أسرار الحرب الباردة في تصفية البكوش .. بين المخابرات المصرية والليبية .. الحلقة الأولى
أسرار الحرب الباردة في تصفية البكوش بين المخابرات المصرية والليبية ..
دراسة وتحليل / بقلم الكاتب والمحلل السياسي بسام أبو علي شريف
( الحلقة الأولى )
إنها قصة أغرب من الخيال ... صراع أدمغة وفكر ... ورجال ... تفكير ... وتخطيط وبحث ... ودراسة ... مراقبة ومتابعة وتحليل ... إنه القرار – قرار ميداني ... أم بيروقراطي من خلف المكاتب ... مع صورة لمحارب يحمل البندقية ... أو كهل عجوز يحمل قدس العروبة ...
... كنت قد تركت شقتي في مصر الجديدة في حي ترينف خط مترو النزهة وقلت فلنأخذ فترة رست بعد يوم شاق من الدراسة في الجامعة والمنزل ونزلت أتمشى بين شوارع مصر الجديدة .. مصر حبيبتي .. إلى أن وصلت إلى سوق روكس حيث شربت كعادتي كوب من عصير الموز باللبن من محلات قويدر الشهيرة للمرطبات .. كانت هذه المنطقة محسوبة على وزير الداخلية السابق أحمد رشدي ... لقد أطلق عليه شباب مصر الجديدة .. والمطرية والحلمية والزاوية الحمراء .. رامبو مصر الجديدة .. وفي بعض الأحيان يسمونه رامبو وكلبه البوليسي ... لقد كان له شأن عظيم .. ويشار إليه بالبنان ..
... وأنا أرتشف في كوب عصير الموز باللبن وجدت الجميع يهرعون إلى شاشة التلفزيون .. المحطة المحلية .. وشاهدت معهم .. صورة المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية أحمد رشدي ومجموعة من مساعديه من أمن الرئاسة وأمن الدولة والداخلية .. ليعلن علينا .. وعلى الملأ .. نبأ فشل محاولة اغتيال وزير الداخلية الليبي السابق عبد الحميد البكوش .. الذي لم يبقى في الحكم سوى عشرة أشهر ثم غادر ليبيا متجها إلى مصر ومنها إلى الإمارات حتى توفاه الله في 2/مايو الحالي .. وإليكم قصة صراع الأدمغة بين المخابرات المصرية من ناحية والمخابرات الليبية من ناحية أخرى وكيف استطاعت المخابرات المصرية أن تخترق المخابرات الليبية وتضحك عليها ... لكن يا ترى من كان الضحية وحقل التجارب ... الضحية .. عبد الحميد البكوش .. والمطلوب تنفيذ الأوامر من قائد الثورة الليبية بتصفيته جسديا حتى الموت في مقابل خمسة مليون دولار أمريكي ..
.. حياة الضحية : إنه رئيس وزراء ليبيا الأسبق في العهد الملكي والتي لم تدم وزارته سوى ( عشرة أشهر ) .. والحاصل على ليسانس القانون والدبلوم في القانون الدولي 1959 م والمحامي والقاضي والعضو في مجلس النواب ..
في سبتمبر 1968 م قدم البكوش استقالته نتيجة لرفض الملك عددا من المقترحات المتعلقة بالإصلاح من أجل نهضة السياسة الليبية .. وما لبث إن أصبح سفيرا في فرنسا .. وعندما وقع الانقلاب العسكري في الأول من سبتمبر 1969 م كان السفير عبد الحميد البكوش موجودا في طرابلس حيث اعتقل وحوكم أمام محكمة الشعب الإستثنائية حيث قضى عدة سنوات ما بين السجن والإقامة الجبرية في منزله .. حتى مغادرة ليبيا عام 1977 م واللجوء إلى مصر التي أقام بها حتى 2001 م كتب خلالها سلسلة من المقالات المتواترة في صحيفة الحياة اللندنية وله أربعة دواوين شعرية ..
... لماذا طالب العقيد القذافي بتصفيته ..!؟
.. لقد قام البكوش .. وتعني في اللهجة الليبية ( الأخرس ) بتأسيس منظمة تحرير ليبيا عام 1982 م بهدف تغيير نظام الحكم وإقامة نظام ديمقراطي تعددي .. وقد حاول النظام الليبي اغتياله عدة مرات لكنه فشل وآخر مرة .. هي قصة حديثنا هذا ...
