أساسيات الجيولوجيا الفيزيائية
أساسيات الجيولوجيا الفيزيائية، هو كتاب علمي من تأليف أ.د.محمد أحمد حسن هيكل - د. عبد الجليل عبد الحميد هويدي، مكتبة الدار العربية للكتاب، 2008. يتناول الموضوعات الأساسية في علم الجيولوجيا الفيزيائية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الأول: مقدمة
الأرض هى المكان الوحيد في الكون المعروف –حتى الآن – الذي يضم أكثر من مليون صورة من صور الحياة بما فيها الإنسان، كما أنه لم يكتشف حتى الآن كوكب آخر له الاتزان الدقيق نفسه بين الظروف الضرورية للمحافظة على الحياة. والجيولوجيا (علم الأرض) هو العلم الذي يدرس نشأة كوكب الأرض وطريقة تطوره وميكانيكية عمله وطرق المحافظة عليه. وقد اشتق مصطلح الجيولوجيا من اللفظاليوناني geo بمعني أرض، وlogia بمعني دراسة أو علم. ويعرف العلماء المختصون بدراسة الأرض باسم (الجيولوجيون). ويعمل الجيولوجيون بكل جد لمحاولة فهم العمليات التي تدور على الأرض وأيضا فهم تاريخها الطويل المعقد، بالبحث في مختلف المواقع من القمم المغطاة بالثلوج حتى أعماق المحيطات مرورا بالبراكين النشطة. ويولي الجيولوجين اهتماما خاصا لمكونات الأرض التي تتأثر بنشاط الإنسان كالأنهار، وكذلك العمليات التي تسبب الكوارث الطبيعية مثل الثورات البركانية والزلازل. ويقوم الجيولوجيون بدراسة المعالم الجيولوجية الظاهرة مباشرة، كما يعتمدون على الملاحظات غير المباشرة في فحص الأماكن التي لايستطيعون الوصول إليها من خلال حفر الآبار العميقة أو تسجيل الموجات الصادرة عن اهتزازات الزلازل والبراكين، مثل الطبيب الذي يعتمد على الأصوات التي تصل إليه عبر سماعة الكشف لتعرف ما يدور داخل أجسامنا. ويعمل الجيولوجيون أيضا على التنبؤ بمواقع حقول البترول الجديدة وتواجدات الرواسب المعدنية والخامات وكذلك المياه الجوفية في باطن الأرض. كما يقوم الجيولوجيون باستخدام الطرق العملية الحديثة في دراسة البيئة التي نعيش فيها، والعوامل المختلفة التي تؤثر فيها. وتنقسم الجيولوجيا إلي قسمين رئيسيين لكل منهما أهدافه، مع ارتباط هذه الأهداف ببعضها البعض، وهما الجيولوجيا الفيزيائية والجيولوجيا التاريخية. أما الجيولوجيا الفيزيائية فتهتم بدراسة(1) العمليات التي تعمل على سطح الأرض أو تحته. (2) المواد التي تشملها وتؤثر فيها تلك العمليات . ومن العمليات الجيولوجية النشاط البركاني وأسبابه والزلازل والانهيارات الأرضية والفيضانات. ومن المواد المهمة التي يدرسها هذا العلم التربة والرمال والصخور والهواء وماء البحار.
أما الجيولوجيا التاريخية فتهدف إلي تاريخ وترتيب الأحداث الجيولوجية سواء المتصلة بفيزياء الأرض أو الحياة، والتي حدثت في الماضي. وتبحث الجيولوجيا التاريخية في الإجابة عن أسئلة تتعلق بتاريخ الأرض مثل: متى تكون كوكب الأرض عموما، ومتى تكونت المحيطات، ومتى نشأت الحياة، ومتى ظهرت الديناصورات لأول مرة، ومتى تكونت جبال البحر الأحمر في الصحراء الشرقية بمصر، ومتى وأين ظهرت الأشجار لأول مرة؟. ومن أهم الإسهامات التي قدمها علم الجيولوجيا التاريخية للمعرفة الإنسانية مقياس الزمن الجيولوجي، حيث تم وضع تقويم زمني لعمر الأرض الذي يبلغ 4600 مليون سنة، كما وضع على هذا التقويم الأحداث الجيولوجية حسب توتيبها الزمني الصحيح (شكل 1- 1).
وتعتبر الجيولوجيا الفيزيائية – وهى موضوع هذا الكتاب – نقطة البداية في دراسة الأرض وهى البيئة التي تحيط بنا، لنكون قادرين على التنبؤ بالتغيرات التي يمكن أن يحدث فيها مستقبلا، مما يحتم ضرورة فهم ميكانيكية عمل الأرض ودراسة المواد التي تكونها خاصة المعادن والصخور والعمليات التي تؤثر فيها.
ولفظ صخر مصطلح مهم، سيستخدم كثيرا في هذا الكتاب، ولذلك تعين تعريفه بدقة وتفصيل. فالصخر كل مادة صلبة متماسكة غير حية تكونت طبيعيا من معدن واحد أو من خليط من عدة معادن، وتكون جزءا من كوكب. ويجب ملاحظة أن التعريف يشير إلي تجمع متماسك بمعنى أن كل حبيبات الصخر يجب أن تكون متلاحمة ومتداخلة مع بعضها بعضا لتكون كتلة صلبة. فحبيبات الرمل غير المتماسكة الموجودة على شواطيء مدينة الاسكندرية بمصر مثلا ليست صخرا، حيث أن حبيباتها غير متماسكة وغير متاخلة مع بعضها بعضا. كما إن أي مادة غير حية كالأشجار مثلا لاتعتبر صخورا أيضا، على الرغم من كونها مادة صلبة، بينما يعتبر الفحم من الصخور، نظرا لأنه يتكون من مكونات نباتية كالأوراق والسيقان وغيرها، ميتة ومنضغطة ومتماسكة.
1 – أصل النظام الكوكبي يعود البحث في أصل الكون عموما وكوكب الأرض خصوصا إلي الأساطير القديمة المدونة. ويعتمد التفسير العلمي المقبول اليوم لأصل الكون على نظرية الداوية الكبري (الانفجار العظيم)، والتي تنص على أن الكون بدأ منذ حوالي 10 إلي 15 بليون سنة من انفجار كوني هائل، حيث كانت كل المادة والطاقة منضغطة في نقطة واحدة كثيفة قبل لحظة الانفجار. وبالرغم من أننا نعرف القليل عما حدث في جزء من الثانية التي بدأ فيها الانفجار، فقد حاول الفلكيون فهم ما حدث للكون خلال بلايين السنين التالية. ولكن بصورة عامة، فقد بدأ الكون ومازال يتمدد بصفة مستمرة ليكون المجرات والنجوم. ويركز الجيولوجيون دراساتهم على الأربعة ونصف بليون سنة الأخيرة من هذا المدى الزمني الواسع، حيث تكون نظامنا الشمسي من نجم الشمس والكواكب الثمانية التي تدور حوله. ويؤدي فهمنا لكيفية تكون النظام الشمسي بالتالي إلي فهم أصل الأرض وطريقة تكونها.
أ – الفرضية السديمية إن الهدف الأساسي لكل العلوم هو التوصل إلي كيفية تكون الكون بدقة. ولتفسير الظواهر المختلفة يقترح العلماء فرضيات يعتمدون فيها على التجارب والمشاهدات، ثم يقدمونها إلي المجتمع العلمي لتخضع لمزيد من الدراسات والاختبارات. وإذا صمدت الفرضية أمام الاختبارات العلمية فإنها ترقى إلي مستوى النظرية. ولا تصبح النظرية مسلما بها إلي الأبد، على الرغم من أنها قد تكون اكتسبت بعض القوة بمرور الوقت، حيث إن جوهر العلم يقوم على عدم استثناء أي نظرية من المراجعة المستمرة. وإذا ظهر دليل أو برهان جديد يوضح خطأ النظرية، قام العلماء بتعديلها أو حتى إلغائها من الأساس. وكلما صمدت النظرية أمام التحديات العلمية زادت مصداقيتها. وبالتالي فإن الفرضية هى خطوة بدائية تسبق النظرية التي تخضع لكثير من النقد والتمحيص.
وسسنناقش أصل كوكب الأرض في ضوء الفرضية السديمية. حيث اقترح الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت في عام 1755م أن أصل المجموعة الشمسية يرجع إلي التصادم الحادث بين مكونات مادة سحابة دوارة من الغازات والرماد الدقيق. وقد أدت الاكتشافات التي توصل إليها العلماء في العقود الأخيرة من القرن العشرين إلي عودة الفلكيين إلي الفكرة القديمة والمسماة بالفرضية السديمية، حيث أظهرت التليسكوبات الحديثة أن الفضاء خارج المجموعة الشمسية ليس فراغا كما كان يظن سابقا. ولقد سجل الفلكيون عديداً من السحب المماثلة لتلك التي اقترحها الفيلسوف كانت، وسميت تلك السحب بالسدم (جمع سديم). كما اكتشف الفلكيون أن هذه السحب تتكون من غازات معظمها هيدروجين وهيليوم، بالإضافة لرماد دقيق الحجم يشبه كيميائيا المواد التي نجدها على الأرض.
ثم بدأت المرحلة الأولي في نمو هذا الكوكب منذ حوالي 4.6 بليون سنة مضت حين تكونت سحابة كروية دوارة من الغازات والثلج والرماد (شكل 1 -2 أ). وقد أدت الجاذبية التي أثرت على المواد الموجودة داخل هذه السحابة إلي تقارب الحبيبات من بعضها البعض، مما أدي إلي انكماش المادة إلي الداخل وقلة حجم السحابة، وبالتالي زيادة سرعة دورانها (كما يحدث للمتزلج على الجليد حيث تزداد سرعة دورانه حول نفسه عندما يضم ذراعيه للداخل)، ثم أخذت السحابة شكلا مسطحا كالقرص (شكل 1 – 2ب). وقد أدى تحرك المادة نحو المركز وزيادة كثافتها إلي تكون منها الشمس الحالية (شكل 1- 2ج)، كما أدى زيادة حجم الكتلة المركزية للشمس الابتدائية التي أصبحت كثيفة إلي ارتفاع حرارتها الداخلية إلي ملايين الدرجات المئوية، ثم بدأت عملية الاندماج النووي. وفي عملية الاندماج النووي تتحد (تندمج) ذرات الهيدروجين تحت الضغط الشديد والحرارة المرتفعة لتكون غاز الهيليوم مع تحول قدر ضئيل من الكتلة إلي طاقة أثناء العملية. ونحن نشعر فوق سطح الأرض بذلك التحول على هيئة إشعاع شمسي.
ب – نشأة الكواكب على الرغم من تركز معظم مادة السديم الأصلي في الشمس الابتدائية، فإن هناك قرصا من الغاز والغبار يسمي بالسديم الشمسي بقى مغلفا لها. وقد أصبح السديم الشمسي ساخنا نتيجة تحوله إلي قرص أجزائه الداخلية أكثر سخونة وكثافة عن الأجزاء الخارجية الأقل كثافة وحرارة نتيجة تجمع معظم المادة فيه. وعندما يبدأ هذا القرص في التبرد يتكثف عديد من الغازات، أي تتحول إلي الحالة السائلة أو الصلبة، ويتصلب الماء ويتحول إلي جليد عند التبريد إلي درجة أقل من درجة التجمد. وقد أدت الجاذبية التثاقلية إلي تصادم مكونات الغبار والمواد المتكثفة ببعضها بعضا، ثم تجمعت وتلاحمت على هيئة جسيمات صغيرة مكتنزة تعرف بالجسيمات الكوكبية. وحين تتصادم هذه الجسيمات الكوكبية وتلتحم بعضها ببعض، فقد تتكون أجسام أكبر حجما تقرب من حجم القمر (شكل 1 -2 ج). وفي المرحلة النهائية من هذا التصادم والاندماج المفاجيء العنيف، تجرف الأجسام الكبيرة الأجسام الأخرى نتيجة للجاذبية التثاقلية الكبيرة لها، لتتكون الكواكب الثمانية التي تسير في مداراتها الحالية، وهى الكواكب المكونة لمجموعتنا الشمسية (شكل 1-.2د) . وتدل الحسابات النظرية أن معظم هذا النشاط قد حدث في وقت قصير يقدر بأقل من مائة مليون سنة بدأت قبل نحو 4.5بليون سنة. ويعتمد حساب ذلك التاريخ على عمر النيازك التي تصطدم أحيانا بالأرض، والتي يعتقد أنها جزء من بقايا المكونات التي تكونت في ذلك الزمن البعيد.
وتدور بعض الكواكب بعد تكونها في مدارات قريبة من الشمس، بينما يدور البعض الآخر في مدارات بعيدة عن الشمس. ولذلك تختلف طريقة تطور الكواكب الأقرب من الشمس عن تلك الموجودة في مدارات أبعد عنها. وعلى عكس الكواكب الخارجية، فإن الكواكب الداخلية الأربعة الأقرب إلي الشمس وهى عطارد والزهرة والأرض والمريخ تكون شبيهة بكوكب الأرض، ولذلك تعرف أيضا بالكواكب الأرضية . وتكون هذه الكواكب صغيرة وصخرية لأنها تكونت تحت درجة حرارة عالية، إلي الحد الذي لا يمكنها أن تحتفظ بكميات كبيرة من المواد المتطايرة (وهى المواد التي تتحول إلي غازات وتهرب عند درجات حرارة منخفضة نسبيا). وقد تسبب الإشعاع والمواد المتدفقة من الشمس في هروب معظم الهيدروجين والهيليوم والماء والغازات الخفيفة الأخرى والسوائل تاركة الفلزات الثقيلة المكونة للصخور حول الكواكب الداخلية. وقد نشأت هذه الكواكب الداخلية منذ نحو 4.5بليون سنة ككتل صخرية كثيفة.
وحسب التسلسل السابق، فإن معظم المواد الطيارة قد اندفعت من منطقة الكواكب الأرضية إلي الأجزاء الخارجية الباردة من المجموعة الشمسية، حيث تكونت الكواكب الخارجية العملاقة وهى: المشترى وزحل وأورانوس ونبتون والأقمار المصاحبة لها. وقد كانت هذه الكواكب كبيرة الحجم، كما كانت جاذبيتها قوية بحيث استطاعت الاحتفاظ بالمكونات السديمية الأخف. لذلك، وعلى الرغم من أن الكواكب الخارجية لها لب صخري مثل الشمس، إلا أنها تتكون في معظمها من الهيدروجين والهيليوم وغيرها من المكونات الخفيفة التي ورثتها من السديم الأصلي. هذا، وقد ناقش الاتحاد الدولي للفلك في اجتماعه في 24 أغسطس 2006م إخراج بلوتو من زمرة كواكب المجموعة الشمسية، وذلك لصغر حجمه الذي يخرجه عن التعريف الجديد للكوكب، وهو أنه (أي جرم سماوي يدور حول الشمس وله كتلة تكفي لأن يصبح دائري الشكل، وأفرغ المنطقة حول مساره). وبسبب القوة المحدودة لبوتو فلا يستطيع التغلب على نبتون القريب منه والذي يقطع مداره، ويفرغه من أجرام عديدة في حجم بلوتو، إلا أن هذا الأمر لم يتقرر بشكل نهائي حتى الآن. وتعرف هذه الكواكب الخارجية بالكواكب الجوبيترية وهواسم مستمد من Jove وهو اسم آخر لجوبيتر كبير آلهة الرومان.
11 – تطور كوكب الأرض كيف تطورت الأرض من كتلة صخرية إلي كوكب حي به قارات ومحيطات وغلاف جوي؟؟. وتمكن الإجابة على هذا السؤال في عملية التمايز وهى تحول الأرض من كتلة تتكون من مواد مختلطة بعضها ببعض بطريقة عشوائية إلي جسم مقسم من الداخل إلي أغلفة متحدة المركز تختلف عن بعضها فيزيائيا وكيميائيا. وقد حدث التمايز مبكرا في تاريخ الأرض، حيث كان كوكبا ساخنا إلي الحد الذي أدى إلي صهر مكوناته. وقد اصطدمت الأرض عند بداية تكونها بجسيمات كوكبية وأجسام أخرى أكبر. ومن المعروف أن الجسم المتحرك يحمل كمية كبيرة من طاقة الحركة (علينا أن نتذكر كيف تؤدي طاقة الحركة إلي تحطم سيارة عند وقوع حادثة ما). وقد أدت الاصطدامات إلي تحول معظم طاقة الحركة إلي حرارة، وهى صورة أخرى من صور الطاقة. ويعتقد أن اصطدام جسم في حجم كوكب المريخ مع الأرض بسرعة كبيرة من الحطام في الفضاء، كما انطلقت كمية من الحرارة تكفي لأن ينصهر معظم ما تبقى من مادة ليكون كوكب الأرض الابتدائي. ويعتقد العلماء الآن أن هذا التغير العنيف قد حدث فعلا ولم يؤد إلي الانصهار التام فقط، بل تسبب في تكون القمر، حيث أدى الاصطدام الهائل إلي تكون وابل من الحطام أتى من الأرض ومن الجسم المرتطم في الفضاء ليتكون القمر من هذا الحطام بعد إعادة تشكيله كجسم منصهر كبير. كما أدى هذا الارتطام الكبير إلي انحراف محور دوران الأرض بحوالي 23 عن الوضع الرأسي بالنسبة لمستوى المدار إلي المحور المائل الحالي، بالإضافة إلي زيادة سرعة دوران الأرض. وقد ثبت من دراسة الصخور التي جمعتها مركبة الفضاء أبوللو من القمر أن عمر صخور القمر يقدر بحوالي 4.44 بليون سنة، وهو مايقرب من زمن الارتطام العنيف. وإذا كانت الفرضية صحيحة، فإن عمر الأرض يتراوح بين العمر المقدر للنيازك وهو 4.56 بليون سنة وعمر صخور القمر.
وبالإضافة إلي ذلك، فلابد من وجود مصدر يضيف للأرض حرارة باستمرار، حيث يوجد ضمن العناصر الكيميائية الكثيرة في الأرض عدد من العناصر التي تتميز بالقدرة على الإشعاع الطبيعي، بمعني أنها تتحول تلقائياً إلي عناصر أخرى وتطلق كميات من الجسيمات والطاقة الحرارية. ومن أمثلة ذلك عناصر اليورانيوم والثوريوم اللذان يتحولان إلي رصاص، وتنطلق كميات ضئيلة من الحرارة في كل مرة يحدث فيها هذا التحول الإشعاعي. ولذلك، فقد استمر النشاط الإشعاعي في رفع درجة حرارة الأرض حتى في الوقات التي قلت فيها تصادم النيازك.
أ – تمايز الأرض بدأت الأرض في الانصهار نتيجة للعوامل السابقة، كما بدأت عملية التمايز أيضا (شكل 1 – 3)، بأن صعدت المواد المنصهرة الأخف وزنا ناحية السطح، وهى مواد غنية بالسيليكون والألومنيوم والصوديوم والبوتاسيوم. ولا تزال الصخور الموجودة عند سطح الأرض غنية في تلك العناصر، بينما غاصت المواد المنصهرة ذات الكثافة الأعلى، مثل الحديد المنصهر إلي مركز الأرض، وهربت المواد الطيارة على هيئة غازات عبر البراكين. وكونت تلك الغازات الهاربة الغلاف الجوي لكوكب الأرض، والتي تشمل أساسا على بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وربما الأمونيا. كما نشأ ماء المحيطات من المواد الطيارة أيضا. وأدت عملية التمايز إلي تغير الأرض من كوكب متجانس أصلاً إلي كوكب مكون من أغلقة مختلفة في التركيب والخواص الفيزيائية.
ب – أغلقة الأرض مختلفة التركيب الكيميائي تنقسم الأرض إلي ثلاثة أغلفة مختلفة في التركيب الكيميائي (شكل 1 – 3). ويسمى الغلاف الداخلي جهة المركز باللب وهو أكثر الأغلفة الثلاثة كثافة. واللب عبارة عن كتلة تتكون أساسا من فلز الحديد، بالإضافة إلي كميات قليلة من النيكل وعناصر أخرى.
ويطلق على الغلاف السميك المحيط باللب والمكون من مواد صخرية كثيفة الوشاح، وهوأقل كثافة من اللب، ولكن أكبر كثافة من الغلاف الذي يليه للخارج. ويوجد فوق الوشاح الغلاف الأقل سمكا وهو القشرة، والتي تتكون من مادة صخرية أقل كثافة من صخور الوشاح الموجود أسفلها.
ويوضح شكل (1-3) أن اللب والوشاح سمكهما ثابت تقريبا. أما القشرة فتكون غير منتظمة السمك، حيث يبلغ متوسط سمك القشرة المحيطة حوالي 8 كم بينما يبلغ متوسط سمك القشرة القارية نحو 45 كم، ويتراوح بين 30 و 70كم. وعلى الرغم من أننا لانستطيع رؤية أو أخذ عينات من اللب أو الوشاح، إلا انه يمكننا عن طريق قياس السرعات التي تسير بها الموجات الزلزالية عبر الأرض أن نعرف أن كوكب الأرض الصلب ليس له تركيب متجانس، وأن الرض تتكون من عدة أغلفة ذات كثافات مختلفة. ويمكن تحديد تركيب الأغلفة المختلفة للأرض من معرفة كثافتها. وتوضح العينات التي أخذت من القشرة أنها مختلفة في التركيب عن الوشاح. أي أن التركيب الكلي للقشرة، وكذلك الكثافة تختلف عن تلك التي قدرت للوشاح.
كما لوحظ أن تحديد تركيب لب الأرض أكثر صعوبة، وذلك يرجع إلي أن درجات الحرارة تكون عالية، كما يكون الضغط مرتفعا إلي حد أنها تغير من الخصائص التي نعرفها للمواد. وتأتي بعض الأدلة المهمة المتعلقة بتركيب لب الأرض من النيازك الحديدية، حيث يعتقد أن تلك النيازك وهى فتات من لب كوكب أرضي صغير تفتت بسبب تصادم ضخم حدث مبكرا في تاريخ النظام الشمسي، وأن هذا الكوكب المفتت كان مقسما إلي أغلفة ذات تركيب مشابه لتلك الموجودة في الأرض وباقي الكواكب الأرضية. ج – أغلفة الأرض المختلفة الخصائص الفيزيائية لايتمايز كوكب الأرض إلي لب ووشاح وقشرة بناءً على الخواص الفيزيائية لمكونات أغلفته، مثل شدة الصخر (أقصى إجهاد يتحمله جسم صلب دون أن يتمزق أو يتشوه تشوها لدنا)، والحالة الصلبة مقابل الحالة السائلة. وتتحكم درجات الحرارة والضغط بدرجة كبيرة في تغير الخواص الفيزيائية أكثر من تحكمها في التركيب الصخري. ومن الجدير بالذكر أن الحدود التي تتغير عندها الخواص الفيزيائية للأرض لاتتطابق بالضبط مع الحدود، التي يتغير عندها التركيب عند الحدود الفاصلة بين القشرة والوشاح واللب.
- اللب الداخلي والخارجي: ينقسم لب الأرض إلي قسمين أحدهما داخلي والآخر خارجي (شكل 1- 3). أما اللب الداخلي فتكون الضغوط فيه كبيرة لدرجة أن معدن الحديد المكون له يكون في حالة صلبة، على الرغم من درجة حرارته المرتفعة. ولذا فإن مركز الأرض يكون صلبا، ويرجع السبب في ذلك إلي أن الحرارة التي تبدأ عندها المادة في الانصهار تزداد مع زيادة الضغط. أما اللب الخارجي فيحيط باللب الداخلي، وفيه يتوازن الضغط مع درجة الحرارة مما يؤدي إلي أن يكون الحديد المكون له في الحالة السائلة. ويتضح مما سبق أن اللبين الداخلي والخارجي يكونان متفقين في التركيب ومختلفين في الحالة الفيزيائية، حيث يكون اللب الداخلي في الحالة الصلبة بينما يكون اللب الخارجي في الحالة السائلة. - الغلاف الأوسط (الميزوسفير): تتحكم درجة الحرارة والضغط في شدة الجسم الصلب. فعند تسخين جسم صلب فإنه يفقد شدته، بينما تؤدي زيادة الضغط لزيادة الشدة (الصلابة). ويقسم الوشاح والقشرة بناءً على درجة الحرارة والضغط إلي ثلاث مناطق مختلفة الشدة، هى من الداخل إلي الخارج: الغلاف الأوسط (الميزوسفير) والغلاف اللدن (الأسثينوسفير) والغلاف الصخري (الليثوسفير).
ويقع الغلاف الأوسط (الميزوسفير) في الجزء الداخلي من الوشاح المجاور للب الأرض بين عمق 2891كم ونحو 350كم، ويشتق اسمه من الكلمة اليونانية meso بمعني أوسط وsphere بمعني غلاف. والغلاف الأوسط هو منطقة صلبة، حيث تكون الصخور فيه معرضة لضغوط عاليةن وتتميز بشدة أي بصلابة عالية على الرغم من درجة حرارتها العالية جداً.
الغلاف اللدن (الأسثينوسفير): ويوجد في الجزء العلوي من الوشاح (شكل 1- 4)، ويمتد من عمق 350كم إلي مابين 100 أو 200كم أسفل سطح الأرض، ويشتق اسم الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)من الكلمة اليونانية asthenosبمعني ضعيف وsphere بمعني غلاف. ويتميز بأن شدة الصخور تكون فيه قليلة نتيجة التوازن بين درجة الحرارة والضغط، كما تكون الصخور ضعيفة وسهلة التشوه، مثل الزبد أو القطران الدافيء بدل أن تكون قوية مثل تلك الموجودة في الغلاف الأوسط. ويلاحظ أن تركيب الغلافين الأوسط واللدن واحد، حيث يتكونان من المواد نفسها، بينما يختلفان في الشدة. فتكون الصخور في الغلاف اللدن لدنة، بينما تكون في الغلاف الأوسط صلبة.
الغلاف الصخري (الليثوسفير): ويوجد فوق الغلاف اللدن، ويشمل كل المنطقة الخارجية الصلبة للأرض والتي تتكون من الجزء العلوي للوشاح وكل القشرة الأرضية (شكل 1- 4). ويشتق اسم الغلاف الصخري (الليثوسفير) من الكلمة اليونانية lithos بمعنى حجر أو صخر sphere بمعنى غلاف. وتكون الصخور فيه صلبة، كما تكون أكثر برودة وقوة وصلابة من تلك الموجودة في الغلاف اللدن. وعلى الرغم من الاختلاف في التركيب بين كل من القشرة والوشاح، إلا أن شدة الصخر وليس تركيبه هى التي تميز الغلاف الصخري عن الغلاف اللدن.
ويوضح هذا الاختلاف في طبيعة أغلفة الأرض، أن الغلاف الصخري يعمل كغلاف صلب قابل للكسر بينما ينساب الغلاف اللدن الموجود أسفله كمادة لدنة. فالاختلاف في الشدة بين صخر في الغلاف الصخري وصخر آخر في الغلاف اللدن هو عاملا الضغط ودرجة الحرارة المؤثران على كل منهما. وتفقد كل أنواع الصخور شدتها وتصبح قابلة للتشوه عند عمق 100كم عند قاعدة الغلاف الصخري تحت المحيطات، أو عند عمق نحو 200كم عند قاعدة الغلاف الصخري تحت القارات.
د – نشأة القارات والمحيطات والغلاف الجوي بصرف النظر عن الحرارة التي نشأت عن الاصطدامات التي حدثت أثناء المرحلة الأولى لتكون الأرض، فقد كان هناك مصدران دائمان للحرارة عبر تاريخ الأرض، أحدهما داخلي نتج معظمه من النشاط الإشعاعي والآخر خارجي نتج عن الطاقة الشمسية. وكما أن آلة الاحتراق الموجودة في السيارات مثلا تحول الطاقة الحرارية الناتجة عن احتراق الوقود إلي حركة ميكانيكية، فإن الحرارة الداخلية تسبب انصهار الصخور والنشاط البركاني، كما تعطي الطاقة اللازمة لبناء وحركة الجبال على امتداد صدوع الدسر لأعلى. أما الحرارة الخارجية فإنها تكون مسئولة عن المناخ وحالة الطقس، والتجوية وسقوط الأمطار وحركة الرياح التي تعمل على تعرية الجبال وتشكيل صفحة الأرض.
القارات: بدأ نمو القارات بعد مرحلة تمايز أغلفة الأرض مباشرة، واستمر ذلك النمو خلال الزمن الجيولوجي. وعموما، فإن معلوماتنا عن السبب في تكون القارات مازالت في بدايتها. ويعتقد كثير من العلماء أن الصهارة تصاعدت من باطن الأرض المنصهر إلي السطح لتبرد وتتصلب وتكون قشرة من الصخورز وقد انصهرت تلك القشرة الابتدائية وتصلبت مرارا وتكرارا لتسمح للمواد الخفيفة الأقل كثافة لتنفصل تدريجيا عن المواد الثقيلة وتطفو نحو السطح لتكون النواة الأولى للقارات. وقد تسببت مياه الأمطار وبقية مكونات الغلاف الجوي في تحلل وتفكك الصخور، حيث عملت المياه والرياح والجليد على تفكك الصخور ونقل الحطام الصخري إلي الأماكن المنخفضة ليجتمع في هيئة طبقات سميكة تكون الشواطيء والدلتات وقيعان البحار المجاورة. وقد أدى تكرار هذه العملية في عدد غير محدود من الدورات إلي تكون القارات.
المحيطات والغلاف الجوي: يعتقد معظم الجيولوجين أن أصل مياه المحيطات والغلاف الجوي يرجع إلي الأرض نفسها، حيث تكونت المياه والغازات أثناء عمليات التسخين والتمايز، بينما يعتقد قلة أخرى من الجيولوجين أن أصل مياه المحيطات والغلاف الجوي يرجع لسبب خارجي، أي إلي المذنبات. فعندما قذفت الأرض في المرحلة المبكرة لتكونها بعدد لايحصى من المذنبات المحملة بالمياه والغازات، تكونت المحيطات الأولية والغلاف الجوي.
ويعتقد الجولوجيون الذين يرجعون أصل المحيطات والغلاف الجوي إلي الأرض نفسها أن الماء موجود أصلاً في بعض المعادن كأكسجين وهيدروجين مرتبطان كيميائيا في تلك المعادن، كما يوجد النيتروجين أيضا مرتبطا كيميائيا في معادن أخرى. وأثناء تسخين الأرض وانصهار مكوناتها جزئيا انطلق بخار الماء والغازات الأخرى لتحملها الصهارات إلي السطح وتنطلق أثناء النشاط البركاني. فربما كانت الغازات المنبعثة من البراكين منذ نحو 4 بليون سنة مكونة من المواد نفسها التي تقذفها البراكين اليوم مثل بخار الماء والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين والقليل من الغازات الأخرى (شكل 1-5). وهكذا، فإن الغلاف الجوي الأولى للأرض كان مختلفا تماما عن الغلاف الجوي الحالي، والذي يتكون أساسا من النيتروجين والكسجين. وربما تكونت كميات مناسبة من الأكسجين الحر بعد بدء الحياة نتيجة لعمليات البناء الضوئي التي قامت بها الطحالب، والتي تعتبر أحد أبسط أشكال الحياة وحيدة الخلية. وتستخدم الطحالب ثاني أكسيد الكربون الماء وطاقة أشعة الشمس لتكون المادة العضوية وينطلق الكسجين الذي بدأ في التراكم في الغلاف الجوي ليصل تدريجيا إلي نسبته الحالية.
أحواض المحيطات: من الملامح المهمة لكوكب الأرض وجود القارات وأحواض المحيطات على سطحه. وتغطي المحيطات نحو 71% من سطح الأرض، ويبلغ متوسط العمق فيها نحو 3.7كم، بينما تغطي اليابسة نحو 29% المتبقية من سطح الأرض. ويقسم قاع المحيط ابتداء من خط الشاطيء حتى أعمق نقطة في الحوض المحيطي إلي أربعة أقسام، وهى: الرف القاري والمنحدر القاري والمرتفع القاري والسهل السحيقي (شكل 1-6). أما الرف القاري فهو الحافة لطيفة الانحدار التي تحيط بالقارات وتمتد من خط الشاطيء في اتجاه البحر، وتكون مغمورة بماء المحيط الضحل نسبيا. ويختلف عرض الرف القاري بدرجة كبيرة. فهو قد لايتواجد مطلقا حول بعض القارات، بينما قد يمتد لمسافة قد تصل إلي 1500كيلومتر حول قارات أخرى. ويكون عرض الرف القاري في المتوسط نحو 80كيلومترا، وقد يصل إلي 130مترا عمقا. ويكون انحدار الرف القاري لطيفا لدرجة أنه يبدو للناظر كأنه سطح أفقي. ويلي الرف القاري المنحدر القاري ويبلغ عرضه نحو 25كم، ويتميز بانحدار حاد مقارنة بالرف القاري. أما الارتفاع القاري والذي يمتد من المنحدر القاري في اتجاه البحر حتى السهل السحيقي. ويمتد الارتفاع القاري لمئات الكيلومترات حتى حوض المحيط العميق. ويكون الارتفاع القاري جزءا مميزا من قاع المحيط، ويتكون من قشرة محيطية مغطاة بالرواسب الناتجة عن تعرية كتلة القارة المجاورة. ويشمل السهل السحيقي المساحة الكبيرة المنبسطة من قاع المحيط، والتي تمتد في العرض من 200 حتى 2000كم، ويتراوح عمقها بين 3 إلي 6كم تحت سطح المحيط. ويتكون السهل السحيقي من تراكم الرواسب التي تحركت أسفل المنحدرات من الرف القاري إلي قاع المحيط العميق. ويرتفع أحيانا من تلك السهول براكين خامدة غالبا تعرف بالجبال البحرية. وقد يرتفع القليل من هذه الجبال لتكون جزرا بركانية. وعلى الرغم من أن المرتفعات القارية لا تتواجد بها تقريبا أي ملامح مميزة، إلا أن أسطحها تكون مقطوعة أحيانا بأخاديد خانقة بحرية أو براكين بحرية لم تدفن تماما تحت الرواسب.
ولا تنطبق خطوط الشواطيء الحالية بالضبط مع الحدود الفاصلة بين القشرة القارية المحيطية، نظرا لأن ماء المحيط يتدفق ليغطي جزءا من القارة. كما أن الحافة الجيولوجية لحوض المحيط ليست هى خط الشاطيء، بل هى المكان الذي يفصل بين القشرة المحيطية والقشرة القارية، وتوجد هذه الحافة أسفل المنحدر القاري.
ومن المعالم المميزة لقيعان المحيطات الحيود المحيطية والخنادق المحيطية. أما الحيود المحيطية والتي تعرف أيضا بالحيود وسط المحيطية أو المرتفعات المحيطية، فهى سلاسل جبلية صخرية تكون مستمرة على قيعان المحيطات، حيث يبلغ ارتفاعها حوالي 0.6كم أو أكثر فوق قاع المحيط (شكل 1 -7). وتتفرع الحيود المحيطية في نمط معقد في الأحواض المحيطية.
وتتواجد الحيود المحيطية في كل المحيطات الرئيسية في العالم حيث تمثل أكثر من 20% من سطح الأرض. وتمثل تلك الحيود المحيطية أكثر الملامح المحيطية الطوبوغرافية أهمية في المحيطات، حيث تكون سلاسل متصلة من الجبال تمتد إلي حوالي 65000كيلومتر. وعلى الرغم من أن الحيود المحيطية ترتفع عاليا فوق قيعان المحيطات، إلا أنها تختلف كثيرا عن الجبال الموجودة فوق القارات، التي تتكون من تتابعات من الصخور الرسوبية المطوية والمتصدعة، بينما تتكون الحيود المحيطية من طبقات متتابعة من الصخور البازلتية التي رفعت وتصدعت. ويبدو أن مصطلح حيود غير دقيق، حيث إن تلك الحيود ليست ضيقة، بل يتراوح عرضها بين 500 و5000كيلومتر، وفي بعض الأماكن قد تشغل تلك الحيود نصف المساحة الكلية لقاع المحيط.
وتكون الحيود وسط المحيطية مكسرة من منتصفها حيث يوجد ضيق يتميز بنشاط زلزالي وبركاني، بالإضافة إلي انبعاث حراري عال (شكل 1- 8). يعرف هذا الوادي بوادي خسف. وتتزايد أعمار الصخور البركانية في الحيود وسط المحيطية كلما ابتعدنا عن النطاق الأخدودي في اتجاه الشاطيء. وتتميز وديان الخسف بأن الصخور البركانية فيها تكون حديثة، كما تكون خالية تقريبا من الرواسب. ونادرا ما يرتفع حيد وسط المحيط إلي مستوى سطح البحر ليكون جزراً بركانية، وأكبر تلك الجزر جزيرة أيسلندة التي تقع على حيد وسط المحيط الأطلنطي.
أما الخنادق المحيطية فهى الأماكن على قيعان المحيطات التي يغوص عندها الغلاف الصخري في الوشاح، وتكون عبارة عن أحواض طويلة وضيقة وعميقة في قاع المحيط، جوانبها شديدة الانحدار، وتمثل أعمق أجزاء المحيط. وتكون الخنادق المحيطية عادة موازية لحافة قارية أو للجزر البركانية التي تتخذ شكل أقواس (شكل 1- 9). وتوجد معظم الخنادق في المحيط الهاديء، حيث يصل عمق بعضها أو أجزاء منها إلي حوالي 10000متر.
111 – ديناميكية عمل كوكب الأرض: الأرض دائبة الحركة من المعروف أن الأرض مرت عبر تاريخها الطويل بكثير من التغيرات. وهنا يبرز سؤال مهم وهو: ماهى القوى المحركة لتلك الأحداث؟. وتكمن الإجابة في نظرية تكتونية الألواح. وتفترض هذه النظرية أن الغلاف الصخري الصلب الخارجي للأرض مقسم إلي عدد من القطع الصلبة، التي تتحرك جانبيا ببطء وتعرف بالألواح. ونتيجة لحركة تلك الألواح فإنها تتفاعل مع بعضها بعضا عند حوافها باستمرار، مما ينشأ عنه نشاط زلزالي وبنائي على امتداد تلك الألواح. وميكانيكية حركتها وتداخلها واستهلاكها لبعضها البعض، كما تفسر كيف تكونت القارات وأيضا النشاط الزلزالي والبركاني والحركات البانية للجبال وغيرها من الظواهر الجيولوجية التي تحدث على الأرض.
ومن المهم قبل أن نتناول شرح نظرية تكتونية الألواح أن نعرض لبعض النظريات العلمية، التي سبقت تلك النظرية وحاولت شرح طريقة عمل الأرض.
أ – نظرية الكوارث ومبدأ الوتيرة الواحدة كان من المعتقد خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقبل أن يصبح علم الجيولوجيا علما قائما بذاته، أن كل معالم الكرة الأرضية من الجبال والوديان والمحيطات قد نشأت نتيجة عدد قليل من الكوارث الفجائية الكبيرة. وكان يعتقد أن هذه الكوارث كانت من الضخامة بحيث لا يمكن شرحها بالمفاهيم العادية. كما اصطلح على تسمية النظرية التي تشمل هذه الفكرة نظرية الكوارث أو الكوارثية والتي وضعها العالم الفرنسي جورج كوفييه (1769 – 1832م).
وفي أواخر القرن التاسع عشر جمع الطبيب الإسكتلندي جيمس هاتون (1756 -1797م) العديد من المشاهدات التي مكنته من التوصل إلي نظرية جديدة، تضاد نظرية الكوارث، وتشرح كيف تعمل الأرض، وعرفت هذه النظرية بقانون أو مبدأ الوتيرة الواحدة، وينص على أن كل مظاهر الأرض الطبيعية والحيوية، قد أنتجتها العمليات الجيولوجية نفسها التي تعمل اليوم. كما يمكن تفسير الأحداث الجيولوجية التي وقعت في الماضي من خلال دراسة الظواهر والعمليات التي تدور على سطح الأرض اليوم. فمثلا عندما ترى علامات نيم على سطح حجر رملي قديم، فإننا نفترض أنها تكونت بالطريقة التي تتكون بها علامات النيم اليوم تحت تأثير حركة المياه أو الرياح (شكل 1 -10).
ويمكن تلخيص مبدأ الوتيرة الواحدة في جملة مختصرة تقول: (إن الحاضر مفتاح الماضي). إلا أن العالم الإنجليزي تشارلز ليل (1797 – 1875م) كان له دور أساسي في دعم هذه النظرية، حيث لم يثبت فقط أن العمليات الجيولوجية التي كانت في الماضي هى العمليات نفسها التي تعمل على الأرض حاليا، وإنما أثبت أيضا أنها تعمل بنفس المعدل بل وبالنظام نفسه.
هذا وقد لاقى الجزء الأول من النظرية الذي ينص على وجود العمليات نفسها في الماضي والحاضر قبولا عاما من معاصري ليل، بينما لم يلق الجزء الثاني الخاص بثبات المعدل القبول نفسه لديهم. وأدخل هؤلاء ومنهم كونستنت بريفوست مبدأ الواقعية، الذي ينص على أن العمليات الجيولوجية في الحاضر هى نفس العمليات التي كانت تعمل طوال الزمن الجيولوجي، ولكن كان معدل عملها يتغير من زمن لآخر، بسبب وجود تأثيرات إضافية أو توافق تأثير بعض العوامل مع بعضها في الزمن نفسه.
وبحلول عام 1850م، كان مبدأ الوتيرة الواحدة في الجانب الفيزيائي قد لاقى قبولا في أوساط العلماء، إلا أنه لم يلق القبول نفسه في الجانب البيولوجي حتى من جانب تشارلز ليل نفسه. واستمر الحال كذلك حتى أتى تشارلز دارون (1809 – 1882م) ليقدم التطور، والتي هى تطبيق لفكرة الوتيرة الواحدة ولكن في الجانب البيولوجي، حيث تؤدي التغيرات البسيطة في الكائنات الحية عبر فترات زمنية طويلة إلي تغيرات في المجموعات الحية تؤدي إلي ظهور أنواع جديدة باستمرار. وبذلك أدى دارون لعلوم الحياة الدور نفسه الذي لعبه هاتون وليل لعلم الجيولوجيا.
وقد ثبت من تطبيق مبدأ الوتيرة الواحدة أن الأرض قديمة للغاية، لأن العمليات الجيولوجية تستغرق وقتا طويلا لحدوثها، فمثلا تجوية جبل شاهق أو نقل كميات ضخمة من الرمال بواسطة مجرى مائي تتطلب فترة زمنية تقدر بملايين السنين. كما أن تطور الحياة على الأرض يتطلب زمنا طويلا أيضا. إلا أنه لوحظ أن تاريخ الأرض شهد عددا من الكوارث مثل الانقراض الجماعي لمجموعة الديناصورات في نهاية العصر الطباشيري قبل 65 مليون سنة، مما يشير إلي أن نظرية الكوارث قد يكون من الممكن تطبيقها في بعض الأحيان أيضا.
ب – تكتونية الألواح: نظرية شاملة لعلم الجيولوجيا اجتاحت علم الجيولوجيا ثورة فكرية كبيرة في ستينيات القرن الماضي، نتيجة لظهور نظرية تكتونية الألواح، مثلما حدث في علم الفيزياء عند بدايات القرن العشرين عندما ظهرت نظرية النسبية، وكما حدث في علوم البيولوجيا في منتصف القرن العشرين عندما اكتشف الحامض النووي، والذي مكن العلماء من شرح قوانين الوراثة. وقد حاول الجيولوجيون على امتداد 200 سنة سابقة وضع نظريات عديدة لشرح كيف نشأت الجبال وتفسير النشاط البركاني وغيرها من الظواهر الجيولوجية الأخرى، إلا أنه لم يتوصل إلي نظرية واحدة تشرح كل الظواهر والعمليات الجيولوجية. بينما نستطيع أن ندعي الآن أن لدينا نظرية واحدة تشرح الكثير من المظاهر الجيولوجية الكبيرة في الأرض. وبالإضافة إلي ذلك فهناك بعض ظواهر ومجالات أخرى: مثل تصنيف وتوزيع الصخور ومواقع البراكين والخصائص المميزة لها وأحزمة الزلازل وأنظمة الجبال وأحواض المحيطات، كانت تعامل سابقا كموضوعات منفصلة عن بعضها البعض. أما اليوم فإن الجيولوجيين يتعاملون مع كل تلك الموضوعات وغيرها في سياق نظرية واحدة شاملة هى نظرية تكتونية الألواح.
وتفترض نظرية تكتونية الألواح أن الكرة الأرضية مغلفة تماما بالغلاف الصخري الصلب، والذي ينقسم إلي سبعة ألواح كبيرة وعدد من الألواح الصغيرة (شكل 1- 11). ويختلف سمك الألواح بين 100 إلي 200كم في الألواح المكونة من الوشاح العلوي والقشرة القارية، بينما في الألواح المكونة من الوشاح العلوي والقشرة المحيطية يتراوح السمك بين 10كم عند الحيود المحيطية و100كم في أحواض المحيطات العميقة. وتتحرك كل الألواح جانبيا كوحدات متماسكة مستقلة فوق الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)، والذي يكون في حالة حركة أيضا. بمعنى أن الألواح لاتتجعد أو تطوى، مثل قطعة الورق المبللة وإنما تسلك ألواح الخشب الصلبة نسبيا فوق سطح الماء. وتتراوح سرعة الألواح من 1 إلي 12سم في العام. ويمكن أن تنثني الألواح قليلاً، ممايسبب حدوث التواءات لطيفة لأعلى أو لأسفل في القشرة الأرضية. وتعتبر حدود الألواح هى الأماكن الوحيدة التي يحدث فيها تشوه شديد، حين تصطدم الألواح ببعضها بعضا.
وتختلف مساحة الألواح كثيرا، حيث إن أكبرها مساحة هو لوح المحيط الهادي الذي يقع بكامله تقريبا تحت مياه المحيط. أما بقية الألواح الكبيرة فإنها تتكون من جزء من قشرة قارية وجزء من قشرة محيطية. زعلى الجانب الآخر، فإن هناك عددا من الألواح الصغيرة التي تتكون كلية من قشرة محيطية مثل لوح الفلبين ولوح نازكا غرب شاطيء أمريكا الجنوبية، أو من قشرة قارية كلية مثل اللوح العربي.
حركات الألواح يرجع السبب في حركة الألواح إلي باطن الأرض مازال ساخنا، كما أن الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) ساخن أيضا وقابل للتشكل، على الرغم من أنه في حالة صلبة تقريبا. ويتميز الغلاف اللدن بقدرته على الانسياب تحت تأثير القوى التي تسببها تيارات الحمل الدوراني. وتيارات الحمل الدوراني هى الميكانيكية التي تنتقل بها الحرارة التي تسبب صعود المواد الساخنة الأقل كثافة وهبوط المواد الباردة الأكثر كثافة. والحمل الدوراني هو خاصية مميزة للسوائل والغازات، حيث تشاهد تيارات الحمل الدوراني في الماء المغلي في كأس به ماء، وكذلك الدخان المتصاعد من المدفئة، وصعود الهواء الساخن إلي أعلى نحو سقف الغرفة وهبوط الهواء البارد إلي أرضية الغرفة. وتحدث حركة الحمل الدوراني في أي مادة منسابة سائلة كانت أم صلبة قابلة للتشكل حينما تسخن من أسفل وتبرد من أعلى. وقد أظهرت التجارب أن الصخور لاتبدأ في الانصهار قبل أن تنساب، وقد تنساب الصخور، إذا كانت ساخنة بدرجة كافية، مثل السوائل اللزجة. مع ملاحظة أن معدلات الانسياب تكون بطيئة للغاية، وكلما ارتفعت درجة الحرارة كان الصخر أكثر ضعفا، وأكثر قابلية للانسياب. وتصعد السوائل والمواد الصلبة الساخنة تحت تأثير قوى الطفو، لأنها أصبحت أقل صلابة من المادة التي تعلوها. وتفقد المادة الحرارة وتبرد أثناء حركتها على السطح وتصبح أكثر كثافة، وبالتالي أثقل من المادة الموجودة أسفلها وتهبط تحت تأثير الجاذبية. وتستمر عملية الدوران طالما كان هناك انتقال للحرارة من أسفل إلي أعلى حيث السطح البارد.
2 – حدود الألواح يتواجد الكثير من المعالم الجيولوجية الكبيرة عند حدود الألواح، حيث تتفاعل الألواح مع بعضها البعض. ويوضح شكل (1 – 12) الأنواع الثلاثة من الحدود المعروفة، وهى كالتالي:
1 – حدود متباعدة: حيث تنفصل الألواح وتتحرك متباعدة عن بعضها البعض، مما يؤدي إلي نشأة غلاف صخري جديد من االصهارة الصاعدة.
2 –حدود متقاربة: حيث تتصادم الألواح أو يهبط أحدها تحت الآخر ويعود الغلاف الصخري إلي باطن الأرض.
3 – حدود الصدع الناقل: حيث تنزلق الألواح أفقيا أمام بعضها البعض فتطحن وتبرى حوافها نتيجة الانزلاق. وتكون الزلازال شائعة على امتداد حواف الصدوع الناقلة.
ونعرض فيما يلي وصفا مفصلا لكل من هذه الأنواع الثلاثة من الحدود:
الحدود المتباعدة
تسمى الحدود المتباعدة أحيانا مراكز انتشار، حيث تتباعد الألواح المتجاورة بمعدل عدة سنتيمترات كل عام. وتعتبر الحدود المتباعدة أماكن لتكوين القشرة الأرضية، حيث تنبثق عند هذه الحدود المادة الصخرية الساخنة من الوشاح وتبرد وتتصلد وتكون قشرة محيطية جديدة، لذلك يطلق عليها أيضا الحدود البناءة.كما تتكون عندها سلاسل جبلية من البازلت مغمورة في قيعان المحيطات، والتي تعرف بحيود وسط المحيط مثل حيد وسط الأطلنطي. كما قد تتكون الحدود المتباعدة هذه بين لوحين قاريين مثل البحر الأحمر، الذي يقع بين اللوح الإفريقي واللوح العربي.
ولنفهم كيف يتحرك اللوح، فعلينا أن ننظر إلي الحزام الناقل للحقائب أو البضائع، حينما يصعد من أسفل ويتحرك على امتداد طول معين ثم يتحرك لأسفل ليختفي. ويشبه لوح الغلاف الصخري الجزء العلوي من حزام ناقل يتحرك ببطء رغم كون اللوح الصخري عريضا وغير منتظم. ويتحرك كل لوح بعيدا عن مركز الانتشار، كما لو أن هناك حزاما مستمرا على امتداد كسر في الوشاح يصعد لأعلى. وهذا التشبيه صحيح جزئيا، لأن اللوح لايكون عبارة عن شريط متماسك صلب، وإنما يتكون من قشرة جديدة تضاف على امتداد الكسر. وهناك فرق آخر، وهو أن اللوحين يتحركان في اتجاهين متضادين، كما لو أن هناك حزامين ناقلين يتحركان في اتجاهين متضادين.
وعندما يحدث تباعد في قشرة محيطية، يتكون حيود وسط المحيط، حيث تؤدي تيارات الحمل إلي صعود الصخر الساخن من الوشاح، كما يتحرك الحد الفاصل بين الغلافين الصخري (اليثوسفير) واللدن (الأسثينوسفير) قريبا جدا من قاع المحيط، وتصبح بعض أجزاء الغلاف اللدن ساخنة لدرجة تكفي لأن يبدأ الانصهار. ويطلق على الصخر المنصهر مصطلح صهارة. حيث تصعد الصهارة التي تتكون في الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) تحت حيود وسط المحيط إلي قمة الغلاف الصخري لتبرد وتتصلد لتكون الميكانيكية التي يتكون بها قاع المحيط الأطلنطي خلال 160مليون سنة الماضية، بانتشار قيعان المحيطات. ويقدر معدل انتشار قيعان المحيطات بنحو 5سم كل عام. وهذا المعدل غير ثابت ويتغير من مكان إلي آخر. ويبدو هذا المعدل بطيئا، إلا أنه يكون سريعا بدرجة تكفي لنشأة كل قيعان المحيطات الموجودة خلال الفترة الزمنية التي تمثل نحو 5% من تاريخ الأرض.
وعندما يتسبب حد التباعد (مركز الانتشار) في انشطار قشرة قارية، فإنه تحدث سلسلة من الأحداث تبدأ بتكون خسيف، وهو عبارة عن وادي طويل تحده كسور وصدوع، مثل وادي الخسف الإفريقي الذي يمتد في أثيوبيا وكينيا وتنزانيا والمالاوي. ويبدأ النشاط البركاني عندما يتحرك جزء القشرة القارية بعيدا( شكل 17 – 23). وتؤدي الحركة المستمرة إلي اتساع الخسيف وزيادة عمقه، مثل البحر الأحمر. وفي النهاية،تتحرك أجزاء القشرة القارية بعيداً عن بعضها لتتكون قشرة محيطية جديدة تفصل بين الحدين المتباعدين، ويتكون محيط جديد. فالمحيط الأطلنطي الحالي لم يكن له وجود قبل نحو 250 مليون سنة، بل كانت القارات الموجودة حاليا على جانبيه متصلة مع بعضها بعضا في قارة واحدة عظمى تسمى البانجيا (من اللاتينية بمعنى كل اليابسة). ومنذ نحو 200 مليون سنة بدأت تلك القارة الضخمة في الانشطار على امتداد مراكز الانتشار. ويسمى تحرك القارات على امتداد الزمن الجيولوجي بالانجراف القاري. وليس معروفا على وجه الدقة سبب هذا الانجراف ، وربما يرجع إلي تيارات حمل دوراني في الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) والغلاف الصخري (الليثوسفير). وقد شطرت مراكز الانتشار الغلاف الصخري وتكسرت القارة القديمة إلي عدة أجزاء تمثلها القارات الحالية. كما انجرفت تلك الأجزاء أو القارات الحالية إلي أوضاعها الحالية. وستناقش أدلة الانجراف القاري في الفصل السابع من الكتاب.
الحدود المتقاربة
في الحدود المتقاربة يتحرك لوحان في اتجاه بعضهما متقاربين (شكل 1 -12 ب). وفي هذه الحالة يهبط أحد اللوحين (اللوح المحيطي) تحت الاخر حتى يصل إلي الوشاح لينصهر في الأعماق، ممايؤدي إلي تهدم المادة الصخرية للقشرة الأرضية، ولذلك يطلق على هذا النوع من الحدود أيضا مصطلح الحدود الهدامة. وتعرف هذه العملية بالاندساس، كما تسمى منطقة الحافة عندئذ نطاق اندساس. وتؤدي قوى الاندساس والتصادم الهائلة إلي حدوث زلازل قوية. وتوجد الحدود المتقاربة أو الهدامة بين لوحين محيطين مثل منطقة غور تونجا في جنوب المحيط الهادي، أو بين لوح قاري ولوح محيطي مثل لوح نازكا المحيطي الذي يندس تحت الجانب القاري من لوح أمريكا الجنوبية (شكل 1 – 8). كما قد توجد الحدود المتقاربة أيضا، عندما تتصادم قارتان ليتكون ما يعرف بنطاق الاصطدام، مثل منطقة جبال الهيمالايا التي ارتفعت بسبب تصادم كتلة الهند بكتلة أوراسيا في حين الميوسين.
ويعتقد العلماء أنه حدثت تصادمات بين قارات الأرض عدة مرات خلال الزمن الجيولوجي. ومثال ذلك تكون قارة البانجيا أو ما يطلق عليها أم القارات، والتي تكونت أثناء العصر البرمي من تجمع كل يابس الكرة الأرضية في كتلة واحدة منذ نحو 225 مليون سنة من الآن.
نطاقات الاندساس:يكون الغلاف الصخري رقيقا بالقرب من حد التباعد (مركز الانتشار) عندما يقترب الحد الفاصل بين الغلاف الصخري (الليثوسفير) والغلاف اللدن (الأسثينوسفير) من سطح الأرض.وترجع رقة الغلاف الصخري إلي أن الصهارة الصاعدة تسبب ارتفاع درجة حرارة الغلاف الصخري، بينما تبقى الطبقة العليا الرقيقة منه تحتفظ بخصائص الصخر الصلب وشدته ( شدة الصخر هى أقصى إجهاد يتحمله جسم صلب دون أن يتمزق أو يتشوه تشوها لدنا).
وعندما يتحرك الغلاف الصخري بعيدا عن حد التباعد (مركز الانتشار)، فإنه يبرد ويصبح أكثر كثافة، كما يصبح الحد الفاصل بين الغلاف الصخري والغلاف اللدن أكثر عمقا.ونتيجة لذلك، فإن الغلاف الصخري يصبح أكثر سمكا، ويتحرك الحد الفاصل بين الغلافين الصخري واللدن إلي مسافات أعمق. وفي النهاية، يصبح سمك الغلاف الصخري ثابتا، على بعد نحو 1000كم من حد التباعد (مركز الانتشار)، كما يصبح باردا وأكثر كثافة من الغلاف اللدن الساخن والضعيف أسفله ثم يبدأ في الغوص لأسفل. ويغوص الغلاف الصخري القديم مع القشرة المحيطية التي تعلوه في الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)، ثم في الغلاف الأوسط (الميزوسفير). وكما ذكرنا سابقا، فإن العملية التي يغوص فيها الغلاف الصخري في الغلاف اللدن تسمى عملية الاندساس، وتسمى الحافة التي تندس على امتدادها الألواح باسم نطاقات الاندساس. وتؤدي عملية الاندساس إلي تكون خندق ضيق طويل عند قاع المحيط (يبلغ عرضه نحو 100كم).
وعندما تغوص حافة الغلاف الصخري المتحركة ببطء في الغلاف اللدن، فإنها تدخل في بيئة مرتفعة الحرارة والضغط. وتنصهر القشرة المحيطية الرقيقة الموجودة فوق الغلاف الصخري الهابط وتتكون صهارة. وتصل بعض الصهارة إلي السطح لتكون براكين تتداخل في اللوح العلوي الراكب (سواء كان محيطيا أم قاريا). ونتيجة لذلك، تتميز نطاقات الاندساس بوجود قوس من البراكين المتوازية، ولكن على بعد يتراوح بين 150إلي 400كم من الخندق الذي يميز حافة اللوح، حيث تعتمد تلك المسافة على زاوية ميل اللوح الهابط المندس.
نطاقات التصادم: يكون الغلاف الصخري للقارات أخف من أن يغوص أو يندس في الغلاف اللدن. ولذلك، ف‘ن كتل القشرة الأرضية التي تكون في حجم القارات تطفو فوق ألواح الغلاف الصخري من مكان إلي مكان آخر فوق سطح الأرض. وتتوقف الحركة حينما تصطدم كتلتان من كتل القشرة القارية. ويحدث مثل هذا التصادم فقط حينما يحدث اندساس لقشرة محيطية تحت كتلة واحدة من الكتلتين القاريتين. وحيث إن اللوح المحيطي المندس يحمل أيضا كتلة من القشرة القارية، فإنه يحدث تصادم لا يمكن تجنبه عندما تتقابل الكتلتان القاريتان على امتداد نطاق الاندساس. وتكون نطاقات الاندساس سلاسل جبلية عالية، مثل جبال الهيمالايا وجبال اللب.
حدود الصدوع الناقلة
تنزلق الألواح أفقيا أمام بعضها البعض عند حدود الصدوع الناقلة (شكل 1 12 ج)، ولا تنشأ عنها قشرة أرضية جديدة كما يحدث عند الحدود المتباعدة، كما لا يحدث تحطم او استهلاك للقشرة كما يحدث عند الحدود المتقاربة في الخنادق المحيطية. والصدوع الناقلة عبارة عن كسور رأسية عظيمة الامتداد تقطع الغلاف الصخري، مثل صدع سان اندرياس في ولاية كاليفورنيا، حيث ينزلق لوح المحيط الهادي قبالة لوح أمريكا الشمالية في اتجاه شمال غرب. وحيث ‘ن الألواح تنزلق قبالة بعضها البعض لملايين السنين، فإنه تتواجد صخور مختلفة النوع والعمر على جانبي الصدع . و لا يحدث الانزلاق بلطف، بل قد تتشابك في بعض الأحيان حدود الألواح مما يؤدي إلي ثني وطي الصخور على جانبي الصدع الناقل. وعندما يتكسر ذلك الجزء المتشابك، فإن الصخر المنثني يتحرك فجأة، وتتسبب الانزلاقات الفجائية في حدوث زلازل مدمرة.
التفاعلات بين طبقات الأرض الداخلية والخارجية
إذا نظرنا إلي كوكب الأرض من الفضاء، فسنرى أن الأرض لا تتكون من صخور وتربة فحسب، وإنما سنرى دوامات عالقة من السحب، وكذلك امتدادا شاسعا من المحيطات. ولذلك تقسم البيئة الفيزيائية للأرض إلي ثلاثة أقسام هى: الغلاف الجوي والغلاف المائي والغلاف الصخري. والغلاف الجوي هو ذلك الغلاف الرقيق من الغازات الذي يحيط بالأرض، والذي يتميز بوجود دوامات السحب، ويصل سمكه إلي مئات الكيلومترات، ويعد جزءا لا يتجزأ من كوكب الأرض. ولا يوفر الغلاف الجوي الهواء اللازم للحياة فقط، بل يعمل على حمايتنا من حرارة الشمس الحارقة وإشعاعاتها الخطرة. بينمايشمل الغلاف المائي طبقة الماء غير المستمرة، والتي نراها في ذلك الامتداد الشاسع للمحيطات. ويشمل الغلاف المائي بالإضافة للمحيطات خزانات الماء العذب الموجودة في الأنهار والبحيرات والكتل الجليدية، إلي جانب المياه الجوفية (الأرضية) تحت سطح الأرض. أما الغلاف الصخري فهو ذلك الجزء الخارجي الصلب من الأرض، والذي نراه في القارات والجزر. ويتكون الغلاف الصخري أساسا من الصخور والحطام الصخري (الديم). وهو غطاء غير منتظم يتكون من حبيبات الصخر غير المتماسكة التي تغطي الأرض الصلبة. وبالإضافة إلي هذه الأغلفة الفيزيائية الثلاثة، فهناك الغلاف الحيوي ، وهو يشمل كل أشكال الحياة على الأرض، ويشمل أجزاء الغلاف الصخري والمائي والجوي التي يمكن أن توجد بها الكائنات الحية.
ومن المعروف الآن،أن الحركة المستمرة للغلافين المائي والجوي اللذين يغلفان الأرض هى المسئولة عن العديد من ملامح سطح الأرض في القارات. فبدون المياه فوق سطح الأرض لن توجد أنهار أو وديان أو مثالج أو حتى القارات بالصورة التي نعرفها.وبدون الغلاف الجوي المتحرك، فلن توجد كثبان رملية في الصحراء أو أي ميكانيكية لنقل الماء من المحيطات إلي الأرض. وحيث إن المادة تتحول باستمرار من أحد أغلفة الأرض إلي الآخر، فإنه تبرز هنا بعض الأسئلة، مثل: لماذا يكون تركيب الغلاف الجوي ثابتا؟ ولماذا لا يتغير ماء البحر ليصبح أكثر ملوحة أو أكثر عذوبة؟ ولماذا يكون صخر عمره 2 بليون سنة له تركيب صخر نفسه عمره 2 مليون سنة؟. وتكمن الإجابة عن كل هذه الأسئلة في أن عمليات الأرض الطبيعية تسير في مسارات دورية.ولذلك تحافظ هذه العناصر على ثباتها، لأن الأجزاء المختلفة في المسارات تعادل بعضها البعض، حيث تتساوي المواد المضافة مع المواد المزالة من الدورة. وهكذا، يمكن أن تشمل الدورة عدة أغلفة وعدة عمليات تعمل بمعدلات زمنية مختلفة. والدورات الثلاث التالية هي أهم الدورات التي تحدث في الغلاف الصخري الصلب للأرض:
1 – دورة الصخور وهى تصف كل العمليات التي يتكون بها صخر من نوعية ما من النوعين الآخرين. فالصخور الرسوبية تتحول إلي الصخور المتحولة أو تنصهر لتنشأ الصخور النارية. وقد ترفع إلي سطح الأرض ليتم تعريتها لتتكون الرواسب التي تتصلب لتكون الصخور الرسوبية مرة ثانية.
2 – الدورة المائية وهى تصف التحرك الدوري للماء من المحيط إلي الغلاف الجوي بالتبخر، ثم إلي سطح الأرض عند سقوط الأمطار فتصبح مياها سطحية بالصرف السطحي (كمية المطر التي لاتتخلل الأرض) أو مياها جوفية تحت سطح الأرض، ثم إلي المجاري المائية مرة أخرى فإلي البحر. وبالطبع، فالماء من أهم العوامل الجيولوجية، حيث يعمل كمذيب لكثير من المركبات الكيميائية، ويساعد على تجوية الصخور، ويمثل وسطا أساسيا لتكوين معظم الرواسب.
3 – الدورة التكتونية وهى تشمل تحركات وتفاعلات ألواح الغلاف الصخري، والعمليات التي تحدث في باطن وتسبب حركات الألواح.
والدورات الثلاث السابقة هى دورات وثقية الصلة بعضها ببعض بسسبب تداخل العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية المسببة لها. وتشمل تلك الدورات الثلاث معظم الموضوعات التي سيتم مناقشتها في هذا الكتاب. وهناك بالطبع عديد من الدورات الأخرى، مثل الدورة الجيوكيمائية والتي تتبع تحركات العناصر الأساسية للحياة، وهى: الكربون والأكسجين والكبريت والهيدروجين والفوسفور.
الفصل الثاني: المعادن: الوحدة النبائية للصخور
تعتبر صخور القشرة الأرضية، وأيضا مياه المحيطات، مصدرا لعديد من المعادن المهمة. وفي الواقع، فإن كل منتج مصنع يحتوي عمليا على مواد مستمدة من المعادن. ويعرف معظم الناس الاستعمالات العادية لعديد من الفلزات الأساسية، والتي تشمل الألومنيوم المستخدم في علب المشروبات الغازية وخلافها، والنحاس المستخدم في شبكات السلاك الكهربائية، والذهب والفضة المستخدمين في الحلي. بينما لا يدرك البعض أن أقلام الرصاص تحتوي على معدن الجرافيت، وأن مصدر بودرة التلك التي تستخدم للأطفال هى صخور متحولة مكونة من معدن التلك، وأن معظم رمال شواطيء الساحل الشمالي بمصر تتكون من حبيبات معدن الكوارتز. كما أن البعض قد لا يعرف أن مثقاب الحفر الذي يستخدم لحفر طبقات الصخور أثناء البحث عن البترول يكون مطعما بحبيبات من معدن الماس، وأن معدن الكوارتز هو أحد المكونات الرئيسية لمادة الزجاج. ونتيجة لزيادة طلب المجتمعات الحديثة على المواد الخام، فإن الحاجة تزداد لاكتشاف مواقع جديدة لمعادن مهمة.
وقد ساهمت المعادن في بناء الحضارة الإنسانية، حيث نجد في آثار قدماء المصريين ما يدلنا على أنهم أنشأوا مناجم للذهب منذ آلاف السنين، فقد استخلصوا هذا المعدن النفيس من العروق الحاملة له. كما استعمل قدماء المصريين معدن الهيماتيت الأحمر – وهو أحد معادن الحديد - في طلاء مقابرهم، كما استخلصوا معادن النحاس الأخضر والأزرق، واستخدموها في طلاء مقابرهم وصناعة الأدوات المختلفة منها بعد استخراج فلز النحاس. كما بحث قدماء المصريين عن الأحجار الكريمة واستعملوها في صناعة الحلي للزينة. وتسهم المعادن منذ ذلك التاريخ بنصيب وافر في تطور الحضارة الإنسانية، حتى أن هناك عصورا تعرف باسم المعدن الذي كان الاستخدام شائعاً فيها، مثل عصر الحديد وعصر النحاس، حتى عصرنا الحاضر الذي يعرف بعصر الذرة، والتي نحصل عليها أساسا من تحطيم فلز اليورانيوم المشع.
وبالإضافة إلي الاستخدامات الاقتصادية للصخور والمعادن، فإن كل العمليات التي حدثت في الماضي وتدخل في إطار علم الجيولوجيا، مثل: التدفقات البركانية وبناء الجبال والتجوية والتعرية والزلازل، تعتمد بصورة ما على خصائص تلك المواد الرئيسية المكونة للأرض. فتقدم المعادن الموجودة في بعض الأرض عند درجة حرارة عالية. قد تصل إلي نحو 1000م. أما معادن صخر الجرانيت فإنها تقدم الدليل على تبلور هذا الصخر في أعماق القشرة الأرضية. ويمكن أن نشاهد الظروف الجيولوجية التي تحدث في أعماق القشرة الأرضية في مناطق تصادم لوحين قاريين، حيث تؤدي عملية التصادم إلي وجود درجة حرارة قد تصل إلي 700م وضغط أكثر من 10000 مرة ضعف الضغط الجوي العادي عند سطح الأرض، مما يؤدي إلي تكون هذا الصخر في هذا الموضع تحت تلك الظروف.
وتعتبر هذه الطريقة في الاستدلال أساسية حين نحاول فهم جيولوجية منطقة ما، وتحديد أنواع الصخور بها ومحاولة الكشف عن موقع غير مكتشف لراسب مهم اقتصاديا مثل بعض خامات الفلزات.
ويعتبر علم المعادن أحد فروع علم الجيولوجيا، وهو من أهم مصادر الاستدلال الجيولوجي. وهو يتناول دراسة التركيب الكيميائي وبنية وخواص المعادن ومظهرها واستقرارها وأماكن تواجدها، والمعادن الأخرى المصاحبة لها. وسنعرض في هذا الفصل لدراسة المعادن، والتي تعتبر الوحدة البنائية للصخور.
1 – تعريف المعدن
يعرف الجيولوجيون المعدن بأنه مادة صلبة متبلورة، غير عضوية عامة، لها تركيب كيميائي ثابت أو متغير في مدى محدود، تتواجد في الطبيعة. والمعدن هو الوحدة البنائية للصخور، والتي تتكون من مجموعات من المعادن. والمعادن تكون متجانسة، ولا يمكن تقسيمها بالطرق الميكانيكية إلي مكونات أصغر. أما معظم الصخور فيمكن فصلها إلي مكوناتها المعدنية باستخدام وسائل مناسبة. وهناك قلة من الصخور مثل الحجر الجيري تحتوي على نوع واحد من المعادن هو الكالسيت، بينما هناك صخور أخرى، مثا الجرانيت، تتكون ليس من معدن واحد، وإنما من عدد من المعادن. ولكي نعرف ونصنف الأنواع المختلفة من الصخور الموجودة على الأرض وكيف تكونت، فإننا يجب أن ندرس المعادن المكونة لها.
ونعود إلي التعريف السابق للمعدن، فنجد أنه ينص على أن المعدن يتكون من مادة صلبة ومتبلورة، مما يعني استبعاد كل السوائل والغازات. وعندما نقول إن المعدن متبلور، فإننا نقصد أن الجزيئات الصغيرة المكونة له – الذرات- تكون مرتبة بنظام ثابت في الأبعاد الرئيسية الثلاثة. وتوصف المواد الصلبة التي ينقصها الترتيب المذكور بأنها مادة زجاجية أو غير متبلورة. فزجاج النوافذ يكون غير متبلور مثله مثل بعض الزجاج المتكون في الطبيعة خلال ثورة البراكين. وبالتالي فإن كل المواد غير المتبلورة لا تعتبر من المعادن. ولكي يطلق على المادة مصطلح معدن، فإنها يجب أن توجد في الطبيعة. مثل الماسات المستخرجة من مناجم الماس في جنوب إفريقيا. أما الماس المصنع في المعامل فلا يمكن اعتباره من المعادن، مثله مثل آلاف المنتجات الصناعية التي يخلقها الكيميائيون.
ويشترط في المعادن أن تكون من مواد غير عضوية، وذلك يرجع إلي استخدام تاريخي للمصطلح يستبعد المواد العضوية التي تكون أجسام النباتات والحيونات من المعادن، حيث إن هذه المواد العضوية تكون مكونة من كربون عضوي، وهوأحد أشكال الكربون الموجود في كل المواد العضوية. وقد تتحول بقايا النباتات المتللة إلي الفحم، الذي هو بالتالي مكون من كربون عضوي. وعلى الرغم من أن هذا الفحم يوجد في الطبيعة أيضا، إلا أن العرف جرى على عدم اعتباره من المعادن. وعلى الجانب الآخر، فهناك عديد من المعادن التي تفرزها الكائنات الحية، والتي تحتوي على كربون غير عضوي، مثل معدن الكالسيت الذي تفرزه العديد من الكائنات الحية لتكون هياكلها وتبنى منه صخور الحجر الجيرى. ويكون الكالسيت في هذه الحالة غير عضوي ومتبلور، وينطبق عليه تعريف المعدن.
كما يجب أن يكون للمعدن تركيب كيميائي، قد يكون ثابتا أو متغيرا في حدود معينة. مما يعني استبعاد الزجاج حيث إن له تركيبا غير ثابت، وكذلك المخاليط التي لا يمكن التعبير عنها بصيغة كيميائية محددة. فالتركيب الكيميائي لمعدن الكوارتز مثلاً عبارة عن ذرتي أكسجين وذرة واحدة من السيليكون. وهذه النسبة ثابتة لا تتغير أبدا، على الرغم من أن الكوارتز يوجد في الكثير من الصخور المختلفة التركيب. أما معدن الأوليفين فيتكون من عناصر الحديد والماغنسيوم والسيليكون بنسبة ثابتة أيضا. وعلى الرغم من أن نسبة ذرات الحديد إلي الماغنسيوم في هذا المعدن يمكن أن تتغير، إلا أن مجموع هذه الذرات إلي عدد ذرات السيليكون يكون ثابتا دائما. ويستخدم مصطلح مجموعة معدنية لوصف المعدن الذي يحدث فيه إحلال كاتيوني، دون تغير في نسبة الكاتيونات إلي الأنيونات.
أشباه المعادن: يوجد في الطبيعة بعض مركبات صلبة لا ينطبق عليها تعريف المعدن، لأنه ينقصها التركيب الكيميائي المحدد أو الثابت أو البنية البلورية أو كلاهما. ومن أمثلة ذلك الزجاج الموجود في الطبيعة والذي يكون تركيبه الكيميائي غير ثابت ومتغير وغير متبلور. ومن أمثلة ذلك أيضا الأوبال، والذي يكون له تركيب كيميائي ثابت ولكنه غير متبلور. ويطلق مصطلح شبه معدن لوصف مثل هذه المواد.
11 – المعادن وتركيبها الكيميائي
يبلغ عدد العناصر المعروفة في الوقت الحاضر أكثر من مائة عنصر، بينما يبلغ ما تم تحضيره منها إلي الآن نحو 18 عنصرا. وتتكون معظم المعادن من عنصرين أو أكثر تتحد معا لتكون مركبا ثابتا، بينما يتكون القليل منها من عنصر واحد فقط مثل: الذهب والماس والجرافيت. وتتحد العناصر مع بعضها لتكوين مركبات، ولنفهم كيف يتم ذلك فلابد أن نفهم تركيب الذرة. فالذرة هى أصغر وحدة في بناء العنصر وتحتفظ بخواصه الفيزيائية والكيميائية. كما أنها أصغر وحدات المادة التي تدخل في التفاعلات الكيميائية، إلا أن الذرة نفسها يمكن أن تنقسم إلي وحدات أصغر.
ولنتعرف المعادن بصورة واضحة، فإننا يجب أن نفحص أهم خاصيتين للمعادن وهما التركيب (أي مجموعة العناصر الكيميائية الموجودة بالمعدن وخصائصها) وكذلك البنية البلورية (أي الطريقة التي يتم بها ترتيب ورص ذرات العناصر الكيميائية في شكل هندسي منتظم الأبعاد لتكون المعدن). ونظرا لأن معظم المعادن تحتوي على العديد من العناصر الكيميائية، فإنه من الأفضل أن تبدأ مناقشتنا باستعراض سريع لتركيب الذرات والطريقة التي تتحد بها العناصر الكيميائية لتكون المركبات.
أ – تركيب الذرات
يتيح فهم تركيب الذرة التنبؤ بكيفية تفاعل العناصر الكيميائية مع بعضها بعضا لتكوين بنيات بلورية جديدة. وتتكون كل ذرة من نواة تتوسطها وتحتوي على البروتونات والنيترونات التي تمثل كامل كتلة النواة. وكتلة البروتون تساوي كتلة النيترون تقريبا، ولكن تحمل البروتونات شحنات كهربائية موجبة (+1) بينما لا تحمل النيترونات أي شحنة، أي تكون متعادلة الشحنة. وقد تحتوي ذرات العنصر الواحد على عدد مختلف من النيترونات في نظائر العنصر المختلفة، بينما يكون عدد البروتونات ثابتا لا يتغير للعنصر الواحد. ويحيط بالنواة سحابة متحركة من الإلكترونات لها كتلة متناهية في الصغر، يمكن إهمال كتلتها، ويحمل الإلكترون شحنة كهربية سالبة واحدة (-1). ويعادل عدد البروتونات في نواة أي ذرة نفس عدد الإلكترونات التي توجد في السحابة الخارجية حولها، وبذلك تصبح أي ذرة متعادلة كهربيا. وتحدد الأبحاث الحديثة لتركيب الذرة مواقع الإلكترونات.
وتنتظم الإلكترونات حول النواة في مدارات، تكون كأغلفة كروية أو كسحابة من الإلكترونات السالبة الشحنة تحيط بالنواة، وليس كمدرات ثابتة، وللتسهيل فإننا نرسم المدارات كدوائر متحدة المركز حول النواة (شكل 2 – 1).
ب – العدد الذري والكتلة الذرية
يطلق على عدد البرتونات في نواة أي ذرة اسم العدد الذري أو الرقم الذري، وحيث إن كل ذرات العنصر الواحد يكون بها نفس العدد من البرتونات، فإنها يكون لها بالتالي العدد الذري نفسه. فكل الذرات التي تحتوي على ستة بروتونات هى ذرات عنصر الكربون (العدد الذري 6)، وكل الذرات التي تحتوي على ثمانية بروتونات هى ذرات أكسيجين وهكذا. ويحتوي كل عنصر على عدد من الإلكترونات مساو لعدد البروتونات في نواة الذرة. ويحدد العدد الذري للنصر طريقة تفاعله كيميائيا مع بقية العناصر.
أما الكتلة الذرية أو الوزن الذري لعنصر ما فهو مجموع كتل البروتونات والنيترونات المجودة في نواة تلك الذرة. وقد تحتوي ذرات العنصر الكيميائي نفسها على أعداد مختلفة من النيترونات، ويكون لها بالتالي كتل ذرية مختلفة، ويطلق على هذه الأنواع المختلفة من الذرات اسم النظائر. فنظائر عنصر الكربون التي تحتوي على ستة بروتونات، تحتوي على 6 أو 7 أو 8 نيترونات، وبالتالي تكون هناك ثلاث كتل ذرية لهذه النظائر الثلاثة وهى كربون – 12 و13 و14 على التوالي (شكل 2 – 2). ويتواجد العنصر الكيميائي في الطبيعة كخليط من نظائره المختلفة، وبالتالي فإن الكتل الذرية لا يمكن أن تكون رقما صحيحا. فالكتلة الذرية لعنصر الكربون هى 12.011 وهى قريبة من الرقم 12 لأن نظير الكربون -12 هو الأكثر شيوعا عموما. وتحدد العمليات الجيولوجية نسبة تواجد النظائر المختلفة لعنصر ما على الأرض، مما يزيد من معدل انتشار بعض النظائر عن النظائر الأخرى. فالكربون -12 مثلاً تفضله بعض التفاعلات الحيوية مثل البناء الضوئي حيث يتم إنتاج مركبات كربون عضوية من مركبات كربون غير عضوية.
111 – التفاعلات الكيميائية
يحدد تركيب الذرة تفاعلاتها الكيميائية مع الذرات الأخرى. فالتفاعلات الكيميائية هى تفاعلات لذرات عنصرين كيميائيين أو أكثر بنسب ثابتة لتنتج مواد كيمائية جديدة هى المركبات الكيميائية. فعندما تتحد ذرتا هيدروجين مع ذرة أكسجين، يتكون مركب كيميائي جديد اسمه الماء. وقد تختلف خصائص المركب الكيميائي الناتج كلية عن العناصر المكون منها. فمثلا، عندما تتحد ذرة صوديوم مع ذرة كلور يتكون كلوريد الصوديوم، والمعروف باسم ملح الطعام. ويعبر عن هذا المركب بالصيغة الكيميائية.NaCI. وتحدث التفاعلات الكيميائية بالتفاعل بين الإلكترونات الموجودة في مداراتها الخارجية. وحيث إن معظم ذرات العناصر تحتوي على عدد من الإلكترونات أقل من الحد الأقصى الذي تسمح به مداراتها، فإن كل الذرات تميل إلي أن تكمل مداراتها الخارجية لتصبح مستقرة كيميائيا مثل الغازات الخاملة كالنيون والأرجون. وتعني قاعدة الثمانيات أن تتحد الذرات ببعضها ببعض بحيث يناظر تركيب الإلكترونات بها ما هو موجةد في أقرب غاز خامل لها، حيث يحتوي المدار الخارجي لها على 8 إلكترونات. لذلك فإن هذه الغازات مستقرة كيميائيا ولا تتفاعل مع بعضها البعض أو مع غيرها من العناصر. ولكي نفهم هذه التفاعلات فإننا نحتاج لمعرفة عدد الإلترونات في ذرة ما، وكيفية ترتيبها في أغلفة الإلكترونات.
أ – اكتساب أو فقد الإلكترونات
تنتظم الإلكترونات حول نواة الذرة في مجموعة من الأغلفة المتحدة المركز، والتي تعرف بأغلفة الإلكترونات (المدارات)، حيث يحتوي كل منها على عدد محدد من الإلكترونات. وفي التفاعلات الكيميائية لمعظم العناصر، فإن الإلكترونات الموجودة في الأغلفة الخارجية هى التي تدخل في التفاعلات فقط. ففي التفاعل بين الصوديوم والكلور ليكونا ملح الطعام، فإن الصوديوم يفقد إلكترونا من الغلاف الخارجي، بينما تكتسب ذرة الكلور هذا الغلكترون في غلافها الخارجي (شكل 2 – 3).
الأيونات: يؤدي اكتساب أو فقد الذرة لأحد إلكتروناتها الخارجية أن تصبح غير متعادلة كهربيا. فعندما تفقد ذرة الصوديوم إلكترونا فإنها تتحول إلي أيون صوديوم يحمل شحنة كهربائية موجبة (1+). ويرمز للأيون بالرمز (Na) وعندما تكتسب ذرة الكلور إلكترونا، فإنها تصبح أيون كلور يحمل شحنة كهربائية سالبة واحدة (-)، ويرمز له بالرمز (CI). وتسمى الأيونات الموجبة كاتيونات مثل أيون الصوديوم، بينما تسمى الأيونات السالبة أنيونات مثل أيون الكلور. أما المركب الكيميائي كلوريد الصوديوم فإنه يكون متعادلا كهربيا، لأن الشحنة الكهربية على الصوديوم تتعادل تماماً مع الشحنة السالبة على الكلور. ويتحد عدد من الأيونات ليكون أيونات مركبة مثل أيون الكبريتات الشائع، وهو أحد مكونات معدن الأنهيدريت، وهو مركب شائع في ماء البحر. وأيون الكبريتات عبارة عن وحدة مكونة من أيون كبريت واحد يحمل ست شحنات موجبة وأربعة أيونات أكسجين يحمل كل منها شحنتين سالبتين لتتبقى شحنتان سالبتان.
أغلفة الإلكترونات واستقرار الأيون: تحتوي ذرة الصوديوم على إلكترون واحد في غلافها الخارجي قبل التفاعل مع الكلور، وعندما تفقد ذرة الصوديوم هذا الإلكترون، فإنها تفقد بالتالي هذا الغلاف ويصبح الغلاف الذي يليه، والذي يحتوي على ثمانية إلكترونات هو الغلاف الخارجي (أقصى ما يحتمله أي مدار هو ثمانية إلكترونات)، وتحتوي ذرة الكلور على سبعة إلكترونات في غلافها الخارجي (قبل التفاعل) مع وجود مكان لإلكترون آخر حتى يصبح عدد الإلكترونات في هذا الغلاف ثمانية إلكترونات. وباكتساب هذا الإلكترون، فإن الغلاف الخارجي لأيون الكلور يصبح مشبعا. وتميل معظم العناصر بقوة إلي أن يكون لها غلاف إلكتروني خارجي مشبع.عن طريق فقد أو اكتساب إلكترونات أثناء التفاعلات الكيميائية.
ب – المساهمة في الإلكترونات
لا تتفاعل كل العناصر الكيميائية مع بعضها بعضا باكتساب أو فقد إلكترونات، وإنما يكون لدى الكثير منها القدرة على الاتحاد مع بعضها بعضا عن طريق المشاركة في الإلكترونات مع ذرات العنصر نفسه أو عنصر آخر، للوصول إلي الاستقرار المطلوب للإلكترونات. ويميل عنصرا الكربون والسيليكون وهما من أكثر العناصر انتشاراً في القشرة الأرضية، إلي المشاركة في الإلكترونات.
ويوضح شكل (2 – 4) مساهمة إلكترونين من ذرتي كلور ليكونا جزيئا من غاز الكلور. وعندما تتداخل المدارات الخارجية للإلكترونات، فإن أحد الإلكترونات السبعة الموجودة في المدار الخارجي لإحدي ذرتي الكلور تكمل المدار الخارجي للذرة المشاركة معها مكونة الثماني المستقر.
ويتكون معدن الماس من عنصر الكربون فقط. وبكل ذرة كربون أربعة إلكترونات في غلافها الخارجي، وتتشارك كل ذرة كربون مع أربع ذرات كربون مجاورة لها (شكل 2 – 6 أ). وعندما تتشارك الإلكترونات، فإن كل الذرات تظهر كما لو أن كل ذرة يدور حولها ثمانية إلكترونات في غلافها الخارجي. ولا يمكن اعتبار هذه الإلكترونات المشاركة اكتسبت أو فقدت. ولا تسمى هذه الذرات بالأيونات، حيث إن الذرات مازالت تمتلك عددها الأصلي من الإلكترونات.
ج – الجدول الدوري للعناصر
لقد عرف الكيميائيون منذ زمن طويل أن بعض مجموعات العناصر لها الخصائص الكيميائية نفسها، مثل درجة الغليان ودرجة الانصهار والميل للتفاعل كيميائياً مع عناصر أخرى، وتختلف هذه المجموعات بوضوح عن بعضها البعض. وحينما أصبح التركيب الذري للعناصر معروفاً، فقد اتضح أن الخصائص الكيميائية ترجع إلي تركيب أغلفة الإلكترونات لهذه العناصر.
ويرتب الجدول الدوري (شكل 2 – 5) العناصر (من اليسار إلي اليمين على امتداد الصف) طبقاً للعدد الذري (عدد البروتونات) مما يعني في الوقت نفسه زيادة عدد الإلكترونات في المدار الخارجي للعناصر في الاتجاه نفسه. فمثلا يبدأ الصف الثالث على اليسار بعنصر الصوديوم (عدده الذري 11) والذي يحتوي على إلكترون واحد في المدار الخارجي، يليه الماغنسيوم (عدده الذري 12) ويحتوي على إلكترونين في المدار الخارجي، فالألومنيوم (عدده الذري 13) ويحتوي على 4 إلكترونات في المدار الخارجي، فالسيليكون (عدده الذري 14) ويحتوي على 4 إلكترون في المدار الخارجي، فالفسفور (عدده الذري 15) ويحتوي على 5 إلكترونات في المدار الخارجي، فالكبريت (عدده الذري 16 ويحتوي 6 إلكترونات في المدار الخارجي، فالكلور (عدده الذري 17 ويحتوي على 7 إلكترونات في المدار الخارجي). والعنصر الأخير في هذا الصف هو الأرجون (عدده الذري 18 ويحتوي على 8 إلكترونات في المدار الخارجي، وهو أقصى عدد ممكن من الإلكترونات في المدار الخارجي. ويكون كل عمود في الجدول الدوري مجموعة رأسية من العناصر، تتميز بغلاف خارجي من الإلكترونات به عدد الإلكترونات نفسه.
العناصر التي تميل لفقد الإلكترونات: تتميز كل العناصر الموجودة في العمود الموجود في أقصى يسار الجدول الدوري بوجود إلكترون واحد في مدارها الخارجي، وتميل بشدة إلي فقد هذا الإلكترون في التفاعلات الكيميائية. ومن هذه المجموعة عناصر الهيدروجين والصوديوم والبوتاسيوم التي توجد بوفرة كبيرة على سطح الأرض، وفي قشرتها الخارجية. ويلي هذه المجموعة الرأسية العمود الثاني من اليسار، والذي يحتوي على عنصرين شائعين أيضا في القشرة الأرضية وهما الماغنسيوم والكالسيوم. وكل العناصر في هذا العمود يوجد بها إلكترونان في المدار الخارجي، وتميل بشدة إلي فقد هذين الإلكترونين أثناء التفاعلات الكيميائية.
العناصر التي تميل لاكتساب الإلكترونات: يشمل العمودان الرأسيان يمين الجدول الدوري مجموعة العناصر التي تميل إلي اكتساب الإلكترونات في مداراتها الخارجية ومنها عنصرا الأكسجين أكثر العناصر انتشاراً في الأرض، والفلور وهو غاز ضار بالصحة. فالعناصر الموجودة في العمود الذي يبدأ بعنصر الأكسجين تحتوي على 6 إلكترونات في أغلفتها الخارجية وتميل إلي اكتساب إلكترونين ليتشبع مدارها الخارجي بثمانية إلكترونات. أما العناصر التي توجد في العمود الذي يبدأ بعنصر الفلور فتحتوي على 7 إلكترونات في أغلفتها الخارجية وتميل إلي اكتساب إلكترون واحد.
العناصر الأخرى: تتميز الأعمدة التي توجد أقصى يسار الجدول الدوري، وتلك التي توجد أقصى يمينه بأن لها ميولا مختلفة نحو اكتساب أو فقد أو المشاركة في الإلكترونات. فالعمود الموجود في الناحية اليمنى والذي يبدأ بعنصر الكربون يضم عنصر السيليكون وهو من أكثر العناصر شيوعاً على الأرض. ويميل كل من الكربون والسيليكون، كما لاحظنا سابقا، إلي المشاركة في الإلكترونات. أما العناصر الموجودة في العمود الأخير أقصى اليمين والذي يبدأ بعنصر الهيليوم فإن أغلفتها الخارجية تكون مشبعة بالإلكترونات ولا تميل لاكتساب أو فقد إلكترونات. ولذلك فإن هذه العناصر على عكس بقية العناصر في بقية الأعمدة لا تتفاعل كيميائيا مع العناصر الأخرى إلا تحت ظروف خاصة جدا.
V1 – الروابط الكيميائية
ترتبط أيونات وذرات العناصر التي تكون المركبات الكيميائية المختلفة بقوى كهربية تعمل على جذب الإلكترونات يطلق عليها الروابط الكيميائية. وقد يكون هذا التجاذب قويا أو ضعيفا نتيجة لاكتساب أو فقد الإلكترونات أو المساهمة فيها. وبالتالي، تكون الروابط الناشئة عن هذا التجاذب قوية أو ضعيفة. وتعمل الروابط الكيميائية القوية على حفظ المادة من التحلل إلي عناصرها الأصلية أو إلي مركبات أخرى. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الروابط تجعل المعادن صلدة وتحافظ عليها من التكسر أو الفلق. وأكثر الروابط الكيميائية شيوعا في المعادن المكونة للصخور الرابطتان الأيونية والتساهمية.
أ – الروابط الأيونية
الرابطة الأيونية هى أبسط أنواع الروابط الكيميائية. وتنشأ هذه الرابطة نتيجة للتجاذب بين الأيونات المتضادة الشحنة مثل أيون الصوديوم الموجب وأيون الكلور السالب في كلوريد الصوديوم (شكل 2 – 3). وتقل قوة الرابطة الأيونية كثيرا كلما زادت المسافة بين الأيونات، بينما تزداد قوة الرابطة بزيادة الشحنات الكهربية للأيونات. والروابط الأيونية هى أكثر أنواع الروابط الكيميائية شيوعا في المعادن، حيث إن نحو 90% من المعادن هى في الأصل مركبات أيونية.
ب – الروابط التساهمية
تحدث الروابط التساهمية عندما تكون العناصر مركبات عن طريق التشارك في بعض إلكترونات مداراتها الخارجية دون أن تفقد أو تكتسب إلكترونات. وبصفة عامة فإن الروابط التساهمية تكون أقوى من الروابط الأيونية. والتركيب البلوري لمعدن الماس الذي يتكون من عنصر الكربون فقط، يتماسك عن طريق الروابط التساهمية. وكما رأينا سابقا في معدن الماس، فإن ذرة الكربون يكون بها أربعة إلكترونات في مدارها الخارجي، ويحتاج إلي أربعة إلكترونات أخرى بالمشاركة حتى يصبح المدار الخارجي مشبعا بثمانية إلكترونات (شكل 2 – 6 أ). وتكون كل ذرة (وليس أيونا) في معدن الماس محاطة بأربع ذرات أخرى مرتبة على هيئة شكل رباعي الأوجه، وهو هرم مكون من أربعة أوجه، كل وجه عبارة عن مثلث متساوي الأضلاع (شكل 2 – 6 ب). وفي هذا الترتيب، فإن كل ذرة كربون تشارك بإلكترون مع كل من الذرات الأربعة المجاورة لها. وبذلك تصل إلي حالة الاستقرار، حيث يوجد في غلافها الخارجي ثمانية إلكترونات. وقد تكون الروابط الكيميائية مرحلة وسطى بين الروابط الأيونية الصرفة والروابط التساهمية الصرفة، لأن بعض الإلكترونات يتم تبادلها والبعض الآخر تتم المشاركة فيه.
V – التركيب الذري للمعادن
تمثل المعادن تجمعا من الذرات مرتبة في شبكة بلورية في الأبعاد الثلاثة في الفراغ،ولا ترى حتى بالميكرسكوب العادي (شكل 2 – 7). وتساعد المناقشة السابقة عن الروابط الكيميائية بين الذرات والأيونات إلي فهم أوضح للأشكال المنتظمة التي تميز التركيب الذري للمعادن، وكذلك للظروف التي تكونت فيها المعادن. وتسمى المواد الصلبة التي تتميز بالبنية البلورية بالمواد المتبلورة. وكما سيتضح في هذا الفصل، فإن البنية البلورية للمعادن تعكس خواصها الطبيعية. هذا وسنناقش أولا طريقة تكون المعادن.
أ – طريقة تكون المعادن
تتكون المعادن بالتبلور، أي ينمو جزء صلب من مادة، بحيث تتجمع مكوناتها من الذرات مع بعضها البعض، حسب النسب الكيميائية الصحيحة والترتيب الذري المنتظم (علينا أن نتذكر أن ذرات المعدن تكون مرتبة في شبكة بلورية ثلاثية الأبعاد). ويمثل ارتباط ذرات الكربون بعضها ببعض في معدن الماس – وهو معدن يتكون بالرابطة التساهمية- أحد أمثلة التبلور والبناء البلوري. وأثناء نمو بلورة الماس، فإن بناءها الذري المكون من رباعيات أوجه من ذرات الكربون تمتد في كافة الاتجاهات بإضافة ذرات جديدة باستمرار في الترتيب الهندسي الصحيح (شكل 2 – 6). ومن المعلوم أنه يمكن تصنيع الماس تحت ظروف ضغط عال جدا وحرارة شديدة، والتي تحاكي الظروف في وشاح الأرض.
وأيونات الصوديوم والكلور التي تكون كلوريد الصوديوم – وهو معدن يتكون بالرابطة الأيونية – يمكن أن تتبلور أيضا في صفوف منتظمة في الأبعاد الثلاثة. ويوضح شكل (2 – 8) الترتيب الهندسي لأيونات كلوريد الصوديوم، حيث يحاط كل أيون بستة أيونات من النوع الآخر في سلسلة من ثمانيات الأوجه ممتدة في الأبعاد الثلاثة. ويكون حجم الذرات والأيونات متناهيا في الصغر، حيث يكون معظمها في حدود عدة عشرات من المليون من السنتيمتر، بحيث لا نستطيع أن نرى الترتيب البلوري لمعدن ما حتى باستخدام الميكروسكوبات ذات قوة التكبير العالية. إلا إنه يمكننا الآن أن نصور الترتيب الذري للبلورات باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني ذي قوة التكبير العالية (شكل 2 – 9).
وتبدأ عملية التبلور عندما تنخفض درجة حرارة السائل إلي درجة تجمد السائل. وفي حالة الماء فإن درجة الصفر هى الدرجة التي تبدأ تحتها بلورات الثلج (وهو معدن) في التبلور. وبالمثل عندما تبرد الصهارة وهى مادة صخرية منصهرة (ساخنة وسائلة)، تبدأ المعادن الصلبة في التبلور منها. فعندما تنخفض درجة حرارة الصهارة تحت درجة الانصهار، والتي قد تكون أعلى من 1000م، فإن بلورات المعادن السيليكاتية مثل الأولفين أو الفلسبار تبدأ في التكون.
كما أن هناك مجموعة من الظروف التي تؤدي إلي تبلور المعادن أثناء عملية الترسيب، حينما تبدأ السوائل في التبخر من المحاليل. ويتكون المحلول عندما تذاب مادة كيميائية في مادة أخرى، مثل الملح في الماء. وعندما يبدأ الماء في التبخر من محلول الملح، فإن تركيز الملح يتزايد حتى يصبح المحلول مشبعا بالملح –أي لا يستطيع أن يحتفظ بمزيد من الملح-. فإذا استمر البخر، فإن الملح يبدأ في الترسيب، بمعنى أن ينفصل عن المحلول مكونا بلورات.
وتبدأ عملية التبلور بتكوين بلورات منفردة ميكروسكوبية الحجم. والبلورات أجسام تحدها أسطح مستوية تكونت بفعل الطبيعة (أي ليست صناعية) تعرف بأوجه البلورة والوجه البلوري في المعدن هو انعكاس وتعبير خارجي عن البناء الذري الداخلي للمعدن. وتنمو البلورات الميكروسكوبية أثناء عملية التبلور، وتكون محتفظة بالأوجه البلورية المميزة لها، طالما أنه يمكنها النمو بحرية دون عوائق. وتتكون البلورات الكبيرة الحجم، ذات الوجه البلورية المحددة عندما يكون النمو بطيئا وبهدوء، وتتواجد في حيز يسمح لها بالنمو دون تداخل مع البلورات الأخرى القريبة منها (شكل 2 – 10 أ). ولهذا السبب، فإن معظم البلورات الكبيرة الحجم (شكل 2 – 10 ب) تتكون في الفراغات الواسعة في ثنايا الصخور، مثل الكسور المفتوحة أو الكهوف. وفي الغالب، فإن الفراغات بين البلورات النامية تكون ممتلئة أو أن عملية التبلور تتم بسرعة، ولذلك تنمو أوجه البلورة حينئذ وتتداخل مع بعضها البعض وتلتحم البلورات سابقة التكوين لتكون كتلة صلبة من الجسيمات المتبلورة. وفي هذه الكتلة المتبلورة، فإن عدداً قليلاً من الحبيبات يمكن أن تكون بعض الأوجه، أو قد تكون الحبيبات المتبلورة عديمة الأوجه تماما.
