أول دبابات عبرت القناة، جمال الغيطاني

من معرفة المصادر
مشهد الدبابات المصرية بعد عبورها قناة السويس أثناء حرب أكتوبر 1973.

أول دبابات عبرت القناة، جمال الغيطاني.

في غرفة العمليات الرئيسية ، كان الرئيس السادات ستابع بإهتمام بالغ الأخبار التي تصل عن موقف الدبابات من عبور القناة ، كان أمراً حيوياً للغاية عبور تلك المدرعات المصرية وإنطلاقها للتصدي لمدرعات العدو التي بدأت محاولاتها للتصدي والتدخل ضد المشاة المصريين الذين عبروا ظهر يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر ، وفي مساء ذلك اليوم وصل الخبر الذي كان ينتظره الرئيس السادات ويتابعه ، فقد عبرت أولي دباباتنا إلي الضفة الشرقية .. في قطاع الجيش الثاني ، وكان من الأخبار السارة التي لاقت صدي مريحاً في نفوس القادة المصريين الذين كانوا جالسين حول الرئيس يتابعون مسار القتال ، وهنا في القطاع الاوسط من الجبهة في مواجهة الفردان ، كانت الدبابات المصرية تتدفق إلي سيناء ، أولي العناصر المدرعة التي لحقت بقواتنا كانت تمر من هنا ... كانت دبابات هذا التشكيل الذي عبر القناة تعيش حالة استعداد للقتال قبل 6 أكتوبر بأيام ، لقد بدأ إستكمال المعدات الخاصة ، وتجهيز كافة ما يحتاجة الرجال ، وكان قائدة يركز تركيزاً كبيراً علي رفع معنويات الرجال ، ويوم الجمعة 5 من اكتوبر أرسل عدداً من الدبابات لإحتلال المصاطب التي أقمناها خلال الفترة السابقة من الحرب ، كانت الدبابات التي إحتلت المصاطب هذه تشرف علي سيناء من مواقع مرتفعة ، وكانت مسئوليتها جزءاً من تأمين الضفة الشرقية أثناء العبور أي التعامل مع مدفعيات العدو ودباباته التي ستحاول التدخل ضد الأفراد ،وظهر السبت كان الرجال داخل مدرعاتهم ، وفي تمام الساعة الثانية ظهراً أقتحم الطيران أجواء سيناء ، وبدأ التمهيد النيراني للمدفعية ، وعلم قادة المدرعات والرجال أن المشاة أقتحموا القناة في القوارب ، كان الرجال أعصابهم هادئة ، لكن ثمة شعوراً قوياً يدفعهم الي تعجل الوقت الذي سيصيرون فيه لمساندة المشاة،كانت مواقعهم علي بعد عدة مترات من القناة ، وإتجه قائد احد التشكيلات المدرعة وهوالشهيد ممدوح .. الي المعبر ، كان قلقاً يروح ويجيء ، يرقب بأعصابه عملية إنشاء المعبر ، إن المشاة فوق الضفة الغربية ولابد للدبابات أن تعبر لتساندهم .. بدأ التحرك للتشكيل في إتجاه المعبر ، كانت الساعة تشير إلي الثامنة والنصف مساءاً ، قبل أن يدخل الرجال اي مدرعاتهم كانت الجبهة تبدو وكان كل مادة فيها صيغت من النيران ، قصف مدفعية ، الصواريخ ، محاولات للطيران للتدخل ، انضمت القوة التي كانت متمركزة فوق المصاطب ، واصطفت الدبابات في إتجاه المعبر ، تتحرك كتل الفولاذ الضخمة في الليل الملتهب بالنيران ، بدات الدبابات تقترب من القناة ، كان القصف شديدأ ، صمم الرجال الأوائل للحاق بزملائهم ، رجال المشاة فوق الضفة الشرقية ، كان المعبر ممتداً بصورة رائعة ، فسيحاً ، لم أشعر أحد بأي اهتزاز وهو يعبر الكوبري ن وفتح الكل غطاء الدبابات أثناء العبور ، ولم يكونوا يخشون خطر الشظايا والإنفجارات ، بينما كان إحساس غامض بالمجهول يراود النفوس ، وكان منظر الأعلام المصرية المرتفعة فوق الضفة الشرقية قد منح الجنود ثقة كبيرة بأمكانيات المقاتل المصري وما يستطيع تحقيقة ، كما كانت الرؤية جيدة بفضل القمر سبة المكتمل ، كانت زاوية الفتحة التي حفرت في الساتر الرملي بالضفة الشرقية مرتفعة جداً ، استطاع سائقو المدرعات التغلب علي هذه النقطة بهارة ، في اقل من ساعة كان التشكيل كله داخل سيناء .. وكان قائدة قد تلقي امراً من اللواء حسن ابو سعدة – قائد الفرقة الثانية وقتئذ – بالتوجه إلي الإشتباك مع دبابات العدو بأقصي سرعة ممكنة ، وإنضمت الدبابات إلي أحد الالوية ... قام قائد اللواء بتوجيه المدرعات التوجيه السليم ، وكان المشاه قد إنتابهم الحماس عند ظهور الدبابات فوق الضفة الشرقية ، وإندفع بعضهم يقبل الفولاذ إبتهاجاً بتقدمها ...

في اللحظة الأولي لأول إشتباك تم تدمير دبابتين وهربت الثالثة ، واسر أحد أفراد طاقم تلك الدبابة التي هربت ، وكان يهودي من اصل عراقي ، وكان اول أسير يقع في قبضة القوات المصرية المرابطة في هذا القطاع وينتمي إلي الاحتياطي الإسرائيلي الاستراتيجي الذي دفع من العمق في محاولة يائسة لوقف التقدم المصري .. في تمام الساعة الثامنة صباحاً بدأ هجوم مضاد ، فشل وجاء الأمر الي الدبابات المصرية التي عبرت القناة بأن تتجه إلي منطقة تبة الشجرة تمهيداً لإحتلالها ، وذلك بالإشتراك مع احدي كتائب المشاة ، وفي ظروف قتال رهيب ، تم إحتلال التبة قبل أخر ضوء من هذا اليوم ، واثناء التقدم كانت الدبابات المصرية تكتسح ما تجده امامها ، وفي صباح التاسع من اكتوبر وقع هجوم مضاد قوي علي تبة الشجرة، وعبر معركة قاسية تم تدمير الهجوم المضاد ...

في اليوم نفسه تم إصدار الأوامر بتطوير الهجوم الي الأمام ، وتقدمت الدبابات في الليل الي مسافة تبعد 18 كيلو متر عن قناة السويس . أثناء احدي المعارك التي وقع فيها هجوم مضاد عنيف علي مشاتنا بواسطة دبابات العدو ، كلف مجموعة من دباباتنا بالتصدي للعدو ، ولم يستطع قائد التشكيل الشهيد ممدوح أن يبقي في مكانه التقليدي حيث موقع القيادة من التشكيل . تقدم بدباباته ليحمي المشاة ، وإندفع بأقصي سرعة ، صائحاً ( مش ممكن أترك المشاة وحدها ) كان يتبعه دباباتان وتقدم الي أقصي نقطة من التبة ، وهناك أصيبت دبابته ، وكما يقول أحد القادة : ان دبابة الشهيد ممدوح تشهد بشجاعة هذا القائد الفذ ، وهي ترقد حالياً حتي الان في نفس المكان الذي ضربت فيه عند اقصي نقطة وصلت إليها قواتنا في سيناء . في قطاع مجاور ، قامت احدي وحدات الصواريخ أرض – ارض ، بصب نيران مكثفة اعتباراً من يوم 6 من أكتوبر طوال الليل ، وصباح يوم 7 من اكتوبر كانت الأوامر قد صدرت الي الوحدة بالعبور غلي القناة وإقتحام سيناء ، كان النقاتل اشرف حنفي عبود أحد رجال هذه الوحدة ، لم ينم منذ ليلتين ، ومنذ فترة طويلة لم ينزل اجازة ، كان يشعر ان القتال سوف يبدأ ، وان الأمور هذه المرة تمضي بجدية ، وعندما عبر القناة كان يحقق وجودة ، بعد طول غنتظار لهذه اللحظة منذ سنوات عدة ، قضاها في تدريب الرجال ، وإستيعاب ادق التفاصيل وتفاصيل هذا النوع من الصواريخ أرض – أرض ، عندما عبر نزل من السيارة ، مشي مع احد أصدقائة علي قدميه فوق رمال سيناء كان منفعلاً ، وفي الايام التالية لم يره احد الا متقدماً دائماً بجنوده ، يجهز المواقع يشرف بنفسه علي عمليات الإستطلاع ، وعلي عمليات نقل الذخيرة وتحت قيادته تم تدمير عدد من دبابات العدو ، وفي احد المرات كان قائد التشكيل قد تقدم إلي موقع الملاحظة ، وهجمت دبابات العدو ، وحاصرت مركز الملاحظة ، واصدر قائد التشكيل تعليماته لاسلكياً الي أشرف بتدمير المركز بمن فيه ، بدلاً من وقوعهم اسري في ايدي العدو ، كما ان إستشهادهم بالصواريخ المصرية أفضل من شظايا العدو ، غير ان اشرف تقدم بجسارة ، قاد هجوماً مضاداً بنجاح فك به الحصار عن مركز الملاحظة ..وإستمر يشيع صواريخة اليث نقاط العدو ودبابابته . اشرف الان يرقد شهيداً بمكان ما بسيناء .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صورة من معارك المدفعية الساحلية