... يوم تنفيذ الجريمة 16/نوفمبر 1984 م ..
كانت المخابرات الليبية قد تعاقدت على تصفية البكوش في مقابل خمسة ملايين دولار أمريكي مع رجال المافيا المأجورين في مالطا .. وهما بريطانيان ومالطيان .. على أن يدفع نصف مليون دولار مقدما كنفقات لتنفيذ الجريمة والباقي عند تنفيذ العملية .. وعلى هذا الأساس وافق العقيد القذافي والمخابرات الليبية ..
.. يوم تنفيذ الجريمة .. كان العقيد القذافي يستعد للقاء ثلاثي يضمه ورئيس الوزراء اليوناني بابا أندريو والرئيس الفرنسي فرانسو ميتران على مأدبة عشاء ....
... وبدأ تنفيذ الخطة ...
لقد كانت أشهر محاولة لاغتيال البكوش حيث أحبطتها المخابرات المصرية .. لقد كان مخططا ليبيا لاغتيال البكوش ولكن التنفيذ كان بطريقة سينمائية مثيرة حقا .. تناقلتها وسائل الإعلام العربية والعالمية والمحلية على نطاق واسع ويرجع ذلك إلى وصول معلومات من عملاء للمخابرات المصرية داخل ليبيا تقول بأن هناك مخطط ليبي لاغتيال عبد الحميد البكوش قد أعدته المخابرات الليبية بواسطة أربعة قتلة مأجورين وموجودين حاليا في مالطا وينتظرون أعطاء الضوء الأخضر .. ودفع مبلغ تحت الحساب .. وهما مالطيان وبريطانيان والمبلغ الإجمالي لعملية التصفية هو خمسة مليون دولار يقبض منهم المأجورين مقدم نفقات لتغطية مصاريف تنفيذ الجريمة والباقي بعد التنفيذ .. تم الاتفاق ..
... وصول طائرة القتلة الأربعة المأجورين إلى القاهرة ..
على الفور وبعد الانتهاء من الأعمال الفنية والتقنية والإدارية .. سارعوا إلى تجنيد بعض المصريين للمساعدة في جمع المعلومات عن البكوش من أجل تنفيذ العملية .. وفي حقيقة الأمر .. لقد كانت فرقة القتل مخترقة أمنيا من مالطا وقبل وصولها إلى مصر .. من قبل المخابرات المصرية .. لذلك لم يكونوا المصريين الذين جندتهم فرقة القتل سوى عناصر من المخابرات المصرية دستهم داخل فريق الاغتيال .. كانت المخابرات المصرية استنادا إلى ما تحصلت عليه من معلومات من داخل ليبيا .. تراقب القتلة بدقة متناهية .. لدرجة أنني وأنا ألاحظ بعض التقارير والأفلام المصورة عنهم وهم بالجلاليب الصعيدي على شاشات التلفزيون المصري ظننت بأن المخابرات المصرية كانت تعد عليهم انفاسهم .. حتى مكالمات كشك التليفون الخارجي .. كانت مسجلة .. لا مجال للإنكار .. بالتهمة ...
حتى اتصالاتهم الهاتفية من داخل مصر عبر البدالة الدولية بليبيا كانت مسجلة بالصوت والصورة .. علاوة على رصد تحركاتهم من قبل عناصر أمن الدولة المصرية المندسين بينهم والذين استطاعوا أن يقنعوا القتلة بقدرتهم على تنفيذ عملية القتل بأنفسهم مقابل ثلاثون ألف دولار لكل واحد منهم .. لكن السؤال الذي يطرح نفسه .. هل القتلة المأجورين وافقوا على العرض المغري والمربح !!
هل مطلوب منهم الاتصال بالمخابرات الليبية لأخذ الموافقة ...
أم هذا يخص صفقتهم لوحدهم .. ولا شأن للمخابرات الليبية في ذلك ...
هذا ما سنقرأه في الجزء الثاني من قصة اغتيال عبد الحميد البكوش .. رئيس الوزراء الليبي السابق
فانتظرونا..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .