إيران في انتظار الأخضر

من معرفة المصادر

إيران في انتظار الأخضر!

د. مصطفى اللباد-طهران

تعيش إيران اليوم لحظات فاصلة وهي تنتخب رئيس جمهوريتها للمرة العاشرة، حيث تشهد العاصمة طهران منذ أيام ظاهرة لم تعرفها من قبل في كل الانتخابات الرئاسية السابقة، وهي التظاهرات التي تستمر لساعات طوال وتطوف شوارع العاصمة تأييداً للمرشحين. تقول صورة المشهد الراهن أن المنافسة الفعلية تنحصر بين رئيس الجمهورية الحالي محمود أحمدي نجاد والمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، في حين تبدو حظوظ محسن رضائي ومهدي كروبي متدنية. ومع انحصار المنافسة بين نجاد وموسوي تبقى حظوظ الأخير أكثر ارتفاعاً بالرغم من بسبب توافر عدة مؤشرات تشير إلى إمكانية فوز موسوي من الجولة الأولى حتى إن لم يكن بعد دورة ثانية للإعادة، ومن هذه المؤشرات اللقاء الذي تم بين الشيخ هاشمي رفسنجاني ومرشد الجمهورية السيد علي خامنئي بخصوص الاتهامات بالفساد التي ساقها الرئيس أحمدي نجاد بحق الشيخ رفسنجاني وعائلته ورغبة الأخير في تدخل المرشد ليردع نجاد عن التشهير به وبعائلته. وعلمت "النهار" من مصادر قريبة من اللقاء أن الشيخ رفسنجاني خرج من اللقاء مرتاحاً ومسروراً، وهو ما يعني أنه حصل على ما يريده من المرشد. المؤشر الثاني في اتجاه فوز موسوي هو زيادة الحراسة الشخصية لحمايته منذ أمس، كما علمت "النهار" من مصادر قريبة من حملته الانتخابية، وهو مؤشر له دلالته الفائقة في جمهورية إيران الإسلامية. يتمثل المؤشر الثالث والفائق الأهمية أيضاً في استطلاعات الرأي غير المنشورة، والتي أعدتها ثلاث مؤسسات استطلاع رأي غير حكومية في إيران، وكلها أظهرت تقدم موسوي عن نجاد بفارق أربعة نقاط في المتوسط. يزداد الاعتراض يوماً بعد يوم على سياسات الرئيس الحالي نجاد بين سكان المدن الإيرانية الكبرى وأجيال الشباب، وفي الأسبوع الماضي شهدت شعبية المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي صعودأً متنامياً وبوتيرة يومية حتى. ويبدو طبيعياً الآن أن ترى الشارات الخضراء (شعار حملة موسوي) على الجباه والمعاصم وربطات العنق أينما حللت في العاصمة طهران، في حين تتفنن الشابات الإيرانيات في طلاء أظافرهن باللون الأخضر علامة على تأييد موسوي. أما صور كل من موسوي ونجاد فتتزاحم على الجدران والأسوار، مثلما يتنافس مؤيدو الفريقين في شوارع طهران بشعارات انتخابية رنانة وهجوم شخصي ويشحذ أنصار موسوي بالذات قريحتهم للخروج بشعارات جديدة تنال من شخصية الرئيس الحالي. "النهار" تجولت مع تظاهرة المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي في حي "بول حافظ" الواقع في مركز مدينة طهران، حيث اكتظت الشوارع بعشرات الآلاف من الشباب والشابات يداً بيد للهتاف باسم موسوي في أسلوب يحاكي الأسلوب الغربي في التظاهر، مرددين شعارات حملة موسوي الانتخابية مثل: "سننتصر" و"تسقط الديكتاتورية" و"الكذب ممنوع". والشعار الأخير يلمح إلى بيانات نجاد المتفائلة عن الحالة الاقتصادية لإيران التي تمسك بها إبان المناظرات التليفزيونية بين المرشحين. أمير شاب إيراني يبلغ من العمر 26 عاماً يعمل سائقاً لسيارة أجرة، يصطحب صديقته للمشاركة في التظاهرة وتأييد موسوي. لا يملك أمير فكراً سياسياً واضحاً ولكنه غاضب مما يعتبره "قمع للحريات" من طرف الحكومة الحالية ويريد "العيش مثل باقي الشباب في العالم". لا يعرف أمير الفروقات بين برنامج نجاد وموسوي، ولكنه يحمل عصا مثبت بها حبة بطاطا للاحتجاج على أسلوب نجاد في توزيع البطاطا والمواد الغذائية أثناء جولاته الانتخابية. تبدو التظاهرات المؤيدة لموسوي بمثابة إعلان موقف سياسي يتعدى الانتخابات الرئاسية، ويتخطى في مغزاه الطابع الوقتي لها حتى أنه يقترب الآن من أعمدة النظام والأسس التي قام عليها. تشبه التظاهرات التي تشهدها أحياء طهران الآن تلك التي انطلقت في جامعة طهران عام 1999، من حيث أنها أعلنت الدعم والتأييد للمرشح الإصلاحي في العلن، موسوي الآن وخاتمي وقتذاك، إلا أنها استهدفت في العمق أكثر بكثير من مجرد الميل لطرف ضد طرف داخلي أخر. تبدو إيران ومدنها الكبرى على أعتاب "ثورة خضراء" تشبه الثورات الملونة التي شهدتها جمهوريات القوقاز والاتحاد السوفياتي السابق، من حيث تصاعد الفوران الشعبي بدون مقدمات واضحة وبدون حتى برنامج سياسي محدد. وبالرغم من ذلك يصعب إعادة الديناميكيات التي أطلقتها حملة موسوي إلى الوراء، بحيث يبدو أن أثار تلك التظاهرات ستمتد إلى ما بعد الانتخابات، لتغير باضطراد معادلات المشهد السياسي وتعدل من توازناته. ما زال الوقت مبكراً للحديث عن انقلابات في التوازنات ولكن الديناميكيات التي تتجسد يومياً في شوارع طهران تشي بأن اليوم سيشهد إقبالاً مكثفاً يفوق نسب المشاركة المعتادة لانتخابات رئاسة الجمهورية في إيران (تتراوح بين 60% و65%)، وهي مسألة في صالح المرشح الإصلاحي على أية حال. التأمل في الحيوية التي تشهدها شوارع طهران تقول أن هناك احتمال قائم لدورة إعادة تجرى الأسبوع القادم بين موسوي ونجاد، وهناك احتمال أقوى بفوز المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي من الجولة الأولى. تتحرك الكتلة الشعبية المؤيدة لموسوي الآن بقوة على خلفية شعارات الديمقراطية والانفتاح على الخارج، في مقابل كتلة شعبية أقل نسبياً لنجاد الذي تميز حتى الآن بدعم مؤسسات النظام النافذة مثل الحرس الثوري وقسم مهم من طبقة رجال الدين والأذرع الأمنية وجهاز الدولة الإداري. وأهمية الديناميكيات الحالية لا تقتصر على أبعادها المستقبلية فقط، بل لها أيضاً مهمة انتخابية محددة، وذلك لأن تبلور التأييد الشعبي لموسوي من الممكن أن يقطع الطريق على مؤسسات النظام للتأثير في نتيجة الانتخابات ويجعلها في حالة حياد إجباري. الأرجح أنه حتى في حالة فوز نجاد بالانتخابات، فإن التوازنات داخل النظام السياسي لن تبقى على حالها كما كانت عليه قبل الانتخابات، وأن القوى الاجتماعية والمؤسساتية التي تقف خلف الرئيس نجاد ستبحث لنفسها عن وسائل تعبير إضافية ولن تكتفي بنجاد تعبيراً وحيداً عن مصالحها في البلاد والنظام. بالمقابل إذا فاز موسوي –وهو احتمال قائم وراجح-، فإن وسائل التعبير والاعتراض التي تفنن فيها مؤيدوه أثناء الحملة الانتخابية لن تقتصر على أوقات الانتخابات فقط، بل ستمتد بزخم ديناميكياتها الداخلية إلى عمق عمليات التجاذب السياسي بعد الانتخابات. تقف إيران على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ ثورتها حيث تبدو الانتخابات الرئاسية الحالية مقدمة لتغييرات أعمق في بنية النظام السياسي الإيراني. يقول أحد الشعارات البليغة لفريق موسوي: "إيران در انتظار سبز" الذي تعني ترجمته ... إيران في انتظار الأخضر!.