَقَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَفْعَلُ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى شُرَحْبِيلَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ كَانَ هَذَا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَمْ يَسْأَلْهُ ، وَلاَ أُنْكِرُ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ ، عَنِ اللَّجْلاَجِ قَالَ : كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ فَيَتَجَوَّزُ فِي الصَّلاَةِ فَيُفْطِرُ وَيَقْصُرُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ : حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ قَالَ : سَمِعْت مُيَسَّرَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ رَدِيفُهُ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ , فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ , وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ شُعْبَةُ : أَخْبَرَنِي بِهَذَا مُيَسَّرُ بْنُ عِمْرَانَ , وَأَبُوهُ عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ شَاهِدٌ قَالَ عَلِيٌّ : عُمَيْرٌ هَذَا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي مَسِيرَةِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ قَالَ عَلِيٌّ : مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا طَائِيٌّ وَلاَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ , مَشْهُورٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا مِسْعَرٌ ، هُوَ ابْنُ كِدَامٍ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : إنِّي لاَُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ , يَعْنِي الصَّلاَةَ. مُحَارِبٌ هَذَا سُدُوسِيٌّ قَاضِي الْكُوفَةِ , مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ , أَحَدُ الأَئِمَّةِ , وَمِسْعَرٌ أَحَدُ الأَئِمَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى : حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ : سَمِعْت جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ يَقُولُ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : لَوْ خَرَجْتُ مِيلاً قَصَرْت الصَّلاَةَ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ تَابِعٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ غُنْدَرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ : سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ شَكَّ شُعْبَةُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ أَنَسٌ إذَا سُئِلَ إلاَّ بِمَا يَقُولُ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ : أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ أَفْطَرَ فِي مَسِيرٍ لَهُ مِنْ الْفُسْطَاطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ : حدثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : لَقَدْ كَانَتْ لِي أَرْضٌ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ فَلَمْ أَدْرِ أَأَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلَيْهَا أَمْ أُتِمُّهَا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ : أَأَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ : نَعَمْ , وَهَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ زَمْعَةَ ، هُوَ ابْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : يُقْصَرُ فِي مَسِيرَةِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : لَوْ خَرَجْت إلَى دَيْرِ الثَّعَالِبِ لَقَصَرْت وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَسَالِمٍ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلاً مَكِّيًّا بِالْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى , وَلَمْ يَخُصَّا حَجًّا مِنْ غَيْرِهِ , وَلاَ مَكِّيًّا مِنْ غَيْرِهِ. وَصَحَّ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ هَانِئٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ , وَقَبِيصَةِ بْنِ ذُؤَيْبٍ : الْقَصْرُ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلاً. وَبِكُلِّ هَذَا نَقُولُ ,. وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا فِي السَّفَرِ : إذَا كَانَ عَلَى مِيلٍ فَصَاعِدًا فِي حَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ , أَوْ جِهَادٍ , وَفِي الْفِطْرِ , فِي كُلِّ سَفَرٍ قَالَ عَلِيٌّ : فَهِمَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَدِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَأَنَسٌ , وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَالشَّعْبِيُّ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ , وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ , وَكُلْثُومُ بْنُ هَانِئٍ , وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ , وَغَيْرُهُمْ. وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَيَدْخُلُ فِيمَنْ قَالَ بِهَذَا : مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ , عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الْمُفْطِرِ مُتَأَوِّلاً , وَفِي الْمَكِّيِّ يَقْصُرُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ قَالَ عَلِيٌّ : وَإِنَّمَا تَقَصَّيْنَا الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الأَبْوَابِ , لاَِنَّنَا وَجَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ قَدْ أَخَذُوا يُجَرِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِهِمْ بَلْ قَدْ هَجَمَ عَلَى ذَلِكَ كَبِيرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ وَكَبِيرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَمْ أَجِدْ أَحَدًا قَالَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقَصْرِ فِيمَا قلنا بِهِ , فَهُوَ إجْمَاعٌ وَقَالَ الآخَرُ : قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَاحْتَسَبْنَا الأَجْرَ فِي إزَالَةِ ظُلْمَةِ كَذِبِهِمَا ، عَنِ الْمُغْتَرِّ بِهِمَا , وَلَمْ نُورِدْ إلاَّ رِوَايَةً مَشْهُورَةً ظَاهِرَةً عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّقْلِ , وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ صِبْيَانِ الْمُحَدِّثِينَ , فَكَيْفَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا مَنْ قَالَ بِتَحْدِيدِ مَا يُقْصَرُ فِيهِ بِالسَّفَرِ , مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ , وَحَيْثُ يُحْمَلُ الزَّادُ وَالْمَزَادُ وَفِي سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلاً , وَفِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلاً , وَفِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً , وَفِي ثَلاَثَةٍ وَسِتِّينَ مِيلاً , أَوْ فِي أَحَدٍ وَسِتِّينَ مِيلاً , أَوْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً , أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً , أَوْ أَرْبَعِينَ مِيلاً , أَوْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ مِيلاً : فَمَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفٍ لَهُ مِنْهُمْ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ وَجْهَ لِلاِشْتِغَالِ بِهِ ثُمَّ نَسْأَلُ مَنْ حَدَّ مَا فِيهِ الْقَصْرُ , وَالْفِطْرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ أَيِّ مِيلٍ هُوَ ثُمَّ نَحُطُّهُ مِنْ الْمِيلِ عَقْدًا أَوْ فَتَرًا أَوْ شِبْرًا , وَلاَ نَزَالُ نَحُطُّهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ , أَوْ تَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ التَّحْدِيدُ بِالأَمْيَالِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُمَا. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُمَا أَشَدُّ الاِخْتِلاَفِ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَحُمَيْدٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ , وَوَافَقَهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلاً وَرَوَى مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ , وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْقَصْرِ فِي أَقَلَّ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ الْغَازِ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ وَرَوَى مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُقْصَرُ فِي الْبَرِيدِ. وقال مالك : ذَاتُ النُّصْبِ , وَرِيمٌ : كِلْتَاهُمَا مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ , وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيُّ : لاَ قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَصَرَ إلَى ثَلاَثِينَ مِيلاً. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ وَأَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَصَرَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً وَرَوَى عَنْهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ , وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ , وَجَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ وَكُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ : الْقَصْرَ فِي أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ , وَفِي ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ , وَفِي مِيلٍ وَاحِدٍ , وَفِي سَفَرِ سَاعَةٍ. وَأَقْصَى مَا يَكُونُ سَفَرُ السَّاعَةِ مِنْ مِيلَيْنِ إلَى ثَلاَثَةٍ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ : الْقَصْرَ إلَى عُسْفَانَ , وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ مِيلاً , وَإِذَا وَرَدْت عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ , وَلاَ تَقْصُرْ إلَى عَرَفَةَ ، وَلاَ مِنًى. وَرَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ : لاَ قَصْرَ فِي يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ , لَكِنْ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ : لاَ قَصْرَ إلاَّ فِي يَوْمٍ مُتَاحٍ. وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فِي أَمْرِهِ عَطَاءً : أَنْ لاَ يَقْصُرَ إلَى مِنًى ، وَلاَ إلَى عَرَفَةَ , وَعَطَاءٌ مَكِّيٌّ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ قَوْلِهِ حُجَّةً وَجُمْهُورُ قَوْلِهِ لَيْسَ حُجَّةً وَخَالَفَهُ أَيْضًا مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ : إذَا قَدِمْت عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ. فَحَصَلَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : خَارِجًا ، عَنْ أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ تَحْدِيدُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَلاَ وُجِدَ بَيِّنًا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ حَدَّ مَا فِيهِ الْقَصْرُ بِذَلِكَ. وَلَعَلَّ التَّحْدِيدَ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ دُونِ عَطَاءٍ , وَهُوَ هِشَامُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَنَعَ الْقَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَسَقَطَتْ أَقْوَالُ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالأَمْيَالِ الْمَذْكُورَةِ سُقُوطًا مُتَيَقَّنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ مَنْ حَدَّ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , أَوْ يَوْمَيْنِ , أَوْ يَوْمٍ وَشَيْءٍ زَائِدٍ , أَوْ يَوْمٍ تَامٍّ , أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ : فَلَمْ نَجِدْ لِمَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَزِيَادَةِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقًا أَصْلاً , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ فَنَظَرْنَا فِي الأَقْوَالِ الْبَاقِيَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلاَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَابْنِ عُمَرَ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ : فِي بَعْضِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا لَيْلَتَيْنِ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ". فَتَعَلَّقَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فأما مَنْ تَعَلَّقَ بِلَيْلَتَيْنِ , أَوْ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ : فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ قَدْ جَاءَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ بِيَوْمٍ , وَجَاءَ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , فَلاَ مَعْنَى لِلتَّعَلُّقِ بِالْيَوْمَيْنِ , وَلاَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ , دُونَ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ الآخَرَيْنِ أَصْلاً. وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ هَاهُنَا بِالتَّعَلُّقِ بِالأَكْثَرِ مِمَّا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ , أَوْ بِالأَقَلِّ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ وَأَمَّا التَّعَلُّقُ بِعَدَدٍ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَقَلَّ مِنْهُ , أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ , فَلاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً , فَسَقَطَ هَذَانِ الْقَوْلاَنِ أَيْضًا فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ تَعَلَّقَ بِالثَّلاَثِ , أَوْ بِالْيَوْمِ : فَكَانَ مِنْ شَغَبِ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْيَوْمِ أَنْ قَالَ : هُوَ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ , فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي مَا دُونَهُ بِخِلاَفِهِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا لِمَا يُقْصَرُ فِيهِ قَالُوا : وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِحَدِّنَا قَدْ اسْتَعْمَلَ حُكْمَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالثَّلاَثِ , وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُكْمِ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ شَيْئًا : وَهَذَا أَوْلَى مِمَّنْ أَسْقَطَ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ قَالَ عَلِيٌّ : . فَقُلْنَا لَهُمْ : تَأْتُوا بِشَيْءٍ فَإِنْ كُنْتُمْ إنَّمَا تَعَلَّقْتُمْ بِالْيَوْمِ ; لاَِنَّهُ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ : فَلَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ , وَقَدْ جَهِلْتُمْ أَوْ تَعَمَّدْتُمْ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ". وَرَوَاهُ مَالِكٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا ". وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ لَيْلَةً إلاَّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : " أَنْ تُسَافِرَ بَرِيدًا " وَسَعِيدٌ أَدْرَكَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعَ مِنْهُ فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , ثُمَّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ , وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ ، وَلاَ اُخْتُلِفَ عَنْهُ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ , هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ , وَلاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. فَعَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ كُلَّ سَفَرٍ دُونَ الْيَوْمِ وَدُونَ الْبَرِيدِ وَأَكْثَرَ مِنْهُمَا , وَكُلُّ سَفَرٍ قَلَّ أَوْ طَالَ فَهُوَ عَامٌّ لِمَا فِي سَائِرِ الأَحَادِيثِ وَكُلُّ مَا فِي سَائِرِ الأَحَادِيثِ فَهُوَ بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَهُوَ الْمُحْتَوِي عَلَى جَمِيعِهَا , وَالْجَامِعُ لَهَا كُلِّهَا , وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى مَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ , فَسَقَطَ قَوْلُ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْيَوْمِ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالثَّلاَثِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِذِكْرِ الثَّلاَثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَسْحِ " لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثًا بِلَيَالِيِهِنَّ , وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ نَجِدْهُمْ مَوَّهُوا بِغَيْرِ هَذَا أَصْلاً قَالَ عَلِيٌّ : وَقَالُوا : مَنْ تَعَلَّقَ بِالثَّلاَثِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الصَّوَابِ , لاَِنَّهُ إنْ كَانَ عليه السلام ذَكَرَ نَهْيَهُ ، عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا قَبْلَ نَهْيِهِ ، عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ : فَالْخَبَرُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْيَوْمُ هُوَ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ , وَيَبْقَى نَهْيُهُ ، عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ , بَلْ ثَابِتٌ كَمَا كَانَ. وَإِنْ كَانَ ذُكِرَ نَهْيُهُ ، عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا بَعْدَ نَهْيِهِ ، عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ : فَنَهْيُهُ عَنِ السَّفَرِ ثَلاَثًا هُوَ النَّاسِخُ لِنَهْيِهِ إيَّاهَا عَنِ السَّفَرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ قَالُوا : فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حُكْمِ النَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ ثَلاَثًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ النَّهْيِ لَهَا عَمَّا دُونَ الثَّلاَثِ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلشَّكِّ قال علي : وهذا تَمْوِيهٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّهْيُ أَنْ تُسَافِرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ.وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنْ قَزَعَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ , وَوَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلاَّ وَمَعَهَا أَخُوهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا , أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الثَّلاَثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُخْرِجًا لِمَا دُونَ الثَّلاَثِ , مِمَّا قَدْ ذُكِرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ , عَنْ حُكْمِ الثَّلاَثِ : فَإِنَّ ذِكْرَ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُخْرِجٌ لِلثَّلاَثِ أَيْضًا , وَإِنْ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ، عَنْ حُكْمِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ , وَإِلاَّ فَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا : إنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حُكْمِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ وَبَقَائِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ , وَعَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ بَقَاءِ النَّهْيِ ، عَنِ الثَّلاَثِ , كَمَا قَالُوا فِي الثَّلاَثِ وَفِيمَا دُونَهَا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ ، وَلاَ فَرْقَ فَقَالُوا : لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلاَثِ وَبَيْنَ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِ فَقِيلَ لَهُمْ : قُلْتُمْ بِالْبَاطِلِ , قَدْ صَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ حَدَّ مَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ لاَ بِثَلاَثٍ. فَكَيْفَ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلٌ قَالَهُ رَجُلاَنِ مِنْ التَّابِعِينَ , وَرَجُلاَنِ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ , وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَمَا يَعُدُّهُ إجْمَاعًا إلاَّ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ ، وَلاَ حَيَاءَ فَكَيْفَ وَإِذْ قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَدَّ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً إلَى السُّوَيْدَاءِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ , فَإِنَّ تَحْدِيدَهُ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ : أَنْ لاَ قَصْرَ فِيمَا دُونَهُ لِسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلاً : مُوجِبٌ أَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثٍ , لإِنَّ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلاً , وَمُحَالٌ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ ثَلاَثًا مُسْتَوِيَةً وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَدَّ بِالْيَوْمِ الْوَاحِدِ , وَقَوْلُهُمْ : نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِنَا نَهْيَهُ عليه السلام ، عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا وَاحِدًا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَنَهْيَهَا ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ إنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلاَثًا هُوَ الأَوَّلُ أَوْ هُوَ الآخِرُ , فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ أَيْضًا ، عَنِ الْيَوْمِ , وَلَيْسَ تَأْخِيرُ نَهْيِهَا ، عَنِ الثَّلاَثِ بِنَاسِخٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عليه السلام عَمَّا دُونَ الثَّلاَثِ , وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مُخَالَفَتِكُمْ لِنَهْيِهِ عليه السلام لَهَا عَمَّا دُونَ الثَّلاَثِ , وَخِلاَفُ أَمْرِهِ عليه السلام بِغَيْرِ يَقِينٍ لِلنَّسْخِ لاَ يَحِلُّ , فَتَعَارَضَ الْقَوْلاَنِ وَالثَّالِثُ : أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا قَاضٍ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ , وَكُلُّهَا بَعْضُ مَا فِيهِ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ مَا فِيهِ أَصْلاً لإِنَّ مَنْ عَمِلَ بِهِ فَقَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ , وَمَنْ عَمِلَ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ دُونَ سَائِرِهَا فَقَدْ خَالَفَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ r , وَهَذَا لاَ يَجُوزُ قَالَ عَلِيٌّ : ثُمَّ لَوْ لَمْ تَتَعَارَضْ الرِّوَايَاتُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ ، عَنْ سَفَرِ مُدَّةٍ مَا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ , وَلاَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مُدَّةُ مَسْحِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ ذِكْرٌ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا وَيُفْطِرُ , وَلاَ يَقْصُرُ , وَلاَ يُفْطِرُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْقَصْرَ فِي الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ مَعَ الْخَوْفِ. وَذَكَرَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَذَكَرَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ فَجَعَلَ هَؤُلاَءِ حُكْمَ نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ , وَحُكْمُ مَسْحِ الْمُسَافِرِ : دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ , دُونَ مَا لاَ قَصْرَ فِيهِ ، وَلاَ فِطْرَ , وَلَمْ يَجْعَلُوهُ دَلِيلاً عَلَى السَّفَرِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ فِيهِ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي لاَ يُتَيَمَّمُ فِيهِ فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , وَمَا لاَ تُقْصَرُ فِيهِ عَلَى مَا تُسَافِرُ فِيهِ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ , وَمَا لاَ تُسَافِرُهُ , وَعَلَى مَا يَمْسَحُ فِيهِ الْمُقِيمُ , وَمَا لاَ يَمْسَحُ قلنا لَهُمْ : وَلِمَ فَعَلْتُمْ هَذَا وَمَا الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ أَوْ مَا الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا وَهَلاَّ قِسْتُمْ الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا نَوَى إقَامَتَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ أَنْ يَقِيسَ بِرَأْيِهِ حُكْمًا عَلَى حُكْمٍ آخَرَ وَهَلاَّ قِسْتُمْ مَا يَقْصُرُ فِيهِ عَلَى مَا لاَ يَتَيَمَّمُ فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا , أَوْ عَلَى مَا أَبَحْتُمْ فِيهِ لِلرَّاكِبِ التَّنَفُّلَ عَلَى دَابَّتِهِ. ثم نقول لَهُمْ : أَخْبِرُونَا ، عَنْ قَوْلِكُمْ : إنْ سَافَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ قَصَرَ وَأَفْطَرَ , وَإِنْ سَافَرَ أَقَلَّ لَمْ يَقْصُرْ وَلَمْ يُفْطِرْ : مَا هَذِهِ الثَّلاَثَةُ الأَيَّامُ أَمِنْ أَيَّامِ حُزَيْرَانَ أَمْ مِنْ أَيَّامِ كَانُونَ الأَوَّلِ فَمَا بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي قُلْتُمْ , أَسَيْرُ الْعَسَاكِرِ أَمْ سَيْرُ الرِّفَاقِ عَلَى الإِبِلِ , أَوْ عَلَى الْحَمِيرِ , أَوْ عَلَى الْبِغَالِ , أَمْ سَيْرُ الرَّاكِبِ الْمُجِدِّ أَمْ سَيْرُ الْبَرِيدِ أَمْ مَشْيُ الرَّجَّالَةِ. وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ مَشْيَ الرَّاجِلِ الشَّيْخِ الضَّعِيفِ فِي وَحْلٍ وَوَعِرٍ , أَوْ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ : خِلاَفُ مَشْيِ الرَّاكِبِ عَلَى الْبَغْلِ الْمُطِيقِ فِي الرَّبِيعِ فِي السَّهْلِ , وَأَنَّ هَذَا يَمْشِي فِي يَوْمٍ مَا لاَ يَمْشِيهِ الآخَرُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَأَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ الأَيَّامِ : كَيْفَ هِيَ أَمَشْيًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ أَمْ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ , أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلاً , أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ قَلِيلاً أَمْ النَّهَارُ وَاللَّيْلُ مَعًا أَمْ كَيْفَ هَذَا وَأَخْبِرُونَا : كَيْفَ جَعَلْتُمْ هَذِهِ الأَيَّامَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ مِيلاً عَلَى وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ وَلَمْ تَجْعَلُوهَا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلاً عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ خَمْسَةً وَثَلاَثِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ تَمْشِيهَا الرِّفَاقُ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا دُونَ سَائِرِهِ إلاَّ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ. وَهَكَذَا يُقَالُ لِمَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ , أَوْ بِلَيْلَةٍ , أَوْ بِيَوْمٍ , أَوْ بِيَوْمَيْنِ , وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ قَالُوا : هَذَا الاِعْتِرَاضُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُدْخِلُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَمْرِهِ الْمَرْأَةَ أَنْ لاَ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ لَيْلَتَيْنِ , أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ يَوْمًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ , وَفِي تَحْدِيدِهِ عليه السلام مَسْحَ الْمُسَافِرِ ثَلاَثًا وَالْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قلنا ، وَلاَ كَرَامَةَ لِقَائِلِ هَذَا مِنْكُمْ : بَلْ بَيْنَ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَتَحْدِيدِكُمْ أَعْظَمُ الْفَرْقِ , وَهُوَ أَنَّكُمْ لَمْ تَكِلُوا الأَيَّامَ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا حَدًّا لِمَا يَقْصُرُ فِيهِ وَمَا يُفْطِرُ , أَوْ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ كَذَلِكَ , الَّتِي جَعَلَهَا مِنْكُمْ مَنْ جَعَلَهَا حَدًّا : إلَى مَشْيِ الْمُسَافِرِ الْمَأْمُورِ بِالْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ جَعَلَتْ لِذَلِكَ حَدًّا مِنْ مِسَاحَةِ الأَرْضِ لاَ يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ ; لاَِنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَشَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً , أَوْ عِشْرِينَ مِيلاً لاَ يَقْصُرُ , فَإِنْ مَشَى يَوْمًا وَلَيْلَةً ثَلاَثِينَ مِيلاً فَإِنَّهُ لاَ يَقْصُرُ. وَاتَّفَقْتُمْ أَنَّهُ مَنْ مَشَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ بَرِيدًا غَيْرُ شَيْءٍ أَوْ جَمَعَ ذَلِكَ الْمَشْيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لاَ يَقْصُرُ وَاتَّفَقْتُمْ مَعْشَرَ الْمُمَوِّهِينَ بِذِكْرِ الثَّلاَثِ لَيَالِي فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَشَى مِنْ يَوْمِهِ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ مِيلاً فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَلَوْ لَمْ يَمْشِ إلاَّ بَعْضَ يَوْمٍ وَهَذَا مُمْكِنٌ جِدًّا , كَثِيرٌ فِي النَّاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r الْمَرْأَةَ بِأَنْ لاَ تُسَافِرَ ثَلاَثًا أَوْ يَوْمًا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَأَمْرُهُ عليه السلام الْمُسَافِرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ بِالْمَسْحِ ثُمَّ يَخْلَعُ , لإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ مَوْكُولَةٌ إلَى حَالَةِ الْمُسَافِرِ وَالْمُسَافِرَةِ , عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي لَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ لَبَيَّنَهُ لاُِمَّتِهِ. فَلَوْ أَنَّ مُسَافِرَةً خَرَجَتْ تُرِيدُ سَفَرَ مِيلٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَهُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلاَّ لِضَرُورَةٍ وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا سَافَرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ يَمْشِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِيلاً لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَلَوْ سَافَرَ يَوْمًا وَأَقَامَ آخَرَ وَسَافَرَ ثَالِثًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ الأَيَّامَ الثَّلاَثَةَ كَمَا هِيَ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ عليه السلام إلاَّ خَبَرُ الثَّلاَثِ فَقَطْ لَكَانَ الْقَوْلُ : أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ خَرَجَتْ فِي سَفَرٍ مِقْدَارَ قُوَّتِهَا فِيهِ أَنْ لاَ تَمْشِيَ إلاَّ مِيلَيْنِ مِنْ نَهَارِهَا أَوْ ثَلاَثَةً : لَمَا حَلَّ , لَهَا إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. فَلَوْ كَانَ مِقْدَارُ قُوَّتِهَا أَنْ تَمْشِيَ خَمْسِينَ مِيلاً كُلَّ يَوْمٍ لَكَانَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَسَافَةَ مِائَةِ مِيلٍ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَكِنْ وَحْدَهَا. وَاَلَّذِي حَدَّهُ عليه السلام فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ مَضْبُوطٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ مِنْ الأَرْضِ لاَ تَتَعَدَّى , بَلْ بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْمَ سَفَرِ ثَلاَثٍ أَوْ سَفَرِ يَوْمٍ , وَلاَ مَزِيدَ وَاَلَّذِي حَدَّدْتُمُوهُ أَنْتُمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَلاَ مَفْهُومٍ ، وَلاَ مَضْبُوطٍ أَصْلاً بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَظَهَرَ فَرْقُ مَا بَيْنَ قَوْلِكُمْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r , وَتَبَيَّنَ فَسَادُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ , وَأَنَّهَا لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا ، وَلاَ لِشَيْءٍ مِنْهَا لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِإِجْمَاعٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِمَعْقُولٍ , وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ نَفْسِهِ , فَكَيْفَ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ حَقٌّ كُلُّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَمُقْتَضَاهَا , مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا خَالَفَ الْحَقَّ , لاَ سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ خُرُوجِ الْمَكِّيِّ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ فَيَقْصُرُ : وَبَيْنَ سَائِرِ جَمِيعِ بِلاَدِ الأَرْضِ يَخْرُجُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَلاَ يَقْصُرُونَ ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا التَّفْرِيقُ ، عَنْ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ قَبْلَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ : بِمِنًى. قال علي : وهذا لاَ يَصِحُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَصْلاً , وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ ، عَنْ عُمَرَ t ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ لَهُمْ , لاَِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ أَخْرَجُوا حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى ، عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الأَسْفَارِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرُوا : أَنْ يَقْصُرَ أَهْلُ مِنًى بِمِنًى وَبِمَكَّةَ ; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ لاَِهْلِ مِنًى : أَتِمُّوا فَإِنْ قَالُوا : قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْحَاضِرَ لاَ يَقْصُرُ قِيلَ لَهُمْ : صَدَقْتُمْ , وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الأَسْفَارِ لَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَقْصُرُونَ فِيهَا , فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مِنْ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتِلْكَ الْمَسَافَةُ فِي جَمِيعِ بِلاَدِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ , إذْ لَيْسَ إلاَّ سَفَرٌ أَوْ إقَامَةٌ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ ، وَلاَ فَرْقَ وَقَدْ حَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْمَشَقَّةُ قَالَ عَلِيٌّ : . فَقُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ لإِنَّ الْمَشَقَّةَ تَخْتَلِفُ , فَنَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ حَتَّى لاَ يَبْلُغَهَا إلاَّ بِشِقِّ النَّفْسِ , وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا , يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الأَغْلَبَ , وَنَجِدُ مَنْ لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ فِي عِمَارِيَّةٍ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ مُرَفَّهًا مَخْدُومًا شَهْرًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ , فَبَطَلَ هَذَا التَّحْدِيدُ قَالَ عَلِيٌّ : فَلْنَقُلْ الآنَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ عَلَى بَيَانِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَقَالَ عُمَرُ , وَعَائِشَةُ , وَابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ , وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r ، وَلاَ الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ , فَلَيْسَ لاَِحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ فإن قيل : بَلْ لاَ يَقْصُرُ ، وَلاَ يُفْطِرُ إلاَّ فِي سَفَرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْقَصْرِ فِيهِ وَالْفِطْرِ قلنا لَهُمْ : فَلاَ تَقْصُرُوا ، وَلاَ تُفْطِرُوا إلاَّ فِي حَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ , أَوْ جِهَادٍ , وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ , وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ قَدْ خَصَّصْتُمْ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَلَلَزِمَكُمْ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا أَنْ لاَ تَأْخُذَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا لاَ بِقُرْآنٍ , وَلاَ بِسُنَّةٍ إلاَّ حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْهَا , وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذَاهِبِكُمْ كُلِّهَا , بَلْ فِيهِ الْخُرُوجُ عَلَى الإِسْلاَمِ , وَإِبَاحَةِ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ r فِي الدِّينِ كُلِّهِ , إلاَّ حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَهَذَا نَفْسُهُ خُرُوجٌ ، عَنِ الإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ حَتَّى يَصِحَّ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ , فَيُوقَفُ عِنْدَ مَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ , فَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ r لِيُطَاعَ. قَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَمْ يَبْعَثْهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيُعْصَى حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى طَاعَتِهِ , بَلْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ أَنْ يُطِيعَهُ أَحَدٌ. وَقَبْلَ أَنْ يُخَالِفَهُ أَحَدٌ , لَكِنْ سَاعَةَ يَأْمُرُ بِالأَمْرِ , هَذَا مَا لاَ يَقُولُ مُسْلِمٌ خِلاَفَهُ , حَتَّى نَقَضَ مَنْ نَقَضَ وَالسَّفَرُ : هُوَ الْبُرُوزُ ، عَنْ مَحَلَّةِ الإِقَامَةِ , وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ فِي الأَرْضِ , هَذَا الَّذِي لاَ يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ سِوَاهُ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ ، عَنْ هَذَا الْحُكْمِ إلاَّ مَا صَحَّ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ ثُمَّ وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ خَرَجَ إلَى الْبَقِيعِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى , وَخَرَجَ إلَى الْفَضَاءِ لِلْغَائِطِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَلَمْ يَقْصُرُوا ، وَلاَ أَفْطَرُوا , وَلاَ أَفْطَرَ ، وَلاَ قَصَرَ فَخَرَجَ هَذَا ، عَنْ أَنْ يُسَمَّى سَفَرًا , وَعَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ , فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُوقِعَ اسْمَ سَفَرٍ وَحُكْمَ سَفَرٍ إلاَّ عَلَى مَنْ سِمَاهُ مَنْ هُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ سَفَرًا , فَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ. فَقَدْ رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ خَرَجْت مِيلاً لَقَصَرْت الصَّلاَةَ , فَأَوْقَعْنَا اسْمَ السَّفَرِ وَحُكْمَ السَّفَرِ فِي الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ عَلَى الْمِيلِ فَصَاعِدًا , إذْ لَمْ نَجِدْ عَرَبِيًّا ، وَلاَ شَرِيعِيًّا عَالِمًا أَوْقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ اسْمَ سَفَرٍ , وَهَذَا بُرْهَانٌ صَحِيحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فإن قيل : فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ الثَّلاَثَةَ الأَمْيَالَ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ حَدًّا لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ , إذْ لَمْ تَجِدُوا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَصَرَ ، وَلاَ أَفْطَرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قلنا : وَلاَ وَجَدْنَا عليه السلام مَنْعًا مِنْ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ , بَلْ وَجَدْنَاهُ عليه السلام أَوْجَبَ ، عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا , وَجَعَلَ الصَّلاَةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ مُطْلَقًا. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَالْمِيلُ : هُوَ مَا سُمِّيَ عِنْدَ الْعَرَبِ مِيلاً , وَلاَ يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ فإن قيل : لَوْ كَانَ هَذَا مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلاَ عَلَى عُثْمَانَ , وَلاَ عَلَى مَنْ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ , فَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى قلنا : قَدْ عَرَفَهُ عُمَرُ , وَابْنُ عُمَرَ , وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَالتَّابِعِينَ. ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْكُمْ قَوْلَكُمْ : فَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ : لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ , وَلاَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ , وَلاَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلاَ عَلَى مَنْ لاَ يَعْرِفُ قَوْلَكُمْ , كَمَالِكٍ , وَاللَّيْثِ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَغَيْرِهِمْ , مِمَّنْ لاَ يَقُولُ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ : لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ , وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى إلاَّ أَنَّ هَذَا الإِلْزَامَ لاَزِمٌ لِلطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ لاَ لَنَا ; لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ هَذَا الإِلْزَامَ حَقًّا , وَمَنْ حَقَّقَ شَيْئًا لَزِمَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُحَقِّقُ هَذَا الإِلْزَامَ الْفَاسِدَ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا وَسْوَاسٌ وَضَلاَلٌ , وَإِنَّمَا حَسْبُنَا اتِّبَاعُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام , عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ , وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ , وَمَا مِنْ شَرِيعَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا إلاَّ قَدْ عَلِمَهَا بَعْضُ السَّلَفِ وَقَالَ بِهَا , وَجَهِلَهَا بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : إنَّ مِنْ الْعَجَبِ تَرْكَ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لِرَسُولِ اللَّهِ r عَنْ هَذِهِ الْعَظِيمَةِ , وَهِيَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ . فَقُلْنَا : هَذَا أَعْظَمُ بُرْهَانٍ , وَأَجَلُّ دَلِيلٍ , وَأَوْضَحُ حُجَّةٍ لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَتَمْيِيزٍ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ لِذَلِكَ أَصْلاً إلاَّ مَا سُمِّيَ سَفَرًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَهُمْ عليه السلام , إذْ لَوْ كَانَ لِمِقْدَارِ السَّفَرِ حَدٌّ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا لَمَا أَغْفَلَ عليه السلام بَيَانَهُ أَلْبَتَّةَ , وَلاَ أَغْفَلُوا هُمْ سُؤَالَهُ عليه السلام عَنْهُ , وَلاَ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ نَقْلِ تَحْدِيدِهِ فِي ذَلِكَ إلَيْنَا , فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ , وَلاَحَ بِذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ , وَإِنَّ كُلَّ مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَإِنَّمَا هُوَ وَهْمٌ أَخْطَأَ فِيهِ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ إمَّا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَأَمَّا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ. فَنَسْأَلُهُمْ : أَهُوَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ أَمْ لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعْدُ , لَكِنَّهُ يُرِيدُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعْدُ , وَلاَ يَدْرِي أَيَبْلُغُهُ أَمْ لاَ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الأَمْرَيْنِ فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعْدُ , وَلَكِنَّهُ يُرِيدُهُ , وَلاَ يَدْرِي أَيَبْلُغُهُ أَمْ لاَ , أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ الْقَصْرَ , وَهُوَ فِي غَيْرِ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , مِنْ أَجْلِ نِيَّتِهِ فِي إرَادَتِهِ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا لَهُ الْقَصْرَ فِي مَنْزِلِهِ وَخَارِجِ مَنْزِلِهِ بَيْنَ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ , مِنْ أَجْلِ نِيَّتِهِ فِي إرَادَتِهِ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ : عَطَاءٌ , وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , وَغَيْرُهُمَا , إلاَّ أَنَّ هَؤُلاَءِ يُقِرُّونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ , ثُمَّ يَأْمُرُونَهُ بِالْقَصْرِ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَصْلاً وَإِنْ قَالُوا : بَلْ هُوَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ هَدَمُوا كُلَّ مَا بَنَوْا , وَأَبْطَلُوا أَصْلَهُمْ وَمَذْهَبَهُمْ , وَأَقَرُّوا بِأَنَّ قَلِيلَ السَّفَرِ وَكَثِيرَهُ : تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , لاَِنَّهُ قَدْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْمِقْدَارَ الَّذِي فِيهِ الْقَصْرُ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَا دُونَ الْمِيلِ مِنْ آخِرِ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ لَهُ حُكْمُ الْحَضَرِ , فَلاَ يُقْصَرُ فِيهِ ، وَلاَ يُفْطَرُ , فَإِذَا بَلَغَ الْمِيلَ فَحِينَئِذٍ صَارَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ , فَمِنْ حِينَئِذٍ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ فَكَانَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ يَقْصُرُ فِيهِ بَعْدُ 514 - مَسْأَلَةٌ : وَسَوَاءٌ سَافَرَ فِي بَرٍّ , أَوْ بَحْرٍ , أَوْ نَهْرٍ , كُلُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا , لاَِنَّهُ سَفَرٌ ، وَلاَ فَرْقَ 515 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ سَافَرَ الْمَرْءُ فِي جِهَادٍ , أَوْ حَجٍّ , أَوْ عُمْرَةٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَسْفَارِ : فَأَقَامَ فِي مَكَان وَاحِدٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا : قَصَرَ , وَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ : أَتَمَّ وَلَوْ فِي صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ ثَبَتْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ سَفَرَ الْجِهَادِ , وَسَفَرَ الْحَجِّ , وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ , وَسَفَرَ الطَّاعَةِ , وَسَفَرَ الْمَعْصِيَةِ , وَسَفَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً ، وَلاَ مَعْصِيَةً : كُلُّ ذَلِكَ سَفَرٌ , حُكْمُهُ كُلُّهُ فِي الْقَصْرِ وَاحِدٌ. وَإِنَّ مَنْ أَقَامَ فِي شَيْءٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ ، وَلاَ بُدَّ , سَوَاءٌ نَوَى إقَامَتَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهَا , فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إقَامَةَ مُدَّةِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ : أَتَمَّ ، وَلاَ بُدَّ , هَذَا فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً وَأَمَّا فِي الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ فَبِخِلاَفِ ذَلِكَ , بَلْ إنْ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي خِلاَلِ السَّفَرِ لَمْ يُسَافِرْ فِيهِمَا : فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ وَكَذَلِكَ إنْ نَزَلَ وَنَوَى إقَامَةَ لَيْلَةٍ وَالْغَدِ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ وَيَصُومَ فَإِنْ وَرَدَ عَلَى ضَيْعَةٍ لَهُ , أَوْ مَاشِيَةٍ , أَوْ دَارٍ , فَنَزَلَ هُنَالِكَ : أَتَمَّ , فَإِذَا رَحَلَ مِيلاً فَصَاعِدًا : قَصَرَ قَالَ عَلِيٌّ : وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا : أَتَمَّ الصَّلاَةَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، حدثنا عَاصِمٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشَرَةَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشَرَةَ بِمَكَّةَ : قَصَرَ , وَمَنْ أَقَامَ فَزَادَ : أَتَمَّ وَرُوِيَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ : إذَا أَجْمَعَ إقَامَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً : أَتَمَّ , فَإِنْ نَوَى أَقَلَّ : قَصَرَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذَا أَجْمَعْتَ إقَامَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : إذَا أَقَمْت عَشْرًا فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ. وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَحُمَيْدُ الرُّؤَاسِيُّ صَاحِبُهُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ : إذَا أَقَمْت أَرْبَعًا فَصَلِّ أَرْبَعًا. وَبِهِ يَأْخُذُ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَاللَّيْثُ , إلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعٍ , فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا : قَصَرَ , وَإِنْ بَقِيَ حَوْلاً وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ : إذَا أَقَمْت ثَلاَثًا فَأَتِمَّ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشَرَةَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلٌ آخَرُ : إذَا وَضَعْت رَحْلَك بِأَرْضٍ فَأَتِمَّ الصَّلاَةَ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ سَنَتَيْنِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَيْهَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْصَرَفَ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ الْعَنَزِيِّ قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إنِّي أُقِيمُ بِالْمَدِينَةِ حَوْلاً لاَ أَشَدُّ عَلَى سَيْرٍ قَالَ : صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الْعُمَرِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذَرْبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَرْتَجَ عَلَيْهِمْ الثَّلْجُ , فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ عَلِيٌّ : الْوَالِي لاَ يَنْوِي رَحِيلاً قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بِلاَ شَكٍّ , وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْتَجَ عَلَيْهِ الثَّلْجُ فَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُ لاَ يَنْحَلُّ إلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ وَقَدْ أَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ سَنَةً لاَ يَنْوِي سَيْرًا : بِالْقَصْرِ وَعَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ : يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَنْزِلِهِ , إلاَّ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ عَلِيٌّ : احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَكْثَرُ مَا قِيلَ , وَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَتَمَّ , وَلاَ يَخْرُجُ ، عَنْ حُكْمِ الْقَصْرِ إلاَّ بِإِجْمَاعٍ قال علي : وهذا بَاطِلٌ , قَدْ أَوْرَدْنَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ حِينَ يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا , وَقَدْ اُخْتُلِفَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا وَغَيْرُهُ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ مُقَلِّدُوهُمَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طَرِيقِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاَثًا. قَالُوا : فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلْمُهَاجِرِينَ الإِقَامَةَ بِمَكَّةَ الَّتِي كَانَتْ أَوْطَانَهُمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهَا فِي اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَلْقَوْا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ غُرَبَاءَ ، عَنْ أَوْطَانِهِمْ لِوَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمْ الْمُقَامَ بِهَا ثَلاَثًا بَعْدَ تَمَامِ النُّسُكِ. قَالُوا : فَكَانَتْ الثَّلاَثُ خَارِجَةً ، عَنِ الإِقَامَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَهُمْ , وَكَانَ مَا زَادَ عَنْهَا دَاخِلاً فِي الإِقَامَةِ الْمَكْرُوهَةِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَصٌّ ، وَلاَ إشَارَةٌ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي إذَا أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ , وَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُهَاجِرِ , فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يُقَاسَ الْمُسَافِرُ يُقِيمُ عَلَى الْمُهَاجِرِ يُقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا , وَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ , وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ ثَلاَثًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ , لاَ كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا الْمُهَاجِرُ فَمَكْرُوهٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ , فَأَيُّ نِسْبَةٍ بَيْنَ إقَامَةٍ مَكْرُوهَةٍ وَإِقَامَةٍ مُبَاحَةٍ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَيْضًا : فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ لِلْمُهَاجِرِ دَاخِلٌ عِنْدَهُمْ فِي حُكْمِ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا لاَ مُقِيمًا , وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثَةِ لِلْمُسَافِرِ فَإِقَامَةٌ صَحِيحَةٌ , وَهَذَا مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُقَاسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ , وَلَوْ قِيسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ لَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ الْمُسَافِرُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ , لاَ أَنْ يُتِمَّ , بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ وَأَيْضًا : فَإِنَّ إقَامَةَ قَدْرِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الثَّلاَثَةِ مَكْرُوهَةٌ , فَيَنْبَغِي عِنْدَهُمْ إذَا قَاسُوا عَلَيْهِ الْمُسَافِرَ أَنْ يُتِمَّ وَلَوْ نَوَى زِيَادَةَ صَلاَةٍ عَلَى الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَعَرِيَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا ، عَنْ حُجَّةٍ , فَوَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا الإِقَامَةُ فِي الْجِهَادِ , وَالْحَجِّ , وَالْعُمْرَةِ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْقَصْرَ إلاَّ مَعَ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ , وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ r الْقَصْرَ إلاَّ مَعَ السَّفَرِ , لاَ مَعَ الإِقَامَةِ , وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ حَالَ السَّفَرِ غَيْرُ حَالِ الإِقَامَةِ , وَأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا هُوَ التَّنَقُّلُ فِي غَيْرِ دَارِ الإِقَامَةِ ، وَأَنَّ الإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ وَتَرْكُ النُّقْلَةِ وَالتَّنَقُّلِ فِي دَارِ الإِقَامَةِ , هَذَا حُكْمُ الشَّرِيعَةِ وَالطَّبِيعَةِ مَعًا. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُقِيمُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُقِيمٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ بِلاَ شَكٍّ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ ، عَنْ حَالِ الإِقَامَةِ وَحُكْمِهَا فِي الصِّيَامِ وَالإِتْمَامِ إلاَّ بِنَصٍّ. وَقَدْ صَحَّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَزَلَ فِي حَالِ سَفَرِهِ فَأَقَامَ بَاقِيَ نَهَارِهِ وَلَيْلَتِهِ , ثُمَّ رَحَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي , وَأَنَّهُ عليه السلام قَصَرَ فِي بَاقِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَفِي لَيْلَتِهِ الَّتِي بَيْنَ يَوْمَيْ نُقْلَتِهِ , فَخَرَجَتْ هَذِهِ الإِقَامَةُ ، عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ فِي الإِتْمَامِ , وَالصِّيَامِ , وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ مُقِيمُ سَاعَةٍ لَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ وَرَدَ عَلَى ضَيْعَةٍ لَهُ , أَوْ مَاشِيَةٍ , أَوْ عَقَارٍ فَنَزَلَ هُنَالِكَ فَهُوَ مُقِيمٌ , فَلَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ , إذْ لَمْ نَجِدْ نَصًّا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ يَنْقُلُهَا ، عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَرْحَلْ فِيهِمَا فَقَصَرَ وَأَفْطَرَ إلاَّ فِي الْحَجِّ , وَالْعُمْرَةِ , وَالْجِهَادِ فَقَطْ , فَوَجَبَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَامَ فِي خِلاَلِ سَفَرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَظْعَنْ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ , وَيَصُومُ. وَكَذَلِكَ مَنْ مَشَى لَيْلاً وَيَنْزِلُ نَهَارًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بَاقِيَ لَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ الَّذِي بَيْنَ لَيْلَتَيْ حَرَكَتِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنْ رَبِيعَةَ. وَنَسْأَلُ مَنْ أَبَى هَذَا ، عَنْ مَاشٍ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ عِنْدَهُمْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ سَائِرٌ لاَ يَنْزِلُ ، وَلاَ يَثْبُتُ : اُضْطُرَّ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضَهُ رَاكِبًا نَاهِضًا أَوْ يَنْزِلَ لِصَلاَةِ فَرْضِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْمَشْيِ : أَيَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : يَقْصُرُ : فَصَحَّ أَنَّ السَّفَرَ : هُوَ الْمَشْيُ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ مَاشٍ : أَيُتِمُّ أَمْ يَقْصُرُ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : يُتِمُّ , فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ لاَ الْمَشْيُ مُتَنَقِّلاً. وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَأَمَّا الْجِهَادُ , وَالْحَجُّ : فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ قَالَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ ثِقَةٌ , وَبَاقِي رُوَاةِ الْخَبَرِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُمْ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام فِي إقَامَتِهِ بِتَبُوك , فَخَرَجَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الإِقَامَةِ ، عَنْ سَائِرِ الأَوْقَاتِ بِهَذَا الْخَبَرِ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : يَقْصُرُ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ. قال علي : وهذا خَطَأٌ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام الصَّلاَةَ رَكْعَتَيْنِ إلاَّ فِي السَّفَرِ , وَأَنَّ الإِقَامَةَ خِلاَفُ السَّفَرِ لِمَا ذَكَرْنَا. وقال الشافعي , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : كَقَوْلِنَا فِي الْجِهَادِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا نَصًّا إلاَّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي الْمُدَّةِ. وَأَمَّا الْحَجُّ , وَالْعُمْرَةُ : فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ , قَالَ : كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ قَالَ : عَشْرًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : حدثنا وُهَيْبٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , فَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَالثَّانِي وَهُوَ الْخَامِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَالثَّالِثُ وَهُوَ السَّادِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَالرَّابِعُ وَهُوَ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَأَنَّهُ خَرَجَ عليه السلام إلَى مِنًى قَبْلَ صَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ , فَتَمَّتْ لَهُ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعُ لَيَالٍ كَمَلاً , أَقَامَهَا عليه السلام نَاوِيًا لِلإِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِهَا بِلاَ شَكٍّ. ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ ; لاَِنَّهُ عليه السلام نَوَى بِلاَ شَكٍّ إقَامَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُتِمَّ. ثُمَّ كَانَ عليه السلام بِمِنًى الْيَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَبَاتَ بِهَا لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ. ثُمَّ أَتَى إلَى عَرَفَةَ بِلاَ شَكٍّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , فَبَقِيَ هُنَالِكَ إلَى أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ , ثُمَّ نَهَضَ إلَى مُزْدَلِفَةَ فَبَاتَ بِهَا اللَّيْلَةَ الْعَاشِرَةَ. ثُمَّ نَهَضَ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إلَى مِنًى , فَكَانَ بِهَا , وَنَهَضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ إمَّا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَأَمَّا فِي اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ , بِلاَ شَكٍّ فِي أَحَدِ الأَمْرَيْنِ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ , وَدَفَعَ مِنْهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ , وَكَانَتْ إقَامَتُهُ عليه السلام بِمِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ نِصْفِ يَوْمٍ. ثُمَّ أَتَى إلَى مَكَّةَ فَبَاتَ اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بِالأَبْطَحِ , وَطَافَ بِهَا طَوَافَ الْوَدَاعِ , ثُمَّ نَهَضَ فِي آخِرِ لَيْلَتِهِ تِلْكَ إلَى الْمَدِينَةِ , فَكَمُلَ لَهُ عليه السلام بِمَكَّةَ , وَمِنًى , وَعَرَفَةَ , وَمُزْدَلِفَةَ : عَشْرُ لَيَالٍ كَمَلاً كَمَا قَالَ أَنَسٌ. فَصَحَّ قَوْلُنَا , وَكَانَ مَعَهُ عليه السلام مُتَمَتِّعُونَ , وَكَانَ هُوَ عليه السلام قَارِنًا. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ , فَخَرَجَتْ هَذِهِ الإِقَامَةُ بِهَذَا الأَثَرِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَيْثُ أَقَامَ ، عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الإِقَامَاتِ , وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. فإن قيل : أَلَيْسَ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً : فِي بَعْضِهَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ. وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ قلنا : نَعَمْ , وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ , وَكَانَ عليه السلام فِي جِهَادٍ , وَفِي دَارِ حَرْبٍ , لإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ : كَصَفْوَانَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ مُدَّةُ مُوَادَعَةٍ لَمْ تَنْقَضِ بَعْدُ. وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فِي هَوَازِنَ قَدْ جُمِعَتْ لَهُ الْعَسَاكِرُ بِحُنَيْنٍ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلاً. وَخَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ الْهُذَلِيُّ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَجْمَعُ هُذَيْلاً لِحَرْبِهِ. وَالْكُفَّارُ مُحِيطُونَ بِهِ مُحَارِبُونَ لَهُ : فَالْقَصْرُ وَاجِبٌ بَعْدُ فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الإِقَامَةِ. وَهُوَ عليه السلام يَتَرَدَّدُ مِنْ مَكَّةَ إلَى حُنَيْنٍ. ثُمَّ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا , ثُمَّ إلَى الطَّائِفِ. وَهُوَ عليه السلام يُوَجِّهُ السَّرَايَا إلَى مَنْ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ , كَبَنِي كِنَانَةَ , وَغَيْرِهِمْ. فَهَذَا قَوْلُنَا , وَمَا دَخَلَ عليه السلام مَكَّةَ قَطُّ مِنْ حِينِ خَرَجَ عَنْهَا مُهَاجِرًا إلاَّ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ , أَقَامَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ. ثُمَّ حِينَ فَتَحَهَا كَمَا ذَكَرْنَا مُحَارِبًا. ثُمَّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : أَقَامَ بِهَا كَمَا وَصَفْنَا , وَلاَ مَزِيدَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ هَذِهِ الإِقَامَةَ لاَ تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي أَوَّلِ دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الإِحْرَامِ : فَلاَِنَّ الْقَاصِدَ إلَى الْجِهَادِ مَا دَامَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ فَلَيْسَ فِي حَالِ جِهَادٍ , وَلَكِنَّهُ مُرِيدٌ لِلْجِهَادِ وَقَاصِدٌ إلَيْهِ , وَإِنَّمَا هُوَ مُسَافِرٌ كَسَائِرِ الْمُسَافِرِينَ , إلاَّ أَجْرَ نِيَّتِهِ فَقَطْ , وَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَلَيْسَ بَعْدُ فِي عَمَلِ حَجٍّ ، وَلاَ عَمَلِ عُمْرَةٍ , لَكِنَّهُ مُرِيدٌ لاََنْ يَحُجَّ , أَوْ لاََنْ يَعْتَمِرَ , فَهُوَ كَسَائِرِ مَنْ يُسَافِرُ ، وَلاَ فَرْقَ قَالَ عَلِيٌّ : وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَقُلْ إذْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَيَّامًا : إنِّي إنَّمَا قَصَرْت أَرْبَعًا ; لاَِنِّي فِي حَجٍّ , وَلاَ لاَِنِّي فِي مَكَّةَ. ، وَلاَ قَالَ إذْ أَقَامَ بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ : إنِّي إنَّمَا قَصَرْت لاَِنِّي فِي جِهَادٍ. فَمَنْ قَالَ : شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدْ قَوَّلَهُ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَوْلاَ مُقَامُ النَّبِيِّ عليه السلام فِي تَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ , وَبِمَكَّةَ دُونَ ذَلِكَ يَقْصُرُ : لَكَانَ لاَ يَجُوزُ الْقَصْرُ إلاَّ فِي يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ الْمَرْءُ مُسَافِرًا , وَلَكَانَ مُقِيمُ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الإِتْمَامُ. لَكِنْ لَمَّا أَقَامَ عليه السلام عِشْرِينَ يَوْمًا بِتَبُوكِ يَقْصُرُ صَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ عِشْرِينَ يَوْمًا إذَا أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ فَلَهُ فِيهَا حُكْمُ السَّفَرِ , فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَوْ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ فَلاَ بُرْهَانَ يُخْرِجُ ذَلِكَ ، عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ أَصْلاً ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَصَّ الإِقَامَةَ فِي الْجِهَادِ بِعِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ فِيهَا , وَبَيْنَ مَنْ خَصَّ بِذَلِكَ بِتَبُوكَ دُونَ سَائِرِ الأَمَاكِنِ , وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ , إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ أَصْلاً , وَالْقِيَاسُ لاَ يَجُوزُ , فَمَنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ أَقَامَ فِي مَكَان يَنْوِي خُرُوجًا غَدًا أَوْ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَلَوْ أَقَامَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى خُرُوجًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ. وقال مالك : يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ , وَإِنْ نَوَى : أَخْرُجُ الْيَوْمَ , أَخْرُجُ غَدًا : قَصَرَ , وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنَ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ إسْقَاطُ أَبِي حَنِيفَةَ النِّيَّةَ حِينَ افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ , وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ , وَالْحَيْضِ وَبَقَائِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ , وَيُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ بِلاَ نِيَّةٍ : ثُمَّ يُوجِبُ النِّيَّةَ فَرْضًا فِي الإِقَامَةِ , حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r ، وَلاَ أَوْجَبَهَا بُرْهَانٌ نَظَرِيٌّ قَالَ عَلِيٌّ : وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : أَنَّ الْحُكْمَ لِلإِقَامَةِ لِلْمُدَدِ الَّتِي ذَكَرْنَا كَانَتْ هُنَالِكَ نِيَّةٌ لاِِقَامَةٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَهُوَ أَنَّ النِّيَّاتِ إنَّمَا تَجِبُ فَرْضًا فِي الأَعْمَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى بِلاَ نِيَّةٍ وَأَمَّا عَمَلٌ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ ، وَلاَ رَسُولُهُ r فَلاَ مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فِيهِ , إذْ لَمْ يُوجِبْهَا هُنَالِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ نَظَرٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ. وَالإِقَامَةُ لَيْسَتْ عَمَلاً مَأْمُورًا بِهِ , وَكَذَلِكَ السَّفَرُ , وَإِنَّمَا هُمَا حَالاَنِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا الْعَمَلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِمَا , فَذَلِكَ الْعَمَلُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ , لاَ الْحَالُ. وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا : أَنَّ السَّفَرَ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً خَرَجَ لاَ يُرِيدُ سَفَرًا فَدَفَعَتْهُ ضَرُورَاتٌ لَمْ يَقْصِدْ لَهَا حَتَّى صَارَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ , أَوْ سِيرَ بِهِ مَأْسُورًا أَوْ مُكْرَهًا مَحْمُولاً مُجْبَرًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِيمَنْ أُقِيمَ بِهِ كُرْهًا فَطَالَتْ بِهِ مُدَّتُهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَيَصُومُ , وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِيمَنْ اُضْطُرَّ لِلْخَوْفِ إلَى الصَّلاَةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا , فَذَلِكَ الْخَوْفُ وَتِلْكَ الضَّرُورَةُ لاَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ. وَكَذَلِكَ النَّوْمُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ , وَلَهُ حُكْمٌ فِي إسْقَاطِ الْوُضُوءِ وَإِيجَابِ تَجْدِيدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الإِجْنَابُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ , وَهُوَ يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ , وَهُوَ يُوجِبُ حُكْمَ الْوُضُوءِ وَالاِسْتِنْجَاءِ , فَكُلُّ عَمَلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لَكِنْ أُمِرَ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مَوْصُوفَةٍ فَهُوَ لاَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الأَعْمَالِ هِيَ الإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ , فَلاَ يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةٍ أَصْلاً , لَكِنْ مَتَى وُجِدَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحُكْمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ ، وَلاَ مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. 