أما المواد غير المتبلورة (مشتقة من اليونانية بمعنى شكل) والتي تعرف أيضا بالمواد الزجاجية فهى المواد التي تتصلب بسرعة من السوائل (الصخور المنصهرة) بحيث لا يكون بها أي نظام تبلور داخلي. وعلى العكس، فإنها توجد على هيئة كتل لها أسطح غير مستوية ذات مكسر محاري (أسطح مستوية ومنحنية). ومعظم الزجاج الشائع هو زجاج بركاني تكون أثناء النشاط البركاني.
ب – الإحلال الأيوني
يوضح شكل (2 – 8) الأحجام النسبية للأيونات في كلوريد الصوديوم، ويتضح منه أنه توجد ستة أيونات متجاورة في الوحدة البنائية الأساسية لكلوريد الصوديوم. وتسمح الأحجام النسبية لأيونات الصوديوم والكلوريد أن تتراص في ترتيب متقارب.
ويتناسب حجم الأيون مع التركيب الذري للعناصر (شكل 2 – 11). ويزداد حجم الأيونات مع زيادة عدد الإلكترونات وأغلفة الإلكترونات. كما تؤثر شحنة الأيون على حجمه أيضا. وكلما زاد عدد الإلكترونات التي يفقدها العنصر ليصبح كاتيون، زادت شحنته الموجبة وزادت قوة الجذب الكهربي بين نواته وبين الإلكترونات المتبقية. وتكون معظم كاتيونات المعادن الشائعة صغيرة نسبيا، بينما تكون معظم الأيونات كبيرة، ومثال ذلك أنيون الأكسجين، وهو الأكثر انتشارا في الأرض. وبما أن الأنيونات تكون أكبر من الكاتيونات، فإن معظم فراغ البلورة تشغله الأنيونات، بينما تتوزع الكاتيونات في الفراغات الموجودة بينها. ونتيجة لذلك، تتحدد البنيات البلورية اعتمادا على الطريقة التي تترتب بها الأنيونات، وطريقة وضع الكاتيونات بينها.
الإحلال الكاتيوني: بنية بلورية واحدة وتراكيب كيميائية مختلفة
تستطيع الكاتيونات المتماثلة في الحجم والشحنة أن تحل محل بعضها البعض، وأن تكون مركبات لها البنية البلورية نفسها، ولكن بتركيب كيميائي مختلف. ويشيع الإحلال الأيوني في المعادن السيليكاتية، والتي تتحد فيها الكاتيونات مع أيون السيليكات. ويوضح معدن الأوليفين هذه العملية، وهو معدن شائع في الصخور البركانية. فأيون الحديد والماغنسيوم تكون متشابهة في الحجم ويحملان شحنتين موجبتين، ولذلك فهما يحلان محل بعضهما بعضا بسهولة في البنية البلورية لمعادن الأوليفين. فتركيب الأوليفين الماغنيسيومي النقي يعرف بالفورشتريت بينما الأوليفين الحديدي النقي يعرف بالفايالايت. ويمكن توضيح تركيب معدن الوليفين المحتوي على كل من الحديد والماغنسيوم والتي تعني ببساطة أن عدد كاتيونات الحديد والماغنسيوم يمكن أن تتغير، إلا أن مجموعهما (والمشار إليه بالعدد السفلي 2) لا يتغير بالنسبة لكل أيون سيليكات. وتتحدد نسبة الحديد إلي الماغنسيوم بناءً على التواجد النسبي للعنصرين في الصهارة التي يتبلور منها معدن الأوليفين. وفي كثير من معادن السيليكات حيث إن أيوني الألومنيوم والسيليكون متشابهان في الحجم، بحيث يحل اللومنيوم محل السيليكون في عدد من البنيات البلورية. ويتم معادلة الفرق في الشحنات بين الألومنيوم والسيليكون عن طريق زيادة أحد الكاتيونات الأخرى، مثل كاتيون الصوديوم.
2 – التعدد الشكلي: بنيات بلورية مختلفة وتركيب كيميائي واحد
من المعروف أن كل معدن بنية بلورية داخلية مميزة. إلا أنه قد تكون للمادة الكيميائية الواحدة أكثر من بنية بلورية، وبالتالي أكثر من نوع من المعادن للمادة الكيميائية نفسها. ويطلق على هذه البنيات البلورية المختلفة للتركيب الكيميائي نفسه اسم متعددة الشكل. ويعتمد تكون البنية البلورية على الظروف المحيطة بالمادة أثناء تبلورها من الضغط ودرجة الحرارة، وبالتالي على العمق الذي توجد عنده المادة أثناء تبلورها تحت سطح الأرض. فالماس والجرافيت (المادة المستخدمة في أقلام الرصاص) معدنان يتميزان بظاهرة التعدد الشكلي، حيث إنهما يتكونان من عنصر الكربون، ولهما بنية بلورية مختلفة ومظهر مختلف تماما (شكل 2 – 12). فالماس يتبلور في فصيلة المكعب بينما يتبلور الجرافيت في فصيلة السداسي. وتدل التجارب والمشاهدات الجيولوجية أن الماس يتكون ويبقى مستقرا عند درجات الحرارة والضغوط العالية للغاية الموجودة في الوشاح. حيث يجبر الضغط العالي في الوشاح ذرات الماس على أن تكون متقاربة التعبئة. وبالتالي فإن للماس كثافة عالية جدا وتبلغ 3.5جم/سم. ويتكون الجرافيت ويبقى مستقرا عند درجات حرارة وضغط متوسط، مثل ذلك الذي يوجد في القشرة الرضية. ويوضح جدول (2 – 1) بعض المعادن المتعددة الشكل الشائعة.
1V – المعادن المكونة للصخور
صنفت المعادن طبقاً لتركيبها الكيميائي إلي ثماني مجموعات. فبعض المعادن مثل النحاس تتواجد في الطبيعة كعناصر نقية غير متأينة، تعرف بالمعادن العنصرية. أما معظم المعادن فإنها تصنف تبعا لنوع الأنيون المكون لها. فالأوليفين يصنف كسيليكات طبقاً لأنيون السيليكات. ويصنف معدن الهاليت والسيلفيت كهاليدات طبقا لأنيون الكلوريد، والكالسيت طبقا لأنيون الكربونات.
ولقد تمكن العلماء من تعريف حوالي 3500معدن حتى الآن. وتوجد معظم هذه المعادن في القشرة الأرضية، بالإضافة إلي عدد قليل من المعادن التي أمكن تعريفها في صخور النيازك. كما أمكن اكتشاف معدنين جديدين في صخور القمر.
وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من المعادن، فإن الشائع منها فقط حوالي 30 معدنا تمثل الوحدات البنائية لمعظم صخور القشرة الأرضية، ولذلك فإنها تسمى المعادن المكونة للصخور. وهذه تتواجد بوفرة في القشرة الرضية. حيث يتكون نحو 99% من القشرة الأرضية من اثنى عشر عنصرا فقط بكميات تزيد نحو 0.1؟%. وتعرف تلك العناصر بالعناصر الرئيسية (جدول 2 – 2). وهكذا تتكون القشرة الأرضية من عدد محدود من المعادن، التي تتكون من واحد أو أكثر من تلك العناصر الاثنى عشر الشائعة.
ولا تتواجد العناصر الشحيحة وهى العناصر التي تتواجد بكميات أقل من 0.1 في القشرة الأرضية كمعادن مستقلة، وإنما تميل إلي أن تتواجد في المعادن المكونة للقشرة الأرضية بالإحلال الأيوني. فعلى سبيل المثال، يحتوي معدن الأوليفين بالإضافة إلي عناصر الماغنسيوم والحديد والسيليكون والأكسجين، وهى العناصر الرئيسية في ذلك المعدن، على كميات قليلة من النحاس والنيكل والكادميوم والمنجنيز، بالإضافة لعديد من العناصر الأخرى نتيجة الإحلال الأيوني للماغنسيوم والحديد. ونناقش فيما يلي أكثر المعادن المكونة للصخور شيوعاً:
أ – السيليكات وهى أكثر المعادن شيوعا في القشرة الأرضية، وتتكون من الأكسجين والسيليكون، وهما أكثر العناصر انتشارا في القشرة الأرضية – وتكون متحدة مع كاتيونات عناصر أخرى.
ب – الكربونات وهى معادن مكونة من الكربون والأكسجين في هيئة أيون الكربونات متحدا مع الكالسيوم والماغنسيوم مثل معدن الكالسيت.
ج – الأكاسيد وهى مجموعة من مركبات الأكسجين والكاتيونات الفلزية مثل معدن الهيماتيت.
د – الكبريتيدات وهى مركبات لأينيون الكبريتيد وكاتيونات فلزية، مثل معدن البيريت.
ه – الكبريتات وهى مركبات أنيون الكبريتات وكاتيونات فلزية، وتضم معدن الأنهيدريت.
أما باقي المجموعات الكيميائية من المعادن، والتي تشمل المعادن، والتي تشمل المعادن العنصرية والهاليدات والفوسفات، فإنها لا تتواجد بدرجة تواجد المعادن المكونة للصخور. ونتناول هنا بشيء من التفصيل كل من هذه المجموعات:
أ – السيليكات
يعتبر أيون السيليكات هو الوحدة الأساسية المكونة لبنية كل معادن السيليكات. ويتكون أيون السيليكات من أربعة أيونات أكسجين تتشارك في الإلكترونات مع أيون السيليكون الأصغر حجما، والذي يقع في الفراغ بين أيونات الأكسجين (شكل 2 – 13).
ويؤدي هذا الترتيب لتكوين شكل هرمي مكون من أربعة أوجه، لتكون ما يسمى برباعي الأوجه، وكل وجه في هذا الشكل الهرمي يتكون من مثلث متساوي الأضلاع (شكل 2 – 13). ويكون كل ركن من أركان رباعي الأوجه مركزا لذرة أكسجين. ورباعي الأوجه للسيليكون والأكسجين عبارة عن أنيون يحمل أربع شحنات سالبة تتعادل بأربع شحنات موجبة. وليتكون معدن متعادل كهربيا، فإن هذا التعادل يتم بطريقتين:
- ارتباط الأيون مع كاتيونات مثل: الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم، والماغنسيوم والحديد.
- مشاركة أيون الأكسجين من رباعيات الأوجه للسيليكون والأكسجين مع رباعيات الأوجه الأخرى.
وتتكون كل معادن السيليكات من رباعيات الأوجه للسيليكون والأكسجين كوحدات أساسية مرتبطة بالطريقتين السابقتين. وقد تكون رباعيات الأوجه مفردة أو مرتبطة في حلقات أو في سلاسل مفردة أو في سلاسل مزدوجة أو في هيئة صفائح أو على هيئة سيليكات هيكلية (إطارية)، كما هو موضح في شكلي (2 – 14 و2 – 17). وجدير بالذكر أن نسبة ذرات الأكسجين إلي ذرات السيليكون تختلف في بنيات السيليكات المختلفة. ففي رباعيات الأوجة المفردة توجد 4 ذرات أكسجين لكل ذرة سيليكون. أما في السلسة المفردة فإن نسبة الأكسجين إلي السيليكون تكون 3 :1. أما في السيليكات الهيكلية (الإطارية) فإن هذه النسبة تكون 2 : 1. وبالتالي، فكلما زاد عدد ذرات الأكسجين زادت نسبة السيليكون في التركيب. ولذلك توصف معادن السيليكات بأنها عالية أو منخفضة في محتوى السيليكا اعتمادا على نسبة الأكسجين إلي السيليكون. وفيما يلي وصف مختصر لكل من هذه الأنواع من رباعيات الأوجه:
رباعيات الأوجه المفردة: ترتبط رباعيات الأوجه المفردة بالكاتيونات، حيث يرتبط كل أيون أكسجين في رباعي الأوجه بكاتيون (شكل 2 – 15). وترتبط الكاتيونات بدورها بأيونات الأكسجين في رباعيات الأوجه الأخرى. وهكذا تعزل الكاتيونات رباعيات الأوجه عن بعضها البعض من كل الجهات. والأوليفين هو أحد المعادن المكونة للصخور والمكونة من رباعيات الأوجه المفردة.
ويتكون الأوليفين عند درجات حرارة عالية، ويكون لونه أسود إلي أخضر زيتوني، وله بريق زجاجي ومكسر محاري. ويتكون من بلورات صغيرة حبيبية المظهر عادة. ويتكون الأوليفين من مجموعة من المعادن، ولذا فإنه يقدم نموذجا بسيطا على الطريقة التي يتغير فيها التركيب بين طرفي سلسلة متصلة. وكما ذكرنا سابقا، فإننا نستخدم مصطلح مجموعة معدنية لوصف المعدن الذي يحدث فيه إحلال كاتيوني دون تغير في نسبة الكاتيونات إلي الأنيونات. ويمثل معدنا الفورشتريت والفيالايت طرفي السلسلة، حيث يحدث إحلال للحديد أو الماغنسيوم محل بعضهما في البنية البلورية للمعدن، وتتغير نسبة الحديد إلي الماغنسيوم نتيجة لذلك مجموعة معادن الأوليفين.
ومن المجموعات المعدنية المهمة التي تتميز باحتوائها على رباعيات الأوجه السيليكاتية المفردة مجموعة معادن الجارنت، والتي يؤدي الإحلال الكاتيوني فيها إلي تكوين مركبات أكثر تنوعا من تلك التي شاهدناها في مجموعة الأوليفين. والصيغة العامة لهذه المجموعة هى، حيث يرمز الحرف للكاتيونات ثنائية التكافؤ مثل: الماغنسيوم أو الحديدوز أو الكالسيوم أو المنجنيز أو أي خليط من تلك الكاتيونات. بينما يرمز الحرف (B) للكاتيونات ثلاثية التكافؤ مثل: اللومنيوم (AI)أو الحديديك (Fe) أو الكروم (Cr) أو خليط منها. ويوجد الجارنت في الصخور المتحولة الموجودة في القشرة القارية، كما قد توجد بلورات كبيرة وجميلة منه في صخور الجرانيت أحيانا (شكل 2-16). ويتميز الجارنت كذلك بصلادته العالية، ولذلك يستخدم في أحجار الطحن والتلميع وأقراص تقطيع الصخور.
الترابط الحلقي: تتكون حلقات رباعيات الأوجه عندما ترتبط أيونات الأكسجين في كل رباعي أوجه مع رباعيات الأوجه المجاورة لها مكونة حلقات مغلقة (شكل 2 – 17 ب). حيث يشارك في هذه الحلقات أيوني أكسجين من كل رباعي أوجه مع رباعيات الأوجه الأخرى (رباعي أوجه واحد على كل جانب). وقد ترتبط في هذه الحلقات ثلاثة أو أربعة أو ستة رباعيات أوجه مع بعضها البعض. ويتميز معدن الكورديريت الشائع في الصخور المتحولة بهذه البنية البلورية.
ترابط السلاسل المفردة: تتكون السلاسل المفردة عن طريق المشاركة في أيونات الأكسجين. حيث يرتبط أيونان من الأكسجين من كل رباعي أوجه مع رباعيات الأوجه المجاورة لها، في هيئة سلاسل مفتوحة (شكل 2 – 17 ج). ويرتبط السلاسل المفردة مع السلاسل الأخرى المجاورة لها بواسطة الكاتيونات. وتتكون معادن مجموعة البيروكسين بهذه الطريقة. فمثلا، يتكون معدن الإنستاتيت (أحد معادن مجموعة البيروكسين) من أيونات الحديد أو الماغنسيوم أو كليهما، والتي ترتبط معا في سلسلة من رباعيات الأوجه يحل فيها الحديد والماغنسيوم محل بعضهما البعض، كما هو الحال في مجموعة معادن الأوليفين. ويعبر عن بنية هذا المعدن بالصيغة الكيميائية. ومن أشهر أمثلة معادن البيروكسين معدن الأوجيت.
ترابط السلاسل المزدوجة: قد تترابط سلسلتان مفردتان من سلاسل البيروكسين ليكونا سلسلة واحدة مزدوجة نتيجة للتشارك في أيونات الأكسجين، (شكل 2 – 17 د). وترتبط السلاسل المزدوجة المتجاورة معا بواسطة الكاتيونات، لتكون مجموعة معادن الأمفيبول، والتي تتميز بوجود مجموعة الهيدروكسيل. ومعدن الهورنبلند هو أحد معادن الأمفيبول الشائعة في كل من الصخور النارية والمتحولة. وتركيب معدن الهورنبلند معقد للغاية، حيث يحتوي على أيونات الكالسيوم والصوديوم والماغنسيوم والحديدوز والألومنيوم، ويكون لون معدن الهورنبلند أخضر داكن إلي أسود عادة. ويشبه معدن الهورنبلند معدن الأوجيت في الشكل، إلا أن معدن الهورنبلند يتميز بتكوين بلورات مستطيلة تتقاطع فيها مستويات الانفصام عند نحو 56 و124، بينما تبدو بلورات معدن الأوجيت كتلية الشكل وتكون مستويات انفصام متعامدة تقريبا على بعضها البعض.
الترابط الصفائحي
تتكون البنية الصفائحية عندما تتشارك ثلاثة أيونات أكسجين من كل رباعي أوجه مع رباعيات الأوجه المجاورة لها لتتكون صفائح متراصة من رباعيات الأوجه فوق بعضها البعض (شكل 2 – 17 هـ و2 – 18 أو ب)، بينما تتواجد الكاتيونات كطبقة فاصلة بين تلك الصفائح المتراصة. ومعادن مجموعة الميكا ومجموعة معادن الطين هى أكثر المعادن السيليكاتية الصفائحية انتشارا. وتختلف مجموعة معادن الميكا عن مجموعات معادن السيليكات السابقة، في أن مجموعة معادن الميكا تضم عناصر قلوية (بوتاسيوم أو صوديوم أو ليثيوم)، بالإضافة إلي عدم وجود عنصر الكالسيوم. ويتواجد معدن المسكوفيت في عديد من الصخور، حيث يمثل أحد أكثر معادن السيليكات الصفائحية انتشاراً.ويمكن فصل المعدن في صفائح رقيقة للغاية وشفافة. ومعدن البيوتيت هو أحد معادن الميكا الغنية بالحديد، حيث يتميز أيضا بمظهره الأسود اللامع. وهى الصفة التي تميزه عن بقية المعادن الحديدومغنيسية الداكنة اللون. ومعدن البيوتيت مثل معدن الهورنبلند معدن شائع في الصخور القارية مثل صخر الجرانيت الناري وصخر الشست المتحول.
وتتميز المعادن الطينية بتركيبها الصفائحي، وتكون أكثر انتشارا في حياتنا اليومية من بقية المعادن، حيث تكون جزءاً رئيسيا من تركيب التربة. وتتكون المعادن الطينية عند سطح الأرض عندما يتفاعل الهواء والماء مع المعادن السيليكاتية المختلفة، فتتكسر لتكون معادن الطين ومواد أخرى. وبلورات معادن الطين ميكروسكوبية، ويتم تعرفها فقط باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني. وتتميز معظم معادن الطين بوجود انفصام كامل مواز للصفائح (شكل 2 – 19)، ويمكن تمييز أكثر من اثنى عشر نوعا من التركيب الكيميائي. ويمثل معدن الكاولينيت أحد معادن الطين الشائعة في الرواسب، وهو مادة خام رئيسية في صناعة الفخار والخزف والصيني.
وتتكون معادن مجموعة السربنتين من مادة ثلاثية التشكل، لها تركيب كيميائي واحد، ولكنها تكون ثلاثة معادن تختلف في بنائها البلوري وشكلها البلوري، وهى معادن الكريزوتيل والأنتيجوريت والليزارديت، والتي توجد مع بعضها البعض ككتل خضراء دقيقة الحبيبات، وهى تتكون نتيجة تغير معادن الأوليفين أو أي معادن سيليكاتية أخرى. ويطلق على معدن الكريزوتيل، المكون من ألياف بيضاء، والاسم التجاري الأسبستوس.
الترابط أو التشابك الإطاري (الهيكلي)
يحدث الترابط أو التشابك الإطاري (الهيكلي) عندما تتشارك جميع أيونات الأكسجين في كل رباعيات الأوجه مع رباعيات أوجه أخرى لتكون بناءً هيكليا يمتد في الأبعاد الثلاثة. ومن معادن السيليكات ذات البنية الإطارية (الهيكلية) مجموعتي معادن الفلسبار والسيليكا، والتي تمثل أكثر المعادن شيوعا في القشرة الأرضية، حيث يكون الفلسبار نحو 60% من كل معادن القشرة القارية، وهو يكون مع الكوارتز نحو 75% من حجم هذه القشرة. كما أن الفلسبار شائع أيضا في صخور قيعان المحيطات.
والفلسبار له التركيب الإطاري (الهيكلي) نفسه للكوارتز، إلا أنه يختلف عنه في أن الكوارتز يتكون من الأكسجين والسيليكون فقط، بينما تحتوي رباعيات الأوجه السيليكاتية في الفلسبار على AI ليحل محل si، وتصبح الصيغة الكيميائية O8(AISi3). ويؤدي ذلك إلي وجود شحنة سالبة زائدة يتم معادلتها بإضافة أيونK+لتصبح الصيغةKAISi3O8، وهو معدن الأرثوكليز أحد أهم معادن مجموعة الفلسبار. وفي معدن الألبيت NaAISiO8، وهو معدن مهم آخر، يعادل أيون الصوديوم الشحنة السالبة بدلا من أيون البوتاسيوم. أما المعدن المهم الثالث في تلك المجموعة فهو معدن الأنورثيت، الذي يحتوي على الكالسيوم بدلا من البوتاسيوم أو الصوديوم. ونظرا لوجود شحنتين موجبتين على أيون الكالسيوم، فلابد أن يحدث تعديل، حيث يتم إدخال أيون ألومنيوم ثاني بدلا من أيون سيليكون آخر لتصبح الصيغة الكيميائيةCaAI2Si2O8 (معدن الأنورثيت).
وحيث إن ذرتي الصوديوم والكالسيوم متقاربتان في نصف القطر، فإن أيون الكالسيوم يحل محل أيون الصوديوم إحلالا كاملا في البنية البلورية ليعطي عددا من المعادن ذات التركيب المتوسط بين معدني الألبيت والأنورثيت. وتعرف هذه السلسلة من المعادن بالبلاجيوكليز.
وتشمل معادن السيليكا معدن الكوارتز، وهو المعدن الشائع الوحيد المكون من الكسجين والسيليكون فقط. ويعتبر ثاني أكسيد السيليكون أبسط السيليكات من الوجهة الكيميائية، ويسمى أيضا سيليكا. ويكون معدن الكوارتز بلورات سداسية الجوانب لها ألوان جميلة، وتنشأ الألوان من وجود كميات ضئيلة من الحديد أو الألومنيوم أو التيتانيوم أو أي عناصر أخرى تتواجد نتيجة الإحلال الأيوني. ويوجد الكوارتز في الصخور النارية والمتحولة والرسوبية. والكوارتز أحد أكثر المعادن انتشارا كحجر كريم ومعدن زينة. كما توجد أنواع معينة من الكوارتز التي تتكون نتيجة الترسيب من محاليل ماء بارد وتكون دقيقة الحبيبات جدا لدرجة أنها تبدو عديمة التبلور. ولا يمكن تعرف البنية البلورية الداخلية التي تميز المعادن إلا باستخدام ميكروسكوبات ذات قوة تكبير عالية أو باستخدام الأشعة السينية أو وسائل بحث أخرى. وتعرف أشكال الكوارتز دقيقة الحبيبات بالكالسيدوني. وتشمل أنواع الكالسيدوني نوعيات ملونة يستعمل بعضها كأحجار شبه كريمة مثل الأجيت، وهو يتميز بوجود راقات ملونة، والفلنت وهو نوع صلد وكتلي، والجاسبر وهو ذو لون أحمر متجانس.
ب – الكربونات
يعتبر معدن الكالسيت (كربونات الكالسيوم) من أكثر المعادن غير السيليكاتية شيوعا في القشرة الأرضية (شكل 2 – 20 أ)، كما يعتبر المكون الرئيسي في مجموعة من الصخور يطلق عليها الصخور الجيرية. والوحدة البنائية الأساسية في المعدن هى أيون الكربونات المكون من ذرة كربون محاطة بثلاث ذرات أكسجين في شكل مثلث. حيث يتشارك أيون الكربون مع أيونات الأكسجين في الإلكترونات. وتترتب مجموعات أيونات الكربونات في صفائح مماثلة إلي حد ما للسيليكات الصفائحية. حيث ترتبط الصفائح مع بعضها البعض بطبقات من الكاتيونات (شكل 2 – 20 ب). ففي معدن الكالسيت تفصل طبقات من أيونات الكالسيوم صفائح أيونات الكربونات. كما أن معدن الدولوميت وهو معدن شائع أيضا من نفس صفائح الكربونات المنفصلة عن بعضها بعضا بطبقات متبادلة من أيونات الكالسيوم وأيونات الماغنسيوم.
ج – الأكاسيد
تتكون معادن الأكاسيد من مركبات كيميائية يرتبط فيها الأكسجين مع ذرات أو كاتيونات لعناصر أخرى، تكون عادة فلزية مثل الحديد. وتترابط معظم معادن الأكاسيد أيونيا، حيث تتغير البنيات تبعا لحجم الكاتيونات الفلزية. وهذه المجموعة لها أهمية اقتصادية كبيرة، حيث إنها تضم خامات معظم الفلزات، مثل الكروم والتيتانيوم، المستخدمة في صناعة المواد الفلزية، كما أن الهيماتيت هو أحد خامات الحديد الأساسية.
ومن المعادن الشائعة الأخرى في هذه المجموعة معدن السبيل، وهو أكسيد يتكون من فلزي الماغنسيوم والألومنيوم. ويتميز هذا المعدن بوجود بنية محكمة التعبئة في صورة المكعب، وله كثافة عالية تصل إلي 3.6جم/سم3، مما يعكس ظروف تكوينه تحت ضغط مرتفع وحرارة عالية. والسبيل الشفاف من المعادن الكريمة التي تشبه الياقوت والسافير، ويوجد ضمن مجوهرات التاج الإنجليزي والروسي.
د – الكبريتيدات
تضم مجموعة الكبريتيدات الخامات الرئيسية لمعظم المعادن ذات القيمة الاقتصادية مثل النحاس، والزنك والشكل. وتشمل هذه المجموعة مركبات لأيون الكبريتد مع كايتونات فلزية حيث تكتسب ذرة الكبريت في أيون الكبريتيد إلكترونان من غلافها الخارجي. وتبدو معظم معادن الكبريتيدات مثل الفلزات، كما أن كلها تقريبا معتمة. وتختلف بنيات هذه المعادن نتيجة الطريقة التي تتحد بها أنيونات الكبريتد مع الكاتيونات الفلزية. ومعدن البيريت من أكثر معادن الكبريتيدات انتشارا، والذي يطلق عليه كثيرا "ذهب المغفلين" بسبب بريقة الفلزي الأصفر.
هـ - الكبريتات
يتواجد الكبريت في الكبريتات على هيئة أيون الكبريتات، وهو عبارة عن شكل رباعي الأوجه مكون من ذرة كبريت واحدة فقدت 6 إلكترونات من مدارها الخارجي ومتحدة مع 4 أيونات أكسجين لتعطي الصيغة. وأيون الكبريتات هو القاعدة لبنيات عديدة. وهو المكون الأولي للجص. ويتكون معدن الجبس نتيجة بخر ماء البحر، حيث يتحد أيونا الكالسيوم والكبريتات وهما أيونان شائعان في ماء البحر، ويترسب الجبس كطبقات في الرواسب، مكونا كبريتات الكالسيوم، (النقطة في هذه الصيغة تعني أن جزئيي الماء مرتبطان مع أيونات الكالسيوم والكبريتات). أما معدن الأنهيدريت والذي يختلف عن معدن الجبس في عدم احتوائه على الماء. وقد اشتق اسم معدن الأنهدريت من كلمة anhydrous والتي تعني "دون ماء". ومعدن الجبس يكون مستقرا تحت درجات الحرارة والضغط المنخفطة السائدة عند سطح الأرض، بينما يكون معدن الأنهدريت مستقرا عند درجات الحرارة الأعلى، وضغوط الصخور الرسوبية المدفونة.
ولا ترجع أهمية البنية البلورية والتركيب الكيميائي للمعادن إلي الحاجة إليها في ترتيب معوماتنا عن المعادن فقط، ولكن للحاجة إليها أيضا في تعرف الخواص الفيزيائية للمعادن وهو ما سنناقشه فيما يلي:
V11 – الخواص الفيزيائية للمعادن
يستخدم الجيولوجيون التركيبات الكيميائية وبنيات المعادن لفهم أصل الصخور التي تكونها هذه المعادن، وبالتالي يمكن فهم طبيعة العمليات الجيولوجية التي تعمل داخل وفوق سطح الأرض. ويبدأ هذا الفهم غالبا في الحقل بمحاولات التعرف وتصنيف المعادن غير المعروفة حيث يعتمد الجيولوجيون على الخواص الكيميائية والفيزيائية التي يمكن ملاحظتها بسهولة إلي حد ما. وقد اعتاد الجيولوجيون منذ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حمل أدوات للتحليل الكيميائي الأولى للمعادن في الحقل للمساعدة في التعرف عليها. وأحد هذه الاختبارات استخدام حمض الهيدروكلوريك المخفف على المعدن لرؤية فورانه من عدمه. ويدل الفوران على هروب ثاني أكسيد الكربون مما يعني احتمال أن يكون المعدن كربوناتي التركيب. وسنستعرض في بقية هذا الفصل الخواص الطبيعية للمعادن التي يدل الكثير منها على قيمتها العملية التطبيقية أو استخدامها كأحجار كريمة.
أ – الصلادة
الصلادة إحدى الصفات المهمة للمعادن، وهى صفة تعبر عن مقاومة المعدن للخدش. فكما أن الماس وهو أعلى المعادن المعروفة صلادة يخدش الزجاج، فالكوارتز يخدش الفلسبار لأنه أكثر صلادة منه. ولا يتطلب قياس الصلادة وسائل خاصة، حيث ابتكر فريدرك موهز عام 1882م مقياسا للصلادة يعرف بمقياس موهز للصلادة، ويتكون من عشرة معادن ذات صلادات متدرجة. وقد أعطى كلا منها رقما يبدأ من أقلها صلادة وهو التلك الذي يحمل رقم(1) إلي أكثرها صلادة وهو الماس ويحمل رقم (10). ويستطيع المعدن الأعلى في الترتيب أن يخدش المعدن الأدنى في الترتيب. وبالتالي فإن الماس يستطيع أن يخدش الكوارتز (7)، بينما يستطيع الكوارتز أن يخدش كل المعادن التي تليه على المقياس مثل الكالسيت(3) (جدول 2 – 3).
وما يزال مقياس موهز أحد أفضل الوسائل العملية لتعريف معدن غير معروف. فيستطيع جيولوجي الحقل عن طريق استخدام نصل سكين، وبعض المعادن المعروفة على مقياس الصلادة، تحديد موقع معدن غير معروف على مقياس موهز للصلادة، فإذا كان المعدن غير المعروف يمكن أن يخدش بقطعة من الكوارتز، ولكن لا يخدش نصل السكين، فالمعدن يقع بين 5 و7 على المقياس.
ونظرا لآن الروابط التساهمية تكون عموما أقوى من الروابط الأيونية، وحيث إن صلادة أي معدن تعتمد على قوة رابطته الكيميائية، فكلما كانت الرابطة قوية كان المعدن أكثر صلادة. ونظرا لعدم ثبات البنية البلورية في معادن مجموعة السيليكات، فإن صلادتها تتغير أيضا. فصلادة معادن السيليكات تتفاوت من 1 في التلك (سيليكات صفائحية) إلي 8 في التوباز (معدن سيليكات مكونة من رباعيات الأوجه المفردة). وتقع معظم السيليكات في المدى بين 5 – 7 على مقياس موهز للصلادة، باستثناء السيليكات الصفائحية التي تكون درجة صلادتها منخفضة، وتتراوح بين (1) و(3).
ب – الانفصام الانفصام هو قابلية بلورة معدن ما للتكسر على امتداد أسطح مستوية معينة، وينتج عنها أسطح جديدة تعرف بمستويات الانفصام. كما يستخدم المصطلح أيضا لوصف نمط الأشكال الهندسية الناتجة عن هذا التكسر. ويتناسب الانفصام عكسيا مع قوة الرابطة الكيميائية – فكلما كانت الرابطة أكثر قوة كان الانفصام أكثر ضعفا والعكس بالعكس. ولذلك تتميز المعادن ذات الرابطة التساهمية القوية عموما بانفصام ضعيف أو عدم وجود انفصام على الإطلاق. أما المعادن ذات الرابطة الأيونية الضعيفة نسبيا فإنها تتميز بانفصام كامل. فمعدن المسكوفيت وهو أحد معادن مجموعة الميكا السيلكياتية له بنية صفائحية على امتداد أسطح ناعمة مستوية ومتوازية، وذات بريق، مما يؤدي إلي تكون صفائح رقيقة شفافة سمكها أقل من ميليمتر واحد. ويرجع وجود الانفصام التام في معادن الميكا إلي ضعف الروابط التي تفصل بين الطبقات المكونة من صفائح الميكا، والتي تتكون من رباعيات الأوجه السيلكياتية (شكل 2 – 18)، وتشبه طبقة الزبد الموضوعة بين شطيرتي الخبز. ويصنف الانفصام طبقا لعدد مستويات الانفصام ونمطه، وكذلك نوعية الأسطح الفاصلة ومدى سهولة عملية الانفصام.
عدد مستويات الانفصام ونمطه: يعتبر عدد مستويات الانفصام ونمطه أحد السمات المميزة للعديد من المعادن المكونة للصخور (شكل 2- 21). فمعدن المسكوفيت له مستوى انفصام واحد، بينما يتميز الكالسيت والدولوميت بوجود ثلاثة مستويات انفصام، مما يؤدي إلي تكون شكل معيني الأوجه.
وتحدد البنية البلورية للمعدن مستويات الانفصام وعدد أوجه البلورة. وتتميز البلورات عموما بوجود عدد من مستويات الانفصام أقل من عدد أوجها البلورية. حيث تتكون الأوجه البلورية على امتداد العديد من المستويات التي تحددها صفوف من الذرات أو الأيونات، بينما تتكون مستويات الانفصام على امتداد بعض هذه المستويات فقط، عندما تكون الرابطة الكيميائية ضعيفة.
وقد تتميز كل بلورات المعدن بوجود الانفصام المميز، إلا أن بعض البلورات قد تظهر بعض الأوجه الخاصة. فبلورات معدن الجالينا والهاليت (شكل 2 – 22)، تنفصل على امتداد ثلاثة مستويات مكونة مكعبات كاملة. ويمكن اعتمادا على قيمة الزاوية المحصورة بين مستويات الانفصام التعرف على مجموعتين مهمتين من السيليكات هما معادن البيروكسين والأمفيبول. أما معادن البيروكسين فتكون مستويات الانفصام متعامدة تقريبا على بعضها البعض (93). ويبدو الانفصام في القطاع المستعرض لها على هيئة مربع تقريبا. أما معادن الأمفيبول فتتقاطع مستويات الانفصام مع بعضها البعض بزوايا 56 و124. ويبدو الانفصام في القطاع المستعرض لمعادن الأمفيبول على هيئة شكل معيني.
نوعية سطح الانفصام وسهولته: يعتمد وصف انفصام المعدن على نوع الأسطح الناتجة عن الانفصام وسهولته. فقد يوصف الانفصام بأنه تام إذا كان ينفصم بسهولة مكونا أسطح ناعمة ومستوية تماماً، كما في معدن المسكوفيت. وقد يوصف الانفصام بأنه جيد إذا كانت أسطح الانفصام ليست بنفس درجة النعومة التي نراها في معادن الميكا. وقد يوصف الانفصام بأنه واضح (مقبول) إذا كان المعدن يتكسر بسهولة نسبية عبر مستويات غير مستويات الانفصام، مثل معدن البيرل.
وعلى الجانب الآخر، فإنه يوجد عديد من المعادن التي تتميز برابطة كيميائية قوية، وبالتالي لا يوجد بها أي نوع من أنواع الانفصام. فمعدن الكوارتز (سيليكات ذات تربط هيكلي) وهو أحد أكثر المعادن شيوعا في القشرة الأرضية، يتميز ببنية ذات ترابط قوي في كل الاتجاهات، لدرجة أنه يتكسر فقط على أسطح غير مستوية. أما معدن الجارنت ( سيليكات رباعية الأوجه مفردة) فتكون الرابطة الكيميائية فيه قوية في كل الاتجاهات، وبالتالي لا يوجد به أي سطح انفصام. وبصفة عامة، فإن السيليكات ذات الترابط الهيكلي، وأيضا السيليكات رباعية الأوجه المفردة لا يوجد بها أي نوع من الانفصام.
ج – المكسر
يعرف المكسر بأنه قابلية بلورة معدن ما لأن تتكسر تكسرا غير منتظم، وغير مواز لأسطح الانفصام أو الأوجه البلورية. وتتكسر كل المعادن إما عبر مستويات الانفصام وإما في أي اتجاه آخر، مثل الكوارتز الذي يتميز بغياب الانفصام. والمكسر يكون شائعا في المعادن ذات التراكيب المعقدة، حيث لا توجد اتجاهات لروابط شديدة الضعف. ويرتبط المكسر بطريقة توزيع قوى الروابط التي تمر عبر أوجه البلورة. حيث يؤدي كسر هذه الروابط إلي مكسر منتظم. ويوصف المكسر بأنه محاري عندما يكون سطح المكسر ناعما ومنحنيا ويشبه السطح المكسور لقطعة سميكة من الزجاج أو الشكل الداخلي لصدفة المحار، ومن أمثلة ذلك مكسر الكوارتز والجارنت. أما سطح المكسر الذي يشبه قطعة الخشب المشقوقة، فيوصف بأنه ليفيي (شكل 2 – 23) أو شظوي. ويعتمد شكل ومظهر مكسر المعادن على البنية الخاصة لهذه المعادن وتركيبها الكيميائي.
د – البريق
يعرف البريق بأنه مظهر المعدن عند انعكاس الضوء على سطحه، وتستخدم المصطلحات الواردة في جدول (2 – 4) في وصف بريق المعادن. ويعتمد بريق المعادن على البنية البلورية لها وما تحويه من ذارات، وأيضا على نوع الرابطة الكيميائية بين ذراتها، والتي تؤثر على مرور الضوء خلال المعدن أو انعكاسه على سطحه. فتميل البلورات ذات بريق زجاجي، بينما يكون بريق المعادن ذات الرابطة التساهمية أكثر تنوعا، فيكون لبعضها بريق ماسي مثل بريق الماس، بينما تبدي الفلزات النقية بريقا فلزيا مثل الذهب وكذلك الكبريتيدات مثل الجالينا. أما البريق الؤلؤي فينتج من انعكاسات عديدة للضوء من مستويات تحت أسطح المعادن شبه الشفافة، مثل السطح الداخلي لأصداف المحارات المتكونة من معدن الأراجونيت. وعلى الرغم من أن نوعية البريق هى صفة مهمة للتعرف على المعادن في الحقل، إلا أنها تعتمد بدرجة كبيرة على الإحساس بالضوء المنعكس. وكذلك فلابد من الخبرة في التعرف على نوعية البريق أثناء مسك المعدن باليد. وتجدر الملاحظة أن المعادن التي ليس لها بريق يقال إن لها بريقا منطفئا.
هـ - اللون والمخدش
يظهر الضوء لون المعدن سواء كان منعكسا أو نافذا خلال بلورات المعدن في الكتل غير المنتظمة منه. أما المخدش فهو مصطلح يطلق على لون مسحوق المعدن الناتج عن حك المعدن على سطح خشن صلب مثل قطعة من الخزف غير المصقول يطلق عليه لوح المخدش. ويعتبر لوح المخدش وسيلة مهمة لفحص لون المعدن، لأن الحبيبات الدقيقة المتساوية الحجم في مسحوق المعدن تسمح بفحص لون المعدن بطريقة أفضل من فحصه ككتلة كاملة من المعدن. فعلى سبيل المثال، فإن معدن الهيماتيت قد يكون لونه أسود أو أحمر أو بنياً، بينما يكون لون مخدشه بنياً ماءلاً إلي الحمرة دائما.
وينشأ اللون في المعادن النقية من وجود أيونات معينة مثل الحديد أو الكروم، والتي تمتص أجزاء من طيف الضوء. فالأوليفين المحتوي على عنصر الحديد مثلا، يمتص كل اللوان ماعدا اللون الأخضر الذي ينعكس فنراه أخضر اللون. أما الوليفين النقي المحتوي على عنصر الماغنسيوم فيكون شفافا عديم اللون. وعموما، غ‘ن معظم المعادن النقية، ذات الروابط الأيونية، والتي تكون مدارات أيوناتها الخارجية مشبعة ومستقرة، مثل معدن الهاليت، تكون عديمة اللون. وعلى الجانب الآخر، فإن كل المعادن الطبيعية تحتوي على شوائب من العناصر التي أمكن حديثا قياسها، والتي تعرف بالعناصر الشحيحة (تركيزها أقل من 0.1% من العناصر المكونة للمعدن). فوجود العناصر الشحيحة في المعادن المعروفة بأنها عديمة اللون يكسبها لونا، حيث يؤدي وجود القليل من أكسيد الحديد في بلورة معدن الفلسبار أن يكون لونها بنيا أو ذا حمرة واضحة. كما أن هناك عديداً من المعادن الكريمة مثل الزمرد (البريل الأخضر) والسافير (الكوراندم الأزرق) تكتسب ألوانها من شوائب العناصر الشحيحة التي توجد بها. فالزمرد يكتسب لونه الأخضر من الكروم، بينما يكتسب السافير لونه الأزرق من الحديد والتيتانيوم.
وعلى الرغم من أن لون المعدن هو أكثر الصفات وضوحا في المعدن، إلا أنه يعتبر أقل الصفات أهمية من حيث الاعتماد عليه في تمييز المعدن. فبعض المعادن تبدي دائما نفس اللون، مثل الكبريت أصفر اللون والمللاكيت الأخضر الزاهي، بينما يتغير لون بعضها مثل الكوارتز الذي يتغير لونه بدرجة كبيرة، من عديم اللون إلي أبيض أو بنفسجي أو مدخن. كما أن عديداً من المعادن تبدي اللون المميز على السطح المكسور حديثا فقط، بينما يظهر البعض الآخر اللون المميز على السطح المتغير نتيجة التجوية.
و – الكثافة والكثافة النوعية
تعرف الكثافة بأنها كتلة وحدة الحجوم للمادة (يعبر عنها دائما بالجرام لكل سنتيمتر مكعب) . وقد حاول العلماء الوصول إلي طريقة سهلة لقياس هذه الخاصية، حيث استخدمت الكثافة النوعية كمقياس موحد للكثافة. وتعرف الكثافة النوعية أنها عبارة عن النسبة بين وزن المعدن في الهواء إلي وزن حجم مساو له من الماء النقي عند 4م. فمثلا، إذا كان وزن أي معدن يساوي أربعة أضعاف وزن حجم مساو له من الماء فإن الكثافة النوعية للمعدن تساوي4.
وتعتمد الكثافة على الوزن الذري لأيونات المعدن، ودرجة إحكام البنية البلورية للمعدن. فمعدن الماجنيتيت كثافته 5.2جم/سم3. وترجع هذه الكثافة العالية إلي الوزن الذري العالي للحديد، كما ترجع أيضا إلي البنية البلورية المحكمة لهذا المعدن. ويشبه معدن الماجنيتيت في كثافته العالية باقي معادن مجموعة السبينل كما أسلفنا سابقا. أما كثافة معدن الأوليفين والمحتوي على عنصر الحديد فتكون 4.4جم/سم3، وهى أقل من معدن الماجنيتيت، وذلك لسببين هما الوزن الذري للسيليكون(وهو أحد العناصر المكونة لمعدن الوليفين) الذي يكون أقل من الوزن للحديد، والبنية البلورية الأكثر إحكاما في معدن الماجنيتيت (مجموعة السبينل) عنها في معدن الأوليفين، اما كثافة الأوليفين المحتوي على عنصر الماغنسيوم فتكون أقل من تلك التي تميز الأوليفين المحتوي على الحديد وتصل إلي 3.3جم/سم3، حيث أن الوزن الذري للماغنسيوم أقل بكثير من الوزن الذري للحديد.
وتؤثر الزيادة في الكثافة، الناشئة عن الزيادة في الضغط، على درجة نفاذية الضوء وانتقال الحرارة والموجات الزلزالية في المعادن. ولقد أظهرت التجارب أن بنية معدن الأوليفين تتحول إلي بنية أكثر إحكاما، ومماثلة لمجموعة السبينل عند الضغوط العالية جدا، والتي تتوافر عند عمق نحو 400كم. أما عند الأعماق الأكبر من ذلك، والتي تصل إلي 670كم، حيث تتحول مواد الوشاح إلي معادن سيليكات ذات بنية بلورية أكثر إحكاما من البنيات السابقة فيتكون معدن بيروفسكيت. ولضخامة حجم الوشاح السفلي، فإن السيليكات التي لها بنية معدن البيروفسكيت ربما تكون أكثر المعادن شيوعا في الأرض كلها. ولقد ساعد علماء المعادن في تصنيع بعض معادن البيروفسكيت لتصبح أشباه موصلات عند درجات الحرارة العالية والتي توصل الكهرباء بدون أية مقاومة، وهى من أشباه الموصلات ذات القيمة التجارية العالية. ومن ناحية أخرى، فإن الحرارة تؤثر أيضا على الكثلفة، فكلما ارتفعت درجة الحرارة كانت البنية البلورية أقل إحكاما وأكثر تباعدا، وبالتالي قلت الكثافة.
ز – هيئة البلورة
إن هيئة البلورة لمعدن ما، هى الشكل او الهيئة التي تبدو عليها البلورة أو التجمع البلوري. وتوصف غالبا هيئة البلورة طبقا للشكل الهندسي العام لها، فنقول إن البلورة نصلية أي تشبه نصل النبات أو لوحية أي تشبه اللوح أو إبرية وهكذا. كما أن بعض المعادن التي لها هيئات مميزة تجعل من السهل التعرف على هذه المعادن. فمثلا بلورة معدن الكوارتز تكون على هيئة عمود سداسي يعلوه مجموعة من الوجه الهرمية الشكل. ولا تعكس هذه الأشكال مستويات الذرات أو الأيونات في البنية البلورية للمعدن فقط، ولكنها تعكس أيضا سرعة واتجاه نمو البلورات. فالشكل الإبري لبلورة ما، يعني النمو السريع في أحد الاتجاهات والبطء الشديد في باقي الاتجاهات. أما البلورة التي تشبه اللوح، فإنها تنمو بسرعة في كل الاتجاهات العمودية على اتجاه واحد للنمو البطيء للبلورة. اما البلورات الليفية فإنها تأخذ شكل ألياف عديدة طويلة ورفيعة على هيئة تجمع من الإبر الطويلة.
والخلاصة، فإن المعادن تتميز بعديد من الخواص الفيزيائية والكيميائية، والتي تنتج عن التركيب الكيميائي والبنية البلورية الداخلية. ويكون عديد من هذه الخواص مفيدا للعاملين في علم المعادن خصوصا والجيولوجيا عموما من أجل تعريف وتصنيف المعادن. ويقوم الجيولوجيون بدراسة التركيب الكيميائي والبنية البلورية الداخلية للمعادن في محاولة لفهم أصل الصخور التي تتكون منها المعادن، وبالتالي طبيعة العمليات الجيولوجية داخل الأرض وفوق سطحها.
V111 – المعادن كأدلة على بيئات التكوين
لا تستخدم المعادن فقط كأحجار للزينة أو مصادر لمواد ذات قيمة اقتصادية، وإنما تستخدم أيضا كأدلة على الظروف الفيزيائية والكيميائية التي تكونت تحتها تلك المعادن، وبالتالي الصخور التي تحتوي تلك المعادن، والتي تتواجد في مناطق لا يمكن مشاهدتها أو قياس العوامل المؤثرة فيها مباشرة.
وقد حدث تقدم هائل في فهمنا لبيئات تكوين المعادن خلال دراسة المعادن في المعمل، حيث تمكن العلماء باستخدام تجارب مناسبة من تحديد درجات الحرارة والضغط العالية التي يتكون عندها الماس بديلا عن الجرافيت، الذي يحتاج لدرجات حرارة وضغط أقل. فالماس والجرافيت هما معدنان ثنائيا الشكل، أي أن كليهما يتكون من الكربون، بينما يكون لهما بناءان بلوريان مختلفان. وحيث إنه من المعروف أن درجة الحرارة والضغط تزداد مع زيادة العمق في القشرة الأرضية، فإن الماس يتكون في صخور الوشاح التي تتكون على عمق لا يقل عن 150كم تحت سطح الأرض.
كما أن هناك مثالا آخر يرتبط بعملية التجوية، حيث يتحكم المناخ الذي يتغير من بارد رطب لإلي حار جاف في توزيع المعادن في الغلاف الصخري للأرض أثناء عملية التجوية. ويمكن بذلك استنتاج المناخات التي كانت تسود الكرة الأرضية في الماضي من أنواع العادن المحفوظة في الصخور الرسوبية. كما يمكن أيضا تحديد التركيب الكيميائي لماء البحر في الأزمنة الماضية من المعادن التي تكونت أثناء تبخر ماء البحر وترسيب الأملاح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الثالث: الصخور: سجل العمليات الجيولوجية
يتكون الغلاف الصخري للأرض من ثلاثة أنواع من الصخور، هى الصخور النارية والرسوبية والمتحولة. ويعرف الصخر بأنه كل مادة صلبة متماسكة غير حية تكونت طبيعيا من معدن واحد أو من خليط من عدة معادن، وتكون جزءا من كوكب. وتتنوع الصخور في ألوانها وفي حجم البلورات أو الحبيبات المكونة لمعادنها، وأيضا في أنواع المعادن التي تكونها. ويحدد مظهر الصخور وصفاتها تركيبها المعدني ونسيجها. فالتركيب المعدني أي نسب مكونات الصخر من المعادن تساعد في تحديد مظهر الصخر، بالإضافة لعديد من الصفات الأخرى. كما يساهم النسيج وهو ما يطلق على حجم وشكل وطريقة ترتيب بلورات وحبيبات المعدن المكونة للصخر، والطريقة التي تتواجد بها تلك المكونات مع بعضها البعض، في تحديد سمات وخصائص الصخر أيضا. وتصنف عادة هذه البلورات أو الحبيبات، والتي لا يتجاوز قطرها عدة مليايمترات قليلة في معظم الصخور إلي خشنة، إذا كانت الحبيبات كبيرة لدرجة يمكن تميزها بالعين المجردة، أو دقيقة إذا لم يكن من الممكن تميزها بالعين المجردة. كما يمكن أن تختلف أيضا بلورات أو حبيبات المعدن في الشكل أو الهيئة، حيث تكون إبرية الشكل أو مسطحة أو لوحية أو منشورية أو صفائحية أو متساوية الأبعاد أي لها نفس البعد في كل الاتجاهات مثل الكرة أو المكعب. وتؤدي هذه الاختلافات في التركيب المعدني والنسيج إلي عديد من الملامح والمظاهر الكبيرة التي تميز بين الأنواع المختلفة للصخور. كما تساهم أيضا في تحديد الأصل الجيولوجي للصخور، أي تحديد مكان وطريقة تكوينها. وتمثل الصخور النارية 95% من حجم الصخور المكونة للقشرة الأرضية، بينما تمثل الصخور الرسوبية 5% منها، غير أن الصخور الرسوبية تغطي 75% من مساحة الأرض فقط مقارنة بالصخور النارية التي تغطي نحو 25% منها (شكل 3 – 4). ونعرض فيما يلي وصفا تفصيليا لكل نوع من الأنواع.
1 – الصخور النارية
تتكون الصخور النارية (مشتقة من كلمةignis أي نار باللاتينية) من تبلور مادة الصهارة أو الماجما (والماجما كلمة يونانية تعني الجسم اللدن). والصهارة هى مادة صخرية منصهرة كليا أو جزئيا ثقيلة القوام لزجة، توجد في أعماق بعيدة تحت سطح القشرة الأرضية أو في الوشاح العلوي، حيث تصل درجة الحرارة إلي 700 مئوية أو أكثر، وهى درجة حرارة تكفي لصهر معظم الصخور. وعندما تبدأ الصهارة في التبرد التدريجي في باطن الأرض، تتكون بلورات صغيرة ميكروسكوبية الحجم. وعندما تصل درجة حرارة الصهارة إلي أقل من درجة الانصهار، تنمو بعض هذه البلورات ليصل قطرها إلي عدة ميلليمترات أو أكثر مكونة صخرا ناريا خشن التحبب (شكل 3 – 1). ولكن عندما تنبثق الصهارة من بركان إلي سطح الأرض فإنها تعرف باللابة. وتبرد اللابة وتتجمد بسرعة، حيث لا تجد البلورات الوقت الكافي للنمو التدريجي، فتتكون سريعا بلورات دقيقة، مكونة صخرا نارياً دقيق التحبب. ولذلك، فإن الصخور النارية تصنف اعتمادا على حجم البلورات بها إلي نوعين هما الصخور النارية المتداخلة والصخور النارية المنبثقة:
أ – الصخور النارية المتداخلة: ويطلق عليها أحيانا الصخور البلوتونية. وتتكون الصخور النارية المتداخلة نتيجة التبلور البطيء لصهارة تداخلت في الصخور الموجودة تحت سطح الأرض، والتي يطلق عليها صخر الإقليم أو صخر المنطقة. وتتميز الصخور النارية المتداخلة عادة بكبر حجم بلوراتها المتشابكة (المعشقة)، والتي نمت ببطء نتيجة التبريد التدريجي للصهارة.
وتعرف كل أجسام الصخور النارية المتداخلة، بغض النظر عن شكلها أو حجمها بالبلوتونات. وتشمل البلوتونات الصغيرة كلا من القواطع والجدد الموازية (شكل 3 – 2). والقواطع هو جسم شبه صفائحي منضدي الشكل من الصخور النارية، يقطع طبقات الصخور التي يتداخل فيها. أما الجدد الموازية فهى جسم شبه صفائحي منضدي الشكل من الصخور النارية التي تتواجد موازية لطبقات الصخور المحيطة التي تداخلت فيها. أما الباثوليت فهو أكبر أنواع البلوتونات. والباثوليث جسم ناري متداخل غير منتظم الشكل يقطع طبقات الصخور التي يتداخل فيها (شكل 4 – 12)، وقد تزيد بعض الباثوليثات عن 1000كم طولا و250كم عرضا.
ب – الصخور النارية المنبثقة: تسمى الصخور التي تكونت من صهارة انبثقت فوق سطح الأرض وبردت بسرعة باسم الصخور النارية المنبثقة، والتي تعرف بالصخور البركانية. وتتميز هذه الصخور بنسيجها الزجاجي أو النسيج دقيق التحبب. وتتكون الصخور النارية المنبثقة بالتبركن، وهى العملية التي تصعد بالصهارة وما يصاحبها من فتات صلب وغازات إلي سطح الأرض والغلاف الجوي لتكون البراكين. وقد تتكون هذه الصخور من لابة تتدفق مثل السوائل لمسافات على سطح الأرض قبل أن تتصلب، أو من حبيبات رماد تبلورت تقريبا في الحال عندما اندفعت عاليا في الغلاف الجوي عند ثوران بركان ما. وقد تتساقط المواد البركانية من أفواه البراكين الثائرة ككتل أو ككرات أو قطع صغيرة أو كرماد بركاني، أو حتى كمادة سائلة تتجمد قبل أن تسقط على الأرض. وقد يتساقط هذا الفتات الناري بجوار البركان مكونا جزءا منه، أو قد ينتشر لمسافات بعيدة بفعل الرياح.
الصخور النارية الشائعة
تكون معادن السيليكات معظم المعادن المكونة للصخور النارية، ويرجع السبب في ذلك إلي أن الصهير يحتوي على نسبة عالية من عنصر السيليكون والأكسيجين وهما يكونان أكثر من 70% من عناصر الصهير. كما أن عديداً من معادن السيليكات وقليلاً من معادن الأكاسيد تنصهر عند درجات الحرارة والضغوط المميزة للأجزاء السفلية من القشرة الأرضية والوشاح. وتشمل معادن السيليكات الشائعة المتداخلة في الصخور النارية الكوارتر والفلسبار والميكا والبيروكسين والأمفيبول والأوليفين، وهى تتبلور على هيئة بنيات بلورية مختلفة. وهذا العدد المحدود من معادن السيليكات هو المسئول عن تكوين ما يزيد على90% من الصخور النارية. ويوضح جدول (3 – 1) بعض أنواع الصخور النارية الشائعة.
111 – الصخور الرسوبية
توجد الرواسب (مستمدة من sedimentum وتعني باللاتينية استقرار أو ترسب) على سطح الأرض على هيئة طبقات، تتكون من حبيبات مفككة مثل: الرمل أو الغرين أو أصداف الكائنات الحية أو غيرها، والتي تتكون منها الصخور الرسوبية بعد تصخرها. وتتكون هذه الحبيبات عند سطح الأرض نتيجة لتجوية أنواع الصخور المختلفة النارية أو الرسوبية أو المتحولة. بمعنى أن عمليات التجوية تؤدي إلي تفتت الصخور إلي كسرات مختلفة الأحجام، بالإضافة إلي مواد ذائبة في الماء. وتنتقل أجزاء الصخر المتكسر والمواد المذابة، والناشئة عن عملية التجوية، بعوامل التعرية المختلفة (وهى مجموع العمليات التي تتفكك بها التربة والصخور وتحركها إلي أسفل التلال والمنحدرات أو إلي مجاري المياه) حيث ترسب على هيئة طبقات من الرواسب (شكل 3 – 3). وتؤدي عمليتا التجوية والتعرية إلي تكون نوعين من الرواسب، هما:
أ – الرواسب الفتاتية
تتكون الرواسب الفتاتية (اشتقت كلمة فتاتية clastic من الكلمة اليونانية klastos بمعنى مكسر أو مفتت) من قطع صخرية متكسرة وحبيبات مفككة ومترسبة بفعل عوامل طبيعية مثل: المياه الجارية أو الرياح أو الجليد، حيث تعمل هذه العوامل على تقليل حجم القطع الصخرية وترسيبها في مناطق جديدة. فالمياه الجارية تنقل الرواسب إلي البحيرات أو البحار والمحيطات لتترسب فيها، كما يمكن للرياح أن تنقل كميات ضخمة من الرمال وغيرها من الرواسب الأدق حجما لأماكن بعيدة حيث تترسب. أما المثالج فإنها تنقل وترسب كميات كبيرة من المواد الصخرية مختلفة الأحجام. ويعكس التركيب المعدني للرواسب طبيعة المواد الأصلية التي نتجت عنها هذه الرواسب. كما تدل الاختلافات بين الطبقات المتتالية على التغيرات التي حدثت عبر الزمن الجيولوجي.
ب – الرواسب الكيميائية والكيميائية الحيوية
الرواسب الكيميائية والكيميائية الحيوية هى مواد كيميائية تشمل أيونات: الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والماغنسيوم والكلوريد والفلوريد والكبريتات والفوسفات، تكونت إما بالترسيب من الوسط الذي ذابت فيه مكونات الصخور أثناء التجوية ونقلها إلي مياه الأنهار أو البحار، أو استخرجتها كائنات حية من المحاليل التي ذابت فيها. فالكالسيت قد يرسب من المياه الدافئة، حيث يترسب ليكون الحجر الجيري، كما تزيل الشعاب المرجانية والرخويات والطحالب كربونات الكالسيوم من محاليلها. كما يترسب الهاليت (كلوريد الصوديوم) وغيره من الأملاح سريعة الذوبان من المسطحات المائية المغلقة بالتبخر.
ج – التصخر
التصخر هو تحول الراسب غير المتماسك إلي صخر صلد. وتحدث هذه العملية بطريقة من طريقتين هما: • الكبس (الاندماج) حيث ينقص حجم الرواسب ومساميتها تحت تأثير وزن ما يعلوها من رواسب ليعطي كتلة أكبر كثافة من الكتلة الأصلية. • التلاحم (السمنتة) حيث تترسب المعادن حول الحبيبات المترسبة وتلحمها مع بعضهم البعض.
وتتم عملية الكبس والالتحام بعد الدفن تحت تأثير الطبقات المضافة من الرواسب. وهكذا يتكون الحجر الرملي نتيجة تصخر حبيبات الرمل، والحجر الجيري نتيجة التحام أصداف الحيوانات وحبيبات كربونات الكالسيوم.
وتتميز الرواسب والصخور الرسوبية بخاصية التطبق، أي تكون طبقات متوازية نتيجة هبوط الجزيئات إلي قاع البحر أو النهر أو سطح الأرض. وقد يعكس التطبق تغيراً في التركيب المعدني مثلما يتطابق حجر رملي مع حجر جيري، أو تغيراً في النسيج كما يتطابق حجر رملي خشن التحبب مع آخر دقيق التحبب.
وتقدم لنا الصخور الرسوبية معومات وفيرة عن تاريخ الأرض خلال النصف بليون سنة الأخيرة من عمرها، بسبب ما تحتويه من حفريات، والتي تمثل بقايا الحياة القديمة النباتية والحيوانية المحفوظة في ثنايا الصخور. وتمثل الطريقة التي تتكسر بها الحبيبات وطريقة ترسيبها وعلاقة الطبقات ببعضها ولون وتركيب الطبقات وآثار سقوط الأمطار بعض الشواهد التي توجد في الصخور الرسوبية، وتستخدم في استنتاج تتابع الأحداث والمناخات القديمة.
وتغطي الصخور الرسوبية معظم سطح الأرض اليابس، وكذلك قيعان البحار والمحيطات. وعلى الرغم من أن معظم الصخور الموجودة فوق سطح الأرض هى صخور رسوبية، إلا أنها تكون طبقة رقيقة فوق الصخور النارية والمتحولة، والتي تمثل الحجم الرئيسي للقشرة الأرضية (شكل 3 – 4).
د – الصخور الرسوبية الشائعة
معادن السيليكات أكثر المعادن شيوعا في الصخور الرسوبية الفتاتية، وتشمل معادن الكوارتز والفلسبار والطين. أما أكثر المعادن شيوعا في الرواسب الكيميائية الحيوية فهى معادن الكربونات (مثل: الكالسيت والدولوميت) والجبس والهاليت. والكالسيت هو المكون الرئيسي للحجر الجيري. أما الدولوميت فيتواجد في صخور الحجر الجيري أيضا، ويتكون من كربونات الكالسيوم والماغنسيوم. ويتكون معدنا الجبس والهاليت نتيجة تبخر ماء البحر. ويوضح جدول (3 – 2) بعض أنواع الصخور الرسوبية الشائعة.
111 – الصخور المتحولة
اشتق اسم الصخور المتحولة من كلمتين يونانيتين meta بمعنى تغير وmorph بمعنى شكل، وهكذا فإن المصطلح يعني تغير الشكل. وتتكون الصخور المتحولة عندما تسبب درجات الحرارة العالية والضغوط المرتفعة في أعماق الأرض في تغير التركيب المعدني أو النسيج أو التركيب الكيميائي لأي نوع من صخور سابقة (نارية أو رسوبية أو متحولة)، حيث يساعد وجود الماء أو المحاليل المائية على إتمام عملية التحول. ويحدث التحول عادة في الحالة الصلبة. وتكون درجات الحرارة عموما تحت نقاط انصهار الصخور (نحو 900م)، ولكنها تكون عالية بدرجة كافية(فوق 250م) لكي تسبب تحول الصخور عن طريق إعادة التبلور أو التفاعلات الكيميائية. ونعرض فيما يلي وصفا لأنواع التحول المختلفة:
أ – التحول الإقليمي والتحول التماسي (الحراري)
قد يحدث التحول في منطقة محدودة من الأرض، كما يحدث على نطاق واسع. فعندما يمتد تأثير الحرارة والضغط العاليين على مسافات واسعة من القشرة الأرضية تصل إلي عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة، فإن الصخور تتعرض للتحول الإقليمي. وهو نوع من التحول يصاحب عمليات اصطدام الألواح التي تسبب بناء الجبال، وطي وكسر طبقات الصخور الرسوبية، والتي كانت يوما ما أفقية. كما أن هناك نوعا آخر من التحول يحدث إذا كانت درجات الحرارة محدودة وتؤثر في مساحات أصغر من الأرض يعرف بالتحول التماسي. ويحدث التحول التماسي نتيجة لتأثير درجات الحرارة الناتجة عن تداخل جسم ناري في الصخور المحيطة، ولذلك يسمى أيضا بالتحول الحراري (شكل 3 – 5).
وتتميز العديد من الصخور المتحولة تحولا إقليميا بوجود ظاهرة التورق وهى أسطح مستوية أو متموجة تنشأ عندما تؤثر قوة تضاعف قوية من اتجاه محدد على صخر يعاد تبلوره، وهو يؤدي إلي أن تنمو بلورات معادن مثل: الميكا والتورمالين والهورنبلند، بحيث تكون أسطحها المستوية أو محاورها الطويلة في اتجاه عمودي على اتجاه تأثير هذه القوة. وينتج عن هذا تكون صخر متورق، حيث تتلون الراقات بألوان المعادن التي تكونها. فالإردواز صخر متورق دقيق التحبب، والفلليت صخر متورق خشن التحبب، بينما يكون الشست أكثر خشونة، ويكون النايس هو الأخشن على الإطلاق. أما الأنسجة الحبيبية والتي تحتوي على بلورات متساوية الأبعاد، فهى تتكون في الصخور التي تتعرض لضغوط متساوية من كل الاتجاهات، أو لا يوجد بها معادن لها سلوك نمو في اتجاه محدد، وبالتالي لا يوجد بها تورق. وتكون الأنسجة الحبيبية أكثر شيوعا في الصخور المتحولة بالتلامس مثل الرخام. وقد تظهر الأنسجة الحبيبية في القليل من الصخور المتحولة تحولا إقليميا عند درجة حرارة وضغط عاليين للغاية.
ب – الصخور المتحولة الشائعة
معادن السيليكات هى أكثر المعادن شيوعا في الصخور المتحولة، حيث تكونت هذه الصخور أصلا من تحول صخور أخرى كانت غنية بالسيليكات. والمعادن المميزة في الصخور المتحولة هى: الكوارتز والفلسبارات والميكا والبيروكسين والأمفيبول، وهى المعادن المميزة نفسهاللصخور النارية. ولكن هناك معادن سيليكات أخرى مميزة للصخور المتحولة فقط، وهى معادن الكيانيت والاشتوروليت وبعض أنواع الجارنت. وتتكون هذه المعادن في القشرة الأرضية تحت ضغط وحرارة عاليين. وهذه المعادن لا توجد في الصخور النارية، ولذلك فإن وجودها دليل جيد على حدوث عملية التحول. كما يعتبر الكالسيت من المعدن الشائعة في الصخور المتحولة، وهو المعدن الرئيسي في الرخام وهو صخر متحول عن الحجر الجيري. ويوضح جدول (3 – 3) بعض أنواع الصخور المتحولة الشائعة.
V1 – تواجد الأنواع المختلفة للصخور
لا تتواجد الصخور في الطبيعة كأجسام منفصلة عن بعضها البعض، بمعنى أن يكون هناك صخر ناري هنا ورسوبي هناك وصخور متحولة في مكان آخر. بل على العكس من ذلك تتواجد الصخور المختلفة في منطقة ما مختلطة مع بعضها بغير نظام، وفي تسلسل زمني يعكس تاريخها الجيولوجي.
ويقوم الجيولوجي بعمل خريطة تبين توزيع الصخور الموجودة في منطقة ما على السطح، ثم يحاول فهم تاريخها الجيولوجي من دراسة التنوع الحالي للصخور بها، وعلاقة هذه الصخور بعضها ببعض وتوزيعها.
وتمثل منكشفات الصخور (شكل 3 – 6) وهى الأماكن التي يمكن فيها رؤية صخر الأساس الصلب وما يعلوه من تربة ومواد مفككة على السطح تعرف بالحطام الصخري (الأديم)، المصدر الرئيسي للمعلومات عن صخور القشرة الأرضية وتوزيعها، إلا أن آلاف الآبار التي تم حفرها على القارات أثناء البحث عن البترول والماء والمعادن ذات القيمة الاقتصادية، قد أمدتنا بمعلومات وفيرة عن هذه الآبار أجزاء ضحلة من القشرة الأرضية، والتي تتكون في معظمها من الصخور الرسوبية. ومع مواصلة الحفر لأعماق أكبر ربما تتراوح بين 6 و10كم فإن الآبار ستخترق صخورا نارية ومتحولة. ومن أجل الحصول على نتائج أكثر عن الأجزاء العميقة من القشرة الأرضية قامت العديد من الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وروسيا بحفر آبار إلي أعماق كبيرة على القارات. ويصل عمق أكبر بئر في روسيا إلي أكثر من 12 كيلومترا، وهو عمق يفوق أي عمق بئر تجارية تم حفرها.
V – دورة الصخور
تعرف دورة الصخور بأنها مجموعة العمليات الجيولوجية التي يتكون بها أي من الأنواع الثلاثة للصخور وعلاقتها ببعضها البعض، بالإضافة إلي معرفة نشأة تلك الأنواع المختلفة من الصخور. وقد وصف الأسكتلندي جيمس هاتون هذه الدورة عام 1785م لأول مرة بصورة كاملة، والتي تعرف بعض عناصرها علماء آخرون في انجلترا وأوروبا.
وسنقدم هنا وصفا لدورة واحدة، آخذين في الاعتبار أن مثل تلك الدورات تتغير زمانا ومكانا. فإذا بدأنا بالصهارة الموجودة في أعماق الأرض حيث تكون الحرارة والضغط مرتفعين لدرجة تكفي لصهر أي نوع من الصخور الموجودة سابقا، سواء كانت نارية أو متحولة أو رسوبية (شكل 3 – 7). وقد سمى جيمس هاتون هذا النشاط في أعماق القشرة الأرضية باسم حدث بلوتوني نسبة إلي بلوتو الإله الروماني لعالم ما تحت الأرض. والآن فإننا نسمي كل الصخور النارية المتداخلة بالصخور البوتونية (السحيقة). وعندما تنصهر الصخور السابقة فإن محتوياتها من المعادن قد تنصهر كليا أو جزئيا، وتصبح كل عناصرها الكيميائية متجانسة في المحاليل الساخنة المتكونة منها، وتكون ما يعرف بالصهارة. وعندما تبرد الصهارة تبدأ بلونات معادن جديدة في النمو لتكون صخورا نارية جديدة، وتعرف هذه العملية بالتبلور. وقد يحدث التبلور تحت سطح الأرض، كما سبق أن ذكرنا، ليكون الصخور النارية المتداخلة، أو بعد انبثاق بركان فوق سطح الأرض ليكون الصخور البركانية.
وتتكون الصخور النارية أساسا على حدود الألواح التكتونية المتباعدة والمتقاربة. كما تتكون الصخور النارية أيضا نتيجة بلومات الوشاح (البلوم تيار صاعد يحمل الحرارة والمعادن المنصهرة جزئيا من الأجزاء السفلى من الوشاح إلي الأجزاء العليا). ويغزو البعض النشاط البركاني داخل الألواح بعيدا عن حوافها إلي هذه البلومات.
وتصعد الصخور النارية المتكونة عند حواف الألواح المتصادمة، مع الصخور الرسوبية والمتحولة المصاحبة لتكون سلسلة من الجبال العالية، حيث يصبح جزءاً من القشرة الأرضية مشوها ومنضغطا. ويطلق الجيولوجيون على هذه العملية والتي تبدأ باصطدام الألواح وتنتهي ببناء الجبال بالتجبل (نشأة الجبال). وتتعرض هذه الصخور المرفوعة لعملية التجوية والتغير الكيميائي، بسبب انتقالها إلي وسط أكثر برودة ورطوبة عن باطن الأرض الساخن الذي نشأت به. فمثلا تتكون أكاسيد الحديد من معادن الحديد، وتتغير بعض المعادن المتكونة في درجات حرارة عالية مثل الفلسبارات إلي معادن الطين، كما تذاب بعض المواد مثل معادن البيروكسين تماما حين تتساقط عليها الأمطار. كما تؤدي تجوية الصخور النارية أيضا إلي تكوين أحجام وأنواع مختلفة من الحطام الصخري والمواد الذائبة والتي تحمل بعيدا بعوامل التعرية. بينما يتم نقل البعض الآخر بالمثالج أو بمياه المجاري الذائبة والرياح إلي الأنهار ثم إلي المحيطات، حيث تترسب كطبقات من الرمل والغرين، أو كرسوبيات أخرى تكونت من المواد الذائبة في مياه البحار مثل معادن كربونات الكالسيوم.
ويتم دفن هذه الرواسب التي تراكمت في البحار، وأيضا تلك المترسبة بالمياه أو الرياح على اليابسة، تحت طبقات متتابعة من الرسوبيات حيث تتصخر تدريجيا لتتحول إلي صخر رسوبي. ويصاحب عملية دفن الصخور عملية هبوط، وهى انخفاض أو غوص لجزء من القشرة الأرضية. وباستمرار عملية الهبوط تضاف طبقات أخرى من الرسوبيات، وتتحول الرواسب في النهاية إلي صخور رسوبية.
ويؤدي دفن الصخور الرسوبية المتصلدة في أعماق القشرة الأرضية إلي رفع درجة حرارتها. وعندما يزيد عمق الدفن عن 10كم ترتفع درجة الحرارة إلي أكثر من 300م وتبدأ المعادن التي مازالت في الحالة الصلبة في التحول إلي معادن أكثر استقرارا عند درجات الحرارة والضغوط العالية، وتتحول بالتالي الصخور الرسوبية السابقة إلي صخور متحولة جديدة. ومع زيادة التسخين قد تنصهر الصخور وتتكون صهارة جديدة، حيث تتبلور منها صخور نارية بادئة الدورة من جديد.
وعادة لا تكمل هذه الدورة بالتسلسل الذي سبق وصفه. حيث يمكن أن يرفع خلال عملية الجبل أي نوع من الصخور متحولا أو رسوبيا أو ناريا لتتم تجويته وتعريته ليكون رواسب جديدة. كما يمكن تجاوز بعض المراحل، حيث يمكن أن ترفع الصخور الرسوبية ليتم تعريتها دون أن تتعرض للتحول أو الانصهار. كما يمكن أن تحدث الدورة بترتيب مختلف عن ذلك الذي سبق عرضه، مثل تعرض الصخر الناري المتكون في باطن الأرض للتحول، قبل أن يرفع. فقد لوحظ أثناء حفر الآبار العميقة، أن بعض الصخور النارية الموجودة على بعد عدة كيلومترات داخل القشرة الأرضية لم ترفع أبدا، وبالتالي لم تتعرض للتجوية والتعرية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن دورة الصخور لاتنتهي أبدا، فهى تحدث دائما في مراحل مختلفة وفي أماكن مختلفة من العالم، حيث تتكون الجبال ويتم تعريتها في مكان ما، وتتراكم وتدفن الرواسب الناتجة في مكان آخر. وعموما فإن الصخور التي تكون الجزء الصلب من الأرض تتعرض للمراحل المختلفة من الدورة باستمرار، حيث نشاهد فقط بعض مراحل هذه الدورة على سطح الأرض، ولكننا نتوقع حدوث المراحل الأخرى في أعماق القشرة الأرضية والوشاح، بناءً على ما نشاهده من الأدلة غير المباشرة.
أ – دورة الصخور وتكتونية الألواح
عندما اقترح جيمس هاتون دورة الصخور لأول مرة لم تتوافر لدية وقتها سوى معلومات قليلة عن العمليات التي يتكون بها أحد الصخور من النوعين الآخرين، رغم وجود أدلة على ذلك. وفي الحقيقة، فإن الدورة الكاملة للصخور لم تتضح إلا منذ عهد قريب، بعد ظهور نظرية تكتونية الألواح.
ويمكن شرح الطريقة التي ترتبط بها دورة الصخور مع تكتونية الألواح مما يحدث عند حدود الألواح المتقاربة (شكل 3 – 8). حيث تنشأ الصهارة بسبب انصهار بعض أنواع الصخور فوق نطاق الاندساس، ثم تصعد تلك الصهارة خلال الغلاف الصخري العلوي لأنها أقل كثافة من الصخور خلال الغلاف الصخري العلوي لأنها أقل كثافة من الصخور المحيطة، وتتبلور وتكون الصخور النارية. وقد تتبلور بعض الصهارات قبل أن تصل إلي سطح الأرض لتكون الصخور النارية المتداخلة، بينما ينبثق البعض الآخر ويتصلب على سطح الأرض لتكون الصخور البركانية.
فإذا تعرضت الصخور النارية للغلاف الجوي، وبالتالي للتجوية والتعرية، فإن الحطام الصخري والمواد المذابة تنتقل إلي الحواف القارية لتترسب في طبقات قد تصل إلي آلاف الأمتار سمكا. ومع مرور الوقت، فإن طبقات الرواسب تتصخر لتكون وتدا سميكا من الصخور الرسوبية يحد القارات.
وقد يضطرب الهدوء النسبي للنشاط الرسوبي في نهاية الأمر علىامتداد الحافة القارية، إذا أصبحت المنطقة عبارة عن حد لوح متقارب. وعندما يحدث ذلك، فإن الغلاف الصخري المحيطي المجاور للقارة يبدأ في الهبوط والاندساس تحت القارة في الغلاف اللدن (الأسثينوسفير). ويؤدي الاندساس على امتداد تلك الحواف القارية النشطة إلي تشوه الرواسب في أحزمة طولية من الصخور المتحولة.
وعندما يستمر اللوح المحيطي في الهبوط، فإن بعض الرواسب التي لم تشوه أثناء تكون الجبال تحمل إلي أسفل في الغلاف الصخري اللدن ( الأسثينوسفير) الساخن، حيث تتحول أيضا. وتنتقل في النهاية بعض الصخور المتحولة إلي أعماق أكبر، حيث ترتفع درجات الحرارة والضغط بدرجة تكفي لأن يحدث انصهارا جزئيا فتتكون الصهارة. وتصعد الصهارة المتكونة حديثا لتصعد إلي أعلى لتكون صخورا نارية. وهكذا تبدأ دورة الصخور من جديد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الرابع: الصخور النارية
تتكون معظم الصخور النارية من معادن سيليكاتية تبلورت من الصهارة عند درجات حرارة تتراوح بين 700م و1200م. وتعتبر الصخور النارية تسجيلا للتاريخ الحراري للأرض، بالإضافة إلي الدور المهم الذي يلعبه النشاط الناري في نشأة وانتشار قيعان المحيطات ونشأة الجبال والقارات.
وقد أوضحت الدراسات الحديثة أن الصخور تنصهر في بعض الأماكن العميقة الساخنة منالقشرة الأرضية والوشاح ثم تندفع المواد المنصهرة نحو السطح. وقد تتصلب بعض الصهارات قبل أن تصل إلي السطح لتكون الصخور النارية المتداخلة، بينما يخترق بعضها الآخر القشرة الأرضية ليتصلب فوق سطح الأرض، ويكون الصخور النارية المنبثقة (البركانية).
وقد تناولنا الصخور النارية في الفصل السابق، عند الحديث عن دورة الصخور، كما سنتناولها أيضا في الفصل التالي أثناء مناقشتنا لنشاط البراكين وعلاقتها بالصهارات. وفي هذا الفصل سنتناول الصخور النارية من زاوية أكثر شمولا وتفصيلاً، سواءً منها الصخور النارية المتداخلة أو المنبثقة، وأيضا العمليات التي تؤدي إلي تكونها.
1 – تصنيف الصخور النارية
بدأ الجيولوجيون منذ نهاية القرن الثامن عشر في دراسة الصخور النارية من خلال المشاهدات الحقلية، ومع بداية القرن التاسع قاموا بإجراء الدراسات المعملية على تلك الصخور لتحديد تركيبها الكيميائي والمعدني وتصنيفها، متبعين نفس الطريقة التي نتبعها اليوم اعتمادا على خواص النسيج والتركيب المعدني والكيميائي. وتعد الدراسة الحقلية أمرا مفيدا في تصنيف الصخور النارية أحيانا.
أ – النسيج
صنفت الصخور النارية على أساس النسيج منذ نحو مائتي سنة مضت، حيث يعتبر النسيج وسيلة سهلة وعملية يستخدمها الجيولوجي في الحقل والمعمل لتعرف أنواع الصخور المختلفة. وتعرف الهيئة الناتجة عن الحجم النسبي وشكل وطريقة ترتيب بلورات المعادن المكونة للصخر، ودرجة التبلور. وتقسم الصخور النارية حسب حجم البلورات إلي صخور خشنة التحبب، مثل الجرانيت، تحتوي على بلورات كبيرة الحجم، يمكن رؤيتها بالعين المجردة، عكس الصخور دقيقة التحبب، مثل البازلت، التي تكون بلوراتها صغيرة جداً، إلي الدرجة التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو حتى بالعدسة المكبرة. ويوضح شكل 4 – 1 عينتين من صخري الجرانيت والبازلت، مع صور أخذت باستخدام المجهر (الميكروسكوب) للقطاعات الرقيقة الشفافة التي تم عملها في الصخرين، وتعرف بالشرائح الميكروسكوبية. والفرق في النسيج كان واضحا للجيولوجيين القدامى، إلا أن تفسير طريقة تكون الأنسجة لم يتم إلا من خلال دراسة الصخور البركانية. حيث لاحظ قدامى الجيولوجيين أن اللابة تبرد بسرعة عندما تنبثق فوق سطح الأرض وتكون صخرا دقيق التحبب أو صخرا زجاجيا لا يمكن تمييز أي بلورات فيه، بينما إذا بردت اللابة ببطء، كما يحدث في فيض سميك من اللابة يبلغ ارتفاعه عدة أمتار، فإنه تتكون بلورات أكبر حجما وسط هذا الفيض السميك.
وقد أتى التوضيح الثاني لمفهوم النسيج في القرن التاسع عشر من خلال الدراسة المعملية لعملية تبلور السوائل الشائعة. فعندما يبرد الماء إلي درجة التجمد، تتبلور جزيئاته وتأخذ أوضاعا ثابتة في التركيب البنائي للبلورة المتصلبة، ولا تستطيع جزيئاته الحركة بحرية كما كانت تفعل عندما كان الماء سائلاً. وتتبلور كل السوائل الأخرى بهذه الطريقة. كما أوضحت تلك الدراسات أنه إذا تصلب بسرعة كبيرة، كما يحدث للصهارة عندما تنبثق فوق سطح الأرض، فإن البلورات لا تجد الوقت الكاف لكي تنمو لأحجام أكبر، ويتكون بدلا من ذلك عدد كبير من البلورات الدقيقة، بينما يعوق التبريد المفاجيء عملية تكون بلورات وتتكون نتيجة لذلك مادة زجاجية.
وقد استطاع الجيولوجيون الأوائل أن يرابطوا العلاقة بين الأنسجة الدقيقة التبلور والتبريد السريع على سطح الأرض. كما عرفوا أن الصخور النارية الدقيقة التبلور دليل على تكونها من نشاط بركاني سابق. أما الصخور الخشنة التحبب، وفي ظل غياب المشاهدة المباشرة، فقد افتقد الجولوجيون الدليل على طريقة تكونها.
وقد كان صخر الجرانيت هو الدليل على التبريد البطيء وتكون الصخور الخشنة التحبب، حيث لاحظ جيمس هاتون وهو أحد مؤسسي علم الجيولوجيا الحديثة في أواخر القرن الثامن عشر، وأثناء عمله في الحقل في اسكتلندا:
• أن صخور الجرانيت تقطع بعض طبقات الصخور الرسوبية. • أن صخور الجرانيت تستطيع تهشيم الصخور الرسوبية، كما لو أنها قد اندفعت بقوة في شقوقها على هيئة صهير سائل. • تختلف معادن الصخور الرسوبية الملامسة للصخور الجرانيتية عن الصخور الرسوبية الموجودة على مسافة أبعد من الجرانيت.
ولذلك فقد توصل هاتون إلي أن التغيرات في الصخور الرسوبية الملامسة للجرانيت لابد أنها نتجت عن حرارة شديدة انبثقت من الجرانيت. كما لاحظ أن الجرانيت يتكون من بلورات متداخلة وخشنة التحبب. كما توصل الكيميائيون أيضا إلي أن عملية التبلور البطيء تنتج هذا النموذج من البلورات.
وبتقييم هذه الأدلة الثلاثة، اقترح هاتون أن الجرانيت قد تكون من مادة منصهرة ساخنة تبلورت في أعماق الأرض. وقد توصل الجيولوجيون عند رؤية هذا النسيج المميز للجرانيت في أماكن أخرى من العالم إلي النتيجة نفسها، وهى أن الجرانيت والصخور الخسنة التبلور المماثلة تكونت من صهارة بردت ببطء في أعماق الأرض.
وكما سبق أن أوضحنا في الفصل الثالث، فإن الصهارات عبارة عن سوائل معقدة لمواد صخرية منصهرة. وتتبلور هذه السوائل نتيجة انخفاض درجة الحرارة أو التغيرات في الضغط أو تغيرات في التركيب الكيميائي. أما إذا بردت الصهارات بسرعة كبيرة، فإنها تتصلب دون تكوين بلورات. ويشمل الناتج النهائي لعملية التبلور أو التصلب صخرا مكونا من بلورات متشابكة (معشقة) أو زجاج. وعندما تتفتت الصهارة نتيجة ثورات (تدفق) انفجاري وهروب الغازات، فقد تتجمع كسرات من الزجاج أو البلورات أو الصخور لتكون راسبا من الفتات الناري. وعندما يتحجر الفتات الناري فإنه يكون صخرا. وبغض النظر عن هذا التاريخ، فإنه يتكون صخر ناري جديد يتكون من الزجاج أو البلورات أو أجزاء من الزجاج والبلورات والصخور.
وتعرف أنسجه الصخور النارية المكونة من بلورات متشابكة بأنها أنسجة متبلورة، بينما تعرف أنسجة الصخور المكونة من كسرات بلورية أو صخرية بالأنسجة الفتاتية النارية. وتوصف الصخور النارية حسب درجة تبلور المعادن المكونة لها بواحد من ثلاثة مصطلحات: فهى إما كاملة التبلور إذا تكونت كلية من مادة متبلورة، أو كاملة الزجاجية إذا تكونت كلية من الزجاج، أو ناقصة التبلور إذا احتوت على بلورات وزجاج معا.
أما بالنسبة لحجم الحبيبات، فيوصف نسيج الصخر الذي لا يحتوي على مواد متبلورة بأنه زجاجي النسيج، وتسمى المواد المتبلورة التي تكون حبيباتها صغيرة (أقل من 2مم)، بحيث يستخدم الميكروسكوب لتمييزها، بأنها خفية التحبب، أما المواد المتبلورة التي يمكن تمييز بلوراتها بالعين المجردة (أكبر من 2مم) فتوصف بأنها ذات نسيج واضح التبلور. وتصنف كل الصخور النارية ذات النسيج واضح التبلور إلي دقيقة التحبب عندما يكون حجم الحبيبات أقل من 1مم، ومتوسطة التحبب عندما يكون حجم الحبيبات بين 1مم و5مم، وخشنة التحبب عندما يكون حجم الحبيبات بين5مم و3مم.
كما أن هناك بعض المصطلحات الإضافية التي تستخدم لوصف صخور ذات حجم مميز، فمثلا توصف الصخور التي يزيد فيها حجم الحبيبات عن 3سم طولا بأنها خشنة التحبب جداً أو بجماتيتية (شكل 4 – 2). وعلى الرغم من أن كثيرا من الجيولوجيين يفضلون استخدام مصطلح بجماتيت للصخور السيليكية (الجرانيتية) ذات حجم البلورات الخشن جدا، فإن هذا المصطلح قد يستخدم لأي صخر تكون بلوراته كبيرة بغض النظر عن تركيبه المعدني.
وتعرف الأنسجة البورفيرية (شكلي 4 – 3 هـ و5 – 5) بأنها أنسجة تتكون من بلورات كبيرة الحجم في أرضية من حبيبات أصغر أو في وسط زجاجي. وتسمى البلورات الكبيرة بالبلورات الظاهرة (فينوكريست)، وهى البلورات التي تكونت أثناء وجود الصهارة تحت سطح الأرض، ثم حدث الانفجار البركاني قبل أن تتمكن بقية البلورات المكونة للأرضية من النمو. وعند انبثاق الصهارة إلي سطح الأرض، فإن اللابة تبرد بسرعة وتتحول إلي كتلة متبلورة من بلورات ظاهرة وكبيرة الحجم في أرضية دقيقة التحبب.
ويمكن تقسيم الصخور النارية بناءً على نسيج الصخر أو طريقة التكوين والتواجد في القشرة الأرضية إلي قسمين رئيسيين، هما: الصخور النارية المتداخلة والصخور النارية المنبثقة.
1 – الصخور النارية المتداخلة
يرتبط نسيج الصخر بسرعة تبرد الصهارة التي نشأ منها، وبالتالي مكان تبريده. فالتبريد البطيء للصهارة في باطن الأرض يسمح بالوقت الكافي لنمو بلورات كبيرة متداخلة، والتي تميز الصخور النارية المتداخلة، والتي تعرف أيضا بالصخور البلوتونية (الجوفية). والصخر الناري المتداخل هو صخر ناري اندفع بقوة في الصخور المحيطة. كما تعرف الصخور المحيطة بصخور المنطقة أو صخور الإقليم.
2 – الصخور النارية المنبثقة (البركانية)
يؤدي التبريد السريع عند سطح الأرض إلي تكون النسيج دقيق التحبب أو الزجاجي والمميز للصخور النارية المنبثقة. وتتكون هذه الصخور حينما تنبثق اللابة، أو أي مواد بركانية أخرى من البراكين. لذلك تسمى هذه الصخور أيضا بالصخور البركانية. وتضم الصخور النارية المنبثقة قسمين رئيسيين هما:
اللابات: وهى صخور بركانية تكونت من اللابة. ويستخدم مصطلح لابة للدلالة على كل من الصهارة التي تنبثق فوق سطح الأرض، وأيضا على الصخر الذي تصلد منها، وتتراوح هيئتها بين الناعمة والجبلية والحادة المسننة والشائكة. ومن المعروف الآن أن عديداً من هذه الأنسجة الخاصة تعتبر أدلة على الظروف التي تكونت فيها هذه الصخور، والتركيب الكيميائي للصهارة التي تكونت منها، والطريقة التي قذفت بها من البراكين.
الصخور الفتاتية النارية: تتكون الصخور الفتاتية النارية أثناء الانفجارات الأكثر عنفا، وذلك حينما تندفع قطع مكسرة من اللابة والبلورات والزجاج عاليا في الهواء. ويضم الفتات الناري البلورات التي بدأت في التكون قبل عملية الانفجار وكسرات من لابة تصلدت سابقا، بالإضافة لقطع من الزجاج بردت وتكسرت أثناء عملية الانفجار. ويعتبر الرماد البركاني أصغر أنواع الفتات الناري حجما، وهو يتكون من حبيبات متناهية في الصغر، تتكون عادة من الزجاج الذي تكون عند اندفاع الغازات الهاربة من البركان في صورة رذاذ دقيق الحبيبات من الصهارة. ويتراكم الرماد البركاني على هيئة طبقات مفككة وغير متلاحمة. وتعرف أحيانا الرواسب المتكونة من الفتات الناري باسم تفرا. وتسمى كل الصخور البركانية المتكونة من هذه المواد الفتاتية النارية بالصخور الفتاتية النارية.
وعندما يكون الزجاج هو المادة الوحيدة المكونة للصخر الناري، فإنه يأخذ عدة أشكال منها البيوميس (الحجر الخفاف)، وهو عبارة عن كتلة خفيفة بها عديد من الفجوات أو الثقوب التي نتجت عن هروب الغازات المحبوسة من الصهير المتصلب. ومنها أيضا الأوبسيديان وهو عكس البيوميس، حيث لا يحتوي على أي فجوات نتيجة هروب الغازات، ولذلك يكون صلبا وكثيفا، ويتميز بمكسره المحاري، كما يتميز الأوبسيديان المكسور بحوافه الحادة، ولذلك فقد استخدمه سكان أمريكا الأصليون كرؤوس للحراب وأدوات للقطع. وسنتناول في الفصل الخامس كيفية تكون هذه الصخور والصخور البركانية الأخرى بالتفصيل. وسنتناول فيما يلي طريقة أخرى لتصنيف الصخور النارية.
ب – التركيب الكيميائي والمعدني
يمكن تصنيف الصخور النارية على أساس التركيب الكيميائي والمعدني، بالإضافة إلي النسيج. فالزجاج البركاني والذي يكون عديم التبلور تحت المجهر (الميكروسكوب)، وكذلك الصخور ذات الحبيبات المتناهية الصغر أو الدقيقة التحبب، والتي يصعب تصنيفها على أساس النسيج أو التركيب المعدني، يمكن تصنيفها اعتمادا على التحليل الكيميائي. ويعتمد أحد التصنيفات الكيميائية البسيطة للصخور النارية على محتوى الصخور من السيليكا، حيث تتراوح نسبة السيليكا في معظم الصخور النارية بين 40 و80% وزنا. وتقسم الصخور النارية حسب نسبة السيليكا التي يحتويها الصخر إلي أربع مجموعات هى: الصخور الحامضية، والصخور المتوسطة، والصخور القاعدية، والصخور فوقالقاعدية (جدول 4 – 1).
كما تقسم الصخور النارية أيضا حسب محتواها من المعادن السيليكاتية، اعتمادا على آلاف التحليلات المعدنية التي أجريت في مختلف أنحاء العالم. وتقسم المعادن السيليكاتية إلي مجموعتين، أولاهما مجموعة المعادن الفلسية الغنية بالسيليكا، وتشمل الكوارتز والفلسبار (بنوعيه الأرثوكليز والبلاجيوكليز)، وثانيهما مجموعة المعادن المافية الفقيرة في السيليكا، وتشمل مجموعات الأمفيبول والبيروكسين والأوليفين والميكا الداكنة (بيوتيت). وتتبلور المعادن المافية عند درجات حرارة أعلى من تلك التي تتبلور عندها المعادن الفلسية. وبالتالي تكون المعادن المافية أسبق في التبلور من المعادن الفلسية عندما تبرد الصهارة. ويمكن استخدام صفات فلسي، ومافي (من و من الكلمة اللاتينية، بمعنى حديد) لكل من المعادن والصخور الغنية في هذه المعادن.
وقد أظهرت دراسة التركيب المعدني والكيميائي للصخور النارية، أن بعض هذه الصخور المنبثقة والمتداخلة تكون متماثلة في التركيب ومختلفة فقط في النسيج. فمثلا، البازلت صخر منبثق تكون من لابة، وللجابرو التركيب المعدني نفسه للبازلت، إلا أنه تبلور في أعماق القشرة الأرضية. وبامثل صخرا الديوريت والأنديزيت، وكذلك الريوليت والجرانيت اللذان يتشابهان في التركيب ويختلفان في النسيج (شكل 4 – 3). وهكذا، تكون الصخور المنبثقة والمتداخلة مجموعتين من الصخور النارية متقابلتين ومتوازيتين في التركيب المعدني والكيميائي، ولكن يختلفان في النسيج. وبمعنى آخر، فإن التركيب المعدني والكيميائي في معظم الصخور إما أن يكون لصخر متداخل وإما لصخر انبثاقي (بركاني). والاستثناء الوحيد لذلك يكون في الصخور عالية المافية جدا (فوقمافية)، مثل صخور الدونيت والبريدوتيت، والتي نادراً ما تظهر على هيئة صخور نارية منبثقة.
وتتكون معظم الصخور النارية الشائعة من واحد أو أكثر من معادن السيليكات الستة التالية وهى: الكوارتز والفلسبار (وتضم المجموعة كلا من الفلسبار البوتاسي والبلاجيوكليز)، والميكا (وتضم كلا من المسكوفيت والبيوتيت)، والأمفيبول والبيروكسين والأوليفين. ويوضح شكل (4 – 4) تصنيف الصخور النارية على أساس المعادن التي تكون الصخر ونسبتها بمجرد تعيين نسيج الصخر. ويمثل المحور الأفقي لشكل (4 – 4) نسبة السيليكا بالإضافة لتغير لون الصخر بسبب تغير محتوى الصخر من المعادن المافية والمعادن الفلسية. كما يمثل المحور الرأسي لهذا الشكل نسبة تلك المعادن في الصخر. وعندما تقدر نسبة كل معدن في عينة صخرية ما، فإنه يمكن تحديد الوضع الصحيح للصخر على الشكل المذكور، وبالتالي اسم الصخر المقابل من معرفة نسيج الصخر. فمثلا عند تسمية عينة صخرية تتكون من 30% أوليفين و30% بيروكسين و40% بلاجيوكليز يتم حساب موضع النقطة على الشكل المذكور. فنرسم خطا أفقيا عند النسبة 30% فيتقاطع الخط مع المنحنى الذي يفصل الأوليفين عن البيروكسين. فإذا رسمنا خط رأسيا من نقطة التقاطع فإنه يقطع المنحنى بين البيروكسين والبلاجيوكليز عند نقطة قريبة من نسبة 60%، وهى نسبة تساوي مجموع نسبتي الأوليفين والبيروكسين، بينما تمثل النسبة الباقية (40%) نسبة البلاجيوكليز. فإذا كان نسيج تلك العينة الصخرية خشن التحبب كان الصخر جابرو. أما إذا كان النسيج دقيق التحبب كان الصخر بازلت.
وجدير بالذكر أن الصخور على يسار الشكل السابق تكون فاتحة اللون، بينما تكون تلك التي على يمينه داكنة اللون، ويقع بينهما الصخور متوسطة اللون. وقد تم رسم الخط بين الديوريت والجابرو عند الحد الذي تصل فيه نسبة المعادن الداكنة 50% من مجموع المعادن المكونة للصخور، وتزيد عن نسبة الفلسبارات فاتحة اللون.
1 – الصخور الفلسية
الصخور الفلسية هى صخور نارية فاتحة اللون فقيرة في الحديد والماغنسيوم وغنية بالمعادن التي تحتوي على نسبة عالية من السيليكا مثل الكوارتز وفلسبار الأرثوكليز وفلسبار البلاجيوكليز. وتحتوي معادن فلسبار البلاجيوكليز على كل من عنصري الكالسيوم والصوديوم. وكما يوضح شكل (4 – 4)، فالصخور الفلسية تكون أغنى في البلاجيوكليز الكلسي. وإذا أخذنا في الاعتبار ما سبق ذكره، من أن المعادن المافية تتبلور عند درجات حرارة أعلى من تلك التي تتبلور عندها الصخور الفلسية، فإن البلاجيوكليز الغني بالكالسيوم يتبلور عند درجات حرارة أعلى من تلك التي يتبلور عندها البلاجيوكليز الغني بالصوديوم.
ويعتبر صخر الجرانيت أكثر الصخور النارية المتداخلة المعروفة انتشارا. وهو صخر فلسي فاتح اللون يحتوي على نحو 70% سيليكا. كما يحتوي على كوارتز وفلسبار الأرثوكليز بوفرة، وعلى كميات أقل من فلسبار البلاجيوكليز (أنظر الحد الأيسر من شكل 4 – 4)، وتعطي تلك المعادن الفلسية فاتحة اللون الجرانيت لونه الأحمر الوردي أو الرمادي. كما يحتوي الجرانيت على كميات محدودة من معادن المسكوفيت والبيوتيت والأمفيبول.
وصخر الريوليت هو المقابل البركاني للجرانيت. ويشارك هذا الصخر ذو اللون البني الفاتح إلي رمادي، صخر الجرانيت تركيبه المعدني الفلسي واللون الفاتح، إلا أنه دقيق التحبب جدا. ويحتوي عديد من صخور الريوليت على نسبة كبيرة من الزجاج البركاني، أو قد تتكون منه كلية.
2 – الصخور النارية المتوسطة
تقع الصخور النارية المتوسطة في منتصف المسافة بين الحدين الفلسي والمافي. وكما يشير اسمها، فإن هذه الصخور ليست غنية في السيليكا مثل الصخور الفلسية، ولا هى فقيرة فيها مثل الصخور المافية. وتوجد الصخور النارية المتوسطة على يمين صخر الجرانيت في شكل (4 – 4). وأول الصخور المتوسطة هو صخر الجرانوديوريت، وهو صخر فلسي فاتح اللون يشبه إلي حد ما صخر الجرانيت، وهو يماثل الجرانيت في احتوائه على نسبة وفيرة من الكوارتز، وفلسبار البلاجيوكليز هو الأكثر شيوعا في الصخر عن فلسبار الأرثوكليز. ونجد على يمين صخر الجرانوديوريت صخر الديوريت، وهو أقل في نسبة السيليكا من الصخور السابقة، ويتميز بسيادة فلسبار البلاجيوكليز مع قليل من الكوارتز أو حتى اختفائه. وتحتوي صخور الديوريت على نسبة متوسطة من المعادن المافية مثل البيوتيت والأمفيبول والبيروكسين. وبالتالي تميل صخور الديوريت لأن تكون أغمق لونا عن الجرانيت أو الجرانوديوريت. والمقابل البركاني للجرانوديوريت هو صخر الداسيت. ويقع إلي يمين الداسيت في السلسلة البركانية صخر الأنديزيت، وهو المقابل البركاني لصخر الديوريت. وقد اشتق اسم صخر الأنديزيت من جبال الأنديز، وهى سلاسل جبال بركانية في أمريكا الجنوبية.
3 – الصخور المافية
تتميز الصخور المافية بأنها تحتوي على نسبة عالية من البيروكسين والأوليفين، وهى معادن فقيرة نسبيا في السيليكا، وغنية في عنصري الحديد والماغنسيوم اللذان تستمد منهما المعادن المافية لونها الداكن المميز. وتتواجد الصخور المافية في شكل (4 – 4) على يمين الصخور المتوسطة، حيث نجد صخر الجابرو، وهو صخر متداخل خشن التحبب، له لون رمادي غامق. ويتميز الجابرو بوفرة المعادن المافية، خاصة البيروكسين، وهو لا يحتوي على كوارتز، وإنما على كميات متوسطة من فلسبار البلاجيوكليز الغني بالكالسيوم.
أما البازلت فهو صخر ذو لون رمادي داكن إلي أسود، وهو الصخر البركاني دقيق التحبب المقابل للجابرو. والبازلت أكثر الصخور النارية انتشارا في القشرة الأرضية. ويكون البازلت قيعان المحيطات تحت الطبقة الرقيقة من الصخور الرسوبية التي تغطي قيعان المحيطات. كما تنتشر على القارات فرش سميكة من البازلت تكون هضابا عالية في بعض المناطق (مثل هضبة الدكن في الهند والفرش البازلتية في الدرع العربي بالمملكة العربية السعودية والمعروفة بالحرات) (شكل 5 – 2)، بالإضافة إلي تواجده على هيئة جدد موازية وقواطع.
4 – الصخور فوقالمافية
تتكون الصخور فوقالمافية أساسا من المعادن المافية التي تحتوي على نسبة عالية من الحديد والماغنسيوم، بالإضافة للفلسبار بنسبة أقل من 10%. ونجد عند هذا المستوى المنخفض جداً من السيليكا (نحو 45%) صخر البريدوتيت وهو صخر بلوتوني خشن التحبب، لونه رمادي مخضر داكن، يتكون أساساً من الأوليفين، مع كمية صغيرة من البيروكسين والأمفيبول. ونادرا ما نجد صخورا فوقمافية كصخور منبثقة، حيث إن البريدوتيت يتكون نتيجة تجمع بلورات من الصهارة لا تحتوي على أية سوائل. ولذلك لا تكون الصهارة فوقالمافية لابات.
ويتضح مما سبق أن الصخور النارية يمكن تصنيفها على أساس تركيبها المعدني والكيميائي، بالإضافة إلي النسيج. ويمكن تفسير التاريخ الجيولوجي لهذه المجموعات المصنفة على أساس التركيب المعدني بمقارنة التركيب المعدني ودرجة حرارة التبلور. وكما يوضح شكل (4 - 4) أن المعادن المافية تتبلور عند درجات حرارة أعلى من تلك التي تتبلور عندها المعادن الفلسية. وبالتالي تعكس الزيادة في درجات حرارة التبلور، درجات الحرارة التي تنصهر عندها الصخور. وعندما نتحرك من المجموعة المافية إلي الصخور الفلسية فإن محتوى السيليكا يزداد أيضاً. وتعكس زيادة محتوى السيليكا زيادة التعقيد في البنية البلورية لمعادن السيليكات. وهناك علاقة عكسية بين زيادة تعقيد البنية البلورية للمعادن السيليكاتية، وقدرة الصخر المنصهر على الانسياب. فكلما زادت درجة تعقيد البنية البلورية، قلت قدرة الصخر على الانسياب. وهكذا فإن اللزوجة – وهى قياس لمقاومة السوائل للانسياب – تزداد بزيادة محتوى السيليكا (شكل 4 – 4). وتعتبر اللزوجة عاملا مهما في سلوك اللابة، كما سنرى في الفصل الخامس.
ولقد أصبح واضحا أن معرفة المعادن المكونة للصخور تقدم معلومات مهمة عن الظروف التي تكونت فيها الصهارة الأصلية وتبلورها. ولتفسير هذه المعلومات بدقة، فإننا يجب أن نفهم العمليات التي تؤدي إلي تكون الصهارة، وهو ما سنناقشه فيما يلي:
11 – كيف تتكون الصهارات؟
الصهارة هى مواد صخرية منصهرة تشمل على كل الحبيبات المعدنية العالقة والغازات الذائبة. وتتكون الصهارة حينما ترتفع درجات الحرارة بدرجة تكفي لصهر صخور القشرة أو الوشاح. وتصل الصهارة إلي سطح الأرض عن طريق البراكين. ويمكن استنتاج ثلاث خصائص مهمة للصهارة من خلال مشاهدة تدفق اللابة:
1 – تتميز الصهارة بأنها تتكون في معظمها من السيليكا.
2 – تتميز الصهارة بارتفاع درجة حرارتها.
3 – تتميز الصهارة بقدرتها على الحركة وقابليتها للتدفق والانبثاق. وهذا صحيح بالرغم من أن بعض الصهارات تكاد تكون صلبة. وتكون معظم الصهارة عبارة عن خليط من البورات والسوائل (ويشار إليها باسم صهير).
وتدل طريقة انتقال الموجات الزلزالية في الأرض، على أن معظم مكونات الأرض تكون صلبة حتى عمق آلاف الكيلومترات، والتي تمتد حتى حدود لب الأرض. بينما تدل الانبثاقات البركانية على أنه لابد من وجود مناطق تنصهر فيها الصخور لتنشأ الصهارات المختلفة. فكيف يمكن حل هذا التناقض؟. وتمكن الإجابة عن هذا السؤال في العمليات التي تؤدي إلي انصهار الصخور ونشأة الصهارات.
وعلى الرغم من أنه يمكننا مشاهدة الانبثاقات البركانية (اللابات) في الطبيعة، ودراسة الفتات البركاني في المعامل، إلا أن معظم عمليات تكوين الصخور النارية لا يمكن مشاهدتها مباشرة. وتعتمد دراسة الصهارات أساسا وعمليات تكون الصخور النارية على الاستدلال الجيولوجي والمحاكاة المعملية. فعلى سبيل المثال، لنعرف أين تنصهر الصخور في الأرض، فلابد ألنا أن نعرف الظروف التي ينصهر فيها العديد من الصخور والأماكن الموجودة بالأرض والتي تتواجد بها هذه الظروف.
أ – كيف تنصهر الصخور؟
لقد أفادت التجارب المعملية كثيرا في فهم ميكانيكية انصهار وتصلب الصخور. فنحن نعرف من هذه التجارب أن نقطة انصهار الصخور تعتمد على التركيب المعدني والكيميائي للصخر وعلى الظروف السائدة من الحرارة والضغط.
الحرارة والانصهار: أوضحت التجارب في بداية القرن العشرين أن الصخر المتكون من عدد من المعادن لا ينصهر تماما عند درجة حرارة ما. ويحدث هذا الانصهار الجزئي لأن المعادن المكونة للصخر تنصهر عند درجات حرارة مختلفة. فعندما ترتفع درجة الحرارة، تنصهر بعض المعادن ويبقى بعضها الآخر صلبا. فإذا توقفت عملية الانصهار، وظلت الظروف مستمرة عند درجة حرارة ما، فإن الانصهار يتوقف، ويتبقى خليط من الصخر الصلب والصهير. ويسمى جزء الصخر الذي انصهر عند درجة حرارة معينة بمصهور جزئي. ويمكن تشبيه عملية الانصهار الجزئي بتسخين قطعة من الشيكولاتة بها راقات من البسكويت، فإذا تم التسخين إلي الدرجة التي تنصهر فيها قطعة الشيكولاتة، فإن الجزء الأساسي من راقات البسكويت يظل صلبا.
وتعتمد نسبة الجزء المنصهر في الانصهار الجزئي على التركيب المعدني للصخور ودرجة انصهارها ودرجة الحرارة الموجودة في القشرة الأرضية أو الوشاح، حيث تحدث عملية الانصهار. فعند الحد الأدنى من مدى عملية الانصهار، يجب ألا تقل نسبة الجزء المنصهر عن 1% من حجم الصخر الأصلي. حيث معظم الصخر الساخن في حالة صلبة بينما تتواجد نسبة من المصهور على هيئة قطرات صغيرة على امتداد الحدود بين البلورات في جميع أنحاء كتلة الصخر. وعلى سبيل المثال، تتراوح نسبة الصهير في عديد من المصهورات الجزئية لصهارات بازلتية في أعلى الوشاح بين 1 و2% فقط. وعند الحد الأعلى للحرارة من مدى عملية الانصهار، فإن معظم الصخر يكون في حالة منصهرة مع كميات أقل من بلورات غير منصهرة بها. وهذا ما يحدث عندما تتواجد غرفة صهارة جرانيتية بها بلورات أسفل بركان.
وقد ساعد فهم عملية الانصهار الجزئي، في فهم كيفية تكون أنواع مختلفة من الصهارة عند درجات حرارة مختلفة في أماكن مختلفة من باطن الأرض. فمن السهل الآن فهم كيف أن تركيب مصهور جزئي من صخر يحتوي على معادن ذات درجات انصهار أقل، يكون مختلفا بدرجة ملحوظة عن صخر تم صهره تماما. لذلك فإن الصهارات البازلتية التي تكونت في أماكن عديدة من الوشاح قد تختلف إلي حد ما في التركيب. ومن هذه المشاهدة، فإنه من المتوقع أن الصهارات المختلفة تأتي من نسب مختلفة من المصهور الجزئي.
الضغط والانصهار: يزداد الضغط كلما زاد العمق في الأرض نتيجة لزيادة وزن الصخور التي تعلوه. ولقد أوضحت التجارب المعملية أنه عند صهر الصخور تحت ضغوط مختلفة، فإن زيادة الضغط تؤدي إلي زيادة درجة الحرارة التي ينصهر عندها الصخر. ولذلك فإن الصخور التي تنصهر عند درجات حرارة معينة عند سطح الأرض، تظل في الحالة الصلبة عند درجة الحرارة نفسها في باطن الأرض، تظل في الحالة الصلبة عند درجة الحرارة نفسها في باطن الأرض بسبب الضغط المرتفع. فإذا انصهر صخر عند درجة حرارة 1000م عند سطح الأرض، فإن درجة حرارة الانصهار ربما تصل إلي 1300م عند الأعماق في باطن الأرض حيث يزداد الضغط آلاف المرات عنه عند سطح الأرض. ولذلك، فإن تأثير الضغط يفسر عدم انصهار الصخور في معظم القشرة الأرضية والوشاح إلا حيث يسمح التركيب وكل من الضغط والحرارة بالانصهار.
الماء والانصهار: أظهر تحليل اللابات الموجودة في الطبيعة وجود الماء في بعض الصهارات. لذلك قام العلماء بإضافة كميات صغيرة من الماء إلي الصخور التي قاموا بصهرها، حيث أدى ذلك إلي اكتشاف أن تركيبي المصهور الجزئي والمصهور الكامل لم يتغيرا بتغير درجات الحرارة والضغط فقط، ولكن تغير أيضا من كمية الماء الموجودة أيضاً. ولنأخذ مثلاً تأثير محتوى الماء على معدن الألبيت وهو أحد معادن فلسبار البلاجيوكليز الغني بالصوديوم، وذلك عند الضغط المنخفض عند سطح الأرض. فإذا كان الماء موجوداً بكمية بسيطة، فإن الألبيت النقي يظل في الحالة الصلبة حتى درجات حرارة فوق 1000م حيث يتواجد الماء في الألبيت عند هذه الدرجات العالية من الحرارة في صورة غاز. فإذا أضفنا الماء بكميات كبيرة، فإن درجة حرارة انصهار الألبيت تنخفض إلي 800م. ويتبع هذا السلوك القاعدة العامة التي تقول بأن إضافة مادة إلي مادة أخرى يؤدي إلي انخفاض درجة انصهار المحلول. وتلك القاعدة يمكن ملاحظاتها في المناطق الباردة حيث يتم رش الملح على الثلج المتجمع على الطرقات حتى تنخفض درجة انصهار الثلج.
وبالطريقة نفسها، فإن درجة حرارة انصهار الألبيت وكل معادن السيليكات الأخرى تنخفض بشكل ملحوظ في وجود كميات كبيرة من الماء، حيث تتناسب درجات انصهار معادن السيليكات المختلفة مع كمية الماء المذابة في السيليكات المصهورة. ومحتوى الماء عامل مهم في انخفاض درجة حرارة انصهار مخلوط الصخور الرسوبية مع الصخور الأخرى، حيث إن الصخور الرسوبية تحتوي على حجم كبير من الماء في فراغاتها أكبر بكثير من تلك الموجودة في الصخور النارية أو المتحولة.
ب – تكون غرف الصهارة
تكون كثافة معظم المواد أقل في الحالة السائلة عنها في الحالة الصلبة. فكثافة المواد الصخرية المنصهرة أقل من كثافة الصخر الصلب المماثل له في التركيب – بمعنى أن وزن حجم معين من المصهور أقل من وزن نفس الحجم من الصخر الصلب. ولقد اقترح العلماء الطريقة التي تتكون بها الأجسام الكبيرة من الصهارة. فإذا أعطيت الفرصة للمصهور الأقل كثافة للتحرك فإنه سيتحرك لأعلى، كما ينتقل البترول الأقل كثافة من الماء بأن يرتفع إلي السطح في مخلوط من الماء والبترول. وحيث إن المصهور الجزئي يكون في الحالة السائلة، فإنه يتحرك ببطء لأعلى على امتداد الحدود بين بلورات الصخور التي تعلوه. وتتحرك القطرات الساخنة لأعلى، لتلتحم مع بقية القطرات، لتكون تجمعاً كبيراً من الصخر المنصهر داخل باطن الأرض الصلب.
ومن المعروف الآن أن التجمعات الكبيرة من الصخور المنصهرة تكون غرف الصهارة – وهى تشبه كهوف كبيرة ممتلئة بالصهارة في الغلاف الصخري. وتتكون من قطرات الصخر المنصهر الصاعدة وتندفع داخل الصخور الصلبة المحيطة. وقد تصل غرف الصهارة لأحجام كبيرة قد تصل إلي عدة كيلومترات في الحجم. وماتزال الطريقة التي تتكون بها غرف الصهارة، وكذلك التحديد الدقيق لشكل غرف الصهارات في الأبعاد الثلاثة موضع دراسة.
ويمكن تصور غرف الصهارة على أنها كهوف كبيرة ممتلئة بالصهير في وسط من الصخور الصلبة، حيث تتمدد نتيجة لإضافة المزيد من مصهور الصخور المحيطة أو السوائل التي تهاجر خلال الكسور والفتحات الصغيرة الأخرى بين البلورات. وتنكمش غرف الصهارة بعد اندفاع الصهارات إلي السطح عند الانبثاقات. ومن المسلم به الآن وجود غرف الصهارة، حيث تظهر الموجات الزلزالية عمقها وحجمها والحدود العامة لها أسفل البراكين النشطة.
111 – التمايز الصهاري
لقد أوضحنا فيما سبق كيف تتكون الصهارات، إلا أننا لم نعرف كيف تتكون الأنواع المختلفة من الصخور النارية. فهل تتكون هذه الصخور من صهارات مختلفة في التركيب الكيميائي نتيجة انصهار أنواع مختلفة من الصخور؟. أم أن هناك عمليات أخرى تؤدي إلي تكون الأنواع المختلفة من الصخور من مادة واحدة أصلية متجانسة؟. وقد تم الإجابة على هذه الأسئلة من النتائج التي تم التوصل إليها من الدراسات التي تمت على الصخور النارية في أوائل القرن العشرين. حيث خلط العلماء عناصر كيميائية بنسب تحاكي تلك الموجودة في الصخور النارية في الطبيعة، ثم قاموا بصهرها في أفران ذات درجة حرارة عالية. وقد سجلت درجات الحرارة التي تتصلب عندها الصهارات وتتكون البلورات، وكذلك التركيب الكيميائي لهذه البلورات. ولقد أدت هذه الدراسات إلي التوصل إلي نظرية التمايز الصهاري. ومفهوم هذه النظرية أن صخورا مختلفة في التركيب تتكون من صهارة واحدة متجانسة تعرف بالصهارة الأم بالتمايز الصهاري، كما يحدث أحيانا انشقاق للصهير الأم إلي صهارات مختلفة تعرف بالصهارة المشتقة. ويتكون من كل صهارة مشتقة نوع من الصخور النارية يختلف في تركيبه عن الصهارة الأم. ويحدث التمايز الصهارى بسبب اختلاف درجة حرارة تبلور المعادن وكثافتها. ويتغير تركيب الصهارة أثناء عملية التبلور نتجة نقص بعض العناصر الكيميائية التي استخدمت في تكوين المعادن المتبلورة.
وبصورة مماثلة لعملية الانصهار الجزئي، فإن أول المعادن المتبلورة من الصخور المنصهرة أثناء التبريد تكون هى آخرها في الانصهار أثناء التسخين في التجارب المعملية. وخلال هذه العملية من التبلور، فإن التركيب الكيميائي للصهارة يتغير نتيجة دخول العناصر الكيميائي المختلفة في تبلور المعادن. وأخيرا، وعند درجة الحرارة التي يتم عندها تصلب الصهارة تماما، فإن آخر المعادن المتبلورة هى أولها في الانصهار عندما يتم تسخين الصخر. ولقد ظهر أثناء التجارب المعملية أن هناك نمطين للتبلور:
1 – تغير مستمر وتدريجي. وفي هذا النموذج، والذي يمثله فلسبار البلاجيوكليز، يتغير التركيب الكيميائي للفلسبار المتكون تدريجيا أثناء تقدم عملية التبلور.
2 – تغير فجائي ومنفصل. وفي هذا النموذج، والذي يميز المعادن المافية مثل الأوليفين والبيروكسين، تتغير البنية البلورية والتركيب الكيميائي للبلورات دون تواصل أثناء التبريد، حيث يتغير معدن ما فجأة إلي معدن آخر عند درجة حرارة معينة. ونظرا لأن هذين النموذجين للتبلور أساسيان لفهم عملية التمايز الصهارى، فإننا سنتناولها هنا بمزيد من التفصيل:
أ – سلسلة التفاعل المتصلة
عندما تبرد مصهورات محتوية على فلسبار بلاجيوكليز ذات تركيب كيميائي متنوع، فإن أول البلورات المتكونة تكون دائماً أغنى في الكالسيوم عن المصهور، ويستفيد تكوين هذه البلورات الكالسيوم من المصهور جزئيا. ويصبح المصهور المتبقى أغنى في الصوديوم. ونتيجة ذلك، ومع استمرار تبريد المصهور، فإن البلورات التالية في التكوين تزداد غنيً في الصوديوم. وتتفاعل البلورات الغنية بالكالسيوم والمتكونة أولا مع المصهور الغنى في الصوديوم. وفي هذا التفاعل، فإن أيونات الصوديوم في المصهور تحل محل أيونات الكالسيوم في البلورة،، بحيث تصبح البلورات الغنية بالكالسيوم والمتكونة في المرحلة المبكرة أغنى في الصوديوم. وتكون جميع البلورات، سواء المتكونة سابقا أو لاحقا لها جميعاً التركيب الكيميائي نفسه. ومع استمرار العملية، يصبح كل من المصهور والبلورات أغنى تدريجياً في الصوديوم وأفقر في الكالسيوم. وعند اكتمال عملية التبلور، تصبح الكتلة النهائية الصلبة المتجانسة للبلورات لها تركيب المصهور الأصلي نفسه. ونلاحظ أنه في كل المراحل، فإن المعدن المتبلور كان دائما هو فلسبار البلاحيوكليز.
والفكرة الأساسية لهذه العملية هو التفاعل المستمر للبلورات مع المصهور، حيث يحدث تغير بسيط باستمرار، بحيث إنه عند أي نقطة خلال التبلور، فإن كل البلورات يكون لها التركيب الكيميائي نفسه. وتتحرك البلورات والمصهور خلال سلسلة من التراكيب، تكون أغنى في الكالسيوم في المرحلة المبكرة، وأغنى في الصوديوم في المراحل اللاحقة. ومع استمرار عملية التبريد، تستمر سلسلة التفاعل المتصلة في التقدم حتى تتم عملية التبلور.
ب – سلسلة التفاعل غير المتصلة
يتضمن تبلور المعادن المافية مثل الأوليفين والبيروكسين والامفيبول وميكا البيوتيت عملية مختلفة إلي حد ما عن تبلور معادن البلاجيوكليز. فقد أظهرت التجارب أنه إذا بردت مصهورات تحتوي على مكونات المعادن المافية بشكل تدريجي، وبطريقة مماثلة للتجارب التي أجريت على فلسبار البلاجيوكليز، بحيث يمكن للبلورات أن تتفاعل مع المحلول، فإن المعادن المتكونة تبدي أيضا طريقة منتظمة في التبلور. فعند 1800م يتبلور الأوليفين، ويستمر في التبلور حتى تصل درجة حرارة المصهور إلي 1557م. وتحت هذه الدرجة يتكون البيروكسين فجأة، وهو معدن مختلف تماما عن الأوليفين، وتتحول كل بلورات معدن الأوليفين المتكونة مبكرا إلي البيروكسين (شكل 4 – 5). وعند 1543م، يبدأ معدن الكريستوباليت في التكون، وهو أحد معادن السيليكا المتكونة عند درجة الحرارة العالية، كما يستمر البيروكسين في التبلور حتى يتم التصلب تماماً.
وفي بعض التجارب الأخرى، وباستخدام مصهورات ذات تركيب كيميائي مختلف يتبلور الأمفيبول أولاً، ثم البيوتيت عند درجات حرارة أقل من سلسلة الأوليفين – بيروكسين. وفي سلسلة التفاعل غير المتصلة هذه يحدث تفاعل بين المصهور ومعادن لها تركيب محدد عند درجات حرارة معينة فقط لتكون معادن جديدة مختلفة. وتختلف هذه العملية عن التطور التدريجي لفلسبار البلاجيوكليز والمصهور الأصلي حيث يحدث التفاعل على مدى مستمر ومتدرج من التركيب ودرجات الحرارة.
والبنية البلورية لمعادن السلسلتين التفاعلتين هى جزء من الاختلافات في البنية البلورية لمعادن السيليكات (شكل 2- 14). ويلاحظ أن البنية البلورية الأساسية للفلسبار في سلسلة التفاعل المتصلة تبقى ثابتة بالرغم من تغير نسبة كل من الكالسيوم والصوديوم. وتتبلور معادن البلاجيوكليز في فصيلة الميول الثلاثة وتتميز بتركيب إطاري يتكون من رباعيات الأوجه السيليكاتية الممتدة في الأبعاد الثلاثة (وفي الحقيقة فإن البنيات البلورية لمعادن البلاجيوكليز تكون معقدة وتتغير تبعا للتركيب الكيميائي وظروف التبلور، ولكن لن نتناول تلك التغيرات التفصيلية في هذا الجزء من الكتاب). وعلى العكس من ذلك، تتغير البنيات البلورية لسلسلة التفاعل غير المتصلة بانخفاض درجة الحرارة، مكونة تراكيب من رباعيات الأوجه السيليكاتية تزداد تعقيدا مع انخفاض درجة الحرارة. فعند أعلى درجات الحرارة، تتكون البنية البلورية لمعادن الأوليفين من رباعيات الأوجه السيليكاتية المفردة، وهى الوحدة البنائية الأساسية لمعادن السيليكات (أنظر الفصل الثاني). وفي المرحلة التالية تتكون البيروكسينات من سلاسل مفردة من رباعيات الأوجه ثم تأتي الأمفيبولات المكونة من سلاسل مزدوجة من رباعيات الأوجه المتصلة، يليها الميكا المكونة من صفائح من رباعيات الأوجه. وعند المرحلة النهائية لكل من السلسلتين التفاعليتين المتصلة وغير متصلة نجد الكوارتز والفلسبارات، وهى عبارة عن ترابط إطاري (هيكلي) في الأبعاد الثلاثة من رباعيات الأوجه السيليكاتية.
وفي أثناء تبريد الصهارة في الطبيعة، والتي تحتوي عادة على العناصر الكيميائية لكل من فلسبارات البلاجيوكليز والمعادن المافية، فإن التبلور يحدث في نفس الوقت لكل من السلستين التفاعليتين. فعندما تنخفض درجة حرارة الصهارة عن 1550م يتكون البيروكسين خلال سلسلة التفاعل غير المتصلة ويتبلور فلسبار البلاجيوكليز المكون من الكالسيوم النقي خلال سلسلة التفاعل المتصلة.
وعلى الرغم من أن هاتين السلسلتين التفاعليتين تفسرا تركيب معظم الصخور النارية، إلا أنها لا تستطيع تفسير تركيب بعض الصخور الأخرى. فإذا أخذنا في الاعتبار صهارة طبيعية تفاعلت كل البلورات فيها مع مصهور الصخر عند كل مراحل التبلور، فإننا نتوقع تحت هذه الظروف أن يتكون في نهاية عملية التبلور صخر واحد مكون من فلسبار بلاجيوكليز واحد فقط تركيبه الكيميائي يقابل تركيب الصهارة الأم الأصلية بالإضافة إلي معدن البيروكسين. ولن نجد أي أثر لمراحل التبلور الأولى والتي تشمل فلسبار بلاجيوكليز غني بالكالسيوم والأوليفين. وعند فحص صخور بركانية أخرى يحتوي بعضها على بلاجيوكليز غني بالكالسيوم والأوليفين، فقد يشير ذلك إلي غياب بعض مراحل عملية التبلور طبقا لنظرية التمايز الصهاري.
ج – التبلور التجزيئي
احتاجت نظرية التمايز الصهاري إلي جزء أساسي آخر ليفسر أسباب الاحتفاظ ببعض المعادن المتكونة مبكرا بينما تغير تركيب الصهير. فقد اقترح الجيولوجي الكندي بوين في أوائل القرن الماضي ميكانيكية تفسر ذلك. حيث قام بوين عام 1928م بدراسة سلسلة التفاعل المتصلة وغير المتصلة، لأنه كان مهتما بدراسة عملية التبلور وخاصة في المواقع التي لم يتغير فيها تركيب فلسبارات البلاجيوكليز، أو المعادن المافية خلال التفاعل مع السوائل المتبقية. فإذا بردت صهارة بطريقة أسرع من المعتاد، فإن بلورات فلسبار البلاجيوكليز في مثل هذه الصهارة قد تجد الوقت الكافي للنمو، ولكن لن تجد البلورات الوقت الكافي للفاعل مع الصهير إلا من خلال الأسطح الخارجية فقط. ونتيجة لذلك، فإن الطبقة الخارجية لكل بلورة سوف يتغير تركيبها. ومع تقدم عملية التبلور فإن الأجزاء الداخلية لبلورات الفلسبار تكون غنية بالكالسيوم ويحيط بها طبقات متعاقبة من البلاجيوكليز الذي أصبح أغنى في الصوديوم، حيث يكون الوقت غير كاف لتتحرك أيونات الكالسيوم والألومنيوم إلي الخارج من بلورات البلاجيوكليز المتكونة، لتحل محلها أيونات الصوديوم والسيليكون الموجودة في الصهير.
وستكون النتيجة النهائية لذلك أن يتكون ما نطلق عليه بلورة متمنطقة، وهى بلورة مفردة من معدن واحد لها تركيب كيميائي مختلف في أجزائها الداخلية عنه في أجزائها الخارجية (شكل 4 – 6). وبالإضافة إلي تأثير التبلور السريع، فلابد أن هناك عاملا آخر يؤدي إلي عدم تغير التركيب. فإذا غلفت الأجزاء الداخلية الغنية بالكالسيوم من البلورة النامية، فإن السائل لن يصل إلي حالة اتزان مع البلورات، كما يحدث في أثناء التفاعل المستمر البطيء. ولذلك يبقى السائل غنيا في الصوديوم، لأن الكالسيوم الموجود في الأجزاء الداخلية للبلورة لم يعد متاحا ليحل محل الصوديوم في المصهور.
وقد اقترح بوين نظرية لتفسير عملية التمايز الصهارى اعتمادا على التجارب المعملية والمشاهدات الحقلية. حيث يمكن خلال تلك العملية أن تتجمع البلورات المتكونة في المرحلة المبكرة ثم تنعزل عن المصهور المتبقي بعدة طرق: منها أن يعمل الاستقرار البلورى على تجمع البلورات المتكونة مبكراً في قاع غرفة الصهارة، ثم تنفصل تلك البلورات عن أي تفاعلات أخرى مع السائل المتبقي. كما قد يؤدي كبس السائل المتبقي في غرفة الصهارة نتجة لتشوهات تكتونية لغرفة الصهارة أثناء عملية التبلور إلي عزل وضغط البلورات كجسم ناري متداخل واضح المعالم، وبذلك فإن الصهارة تهاجر إلي أماكن جديدة لتكون غرفاً جديدة (شكل 4 – 7). وسواء حدث ذلك باستقرار البلورات أو بالتشوه التكتوني، فإن البلورات المتكونة في المراحل المختلفة ستنعزل عن المصهور المتبقي، والذي سوف يسلك كما لو كان قد بدأ في التبلور في اللحظة نفسها. ففي سلسلة التفاعل المتصلة، يبدأ الصهير الذي أصبح أغنى في الصوديوم من ذلك الفلسبار الذي تبلور من الصهارة التي لم يحدث فيها عزل للبلورات. ويؤدي استمرار التبلور إلي تكون كتلة من فلسبارات أغنى بكثير في الصوديوم عن الصخر المتكون من الصهير الأصلي. وفي الوقت نفسه، فإن البلورات المنعزلة والغنية في الكالسيوم والتي تكونت في المرحلة الأولى، ستكون كتلة من الفلسبار أغنى في الكالسيوم عن المصهور الأصلي. والتبلور التجزيئي هو المصطلح المستخدم لشرح هذا الانفصال وإالة الأجزاء المتكونة من البلورات على التوالي عند تبريد الصهارة (شكل 4 – 7). وقد اعتقد بوين أن هذه العملية تؤدي إلي الاحتفاظ بالفلسبارات الغنية بالكالسيوم في المراحل المبكرة، وتبلور بلاجيوكليز غني بالصوديوم من صهارة غنية أصلاً في الكالسيوم.
وقد اقترح بوين أن عملية التبلور التجزيئي يمكن أن تؤثر أيضاً في المعادن المافية في سلسلة التفاعل غير المتصلة. وبطريقة مماثلة، فعندما تزال أولى بلورات البلاجيوكليز أثناء التبلور، فإن أولى بلورات الأوليفين المتكونة في سلسلة التفاعل غير المتصلة تستقر وتنعزل من أي تفاعل لاحق. حيث نجد هذه المعادن مع مقابلها من فلسبار البلاجيوكليز. ويتبلور البيروكسين من الصهارة بعد إزالة أولى بلورات الأوليفين التي تكونت. وهكذا تؤدي كل من سلسلة التفاعل المتصلة وغير المتصلة إلي تكوين مدي من المعادن المتبلورة مشابه لتلك الموجودة في الصخور النارية في الطبيعة.
د – نظرية بوين للتمايز الصهارى
اعتقد بوين أن التبريد التدريجي وتمايز الصهارة البازلتية قد يؤدي إلي تكوين صهير يحتوي على نسبة أكبر من السيليكا، وأقل في درجة الحرارة بسبب التبلور التجزيءي. وعندما تتمايز الصهارة البازلتية بالتبلور التجزيئي في المراحل المبكرة تتكون صهارة أنديزيتية، وتنبثق لتكون لابة أنديزيتية أو تتبلور ببطء لتكون متداخل من صخر الديوريت. وتؤدي المراحل المتوسطة من هذه العملية إلي تكون صهارات لها تركيب الجرانوديوريت. فإذا استمرت هذه العملية لوقت أطول، تكونت لابات ريوليتية ومتدخلات من صخر الجرانيت في المراحل المتأخرة (شكل 4 – 8).
ويوضح التبلور التجزيئي والتمايز الصهاري لماذا يحدث تنوع في تركيب الصخور النارية، كما يجب أن يفسرا حقيقتين تبدوان متعارضتين وهما:
• الانتشار الواسع للجرانيت، وهو صخر متداخل يقع عند نهاية الحد الأعلى لمحتوى السيليكا في الصخور النارية، كما أنه يحتوي على البلاجيوكليز الغني بالصوديوم ومعادن أخرى تتميز بانخفاض درجات حرارة انصهارها. • البازلت، والذي يماثل الجرانيت في سعة الانتشار. والبازلت صخر منبثق يقع عند نهاية الحد الأدنى للسيليكا في الصخور المافية، كما أنه يحتوي على بلاجيوكليز غني بالكالسيوم ومعادن أخرى تتميز بارتفاع درجة حرارة انصهارها.
هـ - النظريات الحديثة بعد نظرية بوين
نجحت نظرية بوين للتمايز الصهارى في باديء الأمر في شرح كيف تتكون أنواع مختلفة من الصخور النارية بالتبلور التجزيئي. كما شرحت نظرية بوين طريقة تكون الريوليت (وهو صخر منبثق مقابل للجرانيت) في نهاية سلسلة من الانبثاقات، والتي بدأت باللابة البازلتية.
وكما يحدث دائما عندما تستحوذ نظرية عملية جديدة على اهتمام الأوساط العلمية بسرعة، إلا أن الأبحاث التالية أثبتت الحاجة الماسة لإدخال تعديلات عليها، حيث أثبتت الأبحاث العلمية أنه لكي تتكون بلورات صغيرة من الأوليفين من صهارة لزجة وكثيفة، فإن ذلك يحتاج إلي وقت طويل جدا، وقد لا تصل أبدا إلي قاع غرفة الصهارة. كما أوضحت أبحاث أخرى أن هناك عديداً من المتداخلات المتطبقة التي تظهر العديد من الطبقات ذات تراكيب معدنية مختلفة، ولا يمكن تفسيرها ببساطة من خلال نظرية بوين. ولكن المشكلة الكبرى مع ذلك، كانت وجود مصدر للأحجام الضخمة من الجرانيت الموجود على سطح الأرض، والتي لا يمكن تكوينها بالطريقة التي تقترحها نظرية بوين، نظرا لفقد كميات كبيرة من السوائل بالتبلور من خلال المراحل المتعاقبة من التمايز. ولكي يتكون الحجم الحالي من الصخور الجرانيتية، فإننا نحتاج إلي حجم من الصهارة البازلتية يساوي عشرة أضعاف حجم ممتداخلات الجرانيت. مما يتطلب تبلور كميات ضخمة من البازلت تحت المتدخلات الجرانيتية، إلا أن الدراسات الحديثة لم تثبت وجود هذه الأحجام الضخمة من البازلت. وحتى مع وجود كميات كبيرة من البازلت – عند حيود وسط المحيط – فلم يحدث مثل هذا التحول الشامل إلي الجرانيت من خلال التمايز الصهاري. وقد كشفت الدراسات اللاحقة أن انصهار كميات ضخمة من الأنواع المختلفة للصخور في الوشاح الأعلى والقشرة يؤدي إلي تغير واسع في تركيب الصهارات. فقد تنصهر جزئيا الصخور في أعلى الوشاح لتكون صهارة بازلتية، بينما ينصهر خليط من الصخور الرسوبية والصخور البازلتية المحيطة في نطاق الاندساس لتتكون صهارة أنديزيتية. وقد يؤدي انصهار خليط من الصخور الرسوبية النارية والمتحولة في القشرة القارية إلي تكون صهارة ريوليتية (جرانيتية).
وعلى الرغم من أن نظرية بوين الأصلية للتمايز الصهارى قد تغيرت منذ اقترحها بوين منذ عدة عقود، إلا أن الكثير من الأبحاث اللاحقة والتي أجريت على تمايز الصخور النارية، كان مبنيا أساسا على أفكار بوين.
و – التمثيل واختلاط الصهارات
تدل الدراسات الحديثة أن عملية التمايز الصهاري لبوين لاتكفي وحدها لتفسير نشأة كل الصخور النارية المعروفة، وأن هناك ميكتنيكيات أخرى قد تؤدي أيضا إلي نشأة صهارات ذات تراكيب كيميائية مختلفة.
التمثيل الصهاري: قد يسبب تداخل الصهارة انصهار بعض الصخور المحيطة بها، أو ابتلاع بعض الصخور الصلبة وهضمها في الصهارة (شكل 4 – 9). ويطلق على هذه العملية مصطلح التمثيل الصهاري. فإذا صهرت أجزاء من قشرة قارية بصهارة بازلتية ساخنة، فإن محتوى الصهارة من السيليكا يزداد وتبرد الصهارة أيضا. ومن المحتمل أن الصهارات الأنديزيتية المصاحبة لبراكين حزام المحيط الهاديء قد نشأت من تمثل صهارة بازلتية لبعض صخور القشرة.
اختلاط الصهارات: هناك ميكانيكية أخرى يمكن أن تؤدي إلي تغيير تركيب الصهارة، والتي تعرف باختلاط الصهارات. وقد تحدث هذه العملية عندما تتقابل صهارتان قابلتان للامتزاج ويختلطان في القشرة ليكونا صهارة ذات تركيب متوسط (شكل 4 – 10). فإذا اختلطت كميتان متساويتان من صهارة بازلتية وصهارة ريوليتية (جرانيتية)، فإن الصهارة الناشئة تتبلور تحت سطح الأرض لتكون صخر الديوريت، وتتبلور فوق سطح الأرض لتكون صخر الأنديزيت.
ومن معرفتنا بكيفية تكون الصهارة، فإنه يمكن فهم مواضع تكون الأنوعا المختلفة منها عند درجات الحرارة المختلفة وأماكنها في باطن الأرض.
V1 – مواضع تكون الصهارات وأنواعها
يقوم فهمنا لعمليات تكوين الصخور النارية على الاستدلال الجيولوجي والتجارب المعملية. ويعتمد الاستدلال الجيولوجي أساساً على النتائج المستمدة من مصدرين أساسيين. أولهما البراكين الموجودة سواء فوق سطح الأرض أو تحت الماء، حيث تنبثق الصخور المصهورة. كما تعتبر الحرارة المسجلة في الآبار العميقة ومهوى المناجم (فتحة رأسية يتم من خلالها تشغيل المناجم تحت السطحية) المصدر الثاني للنتائج، والتي تبين أن الحرارة الداخلية للأرض تزداد مع العمق. ولقد تمكن العلماء باستخدام هذه النتائج من تقدير المعدل الذي ترتفع به الحرارة مع زيادة العمق (تدرج حراري).
وتكون درجات الحرارة المسجلة في بعض المناطق أكبر بكثير من الدرجات المسجلة عند العمق نفسه في مناطق أخرى، ممايدل على درجة حرارة بعض أجزاء القشرة الأرضية والوشاح تكون أعلى منها في المناطق الأخرى. فعلى سبيل المثال، تزداد الحرارة بمعدل استثنائي في المناطق النشطة تكتونيا أو بركانيا لتصل إلي 1500م عند أعماق نحو 40كم، أي ليست بعيدة عن الحد السفلي للقشرة. وتكون هذه الحرارة وتكون هذه الحرارة عالية بدرجة كافية لصهر البازلت. أما في المناطق المستقرة تكتونيا، وعند نفس العمق فترتفع الحرارة ببطء أكثر، لتصل فقط إلي 500م.
ومن المعروف الآن أن أنواعا عديدة من الصخور يمكن أن تتصلب من الصهارة خلال عملية الانصهار الجزئي.وأن ازدياد درجة الحرارة في باطن الأرض يمكن أن يسبب تكون الصهارات. ويسمى الجيولوجيون الصهارات بأسماء مجموعات الصخور النارية المقابلة لها. وتستخدم عادة أسماء الصخور البركانية، مثل: صهارة ريوليتية (مجموعة الصخور الفلسية) وصهارة أنديزيتية (مجموعة الصخور المتوسطة) وصهارة بازلتية (مجموعة الصخور المافية). وسوف نستخدم تلك المصطلحات هنا. وسنناقش الأنواع الرئيسية للصهارات البازلتية والأنديزيتية والريوليتية فيما يلي:
1 – أصل الصهارة البازلتية
تشمل المعادن السائدة في صخور البازلت كلا من البيروكسين والبلاجيوكليز، بالإضافة إلي بعض الأوليفين. وتتميز تلك المعادن كلها بأنها معادن لامائية. وترجع تلك الحقيقة إلي احتمال أن الصهارة البازلتية هى صهارة جافة أو فقيرة في محتوى الماء. وتدل جميع المشاهدات والدلائل أثناء انبثاق اللابة البازلتية أن محتوى الصهارة البازلتية من الماء يندر أن يتعدى 0.2% لذلك، فإنه يمكن استنتاج أن الصهارة البازلتية تنشأ نتيجة عملية الانصهار الجزئي الجاف للصخور فوقالمافية (مثل البريدوتيت) المتكونة في الأجزاء العليا من الوشاح وعند أعماق تصل إلي نحو 100كم. وتصعد الصهارة البازلتية لأعلى بعد نشأتها بغض النظر عن القشرة التي تعلوها (قارية أو محيطية).
2 – أصل الصهارة الأنديزيتية
يقارب التركيب الكيميائي للصهارة الأنديزيتية المتوسط العام لتركيب القشرة القارية. وتتواجد الصخور النارية المتكونة من الصهارة الأنديزيتية في القشرة القارية. وتشير تلك الحقائق إلي إمكانية نشأة الصهارة الأنديزيتية من الانصهار الكامل لجزء من القشرة القارية.
وعلى الرغم من أن بعض الصهارات الأنديزيتية تتكون فعلاً بهذه الطريقة، إلا أنه لوحظ انبثاق صهارة أنديزيتية من براكين فوق القشرة المحيطية بعيدة عن القشرة القارية، مما يحتم ضرورة افتراض أن الصهارة في تلك الحالات يجب أن تتكون إما من الوشاح وإما من القشرة المحيطية.
وقد أوضحت التجارب المعملية أن الانصهار الجزئي لقشرة محيطية بازلتية تحتوي على الماء، يؤدي إلي تكوين صهارة أنديزيتية تحت ظروف مناسبة من الضغط والحرارة. وعندما يندس لوح من الغلاف الصخري في الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) فإنه يحمل معه القشرة المحيطية البازلتية والصخور الرسوبية التي تعلوه، والتي تكون مشبعة بالماء، حيث ترتفع درجة حرارة اللوح. كما يؤدي الماء المنطلق من اللوح الهابط. وفي النهاية تبدأ القشرة المحتوية على الماء في الانصهار، حيث يؤدي الانصهار الجزئي للصخور المحتوية على الماء، عند ضغط مساو إلي عمق 80كم، إلي تكون مصهور له تركيب الصهارة الأنديزيتية. ويدعم فكرة أن معظم الصهارة الأنديزيتية تنشأ بهذه الطريقة وجود حزام من البراكين الأنديزيتية النشطة يحيط بالمحيط الهاديء (حول اللوح الهاديء). ويوضح شكل (4 – 11) خط الأنديزيت، وهو خط يوازي حواف حوض المحيط الهاديء، ويفصل المناطق داخل المحيط التي تتواجد بها صهارة بازلتية فقط عن المناطق خارج خط الأنديزيت، والتي يكون تواجد اللابة الأنديزيتية بها شائعا. ولكن قد تتواجد بها أيضا صهارة بازلتية.
3 – أصل الصهارة الريوليتية
تدعم الحقيقتان التاليتان افتراض الأصل القاري للصهارة الريوليتية:
أ – تنحصر البراكين التي تنبثق منها الصهارة الريوليتية في القشرة القارية أو في مناطق البراكين الأنديزيتية.
ب – تطلق البراكين التي تنبثق منها الصهارة الريوليتية، كميات ضخمة من بخار الماء، كما أن الصخور النارية المتداخلة والمتكونة من الصهارة الريوليتية (الجرانيتية) تحتوي على كميات ملحوظة من المعادن التي يحتوي تركيبها الكيميائي على الماء مثل معادن الميكا والأمفيبول، الذي يأتي من الماء المذاب في الصهارة.
وتؤدي هاتان النقطتان إلي إمكانية نشأة صهارة ريوليتية من الانصهار الجزئي لصخور تحتوي على الماء ولها تركيب الأنديزيت، حيث يشبه تركيب الأنديزيت المتوسط العام لتركيب القشرة القارية. وتؤيد التجارب المعملية أيضا هذا الاقتراح، فقد أوضحت تلك التجارب أنه عندما انصهرت صخور تحتوي على الماء، ولها تركيب يشبه المتوسط العام لتركيب القشرة القارية، فإن تركيب الصهارة المتكونة يكون ريوليتيا.
وبمجرد تكون الصهارة الريوليتية، فإنها تبدأ في الصعود لأعلى ببطء، حيث تكون لزجه نتيجة احتوائها على نسبة عالية من السيليكا (نحو 70%). وأثناء صعود الصهارة ببطء فإن الضغط يقل عليها، وبالتالي يقل أثر الماء كعامل لخفض درجة حرارة الانصهار، حيث تؤدي زيادة الضغط إلي زيادة كمية الماء القابل للذوبان في الصهير.
وإذا لم تتوافر الظروف التي تعمل على رفع درجة حرارة الانصهار، فإن الصهارة الصاعدة والمتكونة يالانصهار الجزئي لصخور تحتوي على الماء تتصلب وتكون صخوراً نارية متداخلة في الأعماق تحت سطح الأرض، حيث إن الصهارة الصاعدة تقابل صخورا باردة ولا يوجد مصدر لرفع درجة الحرارة في طريقها. ولذلك تقترب درجة حرارة جسم الصهارة الريوليتية الصاعدة من درجة حرارة التصلب تحت سطح الأرض، وتتكون متداخلات من الصخور الجرانيتية، بدلا من الانبثاق فوق سطح الأرض لتتكون لابة ريوليتية أو فتات ناري.
V – أشكال المتداخلات الصهارية
بالطبع لا يمكن تتبع أشكال الصخور النارية المتداخلة أثناء تداخل الصهارات في القشرة الأرضية. إلا أننا يمكن أن نستنتج أشكالها الآن من خلال العمل الحقلي الجيولوجي، الذي يقوم على رسم الخرائط ومقارنة المنكشفات البعيدة ثم إعادة تخيل تاريخها، بعد عدة ملايين من السنين من تكون هذه الصخور ورفعها وتعرضها لعملية التعرية. ومع ذلك، فإننا نملك بعض الأدلة غير المباشرة على النشاط الصهاري الحالي. فعلى سبيل المثال، تظهر لنا موجات الزلازل الحدود العامة الخارجية لغرف الصهارة التي تتواجد تحت بعض البراكين النشطة، إلا أنها لا تستطيع التنبؤ بشكل وحجم الجسم الناري المتداخل والذي يمكن أن تتكون من غرف الصهارة. ولقد أدت الدراسات إلي وصف وتصنيف عديد من أشكال الصخور النارية المتداخلة (شكل 4 – 12) ومنها ما يلي:
أ – البلوتونات
تسمى كل الأجسام المتداخلة من الصخور النارية، بغض النظر عن حجمها وشكلها، بالبلوتونات. ويتراوح حجم هذه الأجسام بين عدة سنتيمترات مكعبة ومئات الكيلومترات المكعبة. ومن السهل الوصول لهذه الأجسام حين تظهر على سطح الأرض نتيجة عمليات الرفع والتعرية لصخور القشرة الأرضية، أو حين تقطعها الآبار العميقة أو المناجم. وتختلف البلوتونات ليس في الشكل والحجم فقط، بل في علاقتها بالصخور المحيطة أيضا. وجدير بالملاحظة أن بعض الجيولوجيين يقصرون استخدام مصطلح بلوتون على الأجسام النارية الكبيرة المتكونة في العمق، ويتراوح حجمها بين كيلومتر واحد ومئات الكيلومترات المكعبة.
ويعكس هذا التنوع الواسع اختلاف طرف تداخل الصهارة أثناء صعودها في القشرة. وتتداخل معظم الصهارات في الأعماق الكبيرة التي تزيد عن 8 إلي 10كم، حيث يتواجد القليل من الكسور أو الفتحات لأن الضغط العالي للصخور التي تعلو الصهارة يغلق مثل هذه الفتحات. ومع ذلك فإنه يتم التغلب على هذا الضغط من الصهارة الصاعدة. وتكون الصهارات الصاعدة مكانا لها في القشرة بواحدة من الطرق الثلاث الآتية:
1 – باقتحام الصخور التي تعلوها: تقوم الصهارة برفع الوزن الضخم من الصخور التي تعلوها، مما يترتب عليه تكسير هذه الصخور فتقتحمها الصهارة وتنحشر بداخلها. وهكذا تنساب الصهارة داخل الصخور. وقد تتقوس الصخور التي تعلوها خلال هذه العملية.
2 – كسركتل كبيرة من الصخور: تشق الصهارة طريقها لأعلى في صخور القشرة المتكسرة، وتسقط كتل من هذه الصخور في الصهارة وتنصهر وتذوب في الصهير، مما قد يؤدي إلي تغير تركيب الصهارة في بعض المناطق، وهو ما يعرف بالتماثل.
3 – صهر الصخور المحيطة: قد تشق الصهارة طريقها أيضا عن طريق صهر الصخور المحيطة بها. ويوضح (شكل 4 – 9) الطرق الثلاث لتدخل الصهارة.
وقد توجد أحيانا صخور دخيلة في بعض المتداخلات، والتي تتكون من قطع من صخور المنطقة، وتكون محاطة بالكامل بالمادة المتداخلة. وهذه القطع الصخرية التي كانت طافية في الصهارة المتداخلة (شكل 4 – 13)، دليل جيد على اقتحام الصهارة للصخور المحيطة أثناء تكون الجسم الناري.
ويكون لمعظم البلوتونات حدود تلامس حادة مع الصخور المحيطة. كما توجد أدلة أخرى على تداخل هذه الأجسام على هيئة صهارة سائلة في الصخور الصلبة. وقد تتداخل بعض البلوتونات في الصخور المحيطة فتؤدي إلي تكون بعض التراكيب التي تشبه تراكيب الصخور الرسوبية. وتؤدي هذه الظواهر إلي الاعتقاد بأن هذه البلوتونات قد تكونت من صخور رسوبية سابقة، بعملية الجرنتة. والجرنتة هى العملية التي يتكون بها الجرانيت من صخور أخرى سابقة بإعادة التبلور، مع حدوث انصهار كامل أو دون أي انصهار.
1 – الباثوليثات
تعتبر الباثوليثات أكبر البلوتونات حجما، حيث تتكون ضخمة غير منتظمة من صخور نارية خشنة التبلور، تغطي 100كم2 على الأقل (شكل 4 – 12). وتسمى البلوتونات الأصغر بالكتلة الشاخصة أو الاستوك. وعندما تأخذ الكتلة الشاخصة شكلا مستديرا فإنها تعرف بالحدبة. وتكون كل من البلوتونات والكتل الشاخصة عبارة عن متداخلات غير متطابقة، أي تقطع طبقات الصخور المحيطة التي تتداخل فيها هذه الأجسام النارية.
وتتواجد الباثوليثات في لب سلاسل الجبال المشوهة تكتونيا (بنائيا). ولقد أظهرت المشاهدات الحقلية أن الباثوليثات عبارة عن أجسام تشبه الفرش الأفقية، أو أجسام سميكة مفصصة تمتد من جزء أوسط يشبه القمع. وقد تمتد أعماق الباثوليثات إلي 10 أو 15كم، بينما قد يمتد بعضها الآخر إلي أعماق أكبر. ويظهر التبلور الخشن لصخور الباثوليثات، أنها تتبلور في أعماق كبيرة، ونتيجة تبريد بطيء.
2 – الجدد الموازية والقواطع
تختلف الجدد الموازية والقواطع عن الباثوليثات في جوانب عدة، منها أنها تكون أصغر حجما، كما ترتبط بالصخور المحيطة بها بعلاقات مختلفة. والجدد الموازية عبارة عن متداخلات متطابقة، أي تكون حدودها موازية للطبقات المحيطة بها. وتتكون من أجسام مسطحة (صفائح) منبسطة مستوية الأسطح تكونت نتيجة حقن الصهارة في صخور سابقة متطبقة وبين طبقتين متوازيتين (شكلا: 4 – 12 و4 – 14). ويتراوح سمك الجدة الموازية بين سنتيمترات قليلة ومئات الأمتار، كما قد تمتد هذه الجدد لمسافات بعيدة.
وتعتبر القواطع هى الطرق الرئيسية لانتقال الصهارة في القشرة. وهى تشبه الجدد الموازية في أنها أجسام نارية مستوية السطح، إلا أن القواطع تقطع طبقات الصخور المحيطة (شكل 4 – 12 و4 – 14). أما الجدد الموازية فتكون موازية لها. وتتكون القواطع أحيانا نتيجة الحقن في كسور قديمة موجودة قبل الحقن، إلا غالبا ما تفتح قنوات (فتحات) خلال كسور جديدة تحت ضغط الحقن الصهارى. وجدير بالذكر أن بعض القواطع يمكن تتبعها لعشرات الكيلومترات. ويتراوح سمك القواطع من عدة أمتار إلي سنتيمترات قليلة.
ونادرا ما توجد القواطع مفردة، حيث تتواجد عادة في أعداد كبيرة، أو على هيئة حشود مكونة من مئات أو آلاف القواطع (شكل 4 – 15). وقد تكون هذه المجموعات من القواطع متوازية، أو شعاعية أو متجاوزة حيث قد تكون خرجت من مصدر صهاري واحد.
يشبه اللاكوليث الجدة الموازية في أن الجدة تتكون من حقن الصهير بين طبقتين من الصخور الرسوبية قرب سطح الأرض. أما اللاكوليث فيتكون من صهير غني بالسيليكا، مميز بدرجة لزوجة أعلى من الصهارات المافية. لذلك فإنه يتجمع على هيئة كتلة عدسية الشكل تشبه فطر عيش الغراب، وتعمل على تقوس الصخور التي تعلوها. أما قاع اللاكوليث فيكون مسطحا (شكل 5 – 11). ويتراوح قطر اللاكوليث من 1 إلي 8كم. ويصل أقصى سمك لها إلي نحو 1000كم. وقد تأخذ الأجسام النارية شكل طبق تحت سطح الأرض، وتعرف حينئذ باللوبوليث، أو تأخذ شكل سرجاً وتعرف بالفاكوليث.
ب – العروق
العروق عبارة عن رواسب من المعادن مرتبطة بالأجسام النارية القريبة وتكون غريبة عن الصخور المحيطة بها. وهى تشبه القواطع في أنها تملأ فراغات الصخور المحيطة. وقد تنشأ العروق على هيئة أجسام غير منتظمة أو على شكل صفائح منبسطة أو مستدقة مثل القلم، تتفرغ من قمة وجوانب عديد من المتداخلات النارية. ويتراوح عرض العروق بين عدة ميليمترات وعدة أمتار، بينما يتراوح طولها بين عشرات الأمتار والكيلومترات. وأكثر أنواع العروق شيوعا عروق الكوارتز، حيث يكون معدن الكوارتز معظم العرق، بالإضافة إلي بعض الكبريتيدات والفلزات العنصرية مثل الذهب أو الفضة التي تتواجد بنسب ضئيلة للغاية. وتسمى العروق المتكونة من صخور الجرانيت خشنة التبلور جدا بالبجماتيت حيث تبلغ البلورات عدة سنتيمترات (شكل 4 – 2) أو حتى عدة أمتار طولا. وتتبلور تلك العروق في المراحل النهائية لتصلب صهارة غنية بالماء. وتحتوي البجماتيت على خامات من العناصر النادرة والفلزات الثقيلة.
وتكون بعض العروق ممتلئة بالمعادن التي تحتوي على كميات كبيرة من الماء المرتبط كيميائيا بالمعادن، والتي تتبلور من محاليل مائية ساخنة. وتظهر التجارب المعملية أن هذه المعادن تتبلور عند درجات حرارة مرتفعة تتراوح بين 250 إلي 350م، وهى درجة أقل من درجة حرارة الصهارات عموما. ويوضح تركيب المعادن في هذه العروق الحرمائية (من الكلمة اليونانية hydro بمعنى ماء، و thermal بمعنى حرارة) أن الماء كان متواجدا بوفرة أثناء تكون العروق. وسيتم مناقشة العروق الحرمائية وما تحويه من خامات ذات قيمة اقتصادية في الفصل التاسع عشر من الكتاب.
V1 – النشاط الناري وتكتونية اللواح
لقد أمكن تحديد درجات الحرارة والضغوط التي تنصهر عندها الأنواع المختلفة من الصخور التجارب المعملية. وتعطينا هذه النتائج فكرة عن الأماكن التي يمكن أن يحدث فيها الانصهار. فالبازلت ينصهر عند درجة حرارة تزيد بمئات الدرجات عن درجة انصهار خليط من الصخور الرسوبية، مما يعني أن البازلت يبدأ في الانصهار في الأماكن النشطة تكتونيا من الوشاح بالقرب من الحد السفلي للقشرة، بينما تنصهر الصخور الرسوبية عند أعماق أقل من البازلت. وتربط طريقة حركة اللوح بين النشاط التكتوني وتركيب الصخور المنصهرة.
وهناك نوعان من حدود الألواح يصاحبها تكوين الصهارات وهى حيود وسط المحيط حيث يتباعد لوحان ويحدث انتشار لقاع المحيط، ونطاقات الاندساس حيث يؤدي تقارب لوحين إلي أن يندس أحدهما تحت الآخر (شكل 4 – 16). وتتواجد معظم أماكن تكون الصخور النارية عند نطاقات التباعد – أي عند حيود وسط المحيط- حيث يتكون البازلت نتيجة الانصهار الجزئي للوشاح ويصعد مع تيارات الحمل الدورانية الصاعدة. وتنبثق الصهارة على هيئة لابات، يتم تغذيتها من غرف الصهارة أسفل محور حيود وسط المحيط، بينما تقتحم (تتموضع) متداخلات صخور الجابرو في الوقت نفسه ولكن في أعماق أكبر.
أما نطاقات الاندساس حيث يندس لوح تحت آخر، فهى أكثر مواقع انصهار الصخور. حيث تحتوي قمة اللوح الصخري المندس على قشرة محيطية متكونة أساساً من البازلت الذي نشأ أصلاً عند حيود وسط المحيط، وبالإضافة إلي ذلك يحمل اللوح الماء ورسوبيات محيطية لينة تجمعت أثناء حركة اللوح من حيد وسط المحيط إلي نطاق الاندساس. ويقابل اللوح أثناء حركته إلي أسفل درجات حرارة متزايدة وضغط مما يؤدي إلي تحول الرسوبيات أولاً إلي صخور رسوبية ثم إلي صخور متحولة عند الأعماق الأكبر. وحيث إن هذه الصخور تحتوي على كميات كبيرة من الماء، لذلك فإن هذه المواد تتميز بدرجات انصهار أقل من درجة انصهار القشرة أو الوشاح الجافين اللذين لا يحتويان على هذه الكميات من الماء. وعندما يتحرك اللوح الصخري إلي أعماق أكبر ترتفع درجات الحرارة حتى تصل إلي درجة انصهار الصخور الرسوبية أو الصخور المتحولة. وباستمرار الحركة إلي أسفل، يقابل اللوح في النهاية درجات حرارة كافية لصهر الأجزاء العلوية من البازلت. وهكذا، فإن الاندساس يؤدي إلي تكون صهارة، أو ربما عدة صهارات مختلفة الأنواع.
وحينما تتصاعد الصهارات والماء الناتجة من التفاعلات التي تؤدي إلي انتزاع الماء من قمة اللوح المندس المنصهر، فإنها قد تسبب انصهار أجزاء من اللوح العلوي فوق نطاق الاندساس وتغير تركيبه. كما قد تتمايز الصهارات بالتبلور التجزيئي، ويتكون نتيجة لذلك صخور نارية متداخلة ومنبثقة (بركانية). وتنبثق من البراكين فوق الأجزاء العميقة من نطاق الاندساس لابات بازلتية وأنديزيتية وريوليتية وفتات ناري، مكونة بذلك أنواعا عديدة من الصخور البركانية. وتكون هذه البراكين والبركانيات المندفعة منها أقواس جزر محيطية بركانية مثل جزر الإليوشان في ألاسكا.
أما إذا حدث الاندساس أسفل قارة، فإن عديداً من كتل البراكين والصخور البركانية تلتحم ببعضها بعضا لتكون قوسا بركانيا (قوس جبلي) على الأرض. ومن أمثلة اندساس لوح محيطي أسفل آخر قاري تكون سلسلة جبال الأنديز والكاسكيد المتواجدة على هيئة قوس من البراكين النشطة، تضم بركان جبل سانت هيلين في شمال كاليفورنيا، وأوريجون وواشنطن. وبينما تتكون الجبال فوق القارات، تتبلور الصهارات المتداخلة في الأعماق لتكون صخورا نارية تتراوح من المافية إلي الفلسية تبعا لتركيب الصهارة ودرجة التمايز.
وتعتبر جزر اليابان مثالاً للمتداخلات والانبثاقات المعقدة التي تكونت وتطورت في نطاق اندساس عبر ملايين السنين. وفي كل مكان من هذا البلد الصغير، توجد كل أنواع الصخور النارية المنبثقة من أعماق مختلفة، والتي تداخلت مع صخور بركانية متحولة وصخور متداخلة متوسطة ومافية وصخور رسوبية تكونت نتيجة تعرية الصخور النارية.
بلومات الوشاح: يعتقد العلماء أن النقاط الساخنة تمثل تعبيرا عن البلومات الصاعدة باستمرار والمسئولة عن تدفق كميات ضخمة من البازلت، حيث يتواجد هذا البازلت فوق بعض القارات بعيدا عن حدود الألواح في تتابعات سميكة مماثلة لتلك الموجودة عند حيود وسط المحيط. ومن أمثلة هذا البازلت، ذلك الموجود في ولايات واشنطن وأوراجون وإيداهو في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يغطي البازلت مساحات شاسعة، نتيجة تدفق اللابات لملايين السنين. كما انبثق أيضا كميات كبيرة من البازلت من جزر بركانية منفصلة بعيدا عن حيود الألواح المحيطية، مثل جزر هاواي في وسط اللوح الهاديء. وفي مثل هذه المناطق تصعد البلومات الرقيقة التي تشبه ريشة الرسام أو قلم الرصاص من صهارات البازلت الساخنة من أعماق الوشاح، وربما من أعماق تصل إلي قرب الحد بين اللب والوشاح.
والخلاصة أن صهارات البازلت تتكون في الأجزاء العليا من الوشاح أسفل حيود وسط المحيط، وفي الأجزاء السفلى من الوشاح أسفل النقاط الساخنة داخل الألواح. وتتكون صهارات مختلفة التركيب في نطاقات الاندساس اعتمادا على كمية المواد الفلسية والماء الذي تساهم به الصخور فوق نطاق الاندساس في الصخور المنصهرة.
الفصل الخامس: البراكين
كان جبل سانت هيلين في ولاية واشنطن بركانا مخروطيا عاليا يصل ارتفاعه إلي 2950 مترا صباح يوم 18 مايو 1980م، وعند الغروب أصبح جبلا قبيحا يبلغ ارتفاعه 2550 مترا، تغطيه سحابة من الغازات والرماد تصاعدت من فوهة جديدة أخذت شكل حدوة الحصان. وقد أزال الانهيال الكتلي الضخم الجانب الشمالي للجبل تماما، مسببا انفجارا ضخما مزق قمة الجبل، ودمر غابة بها نحو عشرة ملايين شجرة وقتل 57 شخصا. كما اندفعت من البركان سحابة ضخمة من الغازات والرماد لأعلى، وصلت درجة حرارتها إلي نحو 800م، غطت وسط واشنطن، وامتدت شرقا إلي الشاطيء خلال الأيام الثلاثة التالية.واندفع العاملون بالبراكين من كل أنحاء العالم نحو ولاية واشنطن ليجدوا إجابات عن أسئلتهم: ماذا حدث؟، ولماذا؟. بالإضافة إلي أسئلة أخرى عن الدروس المستفادة مما حدث في جبل سانت هيلين للاستفادة بها في مناطق أخرى بها براكين خطيرة.
ويقع بركان سانت هيلين وبراكين أخرى نشطة على امتداد (حلقة النار)، وهى حزام من الجبال الحديثة والزلازل والبراكين تحيط بالمحيط الهاديء، ولذا يعرف باسم الحزام حول الهاديء. وهنا يبرز السؤال: لماذا لا توجد البراكين موزعة عشوائيا في مختلف أنحاء العالم؟، ولماذا هى شائعة في مناطق أكثر من أخرى؟؟ وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها حول موضوع البراكين، كان هذا الفصل الذي يتناول التبركن، وهى العملية التي تصعد بها الصهارة من داخل الأرض خلال القشرة الأرضية لتظهر على السطح على هيئة لابة، وتبرد لتكون صخرا بركانيا صلبا. وتكون الصخور البركانية نحو80% من القشرة الأرضية، سواء كانت محيطية أو قارية.
وسوف نتناول في هذا الفصل أيضا الأنواع الرئيسية للابات، وأنواع الثورات والملامح التضاريسية التي تكونها، وأنواع التلوث البيئي التي تسببها البراكين، حيث يمكن اعتبار البراكين نافذة يمكن من خلالها ملاحظة باطن الأرض. كما سنوضح في هذا الفصل معظم البراكين عند حواف الألواح، مع وجود القليل منها فوق النقاط الساخنة داخل الألواح. وفي النهاية، سنناقش كيفية التحكم في الطاقة التدميرية للبراكين، والاستفادة من الطاقة الحرارية الناشئة عنها والعناصر الكيميائية المصاحبة لها.
1 – مصدر اللابات
روعت ثورات البراكين والمواد المصاحبة لها قدامى الفلاسفة، مماحدا بهم لنسج الأساطير عن عالم شيطاني ساخن تحت سطح الأرض. وقد كانت فكرة القدامى صحيحة، حيث لا يجد الجيولوجيون الآن دليلا على طبيعة الحرارة الداخلية للأرض غير البراكين.
وتظهر نتائج تسجيل درجات الحرارة أثناء حفر الآبار العميقة في الأرض (نحو 10كم) أن درجة حرارة الأرض تزداد بزيادة العمق، حيث ترتفع درجة الحرارة بمعدل 30م لكل كيلومتر عمقا. ويعتقد الآن أن درجات الحرارة تصل إلي 1100م وإلي 1200م عند أعماق الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)، والذي يمتد من نحو 100 إلي 350 كم. وهى درجة حرارة عالية بما يكفي لأن تبدأ عندها الصخور في الانصهار. ولذلك يعتقد االجيولوجيون أن الغلاف اللدن هو المصدر الرئيسي للصهارة، وهى الصخور المنصهرة تحت سطح الأرض، والتي تعرف باللابة عندما تنبثق فوق سطح الأرض. ويستخدم مصطلح اللابة للدلالة أيضا على الصخر الذي تصلدت منه. كما يعتقد أن الانصهار الجزئي لبعض أجزاء الغلاف الصخري الصلب الذي يعلو الغلاف اللدن هو مصدر آخر للصهارة. وتصعد الصهارة كما لوكانت تطفو، لأن كثافة الأجزاء المنصهرة عند هذه الحرارة تكون أقل من كثافة الصخور المحيطة المتبقية. وتضغط الصخور المحيطة الأكثر كثافة على الصهير لتعصره وتدفعه إلي أعلى. كما قد يجد الصهير طريقة إلي سطح الأرض خلال كسور الغلاف الصخري، أو بصهر الصخور. وقد تصل بعض الصهارة في النهاية إلي سطح الأرض وتنبثق على هيئة لابة.
والبركان مصطلح مشتق من اسم إله النار عند الرومان والمسمى فولكان، وهو عبارة عن تل أوجبل، يأخذ عادة شكلا مخروطيا، تكون من تراكم مواد تنبثق على سطح الأرض. ويمثل شكل (5 – 1) رسما تخطيطيا لبركان يوضح النظام الموجود بالبراكين، والذي يشبه نظام خطوط أنابيب المياه، والذي يؤدي إلي دفع الصخور المنصهرة في الأعماق من غرفة الصهارة، وينشيء مخرجا لها عند سطح الأرض، تصعد منه الصهارة خلال قناة تشبه الأنبوب تعرف بالعنق المركزي (مخرج) أو القصبة البركانية للبركان. وتوجد فوق المخرج المركزي حفرة على شكل قمع تعرف بفوهة البركان (أنظر شكلي 5- 1 وشكل 5 – 18). ويتم ملء غرفة الصهارة القريبة من سطح الأرض أسفل قمة البركان دوريا بالصهارة الصاعدة من أسفل، وتفرغ على السطح في دورات من الثورات. ويمكن أن تنبثق اللابة أيضا من كسور على جوانب البركان.
ويهتم الجيولوجيون بدراسة اللابة، حيث تعتبر اللابة عينة مطابقة تماما، حيث تختلف اللابة عن الصهارة التي توجد في الأعماق. فاللابة فقدت بعض مكوناتها من الغازات في الغلاف الجوي أو المحيط أثناء انبثاقها، كما يمكن أن تفقد الصهارة أو تكتسب بعض المكونات الكيميائية الأخرى أثناء صعودها إلي السطح. وبالرغم من هذه الاختلافات، فإن الصهارة والمواد الأخرى المنبثقة تمدنا بمعلومات مهمة، والتي تعتبر مفتاحا لفهم التركيب الكيميائي والحالة الفيزيائية للأجزاء العليا من الوشاح. وتدلنا هذه المواد التي تصلبت على هيئة صخر بركاني، على الثورة التي كونت هذه الصخور منذ آلاف أو ملايين السنين. ويؤثر التركيب الكيميائي والمعدني لا للابات في الطريقة التي تنبثق بها وأشكال التضاريس التي تكونها عندما تتصلب.
11 – الصخور والغازات التي تقذفها البراكين
يعتقد الكثيرون أن البراكين لا تقذف إلا اللابة. ولكن هذا اعتقاد غير صحيح في أغلب الأحيان، حيث تقذف البراكين أثناء الثورة الانفجارية كميات هائلة من الفتات الصخري والقذائف البركانية والرماد البركاني الدقيق، والتي لا تقل وفرة عن اللابة. وبالإضافة إلي ذلك، فإن كميات كبيرة من الغازات تقذف من البراكين إلي الغلاف الجوي. ونستعرض فيما يلي أنواع المواد المختلفة التي تقذفها البراكين (جدول 5 – 1):
أ – الغازات
تحظى الغازات البركانية وطرق تكونها بأهمية خاصة، حيث يعتقد أنها هى التي كونت مياه المحيطات وغازات الغلاف الجوي خلال الزمن الجيولوجي، بالإضافة إلي أنها يمكن أن يؤثر على الطقس والمناخ أيضا. وقد حلل عديد من الغازات البركانية لتحديد تركيبها الكيميائي، ووجد أن بخار الماء هو المكون الرئيسي للغاز البركاني حيث يمثل 70 إلي 95% من مكوناته، يليه ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، بالإضافة إلي كميات ضئيلة من النيتروجين والهيدروجين وأول أكسيد الكربون والكبريت والكلور. وتطلق كل ثورة بركانية كميات هائلة من هذه الغازات (شكل 1 – 5). وتأتي بعض الغازات البركانية من أعماق الأرض، لتصعد إلي السطح. وقد تكون بعض الغازات البركانية عبارة عن مياه جوفية أو ماء محيطات دخلت في دورة جديدة، أو غاز من الغلاف الجوي أعيد أيضا في دورة جديدة، أو غاز محبوس في صخور تكونت في مراحل مبكرة.
ب – اللابات
تختلف الأنواع الرئيسية للابات والصخور التي تكونها تبعا للصهارات التي تتكون منها. حيث تقسم الصهارات والصخور النارية التي نشأت منها إلي ثلاثة أقسام رئيسية، وهى لابات ريوليتية(فلسية) أو أنديزيتية (متوسطة) أو بازلتية (مافية) تبعا لتركيبها الكيميائي، (أنظر الفصل الرابع). كما تقسم الصخور أيضا إلي صخور متداخلة (بردت ببطء تحت سطح الأرض وتكون خشنة التحبب)، وتعرف أيضا بالصخور الجوفية وصخور منبثقة (بردت فوق سطح الأرض وتكون دقيقة التحبب)، وتعرف أيضا بالصخور البركانية. وتضم الصخور النارية المتداخلة الرئيسية: الجرانيت (فلسي) والديوريت(متوسط) والجابرو (مافي). وتشمل الصخور المنبثقة الرئيسية المقابلة الريوليت (فلسي)، والانديزيت الأكثر تواجدا (متوسط) والبازلت (مافي). ويوضح شكل (4 – 4) ملخصا لهذه التصنيفات. ويمكن في هذا الإطار العام أن نتناول أنواع اللابات وكيفية انسيابها وتصلبها.
1 – أنواع اللابات
يؤدي تكون الأنواع المختلفة من اللابات إلي تكون العديد من التضاريس، مثل الجبال البركانية التي تختلف في شكلها، واللابات التي تصلبت وتختلف في معالمها، وتعكس هذه الاختلافات الفرق في التركيب الكيميائي ومحتوى الغازات ودرجة حرارة اللابة. فكلما زاد محتوى السيليكا مثلا زادت لزوجة اللابة وبطأ انسيابها، وكلما زاد محتوى اللابة من الغازات، كان انبثاقها أكثر عنفا.
- اللابات البازلتية: تنبثق اللابة البازلتية الداكنة اللون عند درجات حرارة تتراوح بين 1000م و1200م وهى درجة قريبة من درجة حرارة الأجزاء العليا من الوشاح. وتتميز اللابة البازلتية بأنها سائلة لدرجة كبيرة نتيجة لارتفاع درجة حرارتها، ومحتواها المنخفض من السيليكا. وتنساب هذه اللابة على المنحدرات بسرعة ولمسافات بعيدة. وعلى الرغم من أن المتوسط الشائع لانسياب اللابات هو عدة كيلومترات في الساعة، إلا أنه لوحظ أن بعض اللابات تصل سرعة انسيابها إلي نحو 100كم في الساعة. وفي عام 1938م استطاع جيولوجيان روسيان جريئان قياس درجة حرارة الغازات البركانية وجمع عينات منها بوقوفهما فوق كتلة متصلبة تطفو فوق لابة من البازلت المنصهر الذي يتحرك كنهر جار. وكانت درجة الحرارة عند سطح الكتلة المتصلبة 300م، بينما كانت درجة حرارة نهر البازلت 870م. وقد سجلت حالات انسابت فيها اللابة لمسافة تزيد على 50كم من مصدر انبثاقها. وتختلف اللابات البازلتية المنسابة تبعا للظروف التي انبثقت تحتها. ونذكر هنا الأنواع المهمة لتلك اللابات البازلتية:
• بازلت فيضي: وفيه تنتشر اللابة البازلتية السائلة التي تنبثق فوق أرض مستوية على هيئة فرش رقيقة، مثل فيضان من اللابة (شكل 5 – 2). زغالبا ما تتراكم الفيوض المتشابهة في هيئة هضاب بازلتية ضخمة تسمى البازلت الفيضي أو الهضاب البازلتية مثل تلك الموجودة في هضبة كولومبيا في أوريجون وواشنطن، وكذلك في هضبة الدكن غرب الهند، وتلك التي تغطي مساحات واسعة من الدرع العربي في غرب شبه الجزيرة العربية والمعروفة بالحرات (شكل 5 – 2).
• باهوي هوي وآه آه: تقسم اللابة البازلتية التي تبرد أثناء انسيابها على المنحدرات إلي نوعين تبعا لشكل السطح المتكون، وهما باهوي هوي وآه آه (شكل 5 – 3).
يتكون الباهوي هوي (الكلمة في لغة هاواي تعني حبلية) حينما تنتشر لابة سائلة على هيئة فرش، ويتجمد سطحها ليكون قشرة رقيقة زجاجية مرنة تسحب وتجدل لتكون طيات ملتفة تشبه الحبل، بينما يستمر السائل المنصهر في التدفق أسفل هذه الطبقة المرنة المتجمدة (شكل 5 – 3).
أما الآه آه فهو ما ينطق به الشخص الغافل (غير الحذر) عندما يتجرأ ويمشي حافي القدمين على لابة تشبه الأرض المحروثة حديثا. والآه آه هى لابة فقدت محتواها من الغازات وأصبحت بالتالي أكثر لزوجة عن الباهوي هوي. ولذلك فهى تتحرك ببطء، ممايؤدي إلي تكون طبقة سطحية أكثر سمكا. وبينما تستمر اللابة في التحرك، فإن القشرة السطحية السميكة تتكسر إلي كتل كبيرة خشنة ذات نتوءات حادة (شكل 5 -3)، حيث تتراكب تلك الكتل فوق الجزء اللزج مما يؤدي إلي تراكم مقدمة شديدة الانحدار من الكتل الكبيرة المزواة التي تتقدم مثل جرار متحرك.
وحينما تنساب لابة بازلتية على المنحدرات فإنها تأخذ عادة شكل الباهوي هوي بالقرب من مصدر خروج اللابة، حيث تكون اللابة مازالت سائلة وساخنة، بينما تأخذ اللابة شكل الآه آه في المناطق الأبعد عن مصدر الصهارة على المنحدرات، حيث يتعرض سطح اللابة المنسابة للهواء الباردة لمدة طويلة وتتكون طبقة خارجية سميكة.
• لابة وسائدية: لاحظ الجيولوجيون أن اللابات الوسائدية تتكون على قاع المحيط في هاواي ثم يقوم ماء البحر بتبريدها بسرعة. ويتكون التركيب الوسائدي على قاع البحر بعيدا عن مخرج اللابة البازلتية عند حيود وسط المحيط، حيث تنخفض درجة حرارة اللابة المنسابة. ويشير مصطلح بازلت وسائدي إلي تركيب معين يتميز بوجود كتل غير متصلة من البازلت، تكون وسائدي ة الشكل تشبه الأكياس، يتراوح قطرها بين بضعة سنتيمترات ومتر أو أكثر عندما تبرد ألسنة من اللابة البازلتية المنصهرة، ويتقسى سطحها بالتبريد المفاجيء، وتتكون قشرة خارجية خشنة، بينما تبرد اللابة داخل هذه القشرة بمعدل أكثر بطئا. ولذلك فإن الجزء الداخلي للوسائد يتكون من نسيج متبلور، بينما تتكون القشرة الخارجية من نسيج زجاجي عديم البلورات بسبب تبردها بسرعة (شكل 5 – 4ب). وتحدث كسورا في هذا السطح الخارجي، مما يؤدي إلي تكون فتحات تخرج منها الصهارة التي مازالت في حالة سائلة وتتسرب للخارج. ثم تتقسى هذه القطعة الجديدة البارزة بالتبريد المفاجيء ويتشقق سطحها، وهكذا تستمر العملية ويتكون في النهاية ركام متكدس من أجسام تشبه أكياس الرمل. ومعظم اللابات التي تنساب على القشرة المحيطية تكون بازلتا وسائديا. أما بالقرب من الكسور البازلتية عند حيود وسط المحيط فإن درجة حرارة اللابة تكون أعلى، وتنساب فرش رقيقة من اللابة ليتكون سطحا زجاجيا نتيجة للتبريد المفاجيء، وتتكدس الطفوح المنسابة لتكون تراكما من الفرش البازلتية التي لا يزيد سمك كل فرش منها على 20سم تقريبا.
- اللابات الريوليتية: يتميز الريوليت الفاتح اللون وكذلك اللابة الريوليتية بأنها تكون أكثر فلسية، كما تكون درجة انصهارها أقل من اللابة البازلتية، وتنبثق عند درجات حرارة تتراوح بين 800 و1000م. وتكون اللابة الريوليتية أكثر لزوجة من اللابة البازلتية نتيجة انخفاض درجة حرارتها ومحتواها العالي من السيليكا. وتتحرك اللابة الريوليتية بمعدل أبطأ بمقدار العشر عن اللابة البازلتية، ولذلك فهى تقاوم الانسياب، وتميل إلي أن تتراكم في هيئة رواسب سميكة منتفخة تشبه البصلة.
- اللابات الأنديزيتية: يتميز الأنديزيت، والذي يحتوي على محتوى متوسط من السيليكا بين كل من اللابة الفلسية والمافية، بصفات تقع بين تلك المميزة لكل من البازلت والريوليت.
2 – أنسجة اللابات تتميز اللابات بوجود مظاهر أخرى تعكس ظروف الحرارة والضغط التي تكونت تحتها. فيمكن أن يتكون نسيج زجاجي أو دقيق التحبب إذا كان التبريد سريعا، أو نسيج أكثر خشونة إذا كان التبريد بطيئا. ويسمى النسيج الذي يتكون من حبيبات معدنية كبيرة تعرف بالبلورات الظاهرة في أرضية مكونة من حبيبات صغيرة من المعادن بالنسيج البورفيري (شكل 5 – 5). ويمكن أن يؤدي انخفاض الضغط فجأة أثناء صعود اللابة وتبريدها إلي تكون فقاعات صغيرة. وتحتوي اللابة أساسا على غازات، كما تحتوي زجاجة المياه الغازية المغلقة على الصودا. وعندما تصعد اللابة، يقل الضغط من فوقها، كما ينخفض الضغط عن قطرات الصودا حينما يفتح غطاء زجاجة المياه الغازية. وكما يكون ثاني أكسيد الكربون في الصودا فقاعات نتيجة انخفاض الضغط، فإن بخار الماء والغازات الأخرى الذائبة في اللابة تهرب منها وتكون فراغات أو كهوف صغيرة غازية أو فجوات تشبه الرغوة (شكل 5 -6). ويشير النسيج الرغوي في اللابة المتصلبة إلي الأصل البركاني للصخر. ويمثل صخر البيومس (الحجر الخفاف) أحد أمثلة الصخور البركانية الريوليتية التي تتميز بوجود عدد هائل من الفجوات، لدرجة أن بعض صخور البيومس تطفو فوق سطح الماء.
ج – الرواسب الفتاتية النارية
تؤثر المياه والغازات الذائبة في الصهارات كثيرا على نوع الثورة البركانية. ويؤدي الضغط الحابس للصخور التي تعلو البراكين، قبل حدوث الثورة، إلي احتفاظ اللابات بالمواد الطيارة من الهروب. وعندما تصعد الصهارة بالقرب من السطح وينخفض الضغط، فإنه يتم التخلص من المواد الطيارة تحت قوى انفجارية، تهشم اللابة وأي صخور أخرى صلبة تعلوها إلي كسرات ذات أحجام وأشكال وأنسجة مختلفة. وتميز الثورات الانفجارية على الأخص اللابات الريوليتية والأنديزيتية اللزجة والغنية بالغازات.
1 – المقذوفات البركانية
تسمى أي مواد صخرية بركانية مفتتة تقذف في الهواء بالفتات الناري (يستمد المصطلح من الكلمات اليونانية pyro وتعني نارا أو حرارة وklastos وتعني مكسرا أو مفتتا). وتسمى الصخور المتكونة من الفتات الناري بصخور فتاتية نارية. كما تسمى أحيانا الرواسب المكونة من الفتات الناري بالتفرا. ويستخدم مصطلح تفرا كمصطلح شامل لكل الفتات الناري في الهواء، ويشمل كسرات من الصهارة المتصلبة حديثا سواء كانت صخورا أو معادن أو زجاجا، بالإضافة إلي كسرات من الصخور القديمة المكسرة. وتشمل التفرا الفتات الناري الذي يتساقط مباشرة على الأرض، وذلك التي يتحرك على الأرض كجزء من فيض ساخن متحرك.ويتنوع حجم وشكل الفتات الناري بدرجة كبيرة. وتسمى الأجسام التي قذفت كقطع من اللابة وأصبحت مستديرة، حيث تتشكل وتبرد في الهواء، بالقذائف البركانية (شكل 5 -7). أما الكسرات التي نشأت من صخور بركانية متصلدة سابقا، فإنها تكون كسرات كتلية زاوية، تعرف بالكتل، أما اللويبات (الحصى البركاني) (من الإيطالية بمعنى الأحجار الصغيرة) فتكون أصغر حجما من القذائف البركانية والكتل. ويتراوح حجم القذائف البركانية بين حجم منزل اندفع لأكثر من 10كم في الثورات العنيفة، بينما يكون الرماد البركاني دقيقا لدرجة أنه يبقى عالقا في الهواء وينتقل لمسافات طويلة. وقد تم تتبع أثر الرماد البركاني بعد أسبوعين من انفجار في مونت بينا توبو في الفلبين في كل أنحاء العالم عن طريق الأقمار الصناعية عام 1991م. ويوضح جدول (5 – 2) المصطلحات المستخدمة في وصف الأحجام المختلفة للفتات الناري.
ويتساقط الفتات لبركاني عاجلاً أم آجلاً، ويكون عادة رواسب بالقرب من المصدر البركاني. كما تلتحم الكسرات الساخنة اللزجة مع بعضها بعضا (أو تتحجر) أثناء التبريد. وتصف الصخور المتكونة من الفتات الناري حسب حجم الحبيبات التي يتكون منها الصخر، (جدول 5 – 2). وتسمى الصخور التي تتكون من قذائف بركانية يزيد قطرها عن 64مم بالأجلومرات، وتلك التي تتكون من كتل كبيرة بالبريشيا البركانية. أما الصخور التي تتكون من كسرات يقل قطرها عن 64مم فتسمى بالطف البركاني. وتسمى الصخور التي يتراوح قطر الحبيبات فيها بين 64مم و2مم بطف اللويبات، بينما تلك التي يقل قطر حبيباتها عن 2مم بطف الرماد.
2 – فيض الفتات الناري
قد يكون أحد أشكال الثورات البركانية مثيرا ومذهلا، وغالبا ما يكون مدمرا، حيث يقذف البركان غازات ورماد وغبارا ساخنا في هيئة سحابة متوهجة تندفع على المنحدرات بسرعة قد تصل إلي نحو 200كم في الساعة. وتحمل الغازات الساخنة الفتات الصلب لأعلى بعيدا عن سطح الأرض، بحيث تجعل مقاومة الاحتكاك قليلة، ويعرف هذا الفيض بفيض الفتات الناري.
كما يطلق أيضا على الفيض اسم السحابة المتوهجة (وهى كلمة فرنسية تعني عاصفة متوقدة). وتتميز السحابة المتوهجة بطاقة تتجمع من مصادر أربعة هى الانفجار الأولى والجاذبية والغاز الهارب من قطع الصهارة المحمولة في الغازات والتي تنفجر مثلما يحدث في حبات الفشار، وأخيرا تسخين الهواء المخلوط في السحابة المتدفقة نتيجة تحركه بعيدا أسفل المنحدرات.
وفي صباح يوم 8 مايو عام 1902م صعدت إلي أعلى فوهة بركان في جبل مونت بيليه في جزيرة مارتينيك في البحر الكاريبي كتلة ضخمة من صهارة ممتلئة بالغاز ودرجةه لزوجتها عالية جداً. وحدثت انفجارات شديدة لها صوت يشبه صوت آلاف الدافع، نتيجة لانفجار فقاقيع الغازات المحبوسة، مما ترتب عليه تقطع الصهارة إلي قطع صغيرة. ثم تحرك هذا الفيض من الفتات الناري المحتوى على الغازات والكسرات البركانية المتوهجة على المنحدرات بسرعة تماثل سرعة الأعاصير، حيث وصلت السرعة إلي 160كم في الساعة. وخلال دقيقة واحدة غطى خليط الغازات والرماد والغبار البركاني مدينة سانت بيير وقتل 28000 شخصا. وقد قدرت درجة الحرارة عند فوهة البركان بحوالي 1200م، بينما كانت درجة الحرارة المتوهجة تزيد على 700م، وذلك عند مهاجمتها لمدينة سانت بيير. وقد حدثت الوفاة لهذا العدد الضخم من البشر بسرعة، بسبب الاصطدامبالمكونات البركانية الصلبة أو لاستنشاق الغازات الساخنة جدا أو الاحتراق.
وقد أزالت السحابة المتوهجة أسقف المنازل، وهدمت معظم الحوائط التي كانت متعامدة على طريقها. كما تسببت في التواء القضبان المعدنية. وخلال دقائق معدودة تحولت مدينة سانت بيير المليئة بالمسطحات الخضراء إلي مدينة يحوطها الخراب والدمار، وتتغطى بحوالي 30سم من الرماد البركاني ذي اللون الرمادي، وأيضا رماد مختلط بالطين يلطخ جدران المنازل وجذوع الأشجار.
وقد صورت سحابة متوهجة من مونت بيليه بعد عدة أشهر من السحابة السابقة (شكل 5 – 8). كما شوهد عديد من السحابات المتوهجة الصغيرة في مايو 1980م، أثناء النشاط البركاني في جبل سانت هيلين بواشنطن، حيث هبط الجانب الأيمن من الجبل إلي الغابة في أقل من ثلاث دقائق.
ويسمى الراسب رديء الفرز المتكون من الفتات الناري بإجنمبريت. كما يطلق أيضاً مصطلح إجنمبريت على الصخر المتكون من هذا الراسب نتيجة الحبيبات الساخنة. كما يطلق أيضا مصطلح الطف الملحوم على الصخر المتكون من رماد ساخن جدا، وفي حالة لدنة، بحيث تنصهر الحبيبات المنفصلة مع بعصها بعضا، وتكون حجراً فتاتيا نارياً غنياً بالزجاج، حيث تلتحم الشظايا الزجاجية تحت التأثير المشترك لكل من الحرارة الكامنة في الشظايا وثقل المواد المتساقطة، وأيضا فصل الغازات الساخنة. ويتكون هذا الصخر عادة من فتات ناري غني بالسيليكا، ويتميز بنسيج تخطيطي (شكل 5 – 9). وتتكون فيوض الفتات الناري بعدة طرق، (شكل 5 – 10)، منها:
1 – انهيار عمود الثورة: ينشأ فيض الفتات الناري عندما ينهار عمود الثورة، حين تحدث ثورة وانفجار رأسي، ويقذف الرماد البركاني إلي ارتفاع قد يصل إلي 10كم أو أكثر. وعادة ما تنهار هذه السحابة الثقيلة من الرماد والغاز وتتدفق عبر منحدرات البراكين في شكل فيض فتات بركاني يتحرك بسرعة وعنف، ومثال ذلك ما حدث في جبل ميون في الفلبين عام 1968م.
2 – انهيار قبة من اللابة: قد يحدث فيض الفتات الناري بسبب انهيار قبة اللابة، مثلما حدث في جبل أونزين باليابان عام 1991م. حيث بدأت قبة اللابة في النمو المفاجيء عام 1990م.
3 – التدفق من حافة فوهة: ويبدأ في هذه الطريقة تدفق الفتات الناري على هيئة رماد وغاز ساخن من حافة فوهة البركان بطريقة مشابهة لقدر يغلي ويتدفق محتواه على الموقد. ومثال ذلك ما حدث في جبل مونت بيليه في الفترة 1902 – 1903م والفترة 1929 – 1932م.
4 – الانفجار المباشر: قد يحدث فيض الفتات الناري بالانفجار المباشر، مثلما حدث في جبل مونت بيليه بمارتينيك في البحر الكاريبي عام 1902م، حيث بدأت صهارة عالية اللزوجة جدا في ملأ فوهة البركان، وقد يحدث أحيانا أن يتدفق الفتات الناري الساخن جداً من فوهة البركان، وفي بعض الأحيان الأخرى يحدث انفجار من فوهة البركان.
111 – أنواع الانبثاقات ومعالمها
بعد أن استعرضنا الأنواع المختلفة للمواد البركانية التي انبثقت أو قذفت من داخل الأرض، فإننا يمكن أن نفحص عن قرب أنواع الانبثاقات والمكونات المميزة لها. ولا تكون الثورات البركانية دائما مخروطا متماثلا مهيبا. وتمثل الطبقات الرتيبة والمملة من البازلت والتي تكون هضبة كولومبيا في واشنطن وأوراجون، والتي تغطي مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة، نوعا آخر من البراكين. وتختلف المعالم البركانية في الشكل (شكل 5 – 11)، نتيجة اختلاف اللابة والظروف التي تمت الثورات تحتها.
أ – الانبثاقات المركزية
تكون الانبثاقات المركزية معظم أشكال البراكين الشائعة. حيث يتشكل الجبل البركاني على هيئة مخروط. وتطلق هذه الثورات اللابة أو المواد الفتاتية البركانية من مخرج مركزي، وهو عبارة عن فتحة في مركز المخروط البركاني تقريبا عند قمة قناة صاعدة من غرفة الصهارة، تندفع من خلالها المواد لتنبثق على سطح الأرض (شكل 5 – 1 وشكل 5- 14).
1 – البراكين الدرعية
يتكون مخروط البركان نتيجة التدفقات المتتابعة من اللابة من مخرج مركزي. وتتدفق اللابة بسهولة وتنتشر في حالة اللابة البازلتية. أما في حالة التدفقات الوفيرة والمتكررة، فإنها تكون بركانا درعي الشكل يأخذ شكل القبة تقريبا، عريض يبلغ محيطه عشرات الكيلومترات ويزيد ارتفاعه على كيلو مترين، وتكون الإنحدارات لطيفة نسبيا خاصة بالقرب من القمة. ويعتبر بركان مونالوا في هاواي أحد الأمثلة التقليدية لبركان درعي (شكل 5 – 12).
وعلى الرغم من أنه يرتفع أربعة كيلومترات فقط فوق مستوى سطح البحر، إلا أنه يعتبر فعليا أطول تركيب في العالم، حيث يرتفع فوق قاع البحر عشرة كيلومترات، بينما يبلغ قطر قاعدته نحو 120كم. ولقد وصل بركان مونا لوا إلي حجمه نتيجة تراكم آلاف التدفقات اللابية على امتداد عدة ملايين من السنين. حيث يبلغ سمك كل واحدة من هذه التدفقات بضعة أمتار. وتتكون جزيرة هاواي من مجموعة من البراكين الدرعية النشطة المتراكمة فوق بعضها بعضا على مر السنين حتى برزت فوق قاع المحيط.
2 – القباب البركانية
تتمييز اللابات الفلسية (الريوليتية)، على عكس اللابات البازلتية، بأنها لزجة لدرجة أنها تتدفق بصعوبة بالغة. و تكون اللابة الفلسية عادة في هيئة قبة بركانية وهي عبارة عن كتلة مستديرة من الصخور، ذات جوانب شديدة الإنحدار. وتبدو القبة البركانية كما لو كانت تدفقت من مخرج، مع عدم القدرة على الإنتشار الجانبي. حيث تقوم القباب غالبا بغلق مخرج اللابات، مما يؤدي إلي حبس الغازات وزيادة الضغط، فيحدث انفجار يؤدي إلي تحطم القبة إلي كسرات. ومثال ذلك، ما حدث في انفجار جبل سانت هيلين عام 1980م (شكل 5 – 13).
3 - مخاريط الحمم الفتاتية
حينما تقذف المخارج البركانية فتاتا ناريا، فإن الكسرات الصلبة تبني مخروطا من الفتات الناري يعرف بمخروط الحمم الفتاتية ويتحدد بروفيل المخروط حسب أقصى زاوية استقرار يمكن أن يبقى عندها الحطام مستقرا قبل أن ينهار على المنحدرات. وتكون الكسرات الأكبر التي تسقط بالقرب من القمة انحدارات حادة، إلا أنها تكون مستقرة. أما الكسرات الدقيقة فإنها تحمل بعيدا عن مخرج البركان، وتكون منحدرات لطيفة عند قاعدة المخروط. ويعكس المخروط البركاني التقليدي ذو السطح المقعر، وحيث يوجد المخرج عند القمة، هذا التغير في الانحدار.
4 – البراكين المركبة
تتكون البراكين المركبة حينما يقذف بركان لابة مع الفتات الناري، فتتبادل فيوض اللابة مع طبقات الفتات الناري لتكون بركانا مركبا مقعر الشكل، أو بركانا طباقيا (شكل 5 – 1). ويمثل هذا النوع أكثر الأنواع شيوعا من البراكين الكبيرة، مثل: بركان فوجى ياما في اليابان، وبراكين فيزوف وإتنا في إيطاليا، وبركان نجوروهو في نيوزيلندة.
5 – فوهات البراكين والمعالم البركانية الأخرى
فوهات البراكين يوجد على قمة معظم البراكين، فوق مخرج البركان، حفرة على شكل منخفض دائري ذات شكل قمعي تعرف بفوهة البركان ، تقذف من خلالها الغازات والفتات البركاني واللابة (شكل 5 – 1 وشكل 5 – 14). وتتجاوز اللابة المتدفقة جدران فوهة البركان أثناء انبثاق اللابة من البركان. وعند توقف الثورة تغوص اللابة المتبقية في فوهة البركان مرة أخرى في مخرج البركان وتتصلب. وحينما تحدث الثورة التالية، تتفجر تلك المواد خارج فوهة البركان في هيئة انفجار فتاتي بركاني. وتملأ فوهة البركان بعد ذلك جزئيا بالحطام الذي يتساقط داخل الفوهة. ولأن حوائط فوهة البركان تكون حادة الإنحدار فإنها ربما تسقط أو يتم تعريتها مع مرور الوقت. وبهذه الطريقة، فإن قطر فوهة البركان قد يزيد عدة مرات عن قطر مخرج البركان، بينما تبلغ مئات الأمتار عمقا. فمثلا يبلغ قطر فوهة جبل إتنا في صقلية حاليا نحو 300م، بينما تبلغ 850مترا عمقا.
الكالديرات: تصبح غرفة الصهارة فارغة كليا أو جزئيا، بعد الثورة العنيفة التي تندفع فيها أحجام كبيرة من الصهارة من غرفة الصهارة المتواجدة على بعد عدة كيلومترات قليلة تحت مخرج البركان، ثم يهبط ببطء سقف غرفة الصهارة غير المدعم تحت تأثير وزنها وينهار من خلال حلقة من الكسور الرأسية شديدة الأنحدار، تاركا منخفضا كبيرا على شكل حوض، أكبر بكثير من فوهة البركان، يسمي كالديرا (شكل 5 – 15). وتتميز الكالديرات بمعالمها المميزة، حيث يتراوح قطرها بين بضعة كيلومترات و50كم أو أكثر. ويعتقد بعض الجولوجيين أن الكالديرا تتكون بسبب انفجار هائل في البركان ينسف قمته، بينما أظهرت البحوث ورسم الخرائط الجيولوجية لأنماط التصدع حول الكالديرات أن الكالديرا تحدث نتيجة انهيار سقف غرفة الصهارة كما ذكرنا سابقا، وقد تتراكم مياه في الكالديرا لتكون بحيرة.
