أول الغيث "بصرة"

من معرفة المصادر

‏‏ أول الغيث "بصرة"

ما كان لعيني الناظر أن تخطئ قراءة كتابات الجدار لحظة خروج توني بلير المهين من 10 داوننغ , وقد وشت بكل ما نراه الآن من تداع متسارع للوجود العسكري البريطاني في الجنوب العراقي. والحق أن الإنهيار بدأ قبل تلك اللحظة بأمد ليس بقصير , بل بانت معالمه دون تبهيت, مع الإنسحاب من العمارة قبل قرابة العام .. ثم مع "تطاول" المقاومة العنيد والموجع لقوات الاحتلال البريطاني في البصرة مكبدة إياها ما لا قبل لها بتحمله في البشر فضلا عن المعدات.

ومع دلف غوردون براون إلى 10 داوننغ بات جليا أن الإنسحاب البريطاني الكامل هو مسألة شهور معدودة فقط , ربما لا تتأخر عن مطلع العام القادم.

ما الذي نستخلصه من هذا الإنسحاب المذل ذو المذاق "السويسي"؟‏

1– أن العسكرية البريطانية , وإن ماشت ساستها في القذف بقواتها إلى جنوب العراق وفاء لرباطهم الأنغلوساكسوني مع الولايات المتحدة , وطمعا بحصة معوضة من نفط وغاز العراق , إلا أن رجالاتها وصلوا- قبل سياسييهم بقرابة العامين -إلى استنتاج قاطع بعبثية الإحتلال , وبحتمية الإنفكاك عن جحيمه...وأنفذوا كلمتهم في نهاية المطاف..

ورغم أن يقينها هو أن الحسم بالخروج تأخر, وربما طويلا, إلا أن الإنسحاب أفضل _ وان تأخر_ من ألا يأتي أبدا.

2 – أن جنرالات العسكرية البريطانية – ولهم ما لهم من وشائج الوصال مع أقرانهم الأمريكيين – لا بد وأن تشجعوا بما عرفوا من تململ مكتوم وعالي التوتر يسري في أوساط هؤلاء الأقران.

والثابت أن احترابا عمره سنوات ثلاث يستعر أواره في جنبات البنتاغون بين أسلحة العسكرية الأمريكية وبعضها البعض , كما بين بعضها وكادر البنتاغون المدني . وغني عن البيان مدى تنائي أسلحة العسكرية الأمريكية تاريخيا عن بعضها البعض , رغم اختراع هيئة الأركان المشتركة في الخمسينات بغرض توطيد لحمة التضافر بينها وان بلا جدوى ظاهرة للعلن , وبما يجعلها اقطاعيات قوة تجمع شملها كونفدرالية تعاهدية لا فدرالية تعاقدية.

محوري الاحتراب _ولا ثالث لهما_ هما:

أ – ما العمل مع إيران: هنا نجد سلاح الجو غير هياب ولا وجل من عمل جوي – صاروخي كبير يستهدفها , فيما سلاح البحرية متردد بغير حسم , وأما الجيش والمارينز – وبالأخص أولهما – فمستعيذين بطوب الأرض من شر مهمة كتلك , سيما وهما غارقان لحد السرة في أوحال الفرات ودجلة. ب - قناعة الجيش – يلحقه المارينز – بأن نجاحهما في العراق ميؤوس منه على المديين المتوسط والطويل , مهما أحرزا من نجاحات تكتيكية هنا أو هناك.. لا تمكث نتائجها العمليانية – دعك عن إنعكاساتها السياسية – في الأرض , ولا تستديم أمنا, ولا تستدر رضىً من الجمهور , ولا تضمن حصدا لجائزة الطاقة.

بالمقابل فسلاح الجو راضٍ بدوره – المسكوت عنه – في استخدام أقصى درجات العنف القاتل , سواء تلقاه مقاوم أم مدني .. لا فرق.


3- إن مشينا مع هذا المنطق في التحليل لمنتهاه , نخلص إلى أن ذلك يستبطن إعلانا رئاسيا بأن إنسحابا -جزئيا - من العراق سيبدأ غداة أعياد الميلاد , ويستكمل في غضون عام من بدئه.

بذلك يحرم بوش خصومه الديمقراطيين من لذة الوعد بإنهاء الحرب , ويكفلها لحزبه , وبالتالي مرشحه الرئاسي , بما قد يساعد في فوز لهما مبين.

4- من الآن ولحين هذا الإعلان ستقوم العسكرية الأمريكية برفع وتائر حملتها الميدانية إلى أقصى المستطاع , دون التفات لما ستتسبب به من أضرار مهولة تلحق بالبشر والحجر... وبغرض ترهيب القاصي والداني داخل العراق... والضغط ,عبر القتل المشاع , لإيصال كل قواه السياسية للقبول بـ:

أ – 4 قواعد عسكرية كبرى في أرجاء العراق الأربع , توفر منصة اقتراب ثمينة من إيران الداخل ومن الشام , فضلا عن اطلالها على تخوم القوقاز واسيا الوسطى.

ب- اقرار قانون السيطرة الأمريكية على مصادر و قرار الطاقة العراقي.

في هكذا سيناريو , لن يزيد عديد القوات الأمريكية العاملة النهائي عن 50 ألف جندي في كل العراق.

5- إن علمنا أن عديد المرتزقة الآن هو 200 ألف , وأن أقل من ثلثهم غربي وقرابة ثلثيهم عراقي , فالقاطع أن الإعتماد على هذه التشكيلات سيتصاعد ويكبر بما يؤمن طابورا خامسا وعاشرا من القتلة الذين سيتولون خصخصة المهمة دون ضوابط ولا حواجز.

كلما انخفض منسوب القوات النظامية كلما ازداد حجم وثقل قوات المرتزقة.

6– لكن سلامة هكذا تشكيلات لن تكون مكفولة وخطوط تموينها وإدامتها تنطلق من الكويت عبر مناطق غير آمنة في جنوب عراقي محرر.

بالتالي فمصير المرتزقة مرتبط ببقاء قواعد للقوات النظامية , يأتي منها المدد فضلا عن الغوث.

بالمقابل , فان هذه القواعد ذاتها تحتاج لمن يؤمن خطوط إمدادها بسلاسة ويسر ... وأمر كهذا غير ميسور , وجنوب العراق خارج المدار.

7- والحاصل أن ما في الطريق الى جيش المهدي سبقه نجاح تكتيكو-استراتيجي لاجدال فيه أحرزته العسكرية الأمريكية قبالة معسكر المقاومة المنبثق من الوسط العربي _السني , وبه استطاعت أن تدق أسافينا بين أطراف المعسكر الثلاث : السلفية-الجهادية , و الاسلامية-القومية , والبعثية , مكنها منه رهاب كل هذه الأطراف العصابي من ايران , ومن صعود الشيعية السياسية , وكذا من بعضها البعض , وبالأخص اثناهم الآخران من أولهم.

والأكيد أن جموعا متسعة من المقاومين المنتمين للتيارين البعثي و الاسلامي- القومي لاتكتفي بالقاء السلاح أمام قوات الاحتلال بل وتنضم لها- في قليل أو كثير – في حملتها الباطشة على السلفية-الجهادية. يضاعف الأمر دموية وتعقيدا نفاذ الجهد الأمريكي الى عقول وقلوب – وجيوب – عشائر سنية عربية امتشقت السلاح حربا على السلفية-الجهادية و , نظيرا مقابلا للميليشيات الشيعية , يدوزنهما المحتل وفق ما يرتأيه أنسب و أمثل لظروفه في الميدان وفي السياسة..في ان.

والحق أن المحتل تلمس- في العامين الأخيرين- طريقه بتسارع متصاعد الى الأخذ بأسباب التلاعب بالقوى المحلية , المقاومة منها أم المهادنة..دعك عن المتماهية , وأعانه خير عون في اكتساب المهارات آلي سعود و هاشم اللذين مهدا السبل وأنارا الدروب.

8- ينتصب هنا سؤال مركزي هو: هل أن تململ الجنرالات الأمريكيين محصور في استنقاذ قواتهم من الأتون العراقي , فيما هم راضون و ماضون في التحضير لحرب من نوع آخر مع إيران ؟

قبل المضي في الإجابة , لا بد من وقفة لفحص معطيات الميدان بتأن وروية , وإخضاعها لمبضع المشرّح ومجهر المخبري معا.