516 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلاَةً وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا السَّفَرَ , أَوْ ابْتَدَأَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا أَنْ يُقِيمَ : أَتَمَّ فِي كِلاَ الْحَالَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الإِقَامَةَ غَيْرُ السَّفَرِ وَأَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ ، عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ مِمَّا هُوَ إقَامَةٌ إلاَّ مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ. فَهُوَ إذَا نَوَى فِي الصَّلاَةِ سَفَرًا فَلَمْ يُسَافِرْ بَعْدُ , بَلْ هُوَ مُقِيمٌ , فَلَهُ حُكْمُ الإِقَامَةِ. وَإِذَا افْتَتَحَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ فَنَوَى فِيهَا الإِقَامَةَ فَهُوَ مُقِيمٌ بَعْدُ لاَ مُسَافِرٌ , فَلَهُ أَيْضًا حُكْمُ الإِقَامَةِ. إذْ إنَّمَا كَانَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ بِالنَّصِّ الْمُخْرِجِ لِتِلْكَ الْحَالِ ، عَنْ حُكْمِ الإِقَامَةِ , فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الْحَالُ بِبُطْلاَنِ نِيَّتِهِ صَارَ فِي حَالِ الإِقَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 517 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ صَلاَةً نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي إقَامَتِهِ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ ذَكَرَ فِي الْحَضَرِ صَلاَةً نَسِيَهَا فِي سَفَرٍ صَلاَّهَا أَرْبَعًا ، وَلاَ بُدَّ. وقال الشافعي : يُصَلِّيهَا فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ : أَرْبَعًا وقال مالك : يُصَلِّيهَا إذَا نَسِيَهَا فِي السَّفَرِ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ : رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا نَسِيَهَا فِي الْحَضَرِ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ صَلاَّهَا : أَرْبَعًا. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ : أَنَّ الأَصْلَ الإِتْمَامُ , وَإِنَّمَا الْقَصْرُ رُخْصَةٌ قال علي : وهذا خَطَأٌ , وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَلَوْ أَرَدْنَا مُعَارَضَتَهُ لَقُلْنَا : بَلْ الأَصْلُ الْقَصْرُ , كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، " فُرِضَتْ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الآُولَى ". وَلَكِنَّا لاَ نَرْضَى بِالشَّغَبِ , بَلْ نَقُولُ : إنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ أَصْلٌ , وَصَلاَةَ الإِقَامَةِ أَصْلٌ , لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا فَرْعًا لِلآُخْرَى , فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ الصَّلاَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى كَمَا لَزِمَتْ إذَا فَاتَتْ. قال علي : وهذا أَيْضًا دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ خَطَأٌ , وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الأَصْلَ وَيَهْدِمُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ , إلاَّ هُنَا فَإِنَّهُ تَنَاقُضٌ , وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ : مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ صَلَوَاتٌ كَانَ حُكْمُهَا لَوْ صَلاَّهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُومِئًا فَذَكَرَهَا فِي صِحَّتِهِ : فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ قَائِمًا. وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ صَلاَةً فَاتَتْهُ فِي صِحَّتِهِ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا. وَمَنْ صَلَّى فِي حَالِ خَوْفٍ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا صَلاَةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الأَمْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا. وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الأَمْنِ صَلاَةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ حَيْثُ لَوْ صَلاَّهَا لَصَلاَّهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ نَازِلاً قَائِمًا. وَمَنْ نَسِيَ صَلاَةً لَوْ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ مُتَوَضِّئًا فَذَكَرَهَا فِي حَالِ تَيَمُّمٍ : صَلاَّهَا مُتَيَمِّمًا. وَلَوْ نَسِيَ صَلاَةً لَوْ صَلاَّهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ مُتَيَمِّمًا فَذَكَرَهَا وَالْمَاءُ مَعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ مُتَوَضِّئًا. وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ حُجَّتَنَا فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ عليه السلام وَقْتَهَا وَقْتَ أَدَائِهَا لاَ الْوَقْتَ الَّذِي نَسِيَهَا فِيهِ أَوْ نَامَ عَنْهَا , فَكُلُّ صَلاَةٍ تُؤَدَّى فِي سَفَرٍ فَهِيَ صَلاَةُ سَفَرٍ , وَكُلُّ صَلاَةٍ تُؤَدَّى فِي حَضَرٍ فَهِيَ صَلاَةُ حَضَرٍ ، وَلاَ بُدَّ فإن قيل : فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا. قلنا : هَذَا بَاطِلٌ , وَهَذِهِ لَفْظَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ نَسِيَ صَلاَةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا إلاَّ أَرْبَعًا : فَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ نَسِيَهَا فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً : فَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنِ الْحَسَنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وقال الشافعي : لاَ يَقْصُرُ إلاَّ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ. قال علي : وهذا خَطَأٌ ; لإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ تَنَاقَضَ , فَلَمْ يَرَ النِّيَّةَ لِلإِتْمَامِ , وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا خَطَأَهُ فِيهِ , مِنْ أَنَّ الأَصْلَ عِنْدَهُ الإِتْمَامُ , وَالْقَصْرُ دَخِيلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَلاَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ , فَلاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ , أَوْ الْعَصْرَ , أَوْ الْعَتَمَةَ فَقَطْ. ثُمَّ إنْ كَانَ مُقِيمًا فَهِيَ أَرْبَعٌ , وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَهِيَ رَكْعَتَانِ ، وَلاَ بُدَّ وَمِنْ الْبَاطِلِ إلْزَامُهُ النِّيَّةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 518 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِصَلاَةِ إمَامٍ مُقِيمٍ قَصَرَ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِنْ صَلَّى مُقِيمٌ بِصَلاَةِ مُسَافِرٍ أَتَمَّ ، وَلاَ بُدَّ , وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ , وَإِمَامَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآخَرِ جَائِزَةٌ ، وَلاَ فَرْقَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ ، عَنِ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ : رَكْعَتَانِ قُلْتُ : كَيْفَ تَرَى وَنَحْنُ هَهُنَا بِمِنًى قَالَ : وَيْحَك سَمِعْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَآمَنْتَ بِهِ قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ وَهَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ الْمُسَافِرَ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ. قَالَ : كَانَ أَبِي إذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً وَهُوَ مُسَافِرٌ صَلَّى إلَيْهَا أُخْرَى , وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ اجْتَزَأَ بِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ : تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ t. وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مَطَرِ بْنِ فِيلٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ اعْتَدَّ بِهِمَا وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ : سَمِعْت طَاوُوسًا وَسَأَلْته ، عَنْ مُسَافِرٍ أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ : تُجْزِيَانِهِ قَالَ عَلِيٌّ : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى لِسَانِهِ r صَلاَةَ الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَصَلاَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ : إنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مَأْمُومًا مِنْ إمَامٍ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ : بِأَنَّ الْمُقِيمَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ يُتِمُّ ، وَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ إمَامِهِ فِي التَّقْصِيرِ , وَإِنَّ الْمُسَافِرَ خَلْفَ الْمُقِيمِ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ إمَامِهِ فِي الإِتْمَامِ. وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ يُوجَدُ , وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَالْقِيَاسَ وَمَا وَجَدْت لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى فِي صَلاَتِهِ الإِقَامَةَ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا , وَالْمُقِيمُ إذَا نَوَى فِي صَلاَتِهِ السَّفَرَ لَمْ يَقْصُرْهَا , قَالَ : فَإِذَا خَرَجَ بِنِيَّتِهِ إلَى الإِتْمَامِ فَأَحْرَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الإِتْمَامِ بِحُكْمِ إمَامِهِ قال علي : وهذا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لاَِنَّهُ لاَ نِسْبَةَ ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَ صَرْفِ النِّيَّةِ مِنْ سَفَرٍ إلَى إقَامَةٍ وَبَيْنَ الاِئْتِمَامِ بِإِمَامٍ مُقِيمٍ , بَلْ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا هَوَسٌ ظَاهِرٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ r : إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ . . فَقُلْنَا لَهُمْ : فَقُولُوا لِلْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ : أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ إذَنْ فَقَالَ قَائِلُهُمْ : قَدْ جَاءَ " أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ " . فَقُلْنَا : لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ عَلَيْكُمْ ; لإِنَّ فِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لاَ يُتِمُّ , وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَأْمُومٍ ، وَلاَ إمَامٍ , فَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُسَافِرَ جُمْلَةً يَقْصُرُ , وَالْمُقِيمَ جُمْلَةً يُتِمُّ , وَلاَ يُرَاعِي أَحَدٌ مِنْهُمَا حَالَ إمَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