انفجارات الماء البركاني: عندما تقابل صهارة ساخنة غنية بالغاز ماءا جوفيا أو ماء بحر، تنشأ كميات ضخمة من بخار الماء الشديد السخونة تصحبها الطين والمواد الأخرى، دون توهج وتسبب ما يعرف بإنفجار الماء البركاني (انفجار فرياتي). ومن هذا النموذج انفجار بركان كراكاتوا في أندونيسيا عام 1883م، وهو أحد أكثر الانفجارات البركانية تحطيما وتخريبا في التاريخ.
دياتريم (ثاقبة بركانية): عندما تهرب مادة ساخنة من الأعماق الداخلية للأرض في صورة انفجار، فإن مخرج البركان والأنبوب المغذي أسفله يمتلىء بالبريشيا عندما تتضاءل الثورة. ويسمي التركيب الناشيء عن ذلك بالدياتريم أو الثاقبة البركانية. ولقد أوضحت الأبحاث العديدة ميكانيكية تكوين الدياتريم، حيث أظهرت دراسة المعادن والصخور التي تحتويها بعض الدياتريمات أنها تتكون فقط في الأعماق الكبيرة –نحو 100كم أو أكثر- داخل الوشاح العلوي (شكل 4 – 16). وتدل الدراسات أن الدياتريمات تكونت من صهر الصخور التي تقع في طريقها بالصهارات الصاعدة الغنية بالغاز، حيث تقذف في النهاية وبطاقة انفجارية أحيانا وبسرعة عالية جدا غازات وكسرات من المخرج، وكسرات من أعماق القشرة والوشاح. وربما تشبه هذه الثورات خروج العادم النفاث من صاروخ مقلوب هائل في الأرض حيث يقوم بتفجير الصخور والغازات في الجو.
وهناك دياتريم في مناجم كمبرلي الأسطورية بجنوب إفريقيا، وهى واحدة من أكبر مناجم الماس في العالم. ويتكون هذا الدياتريم من صخر البريدوتيت، وهو صخر فوقمافي مكون في معظمه من معدن الأوليفين بالإضافة إلي معدن البيروكسين. كما يحتوي أيضا على الماس الذي يتكون من عنصر الكربون تحت ضغط كبير في الوشاح مع كسرات مختلطة من صخر الوشاح التقطتها الصهارة أثناء صعودها إلي سطح الأرض. وينظر إلي هذا الدياتريم كما لو أن بئرا قد حفر في الوشاح يصل إلي عمق 300كم. وتمدنا الكسرات التي التقطتها الصهارة أثناء صعودها بالدليل المباشر الوحيد عن مواد الوشاح العلوي، والتي تتكون أساسا من صخر البريدوتيت.
النصلات البركانية: النصلات البركانية هي أحد أشكال تواجد الصخور البركانية. ويعتقد أنها تتكون من صهارة بردت داخل عنق البركان المركزي وبقيت بعد عمليات تجوية وتعرية البركان (شكل 5 – 16). وتعرف النصلة البركانية أيضا بالسدادة البركانية.
ب – الانبثاقات الشقية
عندما تتدفق لابة بازلتية من خلال شق في سطح الأرض يبلغ طوله عشرات الكيلومترات فإن اللابة المتدفقة تغطي مساحات شاسعة من سطح الأرض. وفي خلال الأربعة ملايين سنة الأخيرة حدث عدد لا يحصى من الانبثاقات الشقية على سطح الأرض (شكل 5 – 17). وتعتبر الانبثاقات التي تحدث على امتداد حيود وسط المحيط ضمن أهم الانبثاقات الشقية. وفي خلال التاريخ المسجل، وفي عام 1783م، شاهدت البشرية ولمرة واحدة مثل تلك الانبثاقات في أيسلندة، والتي تعتبر جزءا مكشوفا من حيود وسط الأطلنطي. ولقد مات نحو خمس سكان أيسلندة نتيجة هذا الانبثاق، حيث فاض نحو 12كم من البازلت من خلال شق بلغ طوله نحو 32كم. وقد استمرت الانبثاقات الشقية في أيسلندة على نطاق أقل من ذلك الذي حدث في كارثة عام 1783م.
1 – بازلت فيضي (الهضاب البازلتية)
يحتوي السجل الجيولوجي على أدلة عديدة عن فيوض بازلتية انبثقت من شقوق كبيرة. فعندما ينبثق بازلت فيضي (ويعرف أيضا بالهضاب البازلتية) من شقوق طولية ينشأ سهل أو تراكم على هيئة هضبة من اللابات، بدلاً من التراكم على هيئة جبل بركاني كما يحدث عند الانبثاق من مخرج مركزي. فلقد غطت فيوض البازلت التي كونت هضبة كولومبيا نحو 200.000كم من سطح الأرض، حيث وصل سمك بعض الفيوض المنفصلة أكثر من 100متر، بينما كانت بعض الفيوض الأخرى سائلة لدرجة أنها انتشرت لمسافة أكبر من 60كم من مصدر الصهارة. ولقد تكون على سطح اللابة تضاريس جديدة مع وديان للأنهار جديدة غطت الأسطح القديمة. وتتواجد الهضاب المكونة من الفيوض البازلتية على كل قارة (شكل 5 – 2).
2 – رواسب فيض الرماد
تكون المواد الفتاتية النارية المنبثقة من الشقوق الطولية أيضا فرشا شاسعة من طف بركاني صلب تسمى رواسب فيض الرماد في الشقوق الطولية. ولم يشاهد أي من البشر أحد هذه الأحداث المهولة حتى الآن. حيث يعتقدان أن رواسب فيض الرماد قد تكونت في العصر الثالث المبكر في جريت بيزن في نيفادا والولايات المجاورة بهذه الطريقة، والتي غطت مساحة تصل إلي نحو 200000كم، ويصل سمكها إلي أكثر من 2500 متر في بعض المناطق.
ج – بعض الظواهر البركانية الأخرى
1 – اللاهار
يعرف التدفق الطيني لرواسب الرماد البركاني والمواد البركانية الأخرى المستقرة فوق منحدرات المخاريط البركانية المشبعة بالماء باللاهار (معربة من الإندونيسية) ،وهو يعتبر من أهم العوامل البركانية الخطرة شديدة التخريب (شكل 5 – 18). وقد يحدث اللاهار عندما يقابل فيض الفتات الناري نهرا أو جليدا لحافه مثلجة، أو عندما يتكسر حائط في بحيرة فوهة البركان فجأة لينطلق الماء، أو عندما يحول المطر المنهمر بغزارة رواسب جديدة من الرماد إلي تدفق طيني. ومن المعروف أن اللاهار تحمل كتل ضخمة لعشرات الكيلومترات. وعندما حدثت ثورة بركان نيفادو دول روز في جبال الأنديز بكولومبيا عام 1985م، تسببت رواسب اللاهار المتكونة نتيجة انصهار جليد المثالج قرب القمة في تغطية المنحدرات ودفن مدينة أرميرو على بعد 50كم، وقتل أكثر من 25000شخص. وعندما حدثت ثورة بركان بيناتوبو في الفلبين في يونيو 1991م، تسببت رواسب اللاهار في حدوث كارثة، كلما حل موسم المطر لمدة خمسة أعوام أو أكثر بعد حدوث الثورات البركانية (شكل 5 – 19)
2 – الداخنات والينابيع الحارة والفوارات (الجيزارات).
لا يتوقف النشاط البركاني بتوقف انسياب اللابة أو المواد الفتاتية النارية، ولكن قد تستمر البراكين في النشاط لعقود أو حتى لقرون. وتستمر البراكين في قذف أدخنة الغازات والبخرة عبر هى مخارج صغيرة تسمى داخنات بعد انتهاء الثوران الرئيسي. وتحتوي كل هذه الإنبثاقات على مواد ذائبة تترسب على الأسطح المحيطة، كما يتبخر الماء أو يبرد. وتتكون نتيجة ذلك أنواع من رواسب سطحية (مثل الترافرتين) تغطي سطح الصخر، وقد تحتوي على بعض المعادن النفيسة.
وعندما تقابل المياة الجوفية المتحركة في باطن الأرض صهارات مدفونة (تحتفظ بالحرارة لمئات الآلاف من السنين) فإنها تسخن وتعود إلي السطح على هيئة ينابيع حارة.والفوارة (الجيزر) هى نوع من الينابيع الحارة ينبثق منها الماء الساخن والبخار بقوة وبصورة متقطعة، وكثيراً ما يكون مصحوبا بأصوات رعدية. ويستمد اسمها من كلمة geyser الستخدمة في أيسلندة وتعني يتدفق أو ينفجر. ويعتبر جيزر أولد فيثفل في يللستون بارك، من أحسن أمثلة الفوارات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تندفع نافورة من الماء الساخن بإرتفاع يصل إلي نحو 60 مترا كل 65 دقيقة تقريبا.
V1 - التبركن وتكتونية الألواح
لحظ الناس منذ أمد بعيد، أن كل البراكين الكبيرة في العالم تقع على امتداد حزامين رئيسيين (شكل 5 – 20)، وهماالحزام حول الهادي أو حزام النار، والثاني هو حزام البحر المتوسط. أما الحزام حول الهادي فهو الحزام الأكبر، ويضم عديدا من البراكين في وسط أمريكا الشمالية وغرب أمريكا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية (أنتاركاتيكا). ويشمل الجزء الغربي من حزام المحيط الهادي براكين نيوزيلندا وأندونسيا والفلبين واليابان، بينما يشمل الجزء الشمالي من هذا الحزام البراكين النشطة في روسيا وجزر اليوشان. أما الحزام الثاني حزام البحر المتوسط ويشمل جبل فيزوف وجبل ثيرا(جزيرة في البحر المتوسط) وجبل أتنا فوق جزيرة صقلية.
ويظهر توزيع البراكين النشطة في العالم، والتي يتراوح عددها بين 500و600 بركان أنها ليست موزعة عشوائيا، بل تتوزع تبعا لنمط محدد. فيتواجد نحو 80% من البراكين النشطة عند حدود الألواح المتقاربة. و15% عند حدود الألواح المتباعدة، والبقية القليلة داخل الألواح. وكما أوضحنا في الفصل السابق، فإن تركيب اللابة يختلف حسب موقع البركان من تكتونية الألواح (شكل 5 – 21). وسنناقش فيما يلي شرحا لتفسير توزيع ونشأة البراكين في إطار تكتونية الألواح:
أ - التبركن عند حدود الألواح المتاعدة( تبركن نطاق الانتشار)
كما أوضحنا سابقا في الفصلين الأول والرابع، إن قيعان المحيطات تتمييز بوجود كسور تكون نظام خسف في الكرة الأرضية، تنفصل على امتدادها الألواح وينبثق من خلالها البازلت. ويتمد الكسر بين اللوحين المتباعدين إلي الأعماق في الغلاف اللدن(الأسثينوسفير). وتصعد الصهارات البازلتية والمتكونة نتيجة الإنصهار الجزئي للصخر فوقالمافي الساخن في غلاف الانصهار، في الفجوة بين الألواح المنفصلة، وتتدفق أعلى الكسر لتكون حيود المحيط وبراكين وقشرة قاع المحيط البازلتية (شكل 5 – 21). وقد صبت كميات هائلة من الصهارة عبر هذا النظام من كسور القشرة الأرضية، حيث تدفقت صهارة تكفي لتغطية قشرة كل المحيطات الحالية خلال المائتيمليون سنة الماضية .
وتنخفض حرارة البراكين كثيرا عند قيعان المحيطات حينما تتحرك المياه الباردة في كسور حيود وسط المحيط. ويكون ماء البحر الذي ارتفعت درجة حرارته وأصبح غنيا بالمعادن الذائبة نتيجة تلامسه مع الصهارة ينابيع ساخنة جدا (350م) ومخارج للدخان بامتداد هذه الكسور. وتعتبر هذه الأماكن مصدرا مهما للمعادن بما فيها خامات الزنك والنحاس والحديد (شكل 19 – 12).
وتمدنا أيسلندة، والتي تعتبر واحدة من المناطق القليلة المكشوفة لحيود وسط الأطلنطي، بنموذج لمشاهدة عملية انبثاق الصهارة عبر كسور قيعان المحيطات مباشرة. وتتكون جزيرة أيسلندة في معظمها من البازلت، كما تتميز بأنها في حالة شد عند طرفيها، حيث يشد نصفها الشرقي ناحية اللوح الأوروآسيوي، بينما يشد نصفها الغربي ناحية لوح أمريكا الشمالية(شكل 5-22). وتتسبب قوى الشد في تكوين كسور تتدفق عبرها الصهارة إلي السطح. ويتكون في نهاية كل مرحلة نتيجة لتصلب اللابة قاطع رأسي وطبقات أفقية تقريبا على الأسطح الجانبية للكسور. ومع كل مرحلة جديدة من الانتشار الجانبي، يتكون كسر جديد ويحدث تدفق جديد خلال القاطع القديم. وهكذا تنمو أيسلندة نتيجة الانبثاقات المتكررة من الكسور الطولية، وأيضا من مخارج محلية. وعلى الرغم من اختلاف هذا السيناريو عما يدور تحت الماء، فإن أقوي الاحتمالات تشير إلي أن قشرة قيعان المحيطات تتكون بالطريقة نفسها.
ب - التبركن عند الحدود المتقاربة (تبركن نطاق التقارب)
يتم في الوقت الحالي دراسة وفحص العديد من الظواهر التي تحدث عندما تتقارب الألواح ويحدث الاندساس. ومن المظاهر المميزة لذلك سلسلة البراكين التي توازي الحدود المتقاربة، أيا كان نوع تلك الحدود، سواء كان محيطيا –محيطيا، أو محيطيا –قاريا (شكل 5 – 21). وتختلف أنواع الصهارات التي تغذي البراكين في نطاق التقارب عن الصهارة البازلتية المتكونة في حيود وسط المحيط. وتتراوح تلك الصهارة في تركيبها من مافية إلي متوسطة إلي فلسية، أي من بازلتية إلي أنديزيتية إلي ريوليتية. وتقدم فكرة الاندساس عدة تفسيرات للميكانيكية التي تؤدي إلي تكون أنواع مختلفة من الصهارات في نطاق الاندساس وقد يتسبب الماء الموجود في رواسب الطبقة الخارجية لقيعان المحيطات فوق اللوح المندس في انصهار الوشاح الساخن فوقه، حيث يعمل هذا الماء على خفض درجة حرارة انصهار الصخر (الفصل الرابع). وتتكون في هذه العملية صهارات بازلتية تغذي براكين نطاق التقارب. وتتكون بالإضافة إلي الصهارات البازلتية التي تنشأ من الانصهار الجزئي للوشاح صهارات متوسطة وأخرى أكثر فلسية، إذا توفرت مصادر لتزويد الصهير بالسيليكا والعناصر الأخرى. وترتفع درجة حرارة اللوح المندس الباردة في نطاقات الاندساس نتيجة انصهار رواسب قاع المحيط والقشرة المحيطية أعلى اللوح المحيطي المندس. وبالإضافة لذلك، تتداخل الصهارات الصاعدة من الوشاح في القشرة الفلسية للوح القاري العلوي وتسبب انصهاره جزئيا. وتنشأ عن هذه العملية أنواع من الصهارات الأكثر فلسية، وهكذا يمكن التنبؤ بالنشاط البركاني المصاحب لعملية الاندساس ونشأة صهارات مختلفة الأنواع، في إطار نظرية تكتونية الألواح.
1 - التبركن في التقارب المحيطي – المحيطي عندما يتقارب لوحان محيطيان، ينشأ من قاع محيط اللوح العلوي قوس من الجزر البركانية تعرف بأقواس الجزر، نتيجة انبثاق البازلت أو الأنديزيت أحيانا، أو الريوليت نادرا. وربما ينشأ البازلت من الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) أعلى اللوح الهابط (المندس). ويتواجد الأنديزيت (الأكثر سيليكية) عندما تضاف عناصر مستمدة من الانصهار الجزئي للقشرة البازلتية عند درجات انصهار مختلفة، بالإضافة إلي رواسب قاع المحيط المصاحبة للوح الهابط. وتمثل جزر الأليوشن وماريانا نموذجا أوليا لهذه العملية.
2 - التبركن في التقارب المحيطي – القاري
عندما يندس لوح محيطي تحت لوح يحمل قارة فوق حافته المتقدمة، فإنه تنشأ سلسلة جبال بركانية قوسية تعرف بالأقواس البركانية في نطاق التصادم بالقرب من الحافة القارية. وتمثل جبال الأنديز حدود التقارب بين لوحي أمريكا الجنوبية(حافة قارية) ونازكا (حافة محيطية). ويؤدي اندساس لوح جوان دي فوكا الصغير (حافة محيطية)تحت لوح أمريكا الشمالية(حافة قارية) إلي تكون براكين سلسلة الكاسكيد،والتي تمتد من كاليفورنيا الشمالية إلي كولومبيا البريطانية، حيث تتضمن هذه السلسلة بركان سانت هيلين. وعند حدوث ثورة بركانية، تقذف كميات من الرماد واللابة الأنديزيتية، وبعض اللابة الريوليتية. وغالبا ما يكون المصدر خليطا من صهارة بازلتية تصعد من الوشاح مختلطة بقشرة قارية فلسية أعيد صهرها أثناء صعود الصهارة البازلتية في تلك القشرة. وبالإضافة إلي ما سبق، يمكن أن تضاف مواد منصهرة من اللوح المندس إلي الخليط.
ج - التبركن داخل الألواح
يمثل التبركن بعيدا عن حدود الألواح مشكلة لنظرية تكتونية الألواح، حيث يبدو أنه استثناء من المقارنة الدقيقة بين التبركن وحدود الألواح. فلو أخذنا مثالا من جزر هاواي التي تقع وسط لوح المحيط الهاديء، فإن سلسلة الجزر تبدأ من البراكين النشطة في هاواي، وتستمر مثل سلسلة من حيود وجبال بركانية خامدة مغمورة تم تعريتها، وتزداد في العمر كلما ابتعدنا عن جزر هاواي. وتتميز تلك السلسلة بأنه لا تصاحبها زلازل كبيرة متكررة، ولذلك فإنها تسمي حيداً لازلزالياً. وقد كان من الصعب تفسير نشأة الحيود اللازلزالية ذات الأصل البركاني، والتي تتواجد أيضاً في كل مكان في المحيط الهاديء وفي المحيطات الأخرى الكبيرة، في إطار نظرية تكتونية الألواح، حتى تم التوصل إلي فكرة النقاط الساخنة لشرح أشكال البراكين داخل القارات بعيداً عن حدود الألواح. ويعتبر بركان يلوستون بارك مثالاً لنقطة ساخنة قارية نشطة فوق لوح أمريكا الشمالية.فطبقا لهذه الفرضية والموضحة في (شكل 5 – 21) ، فإن النقاط الساخنة تمثل تعبيرا عن البلومات على سطح الأرض. والبلوم هو عبارة عن مادة صلبة ساخنة تصعد من الأعماق خلال الوشاح(وربما حتى الحد الذي يفصل بين اللب والوشاح). وعندما يصل البلوم إلي الأعماق الضحلة، حيث ينخفض الضغط فإنه يبدأ في الانصهار. وتخترق الصهارة الغلاف الصخري (الليثوسفير) لتنبثق عند السطح. ويعتقد أن هذه التيارات العمودية ثابتة في الوشاح، ولا تتحرك مع حركة ألواح الغلاف الصخري. وعند مرور اللوح فوق البلوم، فإن النقطة الساخنة تترك سلسلة من البراكين النشطة والتي تتحول إلي براكين خامدة تزداد في العمر كلما ابتعدنا عن النقطة الساخنة. ويوضح توزيع البراكين الخامدة، والتي تكون جزر هاواي وسلسلة جبال الإمبرور سيمونت Emperor seamount (شكل 5-23) آثار حركة لوح المحيط الهاديء فوق نقطة ساخنة يميزها البراكين النشطة في هاواي، بينما يسجل الانحناء في السلسلة تغيرا في اتجاه حركة اللوح.
على أن أصل الانبثاقات الشقية للبازلت فوق القارات مازالت محل نقاش حتى الآن. ومن تلك الانبثاقات تلك التي كونت هضبة نهر كولومبيا وهضاب اللابة الأكبر في البرازيل وبارجواي والهند وسيبريا. وقد اقترح البعض وجود بلومات ضخمة تعرف بالسوبربلوم، تصعد من الأعماق عبر الوشاح كمصدر للانبثاقات الشقية، التي تكون هضاب اللابة الكبيرة القارية، حيث يزيد حجم بعضها على مليون كيلومتر مكعب. ويقترح البعض الآخر أن كسورا(لم يحدد أصلها) اخترقت الغلاف الصخري القاري، وأن اللابات البازلتية، والتي تمثل الانصهار الجزئي للوشاح أسفله قد اندفعت بسرعة إلي السطح بدون تشوب(تغير التركيب الكيميائي للصهارة) من القشرة الفلسية. وقد كان التبركن الذي غطي معظم سيبريا باللابة منذ نحو 250مليون سنة عند نهاية العصر البرمي ذا أهمية خاصة، حيث يعتقد أنه كان السبب في أكبر هلاك للأحياء في التاريخ الجيولوجي. ويمكن ملاحظة وجود الانبثاقات الشقية التي تمييز المراحل الأولي للخسف القاري وبداية تكون محيط جديد في أماكن عديدة من العالم. فمثلاً قد يوجد البازلت في وديان الخسف في شرق إفريقيا. حيث يعتقد أنه يمثل أحد مظاهر انشطار هذا الجزء من إفريقيا والذي لم يكتمل بعد.
V - البراكين والمناخ
تلقي العلاقة بين الثورات البركانية و التغيرات في الطقس والمناخ المزيد من الاهتمام منذ فترة طويلة. فعندما ثار بركان لاكي في أيسلندة عام 1783م انبثقت منه أكبر لابة في التاريخ، وخرجت كمية ضخمة من الغازات التي غطت جزيرة أيسلندة ومعظم شمال أوروبا لعدة شهور في صورة غيام وضباب أزرق. وقد احتوت الغازات على كمية من غاز الفلورين مما أدي إلي موت كثير من الدواب في أيسلندة، وحدوث مجاعة قاسية أدت إلي هلاك نحو خمس سكان الجزيرة. ومع مرور الوقت وصل الغيام الرقيق إلي أوروبا، حيث أمكن رؤيته لأيام عديدة في الصيف.وقد كان شتاء 1783 -1784م قاسيا خاصة في أوروبا. وقد أوضحت المشاهدات الحقلية أن الرماد الدقيق والغازات التي انبثقت من بركان لاكي قد حجبت أشعة الشمس بدرجة أدت إلي وجود طقس بارد. وقد كان البريطاني لامب إخصائي علم المناخ هو صاحب اقتراح أن النشاط البركاني يؤثر على المناخ. وقام لامب بجمع قائمة تفصيلية بالثورانات البركانية منذ عام 1500 قبل الميلاد، وعمل حسابا لمعامل يعتمد على الكمية الظاهرة من الحطام البركاني المنتشر في الغلاف الجوي. وقد توصل إلي أن هناك علاقة واضحة بين التغيرات المناخية في العالم والثورات البركانية الكبيرة.
وإذا كان الرماد والغازات تؤثر على الطقس والمناخ، فلابد أن التأثير يكون في الاستراتوسفير (الجزء العلوي من الغلاف الجوي ويقع بين 10 و50كم فوق سطح الأرض) حيث تحوم طبقة من الغازات لفترة طويلة، مع عدم وجود سحب أو أمطار تغسل تلك الملوثات بسرعة (شكل 5-24).وقد قام إخصائيو علم المناخ بتحديد طبقة من الرذاذ تبقي لمدة طويلة عند ارتفاعات تتراوح بين 15 و30كم، والتي يبدو أنها تتكون من غيام رقيق يتكون من رماد سيليكاتي وملح من البحر ونقيطات من حمض الكبريتيك تقلل من شفافية الجو، وربما تنشأ تلك المكونات من مصادر عديدة، مثل رذاذ البحر أو الأعاصير الترابية أو الثورات البركانية أو حرائق الغابات أو الملوثات الصناعية. وتتغير كثافة طبقة الرذاذ خلال شهور أو سنوات، إلا أنها قد تتغير فجأة نتيجة ثورة بركانية، كما تحتاج لسنوات حتى تعود إلي وضعها الطبيعي. وتسقط أشعة الشمس على هذه الطبقة من الغيام في الاستراتوسفير وبرودة الغلاف الجوي أسفله، وكذلك سطح الأرض.
1v - تقليل مخاطر كوارث البراكين
يهدد واحد من كل ستة براكين نشطة في العالم حياة البشر. ويتراوح عدد تلك البراكين بين500 و600بركان. كما أنها تدمر الممتلكات عندما تنهار المباني الضخمة وتحدث الانفجارات العنيفة ويساقط الرماد وتنطلق الغازات المهلكة والملوثة للغلاف الجوي وتنساب اللابة واللاهار. ويوضح شكل (5 – 18) بعض الكوارث التي تحدثها البراكين.
وقد تمكن العلماء الذين يراقبون جبل سانت هيلين وجبل بيناتوبو من التنبؤ والتحذير وإصدار تعليمات الإخلاء من ثورات رئيسية هائلة. وفي حالة بركان بيناتوبو، والذي لم يثر لمدة 500 عام، فقد صدر التحذير قبل الثورة العنيفة بعدة أيام. ومن ثم تم إخلاء نحوستين ألف شخص من منطقة يبلغ قطرها 10كم من قمة البركان. وقد تم إنقاذ عشرات الآلاف من الأحياء من اللاهار الذي دمر كل شيء في طريقه. وبذلك أمكن تجنب الكارثة ونجا الكثير من البشر عدا القليل منهم الذين تجاهلوا التحذيرات.
وعلى عكس قصص هذه النجاحات، فهناك إخفاقات منها مأساة بركان نيفادو ديل روز في كولومبيا عام 1985م. فرغم تحذير العلماء من خطورة هذا البركان، حيث توجد قمة جليدية على قمة الجبل العالية، وأن أي انسياب للابة أو لكسرات صخرية ساخنة فوق الجليد ستسبب كارثة. وقد استعد العلماء بإصدار التحذير، إلا أنه لم تكن هناك إجراءات جادة للإخلاء. ونتيجة لذلك، فلقد هلك خمسون ألفا من البشر بسبب اللاهارات التي انطلقت نتيجة الثورة المحودة.
وقد تطور علم البراكين إلي الدرجة التي يمكننا بها تحديد مواقع البراكين الخطيرة في العالم وتحديد المخاطر الممكنة، من نوع المواد التي تخرج من البركان أثناء الثورات في مراحلها الأولي. ويمكن استخدام تقييمات المخاطر لإصدار التعليمات بخصوص عمل نطاقات لتقييد استخدام الأرض – وهو أكثر مقياس مؤثر لتقليل الكوارث. وتستطيع أجهزة الملاحظة والرصد أن تسجل إشارات الزلازل او تغير درجة حرارة الأرض أو تحرك الصهارة، مما يؤدي إلي انتفاخ البركان وانبثاق الغاز، أو تغيرات الحرارة عند مخارج البخار والينابيع الحارة على البراكين، والتي تحذر من ثورة على وشك الحدوث. كما يمكن إخلاء البشر الموجودين في نطاق الخطر تحت إشراف السلطات المختصة. كما أنه لا يمكن منع الثورات البركانية، إلا أنه يمكن تقليل مخاطرها بدرجة معقولة، بتضافر جهود العلماء ووضع برامج تثقيفية للناس.
وكما أسلفنا، فإن الثورات البركانية لا يمكن التحكم فيها، إلا أنه في بعض الحالات الخاصة ، يمكن تقليل الأضرار الناجمة عنها على نطاق محدود. وربما كان من أنجح المحاولات للتحكم في النشاط البركاني ما حدث في أيسلندة في يناير 1973م، حيث تم رش اللابة المتقدمة في البحر. وقام المواطنون بتبريد اللابة وبالتالي تقليل انسيابها، كما منعوها من سد مدخل الميناء وحافظوا على بعض المنازل من الدمار.
وبالنسبة للمستقبل، فإن أفضل سياسة لحماية الأحياء من خطر البراكين، هو إنشاء أنظمة للتحذير و الإخلاء أكثر تقدماً، وحظر إنشاء مجتمعات عمرانية في الأماكن الخطرة بصورة أكثر صرامة. إلا أن هذه التدابير الوقائية قد لا تفيد كثيرا، عندما ينشط فجأة بركان ساكن أو خامد لفترة طويلة، مثل بركان فيزوف وسانت هيلين.
11v - الاستفادة من البراكين
لقد رأينا بعضا من المناظر الطبيعية الجميلة لجبال البراكين وأيضا بعضا من آثارها التدميرية. كما تقدم البراكين أيضا بعض الفوائد لرفاهية الإنسانية. فكما ذكرنا في الفصل الأول فإن نشأة الغلاف الجوي والمحيطات ربما ترجع إلي النشاط البركاني في الماضي البعيد عند نشأة الأرض. وتتميز التربة المتكونة من الموادالبركانية بأنها عالية الخصوبة بسبب وجود بعض المعادن التي تحتويها. وتعتبر الصخور البركانية والغازات والبحار أيضا مصادر للمواد الصناعية والكيماويات، مثل البيومس (الحجر الخفاف) وحمض البوريك والأمونيا والكبريت وثاني أكسيد الكربون وبعض الفلزات. كما أن تحرك ماء المحيطات ودورته في شقوق حيود وسط المحيط عامل مهم في تكوين بعض الخامات المعدنية.
وتستخدم الطاقة الحرارية للبراكين في أماكن عديدة في العالم، كما يتزايد استخدمها بمرور الوقت. فمعظم المنازل في بعض مناطق أيسلندة يتم تدفئتها بمياه ساخنة مستمدة من الينابيع الحارة. كما يستغلالبخار الساخن والناشيء من ماء ارتفعت درجة حرارته نتيجة ملامسته لصخور بركانية ساخنة تحت سطح الأرض كمصدر للطاقة لإنتاج الكهرباء في إيطاليا ونيوزيلندة والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك واليابان والاتحاد السوفيتي السابق.
الفصل السادس: التجوية والتعرية
تضعف كل المواد الصلبة وتتفتت، حتى أكثر الصخور صلابة، عندما تتعرض لتأثير الماء وغازات الغلاف الجوي، إلا أن هذه العملية قد تستغرق آلاف السنين. وقد سعى الناس جاهدين منذ القدم للبحث عن أنواع معينة من الصخور لإنشاء المباني التذكارية وشواهد القبور وغيرها، لاعتقادهم أن الحجر جذاب ويتحمل عوامل الزمن وتأثيراته المختلفة. كما اكتشف اليونان والرمان منذ أكثر من ألفي عام أن الحجر الجيري والرخام يصلحان كمواد نموذجية للبناء، لتميزها بالكثافة العالية وسهولة تشكيلها بالنحت إلي أشكال فنية جميلة، إلا أنهم لم يتوصلوا إلي معرفة السبب في قابلية هذه الصخور الكربوناتية للتحلل.
وفي المدن الصناعية الكبرى، فإن نقوش كل المباني المشيدة من الحجر الجيري أو الرخام سواء منها القديمة أو الحديثة تختفي ببطء تحت تأثير الملوثات الناتجة من حرق الوقود. ويعتبر ثاني أكسيد الكبريت والأمطار المحملة بالأحماض من أكثر المواد تأثيرا، حيث تسبب ذوبان الكالسيت المكون لهذه الصخور. ونتيجة لذلك، فإن كثيراً من المباني التاريخية في أوروبا، والتي يرجع تاريخ بعضها إلي القرون الوسطى، قد شوهت بدرجة كبيرة مثل آثار وتماثيل قدماء المصريين (شكل 6 – 1).
وسنتناول في هذا الفصل بالتفصيل عمليتي التجوية والتعرية. فالتجوية weathering هى عملية يتم فيها تفتيت الصخور فوق سطح الأرض. وتتكون نتيجة لهذه العملية كل المواد الطينية (الصلصال) وكل أنواع التربة والمواد الذائبة التي تحمل بواسطة الأنهار إلي المحيطات. وتؤثر التجوية بطريقتين:
- التجوية الكيميائية chemical weathering وهى تحدث عندما يتغير التركيب الكيميائي للمعادن الموجودة في الصخر أو حتى تذوب تماما. ويرجع السبب الرئيسي في عدم وضوح أو اختفاء الحروف والنقوش من على شواهد القبور والمباني التذكارية التاريخية إلي التجوية الكيميائية.
- التجوية الطبيعيةphysical weathering وتعرف أيضا بالتجوية الميكانيكية mechanical weathering ، وهى تحدث عندما يتفتت الصخر الصلب إلي حبيبات صغيرة نتيجة للعمليات الطبيعية، ولكنها لا تؤدي إلي تغيير في التركيب الكيميائي للصخور. وقد عملت التجوية الطبيعية على تحويل المعابد اليونانية القديمة إلي كتل صخرية وأعمدة مفتتة، كما أحدثت الكثير من الكسور والشروخ في المعابد المصرية. وتدعم التجوية الطبيعية التجوية الكيميائية، حيث يعمل مزيد من التحلل الكيميائي على سرعة تكسر وتفتت الصخر. كما أنه كلما زادت مساحة السطح المعرض للتجوية الكيميائية، زاد معدل التفكك والتكسر.
وتعتبر التربة واحدة من النواتج العديدة للتجوية، حيث تؤدي العمليات التي تسبب تجوية الصخور إلي تكسرها إلي فتات صخري يتفاوت في الشكل، كما يتراوح حجمه بين جلاميد ضخمة يصل قطرها إلي خمسة أمتار وحبيبات دقيقة لا ترى بالعين المجردة، بالإضافة إلي الأيونات الذائبة في مياه الأمطار والتربة.
وعموما، فإن مجموع الذرات والأيونات التي تنتج عن التجوية الطبيعية والكيميائية تساوي مجموع ذرات وأيونات الصخر الأصلي الذي تمت تجويته. وتحمل هذه المواد المجواة بعيدا عن مكان التجوية بالرياح والمياه والجليد. وتترسب في النهاية كرواسب مختلفة الأنواع، مثل الرمل والغرين والصلصال الموجودة في وديان الأنهار. ومع مزيد من التقدم في دورة الصخور تدفن هذه الرواسب تحت رواسب إضافية، وتتحول تدرجيا إلي صخور رسوبية، وهو ما ستتم مناقشته في فصل الصخور الرسوبية.
1 – التجوية والتعرية ودورة الصخور
بعد أن تتكون الجبال نتيجة للعمليات التكتونية (البنائية) والنشاط البركاني، يعمل التغيير الكيميائي والتهشيم الطبيعي بالأمطار والرياح والجليد وحركة هذه المواد أسفل المنحدرات على سطح الأرض على تعرية هذه الجبال، وهذا هو دور التعرية.
وتعرف التعرية erosion بأنها مجموعة العمليات التي تؤدي إلي تفكك الصخور والتربة وتحركها بواسطة الرياح أو الجليد أو الماء على المنحدرات إلي الأماكن المنخفضة. وتحمل المواد التي تم تجويتها بعيدا لتترسب في مكان آخر على سطح الأرض، مما يترتب عليه كشف صخور جديدة وتعرضها للتجوية.
وتعمل التجوية والتعرية مع العمليات البنائية والتبركن وغيرها من العناصر الأخرى لدورة الصخور على تغيير شكل سطح الأرض. فبينما يعمل النشاط البركاني والتكتوني على رفع أجزاء من سطح الأرض، فإن عمليات التجوية والتعرية تعمل بصورة عكسية، حيث تزيل المواد من المرتفعات إلي مناطق أقل ارتفاعا باستمرار. كما تؤدي أيضا إلي تحويل الصخور المختلفة إلي رواسب وتكوين التربة أيضا. وينتج عن التجوية الكيميائية معظم الأملاح المذابة في مياه المحيطات.
وسنتناول في الأجزاء الأولى من هذا الفصل التجوية الكيميائية، لأنها تمثل العامل الأساسي والمحرك الذي يسير كل عمليات التجوية، كما تعتمد التجوية الطبيعية بدرجة كبيرة، رغم أهميتها، على التحلل الكيميائي. وسنتناول أولاً العوامل التي تتحكم في التجوية، ولماذا تتم تجوية بعض الصخور أسرع من الصخور الأخرى؟
11 – العوامل التي تؤثر في التجوية
من المعلوم أن كل الصخور قابلة للتجوية، إلا أنها تتفاوت في طريقة وسرعة تجويتها، حيث تتجوى بعض الصخور بسرعة أكبر من الصخور الأخرى. وتتحكم في عملية تفتيت الصخور وتغييرها كيميائيا أربعة عوامل رئيسية وهى: خصائص (صفات) الصخر الأصلي والمناخ ووجود التربة أو عدم وجودها والفترة الزمنية التي يتعرض فيها الصخر للعوامل الجوية. ونعرض فيما يلي وصفا لكل من هذه العوامل (جدول 6 – 1).
أ – خصائص الصخر الأصلي
تؤثر طبيعة الصخر الأصلي على معدل تجوية الصخور، وذلك يرجع أساسا إلي نوع المعدن، حيث تتم تجوية المعادن المختلفة بسرعات مختلفة. كما يؤثر تركيب الصخر على قابلية لتكوين الشروخ والكسور. وتقدم الحروف المنقوشة على شواهد القبور القديمة والمحفورة منذ عدة قرون أوضح دليل على أن تجوية الصخور تتم بسرعات مختلفة، فالحروف المنقوشة على شواهد القبور الحديثة تبدو واضحة على سطح الحجر الجيري وذات حدود حادة. أما بعد مئات السنين، وفي طقس ممطر فإنها تبدو باهتة، كما لو أن الحروف المنقوشة عليها قد أزيلت، مثلما تزال الكتابة من على قطعة الصابون بعد استعمالها عدة مرات. أما لوحات الإردواز والجرانيت فلا يظهر عليها إلا القليل من التغير (شكل 6 – 2). ويعكس الاختلاف في تجوية صخري الجرانيت والحجر الجيري الاختلاف في قابلية ذوبان solubility المعادن المكونة لهما في الماء. ومع ذلك، فإن الصخر المقاوم للتغير يمكن أن يتغير ويتحلل تحللا كاملاً إذا تعرض فترة كافية لعوامل التجوية. فالآثار الجرانيتية ستبدو الكتابة عليها باهتة وغير واضحة بعد عدة مئات من السنين، حيث تبدأ بلورات الفلسبارات في التآكل لتتحول إلي معادن جديدة، بينما يبقى معدن الكوارتز دون أي تغيير.
كما يؤثر تركيب الصخر structure أيضا في التجوية الطبيعية. فقد بقيت الآثار الفرعونية القديمة المصنوعة من الجرانيت سليمة وغير مكسرة أو مشرخة لعدة قرون بعد تشييدها، بينما على العكس من ذلك، قد يتكسر الصخر المكون من الطفل، وهو صخر رسوبي، بسهولة على امتداد مستويات التطبق إلي قطع صغيرة.
ب – المناخ: هطول المطر ودرجات الحرارة
يتحكم المناخ بدرجة كبيرة في معدل التجوية الكيميائية. ويؤثر هطول الأمطار (رطوبة الجو) وتغير درجة الحرارة على سرعة التجوية، حيث تعمل الحرارة والرطوبة المرتفعة على تنشيط التفاعلات الكيميائية. ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن تكون التجوية أشد قوة وتعمل على أعماق أكبر في الأرض، في مناطق المناخ الدافيء الرطب عنها في مناطق المناخ الجاف البارد. ففي المناطق الاستوائية الرطبة مثل وسط أمريكا وجنوب شرق آسيا تبدو التجوية الكيميائية واضحة، بينما في المناطق الباردة الجافة مثل شمال جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) تكون التجوية الكيميائية بطيئة جداً. وعلى العكس من ذلك، فإن التجوية الطبيعية تكون واضحة في تلك المناطق الباردة الجافة نتيجة تأثير الصقيع، حيث يكسي سطح الأرض بأكوام من الحجارة المزاحة.
ويظهر تأثير المناخ climate في الاختلاف الواضح في نواتج تجوية الصخور الكربوناتية. فالصخور الجيرية التي تتكون من معدن الكالسيت القابل للذوبان بسهولة مثل الحجر الجيري والرخام، تكون سريعة التأثر بالتجوية الكيميائية في المناخ الرطب، مما يؤدي إلي تكوين معالم طربوغرافية منخفضة ولطيفة الانحدار. أما في المناخ الجاف، فإن هذه الصخور تكون طوبوغرافية حادة، عبارة عن جروف (الجرف منحدر صخري شديد) (شكل 6 – 3)، حيث تؤدي ندرة المطر وشح الغطاء النباتي إلي قلة حامض الكربونيك القادر على إذابة المعادن الكربوناتية.
ج – وجود أو عدم وجود التربة
تعتبر التربة أحد أهم المصادر الطبيعية المهمة لأي دولة. وتتكون التربة soil من كسرات من صخر الأساس bedrock (الصخر الصلد المتصل والموجود تحت الرواسب المتراكمة غير المتصلدة) ومعادن الصلصال المتكونة من تغيير معادن صخر الأساس والمادة العضوية الناتجة من الكائنات العضوية التي تعيش فيها. وعلى الرغم من ان التربة تنتج من عملية التجوية، إلا أن وجودها أو عدم وجودها يؤثر على التجوية الفيزيائية والكيميائية للمواد الأخرى، فالمعدن الموجود في تربة وادي منخفض مغطى بالتربة يتحلل أسرع، مما إذا وجد في جرف قريب لا يغطيه أي نوع من التربة، حيث تحمل الأمطار الحبيبات المفككة إلي مناطق منخفضة يمكن أن تتراكم فيها تلك الحبيبات.
وتتكون التربة نتيجة عملية استرجاع موجبة، أي إن التربة وهى ناتج عملية التجوية تساعد في تقدم التجوية. فبمجرد أن تبدأ التربة في التكون، فإنها تدخل كأحد العوامل الجيولوجية التي تعمل على تجوية الصخور بسرعة أكبر. وتحتفظ التربة بمياه الأمطار وأنواع مختلفة من النباتات، والكثير من البكتريا والكائنات الحية الأخرى، التي تعمل على تكوين بيئة حامضية تنشط التجوية الكيميائية، وهى تعمل على تغيير وإذابة المعادن، كما تساعد جذور النباتات والكائنات الحية المتحركة خلال التربة على التجوية الطبيعية والكيميائية بدورهما على إنتاج المزيد من التربة.
د – الزمن: فترة التعرض
من الطبيعي أنه كلما كانت الفترة الزمنية التي تتعرض فيها الصخور للتجوية أطول، زادت نسبة تغيرها وإذابتها وتكسرها. فالصخور التي انكشفت على سطح الأرض لعدة آلاف من السنين يتكون فوقها لحاء (قشرة)، وهى طبقة خارجية من المواد الناتجة من التجوية يتراوح سمكها بين عدة ميلليمترات وعدة سنتيمترات، وتحيط بالصخر الذي لم يتغير أو يتجوي. وتتكون هذه اللحاءات ببطء يصل إلي 0.006مم كل ألف سنة في المناخ الجاف، بينما تكون فترة تعرض اللابات ورواسب الرماد البركاني المنبثق حديثا من البراكين على سطح الأرض قصيرة جدا، ولذلك تكون تقريبا غير مجواة.
ويؤثر مجموع العوامل السابقة في تحديد نوع ومعدل تجوية الصخور في أي منطقة. ويوجد عموما بعض الاختلاف والتباين في تجوية الصخور، حتى على مستوى منطقة صغيرة نسبيا من الأرض. والتجوية المتفاوتة differential weathering هى تجوية الصخور المنكشفة على سطح الأرض بمعدلات مختلفة أو غير منتظمة، بسبب الاختلاف في صلابة ومقاومة مواد السطح. وتتآكل الصخور الأقل صلابة ومقاومة بمعدلات أسرع، في حين تظل الصخور الأصلب بارزة وناتئة. وتؤدي التجوية المتفاوتة والتعرية اللاحقة لها إلي تكون عديد من الأشكال والمعالم الأرضية، مثل الجسور الطبيعية natural bridges الموجودة في يوتا بالولايات المتحدة الأمريكية. كما تشمل تلك المعالم الأرضية أيضا حقول الجلاميد boulder fields ، وهى مساحات واسعة جدا عادة ومسطحة تنتشر عليها الجلاميد المستديرة. ويعزي وجود هذه الجلاميد إلي التجوية الكيميائية، إذ إن معظم الصخور تحمل درنات صخرية concretions مختلفة الأحجام من مادة مختلفة عن الصخور (عادة من الصوان) تكون أكثر صلادة من الحجر الجيري. وعند تعرض الصخر الأصلي للتجوية الكيميائية نتيجة لتأثير المياه الجوفية أو مياه الأمطار، فإن المكونات الجيرية تذوب بمعدل أسرع من معدل ذوبان الدرنات التي قد لا تستجيب للتجوية الكيميائية. وبذلك يتآكل الصخر الأصلي مخلفا وراءه كميات كبيرة من الدرنات المختلفة الحجم. ومن أمثلة ذلك حقول الجلاميد الموجودة في شمال الواحات البحرية، وتلك الموجودة على طريق أسيوط – الخارجة بالصحراء الغربية المصرية (شكل 6 – 4). كما تشمل تلك المعالم الأرضية أيضا ما يسمى بصخور عيش الغراب (موائد الشيطان) mushroom rocks ، وهى تنتج عندما توجد طبقة من صخر صلد تعلو طبقة أخرى من صخر أقل صلادة، فتتآكل الطبقة السفلى بمعدل أسرع بفعل الرياح من معدل تآكل الطبقة العليا. وخير مثال على تلك الموائد ما يوجد منها في الصحراء البيضاء white desert في شمال واحة الفرفرة بالصحراء الغربية المصرية، حيث تؤدي التجوية المتفاوتة لصخور الطباشير إلي تكوين تلك الموائد (شكل 6 – 5).
111 – التجوية الكيميائية
عندما تتعرض المعادن المكونة للصخور النارية والمتحولة، والتي تكونت أصلا عند درجات حرارة وضغط عاليين، لدرجات حرارة وضغط أقل عند سطح الأرض، فإنها تصبح غير مستقرة كيميائيا. وتتحلل مثل هذه المعادن إلي مكونات، تعطي معادن جديدة أكثر استقرارا عند سطح الأرض أو بالقرب منها.
وتحدث تفاعلات كيميائية عديدة أثناء التجوية الكيميائية بين المعادن المكونة للصخور المختلفة ومكونات الهواء والماء، حيث تؤدي تجوية الصخور إلي إذابة بعض العادن المكونة للصخور، بينما يتحد بعضها الآخر مع الماء وغيره من مكونات الغلاف الجوي مثل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون، لتتكون مركبات كيميائية هى عبارة عن معادن جديدة. وتكون التجوية الكيميائية أكثر وضوحا في المناطق التي تكون درجات الحرارة وسقوط الأمطار فيها عالية، حيث إن تلك العوامل تزيد من سرعة التفاعلات الكيميائية.
أ – عمليات التجوية الكيميائية
التحلل المائي: عندما يتساقط ماء المطر من الغلاف الجوي، فإنه يذيب كميات صغيرة من ثاني أكسيد الكربون ويتكون حامض الكربونيك carbonic acid. وعندما يتحرك هذا الماء المحتوي على حامض الكربونيك الضعيف في التربة، فإنه يذيب كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون المتكون نتيجة تحلل بقايا النباتات والحيونات، بالإضافة إلي أحماض أخرى. ويتأين حامض الكربونيك ليكون أيونات هيدروجين وبيكربونات حسب المعادلة التالية:
H2O +CO2 – H2CO
حامض الكربونيك ثاني أكسيد كربون ماء
H1+ +HCO331-
أيون بيكربونات أيون هيدروجين
وأيونات الهيدروجين هى أيونات صغيرة جدا تحمل شحنة واحدة موجبة بدرجة تسمح بأن تحل محل الأيونات الموجبة الأخرى مثل Ca2+، أو Na1+ أو K+1 داخل البنية البلورية للمعادن. ويؤدي هذا الإحلال إلي تغير التركيب المعدني للمعدن وتحطيم بنيته البلورية. وغالبا ما يتحلل المعدن إلي معدن آخر مختلف عندما يتعرض لحامض ما.
وتوضح المعادلة التالية الطريقة التي يتحلل بها معدن الفلسبار البوتاسي، وهو أحد المعادن المكونة للصخور الشائعة، بواسطة حامض الكربونيك وتأثير أيون الهيدروجين H1+ في تحلل المعادن (شكل 6 – 6):
4KAISi3O8 + 4H1+ +2H2O - 4K1+ + Al4Si4O10(OH)8 + 8SiO2
فلسبار بوتاسي أيونات هيدروجين ماء أيونات بوتاسيوم كاولينيت سيليكا
فتدخل أيونات الهيدروجين في معدن الفلسبار البوتاسي، وتحل محل أيونات البوتاسيوم التي يحملها السائل خارج البلورة، بينما يتحد الماء مع جزيء سيليكات الألومنيوم المتبقي ليكون معدن الكاولينيت (سيليكات الألومنيوم المائية) نتيجة للتجوية الكيميائية، حيث لم يكن موجودا في الصخر الأصلي. ويسمى هذا التفاعل الذي يكتسب فيه الفلسبار الماء بالتميؤ hydration . ومعدن الكاولينيت أحد معادن مجموعة الصلصال الشحيحة الذوبان التي تكون جزءا أساسيا من الحطام الصخري (الأديم) فوق سطح الأرض. ويسمى التفاعل الكيميائي الذي تحل فيه أيونات الهيدروجين أو الهيدروكسيل من الماء، محل أيونات في المعدن بالتحليل المائي hydrolysis. وتعتبر هذه العملية إحدى عمليات التجوية الكيميائية الرئيسية التي تسبب تحلل الصخور الشائعة.
الغسل: يعتبر الغسل leaching من العمليات الشائعة في التجوية الكيميائية، وهو يعبر عن الإزالة المستمرة للمواد المذابة بالمحاليل المائية من صخر الأساس bedrock أو الحطام الصخري (الأديم) regolith. وعلى سبيل المثال، فعندما تتحرر السيليكا من الصخور نتيجة التجوية الكيميائية، فإن بعضها يبقى في الحطام الصخري الغني بمعادن الصلصال، وبعضها الآخر تحمله المياه المتحركة في الأرض ببطء. ويتم أيضاً حمل عديد من أيونات البوتاسيوم الناتج من تجوية الصخور في المحاليل. وتوجد الأيونات التي تم إذابتها من الصخور أثناء التجوية في كل المياه السطحية والمياه الجوفية تحت سطح الأرض. وقد يزيد تركيز هذه الأيونات بدرجة كبيرة تجعل للماء طعما غير مستساغ.
الأكسدة: يتكون الصدأ عندما يتحد الأكسجين مع الحديد ليكون أكسيد الحديد، كما يلي:
4Fe + 3O2 - 2Fe2O3
حديد أكسجين هيماتيت
وتحدث هذا التفاعل الكيميائي والذي يطلق عليه الأكسدة oxidation عندما يفقد عنصر ما إلكترونا خلال التفاعل. ويقال في هذا التفاعل، إن الحديد قد تأكسد لأنه فقد إلكترونات اكتسبها الأكسجين. ويتأكسد الحديد ببطء شديد في البيئة الجافة، بينما إضافة الماء من سرعة التفاعل بدرجة كبيرة.
والأكسدة عملية مهمة في تحلل المعادن، مثل مجموعة المعادن الحديد وماغنيسية (الأوليفين والبيروكسينات والأمفيبولات والبيوتيت). وفي معادن السيليكات الحديد وماغنيسية لابد أن ينفصل الحديد أولاً من السيليكا في البنية البلورية للمعدن قبل أن يتأكسد (شكل 6 – 7). وأكسيد الحديد المتكون هو معدن الهيماتيت (Fe2O3)، الذي يتميز مسحوقه بلون بني محمر. وفي وجود الماء، كما هو الحال عند سطح الأرض غالبا، فإن أكسيد الحديد يتحد مع الماء ليتكون الليمونيت limonite، وهو اسم لمجموعة من أكاسيد الحديد المائية، والتي تكون غير متبلورة غالبا (تحتوي غالبا على معدن الجوثيت)، والتي يتميز مسحوقها بلون بني مصفر. والرمز العام لتلك المجموعة هو Fe2O3 Nh2O (ويمثل الرمز n رقما صحيحا صغيرا مثل 1 أو 2 أو 3 ليوضح كمية الماء المتغيرة).
الذوبان: إن معدن الأوليفين الذي يتم تجويته بسرعة بالنسبة لباقي معادن السيليكات، يكون بطيء الذوبان نسبيا، مقارنة بالمعادن الأخرى المكونة للصخور. فالحجر الجيري والمكون من معادن كربونات الكالسيوم (كالسيت ودولوميت) هو إحدى الصخور التي يتم تجويتها بسرعة كبيرة في المناطق الرطبة. ويظهر على المباني الجيرية القديمة أثر الذوبان بسبب مياه الأمطار. وتذيب المياه الجوفية كميات كبيرة من معادن الكربونات في صخور الحجر الجيري وتجوفها لتكون كهوفاً في هذه الصخور. ويستخدم المزارعون الحجر الجيري للذوبان بسرعة. ويلاحظ أنه عندما يذوب الحجر الجيري النقي لا يتكون الصلصال وتذوب الأجزاء الصلبة تماما، وتحمل مكوناتها في السوائل ويطلق على هذه العملية الإذابة dissolution، وهى من عمليات التجوية الكيميائية المهمة. ويزيد وجود حامض الكربونيك من إذابة الحجر الجيري، بالإضافة إلي تجوية المعادن السيليكاتية. وتمثل المعادن التالية التفاعل الذي بذوب فيه الكالسيت، وهو المعدن الرئيسي في الحجر الجيري، في مياه الأمطار أو أي مياه أخرى تحتوي على ثاني أكسيد الكربون:
CaCO3 + H2CO3 - Ca + 2(HCO3)1-
كالسيت حامض الكربونيك أيون كالسيوم أيون بيكربونات
ب – تأثير التجوية الكيميائية على الصخور الشائعة
تعتمد المعادن والأيونات القابلة للذوبان، والتي تتكون عندما يتم تجوية صخر ناري كيميائياً، على التركيب المعدني للصخر. فمحتوى الجرانيت من السيليكا أعلى منه في البازلت، كما أن تركيبهما المعدني مختلف. ويحتوي صخر الجرانيت على الكوارتز، وهو غير نشط في التفاعل كيميائيا، بالإضافة إلي المعادن التي تحتوي على البوتاسيوم مثل الفلسبار البوتاسي والمسكوفيت وقليلاً من المعادن الغنية في الحديد والماغنسيوم. وعندما يتحلل صخر الجرانيت بالتحلل المائي، حيث يتم تجوية الفلسبار والميكا والمعادن الحديدومغنيسية إلي معادن الصلصال والأيونات الذائبة Na ، K، Mg، ويتبقى معدن الكوارتز، وهو غير نشط كيميائيا، دون تحلل. ويتم تجوية الفلسبار والمعادن الحديدومغنيسية في صخر البازلت إلي معادن الصلصال والأيونات الذائبة Ca، Mg، Na، بينما يتم تجوية معدن الماجنيتيت إلي الجوثيت.
وعندما يتم تجوية الحجر الجيري بالإذابة، وهو أكثر صخور الكربونات شيوعا، فإن أيونات الكالسيوم والبيكربونات ستذوب من الصخور مخلفة الشوائب غير القابلة للذوبان فقط (أساسا معادن الصلصال clay minerals والكوارتز)، والتي تتواجد دائما بكميات صغيرة في الصخر. لذلك، فإنه عندما يتم تجوية الحجر الجيري كيميائيا، فإن الغلاف الصخري المتبقي يتكون أساسا من معادن الصلصال والكوارتز.
1 – تركيز المعادن المستقرة
هناك عدد من المعادن، ومنها معدن الكوارتز، تكون مقاومة بشدة للتجوية الكيميائية عند سطح الأرض. وتبقى بعض المعادن المقاومة للتجوية الكيميائية مثل الذهب والبلاتين والماس في الحطام الصخري الذي تم تجويته، حيث يتم تعريته وتكون راسبا. وتتميز بعض هذه المعادن بكثافة نوعية أعلى من المعادن الأخرى الشائعة مثل الكوارتز. ولذلك فإنه يتم تركيزها ضمن طبقات الأنهار أو المجاري المائية عموما أو على امتداد شواطيء البحار. وقد يتم تركيز بعض هذه الرواسب بدرجة تسمح بتكوين رواسب معدنية ذات قيمة اقتصادية.
2 – لحاء التجوية
إذا كسرت حصاة كبيرة (جيلمود) من البازلت الذي تم تجويته، فإننا نرى عادة لحاءً فاتح اللون يحيط بلب أغمق لونا من صخر لم يتغير (شكل 6 – 8). ويتكون هذا اللحاء من نواتج صلبة تكونت نتيجة التجوية الكيميائية وتسمى لحاء تجوية weathering rind، وتبدأ التجوية عند السطح المنكشف غير المجوي ويمتد ببطء إلي الداخل. وتشمل عادة تلك التجوية أكسدة المعادن الغنية بالحديد ونزع (إزالة) الماء dehydration من هيدروكسيد الحديديك لتكون الجوثيت goethite مما يعطي للحاء المتكون لونا بنيا فاتحا. كما توضح المعادلة التالية:
Fe(OH)3 - FeO(OH) + H2O
هيدروكسيد حديديك جوثيت ماء
3 – التقشر والتجوية الكروية
قد تنخلع أغلفة متحدة المركز من السطح الخارجي لصخور منكشف أو جلمود صخري، في عملية تعرف بالتقشر exfoliation (شكل 6 – 9). ويوجد أحيانا غلاف واحد من القشور، كما قد يتكون عشرة أغلفة أو أكثر، مما يعطي الصخر مظهر البصل.
وينتج التقشر من الضغوط المتباينة في الصخر والتي تنتج أساسا من التجوية الكيميائية. فمثلا، عندما يتم تجوية الفلسبارات إلي الصلصال، فإن حجم الصخر المجوي يكون أكبر من حجم الصخر الأصلي. وتتسبب الضغوط المتكونة في انفصال أغلفة رقيقة من الصخر من كتلة الصخر الرئيسية غير المجواة.
وتؤدي التجوية الكيميائية تحت سطح الأرض إلي تكون هالة من الصخر المتحلل حول لب صخري غير متحلل. فإذا بدأنا بمكعب من صخر صلب لم يتم تجويته، فإن الماء المتحرك على امتداد الفواصل يتفاعل مع الصخر من كل الجوانب، حيث يقل حجم الصخر غير المتحلل ويصبح كروياً (شكل 6 – 9) في عملية تعرف بالتجوية الكروية spheroidal weathering . ويمكن رؤية الجلاميد المتكونة نتيجة التجوية فوق الأسطح غير المجواة. ونلاحظ هنا علاقتين مهمتين هما أن تأثير التجوية الكيميائية يزداد كلما زادت مساحة السطح المعرض للتجوية. فتقسيم مكعب من الصخر يزيد مساحة السطح المعرض للتجوية دون أي إضافة إلي حجم هذا المكعب (شكل 6 – 10). وتؤدي عملية التقسيم المستمر والمتكرر إلي تأثير ملموس في الصخور. فعندما يقسم مكعب من الصخر طول ضلعه 1سم ومساحة سطحه 6سم2 إلي أقسام في حجم معادن الصلصال الصغيرة، فإن مساحة السطح تزداد إلي نحو 40 مليون سم2. وهكذا تؤدي عملية التجوية الكيميائية إلي زيادة واضحة في مساحة السطح المعرض، مما يؤدي إلي استمرار وزيادة عملية التجوية.
4 – أشكال السطح نتيجة التفاعل مع صخور الكربونات
يؤدي تفاعل حمض الكربونيك مع الحجر الجيري إلي تكون العديد من أشكال السطح، والتي تكون غالباً ذات أبعاد صغيرة. وتتكون على مكاشف الحجر الجيري أشكال مختلفة مثل التجاويف القاعية cups والتي تأخذ شكل الفنجان، والأخاديد grooves والقنوات الضحلةflutes في نمط متشابك. وقد تمنع الأخاديد العميقة والصخور التي تشبه الحوائط المعلقة مرور الناس خلالها. وتؤدي إذابة حامض الكربونيك للحجر الجيري إلي تكون كهوف تحت سطح الأرض بالإضافة إلي معالم أرضية مميزة تتكون نتيجة انهيار الكهوف تحت سطح الأرض. وسوف يتم مناقشة تلك الملامح الطوبوغرافية في الفصل الثالث عشر الذي يناقش المياه الجوفية.
ج – الاستقرار الكيميائي: التحكم في سرعة التجوية
على الرغم من أن الصخور المكونة من السيليكات تغطي مساحات أكبر بكثير من تلك التي تغطيها الصخور الكربوناتية، إلا أن تجوية الحجر الجيري تمثل أكبر نسبة من التجوية الكيميائية لسطح الأرض عن أي صخر آخر. ويرجع السبب في ذلك إلي أن المعادن الكربوناتية تذوب أسرع وبكميات كبيرة عن أي سيليكات. وتغطي معدلات التجوية للمعادن مدى كبير يتراوح من المعدلات السريعة للكربونات إلي المعدل البطيء للكوارتز. وتعكس المعدلات المختلفة التي تتم عندها تجوية المعادن مدى الاستقرار الكيميائي للمعادن في ظروف التجوية – أي وجود الماء عند درجات حرارة سطح الأرض.
1 – الاستقرار الكيميائي
يعرف الاستقرار الكيميائي chemical stability بأنه قياس قابلية مادة كيميائية ما لأن تبقى في شكل كيميائي معين فضلاً عن أن تتفاعل تلقائيا لتكون شكلا كيميائيا آخر. ويمكن تشبيه هذا الاستقرار الكيميائي لحد ما بالاستقرار الميكانيكي. فالكتاب الموضوع على منضدة يكون مستقرا ويستمر في هذا الوضع ما لم يتم تحريكه. أما الكتاب الموضوع على حافة المنضدة فإنه يكون غير مستقر، حيث يتسبب أي اهتزاز في سقوطه. وكما هو الحال مع الكتاب المسطح المستقر ميكانيكيا، يكون فلز حديد النيازك القادم من الفضاء الخارجي مستقرا كيميائيا، حيث لا يتعرض لأي أكسجين أو ماء، ويبقى الحديد مستقرا لبلايين السنين. أما إذا سقط هذا النيزك على سطح الأرض، فسيتعرض للأكسجين والماء ليصبح غير مستقر كيميائيا، ويتفاعل تلقائياً ليكون أكسيد حديديك.
والمواد الكيميائية تكون مستقرة أو غير مستقرة نتيجة علاقتها ببيئة معينة أو تواجدها تحت مجموعة معينة من الظروف. فعلى سبيل المثال: يكون الفلسبار مستقرا عند تواجده في عمق القشرة الأرضية (أي تحت درجات حرارة مرتفعة وكميات قليلة من الماء)، إلا أنه يصبح غير مستقر تحت الظروف السائدة عند سطح الأرض (درجات حرارة منخفضة ووفرة الماء). وتحدد خصيتان للمعدن مدى استقراره الكيميائي وهما: قابليته للذوبان ومعدل ذوبانه.
قابلية الذوبان: تقاس قابلية ذوبان solubility معدل معين، بكمية المعدن المذابة في الماء حتى يصل المحلول إلي نقطة التشبع – وهى النقطة التي لا يستطيع عندها الماء أن يحتفظ بأي كمية أخرى من المادة المذابة. وكلما زادت قابلية ذوبان المعدن قلت درجة استقراره أثناء عملية التجوية. فمثلاً يكون الملح الصخري (المكون من معدن الهاليت وهو ملح الطعام) غير مستقر عند ظروف التجوية، حيث إنه يذوب بدرجة عالية في الماء ويتم غسله وإذابته من التربة بأي كمية صغيرة من الماء. وعلى العكس، يكون الكوارتز مستقرا بدرجة معقولة تحت معظم ظروف التجوية، حيث إن ذوبانه في الماء منخفض جدا (في حدود 0.008 جرام لكل لتر من الماء تقريبا)، ولا يغسل أو يذاب من التربة بسهولة.
معدل الذوبان: يقاس معدل ذوبان معدن، بكمية المعدن التي تذوب في محلول غير مشبع في وقت محدد. وكلما كان ذوبان المعدن أسرع، كان أقل استقرارا. فالفلسبار يذوب بمعدل أسرع من الكوارتز، ولذا فهو أقل استقرارا منه عند ظروف التجوية العادية.
2 – سلسلة استقرار المعادن الشائعة المكونة للصخور
تكون التجوية الكيميائية شديدة في الغابات الاستوائية المطيرة، حيث لا يبقى في المنكشفات أو في التربة إلا أكثر المعادن استقرارا. أما في المناطق الصحراوية الجافة في شمال إفريقيا، وكما هو الحال في الصحاري المصرية، فإن التجوية تكون ضعيفة، حيث تبقى الآثار المصنوعة من الألباستر سليمة دون تحلل، كما تبقى الكثير من المعادن غير المستقرة سليمة. لذلك، فإن معرفة الاستقرار الكيميائي النسبي للمعادن المختلفة تساعد في توقع مدى التجوية في منطقة معينة. ولقد تم مقارنة مدى استقرار كل المعادن الشائعة والمكونة للصخور وتم تجميعها في سلسلة تعرف بسلسلة استقرار stability series المعادن (جدول 6 – 2). وهى تتراوح بين معادن الملح والكربونات عند أقل حد للاستقرار إلي أكاسيد الحديد عند أكبر حد للاستقرار. ويكون وضع معادن السيليكات في هذه السلسلة عكس وضعها في سلسلة بوين التفاعلية، والتي تضم معادن السيليكات مرتبة في قائمة طبقا للترتيب الذي تتبلور به هذه المعادن من صهارة بازلتية. ويبين جدول(6 – 2) أيضا سلسلة بوين التفاعلية. ويمكن ملاحظة أن الأوليفين والبلاجيوكليز الكلسي هما أول المعادن تبلور أثناء تبرد الصهارة، مما يدل على ثباتهما واستقرارهما عند درجات الحرارة والضغوط العالية. وهما أيضا أقل المعادن استقرارا عند التجوية، وأول المعادن التي تختفي عند تعرضها على سطح الأرض عند درجة الحرارة والضغط المنخفضين.
وتحدد طبيعة الروابط الكيميائية التي تميز البنية البلورية لمعادن السيليكات الاستقرار النسبي لتلك المعادن، والذي ينعكس خلال سلسلة الاستقرار وأثناء التجوية. وتتكون معادن السيليكات الأقل استقرارا أثناء التجوية من رباعيات السيليكات المفردة. وتميز هذه البنية البلورية معدن الأوليفين الذي يظهر قرب نهاية القائمة الأولى في جدول (6 – 2)، ويلي ذلك سيليكات السلسلة المفردة (البيروكسينات) وسيليكات السلسلة المزدوجة (الأمفيبولات) والتي تعتبر إلي حد ما أكثر استقرارا من الأوليفين. ويلي ذلك في درجة الاستقرار السيليكات الصفائحية (الميكا ومعادن الصلصال)، والسيليكات الإطارية (الهيكلية) مثل الكوارتز ثم أكاسيد الحديد والألومنيوم.
وبالإضافة إلي الكوارتز، فهناك أيضا عدد من المعادن الأخرى التي تقاوم بشدة التجوية الكيميائية عند سطح الأرض. ويتم تعرية بعض المعادن مثل الذهب والبلاتين والماس والتي استمر بقاؤها في الحطام الصخري الذي تم تجويته، لتكون راسبا في النهاية. وقد تتركز بعض هذه المعادن، والتي تتميز بكثافة نوعية أعلى من المعادن الشائعة مثل الكوارتز، في طبقات المجاري المائية، أو على شواطيء البحار والمحيطات مثل الرمال السوداء بمصر. وقد تتركز بعض هذه الرواسب بدرجة كبيرة لتكون رواسب معدنية ذات قيمة اقتصادية.
V – التجوية الطبيعية
تكمل التجوية الطبيعية (الفيزيائية) التجوية الكيميائية، حيث تدعم إحداهما الأخرى. ونبدأ بدراسة دور هذه التجوية في المناطق الجافة، حيث يتضاءل دور التجوية الكيميائية.
أ – التجوية الطبيعية في المناطق الجافة
تتغطى منكشفات الصخور في المناطق الجافة بعد تجويتها بفتات مفكك يتكون من حبيبات يصل قطرها إلي عدة مليمترات وجلاميد يزيد قطرها عن المتر. ويعرف هذا التجمع غير المتصلد بالدبش rubble ، وهذا التجمع هو المقابل غير المتصلد للبريشيا breccia. ويعكس الاختلاف في حجم الكسرات الدرجات المختلفة للتجوية الطبيعية، ونمط تكسر الصخور الأصلية نتيجة لاستمرار التجوية الطبيعية، حيث تحدث شروخ في الكسرات الكبيرة، والتي تتكسر إلي كسرات أصغر، وقد تحدث بعض هذه الكسور على امتداد مستويات الضعف في الصخر الأصلي. وتتكون حبيبات الرمل عندما تتكسر وتنفصل بلورات المعادن المختلفة عن بعضها البعض، كما في حالة معدن الكوارتز، أو عندما تتكسر الصخور دقيقة التحبب مثل البازلت. وحبيبات الصلصال هى أدق الحبيبات التي تتكون من التجوية الكيميائية للسيليكات.
ويظهرفي المناطق الجافة بعض علامات التجوية الكيميائية، مثل وجود الصلصال والفلسبار المتغيرة، ولكن السائد للتجوية في هذا المناخ هو التجوية الطبيعية. وعلى الرغم من أن التجوية الطبيعية هى التجوية الأكثر شيوعاً في المناطق الجافة، إلا أن التجوية الكيميائية تمهد الطريق لتقوم التجوية الطبيعية بهذا الدور. حيث تعمل التغيرات البسيطة في معدن الفلسبار وغيره من المعادن على إضعاف القوي التي تربط البلورات بعضها ببعض مما يؤدي إلي تكوين شروخ صغيرة، تتسع تدريجيا، ثم تنفصل بلورات الكولرتز أو الفلسبار نتيجة عمل كل من التجوية الطبيعية والكيميائية. وعندما تتسع هذه الكسور في الصخور ويزداد حجمها تنفصل كتل كبيرة من المنكشفات.
ب – التجوية الطبيعية في باقي المناطق
تساعد التجوية الكيميائية التجوية الطبيعية في القيام بدورها. وتقوم التجوية الطبيعية بذلك عندما يتخلل الماء والهواء شقوق وقنوات الصخور، ويتفاعلان مع معادن الصخر ممايؤدي إلي تكسير الصخر إلي قطع أصغر فتتعرض مساحة أكبر للتجوية، وتزيد بذلك سرعة التفاعلات الكيميائية.
ولا تعتمد التجوية الطبيعية دائما على التجوية الكيميائية، فهناك عمليات تتكسر فيها كتل الصخور التي لم يتم تجويتها، مثل تجمد الماء في الكسور. وتؤدي عمليات التكسير الناتجة عن القوى البنائية أثناء عمليات بناء الجبال، والتي ينتج عنها طي وتكسير الصخور، إلي جعل هذه الصخور أكثر عرضه للتجوية الطبيعية. ويعمل التكسير الطبيعي وحده على تجوية صخور القمر، حيث يغيب الماء الذي يجعل التجوية الكيميائية ممكنة. وتتكسر الصخور على القمر إلي جلاميد وغبار دقيق نتيجة ارتطام النيازك الكبيرة والصغيرة.
ج – العوامل التي تحدد طريقة تكسر الصخور
تتكسر الصخور لأسباب عديدة، منها الإجهاد (الضغط) على امتداد نطاقات الضعف الطبيعية والنشاط الحيوي (بيولوجي وكيميائي).
1 – نطاقات الضعف الطبيعية
تحتوي الصخور على نطاقات ضعف طبيعية تتكسر الصخور على امتدادها. فالصخور الرسوبية مثل الحجر الرملي والطفل تحتوي على هذه النطاقات ممثلة بمستويات التطبق المتكونة بين الطبقات المتعاقبة من الرواسب الصلبة. كما تحتوي الصخور المتحولة مثل الإردواز slate على أسطح متوازية من الكسور تسهل انفصالها عبر تلك الأسطح. وتتميز الصخور الجرانيتية، وبعض الصخور الأخرى بأنها كتلية – أي تتمون من كتل كبيرة لا يظهر عليها أي تغير في نوع الصخر تكسر أو انفصال منتظمة، وعلى مسافات تتراوح بين متر وعدة أمتار، يطلق عليها فواصل joints، وهى أسطح تشقق طبيعية في الصخور لا يصاحبها أي زحزحة على جانبيها. وتتكون الفواصل والكسور غير المنتظمة في الصخور وهى مازالت مدفونة في أعماق القشرة الأرضية. وتتسع هذه الكسور قليلا بسبب عمليات رفع الصخور تدريجيا إلي سطح الأرض وتجوية الصخور التي تغطيها، مما يؤدي إلي التخلص من وزن الصخور فوقها. وعندما تتسع تلك الكسور قليلا، فإن كلا من التجوية الكيميائية والطبيعية تعمل على زيادة اتساع هذه الشقوق.
وهناك نوع من الفواصل يتكون نتيجة زوال الضغط الواقع على الصخور. فعندما تنكشف الصخور الجرانيتية المكونة للباثوليث تدريجيا فوق سطح الأرض، نتيجة إزالة الوزن الكبير الواقع فوقها فيما يعرف بإزالة الحمل unloading فتتمدد الصخور الجرانيتية لأعلى وتتكون كسور تعرف بالفواصل الفريشية (الفواصل السطحية) sheet joints، وهى عبارة عن أسطح تمتد موازية لسطح الباثوليث (شكل 6 – 11).
2 – نشاط الكائنات الحية
تؤثر الكائنات الحية، مثل: البكتريا وجذور الأشجار والحيونات الحفارة الآكلة للرواسب، على كل من التجوية الطبيعية والكيميائية (شكل 6 – 12)، حيث تعمل كلها على هدم الصخور وتنشيط التجوية الكيميائية، فالقوى الطبيعية لجذور الأشجار تعمل على توسيع الشقوق والكسور الموجودة في الصخور.
3 – التوتد الصقيعي
يعتبر التوتد الصقيعي frost wedging أحد أهم وسائل توسيع الشقوق الموجودة في الصخور، حيث تحدث كسور وتدية بسبب التمدد الناتج عن تجمد الماء. ويتمدد الماء بمقدار 10% عندما يتجمد. ويحدث هذه الزيادة في الحجم لأن الماء عندما يتجمد فإنه يعيد ترتيب جزيئاته في بنية بلورية مفتوحة، ويصحب هذا تولد قوى خارجية تكفي لتكسير الصخور حولها. ويحدث التوتد الصقيعي في أعالي الجبال، حيث توجد دورة يومية للتجمد والتدفئة. وهنا تتعرض قطاعات صخرية للتهشيم، وقد تهوي مكونة أكواما كبيرة مخروطية الشكل أسفل المنحدرات تعرف بالركام talus (شكل 6 – 13) أو ركام المنحدرات.
4 – تبلور المعدن
بالإضافة إلي العوامل السابقة، فإننا نلاحظ أنه يمكن أن تتولد قوى تمدد أخرى تؤدي إلي تشقق الصخور وانفصالها عندما تتبلور المعادن من المحاليل في كسور الشقوق أو على امتداد حدود الحبيبات. وتشيع هذه الظاهرة في المناطق الجافة ، حيث تتبلور الموادالذائبة الناتجة عن التجوية الكيميائية للصخور عند تبخر المحاليل. وقد تكون القوى الناشئة عن بلورات الملح كبيرة جدا إلي درجة تؤدي إلي تفكيك أو تهشيم الصخور. وقد تحدث هذه الظاهرة أيضا عندما تنمو بلورات الملح أثناء تبخر المياه الجوفية الصاعدة بالخاصية الشعرية وترسب أملاحها الذائبة. وتعتبر كربونات الكالسيوم أكثر هذه المعادن شيوعا، كما تحتوي على الجبس وملح الطعام.
5 – تعاقب الحرارة والبرودة (التمدد الحراري)
تتكسر الصخور عندما يتعاقب النهار الحار والليل البارد في المناطق الصحراوية متطرفة المناخ، حيث تنخفض الحرارة من 45م أو أكثر إلي 15م خلال ساعة واحدة عند الغروب. وقد يكون سبب تكسر الصخور هو ضعف الصخور بسبب تمددها بالحرارة أثناء النهار وانكماشها بالبرودة أثناء الليل.
6 – القوى الأخرى
تعمل الأنهار على شق الأودية عبر صخور الأساس، باستخدام الصخور المحمولة في الضرب المستمر على صخور المجرى، ثم الاندفاع بقوة عند مساقط المياه أي الشلالات waterfalls أو في الجنادل rapids (وهى مناطق في مجرى النهر يكون التيار فيها أسرع من الانحدار لا يكون كافيا لإحداث شلال). كما يتم تكسير الصخور بتأثير بري وهدم المثالج، كما سيتم مناقشة ذلك بالتفصيل في الفصل 14. وبالإضافة إلي ما سبق، فإن الأمواج التي تضرب الشواطيء الصخرية بقوة تعادل مئات الأطنان على كل متر مربع، تقوم بتكسير صخور الأساس المنكشفة أيضا.
د – التجوية الطبيعية والتعرية
ترتبط عمليتا التجوية الطبيعية (الفيزيائية) والتعرية بعضهما ببعض ارتباطا وثيقا. كما تؤثر كل منهما في الأخرى تأثيرا كبيرا. حيث تقوم التجوية الطبيعية بتكسير الكتل الكبيرة من الصخور إلي قطع صغيرة يسهل نقلها وتعريتها. والخطوات الأولى في عملية التعرية هى انزلاق الكتل الكبيرة وحمل الحبيبات والكسرات الصخرية الصغيرة في مياه الأمطار المنسابة على المنحدرات. وتؤثر شدة الانحدار على كل من التجوية الطبيعية والكيميائية، وهما يؤثران على التعرية. وتحول التجوية والتعرية الشديدتان المنحدرات شديدة الانحدار إلي منحدرات لطيفة الانحدار. وتحمل الرياح الحبيبات الصغيرة بينما يقوم جليد المثالج بنقل الكتل الكبيرة المنزوعة من صخور الأساس لمسافات بعيدة.
ويلاحظ ارتباط أحجام المواد المتكونة بالتجوية الطبيعية بمختلف عمليات التعرية. فقد يتغير حجم المواد الناتجة من التجوية مرة أخرى أثناء النقل، كما قد يتغير تركيبها الكيميائي نتيجة للتجوية الكيميائية. وعند توقف عملية النقل، يبدأ ترسيب الرواسب المتكونة من التجوية.
V – التربة: راسب متبق من التجوية
إن كل المواد التي تكت تجويتها لا يتم تعريتها وحملها في الحال بعيدا بواسطة المجاري المائية أو عوامل النقل الأخرى، فقد تبقى على المنحدرات المعتدلة أو لطيفة الميل والسهول والأراضي منخفضة التضاريس طبقية تغطي صخر الأساس مكونة من المواد المفككة وغير المتجانسة الناتجة من التجوية. وقد تشمل هذه الطبقة حبيبات من الصخر الأصلي التي تمت تجويتها أو لم يتم تجويتها، ومعادن الصلصال وأكاسيد الحديد وأكاسيد فلزات أخرى، ونواتج التجوية الأخرى.
ويطلق المهندسون على كل هذه الطبقة مصطلح "تربة". ومع ذلك يفضل الجيولوجيون تسمية هذه المادة بالحطام الصخري (الأديم) regolith، ويقصرون مصطلح تربة soil على الطبقات العليا من الحطام الصخري، والتي تحتوي على مواد مفككة مجواة فوق صخر الأساس bedrock وتحتوي على المواد العضوية التي تساعد الحياة النباتية وتعضدها. ويمكن بسهولة تعرف الفرق بين الحطام الصخري والتربة، إذا أخذنا في الاعتبار الحطام الصخري فوق سطح القمر. ويتكون الحطام الصخري فوق سطح القمر من طبقة مفككة من الصخور المكسرة والغبار، إلا أنه تنعدم به الحياة. فقد يحتوي على القليل من المواد العضوية أو قد لا يحتوي عليها على الإطلاق. أما المادة العضوية في تربة الأرض فهى الدوبال humus وهى بقايا ونفايات النباتات، والحيونات والبكتريا التي تعيش فيها. ويساهم ركام أوراق النبات بنسبة مهمة في تربة الغابات.
وتختلف ألوان التربة من الأحمر اللامع والبني، والمميز للتربة الغنية في الحديد، إلي الأسود والمميز للترية الغنية في المواد العضوية. كما تختلف التربة أيضا في مادتها، فقد تمتليء بعض التربة بالحصى والرمل. بينما يتكون بعضها الاخر كلية من الصلصال. ولا تتكون التربة على المنحدرات شديدة الميل نظراً لسهولة تعرية التربة، كما أنها لا تتكون على الارتفاعات العالية بسبب المناخ القارس الذي يمنع النباتات.
ونظراً لأن التربة تمثل جزءا أساسيا من أجزاء البيئة، كما تلعب دورا مهما في الاقتصاد أيضا، فقد تطورت دراسة التربة في القرن العشرين وأصبح لها علم مستقل هو علم التربة (pedology ( soil science . ويقوم علماء التربة والمهندسون الزراعيون والجيولوجيون والمهندسون المدنيون بدراسة تركيب وأصل التربة، ومدى صلاحيتها للزراعة والإنشاءات وأهميتها في تعرف الظروف المناخية التي كانت سائدة في الماضي. وتركيز معظم الدراسات الحديثة على الطرق التي يمكن بها مقاومة تعرية التربة soil erosion.
أ – قطاع التربة
يستغرق تكوين التربة زمنا طويلا يصل إلي مئات أو آلاف السنين. ويعتمد تكوين التربة على كمية الأمطار المتساقطة ودرجات الحرارة، وأيضا نوع صخر الأساس الذي يجوي ويكون التربة، حيث تزيد درجات الحرارة العالية والرطوبة المرتفعة من سرعة تكون التربة. وعندما تنضج التربة تظهر طبقات متميزة من التربة يطلق عليها نطاقات التربة soil horizons. ويطلق على الطبقات أو النطاقات التي تشملها التربة مصطلح قطاع التربة soil profile (شكل 6 – 14). وتتميز كل طبقة من هذه الطبقات بخواصها اللونية والتركيب الكيميائي، ويكون الانتقال من أي من هذه النطاقات إلي الآخر غير واضح عادة.
وفيما يلي استعراض لنطاقات التربة الثلاثة:
• نطاق –أ( A-horizon) أو النطاق العلوي (نطاق الغسل)
وهو يمثل أعلى طبقة في قطاع التربة، ولا يزيد سمكها عن متر أو مترين، وتكون أغمق الطبقات لونا، حيث تحتوي على أعلى نسبة من المادة العضوية. وتكون هذه الطبقة العلوية سميكة في التربة التي امتد تكوينها على مدي زمني طويل، وتتكون من مكونات غير عضوية معظمها معادن صلصال ومعادن غير قابلة للذوبان مثل الكوارتز. أما المعادن الذائبة فقد غسلت وأزيلت من هذه التربة.
• نطاق –ب (B-horizon) او النطاق الأوسط (نطاق التراكم)
وتكون المادة العضوية في هذه الطبقة ضئيلة ومتفرقة، بينما تتراكم فيها المعادن الذائبة وأكاسيد الحديد في هيئة عدسات أو تغلف الحبيبات من الخارج.
• نطاق ج C-horizon)) أو النطاق السفلي
ويتكون من الفتات الصخري الناشيء عن تكسر صخر الأساس، والذي تغير جزئيا واختلط بالصلصال الناتج عن التجوية الكيميائية للصخور.
وتوصف التربة بأنها لإما تربة متبقية وإما تربة منقولة. و تنشأ التربة المتبقية residual soil من صخر الأساس ولم تنقل من موضع تكوينها، وتشمل النطاقات الثلاث المميزة للتربة. ومعظم التربة تكون من نوع التربة المتبقية. وحين تعمل التجوية بقوة، تتكون التربة بسرعة أكبر، وتصبح أكبر سمكا. وتحدث معظم التجوية الكيميائية فقط خلال فترات سقوط المطر القصيرة. وتستمر التفاعلات خلال فترات الجفاف ببطء شديد، بسبب وجود بعض الرطوبة المتبقية في التربة. وعندما تجف التربة تماما بين فترات سقوط الأمطار، فإن التجوية الكيميائية تتوقف تماما تقريبا.
وقد تتراكم التربة المنقولة transported soil في بعض المناطق المحدودة من الأراضي المنخفضة، وذلك بعد تعرية تلك التربة من المنحدرات المحيطة وحملها أسفل تلك المنحدرات. والتربة المنقولة شائعة، ويمكن أن تختلط مع الرواسب العادية التي تكونها الأنهار و الرياح والجليد. ويمكن تمييز هذه التربة من تركيبها ونسيجها اللذين يكونان أقرب إلي خواص التربة منها للرواسب العادية. وفي بعض الحالات تكون بعض الأجزاء العليا من قطاع التربة الأصلي موجودا. ويرجع سمك هذه التربة إلي الترسيب أكثر من التجوية المتواجدة في المنطقة المنقولة إليها التربة.
ب – المناخ والزمان وأنواع التربة
يؤثر المناخ بقوة على عملية التجوية، ولذلك فإن له تأثيرا كبيرا على خصائص التربة المتكونة فوق أي صخر. فمثلا، تختلف خصائص التربة في المناطق الدافئة والرطبة عن تلك المتكونة في المناطق الجافة والمعتدلة. وحيث إن التربة مهمة جدا للزراعة، لذلك فقد تم إعداد خرائط لخصائص التربة في معظم أنحاء العالم. ولقد أدي هذا إلي مستوي تفصيلي من الخرائط لاستخدامها في منع تجوية التربة وتشجيع الزراعة. ويمكن تمييز ثلاث مجموعات رئيسية من التربة على أساس تركيبها المعدني والكيميائي، الذي يمكن مضاهاته بالمناخ، أي إن خصائص كل نوع من التربة تعكس الظروف المناخية السائدة وقت تكونها.
1 - المناخ الرطب: اللاتيريت
اللاتيريت: تكون التجوية سريعة وشديدة في المناخات الدافئة والرطبة، حيث تصبح التربة سميكة. وكلما ارتفعت درجة الحرارة وزادت الرطوبة، كان الغطاء النباتي أكثر انتشارا وازدهارا. وتزيد وفرة النباتات والرطوبة والمناخ الدافيء من سرعة التجوية الكيميائية بقوة، حيث تغسل كل المعادن القابلة للذوبان وسهلة التجوية من الطبقة العليا من التربة. ويطلق على الراسب المتبقي من هذه التجوية السريعة مصطلح لاتيريت laterite، وهو تربة لونها أحمر داكن حيث تم تغيير الفلسبار والسيليكات الأخرى تماما بينما تتبقي معظم أكاسيد وهيدروكسيدات الحديد والألومنيوم (شكل 6 – 15 أ). وعلى الرغم من أن هذه التربة تساعد الحياة النباتية المزدهرة في الغابات الاستوائية، إلا أنها تكون غير منتجة لنباتات المحاصيل بدرجة كبيرة. وتعاد دورة معظم المادة العضوية باستمرار من السطح إلي النباتات، مع وجود طبقة رقيقة جدا من الدوبال على سطح التربة في أحسن الأحوال. ويؤدي التخلص من الأشجار وحرث التربة إلي أكسدة الطبقة السطحية الغنية بالدوبال بسرعة واختفائها، حيث تظهر الطبقة غير الخصبة التي تسلفها.
ولهذا السبب، فإن معظم اللاتيريت يزرع لعدة سنوات فقط، بعد أن ينظف من الأشجار وقبل أن يصبح أرضا قاحلة يجب هجرها. وتوجد الآن مناطق شاسعة في الهند في هذه الحالة. ونظرا لأن أجزاء من غابات الأمازون الممطرة في البرازيل قد أزيلت، فإنها أصبحت أيضا قاحلة وغير خصبة بعد سنوات قليلة فقط، حيث يلزم وقت طويل، ربما يصل إلي آلاف السنين، لكي يعاد تكوين غابة مرة أخرى على تربة اللاتيريت تحت الظروف الطبيعية.
2 - المناخ الجاف : البيدوكال
إن التربة في المناطق الجافة تكون رقيقة، بسبب نقص المياه وغياب الغطاء النباتي، مما يعوق التجوية. وفي المناطق الجافة الباردة، حيث تكون التجوية الكيميائية بطيئة جدا، فإن تأثير الصخر الأصلي يكون هو العامل السائد، حتي ولو تم تكوين التربة على مدي زمني طويل. ونتيجة لذلك، يحتوي النطاق –أ على الكثير من معادن وكسرات الصخر الأصلي التي لم يتم تجويتها. وعندما تكون الأمطار ضئيلة جدا لكي تذيب كميات معقولة من المعادن القابلة للذوبان، فتبقي هذه المعادن في نطاق –أ.
والبيدوكال pedocal هي التربة المنتشرة في المناطق الجافة (شكل 6 – 15 ب). وهى نوع من التربة يكون فقيرا في المادة العضوية، بينما يكون غنيا في الكالسيوم الناتج من كربونات الكالسيوم، بالإضافة إلي معادن أخرى قابلة للذوبان. وقد اشتق مصطلح البيدوكال من الكلمة اليونانية pedon بمعنى تربة، بالإضافة إلي الحروف الثلاثة الأولى من كلمة calcite وهو معدن الكالسيت المكون من كربونات الكالسيوم. وتتواجدالبيدوكال في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية وما يشبهها من المناطق. وفي مثل هذا المناخ وبين فترات سقوط الأمطار، فإن الكثير من ماء التربة يسحب إلي قرب السطح ويتبخر، تاركا عقيدات مترسبة وكرات صغيرة من كربونات الكالسيوم، غالبا في الطبقة الوسطي من التربة. وتربة البيدوكال لا تكون خصبة مثل تربة البيدالفير، حيث إن التركيب المعدني و الجفاف لا يسمحان بوجود نسبة عالية من الكائنات الحية في التربة. وقد وجد علماء التربة أن الأتربة التي تحملها الرياح يمكن أن تساهم أيضا في تراكم الأملاح في تربة المناطق الجافة، حيث كونت الكربونات طبقة صلبة غير منفذة في قطاع التربة في منطقة شاسعة جنوب غرب الولايات المتحدة، تتكون من كربونات الكالسيوم البيضاء المعروفة بالكاليش (قشرة كلسية) caliche.
3 - المناخ المعتدل: البيدالفير
تعتمد خصائص التربة في المناطق المعتدلة في سقوط الأمطار ودرجات الحرارة، كما تعتمد أيضا على المناخ السائد وعلى نوعية الصخر الأصلي وطول المدة اللازمة لتكون التربة وزيادة سمكها. وتقلل التجوية الشديدة وكذلك مدة التعرض من تأثير الصخر الأصلي. لذلك فقد تختلف كثيرا التربة المتكونة فوق صخر أساس جرانيتي بعد وقت قصير وفي مناخ معتدل الحرارة والرطوبة عن التربة المتكونة على صخر حجر جيري تحت نفس الظروف. فقد تظل تحتفظ التربة المتكونة فوق الجرانيت ببقايا من معادن السيليكات، والتي يغلب عليها معادن الصلصال المتكونة من الفلسبار، والتي تمثل المكون الرئيسي للصخر الأصلي. أما التربة المتكونة فوق الحجر الجيري فقد تظل تحتفظ بقليل من بقايا كربونات الكالسيوم، إلا أن معظم فتات الحجر الجيري يذوب بسهولة. أما معادن الصلصال فإنها تمثل أساسا الشوائب الموجودة في الحجر الجيري الأصلي.ومع هذا فإن الفرق بين هاتين التربتين قد يتضاءل أو حتى يختفي بعد عديد من آلاف السنين. وقد تتكون هاتان التربتان من معادن الصلصال نفسها اعتمادا على طبيعة المناخ، بعد أن فقد كلاهما كل المعادن القابلة للذوبان من الطبقات العليا.
وتسود تربة البيدالفير في المناطق التي تكون فيها الأمطار من متوسطة إلي عالية في شرق الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم كندا وأوروبا. وقد اشتق اسم البيدالفير pedalfer من الكلمة اليونانية pedon وتعني "تربة" و "al" و"fe" من الرمز الكيميائي للألومنيوم (Al) والحديد (Fe). وتحتوي الطبقات العليا والمتوسطة من البيدالفير على وفرة من المعادن غير القابلة للذوبان مثل الكوارتز ومعادن الصلصال ونواتج تغير الحديد. أما معادن الكربونات والمعادن الأخرى القابلة للذوبان فإنها تختفي (شكل 6 – 15 ج). وتعتبر البيدالفير تربة صالح للزراعة.
وكما يتضح مما سبق أن تقسيم التربة يتم طبقا للخواص الفيزيائية والكيميائية بطريقة تشابه كثيرا الطريقة المستخدمة في تقسيم الصخور. ويتم اعتمادا على هذه التصنيفات رسم الخرائط ودراسة وفهم توزيع التربة، وكذلك العوامل التي ساعدت في تكوينها مما يساعد على الاستخدام الأمثل لهذه التربة. وتصنف التربة الان في الولايات المتحدة الأمريكية طبقا لتصنيف قياسي إلي عشر مجموعات، تحتوي كل مجموعة منها على أقسام يسهل تعرفها. ويلاحظ أن المصطلحات المستخدمة في وصف أقسام التربة إلي لاتيريت وبيدالفير وبيدوكال ليست سهلة، كما أن هذا التصنيف لا يأخذ في الاعتبار الاختلافات في صخور الأساس.
ج - التربة القديمة : كدليل على المناخ في الأزمنة القديمة
لقد تزايد الاهتمام في العصر الحاضر بالتربة القديمة، والتي حفظت كصخور في السجل الجيولوجي، ويبلغ عمر بعضها بليون سنة. وتعرف التربة القديمة paleosol بأنها تربة تكونت عند سطح الأرض ثم دفنت وحفظت فيما بعد، ويعتبر سطحها العلوي سطح عدم توافق unconformity أي انقطاع مؤقت في الترسيب أو سطح تجوية. ويتم دراسة هذا النوع من التربة للاستدلال على المناخات القديمة، أو لتحديد نسبة ثاني أكسيد الكربون والأكسجين في الغلاف الجوي في الأزمنة القديمة. وتستنتج هذه الأدلة من التربة القديمة التي يبلغ عمرها ملايين السنين من خلال دراسة تركيبها المعدني، حيث يستدل على عدم وجود أكسدة للتربة في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الأرض، وبالتالي لم ينطلق الأكسجين ليصبح جزءا رئيسيا من الغلاف الجوي خلال تلك المرحلة المبكرة من تاريخ الأرض. كما تستخدم التربة القديمة لتقسيم ومضاهاة التتابعات الرسوبية. كما تستخدم أيضا كأدلة لاستنتاج المعالم التضاريسية ونوع الغطاء النباتي.
V1 - الرواسب المعدنية المتكونة بالتجوية
قد تؤدي التجوية الكيميائية إلي تكون رواسب معدنية ذات قيمة اقتصادية نتيجة إزالة المعادن الذائبة وتركيز المعادن الأقل ذوبانا. وفيما يلي استعراض لبعض أهم تلك الرواسب الاقتصادية:
أ - الإثراء الثانوي
تعرف عمليات تجوية الراسب المعدني كيميائيا والتي تؤدي إلي رفع نسبة المحتوي الفلزي في جزء من الراسب نتيجة إزالة المعادن الذائبة وتركيز الفلزات الأكثر ذوباناً بالغثراء الثانوي secondary enrichment. وقد تكونت بعض الرواسب الاقتصادية المهمة للحديد والمنجنيز والنيكل والنحاس في العالم عن طريق الإثراء الثانوي.
رواسب اللاتيريت: اللاتيريت laterites هومثال لتركيز المعادن بالتجوية. والمواد الأولية في اللاتيريت هى الصخور العادية التي تحتوي على عناصر الحديد والألومنيوم التي يتم تركيزها فيما بعد. والليمونيت هو أحد المعادن قليلة الذوبان المتكونة خلال عملية التجوية الكيميائية. وفي المناخ الحار الممطر بغزارة(مناخ استوائي) يتم غسل معظم المعادن ببطء من التربة، بحيث يختلف عند السطح قشرة من الليمونيت الغني بالحديد غير القابل للذوبان. وقد يكون اللاتيريت غنيا بالحديد لدرجة أنه يمكن استغلاله اقتصاديا، مثل الموجود في غرب إفريقيا.
رواسب البوكسيت:وقد تسبب تجوية السيليكات تكون مواد أخرى غير معادن الطين، مثل البوكسيت bauxite وهو خام متكون من أكاسيد الألومنيوم المائية. وهو أحد الخامات المهمة لفلز الألومنيوم. ويتكون عندما تذاب كل السيليكا والأيونات الأخرى عدا الألومنيوم الناتجة عن تجوية كل معادن الصلصال الناتجة عن تجوية السيليكات. ويتواجد البوكسيت في المناطق الاستوائية، حيث يكون المطر غزيرا ودرجة الحرارة عالية والتجوية شديدة.
ب - تركيز الماس
الماس أكثر معدن معروف على الأرض من حيث الصلادة، وهو أيضا معدن مقاوم للتجوية للغاية. وترجع صلادته الشديدة إلي الرابطة التساهمية القوية التي تربط ذرات الكربون. ويتواجد الماس عند سطح الأرض في أنابيب الماس diamond pipes، وهى أعمدة من صخر فوقمافي متكسر، صعدت من الوشاح العلوي للأرض، تحتوي على بلورات الماس الموزعة بعيدا عن بعضها البعض. وعندما تحدث التجوية المتفاوتة للصخور فوقالمافية عند سطح الأرض ويتم تعريتها، ونظرا لمقاومة بلورات الماس للتجوية، فإنها تبقي ويتم تركيزها في رواسب غنية بالماس عند قمة تلك الأنابيب. وقد تعيد الأنهار توزيع وتركيز الماس، كما هو الحال في جنوب إفريقيا. وفي كندا، فإن أنابيب الماس يتم تعريتها بالمثالج حيث يتواجد الماس مبعثرا في رواسب تلك المثالج.
V11 - الإنسان كعامل من عوامل التجوية
يعتبر الإنسان جزءا من البيئة. فالإنسان هو المسئول عن الأمطار الحمضية، والتي تنشط عملية التجوية الكيميائية للآثار القديمة بطريقة ملحوظة، كما تعمل على تجوية المنكشفات الصخرية أيضا ولكن بطريقة غير محسوسة. وحيث إن التجوية الفيزيائية تساعد التجوية الكيميائية، فإن دور الإنسان يدخل كعنصر مساعد لكلتا العمليتين من خلال عديد من النشاطات التي تؤدي إلي تكسر الصخور أثناء حفر الأساسات وإنشاء الطرق السريعة وعمليات حفر المناجم. ولقد قدر أن نشاط إنشاء الطرق وحده في العالم يسبب تحريك 3000 تريليون طن من الصخور والتربة كل عام.
وقد أظهرت البحوث الحديثة أن التربة يمكن أن تكون مصدرا دائما للتلوث نتيجة اختلاطها بالمواد السامة والتي تؤدي إلي تلوث التربة. وترشح هذه الملوثات ببطء من التربة إلي الأرض والمياه السطحية. كما أضاف الإنسان إلي الأرض أيضا الأملاح والمبيدات ومنتجات البترول، والتي تؤثر على نمو النباتات، فتترك التربة عرضة للتأثر السريع بالتعرية. وبذلك يتضح أن الإنسان قد أثر بدرجة ملحوظة على سطح الأرض خلال آلاف السنين من حضارته البشرية، ولاسيما في القرنين الأخيرين.
الفصل السابع: الرواسب والصخور الرسوبية
تغطي الرواسب sediments والصخور الرسوبية sedimentary rocks ما يزيد على 75% من سطح القشرة الأرضية. وهى توجد على هيئة طبقات تكونت من حبيبات مفككة من الحطام الصخري (الأديم) regolith، أو من مواد مذابة نشأت نتيجة تجوية الصخور القارية ثم تم ترسيبها. وتعتبر الرواسب وكذلك الصخور الرسوبية التي نشأت منها سجلا للظروف التي كانت سائدة وقت ترسيبها، ولذلك فإنها تستخدم في استنتاج البيئات القديمة والظروف التي كانت سائدة وقت تكونها، اعتمادا على محتواها المعدني والحفري وأنسجتها والتراكيب التي توجد بها، بالإضافة إلي أماكن الترسيب على سطح الأرض.
فمثلاً يحتوي جبل المقطم في شرق القاهرة بمصر على طبقات من الحجر الجيري تتبع حين الإيوسين توجد بها حفريات لكائنات بحرية. ويمكن باستخدام هذه الملاحظات استنتاج أن هذه المنطقة التي ترتفع الآن 160 مترا عن سطح القاهرة كانت قاعا لمحيط في يوم من الأيام. ويمكن باستخدام حتى حبيبة واحدة من معدن البيروكسين في رواسب نهر النيل استنتاج الكثير من المعلومات، فقد تكون هذه الحبيبة أصلاً عبارة عن بلورة في صخر بازلت بمنطقة منابع النيل في هضبة البحيرات الاستوائية والمرتفعات الأثيوبية. ثم انفصلت عن بقية المعادن نتيجة تجوية تجوية البازلت، ثم حملها الماء في مجرى نهر النيل إلي المكان الذي استقرت فيه نهائيا، حيث انضمت إلي بقية الحبيبات من المصدر نفسه أو من مصادر أخرى لتكون طبقة من رواسب الدلتا في مصر.
ويمكن أيضا باستخدام طرق التحليل السابقة استنتاج ببيئات الترسيب القديمة مثل خطوط الشواطيء والجبال والسهول والصحاري والمستنقعات. وعند إعادة تصور هذه البيئات، فإنه يمكن رسم خرائط تبين توزيع القارات والمحيطات التي كانت موجودة في أزمنة سابقة.
وتستخدم الصخور الرسوبية أيضا في الوصول إلي استنتاجات أخرى، مثل تكتونية وحركة الألواح السابقة، وذلك باستخدام أدلة من الصخور الرسوبية الفتاتية التي تعكس نشأة تلك الصخور في الأقواس البركانية أو وديان الخسف أو الجبال التي تكونت نتيجة تصادم الألواح. وحيث إن مكونات معظم الرواسب والصخور الرسوبية قد نشأت نتيجة تجوية صخور سابقة، فيمكن استخدامها في استنتاج المناخ القديم وطبيعة عمليات التجوية القديمة، كما يمكن أيضا استنتاج تاريخ المحيطات بدراسة الرواسب البحرية.
وتهتم كثير من الدراسات البيئية بالعمليات الرسوبية، لأنها تمدنا بالمعلومات الأساسية لفهم البيئة، حيث إن كل العمليات الرسوبية تحدث على سطح الأرض حيث يعيش الإنسان، لذلك فهى مهمة لفهم المشاكل البيئية التي تحدث حولنا. وعلى الرغم من أن دراسة الصخور الرسوبية قد بدأت منذ مئات السنين، إلا أن الدراسات البيئية لم يبدأ الاهتمام بها إلا منذ بداية عام 1960م.
وترجع أهمية دراسة الرواسب والصخور الرسوبية بالإضافة إلي ما سبق إلي قيمتها الاقتصادية الكبيرة. فتحتوي هذه الصخور على النفط والغاز والفحم ومعظم مصادر الطاقة ذات القيمة مثل اليورانيوم الذي يستخدم في الطاقة النووية. كما أن صخور الفوسفات المستخدمة في التسميد هى صخور رسوبية مثلها مثل كثير من خامات الحديد في العالم ذات الأصل الرسوبي. ويساعد التعرف على كيفية تكون هذه الأنواع من الصخور في استكشاف مصادر اقتصادية إضافية أكثر أهمية.
وسنناقش في هذا الفصل العمليات الجيولوجية التي تؤدي إلي تكوين الرواسب والصخور الرسوبية، مثل التجوية والنقل والترسيب وتغيرات ما بعد الترسيب (التخلق). كما سنوضح التركيب المعدني والأنسجة وتراكيب الرواسب والصخور الرسوبية، وكيفية استخدام تلك الخواص في تعرف أنواع البيئات التي ترسبت فيها. كما سيتضح كيف يعتمد تفسير أصل الرواسب والصخور الرسوبية على مبدأ الوتيرة الواحدة uniformitarianism، والذي ينص على أن "الحاضر مفتاح الماضي"، أي يمكن تفسير الأحداث الجيولوجية التي وقعت في الماضي من دراسة الظواهر والأحداث التي تقع في الحاضر. كما سنناقش في هذا الفصل العلاقة بين عمليات الترسيب وتكتونية الألواح.
1 – الصخور الرسوبية ومراحل تكونها
تمثل الرواسب والصخور الرسوبية التي تتكون منها عناصر مهمة في دورة الصخور. وتقع الصخور الرسوبية في الجزء السطحي من هذه الدورة، بين الصخور النارية التي تخرج من الأعماق نتيجة الحركات التكتونية، والصخور التي تعود إلي أعماق الأرض لتكون الصخور المتحولة. ويوضح شكل (7 – 1) العمليات العديدة المتداخلة التي تمثل مراحل تكون الصخور الرسوبية في دورة الصخور، وهى التجوية والتعرية والنقل والترسيب والدفن وتغيرات ما بعد الترسيب، وهى التغيرات الطبيعية (الضغط ودرجة الحرارة) والكيميائية (التفاعلات الكيميائية) التي تتعرض لها الرواسب المدفونة فتتحول إلي الصخور الرسوبية.
أ – التجوية والتعرية
تؤدي التجوية الميكانيكية والكيميائية للصخور على سطح الأرض إلي تكون المواد الصلبة الفتاتية والذائبة، ثم تقوم عملية التعرية بحملها بعيدا. وينتج عن هذه العمليات ثلاثة أنواع مختلفة من الرواسب هى: الرواسب الفتاتية والرواسب الكيميائية والرواسب الكيميائية الحيوية. ونعرض فيما يلي وصفا لكل من هذه الأنواع:
1 – الرواسب الفتاتية
الرواسب الفتاتية clastic sediments (وتعرف أيضا بالرواسب الحتاتية detrital sediments) عبارة عن فتات صلب نتج عن تجوية صخور سابقة ثم نقل بعوامل طبيعية مثل الهواء أو مياه الأنهار أو المثالج. ويختلف هذا الفتات في الحجم بين جلاميد وحصى وحبيبات رمل وغرين وصلصال، كما يختلف في الشكل أيضاً. وتتحدد أشكال الجلاميد والحصى بالكسور الطبيعية التي تتكون على امتداد الفواصل ومستويات التطبق في الصخر الأصلي، بينما تستمد حبيبات الرمل أشكالها من أشكال البلورات المفككة، التي كانت متداخلة من قبل في الصخر الأصلي.
والرواسب الفتاتية عبارة عن تراكمات من مواد فتاتية، تحتوي غالبا على معادن سيليكاتية. ويختلف تركيب خليط المعادن المكون للراسب الفتاتي، حيث يحتوي على معدن الكوارتز ذي المقاومة العالية، بالإضافة إلي بعض المعادن الأقل ثباتا، والتي تجوت جزئياً مثل الفلسبارات والمعادن الأخرى حديثة التكوين مثل معادن الصلصال. كما يؤدي تغير شدة التجوية إلي تكون مجموعات مختلفة من المعادن المستمدة من الصخر الأصلي. فعندما تكون التجوية شديدة فإن الراسب يحتوي فقط على حبيبات فتاتية مكونة من معادن ثابتة كيميائياً مختلطة مع معادن الصلصال. وعندما تكون التجوية ضعيفة، فإن عديداً من المعادن غير الثابتة تحت الظروف السطحية تبقى وتتواجد في الراسب كحبيبات فتاتية. ويبين جدول (7 – 1) ثلاث مجموعات مختلفة من المعادن التي يمكن أن تنتج عن تجوية صخر الجرانيت تحت ظروف تجوية مختلفة الشدة.
وفي العادة، فإن الرواسب الفتاتية تتكون بمعدل أكبر بكثير من الرواسب الكيميائية والرواسب الكيميائية الحيوية. كما تتهشم الصخور نتيجة للتجوية الطبيعية بمعدل أكبر من إذابتها بالتجوية الكيميائية. ولذلك، فإن الرواسب الفتاتية تمثل تقريبا عشرة أضعاف الرواسب الكيمائية والرواسب الكيميائية الحيوية في القشرة الأرضية.
2 – الرواسب الكيميائية والرواسب الكيميائية الحيوية
تكون نواتج التجوية الكيميائية في معظم الأحيان عبارة عن أيونات أو جزيئات مذابة في ماء التربة أو الأنهار والبحيرات والمحيطات. وتترسب هذه المواد المذابة من الماء نتيجة التفاعلات الكيميائية والكيميائية الحيوية، حيث تتكون الرواسب الكيميائية chemical sediments. ويتكون الراسب الكيميائي نتيجة تفاعلات غير عضوية في الماء. فعندما يبرد الماء الساخن الخارج من ينبوع spring فقد يترسب أوبال (ثاني أكسيد سيليكون) أو كالسيت (كربونات كالسيوم). وهناك مثال آخر شائع وهو التبخر البسيط لماء البحر أو ماء البحيرات. فعندما يتبخر الماء، فإن المادة المذابة تتركز وتبدأ الأملاح في الترسب على هيئة طبقات يكون أكثرها شيوعا تلك المكونة من الجبس أو الهاليت.
كما تتكون الرواسب الكيميائية الحيوية biochemical sediments من المعادن المتبقية من الكائنات الحية، بالإضافة إلي المعادن المتكونة نتيجة للتفاعلات الكيميائية الحيوية للنباتات والحيونات التي تعيش في الماء. فمثلاً، تستطيع بعض النباتات التي تعيش في البحار أن تقلل من حموضة الماء حولها، مما يؤدي إلي ترسيب بيكربونات الكالسيوم الذائبة في الماء في شكل كربونات الكالسيوم. كما يتكون الحديد أيضا نتيجة لنشاط بعض الكائنات الحية. وتحتوي عديد من طبقات الرواسب الكيميائية الحيوية على حبيبات رسوبية ذات أصل عضوي، مثل: المراجين والطحالب والأصداف الكاملة أو بعض أجزائها، حيث تختلف أحجام تلك الحبيبات كثيرا. وتعمل الأمواج والتيارات أثناء عملية النقل على قاع البحر على استدارة الحواف الحادة لتلك الحبيبات، كما قد تتجمع تلك الحبيبات وتترسب حسب حجمها لتكون طبقات من حبيبات فتاتية حيوية bioclastic particles، يغلب على تركيبها مادة كربونات الكالسيوم في صورة معدن الكالسيت أو الأراجونيت. كما قد تتكون رواسب كربونات الكالسيوم أيضا في أعماق البحار من أصداف أنواع قليلة من الكائنات الحية، ومعها القليل من الحبيبات الفتاتية الحيوية، وتكون في هذه الحالة مكونة فقط من كربونات الكالسيوم في صورة معدن الكالسيت. أما في المناطق الضحلة من البحار، فإن الرواسب تتكون من كربونات الكالسيوم، في صورتي الكالسيت أو الأراجونيت.
ب – النقل والترسيب: رحلة إلي مواقع الترسيب
تنقل المواد الفتاتية والأيونات المذابة نتيجة التجوية، وأيضا المواد المتكونة كيميائيا أو كيميائيا حيويا إلي مناطق الترسيب، والتي تكون قريبة عادة. وتقوم عوامل النقل المختلفة بنقل المواد على المنحدرات تحت تأثير قوة الجاذبية الأرضية. فالصخور الساقطة من الجرف، والرمال المحمولة بواسطة الأنهار وتجري نحو البحر، وجليد المثالج الذي يجرف فتات الصخور ببطء على المنحدرات تكون كلها استجابة للجاذبية الأرضية. وعلى الرغم من أن الرياح ربما تذرو المواد من الصخور المنخفضة إلي المرتفعات، فإن الجاذبية على المدى البعيد هى العامل الأكثر تأثيرا، فالرمال والأتربة تترسب استجابة لتأثير الجاذبية الأرضية. وبمجرد أن تسقط الحبيبات إلي المحيط وتترسب خلال الماء، فعندما تكون كما لو كانت دخلت في شرك أو فخ. ويمكن أن تنقل هذه الرواسب مرة أخرى إلي موقع ترسيب جديد على قاع المحيط.
1 – التيارات كعوامل لنقل الحبيبات الفتاتية
تنقل معظم الرواسب الفتاتية بواسطة تيارات الماء أو الهواء. وتعمل تيارات الماء في الأنهار على نقل كميات هائلة من الرواسب إلي المحيطات، والتي تصل سنويا إلي نحو 25 بليون طن من الرواسب الصلبة والذائبة. كما تحمل تيارات الهواء المواد أيضا، ولكن بكميات أقل بكثير من تيارات النهار والمحيطات. وبمجرد أن تترك الحبيبات في الهواء أو الماء، فإن التيار يحملها عبر الأنهار أو بالرياح. وكلما كان التيار أقوى – بمعنى أنه أسرع انسيابا – كان حجم الحبيبات المنقولة أكبر.
وتبدأ عملية الترسيب sedimentation للمواد الفتاتية بعد توقف عملية نقل الرواسب. وتلعب الجاذبية الأرضية الدور الحاسم عند ترسيب المواد الفتاتية. وعلى الرغم من أن كل الحبيبات تسقط على الأرض بنفس السرعة بصرف النظر عن حجمها حسب قوانين الفيزياء، إلا أن الحبيبات الكبيرة تترسب بمعدل أسرع من الحبيبات الصغيرة، حيث تتناسب سرعة الترسيب طرديا مع كثافة الحبيبة وحجمها. وحيث إن معظم المعادن الشائعة في الرواسب يكون لها تقريبا نفس الكثافة (نحو 2.6 إلي 2.9جم/سم3)، فإننا نستخدم الحجم والذي يسهل قياسه، كمقياس لسرعة ترسيب المعادن المكونة للرواسب.
فعندما تقل سرعة التيار الحامل للمواد الفتاتية مختلفة الأحجام، تبدأ الحبيبات الأكبر حجما في الترسب، ويتوالي ترسيب المواد الأقل حجما كلما قلت سرعة التيار. وتعرف عملية تجميع الرواسب في مجموعات طبقا لحجمها، بحيث تتشابه حبيبات كل مجموعة منها في الحجم، بعملية الفرز sorting. وسنناقش عملية الفرز لاحقاً عند شرح الرواسب الفتاتية.
2 – المثالج كعوامل لنقل الحبيبات الفتاتية
تحمل المثالج glaciers أيضاً الحبيبات الفتاتية. وعندما تتحرك أنهار الجليد على المنحدرات نحو سفوح التلال نتيجة الجاذبية الأرضية، فإنها تجرف معها كميات كبيرة من الفتات الصخري والحبيبات الصلبة التي تم تعريتها من التربة وصخر الأساس bedrock، وتكون تلك الحبيبات خليطا غير متجانس الحجم (رديء الفرز)، حيث إنها لا يمكن أن تترسب وتفرز في وسط الجليد الصلب. ولكن عندما تذوب المثلجة، فإنها ترسب كمية كبيرة من الحطام والحبيبات الفتاتية، والتي تتدرج في الحجم من الحصى إلي الصلصال عند حافة الجليد المنصهر. وتحمل أنهار الماء المنصهر الحطام بعيدا ويصبح عرضة لعملية الفرز التي تطبق على الحبيبات الفتاتية الأخرى.
ويسبب النقل بالمثالج ضغط الحبيبات مع بعضها البعض ببطء واصطدامها وتكسرها، مما يؤدي إلي أن تصبح الحبيبات أصغر حجما ولكنها ليست مستديرة. كما تسبب المثالج تفتت صخر الأساس عند قاع وحواف المثلجة.
3– السوائل: كوسائل لنقل المواد المذابة
تلعب التفاعلات الكيميائية دورا أكبر من الدور الذي تلعبه الجاذبية الأرضية في عمليات النقل والترسيب الكيميائي والكيميائي الحيوي. ويتم نقل المواد الكيميائية الذائبة بالتجوية مع الماء الحاوي لها في شكل محلول متجانس، حيث تكون المواد الذائبة (مثل أيونات الكالسيوم) جزءا من محلول الماء نفسه، الذي ينساب عبر الأنهار إلي البحيرات والمحيطات.
4– المحيطات: خزانات ضخمة للخلط الكيميائي
يعتبر المحيط خزانا ضخما للخلط الكيميائي، حيث تحمل الأنهار والأمطار والرياح والمثالج المواد المذابة إلي المحيط باستمرار. كما تدخل المحيط أيضا كميات صغيرة من المواد المذابة نتيجة التفاعلات الكيميائية الحرمائية بين مياه البحر والبازلت الساخن في حيود وسط المحيط. وتقوم التيارات والأمواج بخلط هذه المواد مع مياه المحيط. ويتبخر ماء المحيط باستمرار عند السطح. وتعادل كمية المياه التي تنساب إلي المحيط تلك التي يفقدها خلال عملية التبخير، بحيث تبقى كمية المياه في المحيطات ثابتة خلال الفترات الجيولوجية القصيرة مثل السنوات والعقود أو حتى القرون، بينما قد يتغير هذا التوازن خلال الفترات الزمنية الأطول كملايين السنين. كما يتوازن دخول وخروج المواد المذابة أيضا. وتشارك كل المواد الذائبة في ماء البحر في التفاعلات الكيميائية والكيميائية الحيوية، والتي تؤدي إلي ترسبها على قاع البحر، فقد تترسب كميات صغيرة من المواد الكيميائية المنقولة بالمجاري المائية في البحيرات المالحة أو البحيرات القلوية، بينما تترسب كميات ضخمة في البحار المالحة المجاورة، وهى بيئة مختلفة تماما عن بيئة المياه العذبة في الأنهار. ويترتب على ترسيب المواد الذائبة في مياه المحيطات في صورة رواسب كيميائية أو كيميائية حيةية، أن تبقى ملوحة salinity المحيطات ثابتة، أي تبقى الكمية الكلية للمواد المذابة في حجم معين من ماء البحر ثابتة. وتتعادل بذلك كمية المواد المترسبة على قيعان المحيطات مع كمية المواد الذائبة التي تنساب إليها نتيجة تجوية صخور القارات وكذلك النشاط الحرمائي عند حيود وسط المحيط.
ويمكن تعرف بعض العمليات التي تحافظ على هذا الاتزان الكيميائي في المحيطات من متابعة عنصر الكالسيوم، الذي يعتبر المكون الأساسي لمادة كربونات الكالسيوم (CaCO3) التي تكون معظم الرواسب الكيميائية الحيوية المنتشرة في المحيطات. ويذاب الكالسيوم عندما تتعرض صخور الحجر الجيري ومعادن السيليكات التي تحتوي على الكالسيوم (مثل الفلسبارات والبيروكسينات) للتجوية على سطح الأرض، حيث ينقل الكالسيوم كأيونات كالسيوم (Ca2+) إلي المحيطات. وتقوم الكائنات الحية البحرية بالعمل على اتحاد أيونات الكالسيوم مع أيونات البيكربونات (HCO3-) الذائبة في مياه البحار لتكون أصدافها وتتراكم على هيئة رواسب مكونة من كربونات الكالسيوم على قاع المحيط، فإنها تتحول نهائيا عند تعرضها لعمليات ما بعد الترسيب إلي الحجر الجيري، وبذلك يترك الكالسيوم مياه المحيط الذي دخله كأيونات ذائبة. وهكذا تلعب الكائنات الحية دورا مهما في المحافظة على ثبات نسبة الكالسيوم المذاب في المحيط.
وتساعد العمليات غير العضوية أيضا على التوازن الكيميائي في مياه المحيطات. حيث تتفاعل أيونات الصوديوم (Na+) المنقولة إلي المحيطات مع أيونات الكلوريد (Cl-) ليترسب كلوريد الصوديوم (NaCl) في صورة معدن الهاليت، حينما يعمل البخر على زيادة نسبة أيونات الصوديوم والكلوريد في الماء لتصل إلي درجة فوق التشبع. وكما أوضحنا في الفصل الثاني، فإن المعادن تتبلور من المحاليل فوق المشبعة عندما يحتوي المحلول على كمية كبيرة من المادة المذابة والتي تتفاعل تلقائيا لتكون الرواسب. ويحدث البخر الشديد اللازم لحدوث التبلور في المياه الدافئة، والتي توجد في أذرع البحار الضحلة.
والترسيب العضوي هو نوع آخر من الترسيب الكيميائي الحيوي. فعندما تحفظ النباتات من التحلل بعد أن تتراكم في المستنقعات كمادة غنية بالمادة العضوية فإنها تكون الخث (بيت) peat الذي يحتوي على أكثر من 50 في المائة كربون. وعندما يدفن الخث نهائياً فإنه يتحول نتيجة عمليات ما بعد الترسيب إلي الفحم coal. وتتراكم أيضا بقايا الطحالب والبكتريا وبعض الكائنات الحية الدقيقة الأخرى كمادة عضوية في الرواسب الموجودة في مياه البحيرات والمحيطات، وتتحول لاحقا إلي نفط وغاز.
ج – الدفن وتغيرات ما بعد الترسيب: التحول من راسب إلي صخر رسوبي
تحمل الأنهار والرياح والمثالج الجزء الأكبر من الرواسب الفتاتية الناشئة عن تجوية وتعرية سطح اليابسة إلي قاع المحيط، بينما يتبقى القليل منها على اليابسة. كما يحدث الشيء نفسه للرواسب الكيميائية والكيميائية الحيوية، حيث يترسب الجزء الأكبر منها على قاع المحيط أيضا، بينما يترسب القليل منها في البحيرات والمستنقعات. وبالمقارنة بالرواسب التي ترسبت على اليابسة، فإن نسبة أكبر من الرواسب المتراكمة على قاع المحيط تدفن وتحفظ لوقت طويل. وتهبط الرواسب الحيوية والكيميائية في مياه المحيط، حيث يتم اصطيادها بواسطة تيارات المحيط وتنقل إلي موقع ترسيبي جديد على قاع المحيط. أما الرواسب التي استقرت على القارات، فإن نسبة كبيرة منها قد تترسب في بيئات نهرية (طميية) وبحرية ضحلة العمق، وقد تدفن لتكون الصخور الرسوبية، أو قد يكون قد سبق دفنها عميقا في القشرة القارية. ولكن كيف يؤدي الترسيب إلي الدفن؟
1 – الدفن نتيجة تراكم الرواسب
يؤدي استمرار الترسيب في البيئات المختلفة إلي تراكم كميات ضخمة من الرواسب التي تتميز بسحنات مختلفة. ويحدث تراكم الرواسب جزئيا نتيجة لهبوط subsidence القشرة بلطف في منطقة ما بالنسبة للمناطق المحيطة بها. وينشأ الهبوط إما بسبب إضافة كميات من الرواسب تضغط على القشرة، وإما لأسباب تكتونية مثل الصدوع الإقليمية أو لكليهما. وأحواض الترسيب sedimentary basins عبارة عن مناطق تغطي مساحات كبيرة (على الأقل 10000كم2)، ترسبت فيها تركمات سميكة من الرواسب والصخور الرسوبية. وتأخذ تراكمات السحنات المختلفة الموجودة في تلك الأحواض أشكالاً هندسية، تتراوح من قيعان ضيقة إلي منخفضات دائرية أو بيضاوية تشبه الملعقة. وتتواجد معظم الصخور الرسوبية في العالم في هذه الأحواض، والتي قد تصبح عبارة عن خزانات لمعظم تجمعات النفط والغاز. وتخضع ميكانيكية هبوط الأحواض وتراكم الرواسب بها لكثير من الأبحاث حاليا.
2 – تغيرات ما بعد الترسيب: تحول الراسب إلي صخر بالحرارة والضغط والتغيرات الكيميائية
تتعرض الرواسب بعد عمليتي الترسيب والدفن إلي تغيرات ما بعد الترسيب. وتعرف عمليات ما بعد الترسيب diagenesis بأنها التغيرات الكيميائية والفيزيائية التي تحدث في الرواسب المدفونة مثل التصخر lithification والكبس compaction، والتي تؤدي إلي تحول الراسب إلي صخر رسوبي. وهذه التغيرات تحدث بعد الترسيب وقبل عملية التحول التي تؤثر في الراسب وتحوله من مادة رسوبية إلي صخر متحول بالحرارة والضغط. ولا تشمل عمليات ما بعد الترسيب عملية التجوية. ويعمل الدفن على زيادة هذه التغييرات، حيث إن الرواسب المدفونة تكون عرضة لدرجات الحرارة والضغط المتزايدة في باطن الأرض. ويوضح شكل (7 – 2) تغيرات ما بعد الترسيب.
وتتزايد درجة حرارة الأرض مع العمق، ولكن بمعدلات تتغير طبقا لنطاقات الأرض الداخلية (ويسمى معدل تزايد درجة الحرارة مع العمق "منحنى حرارة الأرض geotherm أو تدرج حرارة الأرض" geothermal gradient). ويتواجد أسرع معدل لتزايد درجة الحرارة في القشرة الأرضية حيث ترتفع درجة الحرارة بمعدل 30م لكل كيلو متر عمقا. فعند عمق 4كم تقريبا، قد تصل حرارة الرواسب المدفونة إلي نحو 120م أو أكثر. ويحدث عديد من التفاعلات الكيميائية بين المعادن والماء المتواجد في مسام الصخور الرسوبية، وخصوصا عند درجات الحرارة المرتفعة هذه. والعامل الثاني المسبب لتغيرات ما بعد الترسيب هو زيادة الضغط مع العمق، والذي يقدر بحوالي 1 ضغط جوي لكل 4.4م في العمق في المتوسط، وهذا الضغط هو المسئول عن كيس أو دمج الرواسب.
وحينما ترتفع درجة الحرارة، فإن تغيرات ما بعد الترسيب تدخل في نطاق عمليات التحول، حيث تتراوح درجة الحرارة بين نحو 300م و350م، وهى تقابل نحو 10 – 12كم عمقا.
التغير الكيميائي: التلاحم
التلاحم cementation هو عملية تغير كيمائي رئيسية تحدث بعد الترسيب، حيث تترسب أثناءها معادن في المسام بين حبيبات الراسب أو الصخر الرسوبي مكونة لاحمة تربط بين هذه الحبيبات. وينتج عن التلاحم نقص في المسامية porosity (النسبة المئوية لحجم المسام إلي الحجم الكلي للصخر). كما يؤدي التلاحم أيضا إلي التصخر lithification وهو إحدى عمليات ما بعد الترسيب، والتي يتصلد خلالها الراسب غير المتماسك إلي صخر صلد. فمثلاً، قد يترسب كربونات الكالسيوم على هيئة معدن كالسيت في بعض الرمال، حيث يعمل الكالسيت كمادة لاحمة تربط الحبيبات وتسبب تصلد الكتلة الناتجة إلي حجر رملي (شكل 7 – 3). وقد تقوم بعملية التلاحم معادن أخرى مثل الكوارتز، الذي يلحم حبيبات الرمل والطين والحصى ليحولها إلي حجر رملي وحجر طيني وكونجلومرات أو بريشيا.
كما يمثل التغيي الكيميائي لمعادن الصلصال clay minerals، والتي ترسبت أصلا كحبيبات فتاتية، مثال آخر على تغير كيميائي يحدث بعد الترسيب في الرواسب والصخور الفتاتية، حيث يتحول معدن الكاولينيت kaolinite إلي معدن الايليت illite، وهومعدن صلصال مشابه لمعدن المسكوفيت، وهو أحد معادن مجموعة الميكا.
التغير الفيزيائي: الكبس
تمثل عملية الكبس (الاندماج) compaction التغير الفيزيائي الأساسي في مرحلة ما بعد الترسيب، ويؤدي إلي نقص في حجم ومسامية الرواسب والصخور الرسوبية، وتحدث هذه العملية عادة عندما تكبس الحبيبات لتقترب من بعضها بعضا نتيجة لزيادة وزن الرواسب التي تعلوها. ويتم تعبئة packing الرمال جيدا أثناء الترسيب، ولذلك فإنها لا تتعرض كثيرا للكبس. أما الطين mud المترسب حديثا فتكون مساميته عالية، حيث تصل نسبة الماء في مسامه أكثر من 60%. ولذلك، يكبس الطين بدرجة كبيرة بعد الدفن حيث يفقد أكثر من 50% من الماء الموجود به.
إعادة التبلور: قد يعاد تبلور المعادن الأقل استقرارا إلي أشكال أكثر استقرارا. وتعرف هذه العملية بإعادة التبلور recrystallization. فمعدن الأراجونيت هو الشكل الأقل استقرار لكربونات الكالسيوم، كما أنه المكون الرئيسي للعديد من الأصداف التي تكون الرواسب الكربوناتية. وأثناء عمليات تغيرات ما بعد الترسيب، وبعد بداية الدفن مباشرة، يبدأ الأراجونيت في إعادة التبلور إلي شكل من كربونات الكالسيوم أكثر استقرارا، وهو معدن الكالسيت، وهو أكثر معادن الحجر الجيري شيوعا.
11 - الرواسب والصخور الرسوبية الفتاتية
تصنف الرواسب وكذلك الصخور الرسوبية إلي قسمين رئيسيين: أولهما الرواسب الفتاتية، وثانيهما الرواسب الكيميائية والكيميائية الحيوية. ويمثل القسم الأول والذي يشمل الطين والطفل والرمل والحجر الرملي والجرول والكونجلومرات أكثر من ثلاثة أرباع الصخور الرسوبية المكونة للقشرة الأرضية، ولذلك سيتم تناولها أولاً.
أ – شكل الحبيبة
يوصف شكل الحبيبة أثناء دراسة الرواسب والصخور الرسوبية الفتاتية بثلاث صفات هى الشكل والتكور والاستدارة. ويوصف الشكل العام form للحبيبة بأنه متساوي الأبعاد equant عندما تكون أبعاد الحبيبة متساوية في كل الاتجاهات، كما توصف بأنها منبسطة (نضيدية) tabuiar عندما يكون هناك بعدان أكبر من البعد الثالث، أو تأخذ شكل العصا rod – shaped (شكل 7 – 4)، عندما يكون بعد واحد أكبر من البعدين الآخرين. أما التكور sphericity فهو مقياس لدرجة اقتراب شكل الحبيبة العام من شكل الكرة. وتوصف الحبيبة بأنها عالية التكور كلما كانت أقرب إلي شكل الكرة، بينما توصف الحبيبات المنبسطة، وتلك التي تشبه العصا بأنها منخفضة التكور. أما الاستدارة roundness فهى مقياس لدرجة حدة حواف الحبيبة. وتوصف الحبيبات التي حوافها حادة بأنها بالغة التزوي very angular، بينما توصف الحبيبات التي حوافها ناعمة ومستديرة بأنها جيدة الاستدارة well – rounded. ويؤدي استمرار عمليات التجوية الطبيعية لفترات زمنية طويلة، وكذلك نقل الحبيبات بتيارات المياه والرياح إلي تصغير حجم الحبيبات، كما يؤدي إلي استدارة الفتات الرسوبي ذي الحواف الحادة (شكل 7 – 5)، حيث تؤدي عملية نقل الفتات إلي تقليب الحبيبات واصطدامها بعضها ببعض، أو احتكاكها بصخور الأساس فيحدث سحج abrasion للحبيبات، وتصبح أكثر استدارة كلما زادت مسافة النقل.
ب – الفرز
يعكس تصنيف الرواسب والصخور الفتاتية المختلفة على أساس أحجام الحبيبات ظروف ترسيب تلك الرواسب. وكما أوضحنا سابقا، فكلما كان حجم الحبيبات أكبر، كان التيار المطلوب للنقل والترسيب أقوى. ويؤدي هذا التلازم بين قوة التيار وحجم الحبيبات إلي فرز الحبيبات وترسبها في طبقات مفروزة. ولذلك، فإن معظم طبقات الرمل لاتحتوي على حصى أو طين، كما تتكون معظم طبقات الطين من الحبيبات الدقيقة فقط. وتعرف عملية تجميع الرواسب في مجموعات طبقا لحجم حبيباتها بعملية الفرز sorting، حيث يكون الراسب جيد الفرز إذا كان مكونا في معظمه من حبيبات متجانسة الحجم غالبا، بينما يكون الراسب ريء الفرز إذا كان مكونا من حبيبات مختلفة الحجم (شكل 7 – 6).
ويمكن تقسيم كل مجموعة من المجموعات الحجمية السابقة والمصنفة على أساس النسيج الصخري إلي مجموعات أصغر، بناءً على التركيب المعدني الذي يعكس مكونات الصخور الأصلية. ولذلك فهناك حجر رملي غني بالكوارتز وحجر رملي غني بالفسبار وصخور طفل جيرية وأخرى سيليسية أو غنية بالمواد العضوية. وبعض الرواسب تكون فتاتية عضوية، حيث تتكون من مواد مثل الكربونات ترسبت أصلاً على هيئة أصداف ولكن كسرت ونقلت بالتيار نقلا ميكانيكيا.
ويعتبر الغرين وحجر الغرين والطين والحجر الطيني والطفل من أكثر أنواع الرواسب الفتاتية انتشارا، حيث تمثل نحو ثلاثة أضعاف الصخور الفتاتية الخشنة الحبيبات (شكل 7 – 7). ويعكس انتشار الفتاتيات دقيقة التحبب والتي تحتوي على كميات كبيرة من معادن الصلصال، أهمية الدور الذي تلعبه التجوية الكيميائية لكميات كبيرة من الفلسبار والمعادن السيليكاتية الأخرى لتكوين معادن الصلصال في القشرة الأرضية.
ج – تصنيف الرواسب والصخور الرسوبية الفتاتية
تصنيف الرواسب والصخور الفتاتية clastic sediments and sedimentary rock بناءً على حجم الحبيبات إلي ثلاثة مجموعات رئيسية (جدول 7 – 2) كالتالي. • خشنة الحبيبات، وتشمل الجرول gravel والكونجلومرات conglomerate والبريشيا breccia. • متوسطة الحبيبات، وتشمل الرمل sand والحجر الرملي sandstone. • دقيقة الحبيبات، وتشمل الغرين silt وحجر الغرين siltstone والطين mud وحجر الطين mudstone والطفل shale والصلصال clay وحجر الصلصال claystone.
وسنناقش فيما يلي الخصائص المميزة لكل من هذه المجموعات الثلاث للرواسب والصخور الرسوبية الفتاتية بشيء من التفصيل:
1 – الفتاتيات خشنة التحبب: الجرول والكونجلومرات
يعتبر الجرول من أخشن الرواسب الفتاتية، حيث يتكون من حبيبات يزيد قطرها على 2مم، ويشمل: الجرول رواسب الجلاميد boulders والحصى الكبير cobbies والحصى pebbles (جدول 7 – 2). والجرول هو المقابل المفكك لصخر الكونجلومرات conglomerate والبريشيا breccia، أي أن الكونجلومرات عبارة عن جرول تماسكت حبيباته وتصلدت (شكل 7 – 8 أ). وتختلف الكونجلومرات عن البريشيا في كون حبيباتها أكثر استدارة (شكل 7 – 6ب). ونظرا لكبر حجم الحبيبات في تلك الصخور، فإنه يسهل دراستها وتعريفها. حيث يشير مثلا وجود حصى جرانيتي في كونجلومرات ترسب بنشاط الأنهار، إلي وجود كتلة من الجرانيت منكشفة في مناطق الصرف drainage areas التي تغذي الأنهار التي قامت بنقل الجرول.
ويوجد عدد ضئيل نسبيا من البيئات التي تتميز بوجود تيارات قوية بدرجة تكفي لنقل الحصى مثل مجاري المياه في منحدرات الجبال شديدة الانحدار، والشواطيء الصخرية التي تضر بها الأمواج العالية، والمياه المنصهرة من المثالج. كما قد تحمل التيارات القوية الرمال أيضا، حيث يترسب بعض الرمل مع الجرول والبعض الآخر يتسرب في المسام بين الكسرات بعد ترسيب الرواسب الفتاتية الكبيرة. ويؤدي نقل الحصى والحصى الكبير على الأرض أو في الماء إلي بريها واستدارتها، حيث يسبب النقل لمسافة 100كم استكمال استدارة الحصى وجعلها ناعمة. وتتحرك حبيبات جرول الشواطيء للأمام والخلف باستمرار بواسطة الموجات القوية مما يؤدي إلي استدارتها أيضا. أما إذا سلمت الحبيبات وكسرات الصخور من البري، وبقيت ذات زوايا حادة، فإنها يطلق عليها بريشيا رسوبية sedimentary breccias (شكل 7 – 8 ب). وتوجد البريشيا الرسوبية في الرواسب القريبة من المصدر الذي نشأت منه، والتي لم تنقل لمسافات بعيدة. وليست كل البريشيا ذات أصل رسوبي، فقد تتكون بعض البريشيا بسبب تكسر مواد بركانية عند الانفجارات البركانية (بريشيا بركانية) أو قد تتكون البريشيا بسبب تكسير الصخور على امتداد أسطح الصدوع (بريشيا الصدوع).
2 – الفتاتيات متوسطة التحبب: الرمل والحجر الرملي
يتكون الرمل sand من حبيبات متوسطة الحجم يتراوح قطرها بين 0.062 إلي 2مم (جدول 7 – 2). وتتحرك هذه الرواسب بفعل تيارات متوسطة القوة مثل تلك الموجودة بالأنهار وبيئات خط الشاطيء والرياح التي تذرو الرمال في الكثبان الرملية. وتكون حبيبات الرمل كبيرة بدرجة تسمح برؤيتها بالعين المجردة، كما يمكن رؤية عديد من الملامح المميزة لحبيبات الرمل، باستخدام عدسة مكبرة ذات قوة تكبير صغيرة.
والمقابل الصخري للرمل هو الحجر الرملي sandstones (شكل 7 – 3). وقد حظى الحجر الرملي بأكبر قدر من الاهتمام مقارنة بالمجموعات الفتاتية الأخرى، بسبب انتشاره الواسع، وسهولة تعرف أصل نشأته وظروفها. فتجتوي مثلا عديد من الأحجار الرملية على طباقية متقاطعة، والتي تدل على اتجاه التيار الناقل، لذلك فإن الأحجار الرملية تكون ذات أهمية في عمل خريطة للتيارات القديمة التي تدل على اتجاه المجرى المائي السابق أو الرياح أو تدفق المياه في البحار الضحلة.
أحجام حبيبات الرمل: تصنف حبيبات الرمل إلي دقيقة الحجم أو متوسطة أو خشنة. ويعكس متوسط حجم الحبيبات في الحجر الرملي كلاً من حجم البلورات التي تم تجويتها من الصخر الأصلي، وقوة التيار الذي حملها. ولا يدل حجم الحبيبات على كل تفصيلات النشأة، حيث إن مدى حجم الحبيبات، ونسبة انتشار الأحجام المختلفة لها أهمية أيضا. فإذا كانت أحجام الحبيبات متقاربة، فإن الرمل يكون جيد الفرز. أما إذا كان الكثير من الحبيبات ذات حجم أكبر أو أصغر من متوسط الأحجام، فإن الرمل يكون رديء الفرز. وقد تساعد درجة الفرز في التمييز بين رمال الشواطيء (جيدة الفرز)، والرمال الطينية المترسبة بواسطة المثالج (رديئة الفرز).
أشكال حبيبات الرمل: تعتبر أشكال حبيبات الرمل مهمة أيضا في الاستدلال على ظروف نشأة الرمال. فحبيبات الرمل مثل الحبيبات الفتاتية الأخرى تكون مستديرة نتيجة البري حيث تصطدم بعضها البعض أثناء النقل. وتدل استدارة الحبيبات على المسافة الطويلة التي قطعتها الحبيبات في مجرى النهر الطويل أثناء النقل، بينما تدل الحبيبات المزواةعلى النقل لمسافات قصيرة. وتصبح حبيبات الرمل مستديرة أيضا نتيجة الحركة للأمام والخلف بواسطة الأمواج على الشواطيء. ومع ذلك، فإن معظم حبيبات الرمل تأخذ أشكالها الكروية والمستطيلة أو المنبسطة من أشكال البلورات الأصلية في الصخر الأصلي.
كما تتم أيضا دراسة أسطح الحبيبات باستخدام المهجر الإلكتروني الماسح scanning electron microscope (SEM) لإظهار ملامح مميزة تستخدم للاستدلال منها على الظروف التي تعرضت لها الرواسب أثناء النقل والترسيب (شكل 7 – 9 أ وب).
التركيب المعدني: يمكن التنبؤ بطبيعة المصادر التي تمت تجويتها لتكوين حبيبات الرمل، من خلال دراسة التركيب المعدني للرمال والأحجار الرملية. حيث يدل وجود فلسبارات غنية بالصوديوم أو البوتاسيوم مع وفرة الكوارتز على أن الرواسب تم تجويتها من مناطق جرانيتية. كما تدل بعض المعادن الأخرى مثل الكيانيت والاشتوروليت على أن الصخور الأصلية كانت صخورا متحولة.
وقد لا يتفق التركيب المعدني للرمل أو الحجر الرملي بالضبط مع التركيب المعدني للصخر الأصلي، حيث تعمل التجوية الكيميائية على إذابة معظم فلسبار الصخر الأصلي كالجرانيت بحيث لا تبقى إلا حبيبات الكوارتز. ولذلك فإننا نستطيع من تحليل التركيب المعدني للرمل أو الحجر الرملي، أن نستنتج نوع الصخر الأصلي، بالإضافة إلي بعض المعلومات عن العواما التي أثرت في التجوية في منطقة الصخر الأصلي مثل المناخ. كما يمكن أيضا مضاهاة التركيب المعدني للصخور الأصلية بالأوضاع في تكتونية الألواح. فعلى سبيل المثال، فإن الأحجار الرملية المحتوية على وفرة من كسرات الصخور البركانية المافية تكون قد نشأت من أقواس بركانية volcanic arcs عند نطاقات الاندساس. الأنواع الرئيسية للأحجار الرملية: يمكن تقسيم الأحجار الرملية إلي عدة مجموعات رئيسية بناءً على التركيب المعدني والنسيج وهى: • كوارتز أرينيت quartz arenite ويتكون كلية من حبيبات كوارتز، جيدة الفرز ومستديرة عادة (شكل 7 – 10 أ). وتنشأ هذه الرمال المكونة من حبيبات الرمل الخالصة نتيجة التجوية الشاملة التي حدثت قبل وأثناء النقل وأزالت كل المعادن ماعدا الكوارتز، وهو أكثر المعادن ثباتا واستقرارا.
• أركوز arkose: ويحتوي على أكثر من 25% فلسبار، حيث تميل الحبيبات أن تكون مزواة إلي شبه مستديرة وأقل في درجة الفرز عن الحجر الرملي المكون من الكوارتز الخالص (شكل 7 – 10 ب). وتنشأ هذه الأحجار الرملية الغنية بالفلسبارات من التجوية السريعة لمناطق مكونة من صخور جرانيتية ومتحولة، حيث تكون التجوية الكيميائية أقل تأثيرا من التجوية الفيزيائية. • حجر رملي صخري lithic sandstone: وهو يحتوي على عديد من الكسرات المستمدة من صخر دقيق التحبب غالبا مثل الطفل، أو صخور بركانية وصخور متحولة دقيقة التحبب (شكل 7- 10 ج). • جريواكي greywacke: وهو صخر رصاصي قاتم اللون، صلد، يتكون من خليط غير متجانس من كسرات صخرية وحبيبات مزواة رديئة الفرز من الكوارتز والفلسبار، في حجم حبيبات الرمل مدفونة في أرضية صلصالية دقيقة التحبب (شكل 7 – 10 د).وتكونت معظم هذه الأرضية نتيجة التغير الكيميائي والكبس الميكانيكي والتشوه لكسرات صخور لينة نسبيا – مثل: صخور الطفل وبعض الصخور البركانية – بعد الدفن العميق للحجر الرملي.
ويهتم كل من جيولوجيي المياه الجوفية والبترول بدراسة الحجر الرملي. ويعول جيولوجيو المياه الأرضية على فهم أصل الحجر الرملي للتنبؤ بإمكانة وجود مصادر للمياة للمياه في مناطق بها حجر رملي مسامي، مثل متكون الحجر الرملي النوبي، والذي يشغل مساحات واسعة في مصر (أكثر من 90%) سواءً فوق السطح أو تحت السطح (شكل 13 – 7). ويجب أن يهتم جيولوجيو البترول بدراسة مسامية ودرجة التحام الحجر الرملي، حيث إن النفط والغاز المكتشفين خلال المائة وستين عاما الماضية قد وجدا في صخور حجر رملي مدفونة. وبالإضافة إلي ذلك، فإن نسبة كبيرة من اليورانيوم المستخدم في مشاريع توليد الطاقة النووية والأسلحة النووية يحصل عليها من اليورانيوم الناتج من عمليات ما بعد الترسيب في الحجر الرملي.
3 – الفتاتيات دقيقة التحبب: الغرين وحجر الغرين والطين والحجر الطيني والطفل
يعتبر الغرين وحجر الغرين والطين والحجر الطيني والطفل أدق الرواسب والصخور الرسوبية الفتاتية حجما. ويقل قطر الحبيبات المكونة لهذه الرواسب كلها عن 0.062 مم، ولكن تختلف هذه الحبيبات اختلافا كبيرا في المدى الذي يقع فيه حجم الحبيبات وكذلك التركيب المعدني. وتترسب الرواسب دقيقة التحبب بواسطة ألطف التيارات، والتي تسمح لأدق الحبيبات أن تترسب ببطء إلي القاع في وجود الأمواج الهادئة. وفيما يلي وصف لكل من هذه الأنواع:
الغرين وحجر الغرين: حجر الغرين siltstone هو المقابل الصخري للغرين silt، وهو راسب فتاتي يتراوح قطر حبيباته بين 0.0039 و0.062مم. ويكون حجر الغرين مشابها للحجر الطيني أو الحجر الرملي دقيق الحبيبات جدا.
الطين وحجر الطين والطفل: الطين mud هو أي راسب فتاتي تكون فيه قطر معظم الحبيبات أقل من 0.062مم (جدول 7 – 2). ويترسب الطين بالأنهار وفي مناطق المد والجزر. فبعد أن يفيض النهر في الأراضي المنخفضة، وبعد أن يتراجع ويتقهقر الفيضان، يبطيء التيار ويترسب الطين الذي يؤدي إلي خصوبة أراضي قاع النهر. كما تتخلف رواسب الطين نتيجة انحسار المد على امتداد عديد من مسطحات المد والجزر، حيث يكون تأثير الأمواج معتدلا. وتغطي رواسب الطين معظم قيعان المحيطات العميقة حيث تكون التيارات ضعيفة أو منعدمة.
والصخر دقيق التحبب المقابل لراسب لطين هو حجر الطين والطفل. وحجر الطين mudstone هو صخر كتلي به ترفق fissility ضعيف أو غير موجود على الإطلاق. ويتكون الطفل shale من الغرين والصلصال. وتتميز هذه الصخور بوجود مستويات تطبق، حيث تنفصل إلي رقائق على امتداد تلك المستويات. وقد يحتوي الطين وحجر الطين والطفل على أكثر من 10% كربونات ليكون رواسب من طفل كلسي (جيري)، بينما يحتوي الطفل الأسود أو العضوي على كمية وفيرة من المادة العضوية، التي تكونت نتيجة عمليات ما بعد الترسيب ويطلق عليه طفل الزيت oil shales، الذي قد يحتوي على كميات كبيرة من المادة العضوية الزيتية، مما يجعله مصدرا مهما للنفط.
الصلصال وحجر الصلصال: تكون الحبيبات التي في حجم الصلصال هى أكثر المكونات شيوعا في الرواسب والصخور الرسوبية دقيقة التحبب. وجدير بالملاحظة أننا نشير هنا إلي احجام الحبيبات، وليس إلي معادن الصلصال clay minerals، التي يقل قطرها عن 0.0039مم، والتي تتكون بنسبة كبيرة من معادن الصلصال (جدول 7 – 2). وتسمى الصخور المكونة في معظمها من حبيبات في حجم الصلصال، بحجر الصلصال claystone. كما قد يترسب تراب dust يشتمل على حبيبات في حجم الصلصال وحجم الغرين بالرياح بعد العواصف الترابية على السهول القاحلة (فصل 14).
وتكون بعض معادن الصلصال الموجودة في الرواسب دقيقة الحبيبات (وخاصة الكاولينيت) ذات قيمة اقتصادية، حيث تستخدم في صناعة الخزف، كما قد تكون هذه الرواسب، بالإضافة إلي بقية أنواع الصلصال تربة قديمة paleosols، وهي المقابل المتحجر للتربة. وعلى الرغم من أن بعض هذه التربة القديمة لا يشبه التربة الحديثة الآن، إلا أنها قد تظهر قطاعاً معدنياً مستمداً بوضوح من قطاع تربة قديمة (الفصل السادس).
|||. الرواسب والصخور الرسوبية الكيميائية و الكيميائية الحيوية
تمدنا الرواسب والصخور الفتاتية بما يكفي من المعلومات عن طبيعة الصخور القارية التي تنشأ منها، وظروف تجويتها. كما تمدنا الرواسب الكيمائية و الكيمائية الحيوية أيضاً بما يكفي من المعلومات عن الظروف الكيمائية في بيئة الترسيب التي تكون في معظم الأحيان هي المحيط. كما يحدث الترسيب الكيميائي في البحيرات أيضاً، وخاصة تلك المتواجدة في المناطق القاحلة حيث يكون التبخير شديداً، إلا أن مثل تلك الرواسب لا تمثل إلا نسبة صغيرة جداَ بالنسبة لكمية الرواسب المتكونة على امتداد خطوط شواطئ المحيطات، وعلى الرفوف القارية وفي أعماق المحيطات.
أ. تصنيف الرواسب والصخور الرسوبية الكيمائية و الكيمائية الحيوية
تصنف الرواسب غير الفتاتية إلى مجموعتين هما:الرواسب الكميائية chemical sediments والرواسب الكيميائية الحيوية biochemical sediments . ويقوم هذا التصنيف على أساس تركيبها الكيميائي ( جدول 3.7) وبعكس هذا التصنيف في حالة البيئات البحرية أنواع العناصر الكيميائية المذابة في ماء الحبر والأيونات الأكثر شيوعاً لتلك العناصر وهي: الكلوريد (CL-) والماغنسيوم (Mg2+) والصوديوم (Na+) والكبريت (على هيئة كبريتات So42-) والبوتاسيوم (K+) والكربونات (co32-) والكالسيوم ( (Ca2+. كما يتواجد في في ماء البحر مكونان رئيسيان لبعض الصخور الرسوبية ولكن بكميات ضئيلة هما السيليكا ( (Sio2 والفسفور. وتمثل الكائنات الحية المكون الأساسي في الرواسب الكميائية الحيوية. وتساهم أصداف الكائنات الحية المترسبة بعمليات كيمائية حيوية في تكوين الكثير من الرواسب الكربوناتية في العالم، حيث إن الكربونات هي أكثر الرواسب غير الفتاتية في العالم انتشاراً. وقد تترسب الرواسب الكيميائية بعمليات كيمائية فقط، ولكنها أقل انتشاراً نسبياً.
1- الرواسب والصخور الرسوبية الكربوناتية : الحجر الجيري وحجر الدولوميت
تتكون الرواسب والصخور الرسوبية الكربوناتية carbonate sediments and sedimentary rocks من تراكم معادن كربونات تكونت عضوياً أو بطريقة غير عضوية. وقد تتكون المعادن أثناء عملية الترسيب أو عمليات ما بعد الترسيب. وقد تتكون من كربونات كالسيوم أو كربونات كالسيوم وماغنسيوم. ويرجع انتشار الصخور الكربوناتية إلى وجود كميات كبيرة من الكالسيوم والبيكربوانات في مياه البحار، وتستمد الكربونات من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى الكالسيوم من الحجر الجيري السهل التجوية على القارات.
وتتكون معظم الرواسب الكربوناتية في البيئات البحرية الضحلة من فتات عضوي أفرزته الكائنات العضوية بطريقة كيميائية حيوية كأصداف لها. وتعيش تلك الكائنات العضوية بالقرب من سطح الماء في المحيطات أو على قاع المحيطات ثم تكسرت أصدافها بعد موتها ونقلتها التيارات البحرية. وتتواجد هذه الرواسب في الشعاب المرجانية coral reefs في المحيط الهادئ، أو ملاصقة للشواطئ الضحلة لجزر البهاما. وبخلاف هذه المناطق الخلابة، فإن هذه الرواسب تنتشر في قيعان المحيطات العميقة، وهي الأماكن التي تترسب فيها معظم الكربونات حالياً. إلا أنها من العمق بحيث يصعب الوصول إليها لدراستها.
الرواسب الكربوناتية العضوية: تتكون معظم الرواسب الكربوناتية في المحيط من الكالسيت المكون للأصداف وهياكل الفورامينيفرا Foraminifera، وهى كائنات بحرية وحيدة الخلية تعيش في المياه السطحية، بالإضافة إلي الكائنات الحية الأخرى التي تفرز كربونات الكالسيوم الذي استخرجه من مياه البحار. وعندما تموت الكائنات الحية فإن أصدافها وهياكلها تستقر وتتراكم على قاع المحيط لتكون رواسب. وتحتوي معظم الرواسب الكربوناتية على معدن الأراجونيت بالإضافة إلي الكاليست، وهو شكل أقل استقرارا من الكاليست. وكما هو معروف، فإن بعض الكائنات الحية تكون هياكلها من الكاليست بينما تكون الأخرى من الأراجونيت، بينما يتكون بعضها من كليهما.
وتبني الشعاب reefsهضابا صلبة ملتحة صغيرة من الهياكل الكربوناتية لملايين الكائنات الحية، أو تراكيب عضوية تشبه الحيود، تقوم الأمواج وترتفع إلي أعلى حتى سطح البحر أو فوقه قليلاً (شكل 7 – 11). وتبني المراجين corals معظم الشعاب من كربونات الكالسيوم في البحار الدافئة في عالم اليوم. وهى تراكيب صلبة تختلف عن الرواسب المتراكمة في صورة لينة في بيئات أخرى. ويتكون الحجر الجيري الصلب في الشعاب مباشرة بفعل الكائنات الحية، حيث لا توجد مرحلة انتقالية بينه وبين الراسب اللين. ويعيش فوق تلك الشعاب وحولها مئات من أنواع الكائنات الحية الأخرى المكونة للكربونات، مثل القواقع والمحاريات التي تعيش قرب خطوط الشواطيء الحالية. كما تكون الطحالب البحرية الكربونات أيضا، وهى كائنات حية وحيدة الخلية تشبة النباتات البدائية والتي تنمو على الشعاب وفي بيئات كربوناتية أخرى.
رواسب الكربونات غير العضوية: كان يعتقد حتى وقت قريب أن كل كربونات الكالسيوم أصلها عضوي، ولا يتكون مباشرة من ماء البحر. ولكن أوضحت البحوث التي أجريت على البحيرات الشاطئية (اللاجونات lagoons وهى بحيرات مالحة ضحلة تجاور البحر وقد تتصل به) وعلى المنحدرات الصاعدة في جزر البهاما أن جزءا كبيرا من الطين الكربوناتي في هذه المناطق الضحلة قد ترسب لا عضوياً، بشكل مباشر من ماء البحر. والأساس الكيميائي لترسيب الكربونات لا عضوياً هو توافر أيونات الكالسيوم (ca2+) والبيكربونات ) HCO3) بدرجة كافية في ماء البحر. ويتوافر ذلك بصفة خاصة في المناطق الاستوائية الدافئة من المحيطات، ويترسب الكربونات نتيجة التفاعل الكيميائي التالي:
Ca2+ + 2HCO3 - CaCO3 + H2CO3
أيون الكالسيوم + أيون بيكربونات (مذاب) - كربونات الكالسيوم (ترسيب) + حمض كربونيك (مذاب)
وعندما تفرز الكائنات العضوية الحية الأصداف الكربوناتية، فإنها تعتمد على التفاعل الكيميائي نفسه ولكن بوسائل كيميائية حيوية.
رواسب الكربونات من أصل مختلط: تتكون بعض الرواسب الكربوناتية من رواسب الطين الكربوناتي دقيقة التحبب، والتي نشأت من أصل مختلط (عضوي وغير عضوي)، حيث تتكون هذه الرواسب من كسرات ميكروسكوبية الحجم من الأصداف والطحالب الجيرية، ومعها رواسب غير عضوية.
وتمثل الأرصفة الكربوناتية carbonate platforms بيئات كربوناتية أخرى في كل من العصور الجيولوجية القديمة والحديثة، مثل شواطيء جزر الهياما. وهذه الأرصفة عبارة عن مساحات مستوية ممتدة وضحلة، حيث يتم ترسيب كل من الكربونات الحيوية وغير الحيوية. ويوجد تحت مستوى الرصيف منحدرات كربوناتية، وهى منحدرات لطيفة نتيجة ناحية المياه العميقة وتتراكم عليها رواسب كربوناتية معظمها دقيقة التحبب.
وفيما يلي وصف لأكثر الصخور الكربوناتية شيوعا: الحجر الجيري وهو أكثر الصخور الرسوبية المتكونة بالعمليات الكيميائية الحيوية شيوعا. ويتكون الحجر الجيري limestone أساسا من كربونات الكالسيوم (CaCO3) في صورة معدن الكالسيت.
وهناك نوع من الحجر الجيري يسمى كوكينا coquina (شكل 7 – 12) يتكون من تلاحم أصداف تراكمت على القاع الضحل للبحر بالقرب من الشاطيء. وتتميز هذا الصخر بنسيج فتاتي، ويكون عادة خشن الحبيبات حيث يمكن تمييز الأصداف وفتاتها. أما الطباشير chalk فهو نوع من الحجر الجيري الفتاتي العضوي فاتح اللون مسامي ودقيق الحبيبات، ويتكون من تراكم هياكل كائنات حية ميكروسكوبية بحرية على قاع البحر.
والحجر الجيري السرئي (البطروخي) oolitic limestone هو نوع من الحجر الجيري غير العضوي يتكون نتيجة تلاحم سرئيات oolites وهى كرات صغيرة في حجم حبيبات الرمل (0.062- 2مم)، وتتكون من الكالسيت غير العضوي الذي ترسب فيماء بحر ضحل دافيء. وتعمل تيارات المد والجزر القوية على دحرجة السرئيات للأمام والخلف يوميا، مما يعمل على ثبات شكلها الكروي أثناء نموها. وقد يساهم تأثير الأمواج في نمو السرئيات (البطروخيات). أما التوفا tufa والترافرتين travertine فهى أحجار جيرية غير عضوية تتميز بنسيج متبلور، وتتكون بترسيب كربونات الكالسيوم من ماء عذب. وتترسب التوفا من محلول مائي يخرج من ينبوع أو بحيرة فوق اليابسة. وقد يتكون الترافرتين في الكهوف عندما تفقد قطرات صغيرة من الماء الغني بالبيكربونات المذابة ثاني أكسيد الكربون نتيجة انخفاض الضغط داخل الكهف.
حجر الدولوميت: وهو من الصخور الجيرية الشائعة أيضا، ويتكون من معدن الدولوميت الذي هو عبارة عن كربونات الكالسيوم والماغنسيوم CaMg(CO)3(جدول 7 – 3). وأحجار الدولوميت dolostones أحد رواسب الكربونات والحجر الجيري التي تعرضت لعميات ما بعد الترسيب. ولا يتكون معدن الدولوميت بالترسيب المبتشر من مياه البحر العادية، أي كراسب أولى. كما أنه لا توجد كائنات حية تفرز أصدافاً مكونة من معدن الدولوميت. وبدلاً من ذلك، يتحول الكالسيت أو الأراجونيت المتكون أصلاً في الرواسب الكربوناتيةإلي دولوميت مباشرة بعد الترسيب نتيجة إحلال أيونات الكالسيوم بأيونات ماغنسيوم من ماء البحر الذي يتخلل ببطء مسام الرواسب.
Mg2+ 2CaCO3 - CaMg(CO3)2 +Ca2+
أيون ماغنسيوم + كالسيت - دولوميت + أيون كالسيوم
وعند مقارنة التراكيب الرسوبية والتركيب المعدني وأنسجة الرواسب الكربوناتية المتكونة حاليا بتلك الموجودة في الأحجار الجيرية وأحجار الدولوميت القديمة، يمكن معرفة كيف تكونت الصخور القديمة.
2 – الرواسب والصخور الرسوبية التبخرية تتكون الرواسب والصخور الرسوبية التبخرية evaporate sediments and sedimentary rock لا عضويا، من تبخر ماء البحر أو ماء البحيرات المتواجدة في المناطق الجافة القاحلة، والتي لا يغذيها تدفق نهري من الخارج.
المتبخرات البحرية: المتبخرات البحرية marine eveporites هى رواسب وصخور رسوبية كيميائية تكونت نتيجة تبخر ماء البحر. وتحتوي هذه الرواسب والصخور بصفة أساسية على معادن تكونت نتيجة تبلور كلوريد الصوديوم المعروف باسم معدن الهاليت (شكل 7 – 13 أ)، وكبريتات الكالسيوم (الجبس والأنهيدريت) شكل (7 – 13 ب) واتحاد أيونات أخرى شائعة في ماء البحر. ويصبح ماء البحر أكثر تركيزاً كلما زادت عملية البخر، مما يؤدي إلي تبلور المعادن في تتابع معين. وتتكون بعض المعادن نتيجة الترسيب المباشر (رواسب أولية) بينما تتكون معادن أخرى نتيجة تفاعلات ما بعد الترسيب. ويتغير تركيب ماء البحر باستمرار نتيجة تبخر ماء البحر وترسيب الأيونات الذائبة المكونة لتلك المعادن.
ويوضح الحجم الضخم للمتبخرات البحرية والتي يبلغ سمكها أحيانا بضع مئات من الأمتار، أنها لا يمكن أن تتكون من الكمية الصغيرة من المياه المتواجدة في شرم ضحل أو بركة. لذلك فإن كمية ضخمة من ماء البحر لابد أن تكون تبخرت. والطريقة التي تتبخر بها كميات ضخمة من ماء البحر تكون واضحة في الأشرم أو أذرع البحر التي تتوافر فيها ثلاثة شروط (شكل 7 - 14) وهى قلة الماء العذب المتدفق من الأنهار والاتصال المحدود بالبحر المفتوح والمناخ الجاف.
وفي مثل هذه المواقع يتبخر الماء باضطراد، بينما تسمح فتحات لماء البحر بالتدفق لتعويض الماء المتبخر من الشرم. ونتيجة لذلك، تبقى هذه المياه عند حجم ثابت، ولكنها تكون أكثر ملوحة من المحيط المفتوح. وتبقى مياه الشرم فوق مشبعة باستمراروترسب باضطراد معادن تبخرية على قاع الحوض الذي تتم فيه عملية التبخر.
ومعادن الكربونات هى أول الرواسب التي تتكون عندما يبدأ ماء البحر في التبخر، حيث يترسب الكالسيت أولاً، يليه الدولوميت نتيجة لتفاعلات ما بعد الترسيب. ويؤدي التبخر المستمر إلي ترسيب الجبس gypsum، (كبريتات الكالسيوم CaSO4 .2H2O ) (شكل 7 – 13 ب و7 – 14)، والجبس هو المكون الرئيسي للجص plaster. وباستمرار التبخر، يبدأ معدن الهاليت halite(NaCl) في التبلور، وهو واحد من الرواسب الكيميائية التي تتكون من تبخر ماء البحر (انظر شكل 7 – 13 أو 7 – 14). والهاليت هو ملح الطعام المستخدم في حياتنا اليومية. وفي المراحل النهائية من التبخر، وبعد تكون كلوريد الصوديوم، تترسب كلوريدات وكبريتات الماغنسيوم والبوتاسيوم.
وقد درس هذا التتابع الترسيبي معملياً، ووجد أنه يتفق مع تتابع الطبقات الموجود في بعض متكونات الملح الطبيعية. وتتكون معظم رواسب المتبخرات في العالم من تتابعات سميكة من الدولوميت والجبس والهاليت، ولكنها لا تحتوي على رواسب المرحلة النهائية. وقد لا تصل بعض التتابعات الأخرى إلي تكون معدن الهاليت. ويدل غياب المراحل النهائية على أن ماء البحر لم يتبخر كلية، بسبب تعويض الماء المتبخر بمياه بحر عادية مع استمرار عملية التبخر.
المتبخرات غير البحرية: تتكون رواسب المتبخرات أيضا في بحيرات المناطق الجافة (القاحلة)، التي يدخل إليها قليل من المياه العذبة أو ربما لا تدخل إليها أي مياه عذبة على الإطلاق. وفي مثل هذه البحيرات، يتحكم التبخر في مستوى البحيرة، وتتراكم الأملاح المستمدة من التجوية الكيميائية للصخور. ومن الأمثلة المعروفة في العالم لمثل هذه البحيرات بحيرة قارون (بركة قارون) وهى البحيرة الوحيدة المالحة والدائمة والمغلفة في مصر، حيث تقع في الصحراء الغربية في أعمق نقطة من منخفض الفيوم، جنوب غرب القاهرة. وتغطي البحيرة مساحة 240كم2، وهى بحيرة ضحلة يتراوح عمق الماء في معظم أجزائها ما بين 2 – 5م، ويصل ارتفاع سطح الماء نحو 45م تحت مستوى سطح البحر. وتتأثر البحيرة بعمليتين أساسيتين هما دخول الماء عن طريق مصرفين ومعدل التبخر العالي، حيث إنها لا تتلقى الماء من النيل مباشرة. ويتراوح المعدل السنوي لدرجة ملوحة ماء البحيرة بين 39.7 و42.3جم|لتر.
وفي المناطق الجافة (القاحلة)، قد تتجمع في بعض البحيرات الصغيرة أملاح غير عادية، مثل أملاح البورات (مركبات لعنصر البورون)، وتصبح المياه أكثر قلوية. ويكون الماء في هذا النوع من البحيرات ساما. كما تكون هذه البحيرات مصادر مهمة لبعض الرواسب المعدنية الاقتصادية مثل البورات والنيترات.
يعتبر التشرت chert من أول الصخور الرسوبية التي استخدمها القدماء في الأغراض العملية. ويتكون التشرت من سيليكا (sio2) مترسبة نتيجة عمليات كيميائية أو كيميائية حيوية. وهو يتميز بصلادته الشديدة وإمكانية تهذيبه وتشكيله، ولذا فقد استخدمه الصيادون القدماء في صناعة أدوات الصيد وخاصة السهام. وللتشرت اسم شائع هو الصوان flint. وتوجد السيليكا في معظم التشرت في شكل كوارتز دقيق التبلور للغاية (خفي التبلور cryptocrystalline). وتكون السيليكا في التشرت الحديث أقل في درجة التبلور (عديمة التبلور) لتكون ما يعرف بالأوبال opal، وهومثل الكوارتز يتكون من ثاني أكسيد السيليكون ولكن يحتوي على نسبة متغيرة من الماء (sio2 n H2O). وتترسب السيليكا أيضا بطريقة كيميائية حيوية، مثل كربونات الكالسيوم، حيث تفرز الكائنات الحية التي تعيش في المحيط السيليكات على هيئة أصداف. وعندما تموت هذه الأحياء، فإنها تغوص إلي قاع المحيط العميق حيث تتراكم أصدافها على هيئة طبقات من راسب السيليكا. وبعد دفن هذه الرواسب السيليكية تحت رواسب أخرى أحدث، فإن مكوناتها تتلاحم نتيجة عمليات ما بعد الترسيب (الكبس) لتكون التشرت. كما يتواجد التشرت أيضا في هيئة عقيدات nodules (العقيدة هى كتلة مدورة أو منتظمة دون تركيب داخلي معين) وكتل غير منتظمة نتيجة عمليات ما بعد الترسيب وإحلال الكربونات في الحجر الجيري والدلوميت.
4 – تكوين الرواسب بعمليات ما بعد الترسيب: فوسفوريت الفوسفوريت أحد الرواسب الكيميائية والكيميائية الحيوية التي تترسب في البحر. ويسمى الفوسفوريت phosphorite أحيانا بصخر الفوسفات phosphate rock وهو يتكون من فوسفات الكالسيوم، التي ترسبت من ماء بحر غني في الفوسفات في أماكن على امتداد حواف القارات، حيث تصعد تيارات الماء العميق البارد، والمحتوية على الفوسفات بعمليات ما بعد الترسيب نتيجة التفاعل بين رواسب طينية أو بركاناتية والماء الغني بالفوسفات.
5 – رواسب أكسيد الحديد: مصدر لمتكون الحديد متكونات الحديد iron formations عبارة عن صخور رسوبية تحتوي عادة على أكثر من 15% حديد، في شكل أكاسيد وسيليكات وكربونات. وقد تكونت معظم هذه الصخور في فترة مبكرة من التاريخ الجيولوجي، حيث كانت نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي أقل من النسبة الحالية. ونتيجة لذلك، كان الحديد أسهل في الذوبان، حيث نقل الحديد الذائب إلي البحر وترسب.
6 – المادة العضوية مصدر للفحم والنفط والغاز تتكون الصخور الرسوبية العضوية organic sedimentary rocks كليا أو جزئيا من رواسب عضوية غنية بالكربون، تكونت نتيجة تحلل مكونات الكائنات التي كانت حية يوما ما ثم دفنت. والفحم عبارة عن صخر رسوبي تكون بطريقة كيميائية حيوية. وهو يتكون من كربون عضوي تكون نتيجة عمليات ما بعد الترسيب (الدفن) لنباتات المستنقعات.
والزيت الخام oil crude والغاز الطبيعي natural gas هى سوائل وغازات لا تصنف عادة مع الصخور الرسوبية، ولكن يمكن اعتبارها رواسب عضوية لأنها تتكون نتيجة عمليات ما بعد الترسيب لمادة عضوية في مسام الصخور الرسوبية. ويؤدي الدفن العميق للمادة العضوية والمترسبة أصلا مع رواسب غير عضوية لتحولها إلي سائل يهاجر إلي صخور أخرى مسامية، حيث يحبس فيها ويمنع من الوصول إلي سطح الأرض لوجود طبقة غير مسامية تقع فوق الطبقة الحاوية له. وغالبا ما يتواجد النفط والغاز في صخور الحجر الرملي لمساميتها ونفاذيتها العالية، وأيضا الحجر الجيري لاحتوائه على شروخ وفواصل.
التراكيب الرسوبية
تتكون كثير من التراكيب والتي يطلق عليها التراكيب الرسوبية sedimentary structures، والتي تعرف أيضا بالتراكيب الرسوبية الأولية primary sedimentary structures أثناء ترسيب الصخور الرسوبية او بعد ترسيبها بفترة قصيرة. وترجع أهمية هذه التراكيب إلي أنها تمد الجيولوجين بالأدلة عن كيفية نقل الراسب، ومكان أو بيئة ترسيبه. كما تساعد التراكيب الرسوبية في تحديد التتابع الستراتجرافي الصحيح للطبقات، حيث توجد أقدم طبقة عند قاع التتابع، وتكون الأحداث لأعلى عند قمته. ويساعد تحديد التتابع الاستراتجرافي في استنتاج وضع الصخور التي تصدعت أوطويت في المناطق النشطة تكتونيا.
ونعرض فيما يلي وصفا لبعض هذه التراكيب:
أ – التطبق
يعتبر التطبق stratification أو bedding صفة أو سمة مميزة للرواسب والصخور الرسوبية (شكل 7 – 15). وتدل الطبقات strata (مفردها طبقة stratum) المتوازية والمكونة من حبيبات مختلفة الحجم او التركيب،على وجود أسطح ترسيب متتالية تكونت وقت الترسيب. وتفضل الطبقات أسطح التطبق bedding planes، وهى أسطح منبسطة، تميل الصخور أن تنفصل على امتدادها. ويؤدي التغير في حجم الحبيبات أو تركيب الراسب إلي نشأة أسطح التطبق. وقد يؤدي توقف الترسيب إلي التطبق أيضا، حيث أن المادة الجديدة لا تكون مثل المادة القديمة تماما. وقد تكون الطبقات رقيقة، حين يكون سمكها سنتيمترات أو ميلليمترات وتسمي رقائق laminae، بينما قد يصل سمك الطبقات إلي أمتار. ويعكس سمك الطبقة استمرار عملية الترسيب. وعادة ما تكون الرواسب أفقية التطبق، إلا أن الصخور الرسوبية تحتوي أيضا على أنواع أخرى عديدة من التطبق، والتي لا تكون كلها أفقية.
ب - التطبق المتقاطع
يتكون التطبق المتقاطع cross - bedding من مجموعات من الطبقات المائلة الرقيقة(الرقائق) داخل طبقة صخرية أكبر (شكل 7 – 16)، والتي ترسبت بواسطة الرياح أو المياه، وتميل هذه الرقائق بزاويا قد تصل إلي 35 عن الأفقي. ويتكون هذا النوع من التطبق حينما تترسب الحبيبات بواسطة الرياح على المنحدرات الحادة للكثبان الرملية على اليابسة أو في الحواجز الرملية في الأنهار وعلى قاع المحيطات أو في الدلتاوات عند مصبات النهار. ويشيع التطبق المتقاطع في الحجر الرملي، كما يتواجد أيضا في الجرول وبعض الرواسب الكربوناتية. ويكون التطبق المتقاطع ظاهرا في الحجر الرملي عنه في الرمال المفككة.
ج - التطبق المتدرج
يتمثل التطبق المتدرج bedding graded في أن الحبيبات خشنة التحبب تتواجد عند قاعدة الطبقة، ثم يقل حجم الحبيبات تدريجيا كلما اتجهنا إلي أعلى الطبقة (شكل 7 – 17). ويعكس هذا التدرج في حجم الحبيبات تضاؤل سرعة التيار الذي أدي إلي الترسيب. ويتراوح سمك الطبقة المتدرجة والتي تحتوي على مجموعة واحدة من الطبقات الخشنة إلي الدقيقة من عدة سنتيمترات إلي عدة أمتار. وتترسب مجموعات الطبقات المتدرجة التي قد يبلغ سمكها الكلي عدة مئات من الأمتار في مياه المحيط العميقة بواسطة تيارات العكر turbidity currents التي تتحرك على قاع المحيط. ويساعد التطبق المتدرج في تعرف الطبقات المقلوبة.
د - علامات النيم
علامات النيم ribble marks عبارة عن كثبان صغيرة جدا من الرمل أو الغرين تنشأ على سطح الطبقات الرسوبية بحيث يكون امتدادها الطويل متعامدا على اتجاه التيار. وتتكون من سلسلة من التلال أو التموجات المنخفضة والضيقة التي قد يصل ارتفاعها إلي سنتيمتر أو اثنين تفصلها قيعان أكثر اتساعا. وتتواجد هذه العلامات على أسطح الرمال الحديثة، كما تتواجد أيضا على أسطح طبقات الحجر الرملي القديم (شكل 1 – 10). وكما أسلفنا فإنها ترى على أسطح الكثبان المتكونة من تذرية الرياح أو في الحواجز الرملية تحت الماء في مجاري المياه الضحلة أو تحت الأمواج الشاطئية. ويمكن التمييز بين علامات النيم المتماثلة symmetrical ripples وتسمى أيضا بعلامات نيم التأرجح، والتي تنشأ بفعل حركة الأمواج السطحية جيئة وذهابا على الشاطيء، وبين علامات النيم غير المتماثلة asymmetrical ripples والتي تتكون من التيارات التي تتحرك في اتجاه واحد فوق حواجز رملية في النهر، أو كثبان رملية تكونها الرياح (شكل 7 – 18). ويشير وجود هذه العلامات في الصخور الصلبة إلي اتجاه حركة الرياح أو تيارات الماء القديمة.
هـ - تراكيب التقليب الحيوي (الاضطراب الحيوي)
ينشأ تركيب التقليب الحيوي (الاضطراب الحيوي) bioturbation حينما تقوم الكائنات الحية مثل الديدان وغيرها بحفر مسالك أو أنفاق لها في طين ورمال رواسب قاع البحر. ويترتب على ذلك تغير في شكل أسطح الطباقية في عديد من الصخور الرسوبية، كما قد تخترق تلك الأنابيب الأسطوانية التي قد يبلغ قطرها عدة سنتيمترات أسطح الطباقية، وتمتد رأسيا خلال عدة طبقات (شكل 7 – 19). وتتغذي هذه الكائنات الحية على الرواسب حيث أنها تحتوي على قدر ضئيل من المواد العضوية وتخلف وراءها الرواسب التي تملأ تلك المسالك. وتستخدم تلك التراكيب في تعرف سلوك الكائنات الحية التي قامت بحفر المسالك خلال الرواسب، وبالتالي إعادة بناء البيئة الرسوبية.
و - تشققات الطين
تشققات الطين mud cracks هى نمط مضلع من التشققات، ينشأ في الرواسب دقيقة الحبيبات من تناوب فترات المطر الخفيف والجفاف (شكل 7 – 20 أ). ويحدث تشقق الطين أثناء فترات الجفاف. وحيث إن الجفاف يتطلب وجود الهواء، لذلك تتكون تشقاق الطين في رواسب قيعان البحيرات عندما تجف، أو في رواسب الفيضان عندما ينخفض مستوي النهر. وقد يتصخر الطين المتشقق ليكون صخر الطفل، الذي يحتفظ بالشقوق التي قد تملؤها الرمال الناعمة التي تذروها الرياح. كما تتميز أسطح الطين والرمال الناعمة بطبعات المطر rain prints (شكل 7 20 ب).
ز - التتابعات الطبقية
التتابعات الطبقية bedding sequences هى أنماط لتتابعات متداخلة interbedding مع بعضها بعضا من الحجر الرملي والطفل وأنواع أخرى من الصخور الرسوبية. وتساعد طبيعة هذه التتابعات الطبقية في استنتاج البيئات التي تكونت فيها هذه الرواسب. ويوضح شكل (7 – 21) دورة طميية، وهى دورة من تتابعات طبقية كونتها النهار. ويرسب النهر دورات متكررة من التتابعات الطبقية، والتي تتدرج فيها الرواسب عند القاعدة من طبقات خشنة الحبيبات ذات تطبق متقاطع كبير إلي طبقات أدق في حجم الحبيبات ذات تطبق متقاطع صغير، ثم إلي طبقات أفقية عند القمة. وتتكون هذه الرواسب عند حركة النهر جانبيا على قاع الوادي. كما يمكن استخدام تتابعات طبقية مميزة أخرى لمعرفة ظروف الترسيب عند خط الشاطيء وفي البحر العميق (وسنناقش هذه التتابعات في الفصل التاسع).
وترتبط التراكيب الرسوبية ببيئات الترسيب التي تكونت فيها. فالشكل الهندسي للتطبق المتقاطع في رمال الصحراء يعكس الاتجاه السائد للرياح أثناء الترسيب، بينما يقتصر وجود التطبق المتدرج على رواسب المنحدر القاري والبحر العميق. حيث يتم الترسيب بنوع خاص من تيارات القاع يسمي تيارات العكر. ولا يتواجد التطبق المتدرج تقريبا في بيئات خط الشاطيء الضحل.
V - بيئات الترسيب والسحنات الرسوبية
تعرف بيئة الترسيب depositional environment بأنها منطقة من الأرض محددة جغرافيا، تتميز بوجود مجموعة من العمليات الجيولوجية والظروف البيئية المميزة لها. وتتضمن هذه الظروف البيئية: • نوع وكمية الماء سواء كانت في محيط أو بحيرة أو نهر أو أرض قاحلة جافة. • التضاريس، سواء كانت أراض واطئة أي منخفضة lowland أو جبالا أو سهول ساحلية coastal plains أو محيطات قليلة العمق أو محيطات عميقة. • النشاط الحيوي: وتشمل العمليات الجيولوجية المؤثرة على بيئة الترسيب طبيعة التيارات التي تنقل وترسب الرواسب مثل الماء أو الريح أو الجليد، والأوضاع التكونية التي قد تؤثر على الترسيب ودفن الرواسب، ووجود نشاط بركاني. وهكذا، فإن البيئة الشاطئية مثلا، تجمع بين ديناميكية الأمواج التي تقترب وتتكسر على الشاطيء والتيارات الناتجة عنها وتوزيع الرواسب على الشاطيء.
وترتبط بيئات الترسيب بكل من تكتونية الألواح والمناخ، حيث ترتبط رواسب الطمي السميكة بالجبال المتكونة نتيجة تصادم القارات، كما توجد الخنادق العميقة في المحيطات عند نطاقات الاندساس. وتوجد بيئات ترسيب الطمي أيضا على امتداد حواف وديان الخسف rift valleys فوق القارات. أما بالنسبة للمناخ فإن بيئة الصحراء تحتم وجود مناخ جاف قاحل، بينما تحتاج البيئة الجليدية لمناخ بادر.
ويجب التنويه إلي أن بيئة الترسيب قد تكون موضعا للترسيب أو موضعا للتعرية. ويمكن القول بصفة عامة أن البيئات القارية (تحت الهوائية) تعد نموذجا لمناطق تسودها عمليات التعرية أساسا، بينما تمثل البيئات البحرية (تحتمائية) نموذجا لمناطق تسودها غالبا عمليات الترسيب. وهناك بعض البيئات الانتقالية التي تتحول من التعرية إلي الترسيب خلال فترة زمنية واحدة، مثل بيئة وديان الأنهار.
وقد كان تأثير الإنسان شديدا في بعض البيئات. حيث قام ببناء حواجز لصد الأمواج وحماية الشواطيء، مماأدي إلي تغير شكل الشواطيء كثيرا. كما تغيرت البيئات الجافة القاحلة إلي بيئات رطبة في داخل وحول بعض المدن مثل بعض مدن المملكة العربية السعودية، بسبب نقل المياه أو تحليتها لاستخدامها في زراعة الصحراء. كما قد تتوسع البيئات الصحراوية لتضم بيئات مجاورة لها أقل جفافا. كما قد تتغير بيئات المجاري المائية بسبب إنشاء السدود أو شق القنوات الصناعية. وقد يتغير التراكيب الكيميائية للمياه في البحيرات وشواطيء المحيطات نتيجة صرف المياه الملوثة فيها.
وتصنف بيئات الترسيب إلي بيئات قارية تقع فوق القارة، وبيئات خط الشاطيء وتقع بالقرب من الشواطيء، وبيئات بحرية وتقع في المحيطات (شكل 7 – 22 وجدول 7 -4).
وفيما يلي وصف لهذه البيئات:
أ - البيئات القارية
تتنوع بيئات الترسيب التي توجد على القارات، بتنوع درجات الحرارة وهطول الأمطار على سطح الأرض. وتتواجد البيئات القارية environments continental (تعرف أيضا بالبيئات الأرضية environments terrestrial ) حول الأنهار وفي الصحاري والبحيرات والمثالج.
وفيما يلي وصف مختصر لأنواع البيئات القارية المختلفة:
1 - البيئة النهرية environment fluvial وتعرف أيضا بالبيئة الطميية environment alluvial، وتشمل مجري النهر وحوافه ومسطح الوادي على جانبية، والذي يتغطي بالماء أثناء الفيضان. وحيث إن الأنهار توجد دائما على القارات، فإن الرواسب الطميية تنتشر على القارات. وتتواجد الكاءنات الحية بوفرة في رواسب الفيضان الطينية، ممايؤدي إلي تكون الرواسب العضوية. وتتراوح المناخات من الجاف إلي الرطب.
2 - البيئة الصحراوية environment desert وهى بيئة جافة وقاحلة. وتتكون الرواسب في هذه البيئة بفعل الرياح، بالإضافة لعمل الأنهار التي تفيض موسميا. وحيث إن المناخ الجاف القاحل يقلل من نمو الكائنات الحية، فإن تأثيرها يكون محدودا على الرواسب التي تتكون في هذه البيئة. وتشير الكثبان الرملية إلي بيئة رملية خاصة.
وتشمل البيئة الصحراوية بالإضافة للكثبان الرملية بحيرات البلايا والمراوح الطميية. أما بحيرات البلايا playa lakes فهي بحيرات دائمة أو مؤقتة تشغل الوديان أو الأحواض الجافة(القاحلة)، وعندما يتبخر ماؤها تصبح بلايا playas ، وهى طبقات مسطحة من الصلصال تغطيها أحيانا قشرة من الأملاح. أما المروحة الطميية alluvial fan فهى عبارة عن جسم من الرواسب الطميية التي تشبه المروحة، وتتكون عندما ينساب مجري مائي في واد شديد الانحدار يتحول فجأة إلي سهل طمييي أو واد مستو القاع، مما يؤدي إلي حدوث الترسيب.
3 - بيئة البحيرات lake environment وهى بيئة تتحكم فيها تيارات المياه العذبة أو المالحة، الضعيفة أو المتوسطة القوة داخل البحيرة. وقد تكون بحيرات المياه العذبة أماكن للترسيب الكيميائي لمواد عضوية وكربونات. أما البحيرات المالحة، مثل تلك التي توجد في الصحراء، فإنها تتبخر وترسب مجموعة متنوعة من معادن المتبخرات مثل الهاليت والجبس. 4 - البيئة الجليدية environment glacial وهى بيئة تتأثر بديناميكية حركة كتل الجليد، كما تتميز بالمناخ البارد ووجود الحياة النباتية والتي يكون تأثيرها محدود على الرواسب التي تتكون فيها. كما تتكون عند الحافة المنصهرة للمثلجة بيئة طميية انتقالية في مجاري الماء المنصهر.
ب - بيئات خط الشاطيء
تتميز بيئات خط الشاطيء shoreline environment بضحالتها وسيادة نشاط الأمواج، وحركات المد والجزر، وكذلك تأثير التيارات على الشواطيء الرملية. وقد تتواجد الكائنات الحية بوفرة في هذه المياه، ولكن لا يؤثر هذه الكائنات على ترسيب المواد الفتاتية إلا في المناطق التي توجد بها رواسب الكربونات بوفرة. وتتضمن بيئات خط الشاطيء: 1 - بيئة الدلتا environment deltaic وتكون عند التقاء الأنهار بالبحيرات أو البحار.
2 - بيئة مسطح المد والجزر environment tidal flat حيث تسود تيارات المد والجزر مساحات واسعة مكشوفة في وقت الجزر.
3- بيئة الشاطيء environment beach وتتميز بنشاط الأمواج القوية التي تقترب من الشاطيء وتتكسر علية، وتعمل على توزيع الرواسب على الشاطيء. وتترسب في هذه البيئات أشرطة من الرمل والحصى بفعل الأمواج.
4 - بيئة الخليج النهري (مصب النهر) estuary، وهى بيئة تنشأ عند مصب النهر.وتتكون هذه البيئة في المناطق الضحلة القريبة من الشاطيء، حيث يوجد مسطح مائي مغلق يصب فيه نهر، يعمل على تخفيض درجة ملوحة الماء داخل المسطح المائي بشكل تدريجي.
5 - بيئة البحيرات الشاطئية(اللاجون)، حيث يتكون اللاجون lagoon من منطقة مستطيلة ضحلة من البحر، تنفصل عنه بجزر حاجزة barrier islands.
ج - البيئات البحرية
تشمل البيئات البحرية environment marine عددا من البيئات الأصغر subenvironments. وتصنف البيئات البحرية عادة على أساس عمق المياه، كما تقسم أيضا بناءا على المسافة التي تفصلها عن اليابسة إلي البيئات التالية:
1 - بيئات الرف القاري environment continental shelf وتوجد في المياه الضحلة البعيدة عن الشواطيء القارية، حيث تتحكم التيارات المعتدلة نسبيا في عملية الترسيب. وقد تتكون رواسب فتاتية عند وجود مصدر للفتاتيات، أو كيميائية عند وجود كائنات حية ذات هيكل جيري، أو متبخرات عند وجود بخر كثيف للماء.
2 - بيئات الحافة القارية environment continental margin وتوجد في المياه العميقة عند حواف القارات، حيث تتكون الرواسب بفعل تيارات التعكر turbidity currents.
3- الشعاب العضوية organic reefs وتتكون من تراكيب كربوناتية قامت ببنائها الكائنات الحية التي تفرز الكربونات، على الرفوف القارية أو على الجزر المحيطية البركانية.
4- بيئات البحر العميق environment deep – sea وتضم كل قيعان المحيطات العميقة البعيدة عن القارات، حيث تعكر تيارات المحيط أحيانا المياه الهادئة. وتضم هذه البيئات الخنادق العميقة deep trenches في المحيطات، والتي تتواجد عند نطاق الاندساس، وحيود وسط المحيط mid – ocean ridges والتي تقع فوق حدود الألواح المتباعدة، وسهول الأعماق abyssal plains المسطحة، التي تكونت نتيجة تيارات التعكير التي تحركت بعيدا عن حواف القارات.
ويشير تعدد البيئات المتواجدة على سطح اليابسة إلي أن هناك عددا لا نهاية له من بيئات الترسيب، ولكن ليس هناك بيئتان متماثلتان تماما، كما تتداخل البيئات المختلفة مع بعضها البعض فوق سطح الأرض.
د - السحنات الرسوبية: تواجد مجموعة من البيئات الرسوبية مع بعضها البعض
تعكس التتابعات الطبقية الرأسية التغير في ظروف الترسيب عبر الزمن، بينما يعكس التغير الأفقي في مكونات الطبقة الواحدة التغير في بيئات الترسيب القديمة من موضع لآخر في الزمن نفسه. مثال: تترسب الرمال الخشنة قرب الشاطيء، كما تترسب الرواسب الكربوناتية في الأعماق الأكبر. وهكذا تترسب رواسب مختلفة النوعية، ولكنها متجاورة في وقت واحد (شكل 7 – 23). وتتميز كل وحدة من هذه الوحدات بمجموعة من الخصائص التي تعكس ظروف الترسيب، ويستخدم سحنات facies لوصف تلك المجموعات من الرواسب.
ويمكن تعريف السحنة الرسوبية sedimentary facies بأنها مجموعة الخصائص الصخرية والحيوية التي تميز أي راسب موجود في جزء محدود المساحة من وحدة رسوبية، ويمكن تمييزه عن خصائص غيره من الرواسب المزمنة له، التي ترسبت في بيئة رسوبية مختلفة. وتتميز السحنة بمجموعة من الخصائص مثل:حجم الحبيبات وشكلها، ولون الصخر وتركيبه المعدني والكيميائي، والتراكيب الرسوبية، والمحتوي الحفري.
وتتميز بيئات الترسيب بأنواع السحنات المتواجدة بها. فتكون معظم رواسب البيئات النهرية(الطميية) فتاتية، بينما تكون معظم رواسب الشعاب المرجانية وبيئات الرصيف القاري الكربوناتي ضحلة العمق رواسب كيميائية حيوية. ولذلك، فإن بعض الجيولوجيين يقسمون البيئات الرسوبية طبقا للمجموعة السائدة في الترسيب.
وعلى هذا الأساس، تصنف بيئات الترسيب عامة إلي مجموعتين رئيسيتين، هما: بيئات الترسيب الفتاتية، وبيئات الترسيب الكيميائية والكيميائية الحيوية.
V1 - الترسيب وتكتونية اللواح
تأتي الطاقة المؤثرة في عملية الترسيب أساساً، من مصدرين رئيسيين هما حرارة الأرض الداخلية والشمس. وتعمل الطاقة الحرارية في الأرض، والتي تعتبر المصدر الأساسي للطاقة في تكتونية الألواح، على تحريك الغلاف الصخري وكذلك رفع الأرض. وينتقل الراسب الناتج عن عملية تجوية وتعرية الصخور الموجودة في المناطق العالية عبر المنحدرات إلي البحر، ثم في النهاية إلي المحيط تحت تأثير الجاذبية الأرضية. وتعتبر المجاري المائية والمثالج وأمواج وتيارات المحيط عوامل نقل رئيسية للرواسب، وهى جزء من الدورة المائية التي تستمد طاقتها من الإشعاع الشمسي.
وتكون معدلات الترسيب عالية بالقرب من المناطق العالية والنشطة تكتونيا، بينما تقل هذه المعدلات كثيرا في المناطق الداخلية من القارات الثابتة نسبيا، كما تكون أقل كثيرا في البحار العميقة التي تكون بعيدة عن مصادر الرواسب الأرضية. وفي المناطق النشطة تكتونيا، تزيد معدلات الرفع عن معدلات التعرية، مما يجعل سلاسل الجبال المرتفعة ملامح بارزة على سطح الأرض. وتوضح الصخور الرسوبية البحرية المنكشفة عند قمة جبل إفرست في سلسلة جبال الهيمالايا أن هذه الرواسب رفعت نحو 9كم على الأقل بعد ترسيها منذ نحو 100مليون سنة مضت في بحر ضحل. وهذا يؤكد أن الرواسب القديمة التي ترسبت على قاع المحيط قد تحولت إلي صخور أضيفت إلي القارة ورفعتها القوى التكتونية.
وتوجد تراكمات طبقية سميكة للغاية في مواضع تكتونية معينة على الألواح، فيؤدي مثلا انشطار القارات عند مراكز الانتشار (الحدود المتباعدة) إلي تراكم أوتاد رسوبية sedimentary wedges على امتداد الحواف القارية الجديدة نتيجة نقل الرواسب بواسطة المجاري المائية إلي حوض المحيط المستمر في النمو والتزايد. وتمثل حافة المحيط الأطلنطي عند أمريكا الشمالية مثالا لهذه العملية (شكل 7-24 أ). ويتكون جزء كبير من الطبقات السميكة المتراكمة تحت الرف القاري من صخور رسوبية بحرية ضحلة، مما يدل على أن هذا الوتد الرسوبي قد هبط ببطء أثناء عملية التراكم.
كما قد تتراكم الرواسب بالمجاري المائية من سلسلة جبال صاعدة في أحواض ترسيب مجاورة لنطاقات تصادم القارات continental collision zones (شكل 7 – 24 ب). وتمثل سلسلة قوس جبال الهيمالايا – هندوكوش Himalaya – Hindu kush mountain arc في جنوب ووسط آسيا مثالا واضحا لذلك.
وتتساقط الرواسب في الخنادق المحيطة على امتداد نطاقات الاندساس subduction zones النشطة بالقرب من الحواف القارية وتتراكم بمعدلات عالية لتتكون تتابعات سميكة، كما هو الحال على امتداد الحافة الغربية لأمريكا الجنوبية(شكل 7 – 24 ج). وتشمل الرواسب الفتاتية المتراكمة نسبة عالية من الفتات البركاني، حيث تكون البراكين عادة مصاحبة لتلك الأحزمة التكتونية. وعندما يقترب اللوح المحيطي ببطء من الحافة القارية، تحشر الرواسب وتسحق على امتداد القارة وتصبح جزءا من القارة. ويعاد تدوير الرواسب بهذه الطريقة من القارة إلي المحيط، ثم مرة أخرى إلي القارة، حيث يسبب الرفع المستمر بدء العملية من جديد وتكرار هذه الدورة.
الفصل الثامن: الصخور المتحولة: صخور جديدة من أخرى سابقة
نشاهد في حياتنا اليومية كيف تؤثر درجة الحرارة على المواد المختلفة. فاللحم المشوي يحتوي على مواد كيميائية مختلفة تماما عن تلك الموجودة في اللحم النيء. كما أن الطهي في قدورة الضغط لا يؤثر على الطعام بالحرارة فقط، ولكن بالضغط أيضا. وبطريقة مماثلة، فإن درجات الحرارة والضغط المرتفعين في أعماق القشرة الأرضية تؤدي إلي تحول الصخور، ولكنها لا تكون مرتفعة بدرجة تكفي لانصهار الصخور.
ويؤدي الارتفاع في درجات الحرارة والضغط والتغير في البيئة الكيميائية إلي تغير التركيب المعدني وأنسجة تبلور الصخور الرسوبية والنارية، على الرغم من بقاء تلك الصخور في الحالة الصلبة طوال عملية التحول، وتسمى الصخور المتكونة بالصخور المتحولة. ويحدث التحول في شكل الصخر، بسبب حدوث تغيرات في التركيب المعدني أو النسيج أو التركيب الكيميائي أو في الثلاثةمعا. فمثلاً، قد يتحول صخر الحجر الجيري الغني بالحفريات إلي صخر رخام أبيض لا يوجد به أي أثر للحفريات. وقد يبقى صخر ما مكون أصلاً من بلورات صغيرة من الكالسيت، ولكن قد يحدث التغير في النسيج بدرجة كبيرة حيث يتكون صخر به بلورات كبيرة متداخلة. وقد يتغير الطفل وهو صخر جيد التطبق دقيق التحبب لدرجة أنه لا يمكن رؤية حبيبات المعدن بالعين المجردة، إلي شكل ينطمس فيه التطبق وتتكون بلورات كبيرة من الميكا تتلألأ في ضوء الشمس. وفي هذا التحول، يتغير التركيب المعدني والنسيج كلية، بينما يبقى التركيب الكيميائي العام للصخر دون تغير. وقد تتغير بعض الصخور من خلال تغير التركيب المعدني والنسيج والتركيب الكيميائي، حيث يحدث التغير بالحرارة والسوائل المستمدة من النشاط الناري. ويتناول هذا الفصل أسباب التحول وأنواعه، وأصل الأنسجة المختلفة التي تميز الصخور المتحولة، والعلاقة بين التحول وتكتونية الألواح.
حدود التحول
قبل مناقشة عملية التحول بالتفصيل، يتحتم أن نعين حدود عملية التحول. حيث يصف التحول كل التغيرات التي تحدث في التركيب المعدني ونسيج الصخور الرسوبية والمتحولة التي تعرضت لدرجات حرارة أعلى من 200م، وضغوط أعلى من 300ميجاباكسال (الضغط الناتج عن عدة آلاف من الأمتار بسبب الصخور التي تعلوها، ووحدة الضغط هى الباسكال، وللسهولة يستخدم أحيانا 1 مليون باسكال – ميجا باسكال أو mpa كوحدة). ولا يشمل التحول التغيرات التي تحدث نتيجة التجوية أو عمليات ما بعد الترسيب لأن كلاُ من التجوية وعمليات ما بعد الترسيب تحدثان عند درجات حرارة أقل من 200 وضغط أقل من 300ميجاباكسال.
وهناك بالطبع حد أعلى للتحول، يحتم ضرورة أن يحدث التحول والصخور في الحالة الصلبة. أما إذا ارتفعت درجات الحرارة إلي مستويات أعلى، فإنه يحدث انصهار جزئي للصخور وتكون صخور نارية. ويكون الحد الأعلى للتحول في القشرة عند درجة حرارة نحو 900م. ويمثل هذا الحد بداية الانصهار الجزئي الرطب للصخور، حيث تحتوي معظم الصخور على كمية قليلة من الماء (شكل 8 – 1).وتتحكم نوعية الصخور المنصهرة وكمية الماء في درجة الحرارة التي يبدأ عندها الانصهار الجزئي، وكذلك في كمية الصهارة التي يمكن أن تتكون من الصخر المتحول. ولذلك تبقي بعض أنواع الصخور في الحالة الصلبة عند 900 او حتى أكثر، وعندما توجد كمية صغيرة من الماء فإنه يحدث انصهار لكمية صغيرة من الصخور، ويبقى الصهير محبوسا مثل جيوب صغيرة في الصخر المتحول.