تتدافع هنا جملة من الأسئلة والإعتبارات: 1 – هل يجرؤ ساسة وجنرالات بريطانيا أن يتركوا البصرة لمقاوميها , بما يعنيه ذلك من تهديد لإمداد القوات الأمريكية المنتشرة من شمال الجنوب إلى جنوب الشمال ؟

2 – الجواب هو بنعم , وتحت وطأة الإضطرار الأقصى.

يتوجب تلوا على القوات الأمريكية أن تملأ الفراغ وبسرعة... وهي المشدودة على الآخر , بقوة 20 لواء مقاتل , وبالكاد قادرة على لملمة أطرافها , فضلا عن توسيع انتشارها.

إن هي قبلت بخسران البصرة فتموينها تحت النار , وإن إنتشرت فيها خسرت من مرابض أخرى.... ثم كيف السبيل و شبح أن تسقط جبهة الجنوب , فيما المواجهة مع إيران مفتوحة على احتمالات تصعيد , ماثل كسكين تقترب من حز الوريد ؟

3 – والحال أن الشريحة الحاكمة من حزب الحرب الأمريكي لن تصل إلى قناعة بتخفيض جذري لقوات الميدان العراقي في وقت قريب , توطئة لانسحاب شامل , ولسبب يتيم وهو أن تخفيضا كهذا وصفة طازجة لانهيار يخطف الأبصار , إن لم يكن وفق صفقة تسوية شاملة مع إيران وسوريا والمقاومة .. معا.

كيف للمرء اذن أن يوفق بين خروج بريطاني , ومكابرة أمريكية تتشبث بالبقاء , أملا بفرض رغائبها على إيران وسوريا والمقاومة .. معا ؟.

هل تستطيع واشنطن أن تواصل عض لسانها بينما تئن من آلامه , بابتغاء التجمل أمام الخلق بائعة إياهم وهم أنها ليس فقط طويلة النفس , بل وفائزة في آخر المطاف ؟

لقد أوشكت واشنطن على تبديد تريليون دولار على حماقتها العراقية ولا قبل لها بتريليون آخر, علما أن حجم الدين العام كله هو 8 تريليون.

أهناك أفضل من ذلك مثلا على إعدام إمبراطورية لنفسها, بنزف مكتسب متوسط الشدة يذهب بعافيتها رويدا رويدا وعلى مرأى من الخليقة ؟.

4- إن إيران لن تمضي في صفقة تخص العراق دون أن تشمل كل مسائل النزاع مع الولايات المتحدة. ذلك ببساطة لأن انفكاك الأخيرة عن بلوتها قد تيسر لها التعويض عنها بحملة _من نوع آخر_ على إيران.

 الصفقة إذن يجب أن تكون شاملة ... تمتد من مواضيع الأمن المتبادل بين  قزوين والخليج.. إلى تسوية تركات الماضي.. إلى ملف امتلاك القدرة النووية.. ووصولا إلى قضايا الصراع العربي – الصهيوني.
صفقة كتلك لا بد وأن تشمل بالضرورة انسحابا كاملا من العراق دون قواعد ولا تسهيلات. 

إيران تصل بخطى حثيثة إلى قرار أن الإحتلال الأمريكي للعراق قد استنفذ أغراضه – من وجهة نظرها – وأن خطره عليها وعلى حلفائها العراقيين وعلى حليفها الإقليمي سوريا بلغ حد الاستفحال , لجملة أسباب منها:

1- تسبب الإحتلال بتحويل الحساسيات السنية – الشيعية إلى كرات لهيب تحرق الأخضر واليابس... والثابت هنا أن إيران تستشعر خطرا داهما على مشروعها للقيادة الإسلامية – العالمثالثية جراء صراع مذهبي مستعر, وتيقن أن ما يمزق العراق أشطارا جائحة يسهل انتشارها للداخل الإيراني , وهو الموزاييك العرقي بنواة فارسية لا تزيد عن نصف قطره , معطوفا على أقلية سنية تفيض عن سدس أمته. هي تريد عراقا واحدا ومسالما وصديقا , فيه رجحان لشيعته , وتراض مع سنته , ودفع لشر كرده....هي رعت وترعى أنشطة المقاومة المسلحة المتصاعدة التواتر في الجنوب العراقي -وبالأخص عبر التيار الصدري-... وتقف وستقف على الحياد في جولات اصطراع الصدر والحكيم من بغداد إلى البصرة , إذ يدها هي العليا أيما كان المنتصر.