فوزي ، أحد رجال المدفعية الساحلية ، أحد أبناء قرية كفر بهيدة ، ميت غمر الدقهلية ، وينتمي إلي أحد الاسر الريفية المتواضعة الحال ، والدة يمتلك خمسة فدادين ، وكانت العائلة كلها تعمل في زراعة الأرض لأنها مصدر الرزق الوحيد لهم ، فنشأ فوزي يعرف قيمة الأرض وما تعنية بالنسبة للإنسان ،وما يعنية فقد جزء منها ، أو إعتداء الاخرين جزء منها أو تعرضها للخطر ،تذكر في مخيلته أنه عندما كان صغيراً وفاض النيل ذات مرة واحدثت المياه ثقباً في جسر قريب ، فسارع الرجال يسدون الثغرة بأجسادهم حتي لا تنفذ المياه وتغرق الأرض ، أيضاً مستقر في نفسه الإرتباط الشديد بين أفراد الاسرة في مواجهة ظروف الحياه ، كان والد فوزي جندياً في الجيش المصري لمدة عشر سنوات منذ عام 1939 حتي عام 1949 وقد قص علي ولده الكثير من القصص عن تجاربه في الجيش فحفرت تلك خطوطاً عميقة في ذهن فوزي ، تقدم فوزي للتطوع في صفوف الجيش المصري فقوبل طلبه بالرفض لصغر سنه ، فلم يكن يحمل بطاقة شخصية ، وبعد ذلك تحققت رغبته في الإنضمام للقوات المسلحة المصرية ، وعرف طريقة إلي أحد الوحدات المدفعية الموجودة بأحد القواعد الساحلية المرابطة ، منذ الوهلة الأولي ظهر لفوزي أن الشيء الواضح هو التدريب الكثف وجهد مبذول غير عادي يبذل من اجل تحرير الرض المغتصبة من العدو المتربص ، كان العدو يركز جهد جوي ضخماً ضد الوحدات العسكرية والمدنية في بورسعيد ، وبالأخص وحدات الدفاع الجوي ، وهنا قرر قائد المدفعية الساحلية تعيين أسلوب جديد معين حتي يتفادي به غارات العدو المجنونة ضد مواقعة ، وهذا الأسلوب أدي إلي بذل طاقة ضخمة من الرجال ، بحيث أن القائد يقول أنه عندما إتخذ القرار الخاص بتطبيق هذا الاسلوب ، الذي كان أحد عناصرة سحب المدفع من مواقع إلي أخري عدة مرات خلال اليوم الواحد ، رغم انه كان مشفقاً علي الرجال الذين سيقومون بهذا الواجب ، وفي يوم 17 أكتوبر وفي الليل ، رصدت قواتنا إقتراب لنشين معادين ، وتعاملت معهما الوحدة التي يعمل بها فوزي علي الفور ، فأغرق لنش وأصيب أخر ، وفي الصباح ، صباح يوم 18 ، جاء الطيران كثيفاً ، وكان فوزي متواجداً ورأي النيران مشتعلة بأحدي الدشم الفارغة ، بدون تردد اندفع فوزي علي الفور حاملاً ثلاث طفايات لإخماد الحريق ،أستخدم الطفاية الأولي ، كانت النيران حادة مجنونة وتاثير الطفاية ضعيف ، ألقي بها بعيداً الثانية أيضاً نفس النتيجة ، الثالثة لم تعمل ، خلع خوذته ، بدا يملؤها بالرمال من الساتر الذي عبره جرار المدفع بقيادة محسن منذ لحظات ، قرر أن يحاصر النيران المتجهةالي مخازن الذخيرة أولاً ، وكما يقومون في القرية بإطفاء الحريق وحصار النيران عند نقطة معينة ، قام فوزي بحصار النيران المتجهة إلي المخازن وهو اهم هدف ، كان يعمل بسرعة ، وكان حياته كلها تلخصت عند هذة اللحظات ، لمح حفرة ضخمة صنعتها أحدي القنابل الثقيلة من وزن الألف رطل ، كانت الحفرة عميقة الي الحد الذي فجرت معه مياها غزيرة ، لمح جردل بلاستيك ، حمله صار ينزل ويطلع ، ينقل المياه من الحفرة الي اعلي ليطفيء النيران ، قطع النيران المتجهة إلي مخازن الذخيرة أولاً ... قطع النيران المحيطة بالمخزن ، قطع النيران المشتعلة في الاطراف ، ثم إقتحم مخزن الذخيرة لينقل فوق كتفة الصناديق التي مستها بعض الحرارة ، كان يجري ليضعها في الهواء البارد بعيداً عن دائرة التوهج ، وهكذا انقذ ذخيرة الوحدة بل وانقذ الوحدة ذاتها ....


إنتصار الإرادة

هكذا كان موقف فوزي الذي يدل علي معدن المصري النفيس وقدرتة علي تحمل الصعاب وقت الشدائد ، فلم يتردد عندما راي النيران مشتعلة بقرب مخازن الذخيرة ، فادرك تماماً ابعاد الموقف والخطر المحدق بهم ، ولكنه إقتحمة مردداً (( يا نار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم )) فكان يقول لو جريت الي الموت واجلي لم يحن بعد فلن اموت . ولو وقفت مكاني فسياتيني الموت اذا كان اجلي قد حان . فتحمل كلمات فوزي معاني ذات دلالة عميقة وهي أنه ما الذي يحرك الغنسان المصري ليحارب ويقاتل بشكل إنتحاري ، سوي اليمان الشديد أليست العمار بيد الله الا يدركنا الموت وحتي ولو كنا في بروج مشيدة فعمق إيمان فوزي جعله يقوي علي تحدي الخطر ، إلي جانب عوامل اخري عديدة منها إرتباطه الشديد بوحدته ، وخوفه علي المدفع الذي يحارب عليه ، كذلك خوفه علي زملائه ،وفي نفس اليوم ، بعد ان قهر النيران والخطر ، إشترك مع زملائه في تنظيف الموقع من القنابل الزمنية الملقاة به ، وفي اليوم نفسه ، هدر الموقع وتساقطت قذائف علي مواقع العدو ، تعلن إستمرار إرادة النسان المصري ........

المصدر

  • كتاب الهلال الذهبي المنشور 1976، أ/ جمال الغيظاني