وعندما تتكون كميات كبيرة من الصهارة نتيجة الانصهار الجزئي، فإنها تصعد إلي أعلى وتتداخل في الصخور المتحولة التي تعلوها وتتصلب لتكون صخرا ناريا متداخلا. ولذلك، فإن الباثوليثات المكونة من صخر الجرانيت تتواجد بجوار أجسام ضخمة من الصخور المتحولة والتي ترتبط معا. وتوجد هذه التجمعات من الصخور النارية والمتحولة على امتداد نطاقات الاندساس أو عند حواف الألواح التكتونية المتصادمة.
وهكذا، يستخدم مصطلح التحول (مشتق منmeta بمعنى تغير و morphe بمعنى شكل) لوصف كل التغيرات التي تحدث في التركيب المعدني ونسيج الصخر وهما في الحالة الصلبة في القشرة الأرضية، بسبب التغير في درجة الحرارة والضغط، واللذان يكونان أعلى من تلك الموجودة عند السطح، ولكنهما أقل من درجة الحرارة التي تنصهر عندها تلك الصخور.
وتضم المعادن السيليكاتية والتي تميز التحول – أي يدل وجودها على أن الصخر قد تعرض للتحول – ثلاثة معادن متعددة الشكل لسيليكات اللومنيوم هى: الكيانيت والندالوسيت والسيليمانيت، بالإضافة إلي معادن البيروفيليت والاشتوروليت والإبيدوت. وهناك بعض المعادن الأخرى التي تشيع في الصخور المتحولة، وتكون موجودة أيضا في بعض الصخور النارية، مثل الجارنت والكوارتز والمسكوفيت والأمفيبول والفلسبار. ويشير التحول منخفض الرتبة إلي عمليات تحول تحدث عند درجات حرارة تتراوح بين نحو 200م و320م وعند ضغوط منخفضه نسبيا. بينما يشير التحول عالي الرتبة إلي عمليات تحول عند درجة حرارة أعلى من نحو 550م وضغط عالي.
وقد تتعرض بعض الصخور المتحولة أثناء تكونها لدرجات حرارة عالية وضغط مرتفع، فيحدث تحول عالى الرتبة، ثم تعرض تلك الصخور المتحولة فيما بعد لضغوط وحرارة أقل فتتحول مرة أخرى تحت الظروف الجديدة، من صخور متحولة عالية الرتبة إلي صخور متحولة منخفضة الرتبة في عملية تعرف بالتحول التراجعي .
ويحدث معظم التحول في القشرة الأرضية وحتى الحد الفاصل بين القشرة والوشاح. بالإضافة إلي ذلك، فإن التحول يمكن أن يحدث عند سطح الأرض. حيث تحدث تغيرات التحول في سطح التربة والرواسب المخبوزة المتواجدة مباشرة أسفل فيوض اللابة البركانية، بتأثير الحرارة الناشئة عن ملامسة اللابة.
العوامل الطبيعية والكيميائية التي تتحكم في عملية التحول
تؤدي تغيرات التحول إلي أن يدخل صخر ما في اتزان مع ظروف جديدة مغايرة للظروف التي تنشأ فيها. فالصخر الرسوبي الذي تكون من عمليات ما بعد الترسيب، يكون في اتزان مع المتوسط العام للضغط ودرجة الحرارة الناشئتين عن دفن الرواسب على عمق كيلومترات قليلة. وقد يتكون هذا الصخر أثناء عملية التجبل (بناء الجبال) والتي يتم فيها دفن الصخر الرسوبي على عمق أكبر ويتعرض إلي درجة حرارة تزيد عن 500، وبعد مرور وقت كاف –عادة مليون سنة أو أكثر- يتغير التركيب المعدني ونسيج الصخر بحيث يدخل الصخر في اتزان مع درجات الحرارة والضغوط الجديدة. وكلما زاد العمق، زادت بالتالي درجات الحرارة في القشرة، كانت تغيرات التحول أسرع.
أ - درجة الحرارة
للحرارة تأثير كبير على التركيب المعدني ونسيج الصخر، حيث تعمل الحرارة على كسر الروابط الكيميائية، كما تغير البنية البلورية الموجودة في الصخور النارية. وعندما يتكيف الصخر مع درجة الحرارة الجديدة، فإن الذرات والأيونات يعاد تبلورها، حيث ترتبط في ترتيبات جديدة لتكون تجمعات معدنية جديدة. وتنمو العديد من البلورات الجديدة إلي حجم أكبر من ذلك الذي كان في الصخر الأصلي. وقد يصبح الصخر شريطيا نتيجة تجمع المكونات المختلفة في مستويات منفصلة. ومن المعروف أن المعادن المختلفة تتبلور وتبقى مستقرة عند درجات الحرارة المختلفة، ويرجع التغير في درجات حرارة الصخور إلي أسباب عديدة، نذكر منها:
1 – التدخل الصهاري بالقرب من المنطقة التي يحدث بها التحول، حيث تفقد الصهارة حرارتها أثناء التبلور، وتنتقل الحرارة إلي الصخور المحيطة.
2 - تدرج حرارة الأرض وهو معدل زيادة درجة حرارة الأرض مع العمق، والذي يختلف من منطقة للأخرى.
3 - الاضمحلال الإشعاعي للعناصر المشعة الموجودة في بعض معادن الصخور النارية، أو بعض العناصر المشعة التي استخلصتها الرواسب من ماء البحر.
4 - الحرارة المنبعثة من الأعماق خلال الوشاح عن طريق خلال الحمل الدوراني، والتي تشمل: التيار الصاعد للمواد الباردة.
5 - الاحتكاك الذي يحدث أثناء تشوه الصخور، خاصة على امتداد الصدوع، ويكون المصدر الحراري في هذه الحالة قليلا.
ب -الضغط
يعمل الضغط على تغيير نسيج الصخر وتركيبه المعدني. ويتعرض الصخر الصلب إلي نوعين أساسيين من الضغط (شكل 8 – 2)، والذي يسمي إجهادا: • ضغط حابس ويسمى أيضا بضغط الحمل، وهو ضغط عام في كل الاتجاهات، مثل الضغط الذي يؤثر به الغلاف الجوي على سطح الأرض، أو الضغط الذي يؤثر على الغواصين في المياه العميقة. ويغير المستويات العالية من الضغط الحابس التركيب المعدني، عن طريق ضغط الذرات مع بعضها بعضا لتكون معادن جديدة لها بنية بلورية أكثر كثافة. • ضغط موجه يؤثر في اتجاه معين فقط، مثلما نضغط على كرة من الصلصال بين إبهام اليد والسبابة. وتؤدي حركات الألواح المتقاربة إلي نشأة الضغط الموجة، الذي يؤدي إلي تشوه الصخور. وحيث إن الحرارة تقلل من قوة الصخور، فإن الضغط الموجه يسبب طيا شديدا وتشوها للصخور المتحولة في أحزمة بناء الجبال، حيث تكون درجات الحرارة مرتفعة ويعرف الضغط الموجة أيضا بالإجهاد المتباين أو الإجهاد التضاغطي.
واعتمادا على نوع الإجهاد الموجه للصخور، يتم ضغط المعادن المتحولة أو استطالتها، أو دورانها لتترتب في اتجاه معين. وهكذا يؤدي الضغط الموجه إلي إعادة ترتيب البلورات المتحولة الجديدة المتكونة أثناء إعادة تبلور المعادن في مستويات معينة تحت تأثير الحرارة والضغط. وأثناء إعادة تبلور الميكا مثلا، تنمو البلورات وتتراص مستويات الصفائح في البنية السيليكاتية عموديا على الضغط الموجه. وتترتب المعادن المستطيلة مثل الأمفيبولات خطيا في مستويات عمودية على الإجهاد الموجه. ويمكن أن نستخدم المعلومات المستمدة من التجارب المعملية عن تغيرات التركيب المعدني والنسيج في التعريف على الضغوط التي كانت تسود في منطقة ما أثناء التحول. وهكذا يمكن استخدام التجمع المعدني في تقدير الضغط أو كباروميتر أرضي.
ج - التغيرات الكيميائية أثناء التحول
قد يتغير التركيب الكيميائي لصخر ما أثناء التحول بدرجة ملحوظة، نتيجة إضافة أو إزالة بعض مكوناته الكيميائية. ومن الشائع أن يؤدي التداخل الصهاري إلي تحولات كيميائية في الصخور المحيطة، مثل الطفل أو الحجر الجيري، حيث تصعد السوائل الحرمائية من الصهارة محملة بعناصر الصوديوم والبوتاسيوم والسيليكا والنحاس والزنك الذائبة، بالإضافة إلي الضغط. وربما تستمد هذه العناصر من كل من الصهارة والصخور التي تم التداخل فيها. وأثناء تخلل المحاليل الحرمائية الصاعدة للقشرة الأرضية السطحية فإنها تتفاعل مع الصخور التي حدث بها التداخل، حيث تحدث تغيرات في التركيب الكيميائي والمعدني، وأحيانا يحل تماما معدن محل معدن آخر دون تغير في نسيج الصخر.ويسمى هذا النوع من التغير في تركيب الصخر العام نتيجة نقل السوائل للعناصر الكيميائية داخل أو خارج الصخر بالتحول (من meta بمعنى تغير و soma بمعنى عصير). ويتكون عديد من الرواسب ذات القيمة الاقتصادية كالنحاس والزنك والرصاص وخدمات فلزية أخرى بهذا النوع من الإحلال الكيميائي.
دور السوائل في عملية التحول: يحدث عديد من التغيرات الكيميائية والمعدنية أثناء عملية التحول بسبب السوائل التي تتخلل الصخر الصلب. وعلى الرغم من أن الصخور المتحولة تكون في منكشفاتها جافة تماما، وبها مسامية منخفضة للغاية، إلا أن معظمها يحتوي على سوائل في مسامها (الفراغات بين الحبيبات) التي تكون متناهية الدقة. ويتكون هذا السائل أساسا من الماء المحتوي على ثاني أكسيد الكربون وكميات ضئيلة مذابة من غازات وأملاح، وكميات شحيحة من المعادن المكونة للصخر. وتعمل تلك السوائل المتخللة بين الحبيبات على زيادة سرعة التفاعلات الكيميائية أثناء التحول. وحيث إن التغير في درجات الحرارة والضغط يحطم البنية البلورية، فإن الذرات والأيونات تتحرك بين الصخر والسوائل الموجودة به. وكلما كانت حركة تلك الذرات والأيونات أسرع داخل الصخر، كانت أقدر على التفاعل مع المواد الصلبة، وتكونت معادن جديدة.
ويستمد ثاني أكسيد الكربون الموجود في سوائل الصخور المتحولة أساسا من الصخور الرسوبية (الأحجار الجيرية وأحجار الدولوميت)، بينما يستمد الماء من الصلصال والمعادن المائية الأخرى، وليس من الماء الموجود في مسام الصخور الرسوبية، حيث يتم التخلص من نسبة كبيرة منه خلال عمليات ما بعد الترسيب.
وتتحرك السوائل أثناء عملية التحول على امتداد حدود الحبيبات أولا، ثم تتحرك خلال القنوات المفتوحة، حيث يتكسر الصخر نتيجة ضغط السائل. وتقابل السوائل أثناء صعودها إلي أعلى في القشرة الأرضية صخورا أكثر برودة مما يؤدي إلي ترسب الكوارتز في الكسور والشقوق والفجوات وتكون عروق الكوارتز التي تشيع في الصخور المتحولة منخفضة الرتبة.
ومع تقدم عملية التحول تتكسر الروابط الكيميائية بين المعادن وجزيئات الماء، حيث يؤدي التحول إلي انتزاع الماء أو يتفاعل الماء مع الصخر. فالمعادن التي تحتوي على الماء وتكون موجودة في الصخور الرسوبية تحتوي أصلاعلى الكثير من الماء المرتبط بروابط كيميائية، بالإضافة إلي أن الصخر يحتوي على ماء إضافي في المسام. ويفقد هذان النوعان من الماء أثناء عملية التحول، ويصعد الماء إلي مناطق القشرة الأرضية الضحلة. وكلما ارتفعت رتبة التحول، انخفض محتوي الصخر من الماء. وعلى العكس مما سبق، تأخذ معادن الصخور البركانية المافية، والتي لاتحتوي على ماء في بنيتها البلورية، بعض جزيئات الماء من السوائل الموجودة في المسام خلال المراحل الأولي من التحول. وفي هذا التفاعل، فإن هذه المعادن اللامائية، أي الخالية من الماء، تكون معادن متبلورة جديدة من الميكا والكلوريت ومعادن أخري مائية – أي تتكون فيها روابط كيميائية بين الماء والكونات الكيميائية الأخرى.
أنواع التحول
تحدث عملية التحول حينما يتعرض صخر لظروف مغايرة لتلك التي نشأ فيها، حيث يصبح الصخر غير مستقر، ويتغير تدريجيا حتى يصل إلي مرحلة اتزان مع ظروف البيئة الجديدة. ويحدث التغير في درجات الحرارة والضغط السائدين في المنطقة الممتدة من عدة كيلومترات تحت سطح الأرض حتى الحد الفاصل بين القشرة والوشاح. وقد أمكن مؤخرا، واعتمادا على التكنولوجيا الحديثة، إجراء تجارب معملية لمحاكاة ظروف التحول، والمزج بين عاملين أو أكثر من عوامل الضغط والحرارة والتركيب الكيميائي، والتي قد يحدث عندها التحول. ولقد أدت الملاحظات الحقلية إلي تصنيف الصخور التحولة إلي عدة مجموعات على أساس الظروف الجيولوجية لأصل الصخر. وفيما يلي يوضح شكل (8 – 3) علاقة هذه الأنواع بأوضاعها في تكتونية الألواح.
أ - التحول الإقليمي
يعتبر التحول الإقليمي، أكثر أنواع التحول انتشاراً، حيث تؤثر كل من درجة الحرارة المرتفعة والضغط العالي على أحزمة أو مساحات شاسعة من القشرة الأرضية تصل إلي عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة. وتتغير درجات الحرارة أثناء التحول الإقليمي بدرجة كبيرة. فهي تتراوح بين 300 و800م (الحد الأقصى للتحول نحو 900م)، في حين يتراوح الضغط بين 2 و6 كيلوبار أو أكثر. ويستخدم هذا المصطلح لتمييز هذا النوع من التحول عن التغيرات المحلية الأخرى، والتي تحدث بالقرب من المتداخلات النارية أو الصدوع. ويحطم التحول الإقليمي بعض أو كل الأنسجة الأصلية للصخور النارية أو الرسوبية، حيث يؤدي إلي تكون معادن وأنسجة جديدة. وهناك ثلاثة مواضع تكتونية يتم فيها التحول الإقليمي:
1- الأقواس البركانية حيث تنشأ بعض أحزمة التحول الإقليمي نتيجة اندساس الألواح المحيطية بعمق في الوشاح والتسخين بالصهارة الصاعدة (شكل 8 – 3).
2- الخنادق المحيطية، حيث تتكون الأحزمة الأخرى نتيجة الضغط العالي والحرارة المنخفضة نسبيا بالقرب منها، ويسبب الاندساس سحب القشرة المحيطية الباردة نسبيا إلي أسفل.
3- حدود الألواح القارية المتقاربة (المتصادمة)، حيث يحدث التحول الإقليمي تحت ضغوط ودرجات حرارة عالية جدا في المستويات الأعمق من القشرة، ويتشوه الصخر وتتكون أحزمة جبال مرتفعة.
ب - التحول التماسي (الحراري)
تتسبب المتدخلات النارية في تعرض الصخور المحيطة بها مباشرة إلي ظروف جديدة من الحرارة والضغط مما يؤدي إلي تحول الصخر الأصلي. ويعرف هذا النوع من التحول المحلى بالتحول التماسي، كما يسمى أحيانا بالتحول الحراري. ويؤثر هذا النوع من التحول عادة على منطقة رقيقة فقط من الصخور المحيطة، على امتداد أسطح التلامس مع المتداخلات النارية. ويرجع التحول المعدني في العديد من الصخور المتحولة بالتماس، وخاصة عند المتداخلات القريبة من السطح إلي درجة حرارة الصهارة المرتفعة، ويكون تأثير الضغط مهما عندما تتداخل الصهارة على أعماق كبيرة. ويكون التحول التماسي الناشيء عن الصخور البركانية محدودا، حيث تتكون في هذه الحالات نطاقات رقيقة جدا بسبب تبرد اللابة بسرعة عند السطح، ولا يوجد ما يكفي من الوقت لتؤثر حرارة اللابة على الأجزاء العميقة من الصخور المحيطة.
ويسمى نطاق الصخر في المنطقة المحيطة بالمتداخل الناري. والذي تظهر به آثار التحول باسم هالة التحول ، ويعتمد سمك هالة التحول على حجم الجسم المتداخل ودرجة حرارته، وعلى كمية الماء في الصخور المتحولة.ففي المتداخلات الصغيرة، مثل: الجدد الموازية أو القواطع والتي يبلغ سمكها عدة أمتار قليلة، وفي غياب السوائل، فإن نطاق التحول يكون فقط عدة سنتيمترات سمكا (شكل 8- 4). ويكون الصخر المتحول صلبا ودقيق التحبب ومكونا من كتلة من الحبيبات المتداخلة المتساوية الحجم. ويحتوي المتداخل الناري الكبير الحجم على طاقة حرارية أكبر من تلك الموجودة في المتدخلات الصغيرة، كما يخرج منه الكثير من بخار الماء. وعندما يبلغ قطر المتداخل الناري كيلومترا أو أكثر، فقد يصل عرض هالة التحول عدة مئات من الأمتار أو أكثر، وتميل الصخور المتحولة لأن تكون خشنة التحبب (شكل 8 – 5).
وفي داخل نطاقات التحول الكبيرة والتي تخللتها السوائل الحارة، فإنه يمكن تعرف نطاقات عديدة متحدة المركز تقريبا مكونة من تجمعات معدنية، يتميز كل نطاق منها بمدى معين من درجة الحرارة (شكل 8 – 5). حيث تكون درجات الحرارة عالية بجوار الجسم الناري مباشرة، وتتكون معادن لامائية مثل: الجارنت والبيروكسين، بينما توجد المعادن المائية مثل: الابيدوت والأمفيبول، ثم معادن: الميكا والكلوريت في النطاقات الخارجية البعيدة عن الجسم الناري.
وتعتمد مجموعة المعادن الموجودة في كل نطاق على التركيب المعدني للصخر الذي يتداخل فيه الجسم الناري وعلى السائل المنبثق من الجسم الناري، علاوة على درجة الحرارة والضغط. ويتواجد التحول التماسي على امتداد الألواح المتقاربة والنقاط الساخنة المحيطة والقارية، حيث يتواجد النشاط الناري الذي يرتبط به التحول. وحيث إن النشاط الناري يتواجد أيضا في التحول الإقليمي، لذلك يوجد التحول التماسي أيضا في أحزمة الجبال المشوهة.
ج - التحول التهشمي
يتحول الصخر المطحون إلي كتلة كالعجين، حيث قد يحدث التحول على امتداد الصدوع، وتسبب الحركات التكتونية تكسر القشرة الأرضية وانزلاقها، ممايؤدي إلي تكسر الصخر الصلب وطحنه على امتداد سطح الصدع، ويتكون نسيج مكسر ومطحون (شكل 8 – 6). وقد يتحول الصخر المطحون إلي كتلة كالعجين، وهذا هو التحول التهشمي. ويسمى التحول التهشمي أحيانا باسم التحول الديناميكي ( التحول الحركي). فعندما يتعرض صخر خشن التحبب مثل الجرانيت إلي إجهادات متباينة شديدة، فإن حبيبات المعادن تتكسر وتطحن. ومع زيادة التحول التهشمي، فإن حبيبات المعادن تصبح مستطيلة.ويبدي الصخر نسيجا متورقا ويعرف باسم الميلونيت. ويحدث هذا التحول أساسا تحت ضغط مرتفع نتيجة طحن وجز الصخر أثناء الحركات التكتونية. لذلك تتواجد الصخور التهشمية غالبا مع الصخور المتحولة إقليميا في أحزمة الجبال المشوهة بشدة، حيث يكون التصدع ممتدا وشاملا.
د - التحول الحرمائي
هناك نوع آخر من التحول يسمى التحول الحرمائي يكون مصاحبا لحيود وسط المحيط، ويعرف التحول في هذه الحالة بتحول قاع المحيط. حيث تتباعد الألواح وتنتشر وتكون الصهارات البازلتية الصاعدة قشرة محيطية جديدة. حيث ويعمل البازليت الساخن على تسخين ماء البحر المتخلل في كسوره. وتحفز الزيادة في درجة الحرارة التفاعلات الكيميائية بين ماء البحر وصخر البازلت. ليتكون نوع من البازلت يختلف في تركيبه الكيميائي عن تركيب البازلت الأصلي، نتيجة إضافة عنصر الصوديوم وخروج عنصر الكالسيوم أساسا، يعرف بالسبيليت. ويحدث التحول الحرمائي أيضاً في القارات، حيث تحول السوائل الحرمائية الصاعدة من المتداخلات النارية كلاً من الصخور التي تعلوها وكذلك الصخور المدفونة في الأعماق، والتي تحولها إقليميا. وقد يحدث التحول الحرمائي في مناطق القشرة الأرضية المختلفة، والتي تتواجد بها محاليل حرمائية.
د - التحول بالدفن
من المعروف أن الصخور الرسوبية تدفن تدريجيا نتيجة هبوط القشرة الأرضية (الأحواض الرسوبية) والتراكم السميك للرواسب، فترتفع درجة حرارتها ببطء وتصبح في حالة اتزان مع درجات حرارة القشرة المحيطة بها. ويحدث بسبب هذه العملية تغيرات ما بعد الترسيب، والتي تشمل تغير التركيب المعدني والنسيج. وتتدرج عمليات ما بعد الترسيب إلي تحول بالدفن، وهو تحول منخفض الرتبة يحدث بسبب الحرارة والضغط الناشيء من حمل الرواسب والصخور الرسوبية المتراكمة.
أنسجة التحول
تتكون في الصخور المتحولة أنسجة جديدة نتيجة لتحولها. ويتحدد نوع هذا النسيج بناءً على حجم وشكل مكوناته من نوع البلورات، بالإضافة إلي طريقة ترتيبها. وتعتمد بعض أنسجة التحول على وجود أنواع معينة من المعادن مثل الميكا، والتي تتميز بوجود هيئة صفائحية. وقد ترث أنسجة التحول بعض أنسجة الصخر الأصلي، لذلك فقد ينعكس حجم حبيبات صخر رسوبي على حجم البلورات التي تتكون أثناء التحول. ويدل كل نوع من أنسجة التحول على نوع عملية التحول التي أدت إلي نشأته.
التورق والانفصام
التورق هو أكثر أنسجة الصخور المتحولة تحولا إقليميا شيوعا. ويشتق هذا المصطلح من الكلمة اللاتينية folium بمعنى ورقة، حيث يتكون من عدد من المستويات المتوازية المستويةأو المتموجة تكونت نتيجة التشوه. وعموما تقطع مستويات التورق الصخور، حيث تميل على مستويات تطبق الصخر الرسوبي الأصلي بزاوية ميل، كما قد توازي مستويات التطبق أيضا (شكل 8 – 7). ويرجع السبب الرئيسي للتورق إلي وجود معادن صفائحية (ميكا وكلوريت أساسا) تتبلور على هيئة بلورات صفائحية رقيقة، ثم تتراص هذه البورات موازية لمستويات التورق. وتأخذ المستويات المتوازية توجيها مفضلا للمعادن، حيث تأخذ مستويات المعادن الصفائحية أثناء تبلورها اتجاها مفضلا معينا، يكون يتعموديا على الصخور وتؤدي إلي تشوهها وتحولها، كما يتضح من (شكل 8 – 8 أ) وقد تكتسب المعادن الصفائحية الموجودة في الصخر الأصلي توجيها مفضلا، وبذلك يتكون تورق نتيجة دوران البلورات حتى تصبح موازية للمستوى المتكون. وقد يؤدي التشوه اللدن أو ثني الصخر الساخن اللين إلي تكون بلورات لها توجيه مفضل.
كما تميل المعادن التي تكون بلوراتها مستطيلة كالقلم، مثل معادن الأمفيبولات، لأن تأخذ بلوراتها توجيها مفضلا أثناء التحول، حيث تترتب الصخور التي تحتوي البلورات عادة موازية لمستويات التورق. وتبدي الصخور التي تحتوي على العديد من بلورات الأمفيبول، مثل البركانيات المافية المتحولة مثل هذا النوع من النسيج، والذي يعرف بالتخطيط، حيث تترتب المعادن المستطيلة، مثل الهورنبلند، في وضع مواز لخطوط داخل الصخر (شكل 8 – 8ب).
يحتوي الإردواز على الكثير من أشكال التورق. والإردواز صخر متحول ينفصل بسهولة على امتداد أسطح ناعمة مستوية إلي ألواح (شكل 8 – 7). ويتكون هذا الانفصام الإردوازي (يجب ألا يختلط هذا المصطلح مع انفصام المعدن مثل المسكوفيت) على أبعاد منتظمة ومتوسطة الرقة في الصخر. ولقد استخدمت هذه الصفة منذ القدم لعمل إردواز سميك أو رقيق لتغطية أسطح المباني في أوروبا وأمريكا وكذلك لعمل السبورات.
أ - الأنسجة المتورقة
تصنف الصخور المتورقة تبعا لأربع ظواهر رئيسية (شكل 8 – 7) هى:
1 - طبيعة التورق.
2 - حجم البلورات.
3 - الدرجة التي تتجمع فيها المعادن إلي شرائط فاتحة وغامقة.
4 - درجة التحول.
وسنتناول فيما يلي الأنواع الرئيسية للصخور المتورقة.
1 – الإردواز
الإردواز هو أقل الصخور المتورقة رتبة في التحول. وتكون هذه الصخور التي تتميز بأسطح انفصال مستوية (انفصام إردوازي) دقيقة التحبب إلي الحد أنه لا يمكن رؤية المعادن فيها بسهولة دون استخدام (الميكروسكوب المستقطب). وتتكون هذه الصخور نتيجة تحول الطفل غالبا، أو رواسب الرماد البركاني أحيانا. ويكون الإردواز رماديا قاتما إلي أسود عادة، يتلون بسبب وجود القليل من المادة العضوية، والتي كانت توجد في الطفل أصلا. وقد يكتسب الإردواز ألوانا حمراء أو قرموزية، نتيجة وجود معادن أكاسيد الحديد. أما لون الإردواز المخضر قيرجع إلي وجود الكلوريت، وهو معدن سيليكاتي صفائحي أخضر اللون يدخل الحديد في تركيبه ويرتبط مع الماء.
2 – الفيليت
يكون الفيليت أعلى قليلا في درجة التحول من الإردواز في أصله وصفاته. وتميل صخور الفيليت لأن يكون لها بريق لامع من بلورات الميكا، والتي تكون أكبر قليلاً عن تلك الموجودة في الإردواز. وتميل صخور الفيليت للانفصال إلي ألواح مثل الإردواز، ولكنها تكون أقل انتظاما. ويظهر الصخر تورقا واضحا، ولذلك يسمى فيليت (من الكلمة اليونانية phylloo بمعنى ورقة).
3 – الشست
عند رتبة التحول المنخفض، تكون بلورات المعادن الصفائحية عموما صغيرة جدا لكي لا ترى، ويكون التورق على مسافات متقاربة والطبقات رقيقة جدا. وإذا تم تحول الصخور المتحولة إلي رتبة أعلى، فإن التورق يصبح أكثر وضوحا وانتشارا خلال الصخر، وتنمو البلورات الصفائحية في الوقت نفسه إلي أحجام ترى بالعين المجردة، وقد تميل المعادن إلي التجمع في شرائط فاتحة وأخرى داكنة. ويؤدي هذا الترتيب للمعادن الصفائحية في الصخور خشنة التحبب إلي تكون التورق والذي يعرف بالشستوزية. الذي يميز صخور الشست.
وتعتبر صخور الشست من أكثر أنواع الصخور المتحولة انتشارا، وتحتوي على أكثر من 50% من مكوناتها معادن صفائحية، تتكون أساسا من كلوريت وميكا المسكوفيت والبيوتيت. وقد تحتوي صخور الشست عبى طبقات رقيقة من الكوارتز والفلسبار أو كليهما، اعتمادا على محتوى الطفل أصلا من معدن الكوارتز. وعموما يتكون الشست في مراحل التحول الإقليمي المتقدمة للفيليت. ويستخدم مصطلح شست لوصف نسيج الصخر، بغض النظر عن تركيبه. ويمكن تمييز عدة أنواع من صخور الشست مثل:الشست الأخضر، والشست الأزرق، والشست الكلسي، والشست التلكي.
4 - النيس
يتكون النيس عند تحول عالي الرتبة. ويكون النيس فاتح اللون، تتبادل فيه شرائط من معادن فاتحة اللون مع أخرى داكنة اللون (شكل 8 – 10). ويكون التورق في النيس أقل وضوحا واستمرارية من التورق الموجود في النسيج الشستوزي. ولا ينفصل النيس على امتداد أسطح التورق، حيث توجد به نسبة قليلة من المعادن الصفائحية. وصخور النيس صخور خشنة التحبب، وتكون نسبة المعادن المحببة إلي المعادن المفلطحة أو الصفائحية أكبر من تلك الموجودة في الإردواز أو الشست. ونتيجة لذلك.. فإن التروق يكون ضعيفا ومتقطعا، وبالتالي تكون قابليه للانفصال أقل. ويسمي التورق في صخور النيس باسم النيسوزية. ويرحظ أن سمك الشرائط الموجودة في النيس يكون أكبر من 2 إلي 3مم. ويتحول التجمع المعدني المتكون عند درجات الحرارة العالية والضغوط المنخفضة، أي تحول منخفض الرتبة والذي يحتوي على معادن الميكا والكلوريت، إلي تجمع معدني غني بالكوارتز والفلسبار مع كميات أقل من الميكا والأمفيبول.
وتتكون الشرائط الفاتحة والداكنة اللون في النيس نتيجة تجمع معادن الفلسبار والكوارتز فاتحة اللون ومعادن البيوتيت والأمفيبول الداكنة والمعادن المافية الأخرى. وقد تكون بعض أنواع النيس هى المقابل المتحول لصخوررسوبية مثل الحجر الرملي والطفل، وتعرف بالبارانيس، كما يكون بعضها الآخر المقابل المتحول للصخور النارية مثل الجرانيت، ويعرف النيس بالأورثونيس.
ب - الأنسجة غير المتورقة (الجرانوبلاستيتية)
ليست كل الصخور المتحولة متورقة، حيث يبدي بعضها توجيها مفصلا للبورات ضعيفا جدا، مما يؤدي إلي اختفاء التورق تقريبا أو وجوده بنسبه قليلة. وتتكون الصخور غير المتورقة أساسا من بلورات متساوية الأبعاد تقريبا تنمو بالمعدل بنفسه في جميع الاتجاهات مثل المكعبات أو الكرات مع قليل من البلورات الصفائحية أو المستطيلة الشكل (شكل 8 – 11 أ). ويعرف هذا النسيج غير المتورق بالنسيج الجرانوبلاستي( لاحقة بمعنى تحولي) . وقد تنشأ مثل هذه الصخور نتيجة التحول التحول التماسي أو الإقليمي أو الحرمائي أو التحول بالدفن. وتشمل الصخور غير المتورقة: الهورنفلس والكوارتزيت والرخام والأرجيليت والحجر الأخضر والأمفيبوليت والجرانيوليت، ويتم تصنيف تلك الصخور، باستثناء الهورنفلس، بناء على التركيب المعدني للصخر. ونعرض هنا وصفا لكل من هذه الصخور:
1 – الهورنفلس
يعتبر الهورنفلس صخرا مميزا للتحول التماسي لصخور الطفل والجريواكي تحت ظروف من الحرارة العالية. ويتكون من حبيبات متساوية الأبعاد ليس لها توجيه مفضل، ولم تتعرض لأي تشوه أو تعرضت إلي تشوه قليل. أما البلورات الطويلة أو الصفائحية فتكون مرتبة ترتيبا عشوائيا. وتتميز صخور الهورنفلس بالنسيج الحبيبي عموما، على الرغم من أنها تحتوي عادة على معادن البيروكسين المستطيلة وكذلك بعض معادن الميكا.
2 – الكوارتزيت
الكوارتزيت صخر شديد الصلابة، غير متورق وأبيض، ينشأ من تحول أحجار رملية غنية بالكوارتز أو الصوان. وبعض أنواعه تكون كتلية – أي لا تتخللها مستويات تطبق تم حفظها أثناء التحول أو مستويات تورق. وتحتوي بعض أنواعه طبقات رقيقة من الإردواز أو الشست، وهى تمثل بقايا لطبقات من الصلصال أو الطفل. ويوجد الكوارتزيت في كل من مناطق التحول بالتماس والتحول الإقليمي.
3 – الرخام
ينشأ الرخام نتيجة تحول صخول الحجر الجيري والدولوميت بالضغط والحرارة. وقد ينشأ الرخام نتيجة للتحول التماسي أو التحول الإقليمي. وتبدي بعض أنواع الرخام الأبيض النقي مثل رخام كرارة الإيطالي الشهير، نسيج ناعم يتكون من حبيبات كالسيت متساوية الحجم ومتماسكة، بينما قد تبدي بعض أنواع الرخام الأخرى تطبق غير منتظم أو تكون مبرقشة من شوائب سيليكاتية أو بعض المعادن الأخرى، التي كانت موجودة في الحجر الجيري قبل التحول.
4 – الأرجليت
الأرجليت صخر غير متورق، ينشأ نتيجة التحول الإقليمي منخفض الرتبة لحجر الطين أو أي صخر رسوبي آخر غني بمعادن الصلصال. ويتميز صخر الأرجليت بمكسر غير منتظم أو مكسر محاري. ويعزي عدم وجود التورق بهذا الصخر جزئيا إلي التحول منخفض الرتبة، وأيضا لوجود حبيبات كوارتز في حجم الغرين أو أي معادن أخرى في صخر الطين الأصلي، والتي تتميز بعدم الاستطالة أو الصفائحية.
5 - الحجر الأخضر
يتكون الحجر الأخضر من صخور بركانية مافية متحولة منخفضة الرتبة. وهى تتكون عندما تتفاعل لابة مافية ورواسب الرماد البركانية مع مياه البحر المتخللة أو مع أي محاليل أخرى. ويغطي البازلت المتكون بهذه الطريقة مساحات كبيرة عند حيود وسط المحيط، حيث يكون التحول تاما أو جزئيا. كما تتفاعل الصخور البركانية المدفونة فوق القارات، وكذلك الصخور البلوتية الكونة من صخور نارية مافية (جابرو) مع المياه الأرضية (الجوفية) عند درجات حرارة تتراوح بين 150 إلي 300م، وتتكون من صخور الحجر الأخضر. ويرجع اللون الأخضر لهذه الصخور إلي وجود معادن الكلوريت والإبيدوت والأكتينوليت.
6 - الأمفيبوليت
الأمفيبوليت صخر غير متورق غالبا، ويتكون من معادن الأمفيبول وفلسبار اللاجيوكليز. ويتكون الأمفيبوليت نتيجة تحول متوسط أو عالي الرتبة لصخور بركانية مافية (أورثوأمفيبوليت). وقد تتكون بعض صخور الأمفيبوليت الأخرى نتيجة الإحلال المعدني للصخور الكربوناتية غير النقية والمارل (باراأمفيبوليت).
7 - الجرانيوليت
يتميز الصخر المتحول المعروف بالجرانيوليت بنسيجه الحبيبي، إلا أنه يعرف بناءً على تركيبه المعدني، حيث يتكون من معادن لامائية والذي يدل على رتبة تحول عالية إلي عالية جدا. وتضم الصخور الحبيبية المتكونة عند درجة تحول أقل (التي لا تكون كلها جرانيوليت) صخور الكوارتزيت والهورنفلس. وتشمل المعادن المميزة لصخور الجرانيوليت كلاً من: الكوارتز والبلاجيوكليز والبيروكسين والجارنت والسيليمانيت. ومثل بقية الصخور المتحولة الحبيبية الأخرى، فإن صخور الجرانيوليت تكون متوسطة إلي خشنة التحبب، حيث تكون البلورات متساوية الأبعاد، وقد تبدي تورقا ضغيفا أو عدم تورق على الإطلاق. وتتكون هذه الصخور نتيجة تحول الطفل وصخور الحجر الرملي غير النقية وعديد من الصخور النارية الأخرى.
8 – السربنتينيت
السربتينيت صخر متحول مكون من معادن السربنتين. ويتميز بأنه دقيق التحبب، أخضر، له بريق دهني، وتصل صلادته إلي 4. وهو صخر غير متورق لونه غامق جدا. يشيع فيه وجود أسطح ملساء ناعمة تشبه التورق، مع لون أفتح أو لون أخضر مبرقش(منقط). ويتكون السربنتينيت نتيجة تحول صخور نارية بلوتونية فوقمافية.
9 - حجر الصابون
حجر الصابون صخر ناعم جدا، ذو ملمس صابوني، دقيق التحببات، يتكون من معدن التلك مع كميات مختلفة من معادن السربنتين والكلوريت والأمفيبول. وقد يختلف لون حجر الصابون حتى في العينة الواحدة. ويتكون حجر الصابون من التلك عندما يحتوي على نسبة عالية من الماغنسيوم، نتيجة تحول صخر البريدوتيت (صخر فوقمافي) عند درجة حرارة أعلى قليلا من السربنتينيت.
ج - أنسجة البلورات الكبيرة (بورفيروبلاست)
قد تنمو المعادن المتحولة الجديدة نتيجة زيادة درجة الحرارة،وتتكون بلورات كبيرة تحيط بها أرضية دقيقة التحبب من المعادن الأخرى. ويقابل هذا النسيج ظاهريا النسيج البورفيري في الصخور النارية. وتعرف هذه البلورات الكبيرة بالبورفيروبلاستات، وتوجد في كل من الصخور المتحولة بالتماس والمتحولة إقليميا (شكل 8 – 11 ب). وتنمو تلك البلورات نتيجة إعادة ترتيب المكونات الكيميائية للأرضية، وهى بذلك تحل محل أجزاء من الأرضية، على عكس البورات الظاهرة في الصخور النارية. والتي تكون أول المعادن التي تتبلور أثناء تكون الصخور النارية. وتنمو بلورات البورفيروبلاستات بسرعة أكبر من بلورات معادن الأرضية. ويتراوح قطر البورفيربلاستات بين عدة ملليمترات إلي عدة سنتيميترات، كما يتغير تركيب البورفيروبلاستات أيضا. والجارنت والإشتوروليت والأندالوسيت من المعادن الشائعة في تكوين بلورات البورفيروبلاستات. ويمكن استخدام التركيب الدقيق وتوزيع بلورات البورفيروبلاستات لهذه المعادن للتنبؤ بضغوط ودرجات حرارة التحول. وبلورات الجارنت النقي الشفافة تكون ملونة بطريقة جميلة بألوان مثل الأحمر (العقيق الأحمر) والأخضر والأسود، حيث تبدي تدرجا في هذه الألوان. وتعتبر هذه الأنواع من الجارنت من الأحجار شبه الكريمة.
د - أنسجة التشوه (الطحن)
يصاحب التشوه التركيبي معظم أنواع التحول، بينما يؤدي التشوه الميكانيكي على امتداد أسطح الصدوع إلي التحول التهشمي. وتؤدي حركة سطحي كتلتي الصخور أمام بعضها البعض إلي طمس المعادن وترتيبها في شرائط وخطوط، وتتكون صخور متحولة تعرف بالميونيت. وقد تكون هذه الصخور دقيقة التحبب متورقة عندما تتكون في الأعماق البعيدة من القشرة الأرضية، حيث تتشوه الصخور تحت الضغوط العالية جدا بطريقة التشوه اللدن. ويلخص جدول (8 – 1) أنواع الصخور المتحولة الرئيسية وخصائصها المميزة.
V - التحول الإقليمي ورتبة التحول
تتكون الصخور المتحولة، كما أسلفنا، في مدى واسع من الظروف ولذلك تعتبر معادن وأنسجة الصخور المتحولة أدلة للتنبؤ بدرجات الحرارة والضغوط، وكذلك بأماكن التحول في القشرة الأرضية، ووقت تكون هذه الصخور. وعند دراسة نشأة الصخور المتحولة فإن الجيولوجيين يبحثون عن شدة التحول ومميزاته بدقة، وليس فقط عن تحديد هل كان التحول منخفض الرتبة أو عاليها. ولتحقيق ذلك، فإنه يتم تعيين المعادن التي تعتبر أدلة على درجات الضغط والحرارة. ويكون هذا الأسلوب أوضح ما يكون عند التطبيق في حالات التحول الإقليمي.
لقد بدأت أول دراسة منظمة تفصيلية لمنطقة صخور متحولة تحولاً إقليميا في مرتفعات اسكتلندة. وقد أوضحت تلك الدراسة أن الصخور التي لها التركيب الكيميائي العام نفسه (تركيب صخر الطفل) يمكن تقسيمها إلي تتابع من النطاقات، حيث يتميز كل نطاق بتجمع معدني مميز، كما يتميز كل تجمع معدني بظهور معادن جديدة. ولقد تم اختيار معادن دالة جديدة، عند الانتقال من الصخور المتحولة تحت رتبة منخفضة إلي صخور أخرى متحولة تحت رتبة عالية. فالمعادن الدالة هى معادن مميزة تحدد نطاقات التحول التي تكونت في مدى محدد من درجات الحرارة والضغط. والمعادن الدالة التي تم تحديدها حسب ترتيب ظهورها، هى: الكلوريت والبيوتيت والجارنت والشتوروليت والكيانيت والسيليمانيت. ويتكون هذا التتابع من المعادن الدالة أساسا في صخور كانت غنية أصلا في معادن الصلصال (شكل 8 – 12 أ). وعندما تتحول الصخور الرملية إلي الأحجار الجيرية وأحجار الدولوميت التي تحتوي على معادن الكالسيت والدلوميت تتكون مجموعة من المعادن الدالة مختلفة تماما. وهكذا تتكون مجموعة مميزة من المعادن الدالة في أنواع معينة من الصخور كلما تقدمت عملية التحول (جدول 8 – 2).
وعند توقيع الأماكن التي ظهرت فيها المعادن الدالة لأول مرة في صخور لها التركيب الكيميائي للطفل،أمكن تحديد سلسلة متتابعة من الأيزوجراد. وهو خط على خريطة يصل نقاط أول ظهور معدن معين في الصخور المتحولة، أي أنه يصل بين النقاط التي حدثت عندها عمليات التحول تحت ظروف الحرارة والضغط نفسها. ومن الشائع الآن استخدام الأيزوجراد عند دراسة كل أنواع الصخور المتحولة. كما يمكن تطبيقه في الصخور المتحولة بالتماس وبالدفن أيضا، بالإضافة إلي الصخور المتحولة إقليميا. ويوضح شكل (8 – 12 ب) استخدام الأيزوجراد في تتابع من الصخور المتحولة إقليميا والتي نشأت عن تحول الطفل. ويكون الأيزوجراد الموضوع على أساس معدن دال واحد، مثل أيزوجراد الجارنت (شكل 8 – 12 ب)، قياس مناسب لتقدير ظروف التحول من درجات الحرارة والضغط. وتعرف المناطق بين خطوط الأيزوجراد على الخريطة بنطاقات التحول. فنحن نتحدث عن نطاقات كلوريت ونطاق بيوتيت وهكذا، وهى النطاقات التي ترسم على الخرائط لتوضح العلاقة بين الصخور المتحولة.
وحيث إن الأيزوجراد يعكس درجات الحرارة والضغط التي تكونت عندها المعادن، لذلك فإن تتابع خطوط الأيزوجراد في حزام متحول ما قد تختلف عن تلك الموجودة في حزام متحول آخر. وهذا صحيح لأن الضغط ودرجات الحرارة لا تتزايد بالسرعة نفسها في كل المناطق والأوضاع الجيولوجية. فقد يزداد الضغط بسرعة عن الحرارة في بعض المناطق، بينما يزداد الضغط بسرعة عن الحرارة في بعض المناطق، بينما يكون أبطأ في مناطق أخرى (شكل 8 – 13).
ب - رتبة التحول وتركيب الصخر الأصلي
يعتمد نوع الصخر المتحول الذي ينشأ عند رتبة تحول معينة جزئيا على التركيب المعدني للصخر الأصلي. ويوضح شكل (8 – 12) تأثير ظروف التحول على صخور الطفل الغنية في معادن الصلصال والكوارتز، وربما بعض معادن الكوربونات، بينما يوضح شكل (8 – 14) كيف يتبع تحول صخور بركانية مافية مكونة أساأً من الفلسبار والبيروكسين طريقاً مختلفاً. فمثلا، يتكون معدن الصلصال مثل الطفل عند درجات حرارة منخفضة تصل إلي نحو 200م، حيث يشير وجود أعلى رتبة تحول منخفضة. ويتكون عند أعلى رتبة تحول للصخور الغنية في معادن الصلصال معدن السيليمانيت، حيث تزيد درجة الحرارة عن 500م.
وتتميز الصخور الناتجة عن التحول الإقليمي لصخور البازلت عند أقل رتبة تحول باحتوائها على معادن الزيوليت، وهى مجموعة من المعادن الألومينوسيليكاتية المائية التي تشبه الفلسبارات في تركيبها، حيث يشكل الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم الفلزات الأساسية بها. وتتميز هذه المجموعة بأنها تفقد وتكتسب ماء التبلور بسهولة. وتتكون هذه المعادن نتيجة التحول عند درجات حرارة وضغط منخفضة جدا.
وتتداخل رتبة الزيوليت مع رتبة أخرى أعلى في درجة الصخور البركانية المافية (البازلت)، ممايؤدي إلي تكون صخور الشست الأخضر، والتي تضم مجموعة من المعادن الشائعة مثل: معادن الكلوريت والإبيدوت (يحتوي معدن ألومينوسيليكات على عنصر الحديد والكالسيوم). ويلي الشست الأخضر تكون صخور الأمفيبوليت، والتي تحتوي على كميات من معادن الهورنبلند (أحد معادن الأمفيبول) وفلسبار البلاجيوكليز والجارنت. أما أعلى رتب تحول الصخور البركانية المافية حيث تكون درجة الحرارة مرتفعة والضغط متوسط، فإنها تؤدي إلي تكون الجرانيوليت وهى صخور خشنة التحبب تحتوي على البيروكسين والبلاجيوكليز الكلسي.
وعلى الجانب الآخر، فإذا كان الضغط مرتفعا ودرجة الحرارة متةسطة فإنه تتكون صخور تعرف بصخور الشست الأزرق. وتكتسب هذه الصخور اسمها من وجود معدن الجلوكوفين، وهو معدن أمفيبول أزرق (يتميز بوجود نسبة من الصوديوم)، بالإضافة ‘أي معادن الكيانيت ولاوسونيت. ومازال هناك صخر متحول آخر يتكون عند أقصى درجات الضغط، ودرجات حرارة تتراوح بين متوسطة إلي عالية، وهو صخر الإكلوجيت الغني في معدني الجارنت والبيروكسين.
ج - سحنات التحول
لقد أوضحت الدراسات الدقيقة للصخور المتحولة في جميع أنحاء العالم، أن التركيب الكيميائي لمعظم الصخور يتغير قليلاً أثناء التحول. وتتمثل التغيرات الرئيسية التي تحدث في إضافة أو فقد بعض المواد المتطايرة، مثل: الماء وثاني أكسيد الكربون. أما المكونات الرئيسية مثلSiO و Al2O و CaO و K2O ، فإنها تبقى ثابتة. كما أوضحت تلك الدراسات أن التغيرات التي تحدث أثناء التحول هى تغيرات في تجمعات المعادن وليس في التركيب الكيميائي العام للصخور. ولقد أدت هذه الملحوظة إلي استنتاج أن تجمعات المعادن في الصخور المتحولة والمستمدة من الصخور النارية والرسوبية الشائعة يجب أن تتحدد بدرجات الحرارة والضغوط التي تعرضت لها هذه الصخور خلال التحول. واعتمادا على هذه النتيجة، فقد اقترح العالم الفنلندي الشهير إسكولا في عام 1915م مفهوم السحنات المتحولة. ويدل هذا المفهوم على أن كل مجموعة معادن تمثل تركيب صخر معين تصل إلي حالة اتزان أثناء التحول، وفي مدى معين من الظروف الطبيعية لابد أن تنتمي إلي سحنة التحول نفسها. وقد بني إسكولا نتائجه على دراسة صخور البازلت المتحولة، والتي كانت موجودة بين تتابع من الطبقات مختلفة التركيب تماما. والنقاط الأساسية في مفهوم سحنات التحول هى:
1 - كل الصخور التي لها التركيب الكيميائي نفسه تعطي التجمع نفسه من المعادن نتيجة التفاعل بين المعادن في السحنة الواحدة، ويتغير التجمع المعدني عند الانتقال من سحنة إلي أخرى نتيجة التفاعل بين المعادن(للتركيب الكيميائي نفسه).
2 - تتكون الأنواع المختلفة من الصخور المتحولة نتيجة تحول صخور أصلية ذات تركيب كيميائي مختلف عند رتبة التحول نفسها. ويبين جدول (8 – 3) قائمة بالمعادن الرئيسية لسحنات التحول المتكونة من صخور البازلت والطفل. ويوضح شكل (8 – 15) أن الحدود بين جميع سحنات التحول متدرجة وتقريبية، بينما يوضح شكل (8 – 16) توزيع سحنات التحول عبر حد لوح متقارب.
وحيث إن مفهوم السحنات المتحولة الذي اقترحه إسكولا كان يقوم على دراسة صخور البازلت المتحولة، فإن معظم الأسماء التي أعطيت للسحنات المتحولة تعكس تجمعات معدنية تكونت من صخور ذات تركيب بازلتي، مثل سحنة الشست الأخضر، إلا أن هناك بعض السحنات التي تعرف بأسماء صخور أخرى مثل الجرانيوليت، أو بعض المعادن الشائعة في تلك السحنات، مثل: سحنة الزيوليت والبرينيت والبميليت (شكل 8 – 15).
ويماثل مفهوم السحنات المتحولة تحديد النطاقات المناخية بواسطة بعض التجمعات النباتية في كل نطاق مناخي، فيقابل النطاق الذي تنتعش فيه السراخس وأشجار النخيل والعنب مناخا يتميز بدرجات حرارة دافئة وأمطار غزيرة، بينما يتطلب التجمع النباتي المكون من أشجار النخيل والصبار وكف مريم (نبات عطري الرائحة) مناخا حارا جافا.
ويلاحظ أنه عند نهاية الحد الأعلى للسحنات عالية الرتبة، فإن الصخور المتحولة تنصهر جزئيا في مرحلة انتقالية إلي صخور نارية. وهذه الصخور تكون مشوهة (معقوصة) ومطوية بقوة ويتخلله عديد من العروق، ويكون الصخر المنصهر على هيئة أجسام قرنية صغيرة وعدسية الشكل. ويسمى هذا النوع من النيس الذي تتخلله العروق، والمتحول عند رتبة تحول عالية جدا بالميجماتيت (شكل 8 – 17)، وهو مصطلح يطلق على خليط من الصخور النارية والمتحولة. وتتكون بعض الميجماتيت من الصخور المتحولة مع وجود نسبة من الصخور النارية، بينما تتعرض بعض أنواع الميجماتيت الأخرى للانصهار لدرجة أنه يمكن اعتبارها صخورا نارية تقريبا.
نطاقات التحول بالتماس
يمكن مشاهدة تأثير التحول لجسم ناري متداخل عند مكشف صخر الطفل المقطوع بقاطع أو تتواجد بين طبقاته جدة موازية. وعند حدود تلامس الطفل مع القاطع، فإن الطفل يمكن أن يفقد كل نسيجه الأصلي، حيث يختفي التطبيق وتنطمس الحفريات ويتغير التركيب المعدني للطفل تماما. ويتكون الصخر الملاصق تماما للقاطع من بلورات كبيرة من البيروكسين أو معادن ألومينوسيليكاتية مثل الأندالوسيت، والتي لا توجد في معادن الصلصال دقيقة التحبب مثل الطفل والصخور الرسوبية عموما. وبعيدا قليلاً عن سطح التلامس، أي من عدة سنتيمترات إلي متر واحد، فإن حدود التطبق للطفل يمكن رؤيتها ولكنها تكون ضعيفة، كما يمكن ملاحظة أن معادن الصلصال قد تغيرت إلي ميكا متبلورة. وعلى مسافة أبعد من سطح التلامس، يكون الطفل غير متغير تماما. وهكذا، فإن نطاقات الصخور المتحولة بالتماس تكون مميزة بمعادن دالة، تعكس رتب التحول المختلفة، مثلها في ذلك مثل الصخور المتحولة إقليميا.
أ - هالات التحول (هالات التماس)
تسمى المنطقة من الصخور المتحولة المجاورة للمتداخل الناري بهالة التحول أو هالة التماس (شكل 8 – 5). ويعتمد سمك وخصائص هالة التحول على درجة حرارة الصهارة وعمق الصهارة المتداخلة في القشرة الأرضية. وتكون هالة التماس أوضح كثيرا عندما يتداخل جسم مافي، مثل تداخل الجابرو، وتصل درجة حرارته إلي نحو 1000م في صخور القشرة على بعدكيلومترات قليلة بالقرب من السطح، حيث تتراوح درجة الحرارة بين نحو 60 إلي 90م. وفي هذا النوع من التحول، فإن درجة الحرارة تكون عالية جدا عند حد التماس، ولكنها تنخفض بسرعة إذا ابتعدنا عن هذا الحد. أما المتداخلات عند درجات حرارة أقل، مثل تداخل الجرانيت عند نحو 600م، فإنها تتداخل في الأجزاء الأعمق من القشرة الأرضية حيث تكون درجة الحرارة مرتفعة. ولذلك لا تسبب هذه المتداخلات ارتفاعاً كبيراً في درجة حرارة الصخور المحيطة، وبالتالي تكون التغيرات التحولية أقل.
ب - رتبة التحول وتركيب الصخر الأصلي
تختلف نطاقات التحول بالتماس باختلاف أنواع الصخور الأصلية التي تكون مماسة للمتداخلات الساخنة. وعلى الرغم من أن الرسم التخطيطي لسحنات التحول لا تضم الصخور المتحولة بالتماس، إلا أن هذه الصخور تظهر العلاقة نفسها بين رتبة التحول وتركيب الصخر الأصلي، حيث تختلف أنماط رتب تحول المعادن التي يبديها الحجر الجيري غير النقي، والذي يتكون أساسا من معادن الكربونات، عن تلك الأنماط التي يبديها الطفل، والذي يتكون في معظمه تقريبا من معادن سيليكاتية. فعند تعرض صخور حجر جيري غير نقي للتحول بالتماس، فإن معادن الكربونات تتفاعل مع شوائب السيليكا في الصخر لتكون معدن ولاستونيت، وهو معدن فاتح يحتوي على الكالسيوم ويشبه معدن البيروكسين.
ويهرب ثاني أكسيد الكربون الناتج عن هذا التفاعل في صورة غاز عبر الشقوق والمسام في الصخور. ويحدث هذا التفاعل عند درجات حرارة نحو 500م وضغوط قريبة من سطح الأرض، أو عند درجات حرارة أعلى نتيجة زيادة الضغط. وهكذا، فإن وجود معدن الولاستونيت يعتبر دليلاً على رتبة تحول صخر المصدر، والذي تكون الكربونات هى المكون الأساسي له. ويوجد معدن الولاستونيت الذي يتكون عند درجات الحرارة الأعلى مع معدن الجارنت (شكل 8 – 18) وعمدن الديوبسيد (بيروكسين يحتوي على الكالسيوم والماغنسيوم) بالقرب من حدود التماس. فإذا ابتعدنا عن حدود التماس مع الجرانيت، فإننا نجد نطاقا يحتوي على السربتين (سيليكات ماغنسيوم يحتوي على الماء المرتبط كيميائيا) مع الكلوريت والكالسيت. فإذا ابتعدنا أكثر، نجد نطاقات تحول عند درجات حرارة أقل، تتكون من صخر الرخام الخالي من السيليكات ويحتوي على الكالسيت والدولوميت. وبعد هذا النطاق لا تظهر أية آثار للتحول في الحجر الجيري. وقد يبلغ عرض الهالة الكاملة عدة مئات من الأمتار. وجدير بالملاحظة أنه يمكن حدوث تبادل كيميائي واضح في هالة التحول بين الجسم الناري المتداخل والصخور المحيطة بها. لذلك فإن هذه العملية يمكن اعتبارها نوعا من عملية التحول، والتي كما ذكرنا سابقا تؤدي إلي تغير كيميائي في تركيب الصخر الكلي.
ويؤدي التحول بالتماس للصخور السيليكاتية مثل الطفل إلي التحول التدريجي (التقدمي)، أي تكون نطاقات معادن متنامية، تظهر تغيرا متصلا ومستمرا في رتبة التحول، إلا أن مجموعة المعادن المتكونة تختلف عن تلك التي تظهر في صخور الحجر الجيري المتحولة. فيوجد عند حدود التماس صخور الهورنفلس التي تحتوي على البيروكسين والميكا. وتوجد في النطاقات الداخلية القريبة من حرارة الصخور المتداخلة، معادن من سيليكات الألومنيوم النقية مثل معدن السيليمانيت المميز. بينما في النطاقات الخارجية الأقل في درجة الحرارة، تتحول معادن الكوارتز والصلصال والكربونات في الطفل إلي معادن ميكا البيوتيت والأندالوسيت والأمفيبول والكاسيت. وفي النطاقات الخارجية الأبعد، تتكون معادن الكلوريت والمسكوفيت. وهذا النوع من هالات التحول لا يحتوي على أي تبادل كيميائي في هالات التحول بين المتداخل الناري والصخور المحيطة. وبذلك لا يوجد تغير في التركيب الكيميائي الكلي للصخور، أي لا توجد عملية تحوال للصخور. وتوضح الخريطة المنبسطة لبلوتون أم حاد الجرانيتي بالصحراء الشرقية بمصر التوزيع التقريبي لنطاقات التحول حول البلوتون (شكل 8 – 19).
التحول وتكتونية الألواح
إن أحد النجاحات التي أحرزتها نظرية تكتونية الألواح، أنها أمدتنا للمرة الأولى بتفسير لتوزيع نطاقات الصخور المتحولة في الصخور المتحولة إقليميا. وقد أوضحنا عند بداية هذا الفصل العلاقة بين الأوضاع التكتونية المختلفة والعمليات الجيولوجية (مثل النشاط البركاني ونشأة الجبال) التي تسبب الأنواع المختلفة من التحول (شكل 8 – 3). كما يمكننا أيضا أن نستنتج موقع الصخر في التحول، على أساس رتبة التحول والتركيب.
وترتبط صخور الحجر الأخضر، والتي تنتج عن تحول صخور نارية مافية مثل صخور البازلت والجابرو بالتحول الحرمائي عند حيود وسط المحيط أثناء تباعد الألواح. فعندما يحدث انتشار لقيعان المحيطات وتصعد الصهارة البازلتية من الوشاح تحول حرارة الصهارة صخور البازلت المنبثقة حديثا في وجود الماء إلي صخور متحولة ذات رتبة تحول منخفضة تتبع سحنة الشست الأخضر. ويلعب دوران السوائل الحرمائية خلال البازلت دورا مهماً في تحول صخور البازلت، حيث يتفاعل الماء مع المعادن اللامائية وتتكون معادن مافية مثل الكلوريت والسربنتين. كما يحل الصوديوم الموجود في الماء محل الكالسيوم في معدن البلاجيوكليز الموجود في صخور البازلت.
ويوضح شكلا (8 – 3 و8 – 16) أن التحول الإقليمي يكون عند حد الاندساس للوح الهابط أثناء تقارب الألواح. فعندما تهبط الصخور المتبلورة لأسفل باللوح المندس بسرعة (نحو 1سم / عام) فإن الضغط يزداد تحت تلك الظروف عن درجة الحرارة بسرعة، ويتعرض الصخر لضغط عال ودرجة حرارة منخفضة نسبيا، وهى الضغوط ودرجات الحرارة المميزة لسحنة الشست الأزرق. ومن المحتمل أن تحول الشست الأزرق يحدث حاليا على امتداد الحافة الهابطة للوح الهادءيء، حيث يندس تحت شاطيء الأسكا وجزر اليوشان. ويتكون عند أعماق أكبر سحنة الإكلوجيت حيث تكون درجة الحرارة أكثر ارتفاعا.
وتتواجد الظروف المميزة لسحنتي السشت الأخضر والأمفيبوليت عندما يزيد سمك القشرة القارية نتيجة التصادم القاري، أو ارتفاع درجة الحرارة بواسطة الصهارة الصاعدة. ويعتبر التصادم القاري أكثر مناطق التحول الإقليمي شيوعا، حيث يمكن رؤية مساحات عريضة من الصخور المتحولة إقليميا في جبال الأبلاش والألب. كما يتميز عديد من المناطق في مصر والمملكة العربية السعودية بوجود عدة مناطق متحولة إقليميا مثل منطقة حفافيت بالصحراء الشرقية المصرية ووادي فيران ووادي الشيخ بسيناء. ويحدث مثل هذا التحول حاليا تحت جبال الهيمالايا، حيث يزداد سمك القشرة القارية نتيجة التصادم،وتحت جبال الأنديز حيث يزداد سمك القشرة الأرضية وترتفع درجة حرارتها من الصهارة الصاعدة. أما الأجزاء العميقة من القشرة القارية، فإنها تسخن وتتحول إلي رتب مختلفة نتيجة تصادم القارات وزيادة سمك الغلاف الصخري، بينما يبدأ الانصهار الجزئي الرطب في النطاقات الأعمق حيث تتكون صخور الميجماتيت، وقد تستمر العملية لتصل إلي الانصهار الكامل وتكون الصهارة. وبهذه الطريقة ينشأ خليط معقد من الصخور المتحولة والنارية في لب أحزمة التجبل، التي تنشأ خلال عملية تكون الجبال. وعندما تقوم التعرية بإزالة الطبقات السطحية بعد ملايين السنين، ينكشف لب أحزمة الجبال على السطح، مما يؤدي إلي إمداد الجيولوجيين بسجل صخري لعمليات التحول التي كونت الشست والنيس وصخور متحولة أخرى.
وترتبط أيضا عملية التحوال ونشأة المحاليل الحرمائية بتكتونية الألواح، نظرا لأن التحوال يرتبط بالتحول الإقليمي والنشاط الصهاري. ويوضح شكل (19 – 11) مثالا لتوزيع رواسب النحاس الغنية بمعدن الكالكوبيريت في أمريكا الشمالية والجنوبية، حيث يمكن تمييز حزام من الرواسب المعدنية المتكونة في / أو مرتبطة ببراكين طباقية قديمة تمتد على الحافة الغربية للأمريكتين. وقد نشأت الصهارات التي كونت البراكين الطباقية نتيجة للانصهار الجزئي الرطب لقشرة محيطية مندسة، بالإضافة إلي صخور الوشاح المتواجدة فوقها. كما كانت الصهارات مصدرا لحرارة المحاليل الحرمائية، والتي أدت إلي تحول تلك الصخور المجاورة لها، والتي انسابت خلالها المحاليل لتكون رواسب الخامات. كما يوجد التحول الحرمائي مصاحبا لمراكز الانتشار أيضا عند حيود وسط المحيط أي عند حواف القارات المتباعدة.
ويعتقد أن التحول بالدفن يوجد في الأجزاء السفلى من التراكمات السميكة للرواسب التي تتراكم على الرفوف والمنحدرات القارية. ومن المعروف أن مثل هذا التحول يحدث اليوم في التراكم الضخم للرواسب في خليج المكسيك.
الفصل التاسع: الزمن الجيولوجي
يختلف الجيولوجيون، وكذلك علماء الفلك، عن معظم بقية العلماء في تعاملهم مع الزمن، فالفيزيائيون والكيميائيون يقومون بدراسة عمليات تدوم لفترة تقل عن كسور الثانية، بينما يقوم آخرون بإجراء تجارب تستمر من بضع دقائق إلي عدة ساعات. وعلى العكس من ذلك فإن الجيولوجيين يتعاملون مع مدى واسع من الزمن. فالههزات الأرضية تستمر لثوان أو دقائق، بينما يمتد بناء الجبال لعدة ملايين من السنين. ويتعامل الجيولوجيون مع نوعين من الزمن: زمن نسبي وزمن مطلق. ويعرف الزمن النسبي relative time بأنه ترتيب الأحداث الماضية ترتيبا زمنيا حسب ترتيب وقوعها. أما الزمن المطلق absolute time فهو الزمن المقدر بالسنوات منذ وقوع حدث ما. ويشبه تحديد العمر النسبي معرفة أن الحرب العالمية الأولى سبقت الحرب العالمية الثانية. أما العمر المطلق فهو معرفة عدد السنين منذ أن بدأت وانتهت كل منهما.
وقد كان جيمس هاتون James Hutton أول من فهم المعنى الحقيقي للزمن النسبي في الجيولوجيا. ولم يكن لدى هاتون أية وسيلة لقياس الزمن المطلق في تاريخ الأرض، ولكن استطاع هاتون أن يثبت أن تتابع الأحداث الجيولوجية القديمة في أسكتلندا قد حفظ في السجل الصخري، حيث يمكن استخدام الصخور التي تكونت في الماضي وحفظت من التعرية كذاكرة للأرض لتسجيل الأحداث الجيولوجية الماضية. وقد استطاع تشارلز ليل Charles Lyell ، وهو أسكتلندي الأصل مثل هاتون، استخدام اكتشاف هاتون لتحديد العمر النسبي لكل الأحداث الجيولوجية. وقد أدرك ليل أن بعض العمليات الجيولوجية البطيئة مثل التعرية، تعني أن الزمن الجيولوجي النسبي تقابله فترات زمنية مطلقة ضخمة. ولم يستطيع ليل أن يتخطى هذا التفكير بالنسبة للزمن الجيولوجي، حيث كانت تنقصه وسيلة تقدير العمر المطلق مثل هاتون، نظراً لأن النشاط الإشعاعي (إشعاع ذري)، وهو الطريقة الدقيقة لتقدير الزمن المطلق، لم يكن قد اكتشف بعد. والنشاط الإشعاعي هو ساعة طبيعية تدق باستمرار فتترك سجلا محفوظا لهذه الدقات في الصخور. ولقد أظهر سجل الساعة الإشعاعية أن عمر الأرض يقدر ب4.8 بليون سنة. وهذا العمر الزمني الجيولوجي أكبر بكثير جدا مما تخليه ليل أو أي من رفاقه. لذلك فإن إدراك هذا الامتداد الزمني الطويل جداً يعتبر عملية صعبة جداً، لأننا نقيس الزمن منسوباً لعمر الإنسان، وهو ما يمثل مجرد لحظة في الزمن الجيولوجي. وهناك وسيلة لإدراك طول الزمن الجيولوجي استخدمها دون إيشر Don L Eicher عام 1968م في كتابه "الزمن الجيولوجي" حيث مثل كل الزمن الجيولوجي وهو 4.6 بليون سنة بسنة ميلادية واحدة طولها اثنا عشر شهرا. تمتد من يناير حتى ديسمبر، ويكون ترتيب الأحداث الجيولوجية المهمة، خلال هذه السنة، على النحو التالي:
- الفترة من أول يناير حتى منتصف شهر مارس، فترة مفقودة من تاريخ الأرض.
- يرجع عمر أقدم الصخور على وجه الرض إلي منتصف شهر مارس.
- خلق أقدم كائن على وجه الأرض في البحار في شهر مايو.
- انتقلت النباتات والحيوانات إلي اليابس في نهاية شهر نوفمبر.
- تكونت رواسب الفحم السميكة في أوروبا وأمريكا في بداية شهر ديسمبر.
- وصلت الديناصورات إلي قمة انتشارها في منتصف شهر ديسمبر. اختفت الديناصورات من على وجه الأرض في 26 ديسمبر.
- ظهرت القردة العليا الشبيهة بالإنسان في ليلة 31 ديسمبر.
- بدأت أحداث المثالج القارية continental glaciers في التراجع والتقلص من منطقة البحيرات العظمى في كندا وشمال أوروبا قبل حوالي دقيقة واحدة و15 ثانية قبل منتصف ليلة 31 ديسمبر.
- حكمت روما العالم الغربي لدة 5 ثواني من الساعة 11:59:45 إلي 11:59:50 قبل منتصف ليلة 31 ديسمبر.
- اكتشف كولومبس أمريكا قبل ثلاث ثوان من منتصف ليلة 31 ديسمبر.
- ظهر علم الجيولوجيا على يد جيمس هاتون قبل حوالي ثانية واحدة من نهاية العام.
| - العمر النسبي
تختلف الطرق التي يقيس بها الجيولوجيون الزمن عن كل طرق قياس الزمن التي عرفها الإنسان على امتداد تاريخه. فالأحداث التاريخية دونتها البشرية وتناقلتها من جبل إلي جبل. ونحن معتادون على أنواع معينة من مقاييس الزمن التاريخي. ونحن نتذكر من حين لآخر تواريخ محددة ذات أهمية خاصة في حياتنا. ويمكن ترتيب هذه الأحداث على مقياس الزمن ترتيبا متسلسلا من الأقدم إلي الأحدث ، كما يمكن تحديد أعمارها المطلقة مقدرة بالسنين.
ويشمل الزمن الجيولوجي الأحداث التي وقعت في فترة ما قبل التاريخ بداية من نشأة الأرض، مرورا بكل الأحداث التي شكلت الأرض حتى اليوم، مرتبة ترتيبا متسلسلا حسب تاريخ وقوعها. وتقدر الأزمنة بملايين السنين من الآن، ويعبر عنها اختصارا بالرمز Ma. وقد سجل هذا الزمن الجيولوجي في صخور صفحات وفصول الكتاب الذي يحوي أسرارا تكوين الأرض في الماضي.
وفي الحقيقة فإن مقياس الزمن الجيولوجي يشمل مقياسين هما: المقياس النسبي والذي يعبر عن ترتيب الأحداث الجيولوجية كما حددت من خلال وضعها في السجل الصخري. وتطلق على الفترات المختلفة منالزمن الجيولوجي مسميات مميزة مثل: الكمبريوالبرمي والطباشيري. أما المقياس الثاني فهو المقياس المطلق والذي يقدر الأعمار بعدد السنين مقدرة بملايين السنين من الآن (Ma). وتبنى هذه الأعمال على التحلل الإشعاعي الطبيعي لعناصر كيميائية مختلفة، توجد بكميات قليلة في معادن معينة في بعض الصخور. ويمثل الإلمام بقواعد تقدير العمر النسبي والمطلق حجر الزاوية في فهم تاريخ الأرض.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف أمكن لعلماء الأرض أن يقرأوا ويفكوا شفرة التاريخ المسجلعلى هذه الصخور؟، وكيف رتبوا الأحداث الجيولوجية في إطار زمني متسلسل؟. وسنحاول في هذا الفصل أن نختبر الطرق الرئيسية التي اتبعها علماء الأرض لتحديد الزمن. كما سنعرف التطور التاريخي لمفاهيم الزمن الجيولوجي ومولد وتطور العمود الجيولوجي. ونبدأ بمناقشة وسائل تقدير العمر النسبي في الجيولوجيا:
أ - السجل الطبقي (الاستراتجرافي)
من بين أنواع الصخور الثلاثة (النارية والرسوبية والمتحولة)، والتي تكون القشرة الأرضية، فإن الصخور الرسوبية تمدنا بسجل أكثر اكتمالا لتاريخ الأرض. وعلى الرغم من أن الصخور النارية تمثل أكثر من 90% من حجم القشرة الأرضية، فإن الصخور الرسوبية تمثل أكثر من 75% من الصخور المكشوفة على سطح الأرض أو توجد في الكيلومترات القليلة القريبة من السطح. وتمثل الطباقية stratification أو bedding التي توجد في الصخور الرسوبية أهمية خاصة في بناء تاريخ الأرض، حيث تسمح الطباقية بوضع ترتيب وتنظيم وتحديد للتتابعات الطبقية stratigraphic sequences.
ويعرف علم الطبقات (الاستراتجرافيا) stratigraphy بأنه العلم الذي يدرس الصخور الطباقية أو الطبقات ومضاهاتها. وهو يدرس العلاقات المكانية والزمنية بين أجسام الصخور وديناميكية ترسيبها، والتي يمكن ملاحظتها وتفسيرها. وتنتج الطباقية من ترسيب وتجمع الحبيبات الصلبة، والتي تستقر على القاع من الماء أو الهواء تحت تأثير الجاذبية الأرضية في هيئة طبقات beds متتالية متعاقبة.
وتحدث عملية الترسيب بشكل دوري تعكس فترات ترسيب يعقبها فترات سكون أو توقف للترسيب. وهذا النشاط الدوري في الترسيب هو المسئول أساسا عن الأنسجة المختلفة التي تلاحظ في الطبقات المتتالية، وأيضا في أسطح الطباقية bedding planes التي تفصل بينها. وتحدث عملية الترسيب في أحواض ترسيب مختلفة الأحجام. وتتصلد الرواسب وتتصخر نتيجة للدفن تحت طبقات لاحقة لها، مما يزيد من وضوح أسطح الطباقية والحدود بين الطبقات.
1 – القواعد الأساسية لتحديد العمر النسبي
هناك عدة قواعد أساسية تستخدم لتفسير الأحداث الجيولوجية في السجل الصخري، يمكن توضيحها فيما يلي:
أ – قاعدة تعاقب الطبقات priniciple of stratigraphic superposition
هى إحدى القواعد الأساسية لعلم الطبقات، وتنص على أن كل طبقة في التتابع الرسوبي الذي لم يتعرض لأية قوى تكتونية تكون أحدث عمرا مما تحتها وأقدم في العمر من الطبقة التي تعلوها (شكل 9 – 1 أ). ويعتبر تطبيق قاعدة التعاقب الطبقي هو الخطوة الأولى في تقدير العمر النسبي في الصخور الطباقية.
وحيث إن قاعدة التعاقب الطبقي تحتم عدم تعرض التتابع الطبقي لتأثيرات تكتونية، فإنه من المهم أن نعرض لقاعدة أخرى علم الطبقات تعالج التاريخ النسبي في التتابعات المتأثرة بالعمليات التكتونية، وهو ما يعرف بقاعدة الأفقية الأصلية.
ب – قاعدة الأفقية الأصلية Principle of original horizontality
وهى تنص على أنه ليس فقط عملية الترسيب التي تحدث من أسفل لأعلى (وبالتالي تتجمع الرواسب في طبقات متلاحقة)، ولكن أيضا أسطح الترسيب، والتي تكون مستوية أساسا ولا تميل إلا بدرجات قليلة عن الأفقي، لأن الأسطح التي تتجمع فوقها الرواسب (والتي تفصل بين الرواسب من جهة والماء أو الهواء من جهة أخرى) تكون أفقية أساسا، وتتجمع فوقها الحبيبات تحت تأثير الجاذبية. وعلى الرغم من أن التطابق المتقاطع cross – bedding والذي سبق مناقشته أثناء دراسة الصخور الرسوبية، يكون مائلا، إلا أن التوجه الكلي لوحدات التطبق المتقاطع تكون أفقية. وعندما نشاهد تتابعات طبقية تميل على الفقي بشكل واضح، فإن هذا يعزي إلي أن أحداث ما بعد الترسيب أدت إلي ميلها. فإذا مال تتابع طبقي أكثر من الوضع الرأسي سمى التتابع الطبقي معكوس الوضع reversed ويكون وضع الطبقات مقلوبا overturned. وتعمل القوى التكتونية على إمالة وطي وتكسير الطبقات الصخرية الموجودة في القشرة الأرضية.
ويحتم تحديد ترتيب الطبقات في التتابع الطبقي الرسوبي أن نحدد بشكل دقيق سمات السطح العلوي والسفلي للطبقات. وتكون هذه السمات عبارة عن تراكيب رسوبية أولية تتكون عند ترسيب الرواسب. وتوجد التراكيب الرسوبية على السطح الخارجي للطبقات، كما قد توجد داخل الطبقات أيضا (شكل 10 – 13).
ج – قاعدة الاستمرارية الجانبية الأصلية Principle of original lateral continuity
تترسب الصخور الرسوبية في أجسام ثلاثية الأبعاد، وتمتد أفقيا في كل الاتجاهات حتى تتلاشى عند حافة حوض الترسيب الذي تترسب فيه، أو تتغير خواصها إلي نوع آخر من الرواسب. ويتحدد امتداد الطبقات أفقيا من خلال عملية المضاهاة correlation. فعندما تضاهى المنكشفات المنفصلة للوحدة الصخرية نفسها بشكل صحيح، فإنها تدل على أن هذه المكشفات عبارة عن أجزاء مما كان وحدة واحدة متصلة في الأساس.
وتحمل الطبقات الرقيقة الواسعة الانتشار التي لها صفات خاصة مميزة أهمية زمنية، أي تعبر عن لحظة زمنية محددة يمكن استخدامها كخطوط تعبر عن التساوي الزمني عند إجراء المضاهاة. وتعتبر هذه الوحدات الفيزيائية المتماثلة متزامنة جيولوجيا على امتداد منطقة تواجدها، مثل طبقات الرماد البركاني والتي تأخذ شكل الفريشة (الملاءة) blanket تترسب من التدفقات البركانية. وتقدم هذه الطبقات الدالة key or marker beds وسيلة مضمونة على نطاق شبه إقليمي لإجراء المضاهاة.
د – قاعدة علاقات القطع المستعرض Principle of cross – cutting relationships
من المباديء المهمة المستخدمة في تحديد العمر النسبي قاعدة علاقات القطع المستعرض. ويدل مفهوم هذه القاعدة على أن أي شيء يقطع طبقة من الصخور الرسوبية أو أي نوع من الصخور يكون أحدث عمرا من الطبقة الرسوبية أو تلك الصخور، بمعنى أن القاطع يكون أحدث عمرا من المقطوع، فأجسام الصخور النارية المتداخلة (مثل: القواطع dikes) والصدوع تقطع الصخور والتراكيب السابقة عليها في التكوين، وبالتالي فهى أحدث عمرا منها (شكل 9 – 1 ب).
هـ - قاعدة المكتفات (المتداخلات) Principle of inclusions
وهى تنص على أن الفتات والحبيبات التي توجد في صخر تكون أقدم عمرا من الصخر نفسه. فإذا احتوت طبقة ما على فتات من طبقة أو جسم ناري مجاور كانت تلك الطبقة الأخيرة أو الجسم الناري أقدم عمرا والعكس صحيح (شكل 9 – 2).
و – قاعدة التتابع الحفري Principle of fossil succession
لعبت قاعدة التتابع الحفري دورا رئيسيا في تطور علم الجيولوجيا التاريخية، وهى تنص على أن كل طبقة أو مجموعة من الطبقات في التتابعات الرسوبية تحتوي على حفريات مميزة تختلف عما تحتها ومافوقها. وتمثل الحفريات fossils بقايا كائنات حية قديمة أو آثارها، وهى تساعد كثيرا في تحديد العمر النسبي للصخور الرسوبية. وقد دعمت قاعدة التتابع الحفري قاعدة التعاقب الطبقي كثيرا، لأن الحفريات ليست كالحبيبات غير العضوية تتواجد عشوائيا، وإنما تتواجد بنظام محدد يمكن تتبعه. فأنواع الصخور يمكن أن تتكرر كثيرا في التتابعات الطبقية الرأسية بتكرار ظروف الترسيب، بينما تتغير المجموعات الحفرية باطراد رأسيا ولا تتكرر أبدا بسبب نظام الذي لا يعيد الكائن المنقرض مرة ثانية. ويسمى هذا الترتيب الطبقي للحفريات بالتتابع الحفري (تتابع المجموعة الحيوانية faunal succession).
س – بصمات المغناطيسية الأرضية القديمة Paleomagnetic signatures
من الإضافات المهمة التي حدثت في القرن العشرين إلي علم الطبقات اكتشاف بصمات المغناطيسية الأرضية القديمة paleomagnetism في الصخور.حيث يظهر في صخور التتابعات الطبقية تتابع من أحداث القطبية المغناطيسية (أي اتجاه المجال المغناطيسي للأرض في وقت ما)، من القطبية العادية أي المماثلة لاتجاه المجال المغناطيسي الحالي للأرض والقطبية المعكوسة أي يكون اتجاه المجال المغناطيسي عكس اتجاه المجال الحالي، حيث يكون قطب الأرض الشمالي متجهاً نحو الجنوب الحالي. ولقد تعرض المجال المغناطيسي للأرض للانقلاب كثيرا طوال تاريخ الأرض الطويل، كما تغير موضع الأقطاب المغناطيسية كثيرا جدا أيضا بسبب حركة الكتل المتقاربة بالنسبة للأقطاب. وهذا يقدم وسائل أخرى لتقسيم التتابعات الطبقية، كما يمكن به إجراء المضاهاة بين التتابعات الطبقية المتباعدة أيضا.
2 – عدم التوافق
من الظواهر الطبقية المهمة التي تفيد كثيرا في تحديد العمر النسبي والتاريخ الجيولوجي ما يعرف بعلاقة عدم توافق unconformity. ويعرف عدم توافق بأنه سطح تعرية أو عدم ترسيب مدفون، ولالتالي فهو يعبر عن جزء مفقود من السجل الجيولوجي نتيجة العرية وعدم الترسيب (شكل 9 – 3). فعدم التوافق هو سطح بين طبقتين يفصل بينهما فاصل زمني. ويمكن تعرف أربعة أنواع من عدم التوافق (شكل 9 – 4)، هى:
1 – عدم التوافق التبايني nonconformity وهو سطح طبقي يفصل بين صخور متبلورة (نارية أو متحولة) أقدم عمرا وأخرى رسوبية أحدث عمراً.
2 – عدم التوافق الزاوي angular unconformity وهو سطح تعرية يفصل بين مجموعتين من الطبقات مختلفتين في زاوية الميل.
3 – عدم التوافق التخالفي disconformity وهو نوع يصعب تعرفه، حيث يوجد سطح تعرية متعرج يصعب تعرفه، حيث يوجد سطح تعرية متعرج الشكل بين طبقات متوازية، وفيه يقطع سطح عدم التوافق أسطح الطباقية، ويكون الشاهد عليه وجود دليل على حدوث عملية تجوية مثل وجود فتات من الصخور التي تليه في الصخور التي تعلوه، مثل صخر الكونجلومرات.
4 – شبه التوافق Paraconformity وهو أصعب أنواع عدم التوافق، حيث يعتمد تعرفه على اختلاف عمر الطبقات التي تليه عن الطبقات تعلوه، ويكون الشاهد عليه اختلاف المحتوى الحفري لكلا التتابعيين أسفله وأعلاه. ويوضح شكل (9 – 5 أ) عدم التوافق الزاوي في المنطقة شمال حمام فرعون – سيناء – مصر، بينما يوضح شكل (9 – 5 ب) عدم توافق تبايني في الواحات البحرية بمصر.
ويعبر عن الفترة الزمنية المقابلة لعدم التوافق بثغرة ترسب (الثلمة) hiatus، وهى تساوي الفرق في الزمن بين الصخور التي تقع فوق سطح عدم التوافق وتلك التي تحته (شكل 9 – 6). وتجدر الإشارة إلي أن سطح عدم التوافق يمثل غيابا لفترة زمنية طويلة جيولوجيا. أما إذا كانت الفترة المفقودة من التتابع الطبقي قصيرة فإننا نشير إليها بالفصلة diastem. وفي العادة فإن عدم التوافق يشير إلي فقد لفترات زمنية تتراوح بين ملايين أو عشرات الملايين من السنين، بينما تعبر الفصلة عن فقد لفترات زمنية قصيرة نسبيا تصل إلي أسابيع أو شهور أو حتى قرون.
وتسمح القواعد الأساسية السابق ذكرها بتحديد العمر النسبي بالنظر إلي مجموعة رأسية من الطبقات، أو إلي أي تتابع طبقي (استراتجرافي) stratigraphic – sequence على أنه سجل مرتب زمنيا للتاريخ الجيولوجي لمنطقة ما. ويسمى الخط الزمني المقابل والموضوع على أساس هذا التتابع بالزمن الجيولوجي geologic time، وهو الممثل زمنيا لهذا التتابع، أي كسجل جزئي كامل للوقت الذي انقضي منذ ترسبت أقدم الطبقات في أسفل التتابع إلي أحدث الطبقات في أعلى التتابع (يستخدم مصطلح الزمن الجيولوجي أيضا للإشارة إلي الفترة الزمنية الممتدة، منذ انتهاء مرحلة تكوين الأرض ككوكب منفصل حتى بداية التاريخ المكتوب). وتختلف التتابعات الطبقية عن التتابعات الرسوبية التي تم مناقشتها في الفصل السابع. فالتتابعات الرسوبية هى تغيرات رأسية في التركيب الصخري للرواسب المتكونة في بيئة ترسيب واحدة. أما التتابع الطبقي فهو أشمل في التعريف ويضم طبقات واسعة التغيير لكل منها أصل مختلف. وبينما يتم التأكيد في التتابعات الرسوبية على طبيعة الأنواع المتتابعة من الرواسب فإن التأكيد في التتابعات الطبقية (الاستراتجرافية) يكون على التتابع الزمني للطبقات المكونة للتتابع وظروف الترسيب.
|| - مضاهاة الوحدات الضرية
تمكن المساح الإنجليزي وليام سميث William Smith عام 1793م من تعرف أن الحفريات يمكن استخدامها لتحديد الأعمار النسبية للصخور الرسوبية. وقد لاحظ من خلال دراسة العديد من الحفريات أن الطبقات المختلفة كانت تحتوي على أنواع مختلفة من الحفريات، وأنه يمكن تمييز طبقة عن الأخرى باستخدام الحفريات المميزة لكل طبقة. ويسمى هذا الترتيب الاستراتجرافي للحفريات بالتتابع الحفري faunal succession.
وقد فتح هذا الاكتشاف الباب لعمل مضاهاة للطبقات الرسوبية على مساحات أوسع. وتعنى المضاهاة correlation تحديد التماثل بين أجزاء وحدة استراتجرافية مفصولة جغرافياً. وتشمل الوحدات الاستراتجرافية طبقة أو مجموعة من الطبقات من الطبقات تتميز ببعض الخصائص الفيزيائية أو الكيميائية أو الحيوية. ولقد قام سميث في بادئ الأمر بمضاهاة الطبقات على أساس التشابه في الخواص الفيزيائية (التركيب الصخري والمعدني)، بالإضافة إلي محتواها الحفري وذلك على مسافات تبلغ عدة كيلومترات، ثم بعد ذلك على مسافة عشرات الكيلومترات. ولقد أصبح من الممكن استخدام الحفريات وحدها في عمل مضاهاة بين تتابعات تفصل بينها مئات أو آلاف الكيلومترات.
ويشمل ما يعرف بقانون المضاهاة القواعد التي وضعها سميث للمضاهاة بين التتابعات الطبقية. وينص هذا القانون على أن: "الطبقات التي لها نفس التركيب الصخري والمعدني والتي تحتوي على حفريات متشابهة تنتمي إلي نفس العمر الجيولوجي".
ويتضمن عمل المضاهاة هدفين أساسين: الأول تحديد الأعمار النسبية للوحدات المنكشفة بالنسبة لبعضها البعض في المنطقة التي يتم دراستها، والثاني عمل مقارنة بين أعمار الوحدات بالنسبة إلي مقياس الزمن الجيولوجي. وتتم مضاهاة الوحدات الصخرية بعدة طرق (شكل 9 – 7)، تشمل أنواع الصخور المتشابهة والوضع في التتابع الطبقي والمحتوى الحفري.
وتستخدم مميزات الصخور مثل اللون وحجم الحبيبات والتراكيب الرسوبية التي تسمح بتميز كل وحدة صخرية عن الأخرى عند عمل المضاهاة بين الوحدات الصخرية، خاصة إذا كانت المنكشفات كافية. ومن الأهمية بمكان معرفة أن عملية مضاهاة الصخور يقابلها الكثير من الصعوبات عند تطبيقها، لذلك يجب مراعاة القواعد التي وضعها الجيولوجيون بعد سميث للتوصل لعمل مضاهاة دقيقة. فيجب عند استخدام قاعدة الاستمرارية الجانبية lateral continuity principle مراعاة أن تلك الطريقة يمكن استخدامها عند المضاهاة في حوض ترسيبي واحد، لأنه من المعروف أن الطبقات الرسوبية تستدق وتنتهي عند حواف أحواض الترسيب، كما أنها قد تتدرج إلي أنواع أخرى من الصخور نتيجة تغيرات السحنات (شكل 7 – 23). كما يجب مراعاة أن الاعتماد على التشابه الصخري فقط بين الطبقات لا يكفي كما ذكرنا إلا في حالات خاصة جدا. كذلك يجب مراعاة الوضع التركيبي للطبقات، حيث يمكن استخدام وضع الطبقات بالنسبة إلي تركيب تكتوني معين (مثل عدم التوافق مثلا) مما يساعد على مضاهاة الطبقات. ولكن قد تؤدي بعض الأوضاع التكتونية إلي تغير وضع الطبقات مما لا يسمح بتطبيق قاعدة تعاقب الطبقات. فعند ملاحظة ميل الطبقات والتوائها في شكل (10 – 12) مثلما يحدث أثناء التصادم القاري، فإن التشوه قد يكون كبيرا لدرجة أن الطبقات الأقدم قد تأتي فوق الطبقات الأحدث. وبالتالي فإن الاستنتاجات المبينة على الطبقات المقلوبة قد تؤدي قطعا إلي نتائج غير صحيحة عند تقدير الزمن النسبي للطبقات. ويمكن استخدام بعض الأدلة مثل علامات النيم والتطبيق المتدرج والتطبيق المتقاطع لتحديد ما إذا كانت الطبقات في الوضع الصحيح أم أنها قلبت شكل (10 – 13).
كما يمكن عمل المضاهاة بين الوحدات الصخرية عن طريق الوضع في التتابع الطبقي والطبقة الدالة key bed (شكل 9 – 7 ج) مثل طبقات الفحم والرماد البركاني. وتكون مثل هذه الطبقات مهمة عند عمل مضاهاة بين تتابعات صخرية، خاصة على نطاق إقليمي.
وتستخدم الحفريات للدلالة على زمن الوحدات الصخرية، حيث تمثل تلك الحفريات بقايا لكائنات حية عاشت لفترة زمنية خلال الزمن الجيولوجي الماضي.
وتسمى الحفرية التي تستخدم في تحديد عمر الطبقات التي تحتويها، بالحفرية المرشدة (الدالة) index fossil. ولكي تكون الحفرية مرشدة، فإننا يجب أن تكون شائعة في الطبقات ولها توزيع جغرافي واسع، ومدى زمني محدد. ومن أحسن الأمثلة على الحفرية المرشدة الكائنات الحية الطافية والتي تتميز بتطور سريع وانتشار جغرافي واسع (شكل 9 – 8). وإذا تم تعرف حفرية دالة في منكشف ما، فإن عملية المضاهاة تصبح سهلة وموثوق فيها. ويمكن بذلك عمل مضاهاة باستخدام التتابع الحفري (شكل 9 – 9) fossil succession.
وبالإضافة إلي المضاهاة بين الوحدات الصخرية المنكشفة فوق سطح الأرض، فإنه يمكن المضاهاة بين الوحدات الضخرية تحت السطحية عند البحث عن المعادن والفحم والبترول باستخدام تسجيلات الآبار well logs التي توضح الخصائص الفيزيائية المقاسة للقطاع الصخري أثناء الحفر، والعينات الأسطوانية cores التي يتم الحصول عليها من الآبار، وأيضا شظايا الحفر cuttings التي تخرج إلي سطح أثناء حفر الآبار.
وقد استطاع الجيولوجيون خلال القرنين الماضيين باستخدام التتابعات الحفرية والتتابعات الاستراتجرافية أن يضاهوا المتكونات في جميع أنحاء العالم ليخرجوا بنتيجة هذا الجهد، وهو مقياس الزمن الجيولوجي لكل الأرض.
||| - العمر المطلق
ناقشنا حتى الآن القواعد التي يمكن على أساسها ترتيب التتابعات الطبقية كما تستنتج من قوانين علم الطبقات المختلفة مثل: التعاقب الطبقي وعلاقات القطع المستعرض والتتابع الحفري وغيرها. إلا أن مقياس الزمن الجيولوجي لا يشمل فقط على مقياس نسبي ولكنه يشمل أيضا مقياساً مطلقاً مقدراً بالسنين من الآن، ومتراكباً مع القياس النسبي. وعلى الرغم من أنه مقدر بالسنين (عادة بالملايين Ma) من الآن، إلا أنه ليس تقديراً دقيقا بالمعنى الحقيقي، نظرا لوجود نسبة بسيطة من الخطأ في الحسابات. فإن تقديرا مطلقا مثل 4600 مليون سنة من الآن والممثل للحد الفاصل بين حقبتي الحياة القديمة والوسطي يعطينا تقديرا لدرجة القدم، كما يحدد المدى الزمني لتقسيمات العمود الجيولوجي النسبية.
ويلاحظ أن مقياس الزمن النسبي قد بني تدريجيا حتى أخذ شكله الحالي بنهاية القرن التاسع عشر. أما مقياس العمر المطلق، فقد تطور من خلال علم الزمن الجيولوجي geochronology والذي أصبح حقيقة واقعة في العقود الأولى من القرن العشرين بعد اكتشاف ظاهرة نشاط الإشعاع الذري radioactivity وتطبيقاتها على المعادن. وقد استمر تطبيق كلا المقياسين حتى اليوم. ويعتبر المقياسان النسبي والمطلق من الإنجازات المهمة في تاريخ العلم.
أ – أسس التقدير الإشعاعي
يبنى التقدير الإشعاعي على ظاهرة أن هناك كثيراً من الذرات غير الثابتة، وبالتالي التغير باستمرار إلي حالة أكثر ثباتا وأقل طاقة. ويترتب على عملية التغير هذه اضمحلال إشعاعي radioactive decay، يؤدي بدوره إلي انبعاثات إشعاعية radioactive emissions. وتختلف الذرات عن بعضها بعضا، والتي تدعى نوبات nuclides في عدد البروتونات (جسيمات مشحونة بشحنة موجبة) والنيوترونات (جسيمات متعادلة الشحنة) الموجودة في نواة الذرة.
ويعرف كل عنصر كيميائي في الجدول الدوري بعدد البروتونات في النواة، وهو عدد ثابت ومميز لكل عنصر، والتي تمثل العدد الذري atomic number. فعلى سبيل المثال، عنصر الهيليوم (He) وهو العنصر الثاني في الجدول الدوري على 92 بروتونا في نواته. أما رقم الكتلة mass number فهو عدد البروتونات مضافا إليه عدد النيوترونات الموجودة في نواة الذرة. أما المدارات حول النواة فتملأ بالإلكترونات (جسيمات مشحونة بشحنة سالبة)، والتي يساوي عددها عدد البروتونات الموجودة في نواة الذرة. وبالتالي فإن لكل نوية nuclide عددا ذريا مميزا.
وكل عنصر كيميائي، والذي هو عبارة عن نوية لها عدد ذري ثابت، يمكن أن يكون له أشكال مختلفة تدعى نظائر isotopes، والتي تتمايز بناءً على عدد النيوترنات الموجودة داخل نوياتها. وبالتالي فإن النظائر المختلفة للعنصر نفسه يكون لكل نظير منها رقم كتلة مختلف (شكل 9 – 10). فاليورانيوم- 245 ونظيره اليورانيوم -238 يحتويان على عدد البروتونات نفسه، بينما يختلفان في عدد النيوترنات (وبالتالي لهما رقما كتلة مختلفان). ويلعب هذان النظيران دورا مهماً في تقدير العمر المطلق لبعض أنواع الصخور النارية.
ومعظم نظائر العناصر الكيميائية الموجودة في الأرض هى عناصر مستقرة وغير معرضة للتحول. ولكن هناك عدداً قليلاً من النظائر مثل 14c تكون مشعة بسبب عدم استقرار النواة، حيث إن هناك حدوداً يمكن أن تتغير فيها أعداد الكتلة للنظائر لأي عنصر. وتتغير نواة النظير المشع ذاتيا إما إلي نواة نظير أكثر استقرارا للعنصر الكيميائي نفسه وإما إلي نظير لعنصر كيميائي مختلف. وتختلف سرعة التحول لكل نظير. وعلى الرغم من أن هذه العملية هى واحدة من التحولات – من نواة غير ثابتة إلي نواة أخرى أكثر ثباتا – إلا أنه أصبح من الشائع تسمية هذه العملية بالاضمحلال الإشعاعي radioactive decay كما سبق أن ذكرنا. ويسمى العنصر الذي تضمحل نواته إشعاعيا بالأصل (ولود) parent، ويسمى الناتج من الاضمحلال الإشعاعي بالوليد daughter. ويضمحل 14C إلي 4N ويضمحل 238U إلي 206pb، ويسمى كل من 14C و238U أصلا (ولودا) و4N و206pb وليدا.
ب – الاضمحلال الإشعاعي
إن عديداً من النظائر المشعة والتي كانت موجودة يوما ما في الأرض قد اضمحل ولم يبق لها وجود الآن. ويرجع السبب في ذلك إلي أن معدلات الاضمحلال الذاتي لهذه العناصر كانت سريعة. ومع ذلك فمازال يوجد حتى الآن القليل من النظائر المشعة والتي تتحول ببطء. ولقد بينت الدراسة المعملية الدقيقة للنظائر المشعة أن معدلات الاضمحلال لا تتاثر بأية تغيرات في البيئة الطبيعية أو الكيميائية. ولذلك لا يتغير معدل الاضمحلال لنظير ما سواءً كان في الوشاح أو في الصهارة أو في الصخر الرسوبي، وهذه نقطة مهمة توضح أن معدلات الاضمحلال الإشعاعي لا تتأثر بأية عمليات جيولوجية.
ويترتب على الاضمحلال الإشعاعي: (1) انطلاق جسيمات ألفا (انطلاق بروتونين ونيوترونين من نواة الذرة)، (2)انطلاق جسيمات بيتا (انطلاق إلكترون بسرعة عالية من النواة)، (3) كما قد تكتسب النواة إلكترونا من خارجها (شكل 9 – 11). ويترتب على الاضمحلال الإشعاعي بانطلاق جسيمات ألفا أن تفقد نواة العنصر الولود بووتونين ونيوترونين، ويتكون نظير وليد جديد يقل عدد الكتلة فيه بمقدار 4، كما يقل العدد الذري فيه بمقدار 2 عن النظير الولود. بينما في الاضمحلال الإشعاعي، فإن انطلاق جسيمات بيتا، يجعل النواة تطلق إلكترونا ويتحول أحد النيوترونات فيها إلي بروتون، وبالتالي تبقى كتلة النواة ثابتة، بينما يزيد العدد الذري بمقدار 1 ويتكون نظير جديد. وفي حالة اكتساب إلكترون، يلتقط أحد بروتونات نواة العنصر إلأكترونا من المدار الخارجي ويتحول إلي نيوترون، ممايترتب عليه نقص العدد الذري بمقدار 1، ويتكون نظير جديد، بينما تبقى الكتلة ثابتة.
معدل الاضمحلال الإشعاعي: تضمحل العناصر المشعة إلي نظائرها غير المشعة بانطلاق نواتج تحلل محددة. فمثلا يتحلل عنصر اليورانيوم – 238 إلي الرصاص – 206 من خلال 10 خطوات تحلل ألفا و7خطوات تحلل بيتا. وبغض النظر عن أي تعقيدات، فإن القانون الأساسي في الاضمحلال الإشعاعي ثابت، وهو "نسبة الذرات الأصل (الولودة) التي تضمحل إشعاعيا أثناء كل وحدة زمنية هى دائما النسبة نفسها". ومن المهم أن نعرف أن معدل التحلل أو الاضمحلال الإشعاعي rate of radioactive decay من عنصر ولود لنظيره الوليد يكون بمعدل ثابت لا يتغير، يسمى ثابت التحلل. وكما هو معروف في علم المعادن، فإذا دخلت نوية مشعة في تركيب معدن عند تبلوره، فإن كمية النظير المشع (النواة الأصل أو الولودة) والتي تتحلل إلي النظير غير المشع (النواة الوليدة) مثل تحول اليورانيوم – 238 إلي رصاص – 206، هومعامل فقط في الفترة الزمنية اللازمة للتحول. إلا أنه لدقة المعلومات، فإنه من المحتم أن تكون كل من النواتين الولودة والوليدة محفوظة في بناء الشبكة البلورية للمعدن. وتعكس نسبة النويات الولودة إلي النويات الوليدة في النظام البلوري المغلق طول الفترة الزمنية المنقضية منذ بدأت الساعة الزمنية في الدوران.
ويتميز كل عنصر مشع بفترة زمنية تسمى عمر النصف half – life، وهى الفترة الزمنية اللازمة لأن يتحول نصف عدد ذرات عنصر مشع ما إلي النظير غير المشع. ويحدث التحلل الإشعاعي بمعدل هندسي: أي أن عدداً ما من نويات عنصر مشع معين (N0) يتبقى نصف عددها مشعا (N|2) بعد مرور فترة عمر نصف واحدة، بينما نصف هذا العدد، أي ربع العدد الأصلي (N|4) سيبقى مشعا بعد مرور فترة عمر نصف أخرى، وبعد مرور فترة عمر نصف أخرى سيبقى ثمن الكمية الصلية (N|8)، وهكذا إلي مالا نهاية (شكل 9 – 12).
ويقدر عمر العينة الجيولوجية بالفترة الزمنية المنقضية منذ تبلور الشبكة البلورية للمعدن الحاوي للذرات المشعة. ويكون العمر عند لحظة البداية صفرا، وتكون نسبة ذرات النظير غير المشع عندئذ تساوي صفرا. وتقدر الفترة الزمنية منذ التبلور بقياس نسبة نوبات النظير المشع إلي نويات النظير غير المشع في المعدن. وبالطبع فإن عمر النصف للعنصر المشع يجب أن يكون معلوما ويضرب في نسبة نويات النظير المشع إلي نويات النظير غير المشع.
وعلى سبيل المثال، فإذا كانت نسبة اليورانيوم – 238 إلي الرصاص – 206 في عينة ما تساوي 1:1، فهذا يعني أن نصف المادة الصلية من اليورانيوم قد تحللت إلي رصاص، أي مضت فترة عمر نصف واحدة، وحيث إن عمر النصف لليورانيوم – 238 هو 4510 مليون سنة، فإن هذا سيكون عمر العينة.
ج – سلاسل الاضمحلال الإشعاعي الرئيسية
قدر عمر النصف للنويات المشعة المختلفة باستخدام أدوات تحليل دقيقة في المعمل. ووجد أن عمر النصف لبعض العناصر يكون أقل من ثانية، بينما يصل عمر بعضها الآخر إلي عشرات أو مئات أو حتى آلاف الملايين من السنين، فسلسلة تحلل اليورانيوم – 238 يتراوح عمر النصف فيها بين 0.00016 ثانية و4500 مليون سنة. ويحتاج تقدير عمر معظم الأحداث الجيولوجية باستخدام المواد المشعة التي لها عمر نصف طويل. ويوضح جدول (9-1) النظائر المشعةالرئيسية المستخدمة في تقدير عمر الصخور القديمة ونظائرها غير المشعة وعمر النصف لها والمعادن أو الصخور الرئيسية التي تحوي هذه العناصر وبعض تطبيقاتها المهمة.
ويعتبر عمر الصخور النارية والمتحولة هو عمر الانصهار حتى نقطة حرجة أساسية يطلق عليها درجة حرارة التثبيت blocking temperature، حيث يصبح معدن معين نظاماً كيميائياً مغلقا في سلسلة اضمحلال معينة. وتعطي الصخور النارية أفضل النتائج، لأن صخور هذه المجموعة هى نواتج تبلور مصهور سيليكاتي، ولهذا فهى صخور أولية. كما أن الصخور المتحولة يمكن أن تعطي أعمارا مطلقة أيضا، ولكن يكون العمر المقدر بهذه الطريقة هو عمر التحول، ولذلك فهى لا تعطي عمر الصخر الأصلي غير المتحول. وتشمل عمليات التحول إعادة بلورة المعادن الموجودة وأيضا تكوين معادن جديدة، ولذلك فإنها تعيد ضبط ساعة الزمن على البداية الجديدة.
أما الصخور الرسوبية فليست مناسبة للتقدير المطلق باستخدام العناصر المشعة، لأن الحبيبات الفتاتية المكونة لها يكون مصدرها أساسا صخور نارية أو متحولة أقدم عمرا. وتقدير عمر زيركون أو ميكروكلين فتاتي سيكون هو عمر الصخر الأضلي الناري أو المتحول الذي أتي منه الزيكون أو الميكروكلين وليس عمر الصخر الرسوبي نفسه. أما معدن الجلوكونيت، والذي يتكون من سيليكات بوتاسيوم حديد لونها أخضر، فإنه يتكون كمعدن أولي في بعض بيئات الترسيب البحرية، ويمكن أن يعطي تقديرات مقبولة للعمر المطلق لبعض الصخور الرسوبية من خلال احتوائه على بوتاسيوم – أرجون.
مصادر الخطأ: تأتي أفضل تقديرات العمر المطلق من ربط نتائج سلسلتي اضمحلال بعضهما ببعض. فإذا بقيت بلورة تحتوي على عنصر اليورانيوم في نظام بلوري مغلق فإن نتائج تقدير عمرها من نسب اليورانيوم – 238: الرصاص – 206 واليورانيوم – 235: الرصاص – 207 ستكون متطابقة. وتأتي أكبر مصادر عدم دقة النتائج في علم التاريخ الجيولوجي من أن الصخور والمعادن لا تبقى في أنظمة مغلقة، حيث تفقد النويات الوليدة غالبا مثل الأرجون – 40 (الآن الأرجون غاز ومن السهل تطايره). كما قد تختلط النويات الوليدة الناتجة عن الاضمحلال الإشعاعي بنويات العنصر نفسه المتكونة أصلا عند تبلور المعدن في البداية مثل نويات الرصاص الناتج عن الاضمحلال (رصاص – 206 ورصاص – 207 ورصاص – 208) والرصاص غير المشع المتكون عند التبلور والمسمى رصاص – 204. ولذلك فلابد أن تحدد كميته بدقة في العينة، قبل عمل النسبة التي يبنى على أساسها تقدير العمر.
كما قد ينشأ الخطأ أيضا من معامل التحليل نفسها. فتحديد نسبة النويات الولودة إلي النويات الوليدة يتم باستخدام جهاز يطلق عليه مطياف الكتلة mass spectograph، وهو جهاز تحليل على درجة عالية من الحساسية قادر على فصل وقياس نسب الجسيمات الدقيقة حسب الفروق في كتلتها. وتعتمد درجة الخطأ على كمية النظير المشع والنظير غير المشع وقرينه المتكون عند التبلور الأصلي، وأيضا عمر نصف العنصر الولود والعمر الحقيقي للعينة المدروسة.
ولهذا فإن العمر المطلق يعبر عنه برقم مع إضافة زيادة أو نقص إلي هذا الرقم، فمثلا يكون عمر حدث جيولوجي 250+- 20 مليون سنة. وبالإضافة إلي الأخطاء الروتينية وأخطاء التحليل، فإن مدى العمر الناتج يعبر عن درجة دقة القياس، مثل عينة يتراوح عمرها بين 460 و490 مليون سنة، وبالتالي فإنك قد تحلل عينة من الصخر نفسه، ويكون عمرها نحو 480 مليون سنة مثلا وهو تقدير يقع في مدى العمر السابق. وبالتالي فإن الدقة هى مقياس درجة بعد العمر المقدر عن العمر الحقيقي.
د – تحديد العمر باستخدام الكربون المشع
الكربون عنصر مهم في الطبيعة، وأيضا في تقدير عمر المواد العضوية الحديثة جدا. وتحتوي ذرة الكربون العادية على ستة بروتونات وستة نيوترونات في نواتها، ولهذا فإن عددها الذري 6 ووزنها الذري 12. وللكربون نظيران هما كربون 13C وكربون 14C ويتفاعلان كيميائيا مثل الكربون 12C تماما، وكربون 12 و13 مستقران بينما يكون كربون 14 مشعا. ويختلط مع 12C و13C وينتشر بسرعة في الغلاف الجوي والغلاف المائي والغلاف الحيوي. وترجع أهمية ذلك إلي أن النباتات والحيونات لا تستطيع التمييز بين مختلف أنواع الكربون، وبالتالي تستخدمها جميعا دون تمييز في تصنيع مختلف المواد العضوية كالسيليلوز أو فوسفات الكالسيوم في العظام والأسنان وكربونات الكالسيوم في الأصداف. ويكون كربون C14 غير ثابت ويضمحل بفقد جسيم بيتا من نوياته، ويتكون نتيجة لذلك نواة وليدة هى النيتروجين 14 (شكل 9 – 13).
ولا يحسب عمر المواد الحاوية للكربون من حساب نسبة الولودة (الكربون 14): نسبة الوليد (النيتروجين 14) كما هو الحال في تقدير العمر من نسبة اليورانيوم – رصاص. ويعتمد الأساس الذي يقوم عليه تقدير العمر المطلق باستخدام الكربون المشع Radiocarbon dating على تحديد نسبة كربون 14 إلي كربون 12 لتقدير عمر المواد التي كانت حية يوما ما، حيث تمتص كل الكائنات الحية كربون 14 المشع مع كربون 12 وكربون 13 بنسبة ثابتة تقريبا. ولهذا فإن معرفة عمر النصف للكربون 14 والتي تساوي 5730 سنة، ومعرفة ثابت التحلل يجعل عملية حساب زمن نبات أو حيوان ما عملية سهلة، من خلال قياس كمية الكربون 14 في البقايا المتحفرة. ويقتصر استخدام طريقة الكربون المشع على حد أقصى للعمر لا يزيد عن 70000 سنة، نظرا لقصر فترة عمر النصف له. ويعتبر الكربون المشع طريقة أساسية لعلم الآثار القديمة وجيولوجية البليستوسين. ومن التطبيقات المبكرة لهذه الطريقة بعد إجازة الطريقة عام 1947م تقدير العمر الدقيق لزحف الجليد القاري فوق أمريكا الشمالية. وقد أظهرت النتائج حدوث التغطية الجليدية قبل 11400 سنة مضت، وهو تقدير يقل بمقدار النصف عن التقدير، الذي سبق التوصل إليه من استخدام الشواهد الطباقية.
وهناك نظيران مشعان آخران قصيرا العمر استخدما بنجاح في تقدير عمر الأحداث الجيولوجية الحديثة وهما الثوريوم – 230 والبروتكتينيوم – 231. فالثوريوم – 230 ينتج في سلسلة تحلل اليورانيوم – 238 وعمر النصف 65000 سنة. أما البروتكتينيوم – 231 فينتج في سلسلة تحلل اليورانيوم - 235 وله عمر نصف 34000 سنة. ويتجمع كلاهما في رواسب قاع البحر، وبقياس تركيزهما النسبي أو نسبتهما المقارنة في الطبقات المختلفة للعينات الأسطوانية أثناء حفر بئر ومقارنتهما بمحتواهما في طبقة سطحية يمكن تحديد عمر الطبقات.
هـ - تحديد العمر باستخدام مسارات الانشطار
يمكن استخدام مسارات الانشطار النووي fission track dating كطريقة حديثة لتقدير العمر المطلق ثبت نجاحها. وهى عبارة عن ندوب تشبه الأنفاق الدقيقة للغاية التي لا ترى إلا تحت تكبيرات عالية في بعض بلورات المعادن. وتنتج هذه المسارات عندما تنطلق بعض الجسيمات عالية الطاقة من نويات ذرات اليورانيوم – 238 أثناء الانشطار اللحظي إلي نواتين أو أكثر أخف وزنا، بالإضافة إلي بعض الجسيمات النووية. وتنطلق الجسيمات داخل تركيب الشبكة البلورية للمعدن تاركة بصمة للمسار الذي سلكته، والذي يكون سعته ذرات قليلة. ويكون المعدل الطبيعي لإنتاج مسارات الانشطار في ذرات اليورانيوم شديد البطء، ويحدث بمعدل ثابت. وبحساب عدد مسارات الانشطار يمكن تحديد عدد الذرات التي اضمحلت فعلا، وبتعريض البلورة لمجال نيوتروني يحدث اضمحلال لبقية الذرات، ثم يعاد عدمسارات الانشطار مرة ثانية، وبإيجاد النسبة بين الذرات الوليدة الأولى والذرات الولودة يمكن حساب العمر المطلق.
ويبدو أن معادن مثل الأباتيت والزيركون والسفين تعطي نتائج جيدة، كما أن هذه الطريقة تستخدم لتحديد أعمار عينات يقل عمرها عن عدة قرون من السنين، كما تستخدم لتحديد أعمار صخور يصل عمرها إلي عدة بلايين من السنين، إلا أنها أكثر استخداما لتقدير عمر عينات تتراوح بين نحو 40000 سنة إلي مليون سنة مضت، وهى فترة زمنية لا تستخدم فيها التقنيات الأخرى بصورة عملية. ولكن هذه الطريقة كغيرها من طرق قياس العمر المطلق لها عوامل محددة. فدرجات الحرارة العالية يمكن أن تؤدي إلي اختفاء المسارات، كما يمكن أن يؤدي قذف الأشعة الكونية إلي زيادة سرعة الانشطار، مما يؤدي إلي تقديرات خاطئة.
و – تحديد العمر المطلق باستخدام الأحماض الأمينية
إن تحديد العمر المطلق باستخدام الأحماض الأمينية amino acids dating يعتبر طريقة أخرى حديثة، تعتمد على تحليل نسبة الحمض الأميني –D إلي الحمض الأميني – Lفي عظام حفريات ومواد أصداف العصر الرابع Quaternary، حيث ثبت جدواها. وقد أثبتت الأبحاث التي أجريت في سبعينيات القرن الماضي أن عملية تدعى تفاعل ريسمة الحمض الأميني amino acids racemization reaction يمكن استخدامها بمحاذير معينة، عند تحديد عمر مادة هيكلية، حيث إن الأحماض الأمينية المعروفة بL- amino acids توجد فقط في بروتينات الكائنات الحية. وعندما يموت الكائن وتمضي فترة زمنية تتحول هذه L- amino acids إلي الأحماض الأمينية غير البروتينية والمعروفة بD- amino acids خلال عملية تعرف بالريسمة racemization. وتزيد بثبات نسبة D- amino acids إلي L- amino acids في المادة الهيكلية مع الزمن حتى تصل هذه النسبة إلي 1.0. أما إذا زادت عن ذلك فتصبح النسبة زائفة، لأنه عكس سلاسل الاضمحلال الإشعاعي فإن التفاعل يكون عكسياً. وبتحديد المدى الذي وصلت إليه عملية الريسمة في عينة المادة الهيكلية، يمكن تحديد عمرها، آخذين في الاعتبار أنه يمكن معايرة العينة بعينة أخرى محددة العمر سلفا.
وبمقارنة طريقة الريسمةهذه بطريقة الكربون المشع، يتضح أننا نحتاج في هذه الطريقة إلي مقدار أقل من المادة العضوية، كما تطبق في مجالات أوسع من طريقة الكربون المشع. فهى تطبق في تحديد أعمار الحفريات البشرية المبكرة والشرفات البحرية، التي تكونت خلال مئات الآلاف من السنين الأخيرة.
|V – العمود الجيولوجي ومقياس الزمن الجيولوجي
إن أحد الإنجازات الكبيرة التي توصل إليها جيولوجيو القرن التاسع عشر من خلال عملية المضاهاة أنه يمكن الربط بين التتابعات الطبقية التابعة لزمن واحد. ولقد تمكن هؤلاء الجيولوجيون – ومن خلال عملية المضاهاة على مستوى العالم – من جمع عمود جيولوجي geologic column، هو عبارة عن قطاع رأسي مركب، يحتوي تتابع الطبقات المعروفة في ترتيب زمني على أساس محتواها الحفري، أو أي أدلة أخرى على العمر النسبي. ومازال يضاف إلي هذا المقياس العالمي، أو يتم إدخال تحسينات عليه حتى الآن، نتيجة وصف أو رسم خرائط لوحدات صخرية أكثر.
ويقسم الجيولوجيون كل التاريخ الجيولوجي إلي وحدات مختلفة المدى الزمني تقابل الوحدات الصخرية للعمود الجيولوجي. وتشمل في مجموعها مقياس الزمن الجيولوجي geologic time scale لتاريخ الأرض (جدول 9 – 2). وقد أدخلت وحدات مقياس الزمن الرئيسية خلال القرن التاسع عشر على يد علماء من غرب أوروبا وبريطانيا، ونظراً لأن تحديد العمر المطلق باستخدام المواد المشعة لم يكن معروفاً في ذلك الوقت، فإن مقياس الزمن قد أقيم باستخدام طرق قياس العمر النسبي. وقد أضيفت التقديرات المطلقة لوحدات مقياس الزمن بعد إجازتها في القرن العشرينز
أ – بناء مقياس الزمن الجيولوجي
يقسم مقياس الزمن الجيولوجي 4.6 بليون سنة والتي تمثل تاريخ الأرض إلي وحدات مختلفة وهى الدهور والأحقاب والعصور والأحايين، ويقدم إطارا زمنياً معقولاً ترتب داخله الأحداث الجيولوجية المختلفة منذ نشأة الأرض وإلي الآن. وكما يتضح من شكل مقياس الزمن الجيولوجي، فإن الدهور eons هى أكبر وحدات الزمن. ويشمل الدهر الذي بدأ قبل 560 مليون سنة دهر الحياة الظاهرة Phanerozoic وهو مصطلح مشتق من الكلمات اللاتينية التي تعني حياة ظاهرة، وهو وصف مناسب، لأن صخور ورواسب ذلك الدهر تحوي الكثير من الحفريات التي تسجل الاتجاهات التطورية الرئيسية في الحياة.
ويقسم دهر الحياة الظاهرة إلي ثلاثة أحقاب eras هى: حقب الحياة القديمة Era Paleozoic (يعني مقطع paleo قديم ويعني مقطع zoe حياة)، وحقب الحياة المتوسط Era mesozoic (يعني مقطع meso وسطي ويعني مقطع zoe حياة) وحقب الحياة الحديثة Cenozoic Era (يعني مقطع ceno حديث ويعني مقطع zoe حياة). وتعكس هذه الأسماء اختلافات واضحة في شكل الحياة على مستوى العالم عند الحدود بين الأحقاب. وينقسم كل حقب من الأحقاب الثلاثة إلي وحدات زمنية تسمى عصور periods. وينقسم حقب الحياة القديمة Paleozoic Era إلي ستة عصور، كما ينقسم حقب الحياة المتوسطى إلي ثلاثة عصور، وحقب الحياة الحديثة إلي عصرين. وتختلف الحياة من عصر إلي عصر، إلا أن هذه الختلافات التي توجد بين حقب وحقب. كما يقسم كل عصر من العصور إلي أقسام أصغر يطلق عليها الأحيان epochs، بينما يقسم الحين إلي أعمار ages (جدول 9 – 2). ويوضح جدول (9 – 3)أحقاب وعصور دهر الحياة الظاهرة، مع بيان مختصر لأصل أسماء مختلف الوحدات.
فترة ما قبل الكمبري Precambrian time
لا يمكن عمل تقسيم تفصيلي لمقياس الزمن الجيولوجي إلا في 570 مليون سنةالأخيرة من عمر الأرض، والتي تحتوي على بقايا الحياة الهيكلية المعقدة، وتمتد من بداية العصر الكمبري حتى الآن. وتقسم الأربعة بلايين سنة من عمر الأرض، والتي تسبق العصر الكمبري إلي ثلاثة دهور وهى الهاديان Hadean (تعني كلمة Hadean عالم الساطير الخفي للأرواح الراحلة)، والأركي Archean (وتعني كلمة archaios القديم أو السحيق)، والبروتيروزوي Proterozoic (وتعني كلمة proteros قبل و zoeتعني حياة). وكثيرا ما يطلق على هذه الفترة الزمنية الطويلة من عمر الأرض وبصورة غير رسمية مصطلح ما قبل الكمبري Precambrian. وعلى الرغم من أنه لا يقسم إلي أقسام كثيرة كتلك التي تكون في دهر الحياة الظاهرة.
ويرجع السبب في عدم تقسيم الفترة الزمنية الطويلة التي يشملها ما قبل الكمبري إلي أحقاب وعصور وأحيان كثيرة إلي أننا لا نعرف كثيراً عن تاريخ ما قبل الكمبري.وتماثل كمية المعلومات التي توصل إليها الجيولوجيون عن ماضي الأرض ماعرفوه عن تاريخ البشر. وكلما تعمقنا أكثر في الماضي قلت المعلومات التي نستطيع الإلمام بها. وبالطبع سجلت أحداث القرن التاسع عشر بشكل أفضل من أحداث القرن الأول الميلادي، وهكذا. وهذا ينسحب بالطبع على تاريخ الأرض، إذ كلما قدم الحدث كان أكثر تشوشا وأقل وضوحا. وهناك أسباب أخرى لتفسير نقص معلوماتنا عن تلك الفترة الزمنية من تاريخ الأرض والتي يشملها "ما قبل الكبري"، منها:
1 – لم يبدأ الانتشار الواسع للحياة في السجل الجيولوجي إلا من بداية العصر الكمبري. أما ما قبل الكمبري فقد انتشرت أشكال بسيطة من الأحياء مثل: البكتريا والطحالب والفطريات والديدانز وهى أشكال من الأحياء لا تحتوي على هيكل صلب، والذي يمثل أحد المتطلبات الأساسية لحفظ الكائنات الحية كحفريات. ولهذا السبب فإن السجل الحفري في ما قبل الكمبري يعد هزيلا.
2 – ولأن صخور ما قبل الكمبري شديدة القدم فقد تعرض معظمها لتغيرات كثيرة وشديدة. حيث يتكون معظم السجل الصخري في ما قبل الكمبري من صخور متحولة مشوهة بشدة. مما يجعل البيئة القديمة شديد الصعوبة نظرا لتشوه كل الشواهد التي كانت تميز الصخور الرسوبية.
وقد أمدتنا المواد المشعة بحل جزئي لمشكلة تحديد أعمار ومضاهاة صخور ما قبل الكمبري، إلا أن عدم حل تعقيدات ما فبل الكمبري يظل أمرا مثبطا للهمم.
ب – مشكلات تحديد الأعمار في مقياس الزمن الجيولوجي
على الرغم من أنه أمكن التوصل إلي تقديرات دقيقة لأعمار مختلف أقسام العمود الجيولوجي، فإن هذا لا يعني أن الأمر يخلو من صعوبات. وتكمن الصعوبة الأولى في وضع تقدير دقيق للعمر في أنه لا يمكن تقدير عمر كل الصخور باستخدام الطرق الإشعاعية، وذلك يرجع إلي أنه لكي تكون عملية التقدير دقيقة، فلابد أن تكون كل المعادن الموجودة في الصخر قد تكونت في وقت واحد. ولهذا السبب، فإننا نستخدم النظائر المشعة لتحديد متى تبلورت المعادن المكونة للصخر الناري، ومتى وصلت درجة الحرارة والضغط إلي الحد، الذي يساعد على تكوين معادن جديدة في الصخر المتحول.
أما الصخور الرسوبية فإنها نادرا ما يمكن تحديد عمرها باستخدام المواد المشعة مباشرة. وعلى الرغم من أن الصخور الرسوبية الفتاتية قد تحتوي على حبيبات بها نظائر مشعة، إلا أن عمر الصخر نفسه لا يمكن تحديده بطريقة دقيقة، لأن الحبيبات المكونة للصخر لا تنتمي إلي عمره نفسه. كما أن الرواسب تأتي من صخور مختلفة العمر بالتجوية. كما أن الأعمار المقدرة من الصخور المتحولة قد يصعب تفسيرها، لأن عمر معدن معين في الصخر المتحول لا يمثل بالضرورة عمر تكوين الصخر الصلي، بل قد يمثل مرحلة من مراحل التحول اللاحقة. اما إذا كان الصخر الرسوبي لا يحتوي على مواد مشعة مناسبة لتقدير عمره المطلق، فإنه يتحتم على الجيولوجي ربط الطبقات الرسوبية بأجسام نارية يمكن تحديد أعمارها المطلقة، حيث تكون الطبقات الرسوبية أقدم عمراً من الأجسام النارية غير المتأثرة بها في التتابع نفسه (شكل 9 – 14).
ومن مثل هذا النوع من الشواهد، يمكن للجيولوجي أن يقدر عمر الصخور الرسوبية تقديرا مطلقا. كما يتضح مدى أهمية الربط بين الدراسات المعملية والمشاهدات الحقلية عند القيام بهذه المهمة.
V – التصنيف الطبقي (الاستراتجرافي)
تضم الوحدات الطبقية (الاستراتجرافية) stratigraphic units مجموعة الطبقات التي يمكن تقسيمها بناءً على خصائصها الطبيعية أو الكيميائية أو محتواها من الحفريات. كما تشمل تلك الوحدات أيضا وحدات زمنية time units يتم وضعها بناءً على أعمار هذه الطبقات. ولقد تنبه العلماء في أواخر القرن التاسع عشر إلي أهمية فصل مفهوم الزمن الجيولوجي وتقسيماته عن أقسام الصخور، التي ترسبت خلال هذا الزمن. ولقد أدى هذا الفصل إلي نشأة وحدات الزمن الجيولوجي geologic time units والتي تشمل مختلف عصور periods الزمن الجيولوجي، وأيضا الوحدات الزمنية الصخرية time – rock units والتي تشمل أنظمة systems الصخور التي تكونت خلال هذه العصور (جدول 9 – 4).
وقد قام الجيولوجيون في مختلف أنحاء العالم منذ نهاية القرن التاسع عشر، وخلال القرن العشرين، بعمل شبكات من المضاهاة الاستراتجرافية وعمل تدقيق لمقياس الزمن الجيولوجي، إلا أنهم استخدموا مصطلحات ومفاهيم مختلفة مما أدى إلي حدوث كثير من اللبس. وللقضاء على هذا اللبس ولوضع قواعد ثابتة لتسمية الوحدات الطبقية الرسمية، عقد عديد من المؤتمرات العملية المحلية والدولية. وفي إطار هذا الاهتمام وبالتعاون بين جمعية أمريكا الشمالية للتسمية الطبقية North American Commission on Stratigraphic Nomenclature والجمعية الأمريكية للجيولوجيين العاملين في البترول American Association of Petroleum Geologists تم نشر عدد من طبعات "دليل التسمية الطبقية Code of Stratigraphic Nomenclature". وقد وضع هذا الدليل (الكود) في الأساس ليضع قواعد تسمية الوحدات الاستراتجرافية الرسمية المختلفة، مما يعمل على سهولة التواصل بين الجيولوجيين. ويشمل هذا الدليل خمسة أنواع من الوحدات، وهى: وحدات الزمن الجيولوجي geochronologic unitsأو time units والوحدات الطبقية الزمنية chronostratigraphic unitsأو time rock units والوحدات الطبقية الصخرية lithostratigraphic units أو rock units والوحدات الطبقية الحيوية biostratigraphic units ووحدات القطبية المغناطيسية الطبقية polarity time –rock أو chronostratigraphic units polarity.
ويقسم الزمن الجيولوجي إلي وحدات غير متساوية بناءً على طول الأحداث الجيولوجية المختلفة، وتشمل وحدات الزمن الجيولوجي time units: الدهر eon والحقب era والعصر period والحين epoch والعمرage ، مرتبة من الأطول إلي الأقصر. ويعتبر العصر period الوحدة الزمنية الأساسية. أما الوحدات الطبقية الزمنية time – rock units فتشمل الصخور التي ترسبت خلال الفترة الزمنية المساوية لوحدة الزمن الجيولوجي المقابلة لها. وهى تشمل وحدة صخور الدهر eonothem وتقابل الدهر، والتجمع أو صخور الحقب erathem ويقابل الحقب، والنظام system ويقابل العصر، والنسق series ويقابل الحين، والمرحلة stage وتقابل العمر، (جدول 9 – 5). وتأخذ كل وحدتين متقابلتين من الوحدات السابقة اسما واحدا، فمصطلح الكمبري Cambrian يطلق على العصر الكمبري Cambrian period والذي يشمل الفترة الزمنية الممتدة بين نحو 570 إلي 500 مليون سنة مضت، بينما يشير مصطلح نظام الكمبري Cambrian system إلي كل الصخور التي ترسبت خلال تلك الفترة الزمنية.
أما الوحدات الطبقية الصخرية، أو باختصار الوحدات الصخرية rock units، فتعبر عن تقسيم التتابع الطبقي بناءً على صفاته الصخرية، بصرف النظر عن زمن تكوين هذه الصخور أو طريقة تكوينها. وتشمل الوحدات الصخرية فوق المجموعة supergroup والمجموعة group والمتكون formation والعضو member والطبقة bed. والوحدة الرئيسية في هذا التصنيف هى المتكون formation. ويضم المتكون مجموعة من الطبقات التي لها نفس الخصائص الصخرية، وتحتوي عادة على نفس المجموعات من الحفريات. وقد تتكون بعض المتكونات من نوع صخري واحد مثل الحجر الجيري، بينما تتكون مكونات أخرى من طبقات رقيقة متبادلة من أنواع مختلفة من الصخور مثل الحجر الرملي والطفلي. وعلى الرغم من هذا الاختلاف، فإن كل متكون يحتوي على مجموعة من الطبقات الصخرية التي يمكن تتبعها على الخرائط الجيولوجية ذات مقياس الرسم المناسب (في حدود 1: 25000). ويسمى المتكون باسم بعض المعالم الجغرافية المحلية مثل الأنهار أو المدن أو غيرها، مثل متكون وادي النطرون Wadi Natrun Formation أو اسم صخر معين مثل طفل إسنا Esna Shale Formation. كما يجب أن يختار للمتكون منطقة مرجعية يوجد بها المتكون بشكل كامل. وعند كتابة المصطلح باللغة الإنجليزية تكتب الحروف الأولى كبيرة. ويجب اتباع النظام نفسه عند تسمية بقية الوحدات الصخرية مثل فوق المجموعة أو المجموعة أو العضو.
أما الوحدات الطبقية الحيوية فتقوم على أساس تقسيم التتابعات الطبقية على أساس محتواها من الحفريات. والوحدة الساسية للوحدات الحيوية هى النطاق الحيوي biozone وهى طبقة أو مجموعة من الطبقات، تتميز بوجود نوع معين وحيد أو مجموعة مميزة من الحفريات، بغض النظر عن حدود النوعية الصخرية الحاوية لها أو العمر. وقد تتطابق حدود النوع الحيوي مع حدود الوحدات الطبقية الأخرى وقد لا تتطابق. وإذا دلت الحفرية أو مجموعة الحفريات الدالة index fossils على زمن معين، سمي النطاق بالنطاق الزمني chronozone. ويختلف نوع النطاق بناءً على اختلاف درجة الدلالة الزمنية لمجموعة الحفريات المميزة للنطاق، فمنها نطاق المدى range zone، الذي يتحدد من بداية ظهور حتى اختفاء عنصر حفري واحد يميزه، ومنها نظاق المجموعة assemblage zone الذي يتحدد من بداية ظهور عنصرين حفرين أو أكثر حتى اختفائها. كما قد يكون نطاق وفرة acme zone وهو نطاق يتحدد من بداية انتشار ووفرة مجموعة حفرية معينة حتى تناقصها ويسمى النطاق باسم المجموعة الحفرية الدالة عليه.
أما وحدات القطبية المغناطيسية الطبقية polarity time – rock units (magnetostratigraphic units) فهى وحدات حديثة نسبيا، وتقوم على بصمات المغناطيسية القديمة paleomagnetism المتبقية في الصخور، والتي تقاس بهدف تحديد شدة واتجاه مجال الأرض المغناطيسي في الأزمنة الجيولوجية الماضية، حيث تشبه المغناطيسية المتحفرة في الصخور والتي يعبر عنها بنطاق قطبية polarity zone الحفريات المحتواة في الطبقات. وللبصمة المغناطيسية أهمية زمنية يعبر عنها كنطاق قطبية زمني polarity chronozone. وهذه الأهمية الزمنية لأحداث المغناطيسية القديمة وفترات القطبية تمكننا من بناء مقياس زمني بناءً على القطبية القديمة، والذي يظهر اتجاه القطبية القديمة المحفوظة في نوعيات مختلفة من الصخور، مثل: انسيابات اللابة القارية وبازلت قاع المحيط ورواسب البحار العميقة. وتساعد المواد المشعة في تحديد العمر المطلق لأحداث المغناطيسية القديمة، والتي يطلق عليها وحدات قطبية زمنية polarity chronozone units. وفي الرواسب البحرية العميقة يمكن تحديد العمر الدقيق لوحدات القطبية من ربطها بالنطاقات الحيوية.
وبالتالي، فإن المغناطيسية القديمة خاصية في الصخور تظهر تتابعا زمنيا، ويمكن استخدامها في عمل مضاهاة زمنية بين التتابعات الطبقية. فإذا أمكن تعرف أحداث مغناطيسية قديمة وكان من الممكن ربطها بوسائل أخرى للمضاهاة، أصبحت لدينا وسيلة جيدة لمضاهاة الرواسب البحرية العميقة على مستوى عالمي (شكل 9 – 9).وقد ثبت أن المغناطيسية القديمة طريقة ممتازة لعمل تقسيم طبقي زمني لصخور حقب الحياة الحديثة والنصف العلوي من حقب الحياة الوسطى، إلا أن تطبيقه على الصخور الأقدم من ذلك تفتقر لوجود قطاعات مرجعية جيدة على مستوى الكرة الأرضية ككل. بمعنى آخر، فإن المقياس الزمني للمغناطيسية القديمة يطبق فقط على الصخور التي ترسبت فقط على قيعان المحيطات الحديثة. وفي الآونة الأخيرة ومع وجود أجهزة قياس المغناطيسية (مجنيتوميترات) على درجة عالية من الدقة والحساسية، يمكن تحديد أحداث المغناطيسية القديمة لكثير من التتابعات الطبقية في قيعان المحيطات، ومعايرة هذه الأحداث بتقديرات الأعمار المطلقة باستخدام المواد المشعة، حيث يمكن تحديد عمر الصخور التي لا تحتوي على حفريات مرشدة.
الفصل العاشر: تشوه الصخور: الطيات والصدوع وتراكيب أخرى كسجل لتشوه الصخور
توصل علماء القرنين عشر والتاسع عشر، والذين أرسوا دعائم علم الجيولوجيا بمفهومه الحديث، إلي أن معظم الصخور الرسوبية قد ترسبت أصلا كطبقات أفقية لينة فوق قاع البحر ثم تصلدت مع الزمن. ولكن كان العلماء مندهشين من وجود كثير من الطبقات الماءلة والمطوية أو المتصدعة، كما كانوا مندهشين أيضا من القوى التي سببت تشوه هذه الصخور الصلدة بتلك الطريقة. فهل يمكن إعادة بناء التاريخ الجيولوجي في منطقة ما من أنماط تشوه الصخور التي نشاهدها في الحقل؟ وكيف تتشوه أنواع الصخور المختلفة، وما العلاقة بين التشوه وتكتونية الألواح؟، حيث أثبتت المشاهدات الحقلية أن أنماط تشوه الصخور متشابهة في جميع أنحاء الأرض. وللإجابة عن التساؤلات السابقة، فإن هناك بعض الأسس والمفاهيم التي تفسر تشوه الصخور. ويعرف العلم الذي يهتم بدراسة تراكيب القشرة الأرضية وشكلها وتوزيعها، والعوامل التي سببتها بالجيولوجيا التركيبية structural geology. وهذا الفرع من علوم الجيولوجيا قريب من علم الجيولوجيا البنائية (البنائيات) tectonics، الذي يهتم بدراسة المعالم التركيبية الكبرى للجزء الخارجي من الأرض وأسبابها، أي التراكيب الأكثر اتساعا وامتدادا من تلك التي يتعامل معها فرع الجيولوجيا التركيبية.
وتعتبر عمليات الطي folding والتصدع faulthing من أكثر أشكال التشوه شيوعاً في الصخور الرسوبية والمتحولة والنارية، وهى الصخور المكونة للقشرة الأرضية، (سواءً كانت رسوبية أو بركانية) والصخور المتحولة عنها (شكل 10 – 1). وتشبه الصخور عندما تطوي قطعة قماش، وعندما تضغط من طرفيها، حيث تتحدب لأعلى على هيئة طيات folds. أما الصدوع faults فإنها تنشأ عن قوى تكتونية تؤدي إلي كسر الجسم الصخري وانزلاق أحد جانبية بالنسبة للآخر في حركة موازية لسطح الكسر. وتتراوح أبعاد الطيات والصدوع بين عدة سنتيمترات وعشرات الكيلومترات. وبتكون عديد من سلاسل الجبال من سلاسل متصلة من الطيات الكبيرة أو الصدوع أو كليهما، والتي تم تجويتها وتعريتها. ويعتقد الجيولوجيون الآن أن القوى التي تحرك ألواح القشرة الأرضية الكبيرة هى المسئولة أساساً عن التشوهات الموجودة في معظم المناطق، حتى المحلية منها.
| - كيف تتشوه الصخور؟
لكي نناقش تشوه الصخور، فإنه من المفيد أن نستعرض بعض الخصائص الأولية للمواد الصلبة. وتأتي معرفتنا بالعوامل التي تتحكم في تشوه الصخور من التجارب المعملية، عندما نقوم بضغط أو لي أو شد أسطونات أو مكعبات من الصخور تحت ظروف متحكم فيها، ومتابعة ما يحدث في هذه الحالات.
أ – الإجهاد والانفعال
يفصل الجيولوجيون استخدام مصطلح إجهاد stress بدلا من مصطلح ضغط pressure عند مناقشة تشوه الصخور. ويصف مصطلح إجهاد حابس confining stress الوضع عندما يكون الإجهاد متساوياً في كل الاتجاهات، مثل: الضغط على جسم صغير مغمور في سائل أو غاز، أو الضغط الذي يشعر به الشخص فوق كل جسمه عندما يغوص بعمق تحت سطح الماء. وعلى العكس من ذلك، فإن الإجهاد التفاضلي differential stress والذي يكون غير متساو في كل الاتجاهات، هو الذي يسبب تشوه الصخور. وللإجهاد الفاضلي ثلاثة أنواع، هى: إجهاد الشد stress tensional وهو الذي يعمل على شد الصخور، وبالتالي جذب مكونات الصخر بعيدا عن بعضها البعض (شكل 10 -2 أ)، وإجهاد تضاغطي compressive stress (شكل 10 – 2 ب) وهو إجهاد يدفع بمكونات الصخور نحو بعضها البعض، بينما يعمل إجهاد القص (البتر) shear stress على دفع كل جانبين متقابلين من الجسم ليسا على خط واحد ولكنهما في المستوى نفسه في اتجاهين متعاكسين. ولتخيل إجهاد القص، فإننا إذا أمسكنا بمجموعة من الأوراق مثل أوراق اللعب "الكوتشينة" بين راحتينا، ثم حركنا ايدينا موازيتين لبعضهما البعض، ولكن في اتجاهين متعاكين، فإن الأوراق تنزلق فوق بعضها البعض، مما يؤدي إلي تشوه الشكل (شكل 10 – 3).
وتتولد القوى نفسها في الأنواع الثلاثة من الحدود بين اللواح، فإجهادات التضاغط تسود عند الحدود المتقاربة عندما تتصادم الألواح، وتسود إجهادات الشد عند الحدود المتباعدة عندما تتحرك الألواح بعيداً عن بعضها البعض، وتسود إجهادات القص عند الصدوع الناقلة عند حدود الألواح عندما تنزلق الألواح أفقيا بمحاذاة بعضها البعض.
ويستخدم مصطلح انفعال لوصف تشوه الصخور نتيجة للإجهاد. ويمكن تعريف الانفعال strain بأنه تغيير في حجم أو شكل جسم صلب أو في كليهما معا نتيجة.للإجهاد. ويسبب الإجهاد الحابس تغييراً في حجم الجسم الصلب، بينما يبقى الشكل ثابتاً. أما الإجهاد التفاضلي فإنه يؤدي إلي تغيير شكل الجسم الصلب، وقد يسبب أو لا يسبب تغييراً في الحجم.
1 – التشوه المرن
يعرف التشوه المرن elastic deformation بأنه تغيير معكوس أو غير دائم في حجم أو شكل الضخر الذي تعرض للإجهاد. وعندما يزول الإجهاد، فإن الصخر يعود إلي حجمه وشكله الأصلي. ويمكن لمادة ما أن تتحمل أي جهد حتى حد معين، يسمى حد المرونةlimit elastic، وهو الحد القصى للإجهاد الذي يتعرض بعده الجسم الصلب للتشوه الدائم ولا يعود إلي حجمه أو شكله الصلي مرة ثانية عندما يزول الإجهاد.
وقد كان العالم البريطاني الشهير سير روبرت هوك (1703 – 1635م) Sir Robert Hooke أول من أوضح أن العلاقة بين الإجهاد والانفعال لكل المواد تكون دائماً عبارة عن خط مستقيم، بافتراض عدم تجاوز حد المرونة. ولقد أثبت هوك هذه العلاقة باستخدام زنبرك، كما هو موضح في شكل (10 – 4 أ). وجدير بالذكر أن قانون هوك صحيح أيضا عند تطبيقه على الصخور (شكل 10 – 4 ب)، والذي يوضح أن الانفعال يتناسب طردياً مع الإجهاد.
3 – التشوه اللدن
يعرف التشوه اللدن ductile deformation بأنه تغيير دائم في الشكل أو في الحجم أو في كليهما في صخر تعرض لإجهاد تعدي حد المرونة. فإذا تعرضت أسطوانة من صخر ما لإجهاد تضاعفي مواز للمحور الطولي للسطوانة فسيتزايد منحنى الإجهاد/ الانفعال للاسطوانة بشكل مطرد أولاً في منطقة المرونة (نقطة Z)، ثم بعد ذلك يصبح النحنى مسطحا حيث يسبب المزيد من الإجهاد تشوها لدنا. فإذا أزيل الإجهاد عند نقطة X1، فإن السطوانة تعود جزئياً إلي شكلها الصلي، ويتناقص الانفعال على امتداد المنحنى YX1، ويحدث انفعال دائم للصخر يساوي XY. ويرجع الانفعال الدائم XYإلي التشوه اللدن للسطوانة.
4 – التكسر
يحدث التكسر fracture في الجسم الصلب عندما يتجاوز الإجهاد حدود كل من التشوه المرن واللدن. فإذا أخذنا في الاعتبار منحني الإجهاد/ الانفعال مرة اخري في شكل (10 – 5)، وإذا استمرت زيادة الإجهاد بدلا من إزالته عند نقطة X1، فإن منحني الإجهاد/ الانفعال سوف يستمر في التزايد حتى نقطة F، حيث تنكسر السطوانة. ومن الواضح أن التكسر هو نوع من التشوه الدائم غير المعكوس.
ج – المواد اللدنة والمواد القصفة (سريعة الكسر)
تصنف المواد عموما إلي قصفة ولدنة. وتميل المواد القصفة brittle substances (سريعة التكسر) إلي التشوه بتكوين كسور، بينما تتشوه المواد اللدنة ductile substances بتغيير شكلها. فإذا أسقطنا قطعة من الزجاج على الرض فإنها سوف تنكسر، ولكن إذا أسقطنا قطعة من الزبد على الأرض فإنها سوف تتشوه دون أن تنكسر. فالزجاج إذاً مادة قصفة بينما الزبد مادة لدنة. ويوضح شكل (10- 6 أ)منحنى إجهاد/انفعال نموذجياً لمادة قصفة. ويلاحظ أن النقطة Z التي هى حد المرونة تكون قريبة جداً من النقطة F وهى نقطة التكسر point of fracture. لذلك، فإنه يحدث تشوه لدن قليل جداً في المادة القصفة قبل التكسر. وعلى العكس، فإن حد المرونة يكون بعيداً عن نقطة التكسر في المواد اللدنة (شكل 10- 6 ب). ويوضح شكل (10 – 1) أمثلة لتشوه صخور قصفة وأخرى لدنة. فالطبقات في شكل (10- 1) قد لويت بشدة وانحنت نتيجة التشوه اللدن، كما أن بعض الطبقات قد تشوهت بالتكسر.
ولكي نفهم التشوه في الصخور، فمن الضروري مناقشة العوامل الأساسية التي تتحكم في الخصائص الميكانيكية للصخور، وهى: الحرارة، والإجهاد الحابس والزمن، ومعدل الانفعال، والتركيب. ونعرض فيما يلي وصفا لكل من هذه العوامل:
1 – الحرارة
كلما ارتفعت درجة الحرارة، اصبحت المادة الصلبة أكثر لدونة وأقل تقصفا. فمثلا يصعب ثني قضيب من الزجاج عند درجة حرارة الغرفة، وإذا حاولنا ثنيه بشدة، فإنه هذا القضيب يصبح لدنا ويسهل ثنيه إذا سخن حتى درجة الاحمرار. وتشبه الصخور قضيب الزجاج، حيث تنكسر عند سطح الرض، بينما تصبح لدنة في الأعماق بسبب تدرج حرارة الرض geothermal gradient، وهو معدل الزيادة في درجة حرارة الأرض مع العمق.
2 – الإجهاد الحابس
الإجهاد (الضغط) الحابس confining stress هو ضغط منتظم يؤثر على الصخور من جميع الجهات نتيجة وزن كل الطبقات التي تعلو هذه الصخور (انظر شكل 8 – 2). ويعوق الإجهاد الحابس العالي تكون الكسور، ولذلك فهو يقلل من صفات التقصف. فعند الإجهاد الحابس العالي يصبح من السهل على المادة الصلبة أن تتشوه دون أن تنكسر.
3 – الزمن ومعدل الانفعال
يلعب الزمن دوراً مهماً في تشوه الصخور، إلا أنه لا يسهل رصد هذا الدور بسهولة. فعند تعرض مادة صلبة للإجهاد، فإن هذا الإجهاد ينتقل عبر كل الذرات المكونة للمادة الصلبة، وعندما يزيد الإجهاد عن قوة الروابط بين الذرات، فإن الذرات إما أن تنتقل إلي مكان آخر داخل البناء البلوري لكي تخفف من الإجهاد، وإما تنكسر الروابط، مما يعني حدوث كسر. وحيث إن الذرات لا يستطيع الانتقال بسرعة في المواد الصلبة، فإذا كان الإجهاد بطيئاً وتدريجياً، واستمر لفترة زمنية طويلة، فإن الوقت يكون كافياً لتحرك الذرات، حيث تستطيع المادة الصلبة أن تغير من شكلها ويحدث ما يعرف بالتشوه اللدن.
5 – التركيب
لتركيب الصخر تأثير كبير على خصائصه، حيث تؤثر بعض أنواع المعادن بقوة على صفات الصخر. فبعض المعادن مثل الكوارتز والجارنت والوليفين تكون شديدة التقصف، بينما يكون البعض الآخر مثل: الميكا والصلصال والكالسيت والجبس لدنا. ومن جهة أخرى، فإن الماء الموجود في الصخر يقلل من صفات التقصف، بينما يزيد من صفات اللدونة في الصخر، حيث يضعف الماء الروابط الكيميائية في المعادن، كما يكون الماء طبقة رقيقة جدا حول حبيبات المعدن، تقلل من الاحتكاك بين الحبيبات. ولذلك تميل الصخور المشبعة بالماء لأن تتشوه تشوها لدنا أكثر من الصخور الجافة.
ومن الصخور التي تتشوه تشوها لدنا الحجر الجيري والرخام والطفل والإردواز والفيليت والشست، بينما تميل صخور الحجر الرملي والكوارتزيت والجرانيت والجرانوديوريت والنيس لأن تتشوه بالكسر غالبا.
د – صفات التقصف واللدونة في الغلاف الصخري
تعرف شدة الصخر rock strength بأنها أقصى إجهاد يتحمله الجسم الصلب، دون أن يتمزق أو يتكسر. ويلاحظ تزايد شدة الصخر مع العمق باطراد حتى تصل إلي ذروتين (شكل 10 – 7). ويرجع السبب في ذلك، إلي أن شدة الصخر تعتمد على تركيب الصخر ودرجة الحرارة والضغط.
وتتميز صخور القشرة الأرضية القارية بأنها غنية بمعدن الكوارتز، ولذلك تحدد شدة الكوارتز صفات الشدة في صخور القشرة الأرضية. وتزداد شدة الصخر باطراد حتى عمق نحو 15كم، حيث تكون الصخور قوية فوق ذلك العمق، وتتكسر وتتشوه بالتقصف. وتصبح الكسور أقل شيوعا تحت عمق 15كم حيث يزيد الإجهاد الحابس، وتصبح الصخور أكثر لدونة. ويعرف العمق الذي تبدأ عنده صفات اللدونة في السيادة على صفات التكسر بانتقالية التقصف – اللدونة brittle – ductile transition.
وتتميز صخور الوشاح بغياب معدن الكوارتز، بينما تكون غنية بمعدن الأوليفين. ومعدن الأوليفين أقوى من معدن الكوارتز، لذلك لا تصل انتقالية التقصف – اللدونة في الصخر الغني بالأوليفين إلا عند عمق نحو 40كم. لذلك توجد ذروة ثانية لشدة الصخر عند هذا العمق (شكل 10 – 7). وتقل شدة الصخر مرة أخرى تحت انتقالية التقصف – اللدونة في االوشاح. وكما هو معروف.. فإن قوة الصخر تكون صغيرة جدا عند درجة حرارة نحو 1300م، ولذلك يكون التشوه غير ممكن عن طريق التقصف. ويحدد اختفاء كل صفات التشوه بالتقصف، الحد بين الغلاف الصخري والغلاف اللدن (الأسثينوسفير).
|| - تفسير نتائج الحقل
يحتاج الجيولوجيون إلي معلومات دقيقة عن وضع الطبقات التي يدرسون تشوه صخورها. والمنكشف outcrop هو المصدر الرءيسي لهذه المعلومات، حيث لا تحجب التربة أو الحطام الصخري regolith المكون من الكتل الصخرية المفككة صخر الأساس bed rock الذي يتواجد تحت سطح الأرض في كل مكان (شكل 3 – 6). ويوضح شكل (10 – 8) طبقات رسوبية تعرضت للطي. وفي أغلب الأحيان، فإن الصخور المطوية تكون منكشفة جزئياً وتبدو كطبقات مائلة فقط. ويكون توجيه orientation الطبقة (بمعنى تحديد اتجاهات الطبقة بدقة على الأرض بالنسبة لاتجاهات البوصلة) مفتاحا مهماً يمكن استخدامه لوضع تصور عن كل التركيب المشوه. وهناك قياسان فقط لوصف توجيه طبقة من الصخور منكشفة في منطقة ما هما المضرب strike والميل dip. ونعرض فيما يلي وصفا لهما:
أ – قياس المضرب والميل
لكي نقيس اتجاه مستوى مائل، فلابد من التعرف على المبدأين الهندسيين اللذيين ينصان على أن: (1) تقاطع أي مستويين يكون عبارة عن خط، و(2) الخط الناتج عن تقاطع مستوى مائل مع مستوى أفقي، يكون أفقيا دائما (شكل 10 – 9 أ). وتكون كل الخطوط الأفقية موازية لبعضها البعض على مستوى المائل. ويمكن تخيل هذا الخط بأنه الخط الناتج عن تقاطع طبقة مائلة مع مستوى الماء في بحيرة (شكل 10 – 9 ب)، حيث يكون سطح البحيرة أفقيا. ويعرف هذا التقاطع بالمضرب. ويمكن تعريف خط المضرب strikeبأنه اتجاه يتحدد بالبوصلة كخط أفقي يتكون نتيجة تقاطع مستوى أفقى مع مستوى مائل. وبعد تحديد خط المضرب، نحدد بدقة اتجاه ميل المستوى المائل. وتعرف زاوية الميل angle of dip بأنها الزاوية المحصورة بين مستوى أفقي ومستوى مائل. ويقاس اتجاه الميل direction of dip في اتجاه عمودي على اتجاه المضرب (شكل 10 – 9 ب). ويحتوي وصف الجيولوجي لمكشف الطبقة على المضرب والميل، فيقول مثلا إنه "طبقة من الحجر الرملي خشن التحبب لها مضرب اتجاهه شمال – جنوب، وتميل بزاوية قدرها 30 نحو الغرب".
ب – عمل خريطة جيولوجية وقطاع عرضي
تعتبر الخريطة الجيولوجية وسيلة مريحة وسهلة لترتيب وتنظيم المعلومات الجيولوجية. حيث يسجل الجيولوجيون عليها مواقع المنكشفات، وطبيعة وأنواع الصخور في تلك المنكشفات وعمرها ومضارب وميول الطبقات المائلة. كما يساعد عمل قطاع عرضي جيولوجي في منطقة ما على وضع تصور للتاريخ الجيولوجي في تلك المنطقة. والقطاع العرصي الجيولوجي geologic cross section، هو شكل يوضح المعالم التي يمكن رؤيتها إذا قطعنا مقطعا رأسيا في جزء من القشرة الرضية. ويمكن أحيانا رؤية قطاع عرضي طبيعي عند مشاهدة الواجهة الرأسية لجرف أو محجر، أو عندما يتم قطع جزء من منطقة جبلية لمد طريق أو خندق. ويمكن أيضاً عمل القطاع العرضي من المعلومات الموضحة على الخريطة الجيولوجية. ويوضح شكل (10 – 8) خريطة جيولوجية مبسطة لمنطقة تظهر بها صخور رسوبية، حيث طويت الصخور الرسوبية التي كانت أصلا أفقية، بالإضافة إلي قطاع عرضي مستمد من الخريطة.
ويمكن ملاحظة أن الخريطة والقطاع العرضي في شكل (10 – 8) يمثلان أجزاء من طية تم تعرية وإزالة أجزاء منها منذ زمن طويل. ويستطيع الجيولوجي إعادة بناء الأشكال المشوهة لطبقات الصخور، إذا ما أزالت التعرية أجزاء من المتكونات الصخرية. ولابد أن يلاحظ الجيولوجي أولاً بعض المعالم مثل الطبقات الرسوبية، والتي ترسبت أفقية عند قاع البحر، فإذا وجدت هذه الطبقات مائلة الان، كما هو موضح في الشكل، فذلك يعني أن أحداثاً لاحقة قد أدت إلي تميل الصخور وتنحني. ويدلنا قانون تعاقب الطبقات (الطبقات الأحدث يتم ترسيبها فوق طبقات أقدم) على أي الطبقات هى الأقدم (طبقة رقم 1)، وأن الطبقات التي تعلوها على الجانبين هى الأحدث على التوالي. ويستطيع الجيولوجي باستخدام ميل الطبقات أن يقوم بعمل قطاع عرضي – وهو مقطع رأسي كما لو كان موجودا على امتداد الخط A- B على الخريطة. ونلاحظ أن الطبقات على كلا جانبي المتكون تكون متماثلة. وعند توصيل هذه الطبقات بخطوط متقطعة تتلاءم مع الميول الملحوظة، فإنه يمكن إعادة بناء حدود أجزاء الطبقات التي تم إزالتها بالتعرية. ولكي نكمل القطاع العرضي، فإننا نسقط امتداد الطبقات تحت سطح الأرض، على الرغم من عدم رؤيتها.
ويوضح شكل (10 – 8) أن محيطا قديما (غير موجود الان بالطبع) ترسبت على قاعه تتابع من الصخور الرسوبية، ثم تعرضت هذه الصخور والتي كانت أصلا في وضع أفقي لقوى تضاعفية في القشرة سببت ثنيها في طيات ورفعتها فوق سطح البحر. ولقد أزالت التعرية جزءا كبيرا من القطاع، وتركت البقايا الموجودة اليوم والتي تم تمثيلها بالخريطة والقطاع العرضي.
||| - التشوه بالثني: طي الصخور
تمثل الطيات والكسور أدلة على تشوه الصخور. حيث يقوم الجيولوجيون بإعداد خرائط لها في الحقل. وتؤدي دراسة مثل هذه التراكيب إلي الوصول إلي نظرة شاملة عن القوى التي نشأت من تكتونية الألواح. ويعني مصطلح طية FOLD أن صخوراً كانت في الأصل أفقية قد تعرضت للطي لاحقاً. وقد ينتج التشوه إما عن قوى أفقية أو رأسية في الأرض، مثلما ندفع قطعة من الورق في اتجاهين متقابلين أو من أسفل إلي أعلى فيحدث الطي. والطي شكل شائع للتشوه يمكن ملاحظته في كل أنواع الصخور وخاصة المتطبقة منها، وهو يوجد بصورة نموذجية في أحزمة الجبال. وتكون الطيات ضخمة في سلاسل الجبال الحديثة والتي يتم تجويتها بالتعرية حيث يبلغ طول بعضها عدة كيلومترات. كما قد تكون بعض الطيات في حدود عدة سنتيمترات. وقد تطوى الطبقات بلطف أو بعنف، تبعا لشدة القوى السائدة وقت التشوه والفترة الزمنية التي تعرضت فيها الصخور للتشوه وقابلية الطبقات لمقاومة التشوه.
أ- أنواع الطيات
إن أبسط أنواع الطيات ما يسمى بالطية أحادية الميل monocline حيث تميل بعض الطبقات الأفقية أو المائلة بزاوية صغيرة في اتجاه واحد، وبزاوية أكبر من زاوية الميل السائدة. ويمكن تخيل الطية أحادية الميل بسهولة، إذا وضعنا كتابا على منضدة ثم وضعنا منديلا فوق أحد جوانب هذا الكتاب بحيث يتدلى بقية المنديل على المنضدة، فإن ثنية المنديل تعطي الكتاب كل طية أحادية الميل. إلا أن معظم الطيات تكون أكثر تعقيدا من هذا النموذج. فالطي إلي أعلى على هيئة قوس يسمى تحدبا (طية محدبة) anticline، بينما يسمى الطي لأسفل على هيئة زورق تقعرا (طية مقعرة) syncline (شكل 10 – 10). وعادة ما تتلازم التحديات والتقعرات. وتسمى الطبقات المكونة لجانبي الطية بالطرفين limbs، بينما يطلق على المستوى التخيلي الذي يقسم الطية إلي نصفين متماثلين تقريبا بالمستوى المحوري axial plane. ويسمى الخط الناتج عن تقاطع المستوى المحوري مع الطبقات بمحور الطية fold axis (شكل 10 – 10).
وقد تكون الطيات متماثلة symmetrical folds كتلك الموضحة في شكل (10 – 10)، وهى التي يميل جناحاها بلطف وبدرجة متساوية عن المحور، كما قد تكون غير متماثلة، نتيجة الإجهاد الشديد الذي يسبب بعض التعقيدات في الشكل. ويوضح شكل (10 – 11) بعض الأشكال الشائعة للطيات، بينما يوضح شكل (10 – 12) أمثلة لبعض الطيات في صخور القاعدة بالصحراء الشرقية بمصر.
وقد تكون الطية مفتوحة open fold (شكل 10 – 12 أ) إذا كانت الزاوية بين جناحيها أكثر من 90. وكلما زادت شدة الإجهاد التضاعطي، كان جناحا الطية أكثر ميلا. وعندما يكون الإجهاد شديدا، تكون الطية أكثر إحكاما ويصبح جناحاها موازيين لبعضهما البعض، وتوصف هذه الطية بأنها طية متفقة الميل isoclinal fold (شكل 10 – 11 ب). ويسبب الإجهاد الشديد أيضاً إما أن تصبح الطية غير متماثلة asymmetrical، حيث يميل جناحاها في الاتجاه نفسه (شكل 10 -11 د). وفي النهاية، فإن الطية المقلوبة overturned fold يمكن أن تصبح طية مضطجعة recumbent fold حيث يكون جناحاها في وضع أفقي أو قريب من ذلك (شكل 10 – 11 هـ و10 – 12 ب). ويكثر وجود الطية المضطجعة في مناطق التصادمات القارية، مثل جبال اللب والهيمالايا. وفي حالة الطيات المقلوبة والطيات المضطجعة، فإنه من الضروري معرفة الوضع الصحيح للطبقات، وأي الطبقات هى المقلوبة. علما بأن هذا ليس ميسورا دائما، وخصوصا إذا أزيلت أجزاء من الطيات بالتعرية. وتساعد أحيانا التراكيب الرسوبية، مثل: الشقوق الطينية والطبقات المتدرجة graded layers في تحديد الوضع الأصلي للطبقات (شكل 10 – 13).
ويوضح شكل (10 – 10) طية ذات محور أفقي. أما إذا كان محور الطية مائلا على المستوى الأفقي، فتسمى الطية غاطسة plunging fold (شكل 10 – 14 وشكل 10 – 15). وتسمى الزاوية بين محور االطية والفقي بغطس الطية plunge. وقد يميل محور الطية في اتجاهين، وتعرف الطية حينئذ بالطية مزدوجة الغطس double plunging fold.
ويلاحظ تلاشي محور الطية المحدبة عند تتبعه في الحقل. وتبدو الطية أنها تغطس في الأرض عندما تختفي، كما يحدث لتجعدات قطعة قماش فوق المنضدة. ويشبه نمط الطبقات المنكشفة في الطبقات الغاطسة (شكل 10 – 14 ب وج) فوق سطح الأرض الذي تم تسويته بالتعرية حرف V أو شكل حدوة الحصان بدلا من نمط الشرائط المتوازية تقريبا للطبقات في الطيات غير الغاطسة (شكل 10 – 8). ومع ذلك فإنه يمكن التمييز بين الطيات المحدبة الغاطسة والطيات المقعرة الغاطسة بالطريقة نفسها التي نستخدمها في حالة الطيات غير الغاطسة، أي باستخدام الميل والأعمار النسبية للطبقات. ويوضح شكل (10 – 16) طية مزدوجة الغطس بجبل حافيت بالعين بدولة الإمارات العربية المتحدة.
والقبة dome نوع من الطيات المحدبة لها مقطع دائري أو إهليليجي تميل فيها الطبقات بقدر متساو من نقطة معينة مركزية إلي الخارج في جميع الاتجاهات (شكل 10 – 17 أ). أما الحوض basin فهو طية مقعرة تشبه الطبق، يكون ميل الطبقات فيه من كل الجوانب نحو نقطة مركزية (شكل 10 – 17 ب)، وقد يبلغ قطر القبة أو الحوض عدة كيلومترات. ويمكن تعرف القباب والأحواض في الحقل من الشكل الدائري أو البيضاوي المميز لها. والقباب ذات أهمية خاصة في جيولوجيا النفط، نظرا لأن النفط والغاز يهاجران إلي أعلى القبة خلال الصخور المنفذة. فإذا كانت الصخور عند أعلى نقطة في القبة صعبة الاختراق ولا يسهل تسرب المواد البترولية منها، فإن النفط أو الغاز أو كليهما يتجمع داخل القبة. وينبغي تأكيد أن توافر الشروط التركيبية والصفات الصخرية المناسبة والتي تصلح كمستودع لا يعني حنماً وجود النفط أو الغاز أو كليهما.
ويغزي تكون بعض القباب إلي الصخور النارية التي تتداخل في القشرة لتدفع الرسوبيات التي تعلوها إلي أعلى. وتتكون بعض الأحواض عندما يبرد جزء ساخن من القشرة الأرضية وينكمش، مما يؤدي إلي هبوط الرسوبيات التي تعلوها. ويتكون البعض الآخر عندما تسبب بعض القوى التكتونية استطالة ومط القشرة الرضية، كما يؤدي وزن الصخور الرسويية المترسبة في بحر ضحل إلي تقعر القشرة الأرضية.
ب – الاستنتاجات من طي الصخور
من الصعب تعرف بعض الطيات بسبب تأثير عوامل التعرية. بينما يمكن في بعض الحالات التعرف على التحدب تم تعريته من وجود طبقات أقدم في لب الطية يحيط بها من الجانبين صخور أحدث عمرا تميل إلي الخارج (قديث) شكل (10 – 8). أما التقعر الذي تم تعريته، فتكون الطبقات الأحدث عمرا في لب الطية المقعرة تحيط به من الجانبين صخور أقدم عمرا (حديم)، وتميل إلي الداخل (شكل 10 – 11).
ويؤدي الاختلاف في درجة تعرية الطبقات المطوية إلي تكون أشكال طوبوغرافية مميزة تدل على وجود الطيات، فقد يتكون وادي في وسط طية مقعرة أو حيد مرتفع عند قمة طية محدبة. ومع ذلك، فإنه من المهم معرفة أنه ليس من الضروري أن تكون كل التحديات أعرافا ridges أو تلالا، أو أن تكون كل التقعرات وديانا.
وتوجد الطيات في مجموعات مستطيلة عادة. وتسمى المنطقة الطولية التي تعرضت للطي وغيره من مظاهر التشوه بحزام طي fold belt. ويستدل من أحزمة الطي على أن صخور المنطقة قد ضغطت في وقت واحد بقوى تكتونية أفقية، قد تكون نشأت من تصادم الألواح، مثل نظام القوس السوري Syrian arc system (شكل 10 – 18)، والذي يضم مجموعة من الطيات المستطيلة في شمال سيناء بمصر، وفي فلسطين وسوريا، وتأخذ اتجاه شمال شرق – جنوب غرب.
V| - التشوه بالكسر: الفواصل والصدوع
تميل صخور القشرة الأرضية، خاصة تلك القريبة من السطح، لأن تكون قصفة. ونتيجة لذلك، فإن الصخور عند سطح الرض أو بالقرب منها تقطع بعدد لا نهائي من الكسور، تسمى فواصل أو صدوعاً. والفاصل joint هو نوع من الكسور لم تحدث أية حركة على امتداده. أما الصدوع fault فهو كسر حدثت حركة نسبية للصخور على جانبية موازية لسطح الكسر.
أ – الفواصل
تنتشر الفواصل في كل المنكشفات تقريبا، والتي تتكون نتيجة تأثير القوى التكتونية. وتنكسر الصخور بسهولة أكثر عندما تتعرض للشد أو الضغط، مثل أية مادة قصفة أخرى، عند نقاط الضعف. وقد تكون نقاط الضعف عبارة عن شروخ دقيقة أو كسرات من مواد أخرى أو حتى أحافير. وتؤثر القوى الإقليمية التي تضم قوى التضاعف والشد والقص على الصخور، وعندما تتلاشى تلك القوى بعد ذلك فإنها تترك أثرها في الصخور في صورة مجموعة من الفواصل (شكل 10 – 19). وقد تتكون الفواصل أيضا بسبب غير تكتوني، نتيجة تمدد وانكماش الصخور عندما تزيل التعرية طبقات من فوق السطح. وتسبب إزالة هذه الطبقات تقليل الضغط الحابس على الصخور تحتها، مما يسمح للصخور لأن تتمدد وأن تتجزأ عند نقاط الضعف.
وقد تتكون الفواصل في اللابة نتيجة انكماشها أثناء تبردها وانخفاض درجة حرارتها. ومن أمثلة ذلك الفواصل المعدانية columnar joint والتي توجد في البازلت (شكل 10 – 20)، وتؤدي إلي تقسيم الصخر إلي أعمدة أو منشورات طولية. وليس من الضروري تكوين فواصل عمدانية في البازلت، فهناك طفوح بازلتية تقطعها فواصل عادية.
ومعظم الفواصل تكون لها أسطح مستوية تقريبا. ولابد من تحديد اتجاه المضرب ومقدار الميل واتجاهه عند وصف الفاصل. ولا توجد الفواصل وحيدة أبدا، بل توجد في مجموعات تتكون من أعداد كبيرة. وتعرف مجموعة الفواصل التي تكون أسطحها متوازية تقريبا "بمجموعة فواصل joint set". أما نظام الفواصل joint system فيشمل مجموعتين أو أكثر من مجموعات الفواصل المتقاطعة، والتي قد تكون من العمر نفسه أو ذات أعمار مختلفة (شكل 10 – 19).
وتكون هذه الفواصل عادة بداية لمجموعة من التغيرات التي تؤثر بدرجة ملحوظة في الصخور. فالفواصل مثلا، تعمل كقنوات يصل من خلالها الماء والهواء إلي عمق الصخور، مما يؤدي إلي زيادة سرعة التجوية وضعف التركيب الداخلي. وإذا تقاطعت مجموعتان أو أكثر من الفواصل، فقد تسبب التجوية تكسر الصخور إلي كتل أو أعمدة كبيرة.
وترجع أهمية تحديد نظم الفواصل إلي أن الجيولوجيين قد يجدون أحيانا رواسب خامات ذات قيمة اقتصادية عند فحص أنظمة الفواصل. فقد تهاجر محاليل مائية ساخنة حاملة للذهب إلي أعلى خلال نظام من الفواصل، حيث يترسب معدنا الكوارتز والذهب في الشقوق. كما قد تكون المعلومات الدقيقة عن الفواصل مهمة أيضا عند تخطيط وإنشاء المشروعات الهندسية الكبيرة، خاصة السدود والخزانات. فقد يكون صخر الساس عند الموقع المقترح به عديد من الفواصل، مما يؤدي إلي انهيار الخزان أو تسرب الماء منه، ويكون إنشاء الخزان من الخطورة بمكان.
ب – الصدوع
بينما تشير الطيات عادة إلي أن القوى التضاغطية كانت سبب تكوينها، فإن الصدوع تتكون نتيجة لأنواع القوى الثلاث: التضاغطيه compressive والشد tension والقص shear. وتكون هذه القوى شديدة، خاصة عند حدود الألزاح. وعموما، فإن الصدوع من المعالم الشائعة في أحزمة الجبال، والتي تكون مصاحبة لتصادم الألواح، كما تشيع الصدوع أيضا في وديان الخسف، حيث تنفصل الألواح وتشد نتيجة تحركها في اتجاهات متضادة. وتظهر بعض الصدوع الناقلة مثل صدع سان أندرياس في كاليفورنيا، والذي يبلغ طوله نحو 1000كم إزاحة أفقية، قد تصل إلي مئات الكيلو مترات نتيجة انزلاق اللوحين أفقيا بالنسبة لبعضهما البعض. وقد تكون القوى في القشرة الأرضية داخل الألواح قوية أيضا، ممايسبب تكون صدوع بعيداً عن حدود الألواح.
• الإزاحة النسبية
إن معرفة مقدار الحركة التي حدثت على امتداد الصدع، وكذلك الجانب من الصدع الذي تحرك، تكون غير ممكنة عموما. وقد يمكن في حالة مثالية قياس مقدار الحركة أو الإزاحة إذا وجدنا مثلا حصاة واحدة من الكونجلومرات قد تم قطعها بواسطة الصدع، وأن النصفين تحركا لمسافة يمكن قياسها. وحتى في هذه الحالة، فإنه من غير الممكن تحديد أي كتلة بقيت وأي كتلة تحركت، أو أن كلا الكتلتين قد تحركتا. وعند تصنيف حركات الصدع، فإنه يمكن تحديد الإزاحة النسبية relative displacement فقط، بمعنى أن جانبا واحدا من الصدع قد تحرك في اتجاه معين بالنسبة إلي الجانب الآخر. ففي شكل (10 – 21 ب) يظهر أن هناك إزاحة على جانبي الصدع، ويمكن فقط معرفة أن الجانب اليمن قد تحرك لأسفل بالنسبة للجانب الأيسر. ولذلك تمثل الحركة النسبية على القطاع العرضي بسهمين، لأننا لا نستطيع عموما تحديد أي الكتلتين تحركت فعليا.
• الحائط العلوي والحائط السفلي
معظم الصدوع تكون مائلة، بمعنى أن لها ميلا dip. ويستخدم المصطلحان السابقان الميل والمضرب لوصف توجيه الصدوع. ولوصف الميل في الصدوع تسمى كتلة الصخر أعلى سطح الصدع المائل بالحائط العلوي hanging wall block، بينما تسمى كتلة الصخر أسفل سطح الصدع المائل بالحائط السفلي footwall block. ولا تستخدم هذه المصطلحات بالطبع في حالة الصدوع الرأسية، حيث إن الكتلتين اللتين يفصلهما الصدع الرأسي تقعان على جانبيه.
1 – تصنيف الصدوع
تصنف الصدوع بناءً على ميل الصدع واتجاه الحركة النسبية على جانبيه. ويسمى تقاطع سطح الصدع مع المستوى الأفقي مضرب الصدع fault strike. وميل الصدع fault dip هو الزاوية التي يصنعها سطح الصدع المائل مع المستوى الفقي، وتقاس أسفل المستوي الفقي. ويسمى تقاطع الصدع مع سطح الأرض بأثر الصدع fault trace. ويوضح شكل (10 – 21) الأنواع الشائعة من الصدوع، مع التغيرات التي قد تحدثها محليا في طوبوغرافية المنطقة المتأثرة بها. ويعتبر المستويان الرأسي والأفقي هما المستويان القياسيان اللذان يرجع إليهما عند تصنيف الصدوع. وقد تكون الحركة في الصدوع رأسية تماما أو أفقية تماما، كما قد تكون خليطا من كليهما.
• الصدوع العادية
تحدث الصدوع العادية نتيجة إجهادات شد تعمل على جذب القشرة وفصلها. كما تنشأ هذه الصدوع أيضا نتيجة الإجهادات التي تنشأ عن الدفع من أسفل، والتي تعمل على شد القشرة الرضية. والصدع العادي normal fault هو الصدع الذي يتحرك فيه الحائط العلوي إلي أسفل بالنسبة للحائط السفلي (شكل 10 – 21 ب).
ومن الشائع وجود صدعين عاديين أو اكثر مضاربهما متوازية، ولكن تكون ميولهما متضادة وتضم كتلة من القشرة الأرضية يزيد طولها عن عرضها وتحركت إلي أعلى أو إلي أسفل. وعندما تخسف كتلة صخور بين صدعين عاديين وهبوطها بالنسبة لما يحيط بها من كتل صخرية، فإن ذلك يعرف بخسيف rift valley أو أخدود graben (شكل 10 – 22 أ). وإذا حدث الهبوط على امتداد صدع واحد فقط، فإنه يتكون نصف أخدود half graben (شكل 10 – 22 ب). وقد ترتفع الكتلة الطولية بين الصدعين العاديين بالنسبة لما حولها ارتفاعا نسبيا لتكون جسرا (نتقا) horst (شكل 10 – 22 ج)ز وتجدر الإشارة إلي أن الوادي ذي الحوائط حادة الانحدار، والذي يوجد عند منتصف حيود وسط المحيط الأطلنطي ويستمر في جزيرة أيسلندة هو وادي خسف. ومن أشهر الأمثلة أيضا وادي الخسف الإفريقي African Rift Valley، والذي يمتد عبر دول شرق إفريقيا لمسافة تزيد على 6000كم في اتجاه شمال – جنوب، حيث صعدت الصهارة خلال أجزاء من وادي الخسف، وعلى امتداد سطوح الصدوع، لتكون براكين. ومن الأمثلة الشهيرة أيضا وديان الخسف التي يشغلهما البحر الأحمر وخليج السويس (شكل 10 – 23)، وكذلك خسيف وادي الراين في غرب أوروبا.
• الصدوع المعكوسة وصدوع الدسر
تنتج الصدوع المعكوسة reverse faults من الإجهادات التضاغطية، حيث يتحرك الحائط العلوي نسبيا إلي أعلى بالنسبة للحائط السفلي شكل (10 – 21 ج). وتؤدي حركة الصدع المعكوس إلي تقصير القشرة الأرضية وزيادة سمكها. وهناك نوع خاص من الصدوع المعكوسة يسمى صدع الدسر thrust faults وهو صدع معكوس يميل مستواه بزاوية صغيرة تقل عن 45 غالبا في معظم امتداده. ومتل هذه الصدوع تكون شائعة في سلاسل الجبال المشوهة بشدة، حيث تنتج صدوع الدسر نتيجة قوى تضاغطية كبيرة في القشرة الأرضية، مما يؤدي إلي اندفاع الحائط العلوي أفقيا لعدة كيلومترات فوق الحائط السفلي، وتقصير القشرة الأرضية. ومن أمثلة صدوع الدسر في الصحراء الشرقية المصرية صدع وادي حفافيت (شكل 10 – 24).
• الصدوع مضربية الانزلاق
الصدع مضربي الانزلاق strike – slip fault هو صدع تكون الحركة الساسية فيه أفقية، ولذلك فإنها تكون موازية لمضرب الصدع (شكل 10 – 21 د). وتتكون الصدوع مضربية الانزلاق نتيجة إجهادات القص أو الانزلاق. ومن أشهر أمثلة هذه الصدوع: صدع سان أندرياس في كاليفورنيا، وصدع البحر الميت في المنطقة العربية. ويحدد اتجاه حركة الصدع الأفقية بالنظر إلي طول صدع مضربي الانزلاق، فإذا وجدنا أن الحركة النسبية قد أدت إلي أن تكون الكتلة التي على اليسار وكأنها قد تحركت في اتجاه الرائي، أو أن الكتلة التي على يمينه قد تحركت بعيدا عنه، فإن الصدع يكون صدعاً مضربي الانزلاق يساريا sinistral fault. أما إذا وجدنا أن الحركة سببت تحرك الكتلة التي على يمينه نحوه والكتلة التي على يساره بعيدا عنه، فيكون هذا صدعاً مضربي الانزلاق يمينيا right iateral strike – slip fault، أو صدعا يمينيا dextral fault (شكل 10 – 25). ويعتبر صدع سان اندرياس صدعاً مضربي الانزلاق يمينيا. وتقدر الحركة التي حدثت على امتداده بنحو 600كم أو أكثر منذ 65 مليون سنة على الأقل.
ويعتبر نطاق صداع البحر الميت في منطقتنا العربية والذي يقع في نصف الكرة الشرقي هو المقابل لصدع سان أندرياس في نصف الكرة الغربي. ونلاحظ أن هناك أربع مناطق تراكبت فيها الصدوع المزاحة أفقيا في نطاق صدع البحر الميت (شكل 10 – 26). وقد تسببت الحركة على جانبي تلك الصدوع في نشأة أربعة أحواض ملئت بالمياه فيما بعد، منها البحر الميت وبحر الجليل. وقد نشأ نطاق البحر الميت منذ بداية فتح البحر الأحمر، حيث تحركت القشرة الأرضية أفقيا على جانبي هذا الصدع الناقل لمسافة تقدر بنحو 105كم.
ومعظم الصدوع الصدوع الكبيرة والنشطة هى صدوع مضربية الانزلاق. والسبب في ذلك أن الصدوع مضربية الانزلاق ومراكز الانتشار ونطاقات الاندساس هى الأنواع الثلاثة من الحواف التي تحد الألواح التكتونية، (الفصل الأول). وتتصل حواف الألواح الثلاثة مع بعضها بعضاً لتكون شبكة متصلة تحيط بالكرة الأرضية. وقد كان العالم الكندي ويلسون J .T .Wilson أول من اقترح أن الصدوع مضربية الانزلاق، والتي تكون حدود الألواح هى نوع خاص من تلك الصدوع، يمكن تسميتها بالصدوع الناقلة transform fault (شكل 1 – 11).
وتسمى الحركة الأفقية على امتداد المضرب، والتي تكون في الوقت نفسه رأسية إلي أعلى أو إلي أسفل على امتداد الميل بأنه صدع مائل الانزلاق oblique – slip fault (شكل 10 -21 هـ). كما يسمى الصدع الذي تكون حركة أحد جانبية دورانية على محور متعامد على مستوى الصدع، حيث تزداد الإزاحة كلما بعدنا عن المحور وعلى امتداد المضرب بصدع مفصلي hinge fault، بمعنى أن الانزلاق يتلاشى في الصدع المفصلي على امتداد المضرب وينتهي عند نقطة محددة (شكل 10 – 21و)، ويعتقد أنه يتكون نتيجة القوى نفسها التي تكون الصدع العادي.
2 – الأدلة على حدوث الحركة على امتداد الصدوع
تنتشر الكسور في الصخور ولكن لا يمكن التعرف من النظرة الأولى عما إذا كانت قد حدثت حركة على امتداد هذه الكسور أم لا. بمعنى آخر، هل هذه الكسور فواصل أم صدوع؟. وفي كثير من الأحيان لا يكون من السهل معرفة ما إذا كانت قد حدثت إزاحة أم لا، كما في حالة ما إذا كان الصخر متجانسا ومتساوي الحبيبات كالجرانيت، أو إذا كان الصخر مكونا من طبقات رقيقة لا يوجد شئ يميز أيا منها. ومع ذلك، فإنه قد يكون ممكنا تعرف سطح صدع أو صخر مجاور تماما له تظهر فيه دلائل على حدوث تشوه محلي، وبالتالي حدوث حركة. وفي بعض الحالات الخاصة الأخرى، يمكن تعرف اتجاه الحركة النسبية.
وتسبب أحيانا حركة كتل الصخور على جانبي الصدع أن تصبح أسطح الصدع ناعمة، وبها خدوش أو أخاديد قليلة العمق. وتسمى الأسطح التي بها خدوش، والتي تكونت نتيجة الحركة على امتداد الصدع بخدوش الصدع أو بمصقل سحجي slickenside. وتدل الخدوش والأخاديد المتوازية على السطح (شكل 10 – 27). ولا تتكون في كل الصدوع خدوش من الصدع. وفي أحيان كثيرة، تؤدي حركة الصدع إلي طحن الصخور الموجودة على جانبي سطح الصدع، وتحوله إلي كتلة من قطع غير متساوية تعرف ببريشيا الصدع fault breccia. وقد تؤدي حركة الصدوع إلي الطحن الشديد لكسرات الصخور لدرجة قد لا يمكن ملاحظتها تحت الميكروسكوب. ومن أوضح الأدلة على الصدع إزاحة جزء من جدة موازية sill أو عرق أو طبقات مميزة بالنسبة لجزء آخر من الصخر أو التركيب نفسه.
3 – العلاقة بين الطيات والصدوع
لا تستمر الطيات والصدوع إلي مالانهاية، بل تميل الصدوع إلي أن تضمحل مثل الطيات، كما تضمحل الطيات حتى تصبح تجعدات أصغر فأصغر حتى تنتهي، كما تضمحل التجعدات وتنتهي في قطعة من القماش.
وعندما يتعرض نوعان من الصخور للإجهادات (الضغوط) نفسها، فإن كان أحد النوعين من مادة قصفة تتشوه بالكسر ويتشوه النوع الثاني بالتشوه اللدن، فإنه تتكون طيات أحادية الميل نتيجة اختلاف طريقة تشوه النوعين. وتنتج معظم الطيات أحادية الميل نتيجة تحرك طبقات لدنة مسطحة فوق صدع، مما يسبب انحناء هذه الطبقة.
ويلاحظ أن بعض صدوع الدسر الكبيرة في جبال الألب، ربما بدأت كطيات مضطجعة. وكما يوضح شكل (10 – 28) فإن زيادة الإجهاد باستمرار تؤدي إلي تشويه الطية المضطجعة، ويشد الطرف المقلوب overturned limb في الطية إلي أن ينكسر في النهاية ويصبح صدع دسر. وقد تصل الحركة على بعض الطيات المضطجعة الكبيرة وصدوع الدسر في جبال الألب إلي ما يزيد عن 50كم.
V – تفسير التاريخ الجيولوجي
التاريخ الجيولوجي لمنطقة ما هو تتابع لمجموعة من أحداث التشوه والعمليات الجيولوجية الأخرى. فإذا أخذنا منطقة يبدو تاريخها الجيولوجي صعب التفسير، فإننا نحاول أن نرى كيف أن بعض المفاهيم التي تم معالجتها في هذا الفصل تؤدي إلي تفسير بسيط للتاريخ الجيولوجي لتلك المنطقة. ويوضح (شكل 10 – 29) مثالا لمنطقة شهدت التتابع التالي للأحداث الجيولوجية:
• ترسبت طبقات رسوبية أفقية فوق صخور القاعدة وتحولت إلي طبقات مائلة. ويمثل السطح بين صخور القاعدة والصخور الرسوبية سطح عدم توافق رقم (1). • رفعت هذه الطبقات فوق سطح البحر، حيث تعرضت للتعرية وتكون سطح أفقي جديد يمثل سطح عدم توافق رقم (2). • هبطت المنطقة مرة أخرى تحت سطح البحر، حيث ترسبت طبقات رسوبية أفقية. ويمثل السطح الفاصل بين الصخور الرسوبية المائلة والطبقات الرسوبية الأفقية فوقها سطح عدم توافق رقم (2). • رفعت تلك الطبقات مرة أخرى فوق سطح البحر، حيث تعرضت للتعرية وتغطت الطبقات الرسوبية بلابة بازلتية نتيجة انشقاق بركاني حدث نتيجة انشقاق بركاني حدث نتيجة قوى داخلية في الأرض. ويمثل السطح رقم (3) سطح عدم توافق تبايني يفصل بين الصخور الرسوبية عن صخور اللابة البازلتية.
وبالطبع.. فإن الجيولوجي لا يشاهد إلا المرحلة النهائية من هذا التاريخ، ولكن عليه ان يتخيل كل هذه المراحل، حيث يبدأ الجيولوجي من قاعدة أن الطبقات لابد أنها ترسبت أفقية وغير مشوهة عند قاع محيط قديم، ثم يقوم بإعادة ترتيب بقية الأحداث.
إن التضاريس التي نراها اليوم، كتلك التي توجد في جبال الألب وجبال روكي، وسلاسل المحيط الهادئ والهيمالايا، تكونت نتيجة تشوهات تكتونية حدثت على امتداد عشرات الملايين من السنين. ومازالت تحتفظ هذه السلاسل الجبلية الحديثة بالكثير من المعلومات التي يحتاجها الجيولوجي، ليقوم بجمعها مع بعضها بعضا لتفسير تاريخ هذه التشوهات. أما التشوه الذي حدث منذ مئات الملايين من السنين في سلاسل الجبال القديمة، مثل جبال البحر الأحمر بالصحراء الشرقية بمصر، فإن التعرية قد تركت بقايا فقط من الطيات والصدوع في صخور القاعدة basement rocks القديمة داخل القارات (صخور القاعدة هى أقدم الصخور في منطقة ما، وتمثل تجمعاً من الصخور النارية والمتحولة تعلوه المتكونات الرسوبية الأحدث، وعادة ما تكون من صخور ما قبل الكمبري أو الباليوزوي).
وكما رأينا، فإن التشوه الذي يؤدي إلي تكون أحزمة جبال، وما تشمله من تراكيب كالطيات والصدوع ووديان الخسف والصدوع مضربية الانزلاق، يترك آثارا لا يمكن إغفالها على تضاريس الأرض، فهذه المعالم الطوبوغرافية تكون غالبا أدلة على تراكيب التشوه التي شكلتها. وغالبا ما تتكون أيضا بعض المعالم الصغيرة مثل أشكال التلال والوديان ومجاري المياه نتيجة التداخل بين التراكيب تحت السطحية والتجوية.
ومن المهم أن نتذكر أن طوبوغرافية منطقة ما لا تتحدد نتيجة التراكيب فقط. فأحيانا، يتكون وادي في وسط طية مقعرة أو مرتفعة عند قمة طية محدبة، ولكن ليس من الضروري أن نتوقع أن تكون كل هامات التحدبات مرتفعات، أو أن تكون كل الأجزاء المنخفضة في الطيات المقعرة وديانا. فمن العوامل المهمة في تحديد شكل تضاريس الأرض فوق صخور منطقة ما مقدار مقاومة الطبقات للتجوية والتعرية، وما إذا كانت تلك الطبقات مائلة أو مطوية أو متصدعة.
وقد أوضح الاستعراض السابق أن هناك نمطاً في الطريقة التي تتشوه بها الصخور، والذي يرتبط بالقوى الموجودة في القشرة الأرضية. وتلعب حركة الألواح دوراً مهماً في نشأة هذه القوى. ولقد أصبح واضحاً كيفية فهم وتفسير هذا النمط، بادئين من تكون الصخور، ثم إعادة بناء التشوهات اللاحقة والتعرية.
الفصل الحادي عشر: الإنهيار الكتلي
تنقل إلينا وسائل الإعلام بين الحين والآخر أخبار الانهيارات الأرضية والتدفقات الطينية وآثارها المدمرة. ومثال ذلك ما حدث يوم 13 نوفمبر 1985م في كولومبيا بأمريكا الجنوبية، حيث تسببت تدفقات الطين في مدينة أرميرو Armero في موت أكثر من 20000 شخص. كما وافتنا وكالات الأنباء بأنه في يوم 13 يونيو 2001م قتل أكثر من 41 شخصا في انهيار أرضي، حيث دفنوا تحت الطين والصخور التي سقطت من جبل في منطقة نابو Napo بالإكوادور بأمريكا الجنوبية. ولقد تسببت الانهيارات الأرضية في تحطيم 400 منزل وخلفت أكثر من 700 شخص بلا مأوى، كما أفسدت المحاصيل وأهلكت الحيونات وفي نفس الوقت، اندلعت النيران في خط أنابيب نفط الإكوادور والذي يبعد 30كم شرق كيتو Quito عاصمة الإكوادور، نتيجة سقوط جزء من الجبل على خط الأنابيب. كما لم تستطيع السلطات تحديد عدد الأشخاص المفقودين في المدن المختلفة نتيجة الفيضانات. وقد حدث مؤخرا في ديسمبر 2005م انهيار أرضي في إحدى القرى بالقرب من العاصمة اليمنية صنعاء أسفر عن موت 30 شخصا على الأقل، بالإضافة إلي عدد كبير من المفقودين وتدمير عديد من المنازل (شكل 11 – 1).
وفي مصر، فقد تسببت الانهيارات الأرضية في تهدم بعض المباني وجزء من الطريق الرئيسي في الأجزاء الجنوبية والجنوبية الغربية لمدينة المقطم التي تقع فوق الهضبة العليا لجبل المقطع في شرق القاهرة. كما تسبب انهيار حافة الهضبة العليا لجبل المقطم في تراجع الحافة في بعض أجزاء مدينة المقطم بحوالي 55 مترا. وسنناقش أسباب الانهيار بعد دراستنا لأسباب الانهيال الكتلي وتصنيفه.
وكل ما سبق وصفه هو انهيارات أرضية تنتج عن تحرك كتلي mass movement يطلق عليه أيضا الانهيال الكتلي mass wasting، وهو أحد أنواع تحرك كتل التربة أو الصخور أو الطين أو أي مواد غير متماسكة على المنحدرات تحت تأثير الجاذبية الأرضية. ولا تتحرك هذه الكتل في الأصل نتيجة تأثير أحد عوامل التعرية، مثل الرياح أو المياه الجارية أو جليد المثالج، ولكن يحدث التحرك الكتلي حينما تزيد قوة الجاذبية الأرضية عن قوة تماسك مواد المنحدرات. وتعمل الزلازل والفيضانات أو أي عوامل جيولوجية أخرى على تنشيط هذه التحركات، حيث تتحرك الكتل حينئذ إلي أسفل المنحدرات إما بمعدل بطئ (أو بطئ جدا) أو بمعدل تحرك كبير مفاجئ يصل أحيانا إلي حد الكارثة. وقد يسبب التحرك الكتلي إزاحة كميات صغيرة غير محسوسة من التربة إلي أسفل على الجانب اللطيف لتل، أو قد تسقط أطنان من الكتل الأرضية والصخور إلي قاع الوادي على الجوانب شديدة الانحدار للجبال نتيجة اشتراك عمليات السقوط أو الانزلاق أو الانسياب أو جميعها معا، وهو ما سنستعرضه فيما بعد.
ويشمل الانهيال الكتلي mass wasting كل العمليات التي تنحدر فيها كتل الصخور أو التربة على المنحدرات تحت تأثير الجاذبية، لتحملها عوامل النقل لمسافات بعيدة. والانهيال الكتلي أحد نواتج عملية تجوية وتكسر وتفتيت الصخور، ويمثل جزءا مهما من عملية التعرية العامة للأرض، خاصة في المناطق الجبلية أو التي تحتوي على تلال. وتغير التحركات الكتلية من طوبوغرافية الأرض نتيجة تحرك كتل كبيرة من جوانب الجبال نتيجة السقوط أو الانزلاق بعيدا عن المنحدرات. وتشكل المواد المتحركة في النهاية ألسنة أو امتدادات من الحطام على قاع الوادي، أو قد تتراكم في بعض الأحيان لتسد مجرى مائي على امتداد الوادي. وتعتبر رواسب الركام والأماكن الغائرة التي تتركها الكتل المتحركة والتي تعرف بالندبات scars دلائل على حدوث الانهيال الكتلي في الماضي. ويستخدم الجيولوجيون هذه الشواهد في التنبؤ والتحذير من حدوث انهيالات كتلية جديدة، كما يحذرون من القيام بأي نشاطات يكون من شأنها تفعيل هذه التحركات مثل القيام ببعض العمليات والإنشاءات الهندسية.
وسنستعرض في هذا الفصل أسباب تحرك الكتل وتصنيفها، وعلاقة تحرك الكتل بتكتونية الألواح ومحاولات تجنب آثار الانهيال الكتلي.
| - أسباب تحرك الكتل
لقد أوضحت الدراسات الحقلية أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر على التحركات الكتلية (جدول 11- 1) وهى (أ) طبيعة المواد المكونة للمنحدرات، و(ب) كمية الماء المحتوي في هذه المواد، و(3) درجة ميل المنحدرات وعدم استقرارها، ونعرض فيما يلي لكل من هذه العوامل بالتفصيل.
أ – طبيعة المواد المكونة للمنحدرات
تختلف المواد المكونة للمنحدرات كثيرا من مكان لآخر، حيث تعتمد على العناصر الجيولوجية المحلية الموجودة في كل منطقة. فقد يكون المنحدر مكونا من كتل صلبة من صخور الساس bedrock أو من حطام صخري (اديم) regolith يتكون من مجموعة الصخور المفتتة في موضعها أو المنقولة من موضع آخر والتي تغطي صخور الأساس، وتشمل على حطام الصخور والرماد البركاني وتراكمات التربة والبقايا النباتية أو الرواسب. وقد تكون مواد المنحدر متماسكة أو غير متماسكة، ولكن تكون المنحدرات المكونة من مواد غير متماسكة أقل استقرارا من المنحدرات المكونة من مواد متماسكة.
1 – المواد غير المتماسكة
يمكن تعرف الطريقة التي تؤثر بها درجة ميل المنحدرات وعدم استقرارها على التحرك الكتلي للمواد غير المتماسكة unconsolidated materials من ملاحظة حركة الرمال الجافة المفككة. فالزاوية المحصورة بين درجة ميل المنحدر في أي كومة من الرمال والمستوى الأفقي تكون ثابتة، سواء كان ارتفاع كومة الرمل عدة سنتيمترات أو مئات الأمتار. وتبلغ قيمة هذه الزواية لمعظم الرمال حوالي 35. فإذا جرفنا بعض الرمال من قاعدة الكومة ببطئ وحذر زادت زواية الانحدار قليلا، ويظل الرمل متماسكا مؤقتا حتى إذا قفز شخص على الأرض بجوار كومة الرمل فإن الرمل يندفع لأسفل على جانب الكومة، وتسترجع الكومة زاوية الانحدار الأصيلة وهى 35. وعلى الرغم من أن الرمال المندفعة تبدو وكأنها تتحرك كوحدة واحدة، إلا أن معظم الحركة تتم عن طريق تحرك الحبيبات كل على حدة فوق وحول بعضها البعض. ويمكن رؤية حركة الرمال هذه على المنحدرات الشديدة للكثبان الرملية.
وتسمى الزاوية الأصلية والمستعادة لكومة الرمل بزاوية الاستقرار angle of repose، وهى أقصى زاوية مقاسة من الأفقي، يمكن أن يستقر عندها انحدار المادة المفككة دون أن تنهار. ويكون الانحدار الأكثر حدة من زاوية الاستقرار انحدارا غير مستقر ويميل لأن ينهار ليصل إلي الزاوية المستقرة.
وتتغير زاوية الاستقرار بدرجة ملحوظة بسبب عدد من العوامل، منها حجم وشكل الحبيبات (شكل 11 – 2). فالحبيبات المفككة الأكبر حجما والمسطحة الشكل، والتي يكون لها حواف حادة تبقى مستقرة على المنحدرات الحادة. كما تتغير زاوية الاستقرار أيضا مع كمية الرطوبة الموجودة بين الحبيبات. فزاوية استقرار الرمال الرطبة تكون أكبر من زاوية استقرار الرمال الجافة، وذلك يرجع إلي أن الرطوبة القليلة الموجودة بين حبيبات الرمل تعمل على ربطها ببعضها البعض بحيث تقاوم الحركة. ويرجع هذا التماسك بين الحبيبات إلي ظاهرة التوتر السطحي surface – tension قوة الجذب بين الجزيئات عند سطح ما (شكل 11 – 3 أ). والتوتر السطحي هو الذي يجعل قطرات الماء مستديرة حتى تنخفض طاقة السطح الكلية وينتج عن ذلك خفض مساحة السطح الخارجي لقطرات الماء. والتوتر السطحي أيضا هو الذي يسمح لشفرة حلاقة صغيرة أو مشبك معدني للورق أن يطفو على سطح الماء الهادئ (شكل 11 – 3 ب). أما إذا وجدت كمية كبيرة من الماء بين الحبيبات فإنها تعمل على إبعاد الحبيبات عن بعضها البعض، بما يسمح لها بحرية الحركة فوق بعضها البعض. ويتحرك الرمل المشبع بالماء مثل الموائع، وينهار على شكل كعكة مستوية أو عدسة رقيقة، (شكل 11 – 2). والتوتر السطحي هو الذي يربط حبيبات الرمل ويسمح لبعض الأشخاص على الشواطئ أن يبنوا قلاعا من الرمال. ولكن عندما تتشبع هذه الرمال بالماء، فإن هذه الأشكال تنهار.
2 – المواد المتماسكة
لا يكون للمواد المتماسكة consolidated materials الجافة مثل الرواسب المضغوطة والمتلاحمة ببعضها والتربة المزروعة زاوية استقرار كتلك التي تميز المواد المفككة. وقد تكون منحدرات المواد المتماسكة أكثر حدة وأقل انتظاما، ولكنها تصبح غير مستقرة عندما تزيد زاوية الانحدار أو عندما تزال النباتات منها.
وقوى التجاذب التي تربط بين حبيبات المادة الصلبة الجافة نوعان: تماسكية cohesive ولاصقة adhesive. وترتبط حبيبات الرواسب المتماسكة مع بعضها البعض بروابط تماسكية، مثل الصلصال الكثيف. وعموما، فإن التماسك هو قوى جذب بين حبيبات مادة صلبة من النوع نفسه تكون قريبة من بعضها البعض. ويوضح شكل (11 – 3 أ) القوى التماسكية المؤثرة في سائل، أما الالتصاق adhesive فهو قوى جذب بين حبيبات من أنواع مختلفة.
