أيها الإنسان، ادرس ذاتك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أيها الإنسان، ادرس ذاتك
إعداد: د.إيهاب عبد الرحيم محمد
=نص مائل" ظل الِعرق race بديلا للبيولوجيا ....لكننا لم نعد نمتلك هذا الترف"
تتحدث في هذا المقال جورجيا م . دنستون Dunston ،وهي اختصاصية سوداء في علم الوراثة البشري، مع مراسل أبيض. نحن في مكتبها في كلية الطب بجامعة هوارد في واشنطن العاصمة عند نهاية اليوم. إن السؤال حول ما إن كان العِرق ، في المفهوم العلمي، ذا علاقة بالحالة الصحية من الأمريكيين من أصل أفريقي والأقليات الأخرى. وحتى لو لم يكن هذا هو الموضوع، فإن العرق بملامحه غير العلمية — وهو الشوكة في خاصرة التاريخ الأمريكي — سيكون حاضرا معنا أيضاً.
إن دنستون ، التي ناهزت الستين من عمرها، والمتحدثة الجريئة ، ظلت تؤمن لمدة طويلة بأن العِرق لا يمكنه تقديم سوى مساهمات قليلة لعلم الطب لأن الخصائص الفيزيائية للعرق سطحية ومضللة. ولنفس المدة تقريبا، ظلت تناضل لإشراك المواطنين السود — أولئك الذين يشاركون في الدراسات بالإضافة إلى العلماء السود — بأعداد أكبر في الأبحاث الطبية. وموقفاها هذين لا يتطابقان بصورة تامة — على الأقل بالنسبة لي، لكن ذلك قد يرجع إلى كون الأبعاد الاجتماعية للعرق تُعقِّد رؤيتي للأمر.
بعد ساعات من الأسئلة، فقدت دنستون صبرها أخيراً، إذ حاولت جعلي أفهم الارتباطات المبهمة بين الجينات، والبيولوجيا، والصحة، والِعرق. فقالت: “ ليس هناك ارتباط مباشر بين مجموعة عرقية بعينها وبين أي شيء في الجينوم البشري ؛ وليس هناك ثمة اختبار تشخيصي للأمريكيين الأفريقيين أو الأمريكيين الآسيويين أو أي عِرق آخر. ”
وهنا تتكئ للأمام وتضغط سبابتيها إلى خديها، وتضيف: “ لكن بوسعنا أن نرى أن هناك اختلافات بيولوجية ؛ من الواضح أن الأعراق races موجودة بالفعل. ولا أحد يقول بأن الخصائص لا تنتقل بيولوجياً [بواسطة العِرق ]، لكن ذلك ليس كل ما هناك. فهناك قدر أكبر بكثير من البيولوجيا في كونها لم تنتقل. إن ما نراه هو جزء صغير فقط من بيولوجيتنا. ” تستريح دنستون في مقعدها، وتقول: “ إن العرق هو تصنيف اجتماعي يستند إلى خصائص متعلقة بالنمط الظاهري phenotypic [مرئية]. كانت هناك قوانين مبنية على هذا التصنيف الاجتماعي، وأنا استعمل ذلك التعبير لأنه ذو علاقة بمجتمعنا؛ نحن لا نستطيع رفض العوامل التي أدت إلى تلك التباينات الهائلة في الصحة - والتي ليست متعلقة بالضرورة بالجينات، بالمناسبة. إنني لا أسعى لإبعاد العِرق ،بل لإعادة تعريفه باستخدام ما تعلمناه عن البيولوجيا من خلال مشروع الجينوم البشري . كان العِرق بديلا surrogate للبيولوجيا، لكننا لم نعد نمتلك ذلك الترف.”
غطت دنستون الكثير من الموضوعات، بتركيزها على العديد من القضايا. وقد رتبت تلك القضايا في أعمدة columns لاستكشافها؛ العمود الأول: التعريفين المتبارزين للعِرق ، الاجتماعي مقابل البيولوجي. العمود الثاني: الفجوة الصحية health gap - صحة السود في الولايات المتحدة أضعف بشكل واضح من صحة البيض. العمود الثالث: العرق كأداة ذات حدين لكشف الاختلافات الطبية والوراثية بين المجموعات السكانية. (تحذر مقالة حديثة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية قائلة: “ إن الوَسم العرقي racial labeling، حتى إذا أجري في محاولة لتحسين تشخيص ومعالجة المرضى، يمكن أن يعزز القولبة العرقية racial stereotyping. ”) العمود الرابع: جورجيا ماي دنستون . إضافةً إلى أن كونها أول امرأة سوداء تحصل على درجة الدكتوراه في مجالها، ومؤسسة المركز الوطني للجينوم البشري في جامعة هوارد ، والتي كانت تاريخيا جامعة للسود ، من أين أتت؟ وإلى أين تتجه؟
العِرق والتمييز العنصري
أثار علماء البيولوجيا ضجة حول العِرق منذ بدايات العلم الحديث. وفي العالم الطبيعي، بدا المفهوم بسيطا: فالجمهرات populations من نفس النوع الحي ،والتي لا تتداخل أقاليم التوالد الخاصة بها يمكن تسميتها دون خوف بالأعراق races. ويؤدى التباعد separation عادة إلى إيجاد اختلافات بسيطة في المظهر بين تلك الجمهرات. وعند تطبيق نفس المنهج على البشرية، قرر علماء البيولوجيا الأوائل أنه لكون الأفارقة السود والأوربيين البيض عاشوا في قارتين منفصلتين ولم يحدث تهجين interbreeding بينهم عادة، فكل منهما يمثل عرقا مختلفا.
أعلن لينيه ، وهو خبير بعلم تصنيف الكائنات taxonomist عاش في القرن الثامن عشر ، عن وجود أربعة أجناس بشرية (يمثل الآسيويون والأمريكيون الأصليون الجنسين الآخرين). هذا كان ما يسمى بالنظام الكلاسيكي للأجناس، وكانت أقسامه جغرافية تقريباً. أما يوهان بلومنباخ ، وهو أحد أوائل علماء الأنثروبولوجيا، فقد صادق على تصنيفات لينيه، لكنه لم يؤمن بأن البشر ينتمون إلى مجموعات منفصلة. كتب بلومنباخ في عام 1795 قائلا: “يتحول ضرب من البشر بصورة معقولة تماما إلى الآخر ، بحيث لا يمكنك تعيين الحدود الفاصلة بينهما. ” ومع ذلك،فقد وضع القوقازيين Caucasians في قمة الهرم بادعائه بأن الأجناس الأخرى قد انحدرت منهم وهاجرت إلى أماكن أخرى. في مخطط بلومنباخ، كان الأفارقة هم قوقازيون انتقلوا مرتين Caucasians twice removed – وهو عكس ما أثبتته الدراسات الوراثية الحديثة.
خلال مائتي سنة ، لاحظ بعض العلماء مدى التواصل والقرابة بين البشر، بينما قام علماء آخرون بقياس وتصنيف البشر طبقاً لأنماط معينة. ونتيجة لذلك، كان بوسع الحكومات الراغبة في بناء سياساتها الاجتماعية على العِرق أن تختار ما يلائمها من التفسيرات المختلفة. ومن المسلم به تقريباً أن التطبيقات الاجتماعية للعرق عزَّزَت الاختلافات الموجودة بين الناس وليس أوجه الشبه بينهم، وأن التمييز discrimination كان قاسيا: نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وسياسات علم تحسين النسل في ألمانيا النازية، ويحضر إلى الذهن تاريخنا الخاص للعبودية والتفرقة segregation .
ولدت جورجيا دنستون في الجنوب ، وتعلمت في المدارس المعزولة (الخاصة بالسود)، وكبرت في ظل تعريف اجتماعي استبعادي exclusionary للعِرق . وكعالمة، انضمت إلى مدرسة الشك حول العِرق لكي تصحح عواقب العِرق . أما فرانسيس كولينز Collins، والذي يدير المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري في مدينة بيثيسدا، بولاية ماريلاند، وهو تابع للمعاهد الوطنية للصحة، فيمتدح دنستون قائلا: “ لكونها باحثة- مدافعة- متحمسة. . . . تمتلك جورجيا رؤية لكيفية استخدام الثورة الجينية القادمة في الطب والصحة العامة في مساعدة الأمريكيين الأفريقيين. ” ويقول فينس بونهام Bonham، وهو زميل كولينز في المعهد: “ إنها تستحضر نفسها بالكامل إلى الطاولة. وهي تمتلك ' تجربةً مُعاشة ' lived experience كامرأة سوداء في أمريكا ، بالإضافة إلى امتلاكها للمعرفة بعلم الوراثة. ” هنا كان لزاما أن يتم فك التشابك بين الخيطين المكونين لحياتها، العلم والهوية الاجتماعية.
يعود علم الوراثة الطبي medical genetics، وهو الخيط الأكثر استقامة straighter، إلى أوائل القرن العشرين. في عام 1901،كشفت الأبحاث المختبرية أن البشر يحملون في عروقهم واحدة من أربعة فصائل من الدم، والمحددة اليوم كفصائل الدم A، B، AB، و O . ووضع كارل لاندشتاينر ، الذي توصل إلى هذا الاكتشاف، في اعتباره الاستجابات المناعية بين الامتزاجات pairings العشوائية للدم. قالت دنستون ، والمتخصصة في الوراثيات المناعية immunogenetics: “ كانت هناك استجابات ضدية antibody reactions عند دمج الدماء المأخوذة من أفراد مختلفين ؛ كانت هناك أربعة أنماط من التلازن . ” وعندما تكون عينتان من نفس النوع، لا يحدث تلازن. وتجعل مثل هذه التوافقات matchesالمناعية من الممكن إجراء نقل الدم.
يتم توريث ما يسمى بفصيلة الدم ABO. وهي خلة وحيدة تتخذ أشكالا متعددة. ولم يتم حتى عام 1990 تعييم موقعها الوراثي ، إذ يوجد الموضع الذي يقبع فيه جين ABO بأنماطه المختلفة، في الدنا DNA. وقبل ذلك الوقت بكثير، أدرك علماء الوراثة أن المتفاوتات لا تتطابق مع العرق؛ فلا يمكنك النظر إلى جلد شخص ما وتعرف فصيلة دمه أو دمها. ومع ذلك، فهناك أنماط واحتمالات يمكنها أن توجه حدسك ، لأن توزيع متفاوتات الفصائل ABO في سكان العالم يتغير تبعاً للقارة التي نشأ منها الناس في الأصل. وينطبق نفس الشيء على متفاوتات الجينات الأخرى.
إن المصطلح الرسمي للمتفاوت variant هو الأليل . يتمثل الدرس الرئيسي لعلم الوراثة في النصف الأخير من القرن العشرين في كيفية تباين الجينات والقطع الكبيرة من الدنا DNA غير المرمِّزة noncodingالموجودة بين الجينات، من شخص إلى آخر. إن الاختلاف بين الأفراد أكثر شمولا بكثير من التباين بين الجماعات group variation. تعمل أجسامنا ، عموماً، بنفس الطريقة، لكن على مستوى الدنا DNA نحن "أليليون" allelic بشكل رائع. إن مشروع الجينوم البشري، عندما نشر الحروف الكيميائية الحيوية لمتوالية الدنا DNA "البشري" في عام 2000، أرسل الرسالة الخطأ؛ فليست هناك متواليةsequence بشرية واحدة بل بلايين، كلها متشابهة للغاية، وكل منها مختلفة قليلاً. وكما عبر عنها دنستون :“ كلنا متشابهون، وكلنا متفردون. ”
العلم اللا أخلاقي قالت دنستون، بصورة غير متوقعة، أن التفرقة لم تكن أمرا سيئا بالنسبة لتعليمها، حتى بعد أن أعيد فتح المنطقة المدرسية قرب منزلها في مدينة نورفولك بولاية فرجينيا، بأمر المحكمة، ظلت دنستون في مدرسة السود؛ فتعلمت تحت معلمين سود مخلصين ، والذين عوض تشجيعهم عن نقص الموارد.
أما والداها، وهما طباخ وغسّالة صحون، فلم يتما الدراسة الثانوية. لكن جورجيا ماي تألقت كأول طالبة على صفها ودخلت كلية نورفولك التابعة للولاية بموجب منحة دراسية عندما كانت بعد في السادسة عشرة. وفي عام 1965 ، التحقت بجامعة تاسكجي في ألاباما، حيث سُجلت في برنامج للحصول على درجة الماجستير في البيولوجيا . وهناك رأت الأساتذة البيض للمرة الأولى في حياتها.
هناك حادثة بيو-طبية مؤسفة تلقي بظلالها على سجل تاسكجي الرفيع لتعليم الأمريكيين الأفريقيين بفعل ، وهي دراسة تاسكجي للزهري ، والتي كانت لا تزال جارية خلال الفترة التي قضتها دنستون في دراستها العليا. وبرغم أنها لم تعر الأمر كثيرا من الاهتمام في ذلك الوقت، إلا أن المقدمة البيولوجية للدراسة كانت بالضبط هي النوع الذي يمكن أن تحارب من أجله لاحقاً. خلال ثلاثينات القرن العشرين، شكّ باحثو وزارة الصحة العامة الأمريكية في أن الأشخاص السود والأشخاص البيض قد يستجيبون بشكل مختلف لعدوى مرض الزهري. ومن بين طرق اكتشاف ذلك هو عدم معالجة أولئك الذين أظهروا نتيجة إيجابية لاختبار الأمراض التناسلية، ومراقبة حالاتهم ،ببساطة، خلال تطورها.
استمر المشروع حتى بعد أن توفرت معالجة فعالة لمرض الزهري –أي البنسلين. وبعد أن اندلعت فضيحة دراسة تاسكجي في عام 1972، أعادت وكالات الصحة الأمريكية بدقة تقييم القواعد الإجرائية للأبحاث البشرية. وقد اعتذر الرئيس كلينتون للأمريكيين سود بسبب هذه الدراسة في العام 1997. وحتى يومنا هذا، فإن دنستون وزملاؤها في جامعة هوارد يجدون أنفسهم يعنونون addressing مخاوف مستلهمة من دراسة تاسكجي عند محاولتهم إشراك سكان واشنطن في لأبحاث الوراثية.
حصلت دنستون على درجة الدكتوراهPh.D. في علم الوراثة البشرية من جامعة متشيجان في 1972 ،وانضمت إلى أعضاء هيئة التدريس بجامعة هوارد كأستاذ مساعد لعلم الجراثيم (الميكروبيولوجيا )؛ كما عملت أيضاً كمستشار في واشنطن لبرنامج Job Corps لفقر الدم المنجلي . وهناك وجدت خلافا فعليا حول "الجينات السوداء" المزعومة. ولكونه مدفوعا من قبل مسؤولين صحيين ذوي معرفة محدودة بعلم الوراثة، كان اختبار الأمريكيين الأفريقيين لمرض الخلية المنجلية عبارة عن برنامج اجتماعي أدى ، مثل دراسة تاسكجي ، إلى تأثير عكسي على الجماعة التي كان من المفترض أن يفيدها.
إن فقر الدم المنجلي ، وهو تشوه خطر للهيموجلوبين الموجود في خلايا الدم الحمراء، غير مقتصر على السود أكثر من اقتصار الإصابة بالتليف الكيسي على البيض. وعلى أية حال ، فإن انحرافا skew في انتشار جين الخلايا المنجلية يضع الأمريكيين الأفريقيين في خطر أعلى بكثير للإصابة بهذا الاضطراب من الأمريكيين الآخرين – إذ أن نحو واحد من كل 10 من السود يحمل الجين carriers. كانت الأعداد في تلك الأيام مبهمة، لكن القضية كانت مشابهة تماماً لتلك التي يدور الجدل حولها اليوم: هل تعد الخلفية العرقية لشخص ما بديلا كافيا لقابليته أو قابليتها الوراثية للإصابة بمرض معين؟ وقد قرر صناع السياسات أن ذلك صحيح؛ فما بين عامي 1970 و1972 سنت 12 ولاية، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا ، قوانين تفرض إجراء فحوص التحري لمرض الخلايا المنجلية للأمريكيين الأفريقيين. لو سُنت هذه القوانين اليوم فإنها ستُدان باعتبارها تصنيفا عرقيا. وقد زاد الوصمة stigma سوءا سوء فهمنا لطريقة توريث هذه الحالة؛ فبخلاف تقارير الوفيات قبل الأوان premature deaths، كان حاملو جين الخلية المنجلية في الغالبية العظمى من الحالات أصحاء تماما؛ ولأن الجينات توجد في أزواج، كان الحَمَلة يمتلكون نسخة طبيعية واحدة من الجين، مما يجعل الهيموجلوبين لديهم طبيعيا. أما المرضى، والذي هم أقل بكثير، فيرثون نسختين معطوبتين من ذلك الجين من آبائهم.
لم يكن المصابون بالمرض بحاجةٍ لإجراء اختبارات التحري للإصابة به، إذ أن معظمهم كان يعرف ذلك بالفعل. ولم يكن الحملة بحاجة إلى معلومات حول حالتهم إلا إذا كانوا يخططون لإنجاب الأطفال، والذين سيكون لديهم خطر بنسبة واحد إلى أربعة للإصابة بالمرض. لكن اختبار الدم الذي تم استخدامه ، وهو اختبار Sickledex، لا يمكنه التفريق بين الأشخاص المصابين بخلة الخلية المنجلية ، والذين يطق عليهم أصحاب الزيجوت متغايرة الألائل ، وبين المصابين بمرض الخلية المنجلية ،أو أصحاب الزيجوت متماثلة الألائل . ولذلك ، فإن الأطفال السود الذين كانت نتائجهم إيجابية قد تم تشخيصهم بالخطأ للإصابة بالمرض، وأصيبت أسرهم بالرعب دونما ضرورة. أما العمال الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية، فقد فقدوا وظائفهم في بعض الحالات لأن أرباب الأعمال لم يريدوا أن يتحملوا مسؤولية إنهاك صحتهم.
عندما اكتُنفت دنستون في الأمر، كانت الحكومة الفيدرالية قد سيطرت على البرنامج، كما كانت القوانين القسرية coercive laws قد أبطلت. كان من المفترض أن تكون الاستشارة الوراثية الصحيحة مرافقة للفحص الطوعي voluntary testing . وفي مقر برنامج Job Corps أعطت دنستون محاضرات للشبان السود حول انتقال مرض الخلية المنجلية ، في محاولة منها لتصحيح سوء الفهم والارتياب الموجود لدى أفراد مجتمع له ذاكرة بعيدة المدى.
قالت دنستون : “ إن تواترا frequency نسبته 10 بالمائة [للخلة ] لا يحدّد جماعة بعينها؛ فقد افترض الناس أن كل أسود يمتلكها، كما لو أن أصحاب الزيجوت المتماثلة الألائل موجودون بأعداد كبيرة. كان ذلك ظلماً للجماعة، لأن أرباب الأعمال أصبحت لديهم القدرة – أو "العِلم" - إذا احتاجوا لسبب لعدم توظيف شخص ما. ”
إن السخرية الكبرى لأليل الخلية المنجلية ، كما يقول روبرت موراي Murray، رئيس قسم علم الوراثة البشرية بجامعة هوارد، في أنه في شكله الإفرادي singular form “ يعد جينا مرضيا مفيدا، وهو الوحيد في ذلك.” فقد ظهر هذا الأليل في أفريقيا، وجنوبي آسيا، وحول البحر الأبيض المتوسط (حيث يحمله كثير من القوقازيين) لأن هذه المناطق موبوءة بالملاريا. والأشخاص الحاملون للخلايا المنجلية يصنعون نوعا من الهيموجلوبين الذي يتغير شكله عندما يتم غزو كريات الدم الحمراء بطفيلي الملاريا ، مما يجعل تلك الكريات أقل ملاءمة للعامل المسبب للمرض. ويتذكر موراي، الذي عمل كمستشار للحكومة الفيدرالية بشأن القضية في أوائل السبعينات، أنه أشار للأمر قائلا: “ أربعون بالمائة من سكان نيجيريا لديهم هذه الخلة . فلماذا لم يموتوا؟ ”
وهنا تستفيض دنستون في الشرح قائلة: “ يمنح هذا الجين ميزة بيولوجية في منطقة كانت الملاريا تبيد فيها الكثير من الناس. يمكننا النظر إلى تاريخ المتفاوتات الأخرى بالطريقة نفسها؛فكلها متعلقة بالتاريخ السكاني. فالجين يخبرنا بتاريخ مجموعة سكانية معينة،بصورة أفضل بكثير مما يخبرنا به النمط الظاهري phenotype [التعبير الخارجي للجين].
“كان اختبار الخلايا المنجلية مثالا لربط علم الوراثة بالمرض بطريقة سيئة. لكن لدينا الآن فرصة لتحقيق نجاح أفضل لعلم الوراثة، إذا أردت ذلك. فبالأدوات التي لدينا الآن، دعنا نعرّف ذلك الجين ليس كمذنب أو ككيان باثولوجي (مرضي)، بل كوحدة تتفاعل بالبيئة وكجزء من علم التباين؛ فالتباين variation ضوء يمكننا استخدامه لفهم البيولوجيا . ”
الأسلاف وأفريقيا
أصبحت المعاهد القومية للصحة الممول الرئيسي لمختبرات دنستون بجامعة هوارد. وفي ثمانينات القرن العشرين، أجرت أبحاثها عن سبب رفض الكلى المزروعة بمعدلات أعلى في المرضى السود. كانت المشكلة هي أن اختبارات التوافق المناعي بين المتبرعين بالأعضاء ومتلقيها مبنية على “ جمهرة الأغلبية. Majority population” ؛ أي أن العينات النسيجية للجداول المستضدية antigen panels جاءت من أمريكيين ذوي أصول أوروبية، ولم تراع التباين المستضدي بين البشر إلا قليلا. وتمثل المستضدات أعلاما على سطح الخلايا، وهي تحرّض الاستجابة المناعية عندما تكون الأعلام غريبة.
تقول دنستون: “ هذه الخصائص تورث جينياً ؛ وقد اعتقد ناس بأنه كانت هناك مستضدات نسيجية للسود ومستضدات نسيجية للبيض – وكنت أعرف أن الأمر لم يكن كذلك." أما الآن ، فمع تحسن فهمنا لتلك المستضدات،فكثيرا ما تحقق عمليات الزرع بين الأعراق المختلفة cross-racial توافقا مناعيا أفضل من تلك التي تجرى بين أفراد من نفس المجموعة العرقية لأنه، كما أشارت إليه دنستون بسرعة ، الاستجابة الفردية هي المهمة، وليست استجابة الجماعة ككل.
في التسعينيات من القرن العشرين، بعد التعرّف على جينين مسببين لسرطان الثدي العائلي ، حصلت دنستون على منحة دراسية من المعاهد القومية للصحة NIH لدراسة ألائل جينات سرطان الثدي في السكان الأمريكيين الأفريقيين. وباتخاذها لفرانسيس كولينز حليفا، وضعت أساس المركز الوطني للجينوم البشري في جامعة هوارد، الذي افتتح عام 2001. وقالت أن خطته كانت تتمثل في البحث عن جينات للاضطرابات الأخرى غير سرطان الثدي، مثل سرطان البروستاتة، وارتفاع ضغط الدم ، والداء السكري، وجميعها تصيب السود بشكل غير متكافئ مع غيرهم .
قالت دنستون : “ إن دوري ليس هو حل الألغاز والمشاكل ,فأنا أقرب لأن أكون صانعة للمفاهيم conceptualizer. وتكمن قوتي في التعرّف على النقائص في قدرتنا على الإجابة على الأسئلة. ”
لابد أنني أشرت ضمناً إلى أنها تتاجر بالعرق الذي تنتمي إليه مع الجهات الراعية sponsors، لأنها قالت بلهجة لاذعة: “أيفترض بنا أن نشعر بالفخر عندما نحصل على الدعم الحكومي؟ نحن لسنا بحاجةٍ لإشراكنا لمجرد أننا كنا مستبعدين في الماضي. وهذا أفضل بالنسبة للتصميم العلمي للمشروع. عندما قلت بأنه يجب إشراك السود ، لم يكن ذلك من وجهة نظر المجموعة الاجتماعية؛ فقد قلت أيضاً بأن البيض كمجموعة لا يمكنهم أن يمثلوا المرجع الوحيد للبيض. ”
انتقلت دنستون بعد ذلك إلى الصورة الكبيرة؛ فقالت: “قد تكون أفريقيا مصدرا مثقِّفا instructive للأوربيين، لكنه العكس ليس صحيحا؛فقد مضت إحدى عشرة ساعة من الساعات الاثني عشر الكلية على الساعة التطورية في أفريقيا. وهناك حدث أغلب التباين البشري. ومع حدوث هجرة للخارج، فما زالت القاعدة هناك، قاعدة الجماعة البشرية المختلفة. وتمثل سعة التباين breadth of variation في الشعب الأفريقي أداة لدراسة التباين في كافة الأجناس البشرية.
“ نعم، هناك مجموعة من الأمراض التي تحدث بتواتر أكثر في السود، لكنها أمراض معقدة، تتضمن عوامل بيئية متعددة وجينات متعددة أيضاً. وترتبط أسبابها بالبيولوجيا ، لا بالعِرق. هناك معرفة متأصلة في تلك الأمراض، ويمكننا كشفها إذا تمكنا في توجيه التفكير المناسب إليها. ”
في عام 2003 ،أعلنت جامعة هوارد أنها ستنشئ مستودعا repository للعينات الوراثية المأخوذة من 25,000 من الأشخاص المتحدرين من أصل أفريقي، وهو جهد تم توسيعه مؤخراً ليشمل الأشخاص المنحدرين من غرب أفريقيا والكاريبي بالإضافة إلى الناس من منطقة واشنطن العاصمة .لكن دنستون وزملائها كانوا غير مرتاحين للتغطية الصحفية لخطة البنك الحيوي biobank، والتي قالت دنستون أنها تركزت على “ جمع الدنا DNA من السود. وذلك جزء صغير فحسب. فهناك عوامل أخرى ستنتج عن ذلك البحث. ”
بدا أن دنستون وزملائها بين نارين ؛ فقد تتبعوا الآليات الوراثية المستبطنة للمرض ، مع اقتناعهم في الوقت نفسه بأن العوامل البيئية والاجتماعية – الأنظمة الغذائية غير الصحية، والخمول، والفقر، والإجهاد stress، وغيرها من ضرائب tolls الحياة في المدن – هي بنفس أهمية الجينات في تفسير انتشار الأمراض. وقد أنكروا العرق بيولوجياً ،لكنهم في نفس الوقت مثّلوا العرق الذي ينتمون إليه في المنافسة السياسية على الدولارات المخصصة للأبحاث، واعترضوا كلما استُبعد السود من الدراسات البحثية. وقد لفتوا الانتباه إلى أبحاثهم الخاصة في جامعة هوارد، ثم غضبوا من الكيفية التي صوّر بها الآخرون تلك الأبحاث؛ فقالت دنستون: “ نحن متشككون من تعريفات الآخرين لما نحن عليه.”
ومع ذلك، فقد تغلبت على السير في حقل الألغام هذا لمدة 20 سنة دون انفجار. وتقول: “يقول اثنان من زملائي ، ' أنت مارتن لوثر كنج لهذه المجموعة، وليس مالكولم إكس ' ” وقد رتبت دنستون مراراً وتكراراً لاتفاقيات التعاون بين جامعة هوارد وبين المؤسسات الأغنى القريبة منها ، مثل جامعة جورج تاون، وجامعة جونز هوبكنز، والمعاهد القومية للصحة NIH.
إن جامعة هوارد، والتي تفخر بتدريب الأطباء السود لأكثر من قرن، تنافس المؤسسات الكبرى في الجودة، لكن ميزانيتها لا تقارن بها، كما تم تقليص عدد موظفيها إلى حد كبير. ليس هناك سير متمهل padding في هذا المكان، ولا مجال للخطأ في التعامل مع المؤسسة الطبية؛ كما لم يكن هناك تلهف على التعامل مع مراسل طبي يتنسم الأخبار في الحرم الجامعي ويسأل عن أنشطتهم. وبعد فترة، أغلقت الأبواب التي كانت مفتوحة لي في جامعة هوارد بهدوء - باستثناء واحد. وقد اعتقدت أن سبب ذلك يعود إلى نفوذ جورجيا دنستون.
