أمن الدولة يسيطر على جامعة القاهرة - محمد أبو الغار

من معرفة المصادر

أمن الدولة يسيطر على جامعة القاهرة، د. محمد أبو الغار.

منذ أسبوعين كتبت مقالاً أعبر فيه عن تعاطفي واحترامي لجامعة القاهرة وتاريخها، وللأسف حدثت هذا الأسبوع كارثة في الجامعة سوف تظل نقطة سوداء في تاريخ هذه الفترة من عمر الجامعة.

نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة نادي عريق وشهد انتخابات ساخنة عبر تاريخه، وتغير أعضاء المجلس المنتخبون من تيار حكومي إلي تيار يساري ليبرالي ثم تيار إخواني، وهو النادي الوحيد في الجامعات المصرية الذي كان له مجلس إدارة منتخب انتخابات حقيقية نظيفة، وقد أثار نجاح الإخوان في الانتخابات السابقة حفيظة الأمن فأعطي أوامره إلي وزارة التضامن الاجتماعي التي قامت بحل مجلس الإدارة، وهو أمر طبيعي من هذه الوزارة التي يبدو أنها تابعة لأمن الدولة وليس لمجلس الوزراء، وتوسم الأمن خيراً وموهبة في عميد كلية التجارة فاختاره مفوضاً علي النادي حتي تم إجراء الانتخابات، وقام الأمن بترشيح مجموعة من الأساتذة يراعي في معظهم ألا يكونوا علي صلة وثيقة بالحزب الوطني ولا يكون عليهم شبهة عمالة ظاهرة للأمن.

وقام الأمن أيضاً بفصل أعضاء جامعتي بني السويف والفيوم عن نادي جامعة القاهرة وهو أمر طبيعي، حيث لم تعد الفيوم وبني سويف فروعاً من جامعة القاهرة، وتم تغيير مقر الانتخابات من النادي إلي مقار داخل الكليات داخل الحرم الجامعي، وتغير يوم الانتخابات ليكون يوم عمل وليس يوم الجمعة، وهذه التغييرات إيجابية لأنها تشجع أعضاء هيئة التدريس علي التصويت في الانتخابات لأن هذا يعمق الديمقراطية خاصة أن متوسط عدد الحضور من الناخبين في الانتخابات السابقة أقل من ألف وخمسمائة عضو من بين حوالي عشرة آلاف عضو موجودين ولهم حق التصويت، وهذه نسبة ضعيفة جداً بين أساتذة الجامعات.

وحتي هذا الوقت كان الأمر مفهوماً وطبيعياً، وفجأة شعر الأمن بالخوف من تحركات الإخوان لأنه مهما قامت الإدارة بمساعدات لمرشحي جبهتها قد يفوز الإخوان، وقد سبق أن حدث ذلك عندما رشح عميد الطب نفسه ضد الإخوان ففاز علي مرشحي الإخوان بألف وستمائة صوت من مجموع ثلاثة آلاف وهو أكبر عدد من الأصوات سجل في تاريخ انتخابات النادي. فأصدر الأمن أوامره إلي وزير التضامن الذي قرر شطب أكثر من 24 مرشحاً مرة واحدة منهم أعضاء المجلس السابق وبعض الإخوان أو المتعاطفين معهم أو الذين لم يتأكد الأمن من هويتهم بصفة قاطعة، وبرغم صدور حكم القضاء الإداري بإلغاء الشطب فإن الحكومة المعتادة علي عدم تنفيذ أحكام القضاء استمرت في تنفيذ ما أرادت.

وقامت إدارة الجامعة بناء علي تعليمات وتنظيم وإشراف الأمن بتجهيز أتوبيسات لتوصيل الأساتذة إلي مقر اللجان، وعقدت اجتماعات مكثفة مع صغار أعضاء هيئة التدريس لإقناعهم وإغرائهم والضغط عليهم للتوجه للانتخاب.

كل هذه الأمور قد تكون مقبولة ومعترفاً بها في كل انتخابات دول العالم الثالث، والإخوان كانوا يحشدون أنصارهم بأتوبيسات من الفيوم وبني سويف في انتخابات سابقة. أما شطب المنافسين من أساتذة الجامعة فهو أمر غير مسبوق، ولو أن هناك اتهامات علي البعض فيجب أن تعلن ويحقق فيها أما إطلاق الاتهامات جزافاً وشطب أكثر من 24 مرشحاً فهذا يدين كل الجامعة والأساتذة والفائزين بعضوية المجلس ويحول الجامعة العريقة إلي جامعة إحدي دويلات الموز.

وقد وصل عدد الذين قاموا بالتصويت حسب قرار لجنة الفرز إلي 2165 صوتاً منهم 365 صوتاً باطلاً، وهم في الأغلب من شباب أعضاء هيئة التدريس الذين تم الضغط عليهم للحضور والإدلاء بأصواتهم، ووضعوا أوراقاً بيضاء احتجاجاً علي ما حدث، وأعلي الناجحين حصل علي 1575 صوتاً.

وإذا كان الأمن بالاشتراك مع إدارة الجامعة قادراً علي الحصول علي 1575 صوتاً صحيحاً لأعلي مرشح وهو رقم كان قادراً علي إنجاح أعداد كبيرة من مرشحيهم في انتخابات سليمة، فلماذا لم يفعل ذلك، أما السبب الحقيقي هو كراهية الناس للأمن والحكومة وحزبها «الوطني»، فما كان سوف يحدث هو أن الدولة كانت قادرة علي الضغط لحضور هذه الأعداد إلي لجان التصويت ولكن الكثيرين منهم كانوا سوف يصوتون للإخوان كراهية في الأمن والنظام وهو ما يحدث في الكثير من الانتخابات الأخري.

والآن قد أصبح هناك مجلس جديد لنادي أعضاء هيئة التدريس سوف يظل دائماً مطعوناً في مشروعيته لأن الانتخابات تمت دون مراقبين ومحايدين من ناحية ومن الناحية الأهم أنه لم يخوض الانتخابات ضد منافسين حقيقيين يعني «زيتنا في دقيقنا».

هناك ثنائية كارثية تدار بها مصر الآن: النظام بقيادة الأمن من ناحية، والإخوان من ناحية أخري، كلاهما له فكر شمولي يرفض الآخر ويريد أن يسيطر علي كل شيء ولا يشرك الشعب في شيء ومستعد أن يسجن ويضرب المعارض حتي الموت، وكلاهما لاحت له فرص كثيرة لإظهار أنه قد حدث تغيير في تفكيره لصالح التعددية ولصالح مصر ومستقبلها، ولكن كليهما يفكر في حدود ضيقة تري مصالحه وأفكاره دون مراعاة للشعب والأفكار المختلفة، وكلاهما لا يعي ولا يشعر بأن العالم قد تغير وهما لا يزالان يفكران بطريقة القرون الوسطي.

أنا حزين ومستاء لأنه لأول مرة في تاريخ جامعتنا يصبح الصوت الوحيد المؤثر الفعال وصاحب القرار الأول والأخير في الجامعة هو ضابط أمن الدولة فله أن يزهو بنفسه ويمشي مختالاً لأن الأساتذة الكبار والقيادات الجامعية والعمداء والجميع تحت أمره.

مبروك عليك يا سيادة المقدم وحتي يعرف الجميع أهمية استقلال الجامعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر