أهواء

من معرفة المصادر
  • أطلي على طرفي الدامع خيالا من الكوكب الساطع
  • ظلا من الأغصن الحالمات على ضفة الجدول الوادع
  • وطوفي أناشيد في خاطري يناغين من حبّي الضائع
  • يفجّرن من قلبي المستفيض ويقطرن في قلبي السامع
  • لعينيك للكوكبين اللذين يصبان في ناظريّ الضياء
  • لنبعين، كالدهر، لا ينضبان ولا يسقيان الحيارى الظماء
  • لعينيك ينثال بالأغنيات فؤاد أطال انثيال الدماء
  • يودّ، إذا ما دعاك اللسان على البعد لو ذاب فيه النداء
  • يطول انتظاري، لعلي أراك لعلي، ألاقيك بين البشر
  • سألقاك. لا بد لي أن أراك وإن كان بالناظر المحتضر
  • فديت التي صوّرتها مناي وظل الكرى في هجير السهر
  • أطلي على من حباك الحياة فأصبحت حسناء ملء النظر!
  • اطلّي فتاة هواي والخيال على ناظر الرؤى عالق
  • بعشرين من ريقات السنين عبرن المدرات في خافقي
  • بعشرين كلاّ وهبت الربيع وما فيه من عمري العاشق
  • فما ظل إلا الربيع صغير أخبّيه للموعد الرائق
  • سأروي على مسمعيك الغداة أحاديث سمّيتهن الهوى
  • وأنباء قلب غريق السراب شقيّ التداني ، كئيب النوى
  • أصيخي .. فهذي فتاة الحقول وهذا غرام هناك انطوى
  • أتدرين عن ربة الراعيات ؟ عن الريف ؟ عما يكون الجوى
  • هو الريف هل تبصرين النخيل ؟ وهذي أغانيه هل تسمعين
  • وذاك الفتى شاعر في صباه وتلك التي علمته الحنين
  • هي الفنّ من نبعت المستطاب هي الحبّ من مستقاه الحزين
  • رآها تغني وراء القطيع كـ( بنلوب ) تستمهل العاشقين
  • فما كان غير التقاء الفؤادين في خفقة منهما عاتية
  • وما كان غير افترار الشفاة بما يشبه البسمة الحانية
  • وكان الهوى ، ثم كان اللقاء لقاء الحبيبين في ناحية
  • فما قال : أهواك ، حتى ترامى عياء على ضفة الساقية
  • وأوفى على العاشقين الشتاء ويوم دجا في ضحاه السحاب
  • خلا الغاب ما فيه إلا النّخيل وإلا العصافير فهو ارتقاب
  • وبين الحبيبين في جانبيه من السّعف في كل ممشى حجاب
  • فما كان إلا وميض أضاء ذرى النخل وانحل غيم وذاب
  • ويا سدرة الغاب كيف استجارا بأفنانك الناطفات المياه
  • رآها وقد بلّ من ثوبها حيا زخ فاستقبلتها يداه
  • على الجدع يستدفئان الصدور على موعد كل آه بآه
  • سلي الجدع كيف التصاق الصدور بهزّاتها، وابتعاد الشفاة ؟
  • أشاهدت يا غاب رقص الضياء على قطرة بين أهدابها ؟
  • ترى أهي تبكي بدمع السماء أساها وأحزان أترابها ؟
  • ولكنّها كل نور الحقول ودفء الشذى بين أعشابها
  • وأفراح كلّ العصافير فيها وكلّ الفراشات في غابها
  • وذاك الخصام الذي لو يفدّي لفديت ساعته بالوئام
  • أفدّيه من أجل يوم ترفّ يد فيه أو لفتة بالسلام
  • ومن أجل عينين لا تستطيعان ان تنظرا دون ظل ابتسام
  • تذوب له قسوة في الأسارير كالصحو ينحل عنه الغمام
  • خصاماً ولما نعلّ الكؤوس ؟ أحطّمتها قبل أن نسكرا ؟
  • خصاماً ، وما زال بعض الربيع نديّاً على الصيف مخضوضرا ؟
  • خصاماً ؟ فهل تمنعين العيون إذا لألأ النّور أن تنظرا؟
  • وهل توقفين انعكاس الخيال من النهر، أن يملك المعبرا ؟
  • أغاني شبابتي تستبيك وتدنيك مني، ففيم الجفاء ؟
  • كأن قوى ساحر تستبدّ بأقدامك البيض، عند المساء
  • ويفضي بك الدّرب حيث استدار، إلى موعدي بين ظلّ وماء
  • على الشطّ، بين ارتجاف القلوع وهمس النخيل، وصمت السماء
  • وحجبت خدّيك عن ناظري بكفيك حينا وبالمروحات
  • سأشدو وأشدو فما تصنعين اذا احمر خدّاك للأغنيات ؟
  • وأرخيت كفيك مبهورتين وأصغيت، واخضل حتى الموات
  • إلى أن يموت الشعاع الأخير على الشرق، والحب، والأمنيات
  • وهيهات، إن الهوى لن يموت ولكنّ بعض الهوى يأفل
  • كما تأفل الأنجم الساهرات كما يغرب الناظر المسبل،
  • كما تستجمّ البحار الفساح ملّيا، كما يرقد الجدول
  • كنوم اللظى، كانطواء الجناح كما يصمت الناي والشمأل !
  • أعام مضى والهوى ما يزال كما كان، لا يعتريه الفتور
  • أهذا هو الصيف يوفي علينا فنلقاه ثانية، كالزهور
  • ولكنهمن زهور الخلود فلا أظمأت ريّهنّ الحرور
  • ولا نال من لونهّن الشتاء ولا استنزفت عطرهن الدهور
  • أغانيّ ، والغاب قفر الوكون حبيس النسائم تحت الدوالي
  • ترى ماؤه، لاتّقاد الهجير حريقا بما فوقه من ظلال
  • وفوق التعاشيب، حيث الغصون ينؤن بأفيائهن الثقال
  • لها مضجع هدهدته العطور أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟
  • أأمسيت استحضر الذكريات وما كان بالأمس كل الحياة؟
  • أضاعت حياتي ؟ أغاب الغرام أماتت على الأغنيات الشفاة؟
  • أنمسي، ومازال غاب النخيل خضيلا وما زال فيه الرعاة،
  • حديثا على موقد لسامرين : أحبّا، وخابا فوا حسرتاه؟
  • أناديك لو تسمعين النداء وأدعوك أدعوك! يا للجنون
  • إذا رن في مسمعيك الغداة من المهد صوت الرضيع الحنون
  • ونادى بك الزوّج أن ترضعيه ونادى صدى أخفتته السنون
  • فما نفعها صرخة من لهيب أدوّي بها ؟ من عساني أكون؟
  • أعفّرت من كبرياء النداء؟ وأرجعت آمادي القهقرى؟
  • نسيت التي صورتها مناي وناديت أنثى ككل الورى ؟
  • وأعرضت عن مسمع في السماء إلى مسمع في تراب القرى !
  • أتصغي فتاة الهوى والخيال وأدعو فتاة الهوى والثرى؟
  • وودعت سجواء بين الحقول ودنيا عن الشر في معزل
  • وخلفت في كل ركن خصيل من الريف ذكرى هوى أول
  • قصاصات أوراقي الهامسات بشعري على ضفة الجدول
  • وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه ونايا يغني مع الشمأل
  • فمن هذه المسترق القلوب صبى ملؤها روح الطافرة
  • أما كنت ودعت تلك العيون الظليلات والخصلة النافرة؟
  • كأني ترشفت قبل الغداة سنى هذه النظرة الآسرة !
  • أما كان في الريف شيء كهذا ؟ اما تشبة الربة الغابرة؟!
  • مشى العمر ما بيننا فاصلا فمن لي بأن أسبق الموعد ؟
  • ولكنه الحبّ منه الزمان ثوان ومما احتواه المدى
  • أراها فانفض عنها السنين كما تنفض الريح برد الندى
  • فتغدو وعمري أخو عمرها ويستوقف المولد المولدا
  • وهل تسمع الشعر إن قلته وفي مسمعيها ضجيج السنين
  • أطلت على السبع من قبل عشر ين عاما وما كنّ إلا جنين ؟
  • وأمسى ولم تدر أنت الغرام هواها حديث الورى أجمعين
  • لقد نبّأوها بهذا الهوى فقالت : وما أكثر العاشقين ؟!
  • أمن قلبه انثال هذا النشيد إليها، إلى الذئبة الضارية ؟
  • ولو لم يكن فيه طعم الدماء ما استشعرت رنة القافية
  • وما زال تسبيه غمّازتان تبوحان بالبسمة الخافية
  • وما زالتا تذكران الخيال بما كان في الأعصر الخالية
  • وبالحب والغادة المستبد صباها به ، يلعبان الورق
  • وكيف استكان الإله الصغير فألقى سهام الهوى والحنق
  • رهان، رمى فيه غمّازتيه وورد الخدود، ونور الحدق
  • لك الله ، كيف اقتحمت القرون ولم يخب في وجنتيك الألق ؟
  • كأن ابتسامتها والربيع شقيقتان ، لولا ذبول الزهر
  • أآذار ينثر تلك الورود على ثغرها ؟ أم شعاع القمر ؟
  • ففي ثغرها افترّ كل الزمان وما عمر آذار إلا شهر
  • وبالروح فديت تلك الشفاة وإن أذكرتني بكاس القدر !
  • أطلي على طرفي الدامع خيالا من الكوكب الساطع
  • وظلا من الأغصن الحالمات على ضفة الجدول الوادع
  • وطوفي أناشيد في خاطري يناغين من حبي الضائع
  • يفجرن من قلبي المستفيض ويقطرن في قلبي السامع