في أغسطس 2004، عقدت الجمعية الطبية الوطنية – وهي المقابل الأسود للجمعية الطبية الأمريكية - مؤتمرها السنوي في مدينة سان دييجو. وعلى مدى أربعة أيام في مركز سان دييجو الكهفي cavernous للمؤتمرات، حضر 6,000 طبيب الحلقات الدراسية والمحاضرات التي تضمنها المؤتمر، بما فيها جلسة كاملة عن المركز الوطني للجينوم البشري بجامعة هوارد. وقد ألقى كولينز محاضرة، تلاه تشارلز روتيمي Rotimi، الذي كان قد تستلم لتوه منصب مدير المركز، وباحثان آخران من جامعة هوارد. كانت دنستون ضمن الجمهور، حيث جلست لوحدها. وقالت: “يمكنني أن أكون رئيسة مشجعين cheerleader أيضاً .” كان الحضور قليلا، وازداد الأمر سوءا لأن الجلسة بدأت متأخراً واستمرت حتى ساعة الغداء. بدت الرسالة الضمنية، مع اندفاع الأطباء إلى الخارج، وكأنها تقول أن علم الجينوميات رائع لما قد يعد به في المستقبل، لكنهم كانوا مثقلين باحتياجات المرضى الحالية. كانوا يريدون المساعدة الآن، على سبيل المثال، لتخفيض عدد الوفيات من سرطان البروستاتة؛ فمعدل وفياته في الرجال الأمريكيين الأفريقيين هو الأعلى في العالم – إذ يبلغ مرتين على الأقل نظيره لدى الذكور البيض المصابين بسرطان البروستاتة؛ كما تزيد وفيات السود بسبب ارتفاع ضغط الدم والسكتات الدماغية بنحو 80 بالمائة. وبرغم أنه قد تكون لهذه الأمراض مكونات وراثية بالتأكيد، فمن الصعب تصديق أن الجينات يمكنها أن تسبب مثل هذه التباين في النتائج بين المجموعتين.
في تقرير نشر عام 2003 بعنوان “ معالجة غير متساوية: مواجهة العوائق العرقية والإثنية في الرعاية الصحية " ,” قدم معهد الأكاديميات الوطنية للطب عرضا تفصيليا لمواطن الضعف في تزويد الخدمات الصحية للأقليات. وقد عزيت أوجه الضعف تلك إلى نقص التعليم، والتمييز العنصري، والفقر. مستشهدون بالتقرير، كتب المحللون الصحيون في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية قائلون: “ قد لا تكون هناك علاقة كبيرة بين أوجه التباين الصحية وبين علم الوراثة ، باستثناء الاسحواذ على اهتمام الرأي العام في الوقت نفسه . ” وحتى كولينز اعترف في حديثه بأن “ أكثر التباينات الصحية ليس لها أية علاقة بعلم الوراثة، لكن الجينات يكون لها دور أحياناً، كما نعتقد. ”
كانت شركات الأدوية حاضرة بقوة في المؤتمر، وإذا كان هناك مجال واحد من علم الجينات حشد أكبر قدر من المؤيدين، فهو الدوائيات الجينومية . وفي السنوات الأخيرة تزايدت التقارير الدالة على أن كثيرا من الأدوية تعمل بشكل أفضل في المرضى البيض عنها في المرضى السود، والعكس بالعكس. لاحظت شركات الأدوية أن نحو نصف جميع الأدوية لا تعمل بالصورة التي صممت من أجلها ، وبالتالي فهي تعتقد أن التباين الوراثي مسؤول عن ذلك. وقد أبرز العلماء الألائل التي قد تؤثر على التفاعلات الدوائية. وليس فقط أن الألائل كانت غير متماثلة skewed بين عينات الدراسة من السود والبيض،بل إن تواتراتها frequencies كانت متوافقة مع الاستجابات الكلية لكلا المجموعتين.
يوصي الأطباء السود ،إضافة إلى البيض، بمشاركة المرضى في تجارب الأدوية ، وهم يتصرفون بناء على تلك النتائج عند كتابة الوصفات الطبية.ومن الواضح أن الأطباء الممارسين في سان دييجو قبلوا العِرق كمعيار إكلينيكي مفيد، بغض النظر عن اعتراض علماء الوراثة بأن علماء الصيدلة يتركون الخيار للمشاركين في تجاربهم للقول بكونهم من السود أو البيض، الأمر الذي يصعب اعتباره طريقة علمية. تظهر الأبحاث المتعلقة بالواسمات الجينية ،والتي تعد مميزة للجماعات السلالية ancestral groups أن الأمريكيين الأفريقيين النمطيين لديهم 20 بالمائة من الدم الأوروبي، برغم أن ذلك الرقم قد يرتفع حتى 80 بالمائة في بعض الأشخاص الذين يسمون أنفسهم سودا.
هناك شركة تدعى نتروميد Nitromed لديها دواء جديد في الأفق ، وهو دواء لعلاج ارتفاع ضغط الدم يدعى "بيديل" BiDil. وقد اقترحت دراسة أجريت عام 1986 أنه يفيد السود أكثر من البيض.وفي المؤتمر،ناقش مسؤولو نتروميد نتائج تجربة جديدة أجريت على دواء "بيديل"، شملت أكثر من 1,000 مريض من الأمريكيين الأفريقيين المصابين بفشل القلب heart failure. وفي حالات فشل القلب، لا تستطيع العضلة المريضة ضخ الدم بفعالية ضد مقاومة الأوعية الدموية.
وجد مراجعو الدراسة أن دواء "بيديل"، الذي يوسع الأوعية الدموية ويخفض الضغط، يكون مفيدا جداً لدرجة أنه تم قطع الدراسة مبكراً؛ فالأشخاص الذين تناولوا الدواء بالإضافة إلى أدويتهم الاعتيادية لعلاج ضغط الدم ، كانت لديهم وفيات أقل من المجموعة الضابطة التي لم تتناول دواء "بيديل". كانت نتروميد تمارس ضغوطا للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء لتتمكن من تسويق الدواء. وبعد ذلك، قال كبير العلماء لدى الشركة ،أن نتروميد تبحث عن الواسمات الكيميائية الحيوية والوراثية التي يمكنها التنبؤ بنوع المريض الذي يستجيب للدواء بأفضل صورة.
أما تشارلز كاري Curry، وهو الرئيس المتقاعد مؤخراً لقسم طب القلب في مستشفى جامعة هوارد، فكان قلقا بشأن التصنيف العرقي racial profiling، لكنه وفّر المرضى اللازمين لتجربة دواء "بيديل" وأدرج كباحث مشارك coinvestigator في الدراسة. قال كاري: “ لقد اعترضت على فرضية أن السود لديهم أوعية دموية 'مريضة' – أي أن أوردتهم وشرايينهم مختلفة ؛ ما زلت لا أصدق ذلك. ثم قررت أنها [تجربة الدواء] لن تسبب ضررا. كان هؤلاء مرضى شديدي الاعتلال، وقد حسّنوا مأمول حياتهم . أحياناً أبدو وكأنني أتقلب، لكني أراهن على أن البيانات ستُظهر أن دواء "بيديل" ساعد في خفض ضغط الدم المرتفع. ” وقد لاحظ أن العلاقة بين ارتفاع ضغط الدم ومرض القلب تختلف نوعاً ما بين السود والبيض.