2- سبب آخر لنفاذ صبر طهران مع المكوث الأمريكي في العراق هو تحوله , بهمة وثابة , إلى قاعدة تآمر على الداخل الإيراني , وعلى طول خط الحدود, وسواء كان حزب السعادة الكردي , أم مجاهدي خلق هو مخلب القط.

نأتي الآن إلى سؤال الحرب والسلام .. مع إيران:

إذا عدنا لنقطة البدء في اعتبار الخروج البريطاني المذل من البصرة موطأً لاعادة انتشار أمريكي أقل شظفا , فأينما قلبت النظر في كيفية رؤيته وجدت فيه حتا و تعرية لسمعة وهيبة المشروع الإمبراطوري الأمريكي. تأخذ المسألة شكلا مغايرا البتة لو كان الخروج ناتجا عن صفقة تسوية إقليمية شاملة. هل لذلك من سبيل الان ؟

الجواب هو بلا قاطعة .. اللهم إلا قسرا.

انسحاب البصرة هو الطور الأول من عملية انسحاب جزئي من العراق, تسمح للولايات المتحدة بتحويل اهتمامها إلى طهران... حتى وان أملته اعتبارات بريطانية ضاغطة.

والحاصل أن انسحابا كهذا يستلزم تلقائيا ضرورة ضرب جيش المهدي , من بغداد إلى البصرة , لمنع تمكنه من محور العمارة – البصرة بما يهدد خطوط الإمداد المتدفق من الكويت.

تسعير كهذا يفيد أيضا في تمهيد الطريق لانسحاب جزئي تالٍ إن وصل لغايته. 

هل يصل؟…..تعسر رؤية إيران وهي تضرب في شبه مقتل في العراق دون أن تحرك ساكنا.

هناك أولا , جماهيرية الصدر الواسعة والتي تستطيع أن تربك – بل تقعد – قدرة البطش الإحتلالية إن توزعت بمئات الألوف على كل مدينة جنوبية – فضلا عن شرق بغداد – عاصية ومقاومة بالسلاح وبدونه. 

هناك ثانيا , ضغط قم المتوقع على النجف لتحسم أمرها لصالح الصدر المستهدف , وفي هذا إضافة كمية ونوعية لوزنه ذاته.

هناك ثالثا , سبل إمداد وعون عبر حدود طويلة لسلاح وخبرة لها ما لها في حرب غير متوازية.

يكفي أن نرى طريق بغداد – البصرة وقد قطع هنا وهناك لتصبح قوافل الإمداد تحت رحمة المقاومة في قليل أو كثير, رغم أهمية العامل الجوي في حراسة الطريق, وهو عامل قد تتكفل مضادات الطيران – وبالأخص الهليوكوبتر –بالحد من فعاليته , مضادات هي بيقين بضاعة إيرانية ميسورة المنال لال البيت.

في هذا السياق أقرأ ادراج واشنطن للحرس الثوري الإيراني على قائمة إرهابها على أنه محاولة إستباقية لردع وتخويف إيران عن استعمال وحداته لنصرة التيار الصدري , بينما هي-أي واشنطن- منخرطة في محاولة ذبحه.

والقاطع أن ردعا كهذا غير وارد بالمطلق ... فالمواجهة صفرية لا تقبل إلا نتيجة واضحة .. إنها أنتم أو نحن في العراق .. لن يكون تساكن ولا تعايش ولا تقاسم , ولا كل هذه النوتات التي عزفت لسنوات أربع , وصدّق بعض المستمعين إمكان دوامها ودقة عزفها.

إن صداما مباشرا مع إيران , سواء تدرج في إيقاعه أم تفجر رعدا وزلازل , لا يستطيع أن يتأخر عن نهاية شباط 2008, أي حين ينتهي كرنفال ترشيحات الرئاسة الأمريكية....ان كان القرار قد صدر.

في هكذا سياق , فإن خريف 2007 سيكون خريفا "صدريا" بامتياز , ليتلوه شتاء مقادير ترتطم صواعقا ولهيبا.

شرطي قرار كهذا , هما توافق جنرالات البنتاغون على المضي به , ورفض طهران النهائي للتنازل عن ملفها النووي.

إن أعمل حزب الحرب عقله ونأى عن سبيل الحرب مع إيران , تبقى هناك ضرورة تحجيم جيش المهدي لكفالة تدفق إمداد الكويت دون إخلال , ولتخسيس وزنه السياسي في معادلة الحكم في بغداد , وأيضا لتمهيد الطريق أمام انسحاب جزئي تضطر لقبوله كل أطراف المقاومة تحت وطأة جحيم منفلت تعود معه ذاكرتنا القهقرى لأواخر أيام 1972 الفيتنامية.

إنسحاب الإنجليز من البصرة -لذا كله- يفسّر في ضوء ما تنتويه واشنطن نحو طهران: إن كان القرار بالإشتباك , فحلول الأمريكي محل البريطاني , والقيام بضرب جيش المهدي بلا هوادة.. لازمان. وإن كان القرار بعدمه , فتأمين البصرة ضروري , حتى وان تزاوج قرار عدم التحرك شرقا مع قرار انكفاء إلى بضعة قواعد….إمدادات الكويت هي الفيصل في كلا المشهدين.

ما يحسم المسألة هم جنرالات البنتاغون , وجدلهم لا زال مستعرا.. هم وأقرانهم في دولة المخابرات.

والحق أن من يتحدث عن انسحاب شامل للولايات المتحدة من العراق يتحدث عن المستقبل لا الحاضر. خروجهم الشامل هوالأمثل لمصالح الولايات المتحدة قبل غيرها ..حينها تكون حكاية الامبراطورية المستبدة ذاتها قد طويت صفحتها لتحل مكانها قوة كبرى- بين قوى عدة- تتعلم العيش والنماء بطريقة الاعتماد المتبادل وتوازن المصالح , لا بالبلطجة و قطع الطريق.

هي ولايات متحدة مؤنسنة تتواضع عن تجبرها وغلظتها ومشروع هيمنتها , وتصيخ لصوت العقل , وتتعايش مع قوى عالمية أخرى منها قوة الإسلام (والعرب) الجيوستراتيجية. لسنا هناك بعد ... المشوار لا زال طويلا بعض الشيء , وعالي الكلفة لطالب الهيمنة ولمقاومها معا. والشاهد أن الطريق الذي اختطته المؤسسة الأمريكية منذ عام 48 , وولغت فيها منذ 67 يتحول , بسرعة ضوئية , الى مسار بلا مخارج.

سوف لن يكون أمامها-في المدى المتوسط- من سبيل إلا أن تسلك سواه , إن شاءت أن تحفظ أمنها – الداخلي منه والخارجي – ومصالحها المعقولة , وما بقي لها من سمعة.

والثابت أن تاريخ الإمبراطوريات البائدة يشهد على أن السبب المركزي لسقوطها هو افتراق النهج عن كلفته , بما يستدعيه ذلك من تداعيات تبدأ ولا تنتهي…. هذا بالضبط ما تتكفل به سياسات السنوات الست الفائتة بما حفلت به من حروب باهظة الأثمان.

لكن جموح القوة يغشي الأبصار , خصوصا وأنه يقود باللاشعور إلى الشعور أن الإخفاق لا يداوى إلا بالمزيد من التمدد , واللجوء إلى القوة العارية , وهلك الحرث والنسل.

متى تنكسر تلك الدائرة المعيبة ؟ ظني أنها بعد أن تنتهي الحرب المشنة على إيران- بكل السبل سوى السلاح- لأعوام ثلاث , بفتح الستار عن مشهدها الأخير الزاخر بقعقعة السلاح , تلعب فيه واشنطن ورقتها الأخيرة في المنطقة , فإما فائز أو فار .. ولا عزاء للضحايا.


د . كمال خلف الطويل

8 / 24 / 07