تسامت دنستون فوق مثل هذا التفكير غير المباشر circular reasoning؛ فبدون معرفة كل التفاصيل، كان لديها الكثير لتقوله حول مشروع نتروميد . أما الشيء الوحيد الذي أحبته فكان وعد الشركة بالبحث عن الواسمات الوراثية ، وهي خطوة أسمتها “بالحد الأدنى. ”
كررت دنستون حديثها فقالت: “يجب عليك أن تميّز characterize الأفراد في المجموعة ؛ لكن ماذا عن أولئك الذين لم يستجيبون؟ تخبرنا المجموعة فقط بأين نُسقط الشبكة، لكننا لا نستطيع أن نتوقف هناك ونستهدف المجموعة دون معرفة الآلية المكتنفة. يمكن لعلم الوراثة أن يمر عبر السكان في طريقه إلى الطب الشخصاني . ”
قالت دنستون إن عدم كونها طبيبة كان مفيدا لها ؛ فقد ساعدها ذلك على رؤية الأبحاث بوضوح أكثر. كانت علاقة العرق بالبيولوجيا بالنسبة لها بنية انتقالية transitional structure، شيئا حقيرا ومؤسفا مقدر له أن يختفي، مع مجيء مستقبل أفضل للجميع. قالت دنستون بحماس: “ إنه وقت مثير لوراثيات الشعب الأمريكي الأفريقي ؛ وحتى في ظل وجود هذا الخلاف - أتمنى أن يجلب الانفتاح. أعلم أننا سنتخطى تلك النقطة. ” كان بيت القصيد، كما أدركت، هو إيمانها.
تمثل كنسية شيلوه Shiloh المعمدانية، والتي يترأسها القس والاس تشارلز سميث ، أحد المعالم الثقافية في واشنطن العاصمة. وفي أحد أيام الآحاد من شهر يونيو ، والذي صادف أن كان يوم تقدير الموسيقى Music Appreciation Day، هزّت جوقة كنسية شيلوه التي يبلغ عدد أعضائها 150، الدار بأغانيها. انتزعت خطبة القس سميث استجابة تجاوبية antiphonal دافئة، وعندما أنهى حديثه، قدّم زوار اليوم. وهنا انحنى قليلا زوج كنسية شيلوه الغريب، وهما معمداني Baptist وأسقفي Episcopalian يتشاركان إنشاد مجموعة من التراتيل.
يمتنع أي عالم ذكي عن الحديث في الدين ما لم يُسأل عنه. كانت دنستون ترى أن الموضوعين لا يمتزجان جيداً؛ لذا كنت أنا من فتح موضوع الكنيسة. لكن في القاعة الأبرشية بعد القداس، حيث اخلطت بالناس وقامت ببعض العمليات الخفيفة لتجنيد المتطوعين ، كانت تستشهد بالكتاب المقدس بسهولة وبكثرة.
قالت دنستون وهي على الطاولة :" قد هلك شعبي من عدم المعرفة"، مستشهدة بآية من العهد القديم (يوشع 4:6). أما مستمعيها، وهم رجال ونساء متوسطي العمر يتناولون إفطارهم متأخراً ، فقد أومأوا برؤوسهم موافقين. واستطردت دنستون قائلة: “ أي إنسان يدرس الطبيعة مباشرةً سيجد مشاكل في الإيمان بأن هذه عملية عشوائية ؛ فالعلم أداة لإظهار صنع الله.” وهنا حصلت على المزيد من الموافقة من جمهورها.
وعندما تحوّل الموضوع إلى الاختبارات الوراثية genetic testingالجارية في جامعة هوارد وفي غيرها، قال ستان وليامز،وهو شماس بالكنيسة: “سيريد الناس أن يعرفوا: كيف سيفيدني هذا الأمر شخصياً؟ وما الأخطار بالنسبة لي؟ ” ، وهنا تحدّب كتفا دنستون، وأنصتت إليه باهتمام كبير. وأضاف وليامز: “ إذا شعر الناس بأن الأمر مأمون بالنسبة لهم، فقد يفعلونه؛ فمن الناحية التاريخية، لدينا خوف متأصل من التعرض للفحوصات. ”
فأجابته دنستون “ أنا أحياناً أقول بأن علم الوراثة هو دعامة كل البيولوجيا ؛ دعنا نستعمله لتحسين التشخيص الطبي. ”
وهنا قال إدوين واشنطن: “ أنا مهتم بالأمراض التي قد أكون معرضا لها، لكني لست نصيرا كبيرا للدنا DNA. إذ أشعر بكثير من الحذر تجاهه. ”
وقالت امرأة تدعى كونستانس تايت بحكمة: “قد لا يكون هذا المشروع وصل لتلك المرحلة لحد الآن، وقد يستغرق الأمر أربعة أو خمس سنوات قبل أن يتوجب علينا أن نقلق حيال الأخطار والمنافع. لكن لهذا نحتاج لفهم المعلومات الآن. ” وهنا ابتسمت دنستون وشدّت على يدي تايت.
عندما تركنا كنيسة شيلوه، قالت دنستون : “ هل تريد أن تعرف لماذا تخصصت في علم الوراثة؟ عندما كنت طفلة، كانت لدي أسئلة حول كون الله يحبنا جميعا بنفس القدر، والطريقة التي كنا نتعلم بها. كنت أرى الناس يعالجون بشكل مختلف؛ فسألت أبويّ: " لماذا نحن مختلفون؟ " فلم يتمكنا من الإجابة. وقالا أن عليّ أن أتوجه بسؤالي إلى الله. لذا فقد كان سؤالي إلى الله هو: " لماذا خلقتنا مختلفين إذا كان ذلك يؤدي لحدوث أشياء سيئة للناس؟ "
“ أما الآن، فأنا أعلم ، بفضل علم الوراثة. إننا مخلوقات رائعة. ولدينا هبة الجينوم . إن الجينوم هبة. ” وهنا أمسكت بكلتا ذراعيّ بيديها الكبيرتين، وأضافت: “ لهذا أنت وأنا مختلفان. لهذا هناك تباين بشري. إنني أتعرف على الله من خلالك! ”
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لمحات سريعة
- من أجل سبر كامل أوجه التباين البشري، تقود جورجيا دنستون ،وهي اختصاصية في الوراثيات geneticist بجامعة هوارد في واشنطن العاصمة ، دراسات حول أمراض شائعة مثل سرطان البروستاتة وارتفاع ضغط الدم بين الأمريكيين المنحدرين من أصل أفريقي. وتقول : “ هناك معرفة متأصلة في هذه الأمراض، ويمكننا أن نكشفها إذا أمكننا التفكير في الأمر بطريقة صحيحة." تم تكوين هذه الصورة لدنستون من وجوه تغطي متصل continuum المظهر الخارجي للبشر.
- بدأت دراسة تاسكجي للزهري في عام 1932، ووثّقت كيفية ترقي المرض بين الرجال السود المصابين في مقاطعة ماكون بولاية ألاباما. لكن المعالجة مُنعت عن المرضى حتى بعد أن أصبح البنسلين – وهو أول دواء فعال ضد عدوى المرض - متوافرا في العام 1943. انتهت الدراسة في عام 1972 بعد أن كشفت إحدى الصحف عن هذه الفضيحة. رفعت الجمعية الوطنية لتقدم الأشخاص الملونين NAACP قضية ضد الحكومة ، ومن ثم تم التوصل إلى اتفاق يدفع بموجبه للمرضى أكثر من 9 ملايين دولار تتضمن تكاليف الرعاية الطبيةً لهم ولأسرهم.
- يعكس المظهر البدني لتلاميذ المدارس هؤلاء من جنوب أفريقيا ، كونهم من أسلاف شعوب من ثلاث قارات مختلفة: أفريقيا، وأوروبا، وآسيا. لكن التباين الذي يثير اهتمام دنستون يقبع عند مستوى وراثي أعمق ، فهي تقول: “ يمثل التباين أداة للرؤية. لكن ليس من وجهة النظر الطبية، التي ترى التباين كانحراف ؛ وبالنسبة لي، فإن العلم هو دقرطة democratization المعرفة. نريد الانتقال من النمطية إلى الشمولية.
* أصول خلة الخلية المنجلية
من بين أحد أكثر الأمثلة وضوحا على التأثير البيئي على الجينوم البشري، نجد خلة الخلية المنجلية . فبرغم أن اضطراب الدم المعروف بفقر الدم المنجلي قد تم وصفه طبيا لأول مرة في أوائل القرن العشرين، كان علينا الانتظار حتى عام 1956 قبل أن يتمكن الباحثون من تحديد سببه: تغير منفرد في أحد النوكليوتيدات الموجودة في الجين الذي يشفر للجزيء الحامل للأكسجين- أي الهيموجلوبين.
في عام 1954 ، خمّن عالم البيولوجيا الجزيئية أنتوني أليسون Alison ،أن التبدلات الحادثة في جزيء الهيموجلوبين تقي من الموت بفعل الملاريا. ويعمل الدفاع بالطريقة التالية: إن امتلاك نسخة واحدة من الأليل يمنح وقايةً ضد عدوى الملاريا الوخيمة بواسطة جعل كرية الدم الحمراء، بطريقةٍ ما، أقل ملاءمة لمعيشة طفيلي الملاريا، المتصورة المنجلية Plasmodium falciparum. ويتمثل الجانب السلبي في أن الشخص الذي يمتلك نسختين من الأليل يعاني من فقر الدم المنجلي ، وهو اضطراب دموي عضال incurable. وعند وجود نسختين من جين الهيموجلوبين المعدل ، فستؤديان إلى تغيير شكل الهيموجلوبين كثيراً بحيث أن الكريات الدموية "المتمنجلة" "sickled" لا تنساب بسهولة في الأوعية الدموية، مما يسبب ألماً مبرحاً. والطفل المولود لأبوين يمتلك كل منهما نسخة واحدة من خلة الخلية المنجلية لديه احتمال بنسبة واحد إلى أربعة لأن يرث أليلي الخلايا المنجلية كليهما - وبالتالي يصاب بفقر الدم المنجلي .
من بين المتفاوتات الخمسة لخلة الخلية المنجلية ، يبدو أن أربعة نشأت في أفريقيا وانتشرت عبر طرق التجارة أو عبر نقل الأفريقيين المستعبدين. أما الخامسة، وهي السائدة في الشرق الأوسط والهند، فيبدو أنها نشأت في آسيا.ويتباين انتشار النسخة المنفردة من الجين، لكن في بعض الجيوب المعرضة للملاريا في الهند، وأفريقيا، والمملكة العربية السعودية، يمتلك من 35 إلى 45 بالمائة من السكان هذه الخلة . كانت الملاريا مقتصرة على العالم القديم حتى نحو 500 سنة خلت، عندما كسب طفيلي الملاريا موطئ قدم في العالم الجديد بوصول الأوربيين والأفريقيين. وكان هذا المرض شائعا في الولايات المتحدة قبل طرح المبيد الحشري DDT وإزالة المستنقعات.
تمنح المتفاوتات الأخرى لجين الهيموجلوبين بعض الحماية أيضاً ضد الملاريا. ومن بين الأسباب الأكثر شيوعاً للثلاسيمية thalassemia ، وهي ضرب من فقر الدم الذي يوجد في أجزاء من أفريقيا، والبحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، وجنوب شرقي آسيا ، أكثر من وجوده في بقية بلدان العالم.