وتسمى مقاومة الحركة الناتجة عن قوى التماسك والتلاصق والتلاحم وتأثير جذور النباتات بالاحتكاك الداخلي internal friction، لأنها تشبه الاحتكاك الذي يقاوم الحركة بين أجزاء المادة. وتكون الحبيبات في المواد ذات الاحتكاك الداخلي العالي غير حرة بنفس درجة تحرك الحبيبات المفككة مثل حبيبات الرمل. وعندما تتحرك هذه المواد، فإنها تميل إلي أن تتحرك كوحدة واحدة.
ب – المحتوى المائي
تعتمد كمية الماء الموجودة في المواد على درجة مسامية هذه المواد، وكمية ماء المطر أو أي مياه أخرى تعرضت لها هذه المواد. ويرجع التحرك الكتلي للمواد المتماسكة إلي تأثير الرطوبة، بالإضافة إلي عوامل أخرى مثل زيادة شدة انحدار المنحدرات وإزالة النباتات الموجودة بها، حيث تصبح التربة غير متماسكة بسبب عدم وجود جذور النباتات وبالتالي تكون عرضة للتأثر بالماء وعدم الاستقرار. وعندما تصبح الأرض مشبعة بالماء، فإن المادة تصبح زلقة وينخفض بالتالي الاحتكاك الداخلي بها وتستطيع الحبيبات التحرك بسهولة أكبر بالنسبة لبعضها البعض. وقد يتسرب الماء في مستويات التطبق للرواسب الطينية أو الرملية مثلا، ويزيد من معدل انزلاق الطبقات فوق بعضها البعض. ويشبه ذلك الوضع القيادة تحت تأثير المطر الشديد، حيث تنزلق إطارات السيارات على الطريق مما يفقد السائق التحكم في المركبة. ومما يساعد على زيادة الضغط تحت كتل الصخور المتحركة وجود الهواء المختلط مع الرواسب، مما يقلل أيضا من عملية الاحتكاك.
وعندما تمتص المواد المتماسكة كميات كبيرة من الماء، فإن ضغط الماء في مسام المادة يكون كبيرا بدرجة تكفي لفصل الحبيبات وتنتفخ الكتلة، وتبدأ المادة حينئذ في الانسياب مثل المواد المائعة.
وهكذا يمكن وصف تأثير الماء على تحرك الصخور والرواسب على المنحدرات تحت تأثير الجاذبية، بأنه نتيجة لعاملين مهمين هما (1) انخفاض التماسك الطبيعي بين الحبيبات، و(2) انخفاض الاحتكاك عند قاعدة كتلة الصخر نتيجة زيادة ضغط السائل.
ج – درجة ميل المنحدرات وعدم استقرارها
تؤدي شدة انحدار المنحدرات وعدم استقرارها إلي سهولة سقوط fall وانزلاق sliding أو انسياب flow الكتل الصخرية تحت تأثير الظروف المختلفة. وتتراوح درجة ميل المنحدرات بين انحدرات لطيفة نسبيا لطبقات الطفل والرماد البركاني إلي انحدارات حادة لجروف الصخور الصلدة مثل الجرانيت. ويمكن التعبير عن استقرار منحدر ما بالعلاقة بين تلك الإجهادات التي تعمل على أن تغير من استقرار مواد الانحدار وتسبب تحركها، والقوى التي تعمل على مقاومة تلك الإجهادات الدافعة. وتسمى القوة الدافعة التي تعمل على أن يتحرك جسم ما في اتجاه مماس لمستوى الانحدار بإجهاد القص shear stress.
والعامل الأساسي الذ يؤثر في إجهاد القص هو الشد بالجاذبية، والذي يتأثر بدوره بدرجة ميل المنحدر. حيث تعمل الجاذبية على جذب الأجسام في اتجاه عمودي على السطح الأفقي (شكل 11 – 4). ويمكن تحليل قوة الجاذبية فوق أي منحدر إلي مركبتين متعامدتين، إحداهما تكون عمودية على اتجاه المنحدر (gp في شكل 11 – 4)، وتعمل على تثبيت الأجسام في أماكنها، أما المركبة الأخرى فتكون مماسة للجسم وتعمل في خط مواز للمنحدر (gt)، وهى التي تسبب تحرك الأجسام في اتجاه ميل المنحدر. وعندما تزداد درجة ميل المنحدر، فإن المركبة المماسة تزيد عن المركبة العمودية ويصبح إجهاد القص أكبر. أما القوة الثانية التي تعمل على مقاومة تلك القوة الدافعة وتسمى قوة القص shear strength، فهى المقاومة الداخلية للجسم لمثل هذا التحرك. ويتحكم في قوة القص عدة عوامل موجودة في مادة الصخر أو الحطام الصخري. وتشمل هذه العوامل مقاومة الاحتكاك والتماسك بين الحبيبات والتماسك بفعل جذور النباتات.
وعندما تكون قوة القص أكبر من إجهاد القص، فإن الصخر أو الغطاء الصخري لا يتحرك. وتحدث الحركة بالطبع عندما تزيد القوة الدافعة (إجهاد القص) عن قوة المقاومة (قوة القص). ويمثل هذه العلاقة أيضاً ما يعرف باسم عامل الأمان safety factor للانحدار، ويعبر عنه بالنسبة التالية: معامل الأمان Fs=قوة القص ÷ إجهاد القص.
وعندما تكون قوة القص shear strength أكبر بدرجة ملحوظة من إجهاد القص shear stress يوصف المنحدر بأنه مستقر(معدل أكبر من 3 – 1) ولا تحدث بالتالي أي تحركات. وعندما يزيد إجهاد القص عن قوة القص (معدل أقل من 1) فمن المفترض حدوث حركة على المنحدر في توقيت قريب، ويوصف المنحدر حينئذ بأنه غير مستقر.
وبالإضافة لما سبق، فإن تركيب الطبقات يؤثر على استقرارها، خاصة حينما يكون ميل الطبقات موازيا لزاوية ميل الإنحدار. فقد تكون أسطح التطبق نطاقات ضعف محتملة، لأن الطبقات المتجاورة تختلف تركيبها المعدني والنسيج أو في قابليتها لامتصاص الماء. فمثل هذه الطبقات قد تصبح غير مستقرة، حيث تنزلق كتل الصخور على امتداد أسطح التطبق الضعيفة.
وتؤثر كل العوامل الثلاثة السابقة وأيضا النشاط البشري أثناء عمليات حفر وإنشاء المباني ومد الطرق في استقرار المنحدرات، حيث تعمل على تقليل مقاومة الكتل الصخرية للتحرك، ممايساعد قوة الجاذبية على جذب الكتل فتسقط وتنزلق على المنحدرات.
د – بادئات (محفزات) التحرك الكتلي
إذا توافرت في منطقة ما العوامل المؤدية إلي عدم استقرار المنحدرات (المواد المكونة للمنحدر، والرطوبة، وحدة زاوية الانحدار) فإنه لا يمكن تجنب حدوث انزلاق للصخور، وكل ما يحتاجه الأمر عندئذ هو وجود عامل منشط لبدء الحركة، حيث يمكن أن تسبب عاصفة ممطرة شديدة بدء انزلاق أو فيضان الركام. وفيما يلي استعراض سريع للعوامل التي تعمل على بدء التحرك الكتلي:
1 – التقوض undercutting هو إزالة المواد من قاعدة جرف أو منحدر شديد الميل أو وجه صخري مكشوف. وقد يحدث ذلك بفعل البشر خلال أعمال الإنشاءات الهندسية على الطرق وخلافه، أو بفعل عوامل طبيعية مثل تعرية الماء الساقط أو الجاري أو حركة الأمواج على الشاطئ.
2 – زيادة الحمل overloading على المنحدر (مثل إنشاء المباني) بحيث لا يستطيع تحمل الوزن المضاف، ولذلك فإنه ينزلق أو ينساب.
3 – الذبذبات من الزلازل أو التفجيرات في بعض المحاجر (مثل منطقة المقطم شرق القاهرة) مما يؤدي إلي كسر الروابط التي تربط مكونات المنحدر في مكانها.
4 – إضافة الماء، حيث تكون إضافة الماء موسمية غالبا، وهذا هو السبب في أن بعض الأوجه الصخرية المقطوعة حديثا تبقى حتى سقوط الأمطار في الموسم التالي. ويؤثر الماء بطريقتين: إما بإضافة الحمل على المنحدر، أو بتقليل التماسك الداخلي بين المكونات. والتأثير الرئيسي للماء هو ملء الفراغات بين الحبيبات، وعند زيادتها فإن الماء الإضافي يملأ كل الفراغات بين الحبيبات بحيث ينعدم تأثير التوتر السطحي الذي يربط الحبيبات مع بعضها البعض. كما أن إضافة الماء إلي بعض معادن الصلصال التي توجد في بعض أنواع التربة يزيد من حجمها. ولذلك فإن إضافة الماء إلي منحدرات مكونة من هذا النوع من الصلصال المنتفخ يؤدي إلي تنشيط الانهيارات الأرضية.
|| - تصنيف عمليات الانهيال الكتلي
تشترك كل عمليات انهيال الكتلي في صفة واحدة مميزة وهى حدوثها على المنحدرات. ويعرف أي تحرك محسوس لكتلة من صخور الساس أو من الحطام الصخري (الأديم) أو من مخلوط منهما معا لأسفل على أسطح المنحدرات بالانزلاق الأرضي landslide. ويمكن تعرف أنواع مختلفة من الحركة على المنحدرات، ولكن لأنها غالبا ما تتداخل مع نعضها البعض، فإنه لا يوجد تصنيف بسيط ونموذجي لتلك العمليات. فكما ذكرنا، فإن تركيب ونسيج الراسب المكون للمنحدر وكمية الماء والهواء المختلطة مع الرواسب وزاوية ميل المنحدر، تؤثر جميعا على نوع وسرعة الحركة. ويلاحظ أن هناك تدرجاً في قوة الانهيالات تتراوح بين انسياب مجرى مائي إلي مجرى مائي آخر محمل بالرواسب، إلي مجموعة عمليات الانهيال الكتلي التي تتراوح بين تلك التي يحفز فيها الماء عملية الانسياب إلي تلك التي لا يلعب فيها الماء دوراً مباشرا أو مهماً.
ويمكن تقسيم عمليات الانهيال الكتلي إلي مجموعتين رئيسيتين (شكل 11 – 5) هما:
• انهيار المنحدرات slope failure، وينتج عن الانهيار المفاجئ لمنحدر مما يؤدي إلي نقل كتل متماسكة نسبيا من الصخر أو الحطام الصخري إلي أسفل على المنحدرات بالسقوط falling أو الانزلاق sliding. وهناك نوعان من الانزلاق أولهما الانزلاق الانتقالي transitional slide، حيث تتحرك الكتلة الهابطة على أسطح مستوية تقريبا ومائلة، وثانيهما الانزلاق الدوراني rotational slide ويسمى أيضا التدهور slump، وهو يشمل الحركة على أسطح منحنية، حيث يتحرك الجزء العلوي للكتلة المنزلقة إلي أسفل ويتحرك الجزء السفلي إلي أعلى. • انسيابات الرواسب sediment flows وهو انسياب مخاليط من الرواسب والماء والهواء إلي أسفل المنحدرات بسبب الحركة الداخلية لكتل الحطام الصخري. وتتأثر تلك العملية بنسبة الراسب في المخلوط المنساب وسرعة الانزلاق.
وسنستعرض فيما يلي هذين النوعين من الانهيال الكتلي، كما سيتم أيضا استعراض سريع لبعض عمليات ورواسب الانهيال الكتلي في مناطق المناخ البارد وعلى قيعان المحيطات.
أ – انهيار المنحدرات
تعمل الجاذبية الأرضية على انهيار جروف الجبال ومنحدرات التلال باستمرار. وحين يحدث الانهيار فإن الركام الصخري ينتقل لأسفل على المنحدرات وينشأ منحدر ثابت جديد. وتعمل الزلازل والمجاري المائية والأمطار الغزيرة المستمرة وانبثاقات البراكين على تنشيط عملية الانهيار. كما ترتبط الانهيارات المتلاحقة بالترسيب السريع للرواسب وزيادة حدة انحدار المنحدر والصدمات الزلزالية. ونعرض فيما يلي لأنواع انهيار المنحدرات slope failure.
1 – السقوط الصخري
السقوط الصخري rockfall هو سقوط حر في الهواء لكتلة من صخر الأساس أو من الحطام الصخري من جرف أو منحدر حاد (شكل 11 – 5 أ). ويكون سقوط الصخور شائعا في المناطق الجبلية شديدة الانحدار، حيث يكون الحطام الصخري رواسب واضحة عند سفوح المنحدرات الحادة. وعندما يسقط الصخر بحرية، فإن سرعته تزداد كلما زادت مسافة السقوط.
وقد يتضمن سقوط الصخور نزع وسقوط كسرة صخرية واحدة أو قد يتضمن انهيار مفاجئا لكتلة ضخمة من الصخور التي تندفع من مئات الأمتار لتكتسب سرعة عالية وتتكسر عند الاصطدام بالأرض إلي عدد ضخم من القطع الأصغر التي تتجمع في النهاية وتتوقف عند أسفل المنحدر. وعند حدوث انهيار صخري من جبل، فإن هذا الانهيار لا يشمل الصخور فقط ولكن يشمل أيضا ما يعلوه من رواسب ونباتات.
ويكون سقوط الحطام debris fall مماثلا لسقوط الصخور، ولكنه يتكون من خليط من الصخور والحطام الصخري بالإضافة إلي النباتات.
الانزلاقات الأرضية landslides هى تحركات على سطح أو أكثر من أسطح الانهيار. وتكون أسطح الانزلاق مستوية تقريبا ومائلة، مثل أسطح التطبق أو أسطح الصدوع أو الفواصل. ويسمى الانزلاق انزلاقا انتقاليا، أما إذا كانت أسطح الانزلاق مقعرة سمى الانزلاق انزلاقا دورانيا، ويعرف أيضا بالتدهور.
الانزلاقات الانتقالية transitional slides ويشمل نوعين من الانزلاق (شكل 11 – 5 ب) هما الانزلاق الصخري rockslide وهو عبارة عن الحركة المفاجئة لكتلة صخرية منزوعة من الطبقات على المنحدرات، وانزلاق الحطام debris slide وهو انزلاق الحطام الصخري على أسطح المنحدرات. وينتشر الانزلاق الصخري وانزلاق الحطام في المناطق الجبلية المرتفعة حيث تنشر الانحدارات الحادة. وعندما تحدث انهيارات صخرية ضخمة، فإن الراسب الناتج يتكون عموما من خليط غير منتظم من كتل صخرية مخلوطة بجلاميد يصل قطرها أحيانا إلي عدة أمتار.
وتجمع الكسرات الصخرية المزواة هو منظر شائع عند سقوط الجروف الحادة. ويتراوح عادة حجم الحطام الصخري بين الرمل والجلاميد الكبيرة. ويسمى هذا الجسم من الحطام المنحدر للخارج عند أسفل الجروف والمنحدرات شديدة الميل بالركام talus.
ويمثل انهيار المنحدرات الجنوبية والجنوبية الغربية للهضبة العليا لجبل المقطم مثالا على الانزلاقات الانتقالية والسقوط الصخري (شكل 11 -6أ). وتتكون الهضبة العليا للمقطم من حجر جيري يتبع الإبوسين العلوي، ويحتوي على حفريات كبيرة وكثير من الفجوات الصغيرة، بالإضافة إلي طبقات من حجر الطين تحتوي على معدني المونتيمورلينيت والكاولينيت، وتقع مباشرة تحت صخور أساس bedrock مدينة المقطم. وقد حدث انهيار المنحدر في تلك المناطق بسبب الانزلاق الانتقالي لكتل كبيرة نزعت من الهضبة العليا، ولوجود فواصل رأسية تتسرب فيها المياه العذبة ومياه مجاري مدينة المقطم، والتي تعمل على انتفاخ طبقات حجر الطين (شكل 11 – 6 ب).
التدهور slump وفيه تتحرك الصخور أو الحطام الصخري لأسفل وللخارج في حركة دورانية على سطح انزلاق يأخذ شكلا مقعرا أعلى مثل الملعقة (شكل 11 – 5 ب). وتميل عادة قمة الكتلة المنزلقة للخلف لتكون منحدرا معاكسا. وقد يكون التدهورمفردا أو في مجموعات، كما تتراوح التدهورات في الحجم بين إزاحات صغيرة تبلغ مترا أو مترين إلي تدهورات كبيرة معقدة تغطي مئات أو حتى آلاف الأمتار المربعة.
ويحدث عديد من التدهورات نتيجة لتعديل الشكل الهندسي لطوبوغرافية بعض المناطق أو أثناء إنشاء الطرق السريعة التي تسير بمحاذاة منحدرات الجبال. كما تلاحظ على جوانب الأنهار وشواطئ البحار حيث تعمل التيارات والأمواج على تقويض قاعدة المنحدر.
ب – انسيابات الرواسب
تعرف انسيابات الرواسب sediment fiows بأنها تحرك كتلي يشبه تحرك السوائل. وتتكون المواد المنسابة من كتل كبيرة متماسكة في حجم الجلاميد، كما قد تكون في حجم حبيبات الرمل أو الصلصال، كما قد تتكون من خليط من كل تلك المواد. وتتفاوت كمية الماء فيها، حيث تكون جافة أو رطبة أو مبتلة. وتتكون المواد المنسابة من مخاليط كثيفة من الرواسب والماء (أو من الراسب والماء والهواء)، حيث يكون الانسياب معتمدا على الراسب في حركته، ولا يحدث انسياب في حالة عدم وجود راسب. وقد تكون الانسيابات حبيبية أي تكون الحركة تحت ظروف جافة تقريبا. والخاصية العامة التي تشترك فيها كل تلك الانسيابات أن حبيبات الرواسب تتحرك جميعا تحت تأثير الجاذبية الأرضية. ففي حالة الانسيابات الحبيبية تعمل الحبيبات مثل الموائع نتيجة للضغط الناشئ عن تفاعل الحبيبات.
ويمكن تصنيف انسيابات الرواسب بناء على الطريقة التي تتحرك بها إلي: انسيابات موائع fluidal flows أو انسيابات مواد لدنة، حيث يعرف الانسياب حينئذ بالانسياب الكتلي mass flow. ويمكن اعتبار هذين النوعين من انسيابات الرواسب أنهما يمثلان طرفي سلسلة متصلة من الانسيابات. ويحدد تركيز الرواسب وميكانيكية الانسياب نوع الانسياب الذي قد يحدث تحت ظروف معينة. وقد تتغير ميكانيكية انسياب ما خلال تقدمه. ومن المعروف أن معظم الكتل الضخمة من الرواسب التي تتحرك تحت تأثير الجاذبية الأرضية، تتحرك بأكثر من ميكانيكية واحدة.
وتعتمد الطريقة التي تنساب بها الرواسب في درجات حرارة أعلى من درجات التجمد على: (1) نسبة المواد الصلبة والماء والهواء و(2) الخصائص الفيزيائية والكيميائية للرواسب. ويوضح (شكل 11 – 7) تقسيم انسيابات الرواسب إلي مجموعتين اعتمادا على نسبة الراسب وهما (1) انسياب الطين المائع slurry flow وهوكتلة متحركة من راسب مشبع بالماء. و(2) انسياب حبيبي granular flow وهو خليط من الراسب والهواء والماء، ولكن على خلاف انسياب الطين المائع فإنه يكون غير مشبع بالماء، حيث يعتمد وزن الراسب المنساب بالكامل على تلامس الحبيبات ببعضها البعض أو التصادم بين الحبيبات. وتشمل كلتا مجموعتي الانسياب السابقتين عدة أقسام بناء على سرعة انسياب الرواسب، فالزحف creep وهو نوع من الانسياب الحبيبي البطئ جدا، ويقاس بالمليمترات أو السنتيمترات كل عام، بينما يقاس هيار الحطام debris avalanche بالكيلومترات في الساعة. وفي هذا التصنيف للانسيابات الرسوبية، فإن الحدود الموضوعية بين هذه العمليات تقريبية فقط وتعتمد على توزيع حجم الحبيبات وتركيز الراسب وعوامل أخرى. وفيما يلي وصف لأنواع الانسيابات الرسوبية.
1 – انسيابات الطين المائع (الردغة)
يكون خليط الراسب في انسيابات الطين المائع كثيفا إلي درجة أن الجلاميد الكبيرة قد تصبح معلقة فيها، وتنساب بالدحرجة، وعندما يتوقف الانسيابات تبقى الحبيبات الناعمة والخشنة مختلطة ببعضها.
دفق التربة: تعرف الحركة البطيئة جدا للتربة والحطام الصخري (الأديم) regolith المشبع بالماء أسفل المنحدرات بدفق التربة solifluction وتحدث هذه الحركة في المناطق التي يزيد ارتفاعها عن خط الثلج الدائم، حيث يتجمد الحطام الصخري القريب من السطح بصفة دائمة، وقد يمتد التجمد إلي أعماق تصل إلي 400متر، ويطلق عليه اسم الصقيع الدائم permafrost، وتعلوه طبقة رقيقة ينصهر فيها الجليد في الصيف ويتجمد في الشتاء، وعند انصهار الجليد في الصيف تصبح هذه الطبقة السطحية مشبعة بالماء الذي لا يتسرب منها إلي أسفل لوجود الجمد الدائم تحته، ويؤدي ذلك إلي عدم استقرار هذه الطبقة السطحية وانسيابها أو زحفها في اتجاه ميل السطح (شكل 11- 7).
انسياب الحطام: يشمل انسياب الحطام flow debris تحرك حطام صخري غيرمتماسك إلي أسفل المنحدرات، حيث يكون حجم معظم الحبيبات أكبر من حجم الرمل، وتتحرك بسرعات تتراوح بين متر واحد فقط في العام إلي أكثر من كيلومتر واحد في الساعة. وفي بعض الأحيان، يبدأ انسياب الحطام بتدهور أوانزلاق الحطام، ثم يستمر الجزء السفلي منه في الانسياب لأسفل المنحدرات (شكل 11- 8). وبمجرد بدء انسياب الحطام، فإنه يتحرك على امتداد مجرى مائي ثم ينتشر على سطح مروحة طميية حيث يتماسك كراسب ردئ الفرز.
ويكون لرواسب انسياب الحطام مقدمة على شكل لسلن، كما يكون سطحها غير منظم بالمرة، مع وجود مرتفعات صغيرة (حيود) ومنخفضات متحدة المركز. ويصاحب انسيابات الحطام عادة فترات سقوط أمطار شديدة للغاية، مما يؤدي إلي أن تصبح الأرض مشبعة بالماء بدرجة كبيرة.
انسياب طيني: يعرف انسياب الحطام الذي يكون محتواه من الماء يكفي لزيادة ميوعته بدرجة عالية بانسياب طيني – mudflow بمعنى أن مصطلح الانسياب الطيني مرادف لانسياب حطام سريع الحركة. ويوضح (شكل 11 – 7) أن مدى سرعة الانسياب الطيني يقع عند الحد الأعلى لمدى سرعة انسياب الحطام (أكثر من 1 كيلو متر في الساعة تقريباً). وعموما فإن معظم الانسيابات الطينية تكون سريعة الحركة وتميل لأن تتحرك بسرعة على امتداد قاع الوادي (شكل 11 – 8).
وإذا فحصنا رواسب الانسياب الطيني، فسنجد أن محتواها يتراوح بين خليط غليظ القوام مثل الأسمنت حديث الصب إلي خليط رقيق القوام أكثف قليلا من الماء المحتوي على كثير من الطين. فبعد سقوط الأمطار بغزارة على أخدود خانق في منطقة جبلية، فإن الانسياب الطيني يبدأ على هيئة مجرى مائي طيني يستمر في التقاط الرواسب المفككة حتى تصبح مقدمته مثل سد متحرك من الطين والدبش rubble، وممتدا إلي جانبي الوادي ومندفعا بقوة الماء المنساب وراءه. وعند الوصول إلي منطقة مفتوحة عند مقدمة الجبل، فإن السد المتحرك ينهار ويصب الماء وينساب فوق السد المنهار وحوله، وينتشر الطين المختلط بالجلاميد على هيئة فريشة رقيقة تأخذ أحيانا شكل المروحة.
وفي المناطق ذات المناخ الرطب، حيث تتغطى جوانب البراكين النشطة شديدة الانحدار بطبقات التيفرا (الفتات الناري pyroctasts غير المتماسك المتكون من مواد صلبة بركانية من اللابة الحية نفسها، بالإضافة إلي البركانيات السابقة الخروج) والحطام البركاني، في أعقاب سقوط أمطار أو ذوبان جليد تندفع هذه المكونات على هيئة انسياب طيني من حطام بركاني غير متماسك يحتوي على الماء، وتعرف باللاهار lahar وهى كلمة معربة من الإندونيسية، ومن أمثلة ذلك ما سبق أن أوضحناه في أرميرو بكولومبيا.
2 – الانسيابات الحبيبية
تكون الرواسب في الانسيابات الحبيبية جافة إلي حد كبير، مع وجود هواء يملأ الفراغات، كما قد تكون مشبعة بالماء ولكن يسمح حجم الحبيبات وشكلها للماء بالهروب بسهولة.
الزحف والكولوفيوم: إن أبطأ تحرك كتلي هو المعروف بالزحف creep، حيث تحدث حركة بطيئة غير محسوسة للغطاء الصخري لأسفل التلال بمعدل يتراوح بين 1مم إلي 10سم تقريبا في السنة، تبعا لنوع التربة والمناخ وشدة الانحدار وكثافة النباتات الموجودة به. ويحدث الزحف عموما بمعدلات بطيئة جدا لدرجة لا يمكن ملاحظتها، إذ إن القياسات الدقيقة لإزاحة الأجسام على المنحدرات مثل أعمدة الهاتف والأشجار تسجل هذه المعدلات البطيئة (شكل 11 – 9). وكما هو متوقع فإن معدلات الزحف تكون أعلى المنحدرات الحادة أكثر منها على المنحدرات اللطيفة. وهناك عديد من السباب التي تؤدي إلي الزحف، مثل تكون الجليد وذوبانه ممايسبب ارتفاع وهبوط الحبيبات (شكل 11 – 10)، وكذلك قد يتغير حجم حبيبات المعدن بسبب ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة دون أن يحدث تجمد. كما يؤثر النشاط الحيواني في عملية الزحف، حيث تعمل الديدان والحشرات والحيوانات الزاحفة الأخرى على إزاحة الحبيبات، كما تفعل الحيوانات على سطح الأرض حاليا. وكذلك عندما تذوب بعض المعادن في الماء، فإنها تترك فراغات في صخر الأساس، حيث يكون هناك ميل لأن تملأ بالمواد من أعلى المنحدرات.
وتسمى الرواسب غير المتماسكة والتي تتحرك أساسا نتيجة الزحف على المنحدرات بالكولوفيوم (رسوبيات متراكمة) colluvium. وتميل الحبيبات في هذه الرواسب لأن تكون مزواة وينقصها الفرز sorting الواضح. وتساعد هذه الصفات عموما في التمييز بين الكولوفيوم والرواسب المتكونة بواسطة المياه المنسابة أو الهواء، والتي تتكون عادة من حبيبات مستديرة وترسبت في طبقات قد تم فرزها.
الانسيابات الترابية: الانسياب الترابي earthflow هو أحد معالم الانهيال الكتلي الشائعة وخاصة في المناطق الجبلية، وهو انسياب حبيبي تتراوح سرعته بين متر واحد في اليوم إلي عدة مئات من الأمتار في الساعة (شكل 11 – 7).وقد تبقى الانسيابات الترابية نشطة لعدة أيام أو شهور أو حتى سنوات. وقد تكون عرضة للتحرك مرة أخرى بعد توقف الحركة لبعض الوقت. وتتكون الانسيابات الترابية عموما، مثل انسيابات الحطام، من غطاء صخري في حجم حبيبات الغرين أو الصلصال تم تجويته، ويحدث على منحدرات تتراوح بين اللطيفة والمتوسطة (2 إلي 35). وتحدث الانسيابات الترابية حينما تكون الأرض مشبعة بالماء، على فترات متقطعة على الأقل. وعموما تصاحب الانسيابات الترابية فترات من سقوط الأمطار الشديدة.
ويأخذ الانسياب الترابي شكل اللسان الطويل الضيق، وتكون له مقدمة مستديرة ومنتفخة. وتتراوح الانسيابات الترابية بين عدة امتار طولا وعرضا، وأقل من متر واحد عمقا، إلي أكثر من عدة مئات من الأمتار عرضا، وأكثر من 1كم طولا، وأكثر من 10 متر عمقا.
الانسياب الحبيبي: إذا مشي شخص على قمة أحد الكثبان الرملية واقترب جدا من المنحدر الحاد الذي يقع في الناحية المدابرة لاتجاه الريح، فإن خطوة هذا الشخص تكون قد تسببت في بدء سقوط حبيبات الرمل منسابة أسفل وجه الكثيب الرملي. ويشرح هذا المثال، أحد أنواع الانهيال الكتلي والمعروف بالانسياب الحبيبي granular flow والتي تشمل تحرك راسب جاف أو شبه جاف مكون من حبيبات مع وجود هواء يملأ الفراغات المسامية بينها. ويحدث مثل هذا الانسياب الحبيبي طبيعياً، عندما تكون حبيبات الرمل المتراكمة انحدارا يزيد عن زاوية الاستقرار، مما يؤدي إلي حدوث انهيار. وتتصادم الحبيبات المتحركة خلال عملية الانسياب بكثرة. ويتراوح معدل سرعات الراسب المتحرك نموذجياً بين 0.1 إلي 35 متر في الثانية.
هيارات الحطام: يكون هيار الحطام debris avalanche الضخم والمتحرك بسرعة حدثا نادرا ومثيرا. ويتحرك هذا النوع من الانسياب الحبيبي بسرعة عالية، وقد يكون شديد التدمير (شكل 11 – 8). وكثيرا ما يتضمن هيار الحطام كتلا ضخمة من الصخر المتساقط والحطام الذي يتكسر ويسحق عند ارتطامه، ثم يستمر في الحركة أسفل المنحدرات لمسافات كبيرة غالبا.
ويكون لسقوط الصخور الضخمة والذي يؤدي لحدوث هيارات الحطام أكبر تأثير على الإنسان في المناطق الجبلية المأهولة بالسكان مثل جبال الألب والأنديز. فلقد حدث في سبتمبر عام 1717م أن سقطت كتلة ضخمة من الصخر والجليد على مثلجة تريولية Triolet Glacier من قمة جبل قرب مون بلان Mont Blanc على امتداد الحدود الإيطالية الفرنسية، مما أدي إلي طحنها عند الاصطدام. ولقد تحرك الحطام المتكسر بسرعة لأسفل وعلى امتداد الوادي ولمسافة 7كم قبل أن تتوقف مقدمته، وعلى ارتفاع أقل 1860 مترا من مكان انفصال تلك الكتلة. وقد قدرت سرعة الكتلة عند الاصطدام بحوالي 320كم في الساعة. وعند اصطدام كتلة الحطام بأرض الوادي الرئيسي، فإن القوة الدافعة حملتها إلي أعلى جدار للوادي المقابل إلي ارتفاع بلغ 60 مترا على الأقل. وقد غمر الحطام عند هذه النقطة قريتين صغيرتين بالجبل وقتل كل السكان والدواب، حيث قدرت سرعة الهيار بحوالي 125كم/ ساعة على الأقل. وقد استغرق الزمن الكلي لرحلة الهيار على امتداد السبع كيلو مترات بين دقيقتين وأربع دقائق. ومن الواضح من زمن هذه الحركة السريعة أن النجاة من هيارات الحطام الكبيرة والمدمرة تكون نادرة الحدوث.
وحيث إن هيارات الحطام الكبيرة نادرة الحدوث ومن الصعب دراستها أثناء الحركة، فتكون نتائج ملاحظتها قليلة. وتعزي الحركة الشديدة السرعة إلي أن الحطام كان يعلو طبقة من الهواء المضغوط. فإذا كانت هذه الملحوظة صحيحة، فإن هيارات الحطام تتحرك مثل المركبات التي تجري على اليابس أو الماء فوق هواء مضغوط يخرج من مروحة كبيرة. وقد يقلل الهواء المضغوط بين الحطام المتحرك من الاحتكاك بين الجزيئات ويسبب أن تتصرف الكتلة مثل مادة عالية الميوعة. وتتعرض جوانب البراكين الطباقية غير المستقرة للانهيار مما يؤدي إلي حدوث هيارات حطام.
ج – الانهيال الكتلي في المناخات الباردة
ينشط الانهيال الكتلي بصورة ملحوظة عند الارتفاعات العالية فوق خط الثلج الدائم وفي المناطق شديدة البرودة عند خطوط العرض العالية. وفي هذه المناطق يغطي الثلج معظم صفحة الأرض طوال العام بأرضية متجمدة ويكون تأثير الصقيع مهماً كعملية جيولوجية.
1 – الانتفاخ الصقيعي والزحف
عندما يتجمد الماء يزداد حجمه ويدفع الجليد الموجود في الغطاء الصخري المشبع بالماء سطح الأرض إلي أعلى. ويسمى رفع الغطاء الصخري لأعلى نتيجة لتجمد الماء بالانتفاخ الصقيعي frost heaving. ويؤثر الانتفاخ الصقيعي كثيرا على زحف الرواسب إلي أسفل المنحدرات في المناخات الباردة. وعند حدوث التجمد يرتفع سطح الأرض في اتجاه عمودي على المنحدر. وعند ذوبان الجليد، تميل كل حبة من الرواسب لأن تسقط رأسيا لأسفل تحت تأثير الجاذبية. وهكذا تكون حركة الحبيبة النهائية خلال كل دورة من التجمد والانصهار، لمسافة قصيرة جدا لأسفل على المنحدر (شكل 11 – 10). والنتيجة النهائية لهذه الدورات المتكررة من التجمد والانصهار هى الزحف creep ولكن ببطء لأسفل على المنحدرات.
2 – المثالج الصخرية
تعتبر المثلجة الصخرية rock glacier إحدى المعالم المميزة لعديد من المناطق الجبلية الجافة. وهى عبارة عن لسان من حطام صخري ردئ الفرز ملتحم بالجليد، يتحرك ببطئ لأسفل على المنحدرات بطريقة مشابهة للمثالج. وتنشأ المثالج الصخرية عموما أسفل الجروف الحادة والشديدة الانحدار والتي تعتبر مصدرا للحطام الصخري. وقد يصل سمك المثلجة الصخرية النشيطة حوالي 50 مترا أو أكثر، وقد تتحرك بمعدلات تصل إلي حوالي خمسة أمتار في العام. وتكون المثالج الصخرية شائعة عموما في سلاسل الجبال المرتفعة مثل جبال الألب والأنديز.
د – الانهيال الكتلي تحت الماء
امتد البحث عن النفط إلي الرفوف والمنحدرات القارية. وقد أوضحت عمليات الاستكشاف البترولي أن الانهيال الكتلي تحت الماء subaqueous mass wasting شائع إلي أبعد الحدود، وأنه أحد العوامل المهمة لنقل الرواسب على قاع المحيط، كما اكتشف أيضا وجود انهيال كتلي في البحيرات. وكما هو الوضع على اليابس، فإن الصخور والرواسب تتحرك تحت تأثير الجاذبية كلما كان هناك منحدرات تحت مائية. وتؤدي انهيارات المنحدرات تحت الماء إلي تكون تيارات كثيفة تنساب في أعماق البحار. وتتحرك تحت تأثير الجاذبية، وتعرف بتيارات العكر turbidity currents . وتيارات العكر هى نوع من انسياب الرسوبيات تحت الماء، حيث تتحرك الرواسب في الوديان العميقة ذات الجوانب شديدة الانحدار والمعروفة بالأخاديد الخانقة canyons تحت البحرية، حيث تتكون رواسب العكر علىمناطق المرتفع القاري continental rise . كما قد يتسبب الانهيال الكتلي تحت الماء في تكون جزء أساسي من رواسب الرف القاري continental shelf خاصة في المناطق القريبة من الأنهار الكبيرة.
وقد ظهرت الدراسات الحديثة للمحيط الأطلنطي شرق أمريكا الشمالية، أن مساحات واسعة من قاع المحيط قد تعرضت لتدهورات وانزلاقات وانسيابات تحت بحرية (شكل 11 – 11). وقد غطت بعض الانزلاقات الكبيرة مساحات تبلغ أكثر من 40000كم2، وتصل إلي أعماق تزيد عن 5400 متر. وتؤثر الانزلاقات عموما في الخمسين مترا العليا من رواسب قاع المحيط.
كما تتكون في الدلتاوات البحرية الكبيرة عدة مظاهر سطحية ورواسب ترجع إلي انهيارات المنحدرات. ففي مثل هذه البيئيات تحت المائية قد يحدث الانهيار على منحدرات لطيفة جدا (في حدود 1)، ومن الأمثلة ذلك دلتا المسيسبي، وعموما فإن الانزلاقات وانسيابات الرواسب تكون نشيطة للغاية عند مقدمة الدلتا.
ويظهر طوبوغرافية الحواف السفلية المغمورة لبراكين هاواي (شكل 11 – 12)، حدوث انهيارات أرضية ضخمة متكررة على جوانب البراكين، وتشمل انسيابات وانزلاقات للركام على هيئة كتل.
||| - الانهيال الكتلي وتكتونية الألواح
يوضح إسقاط الانهيارات الأرضية الكبيرة في العالم على خريطة الكرة الأرضية، أن معظمها يتركز في أحزمة تقع بالقرب من حدود الألواح المتقاربة. ويرجع ذلك إلي سببين:
1 – تقع أعلى سلاسل الجبال في العالم عند حدود الألواح المتقاربة أو بالقرب منها، حيث تتميز هذه الجبال بالمنحدرات الحادة، مثل جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية. وتتكون معظم صخور هذه السلاسل الجبلية من طبقات بها عديد من الفواصل والتي تكسرت بشدة وتشوهت أثناء رفعها، بحيث تكون كل من أسطح الفواصل وأسطح التطبق نطاقات محتملة للانهيار. وبالإضافة إلي ذلك، تقع علىامتداد الحدود المتقاربة وعلى امتداد هذه الأحزمة أعلى البراكين الطباقية في العالم، والتي تميل منحدراتها بزاويا حادة، حيث يتواجد الرماد البركاني الذي تنشأ عنه الانسيابات الطينية بسهولة.
2 – تحدث أيضا على امتداد هذه الألواح المتقاربة زلازل كبيرة، حيث تنزلق حدود الألواح بالنسبة لبعضها البعض في نطاقات الاندساس، كما تنشأ أيضا الزلازل مصاحبة للصهارات المتحركة لأعلى التي تغذي الانبثاقات البركانية على سطح الأرض.
وقد تصاحب التحركات الكتلية أيضا الألواح المتباعدة، خاصة عند المنحدرات الحادة المتكونة في وديان الخسف القارية والتي تصاحب بدء عملية التباعد. وقد حدثت انهيارات تحت بحرية في وادي الخسف في حيد وسط المحيط الأطلنطي، وهو موضع لتباعد الألواح أيضا. كما أن حدود الصدع الناقل، مثل صدع سان أندرياس، هى أيضا مواقع لتحركات كتلية متكررة، حيث تنشأ المنحدرات الحادة على امتداد الصدع ويكثر حدوث الزلازل. وعند مقارنة الظروف السابقة مع المناطق البعيدة عن حدود الألواح سواء الحالية أو السابقة، حيث تكون الطوبوغرافية منخفضة نسبيا، فإن تشوه الصخور يكون أقل نسبياً وتكون المنحدرات الطبيعية والزلازل نادرة.
V| - تجنب أو تخفيف آثار الانهيال الكتلي
قد تكون بعض التحركات الكتلية كبيرة أو لا يمكن تجنبها، ولذلك يجب أن نتعلم كيف نتعايش معها ونتجنب آثارها أو منعها خاصة الصغير منها أو التي تحدث نتيجة النشاط الإنسيابي. وتشمل الطرق الرئيسية لإعادة الاستقرار إلي بعض المناطق المعرضة للانهيارات الأرضية: (1) تجنب الإنشاءات في المناطق المعرضة للتحركات الأرضية، (2) تجنب إنشاء الجسور (الكباري) فوق المناطق غير المستقرة، (3) صرف المياه أو ضخها من الرواسب المشبعة بالمياه على المنحدرات المعرضة للزحف، (4) إنشاء حوائط حاجزة أو تراكيب مماثلة مع مراعاة ألا تقوم هذه الحوائط بحجز الماء أيضا، (5) محاولة تعديل زاوية الانحدار وجعلها مساوية لزاوية الاستقرار الطبيعية، (6) يمكن أحيانا حقن الأسمنت أو استخدام النسف بالمتفجرات لجعل المنحدرات أكثر استقراراً.
الفصل الثاني عشر: دورة الماء والأنهار
يقوم الجيولوجيون المتخصصون في علم المياه بدراسة حركة المياه وخصائصها، سواء الموجودة على سطح الأرض أو المخزونة بداخلها. ويعتبر الماء الجاري في الأنهار، وأيضا المتجمد في جليد المثالج عامل رئيسي في التعرية التي تساعد في تشكيل صفحة الأرض على القارات. كما أن الماء عامل أساسي في التجوية، حيث يعمل كعامل إذابة ونقل للمعادن الموجودة في الصخور والتربة. كما يتسرب الماء في صخور القشرة الأرضية ويكون خزانات مائية ضخمة. ويسبب الماء أيضاً كثيرا من الانزلاقات الأرضية وغيرها من صور التحرك الكتلي. وتتكون رواسب الخامات الحرمائية hydrothermal ore deposits نتيجة دوران الماء الساخن فوق الأجسام النارية وفي حيود وسط الامحيط mid – ocean ridges.
والماء عامل حيوي وأساسي لكل صور الحياة على الأرض. ولا يستطيع الإنسان البقاء على قيد الحياة لأكثر من عدة أيام دون ماء. وحتى النباتات والحيونات الصحراوية تحتاج إلي الماء. وكمية الماء التي تحتاجها المدينة الحديثة أكبر بكثير مما تحتاجه المتطلبات البسيطة للحياة، فالماء يستخدم بكميات ضخمة في الصناعة والزراعة واحتياجات المدن.
وقد أصبح علم المياه (الهيدرولوجيا) hydrology أكثر أهمية الآن، حيث يتزايد الطلب على الماء رغم الكميات المحودة المتاحة منه. ولكي نحمي هذه الإمدادات فلابد أن نفهم ليس فقط أين يمكن أن يتواجد الماء؟ ولكن كيف يمكن أن نجدد مصادر وإمدادات المياه. ويمكننا في ضوء هذه المعلومات أن نستخدم الماء، دون أن نعرض تلك الإمدادات المستقبلية للخطر.
أولا: الانسيابات وخزنات المياه
نشاهد الماء الجاري وهو ينتقل من مكان لآخر فوق سطح الأرض عبر الأنهار، كما يوجد مخزون من الماء على سطح الأرض في البحيرات والمحيطات. ولكن من الصعب رؤية الكميات الضخمة من المياه المخزونة في الغلاف الجوي للأرض، أو تلك التي توجد تحت الأرض. كما يصعب أيضا مشاهدة الانسيابات داخل تلك الخزنات أو خارجها. فعندما يتبخر الماء، فإنه يختفي عن النظر على هيئة بخار في الغلاف الجوي. وعندما يغوص ماء المطر في باطن الأرض، فإنه يصبح ماءً جوفيا groundwater، وهوكتلة من الماء المخزون تحت سطح الأرض، ويسمى أيضاً ماء تحت أرضي underground water.
وتسمى كل البيئات التي يخزن فيها الماء خزانات reservoirs. ويطلق مصطلح خزان على مصدر الماء أو مكان تواجده. ومن المواضع الطبيعية الرئيسية لتخزين الماء البحار والمحيطات والمثالج glaciers القطبي والبحيرات والأنهار والغلاف الجوي والغلاف الحيوي. ويوضح شكل (12 – 1) توزيع الماء بين تلك الخزانات. وتشمل الخزانات الأرضية البحيرات والأنهار والمياه الجوفية، بينما تعتبر المحيطات أكبر خزانات الماء على الأرض. وعلى الرغم من أن كمية الماء الكلية في الأنهار والبحيرات صغيرة نسبيا، إلا أن هذه الخزنات مهمة للإنسان، لأنها تحتوي على الماء الطبيعي الجاهز للاستخدام. وتبلغ كمية المياه الجوفية مائة ضعف كمية المياه الموجودة في الأنهار والبحيرات، إلا أن الكثير منها لا يستخدم نظراً لأن مياهها تحتوي على كميات كبيرة من المواد الذائبة.
ويتدفق الماء إلي الخزنات من عدة مصادر منها الأمطار والأنهار، كما يتدفق ويفقد الماء من هذه الخزانات بطرق عديدة مثل التبخر. وحيث إن هناك حركة دائمة للمياه من وإلي الخزنات، فإذا تساوت كمية الماء المتدفق إلي الخزنات مع كمية الماء الخارج منها فإن حجم الخزان يبقى ثابتا، على الرغم من أن الماء يدخل ويخرج باستمرار.
وتبلغ كمية الماء الكلية التي يتم إمداد العالم بها حوالي 1.46بليون كيلومتر مكعب، وهى كمية ضخمة تتوزع بين الخزانات المختلفة. وهذه الكمية من الماء ثابتة على الرغم من أن معدل انسياب الماء من خزان لآخر قد يتغير من يوم لآخر ومن عام إلي عام ومن قرن إلي قرن. ولا يوجد على امتداد هذه الفترات الزمنية القصيرة أي إمداد أو فقد للماء الموجود في باطن الأرض، كما لا يوجد أي فقد ملحوظة للماء من الغلاف الجوي إلي الفضاء الخارجي للأرض.
1 – دورة الماء
يتحرك الماء فوق سطح الأرض أو تحتها، أو يدور بين الخزانات الرئيسية على الأرض وهى المحيطات والغلاف الجوي واليابسة. ويسمى الدوران المستمر والدائم للماء من المحيط إلي الغلاف الجوي، ومن الأمطار إلي سطح اليابسة، ومن الصرف السطحي runoff للماء والمياه الجوفية إلي المجاري المائية (الأنهار أساسا)، ثم مرة أخرى إلي المحيط بدورة الماء hydrology cycle. ويوضح شكل (12 – 1) وصفا مبسطا لهذه الدورة الدائمة والمستمرة للماء بالإضافة إلي الماء المتحرك. ويتميز الماء بقدرته على التحول بين الحالات الثلاثة للمادة وهى السائل (الماء) والغاز (بخار الماء) والصلب (الجليد)، وذلك تحت تأثير درجات الحرارة الموجودة فوق سطح الأرض. وتؤدي هذه التحولات إلي بعض الانسيابات الرئيسية من خزان إلي آخر في دورة الماء. وتقوم حرارة الشمس بدور القوة المحركة في دورة الماء، حيث تعمل على تبخير الماء من المحيطات، ثم تساعد في نقله كبخار ماء إلي الغلاف الجوي. ويتكثف بخار الماء تحت ظروف مناسبة من الحرارة والرطوبة إلي قطرات من الماء بالغة الصغر تكون السحب، ثم تسقط في النهاية كأمطار أو جليد فوق المحيطات والقارات. ويتخلل بعض الماء الذي يسقط على اليابسة إلي الأرض بالتسرب infiltration، وهى العملية التي يدخل فيها الماء إلي الصخر أو التربة عبر الشقوق أو بعض المسام الصغيرة الموجودة بين الحبيبات. ويتبخر بعض الماء الجوفي من سطح التربة، بينما تمتص جذور النباتات جزءا آخر وتحمله إلي الأوراق لتعود إلي الغلاف الجوي أثناء عملية النتح (عرق النبات) transpiration وهو خروج بخار الماء من النبات. وقد يعود بعض الماء الجوفي إلي السطح من خلال الينابيع.
ويجري ماء المطر الذي لا يتسرب في الأرض فوق سطح الأرض ليتجمع تدريجيا في المجاري المائية والأنهار. وتسمى كمية ماء المطر التي تجري وتنساب فوق سطح الأرض بالجريان السطحي runoff. وقد يتسرب بعض ماء الصرف السطحي في الأرض أو يتبخر من الأنهار والبحيرات، ولكن ينساب معظم ماء الصرف السطحي إلي البحار والمحيطات.
وقد يتحول الثلج المتساقط إلي جليد في المثالج، والتي تعيد بدورها الماء إلي المحيطات بالانصهار والجريان السطحي، أو إلي الغلاف الجوي بالتسامي sublimation وهو التحول من الحالة الصلبة (جليد) مباشرة إلي الحالة الغازية (بخار الماء). ويعود جزء كبير من الماء الذي يتبخر من المحيطات إليها كماء مطر أو ثلج أو جليد. وتتساقط بقية الماء فوق اليابسة حيث يتبخر أو يعود إلي المحيطات كجريان سطحي. وتعرف عملية سقوط الماء على الأرض (محيطات ويابسة) من الغلاف الجوي في صورة أمطار أو ثلج بالتساقط precipitation، وتقاس بما يقابلها من ماء سائل دون اعتبار لصورة سقوطه.
ويوضح شكل (12 – 1) كيف تتوازن الخزانات مع بعضها البعض نتيجة الانسيابات الكلية في النظام الأرضي الحالي والذي يتأثر بالنشاط الإنساني. فمثلاً، يحصل سطح اليابسة على الماء نتيجة التساقط، وتفقد كمية الماء نفسها نتيجة التبخر والصرف السطحي. ويحصل المحيط على الماء من الصرف السطحي والتساقط، وبينما يفقد الكمية نفسها بالبخر. وبالتالي تبقى كمية الماء في كل خزان ثابتة تقريبا. كما يوضح شكل (12 – 1)، أن الماء المتبخر من المحيطات أكبر من الماء المتساقط عليها كأمطار. ويتم موازنة هذا الفقد من الماء الذي يعود إلي المحيطات نتيجة الصرف السطحي من القارات. ويأتي حوالي ثلث الماء الكلي المتساقط على اليابسة (107.000كم3) نتيجة البخر الزائد عن كمية الماء المتساقط على المحيطات (434.000 – 398.000 = 36.000كم3)، ويعود هذا الثلث بدوره إلي المحيطات كصرف سطحي.
|| - كمية الماء المستخدم
تتحكم دورة الماء بشكل أساسي في إمدادات الماء في العالم. وتأتي إمدادات الماء العذب الطبيعي فقط عن طريق الأمطار والأنهار والبحيرات وبعض المياه الجوفية والماء المنصهر عن الثلج أو الجليد على اليابسة. وتأتي كل هذ المياه أساسا نتيجة تساقطها. كما تنتج كميات صغيرة من الماء العذب في بعض المناطق القاحلة في الشرق الأوسط وخاصة في الخليج العربي، من تحلية الماء المالح desalination (أي إزالة الملوحة منه). لذلك فإن الحد العملي لكمية الماء العذب الذي يمكن أن نستخدمه هو الكمية التي تسقط على القارات. ويعني ذلك أيضا، أن الماء العذب هو مصدر متجدد. وعلى الرغم من أننا قد نستنزف هذه المصادر من الماء مؤقتا، إلا أن التساقط سوف يعوض هذا الاستنزاف خلال عدة آلاف أو مئات من السنين.
وينقسم الماء المتساقط على الأرض إلي ثلاثة أجزاء، جزء منها يشمله الجريان السطحي، بينما يتبخر جزء آخر ويتسرب الجزء الثالث. ويستطيع الإنسان أن يستخدم الجزء من الماء الذي يتسرب في الأرض ليكون المياه الجوفية، بحفر الآبار. أما الجريان السطحي فيشمل الجزء من الماء الذي يمكن للإنسان أن يستخدمه بسهولة ويسر من الأنهار والمجاري المائية. وتؤثر أنشطة الإنسان وتتداخل في عمليات دورة الماء الطبيعية. وسنذكر فيما يلي بعض تدخلات الإنسان في هذه الدورة:
• يزيد التبخر نتيجة استخدام مياه الري في الأراضي الجافة. • يؤثر تمهيد الطرق وتعبيدها على سطح الأرض وخاصة في الطرق الطويلة السريعة، والمباني في تقليل الماء المتسرب. • يمكن أن تؤدي أنشطة الإنسان في التدفئة عالميا وكذلك محليا إلي انصهار جليد المثالج، مما يؤثر في اتزان الماء في الخزانات الأخرى.
ثانيا: الأنهار والنقل إلي المحيطات
تعتبر الأنهار من العوامل الجيولوجية الرئيسية التي تعمل على سطح الأرض، حيث تقوم المجاري المائية من مختلف الأحجام مثل الجداول الصغيرة والأنهار الرئيسية بتعرية صخور الأساس ونقل وترسيب الرمل والحصى والطين. وسنتناول هنا العمل الجيولوجي للأنهار، أي كيف تنساب المياه في تيارات وكيف تحمل هذه التيارات الراسب، وكيف تقوم المجاري المائية بتكسير وتعرية الصخور الصلبة، وكيف تحفر المجاري المائية الوديان وتكون عدة أشكال أثناء حركة المياه.
ونحن نستخدم في حياتنا اليومية بعض المصطلحات لوصف المجاري المائية المختلفة، إلا أن الجيولوجيين يضعون مفاهيم أكثر دقة لبعض هذه المصطلحات. ولذلك يستخدم الجيولوجيون كلمة مجرى مائي stream لأي فرع يحتوي على ماء منساب، سواء كان كبيراً أم صغيراً، بينما يستخدمون كلمة نهر river للأنهار الرئيسية المتفرعة من مجرى مائي كبير.
وتلعب المجاري المائية دوراً مهماً في حياتنا، فهى تخترق معظم مدن العالم، وتستخدم للملاحة ونقل البضائع والأفراد، كما تستخدم كمصدر للماء للتجمعات السكنية والصناعية. فأنهار الأمازون والراين والمسيسيبي والنيل تستخدم كشريان حيوي للنقل. وقد بنيت معظم المدن الكبرى في العالم مثل القاهرة والخرطوم ولندن وباريس وروما وموسكو في وديان مجاري الأنهار، حيث يسهل البناء على قيعان الأدوية المستوية، كما تكون التربة خصبة والماء متوافراً. فقد قامت الزراعة حول نهر النيل منذ الفراعنة حتى اليوم. كما تكون الحياة بالقرب من الأنهار محاطة بالمخاطر، حينما تفيض الأنهار وتدمر الحياة والممتلكات القائمة حولها (شكل 12 – 2).
وبالإضافة إلي أهمية المجاري المائية العملية والجمالية، فان للمجاري المائية أهمية حيوية كعوامل جيولوجية في النواحي التالية:
1 – تحمل المجاري المائية معظم الماء الذي يتدفق من اليابسة إلي البحر، وبذلك فإنه يعتبر جزءاً مهما من دورة الماء.
2 – تقوم المجاري المائية بنقل بلايين الأطنان من الرواسب إلي المحيطات كل عام، حيث يتم الترسيب وتصبح الرواسب في النهاية جزءا من التتابع الطبقي للأرض.
3 – تقوم المجاري المائية بنقل كميات صغيرة من الأملاح الذائبة التي تكونت أثناء عملية التجوية إلي البحر. ويلعب هذا النقل دورا مهماً في الحفاظ على ملوحة ماء البحر.
4 – تقوم المجاري المائية بدور رئيسي في تشكيل سطح الأرض. وتتكون التضاريس الأرضية أساسا من أودية للمجاري المائية تفصلها عن بعضها مرتفعات، نتيجة عملية التجوية والتعرية.
| - المعالم الرئيسية للنظام النهري
يتكون النظام النهري river water وهو عبارة عن حيد أو تل مرتفع من الأرض يفصل بين حوضي صرف لنهرين متجاورين. وفي النظام النهري، ينحدر سطح الأرض ناحية شبكة من الروافد بحيث يعمل نظام الصرف deainage system على تجميع وإزالة الرواسب والحطام الصخري الناتج من التجوية كما لو كان قمع تجميع.
ويقسم النظام النهري النموذجي إلي ثلاثة أقسام: 1 – نظام تجميع، 2 – نظام نقل ، 3 – نظام توزيع (انتشار) (شكل 12 – 3). ويعتبر التفرع صفة أساسية في عديد من الشبكات التي تقوم بتجميع المواد المختلفة وتوزيعها. فمثلا، تقوم شبكة الدورة الدموية في الإنسان بتوزيع الدم على أجزاء الجسم المختلفة بنظام متفرع من الشرايين، ثم تقوم بتجميعه بنظام آخر من الأوردة. وعلى الرغم من أن الحدود بين الأقسام الثلاثة للدورة تكون عموما تدريجية، إلا أن الخصائص المميزة لكل قسم تكون ظاهرة. وفيما يلي عرض مختصر لكل قسم من أقسام النظام النهري.
أ – نظام التجميع
يتكون نظام التجميع collecting system أو نظام الصرف deainage systemللنهر من شبكة من الروافد في منطقة أعالي النهر ومنبعه. والروافد tributaries هى مجاري مائية تقوم بتجميع المياه والرواسب لتصب في المجرى المائي الرئيسي. وتأخذ الروافد عادة النمط الشجيري dendritic (مثل الشجرة)، مع العديد من التفرعات branches التي تمتد لأعلى المنحدر ناحية مقسم المياه. وتعتبر شبكة الروافد المعقدة واحدة من المعالم المميزة لنظام التجميع.
ب – نظام النقل
يتكون نظام النقل transporting system من المجرى الرئيسي الذي يعمل كقناة يتحرك فيها الماء والرواسب من منطقة التجميع إلي المصب. وبالرغم من أن نقل الماء هو العملية الأساسية في هذا النظام، إلا أنه يتم في هذا الجزء أيضا تجميع ماء ورواسب إضافية، كما تحدث عملية ترسيب عندما ينثني المجرى، أو عندما يفيض النهر على ضفتيه أثناء فترة الفيضان. وهكذا فإنه تحدث عمليات تعرية وترسيب ونقل في نظام النقل النهري.
ج – نظام التوزيع (الانتشار)
يتكون نظام التوزيع (الانتشار) dispersing system من شبكة من أفرع التوزيع distributaries عند مصب النهر، حيث تتشتت الرواسب والمياه والمياه في محيط أو بحيرة أو حوض جاف. وتتضمن العمليات الرئيسية في هذا النظام ترسيب حمولة النهر من الرواسب الخشنة وتتشتت الحبيبات الناعمة ومياه النهر في الحوض.
|| - انسياب الماء في مجاري المياه الطبيعية
يمكن دراسة طبيعة الانسياب في الأنهار عن طريق وضع صبغات في المجرى المائي وملاحظة تحركه. وعندما يتحرك الماء في أنبوبة زجاجية بسرعة بطيئة جداً، فإنه ينساب فيما يعرف بالانسياب الرقائقي (الصفائحي) laminar fiow، وهو أبسط أنواع الحركة، حيث يتحرك الماء في طبقات متوازية دون أن تختلط أو تتقاطع. ونادرا ما يحدث الانسياب الرقائقي في المجاري الطبيعية، إلا أنه قد يحدث في طبقات رقيقة جدا على امتداد قاع وجوانب المجرى المائي، حيث يشيع هذا النوع من الانسياب في المياه الجوفية تحت سطح الأرض.
أما الانسياب المضطرب turbulent flow فهو نوع آخر من التحرك غير المنتظم للماء، حيث توجد دوامات تؤدي إلي اضطراب الماء أثناء الانسياب (شكل 12 – 4). ويتحرك الماء المصبوغ أثناء الانسياب المضطرب إلي أعلى وأسفل المجرى المائي وعلى جانبيه، مما يوضح أن الماء يمكن أن يرفع الراسب غير المتماسك من قاع النهر وينقله حتى مصب المجرى المائي.
وانسياب الماء في المجرى المائي عملية معقدة تتأثر بعدة عوامل أهمها: أ – التصريف، ب – السرعة التي يتحرك بها الماء، ج – شكل وحجم قناة المجرى المائي، د – انحدار قناة المجرى المائي، هـ - مستوى القاعدة (المستوى الأدنى للتعرية)، و – الحمولة (المواد التي يحملها أو يحركها الماء المنساب).
أ – التصريف: معدل تحرك الماء
يبدو شكل المجرى المائي ثابتا ومستقرا عندما ننظر إليه من فوق جسر لعدة دقائق، أو من خلال قارب لعدة ساعات. ولكن قد يتغير حجم هذا المجرى المائي . وسرعته في مكان معين من شهر لآخر أو من موسم لآخر. فالمجاري المائية هى أنظمة ديناميكية ترتفع فيها المياه، وقد تفيض أيضاً في بعض السنوات، كما تغير من شكل أوديتها خلال فترات زمنية أكبر. كما تغير المجاري المائية من معدل تدفقها وأبعاد المجرى الرئيسي عندما تنتقل من الروافد الضيقة الموجودة عند منبع المجرى المائي إلي السهول الفيضية الأكثر اتساعا عند الأجزاء الوسطى والسفلى من المجرى.
وتقدر كمية الماء الذي ينساب في المجرى المائي بقياس التصريف discharge، وهوكمية الماء التي يمر بنقطة معينة في وحدة زمنية معينة أثناء انسيابه خلال قناة لها عمق وعرض محددان. ويقاس التصريف عادة بالأمتار المكعبة لكل ثانية أو بالقدم المكعب لكل ثانية. ويراقب تصريف معظم أنظمة الصرف الكبرى في العالم بالقياس عند عدة محطات خلال عدة شنوات. وتستخدم هذه المعلومات كأساس لتخطيط استخدام مصادر المياه والتحكم في الفيضان وحساب معدلات التعرية وهكذا. وجدير بالملاحظة أن التصريف يزداد في اتجاه مصب النهر بإضافة الماء من الروافد (شكل 12 – 5). ويتغير تصريف المجرى الصغير من حوالي 0.25 إلي 300م3 / ثانية، بينما يتراوح تصريف المجاري المائية الكبيرة (مثل المسيسيبي) بين 1400م3 / ثانية إلي 57000م3 / ثانية وقت الفيضان. ويوضح شكل (12 – 6) متوسط تصريف نهر النيل عند أسوان عام 1944م دون تأثير لخزان أسوان. ويبلغ أقصى تصريف للنهر في شهر سبتمبر حوالي 712 مليون م3 / اليوم، بينما يكون أقل تصريف للنهر في شهر مايو ويبلغ 35 مليون م3 / اليوم. كما يوضح الشكل أن الاختلاف في التصريف يرجع إلي كمية الماء أثناء الفيضان. وبعد إقامة السد العالي بأسوان والتحكم في كمية الماء، انخفض التغير الموسمي في التصريف بدرجة كبيرة.
ويمكن حساب التصريف عن طريق حساب مساحة القطاع العرضي (العرض × متوسط عمق الجزء من المجرى الممتلئ بالماء) وكذلك حساب سرعة الانسياب (المسافة التي يقطعها الماء في الثانية):
التصريف discharge = مساحة القطاع العرضي للمجرى (متر مربع) × سرعة الانسياب (متر مكعب / ثانية)
وتؤدي هذه المعادلة إلي توقع زيادة التصريف بزيادة مساحة القطاع العرضي أو سرعة الانسياب أو كليهما. فعندما يزيد ضغط الماء عند الصنبور فإن التصريف في خرطوم مياه الحديقة يزداد، وحيث إن القطاع العرضي للخرطوم المتمثل بقطر الخرطوم لا يتغير، فإن سرعة خروج الماء من الخرطوم سوف تزداد. فإذا زاد تصريف مجرى مائي عند نقطة معينة، فإن كلا من سرعة خروج الماء ومساحة المقطع العرضي للمجرى تزداد (تتأثر السرعة أيضا بانحدار المجرى ودرجة خشونة قاع المجرى وجوانبه). وتزداد مساحة القطاع العرضي عندما يشغل الانسياب نسبة أكبر من عرض وعمق قناة المجرى المائي.
ويزداد التصريف الطبيعي في معظم الأنهار في اتجاه مصب النهر نتيجة زيادة انسياب الماء في الروافد. والروافد كما ذكرنا سابقا هى مجاري مائية تتصل بمجرى مائي أكبر وتصرف فيه مياهها. وكما لاحظنا فإن زيادة التصريف تعني أن العرض أو العمق أو السرعة يجب أن تزيد أيضا. ولكن عموما لا تزيد السرعة في اتجاه مصب النهر بالدرجة التي نتوقعها من زيادة التصريف، بسبب نقص انحدار القنوات السفلي من المجرى المائي (قلة الانحدار تؤدي إلي انخفاض السرعة) (شكل 12 – 5).
الفيضانات
يعمل السقوط غير المنتظم للأمطار على مدار السنة، وكذلك انصهار الجليد والثلج غير المنتظم أيضا على أن يزيد الماء موسمياً في المجاري المائية ليكون ما يعرف بالفيضان. ويحدث الفيضان flood عندما يصبح تصريف المجرى المائي كبيراً لدرجة أنه يزيد عن قدرة قناة المجرى المائي، مما يؤدي إلي ارتفاع منسوب الماء الذي يملأ القناة، إلي الدرجة التي يتخطي فيها ضفتي المجري المائي ويغمر أرضاً ليست جزءا من مجراه. والفيضانات ظاهرة طبيعية متوقعة على الرغم من غضب بعض الناس عند حدوثها. وتفيض بعض الأنهار بانتظام، كما يفيض نهر النيل كل عام. كما تختلف الفيضانات في الحجم أيضا، فبعضها يكون كبيراً وله مستوى ماء مرتفع جداً يستمر لعدة أيام، بينما تكون بعض الفيضانات الأخرى صغيرة. والفيضانات الصغيرة هى الأكثر شيوعاً، وتحدث في المتوسط كل عامين أو ثلاثة أعوام بينما تحدث الفيضانات الكبيرة عادة كل عشرة أو ثلاثين عاماً.
وتظهر التصريفات الكبيرة غير العادية والمصاحبة للفيضانات على هيئة قمة بارزة على الرسم المائي (هيدروجراف) hydrograph، وهو رسم يوضح العلاقة بين تصريف المجرى المائي والزمن. وجدير بالملاحظة أن مستوى الماء في المجرى المائي لا يرتفع بمجرد سقوط الأمطار ولكن يحتاج الماء إلي بعض الوقت ليتحرك من مكان انسيابه على سطح الأرض حتى يصل إلي قناة المجرى المائي، ليزداد التصريف بسرعة ويصل إلي قمة الفيضان. وتسمى هذه الفترة الزمنية الفاصلة بين قمة الماء المطر المتساقط وقمة الفيضان بالزمن الفاصل lagtime (شكل 12 – 7). وعند زيادة التصريف في فترة الفيضان تزيد سرعة انسياب الماء أيضاً. وتؤدي زيادة السرعة إلي زيادة الحمولة النهرية، وكذلك زيادة حجم الحبيبات المنقولة.
ويمكن أن تكون الفيضانات الكبيرة مدمرة وتسبب خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. لذلك فإنه من الأفضل دراسة توقع حدوثها. وحيث أنه لا يمكن توقع مستوى الفيضان (سواء كان الارتفاع في الماء او التصريف) في سنة معينة، فإن أقصى ما يمكن عمله هو توقع ما يمكن حدوثه. فعلى سبيل المثال، يمكن أن نتوقع احتمال حدوث فيضان بارتفاع ثلاثة أمتار فوق مستوى ضفة المجرى المائي بنسبة عشرين بالمائة. وتعني هذه النسبة أن متوسط الفترة الزمنية بين فيضانين يبلغ ارتفاعهما ثلاثة أمتار هو خمس سنوات، (20% = 1 في 5 سنوات). ويسمى الفيضان بهذا الارتفاع فيضان 5 – سنوات. ويسمى متوسط الفترة الزمنية بين ظاهرتين لهما شدة معينة (في هذه الحالة فيضان ارتفاعه ثلاثة أمتار) فترة تكرار recurrence interval. وبمعنى آخر، فإن إمكانية أن يتكرر فيضان بحجم معين يطلق عليها فترة التكرار. ويسمى الفيضان الأكبر حجماً (ستة أمتار مثلا) للمجرى المائي نفسه والمحتمل حدوثه كل 50 سنة فقط بفيضان – 50 سنة.
ب – السرعة التي يتحرك بها الماء
لا تكون سرعة انسياب الماء منتظمة في كل مكان على طول قناة المجرى المائي. وتعتمد هذه السرعة كما ذكرنا على شكل وخشونة قناة المجرى المائي، وكذلك على نمط المجرى المائي. وتزيد سرعة الانسياب كلما اقتربنا من سطح ومركز قناة المجرى المائي، حيث يكون العمق أكبر ما يكون ويقل احتكاك الماء بجدران المجرى المائي والقاع (شكل 12 – 8). وعندما تنحني قناة المجرى في منعطف meander فإن نطاق السرعة الأعلى ينتقل إلي الجزء الخارجي من الانحناء بينما ينتقل نطاق السرعة الأقل إلي الجزء الداخلي للمنحنى (شكل 12 – 9). وهذا النمط من الانسياب مهم في التعرية الجانبية لقنوات المجرى المائي، وتغير شكل أنماط المجاري المائية.
وتتناسب سرعة انسياب الماء مع انحدار قناة المجرى المائي. ويؤدي الانحدار الشديد لقاع المجرى المائي إلي الانسياب السريع، وهويحدث عادة في المجاري المائية المتواجدة في المناطق المرتفعة. وتتكون الجنادل rapids عندما تكون الانحدارات شديدة جدا حيث تكون سرعة الحركة حينئذ مساوية لسرعة السقوط الحر. وعندما يدخل المجرى المائي في بحيرة أو محيط فإن معدل السرعة يتناقض فورا إلي الصفر. وتعتمد أيضا سرعة الماء المنساب في قناة المجرى المائي على الحجم، فكلما زاد الحجم، كان الانسياب أسرع.
ج – شكل وحجم قناة المجرى المائي
يؤثر شكل القطاع العرضي لقناة المجرى المائي على طبيعة الانسياب، وكذلك على السرعة التي يتحرك بها حجم معين من الماء في المجرى حتى المصب. ففي القنوات العميقة الضيقة (شكل 12 – 10 أ)، تكون مساحة السطح لكل وحدة حجم من الماء كبيرة جدا، مما يؤدي إلي نقص سرعة الماء نتيجة زيادة الاحتكاك. وبالمثل تكون مساحة السطح كبيرة في القناة العريضة الضحلة (شكل 12 – 10 ب)، والتي يكون قاعها مسطحا تقريبا. ويؤدي نقص سرعة الانسياب في كلتا الحالتين إلي تأخر الانسياب. وتكون سرعة الانسياب أكبر ما يكون في القنوات التي تكون بها أقل مقاومة للانسياب. ففي القنوات شبه الدائرية (شكل 12 -10 ج) تكون مساحة السطح لكل وحدة حجم من الماء أقل ما يمكن، وبالتالي يكون بها أقل مقاومة للانسياب.
وبالإضافة إلي ما سبق، فإن الانسياب يقل في القنوات خشنة الجوانب والقاع، وكذلك تلك التي ينتشر بها الجلاميد والعوائق الأخرى، بينما يتحرك الماء بسرعة أكبر في القنوات الملساء المغطاة بالصلصال، حيث تكون المقاومة أقل.
د – انحدار قناة المجرى المائي
يكون انحدار gradient قاع المجرى المائي أشد في مناطق أعالي النهر جهة المنبع، ويقل الانحدار لأسفل في اتجاه المصب. ويوضح شكل (12 – 11) حوض النيل وارتفاع النهر فوق سطح البحر في عدة مواقع لتوضيح اختلاف درجة انحدار النهر. فكلما تحركنا نحو المصب قل الانحدار. ويمكن وصف انحدار نهر ما من المنبع حتى المصب من ملاحظة القطاع الطولي للنهر. ويقاس انحدار المجرى المائي بالأمتار لكل كيلو متر او بالقدم لكل ميل. فإذا كان الانحدار 5 أمتار لكل كيلو متر، فهذا يعني أن قاع النهر يهبط خمسة أمتاررأسيا لكل كيلو متر على امتداد النهر أفقيا. ويوضح شكل (12 – 12) انحدار بلات Platte وسوث بلات South Platte من المنبع وسط كولورادو وحتى المصب في نبراسكا. ويسمى هذا المنحنى الأملس المقعر نحو المنبع، والذي يعطي صورة لقطاع في النهر، بالقطاع الطولي longitudinal profile. ويكون لكل المجاري المائية، من الجداول الصغيرة حتى الأنهار الكبيرة الشكل العام المقعر نفسه نحو المنبع، والذي يكون حادا بشكل ملحوظ بالقرب من منبع المجرى المائي، بينما يقل الانحدار ويكون مستويا تقريبا بالقرب من المصب. ويوضح شكل (10 – 13) قطاعاً طولياً في نهر النيل من بحيرة فيكتوريا وحتى البحر المتوسط، وهو يوضح معدل انحداره، والذي يتراوح بين 10000 : 1 و12000 : 1 من أسوان حتى القاهرة.
ويرجع السبب في أن كل المجاري المائية، والتي قد تختلف عن بعضها في بعض التفاصيل، يكون لها القطاع الطولي نفسه إلي وجود عدد من العوامل التي تتحكم في عمليات التعرية والترسيب، حيث تكون التعرية أسرع عند منبع النهر عنها عند مصبه، بينما يكون الترسيب هو العامل الأقوى عند مصب المجرى المائي.
هـ - مستوى القاعدة (المستوى الأدنى للتعرية)
عندما ينساب مجرى مائي في اتجاه مصبه، فإن طاقته الكامنة (طاقة الوضع) تقل حتى تصل إلي الصفر عندما يصل إلي البحر. وعند ذلك لا تكون للمجرى المائي القدرة على أن يعمق قاعه. ويسمى المستوى النهائي الذي يصل إليه قاع المجرى المائي أو النهر بحيث لا يكون قادرا على مزيد من التعرية بمستوى القاعدة (المستوى الأدنى للتعرية) base ievel للمجرى المائي. ويعتبر سطح البحر هو الحد الأدنى للتعرية لمعظم المجاري المائية (شكل 12 – 14)، ويستثنى من ذلك المجاري المائية التي تصب في أحواض داخلية مغلقة غير متصلة بالبحر، مثل البحيرات. كما يعتبر النهر الرئيسي مستوى قاعدة لروافده.
وعند ربط مستوى القاعدة لمعظم المجاري المائية بسطح البحر ف‘نه يجب أن نعرف أن مستوى سطح البحر في العالم قد تغير عبر الأزمنة الجيولوجية الطويلة نتيجة التغير في شكل وسعة أحواض المحيطات، ونمو أوانكماش المثالج على القارات، ولذلك فإن مستوى القاعدة يتغير دائماً ببطء.
وتجدر الإشارة إلي أن كل المجاري المائية لا تنساب بانتظام من المنبع حتى المصب، فقد تعترض البحيرات بعض هذه المجاري، حيث تتكون هذه البحيرات خلف سدود طبيعية نتجت عن انزلاقات أرضية أو رواسب جليدية أوانسياب للابة. وعندما ينساب مجرى مائي في بحيرة، فإن سطح البحيرة يعمل كمستوى قاعدي محلي للتعرية (شكل 12 – 14). وقد ينخفض ماء البحيرة ويصرف خارجها لأي سبب من الأسباب. وعند تغير مستوى القاعدة المحلي، فإن المجرى المائي يغير من شكل مقطعه الطولي ليكون في حالة اتزان مع الظروف المتغيرة.
كما أن إقامة السدود الصناعية الكبرى على الأنهار يقطع الانسياب الطبيعي للمجرى المائي. وتبنى هذه السدود بغرض تخزين الماء والتحكم في الفيضان وتوليد الطاقة الكهربية (طاقة كهرومائية). وتعمل هذه السدود والماء المتجمع أمامها على رفع مستوى القاعدة بالنهر، وكذلك تغيير شكل القطاع الطولي للنهر ليتوافق مع الظروف الجديدة. ويرجع السبب في ذلك إلي بناء السد الصناعي على المجرى المائي يؤدي إلي تكوين خزان، يقوم بحجز معظم الرواسب التي كان يحملها هذا المجرى إلي المحيط. ويؤدي ذلك إلي تراكم الرواسب التي تملأ الخزان في النهاية. وهذه واحدة من المشكلات التي تواجه إنشاء السدود على المجاري المائية، وتتنبأ بعض الدراسات أن بحيرة ناصر أمام السد العالي جنوب أسوان بمصر سيمتلئ نصفها تقريباً بالطمي خلال القرن الحادي والعشرين.
و – الحمولة
تختلف قدرة المجاري المائية على التعرية وحمل الفتات والرواسب. ويستطيع الماء المنساب انسيابا رقائقيا (صفائحيا) أن يحمل أضغر وأخف الحبيبات فقط، وهى عادة في الحجم الصلصال. أما الماء المنساب انسيابا مضطربا، فإنه يستطيع أن يحرك حبيبات تتراوح بين حجم الصلصال وحجم الحصى الكبير (جليمود). وعندما يحمل الماء المنساب انسيابا مضطربا الحبيبات من قاع المجرى المائي، فإنه يحملها في اتجاه المصب. كما يقوم بدحرجة ودفع الحبيبات على القاع. وتشمل الحمولة المعلقة suspended load للمجرى المائي كل المادة المعلقة في الماء المنساب سواء كانت بصورة مؤقته أو دائمة. أما حمولة القاع bed load للمجرى المائي فهى تشمل المادة التي يحملها المجرى المائي على امتداد قاع المجرى بالانزلاق أو الدحرجة (شكل 12 – 15).
وكلما كان التيار أسرع، كلما كان حجم الحبيبات المنقولة كحمولة معلقة أو حمولة قاع أكبر. وتسمى قدرة المجرى المائي على حمل مادة أو فتات من حجم معين بالكفاءة competence. ويلاحظ أن القدرة على نقل هذا الفتات تقدر بحجم الحبيبات المنقولة وليس بكميتها. وعندما تزيد سرعة التيار ويحمل الحبيبات الخشنة تزداد الحمولة المعلقة، وتتحرك في نفس الوقت كميات أكبر من مادة القاع، وتزداد أيضاً حمولة القاع. وكما هو متوقع، فكلما زاد حجم الانسياب زادت الحمولة المعلقة أو حمولة القاع التي يستطيع هذا الانسياب حمله. وتسمى كمية الرواسب الكلية المحمولة بالانسياب بقدرة capacity المجرى المائي.
ويؤثر التداخل بين السرعة وحجم الانسياب في كل من كفاءة وقدرة المجرى المائي، فيحمل نهر الميسيسيبي على امتداد معظم مساره حبيبات يتراوح حجمها بين دقيقة إلي متوسطة الحجم فقط أي صلصال ورمل، عند السرعات المتوسطة ولكن بكميات كبيرة. أما في حالة مجرى مائي جبلي صغير حاد الانحدار وسريع الانسياب، فإنه يستطيع حمل الجلاميد، ولكن بكميات قليلة فقط. وسسنناقش نقل الرواسب وتعرية الأرض في أجزاء أخرى تالية.
||| - أشكال القنوات النهرية
تختلف القنوات النهرية في حجمها وشكلها. ويرجع تعدد أشكال القنوات النهرية إلي اختلاف أنواع العلاقات التي تربط بين انحدار القنوات وتصريفها وحمولتها من الرواسب. ونناقش هنا ثلاثة أشكال من القنوات النهرية وهى المستقيمية والمنعطفة أو المتثنية والمجدولة أو المضفرة.
أ – القنوات المستقيمة
يعتبر وجود أجزاء مستقيمة في القنوات النهرية الطبيعية أمرا غير شائع. وتنشأ الاستقامة في القنوات النهرية عند مرور القناة في منحدرات شديدة أو أن تتبع خطوط انكسارات أو صدوع أو فواصل في القشرة الأرضية. بينما يسمى شكل القناة النهرية التي بها عدة انحناءات شكلا متعرجا. وإذا فحصنا جزءا مستقيما من قناة طبيعية عن قرب، لوجدنا أن به بعض الانحناء أو التعرج، حيث لا يتبع الخط الذي يصل بين أعمق الأجزاء في القناة مساراً مستقيماً متساوي البعد بين الضفتين، ولكنه يتعرج جيئة وذهابا عبر القناة. وقد ينتج مثل هذا النمط في البداية نتيجة تغيرات عشوائية في عمق القناة. وفي المناطق التي يكون فيها عند أحد جانبي القناة مياها عميقة، تتراكم الرواسب على الجانب المقابل من القناة على هيئة حاجز bar، حيث تكون السرعة أقل. ويعمل الانسياب المتعرج عبر القناة على تكوين تعاقب من الحواجز على جانبي القناة بالتبادل. وتعتبر قناة مجرى النيل في مصر قناة مستقيمة تقريبا أو حتى متعرجة، ولكن لا يعتبر نهر النيل نهرا منعطفا، على الرغم من احتوائه على القليل من المنعطفات خاصة في الدلتا.
ب – القنوات المنعطفة أو المتثنية
تتكون قناة المجرى المائي في عديد من المجاري المائية من تتابع من الانحناءات والأقواس الملساء المتماثلة في الحجم. وتشبه هذه الانحناءات والأقواس في شكلها الطريق المتعرج في منطقة جبلية (شكل 12 – 16). ويسمى هذا الانحناء في قناة المجرى المائي بالمنعطف meander، وهو مشتق من الاسم اللاتيني لنهر مندريس Menderes River في تركيا، والذي يتميز بمجراه المتعرج. ويجب ملاحظة أن المنعطفات لا تتكون مصادفة، بل تتكون عادة في مجاري مائية تنساب على منحدرات لطيفة الانحدار في سهول أو أراض منخفضة، حيث تقطع القنوات رواسب غير متماسكة (رمل ناعم وغرين أو طين) أو صخر أساس سهل التعرية. وتقل المنعطفات على المنحدرات المرتفعة وصخور الأساس الصلبة، حيث تتبادل المنعطفات في تلك المناطق مع امتدادات مستقيمة نسبياً وطويلة. وقد يرجع وجود المنعطفات أيضاً إلي أن انسياب الماء يكون مضطرباً، ويعمل أي انحناء أو عدم انتظام في القناة إلي انسياب الماء إلي الضفة المقابلة. وتتسبب قوة الماء التي تضرب ضفة (جانب) المجرى المائي في حدوث نحت وتقويض، مما يؤدي إلي بدء انحناء صغير في مجرى النهر. ومع استمرار اصطدام التيار بالجانب الخارجي للقناة، ينمو المنحنى ويتحول إلي منعطف كبير. وكما ذكرنا سابقاً، فإن المياه تكون ضحلة وسرعتها منخفضة عند الناحية الداخلية من المنعطف، حيث تتراكم بعض حمولة الرواسب خشنة الحبيبات، لتكون ما يعرف برواسب جانب النهر أي الحاجز الحرفي (الجانبي) point bar عند الناحية الداخلية لحلقة المنعطف (شكل 12 – 16). وتؤدي هاتان العمليتات الرئيسيتان من النحت في الناحية الخارجية من المنعطف، والترسيب علىالناحية الداخلية، إلي تحرك حلقة المنعطف وهجرتها جانبيا حيث يزيد الراسب على إحدى ضفتي المجرى المائي بينما ينقص على الجانب الآخر.
وهكذا، فإن المنعطفات تغير مكانها من جانب إلي آخر، كما تغير مكانها أيضا في المجرى المائي في اتجاه المصب، حيث تتحرك بطريقة ملتوية مثل الحية، أو كما يتحرك حبل طويل على شكل ثعبان (شكل 12 – 17). وقد تكون هجرة المنعطفات سريعة، حيث قدرت حركة بعض المنعطفات في نهر الميسيسيبي بحوالي 20 متراً في العام. وحينما تتحرك المنعطفات، فإن الحواجز الحرفية تتحرك أيضاً، ويتكون تراكم من الرمل والغرين على جزء من السهل الذي هاجرت خلاله القناة. ويؤدي نشأة المنعطف وتطوره إلي قلة انحدار النهر.
وتنمو الانحناءات مقتربة من بعضها أكثر فأكثر بطريقة غير منتظمة. وعندما يصبح منحنى المنعطف واضحاً وبارزاً، فإنه يكون دائرة كاملة تقريباً. وفي النهاية، تقطعقناة النهر حلقة المنعطف وتسير في مجرى آخر أقصر. ويؤدي قطع النهر cutoff للمنعطف إلي زيادة حدة انحدار مجرى النهر، مما يؤدي إلي أن يتخلى النهر تماماً عن حلقة المنعطف القديمة نتيجة الترسيب على امتداد حافة القناة الجديدة، وتبقى حلقة المنعطف القديمة على شكل بحيرة هلالية الشكل، تعرف ببحيرة قوسية (بحيرة قرن الثور) oxbow lake (شكل 12 – 16 و17)، أو بحيرة متقطعة أو متبقية.
ج – القنوات المجدولة أو المضفرة
يكون لبعض القنوات النهرية عدد من القنوات وليس قناة واحدة. وتتفرع القنوات ثم تتحد في هذه المجاري المجدولة أو المضفرة braided streams في نمط يشبه الشعر المجدول. وينساب الماء في القنوات المجدولة في قناتين متجاورتين أو أكثر ولكنها متصلة ببعضها، حيث يفصل بينها حواجز أو جزر (شكل 12 – 18). ويتكون هذا الشكل نتيجة وجود حمل رسوبي كبير وتغير كبير في حجم الماء المنساب، بالإضافة إلي وجود جوانب للنهر سهلة التعرية، والتي تستطيع أن تمد المجرى المائي بحمل وافر من الرواسب. فإذا كان النهر غير قادر على تحريك كل الحمولة الرسوبية الموجودة، فإنه يكون راسباً خشن الحبيبات على هيئة حاجز يقسم الانسياب محليا ويركزه في الأجزاء الأعمق من القناة على أحد الجانبين. وقد يرتفع هذا الحاجز لأعلى فوق سطح الماء نتيجة الترسيب المستمر ليكون جزيرة قد تصبح مستقرة نتيجة نمو النباتات فوقها. ويبلغ عدد الجزر في نهر النيل من أسوان إلي القاهرة 492 جزيرة، هذا عدا الجزر الصخرية جنوب أسوان. وتكون معظم هذه الجزر مستطيلة الشكل، وتتكون من الرمل والغرين، ويقع معظمها في الأجزاء المنعطفة من قناة مجرى النيل.
V | - التعرية بالمجاري المائية
يبدأ النحت بالمياه حتى قبل أن يتجمع الماء في مجرى مائي محدد. وتحدث التعرية إما بالتصادم عندما تضرب قطرات الماء الأرض، أو بانسياب مياه الأمطار الغزيرة فوق سطح الأرض. فعندما تضرب قطرات المطر الأرض العارية فإنها تزيح أجزاء صغيرة من التربة السائبة وتنتشر في كل الاتجاهات، حيث تتحرك مكونات التربة فوق المنحدرات. وجدير بالملاحظة أن تأثير قطرة واحدة يكون محدودا، بينما يكون تأثير عدد ضخم من القطرات كبيرا جداً في التعرية. كما يلاحظ أن تأثير قطرات الماء على الأرض المغطاة بالنبات يكون محدودا.
ونستطيع أن نلاحظ تيار الماء وهو يلتقط الرمال السائبة من قاع المجرى بسرعة ويحملها بعيداً ويتعرى القاع. وتستطيع المجاري المائية عند ارتفاع مستويات الماء بها أثناء الفيضان أن تقطع جوانب المجاري المائية غير المتماسكة، حيث تتدهور وتسقط في الماء المنساب وتحمل بعيداً.
وتعتمد قدرة المجرى المائي على التقاط حبيبات الراسب السائبة وتحريكها على امتداد القناة على مدى اضطراب الماء وسرعته. ويوضح شكل (12 – 19) السرعات المطلوبة لتعرية حبيبات من أحجام مختلفة من قاع مجرى مائي، ومدى السرعة التي يمكن خلالها نقل الحبيبات، والسرعات التي لا تستطيع بعدها الحبيبات الحركة وتستقر على القاع. وتزيد قدرة الماء المضطرب على حمل حبيبات أكبر حجما كلما زادت سرعته، ويستثنى من ذلك الغرين والصلصال، حيث إنها تميل للتماسك وتكون كتلة متماسكة ملساء يصعب تعريتها إلا تحت ظروف سرعة عالية.
وجدير بالذكر، أننا لا نستطيع ملاحظة التعرية البطيئة للصخر الصلب، حيث يقوم الماء الجاري بتعرية الصخر الصلب بعمليات كالبري والتجوية الكيميائية والطبيعية أو التقويض الذي ينشأ من تأثير التيارات.
أ – البري
يعتبر البري إحدى الطرق الرئيسية التي يستطيع بها النهر تكسير الصخر وتعريته. والبري abrasion هو تآكل الصخر ميكانيكيا نتيجة احتكاكه بالحصى والرمال التي تحملها المياه. وقد يؤدي دوران بعض الحصى والحصى الكبير (الجلاميد) في الدوامات المتحركة على قاع النهر إلي تكوين حفر ناعمة الجدران دائرية الشكل تشبه القدر تعرف بالحفر الوعائية potholes (شكل 12 – 20)، حيث تستمر القطع الصخرية الخشنة في الدوران والحركة داخل الحفر بفعل التيارات النهرية.
ب – التجوية الكيميائية والطبيعية
تعمل التجوية الكيميائية على تحلل الصخور في قيعان القنوات النهرية، وذلك بتغيير التركيب المعدني للصخر ممايؤدي إلي ضعفه على امتداد الكسور والفواصل، كما يحدث على سطح اليابسة. أما التجوية الفيزيائية فقد تكون عنيفة نتيجة ارتطام الجلاميد والتصادم المستمر للحصى والرمال مما يؤدي إلي شطر الصخر وتجزئته على امتداد الكسور. ويتكسر الصخر في الأنهار نتيجة التعرض لهذه التصادمات بمعدل أكبر بكثير مقارنة بالتجوية البطيئة على جوانب التلال اللطيفة الانحدار فوق اليابسة. وقد تستطيع بعض الدوامات القوية اقتلاع وسحب بعض الكتل الكبيرة من صخر الأساس بقاع النهر نتيجة التجوية والتصادم.
وتكون تعرية الصخور قوية خاصة عند الجنادل ومساقط المياه (الشلالات). والجنادل rapids مناطق في مجرى النهر يكون التيار فيها أسرع من غيرها نتيجة زيادة مفاجئة في انحدار المجرى، ولكن يكون الانحدار غير كاف لإحداث مساقط مياه (شلالات) waterfalls والتي تتكون عندما تكون الانحدارات شديدة جدا، حيث تساوي سرعة تحرك المياه حينئذ سرعة السقوط الحر. وتتسبب سرعة الماء والاضطراب الكبير في تكسر الكتل الكبيرة إلي قطع صغيرة وتحمل بعيداً بواسطة التيار القوى.ويتميز نهر النيل شمال الخرطوم بوجود كثير ن الجنادل rapids والتي تسمى بالشلالات cataracts وعددها ستة، يوجد آخرها عند أسوان. وجدير بالملاحظة أن تسمية تلك الجنادل بالشلالات فيه شئ من التجاوز، وأنه لا توجد مساقط للمياه وإنما هى مواضع من النهر يشتد فيها انحدار مجراه وتعترضها صخور صلبة وجنادل. وتشغل تلك الشلالات 565كم من مجرى النيل حيث ينخفض المجرى 192 مترا ويكون الانحدار 1 : 3000.
ج – التقوض الناشئ عن تأثير التيارات
يؤدي تصادم الكميات الضخمة من الماء المندفع بسرعة كبيرة وبها الجلاميد المتحركة إلي تعرية طبقات الصخور بسرعة عند قيعان المساقط المائية. وتسبب المساقط الماءية أيضاً تعرية الصخور الموجودة تحتها والمكونة للجرف الذي يكون المساقط. ويعمل تقويض undercutting هذه الجروف بالتعرية على انهيار الطبقات العليا وتراجع المساقط نحو المنابع. وتكون التعرية بالمساقط المائية أسرع عندما تكون طبقات الصخر في وضح أفقي، وتكون الصخور المقاومة للتعرية عند قمة المقسط المائي بينما تكون الصخور اللينة مثل الطفل عند أسفله. وتوضح الوثائق التاريخية أن الجزء الرئيسي لشلالات نياجرا، وهى أشهر المساقط المائية في شمال أمريكا، يتحرك في اتجاه منبع النهر بمعدل متر واحد كل عام.
V – حمولة المجاري المائية
تتكون النسبة الصلبة من حمولة المجاري المائية من جزأين: يسمى الجزء الأول منهما حمولة القاع bed load ويتكون من الحبيبات الخشنة التي لا يقدر المجرى على حملها، فيقوم بدفعها أو دحرجتها على قاع المجرى، أما الجزء الثاني فيسمى الحمولة المعلقة suspended load ويتكون من الحبيبات الدقيقة التي تكون معلقة في الماء وغير ملامسة لقاع المجرى. وحين تترسب هذه الحبيبات الصلبة فإنها تكون طميا alluvium، ويشمل الطمي أي راسب فتاتي غير متماسك ترسب من مجرى مائي. كما تحمل المجاري المائية أيضا مواد ذائبة تسمى الحمولة الذائبة dissolved load وهى مواد تكونت أساسا نتيجة التجوية الكيميائية.
أ – حمولة القاع
تتراوح حمولة القاع عموما ما بين 5 إلي 50% من الحمولة الكلية لمعظم المجاري المائية. وتتحرك مكونات حمولة القاع بسرعة أقل من سرعة المجرى المائي، لأن المكونات لا تتحرك بسرعة ثابتة، ولكن تتحرك المكونات بطريقة متقطعة حيث تدفع أو تتدحرج الحبيبات على قاع المجرى المائي. وعندما تكون القوى كافية لرفع حبيبة، فإنها قد تتحرك مسافة قصيرة بالوثب، وهى حركة وسط بين الدحرجة والتعليق. ويشمل الوثب (القفز) saltation حركة الحبيبة إلي الإمام في قفزات قصيرة متتابعة على امتداد مسارات مقوسة (شكل 12 – 21). ويستمر القفز طالما كانت التيارات في حالة مضطربة بدرجة كافية لرفع الحبيبات وحملها في اتجاه المصب. ويرتبط توزيع رواسب حمولة القاع في قناة المجرى المائي بتوزيع السرعة، حيث يتركز الراسب الخشن الحبيبات عند نطاقات السرعة العالية، بينما يبتعد الراسب الدقيق الحبيبات إلي نطاقات السرعة البطيئة.
1 – الركيزة (المرقد أو رواسب حصوية مكانية)
حدث الاندفاع الشهير للبحث عن ذهب كاليفورنيا عام 1849م بعد اكتشاف كسرات صغيرة من الذهب في الرمال والحصى الموجودة في قاع مجرى مائي صغير. وقد عثر على حصى حامل للذهب في مناطق أخرى كثيرة في جميع أنحاء العالم. وأحيانا يكون الحصى نفسه غنيا بالذهب بدرجة تكفي لاستخراجه منه. أما إذا كانت نسبة الذهب ضعيفة، فإن ذلك يكون دليلا على وجود مصدر ما للذهب في اتجاه منبع المجرى المائي. وقد اكتشف عديد من مناطق التعدين في العالم بعد تتبع أثر الذهب أو أي معادن أخرى في اتجاه منبع المجرى المائي حتى الوصول إلي مصادر المعادن في العروق في صخر الأساس.
ويتركز الذهب أو أي حبيبات معدنية ثقيلة بالتركيز الميكانيكي للحبيبات الثقيلة. فمعدن الذهب النقي يكون ثقيلا (كثافته النوعية = 19)، لذلك فإنه يترسب من حمولة القاع بسرعة كبيرة جدا، بينما يتحرك الكوارتز بعيدا (كثافته النوعية = 2.65). وحيث إن معظم معادن السيليكات خفيفة عند مقارنتها بالذهب، فإن حبيبات الذهب تتركز ميكانيكيا في الأماكن التي تكون فيها سرعة الانسياب في المجرى المائي عالية بدرجة تكفي لإزالة الحبيبات الثقيلة. ويحدث هذا التركيز خلف حواجز صخرية أو في حفر صخر الأساس bedrock على امتداد قناة المجرى المائي تحت المساقط المائية، أو في الجزء الداخلي من المنعطفات، وفي اتجاه مصب المجرى المائي في المنطقة التي يدخل فيها رافد مجرى مائي رئيسي، أو عند مصبات الأنهار في البحار. ويسمى الراسب المكون من المعادن الثقيلة والتي تم تركيزها ميكانيكيا بالركيزة placer (المرقد أو رواسب حصوية مكانية). وتكون العديد من المعادن الفلزية رواسب ركيزة، وهى تشمل معادن تتواجد كفلزات نقية مثل البلاتين والنحاس، بالإضافة إلي معدن خام القصدير (كاسيتريت SnO2) ومعادن غير فلزية مثل الماس والياقوت ruby (نوع من الكوزندم أحمر شفاف). ولكي يتم تركيز المعادن في الركيزة، فلا يكفي أن تكون المعادن ثقيلة، ولكن يجب أن تكون أيضا مقاومة لعوامل التجوية الكيميائية وليست معرضة لأن تتشقق بسهولة حيث إن حبيبات المعدن تتحرك (تتشقلب) في المجرى المائي في كافة الاتجاهات.
ب – الحمولة المعلقة
ترجع الخاصية الطينية إلي كثير من المجاري المائية إلي وجود حبيبات دقيقة من الغرين والصلصال تتحرك وهى معلقة. وتأتي معظم الحمولة المعلقة من الحطام الصخري (الأديم) regolithدقيق الحبيبات والذي غسل من مناطق غير محمية بالنباتات، ومن الراسب الذي تم تعريته ونقله من ضفتي المجرى المائي بواسطة المجرى ذاته. فمثلا يرجع اللون الأصفر لنهر الصين الأصفر (أو هوانج هى Huang He) إلي الحمولة الكبيرة من الغرين الأصفر. وقبل إنشاء السد العالي بأسوان بمصر كان لون نهر النيل يتغير إلي اللون البني لاحتوائه على نسبة عالية من الغرين والصلصال.
وتميل حبيبات الغرين والصلصال لأن تبقى معلقة في الماء المضطرب فترة أطول منها في المياه غير المضطربة، حيث تزيد سرعة التيارات المتحركة لأعلى في المجرى المائي المضطرب عن السرعة التي يتم عندها ترسيب هذه الحبيبات من الغرين والصلصال تحت تأثير الجاذبية. ويحدث الاستقرار والترسيب فقط حين تنخفض السرعة ويتوقف الاضطراب، مثلما يحدث في بحيرة أو بحر.
ج – الحمولة الذائبة
تحتوي مياه كل المجاري المائية، حتى أكثرها شفافية وصفاء، على مواد كيميائية مذابة تكون جزءا من حمولة المجرى المائي. وتكون سبعة أيونات فقط كل المحتوى المذاب في معظم الأنهار وهى البيكربونات (HCO31-) والكالسيوم (Ca2+ ) والكبريتات (SO42- ) والكلوريد (Cl1- ) والصوديوم (Na1+ ) والماغنسيوم ( Mg2+) والبوتاسيوم ( K1+). وعلى الرغم من أن الحمولة المذابة في بعض المجاري المائية تكون نسبة صغيرة فقط من الحمولة الكلية، إلا أنه في بعض المجاري المائية الأخرى تكون نسبته أعلى من النصف. وعموما، فإن نسبة الحمولة المذابة في المجاري المائية التي تتلقى إمدادات كبيرة من المياه الجوفية تكون أعلى منها في المياه التي تأتي أساسا من الماء الجاري على سطح الأرض.
د – التغير في حجم الحبيبات وتركيب الرواسب في اتجاه مصب النهر
يرتبط حجم الحبيبات التي يمكن للمجرى المائي أن ينقلها بسرعة الانسياب. لذلك، فإنه من المفترض أن يزيد متوسط حجم الرواسب في اتجاه مصب مجرى النهر بسبب زيادة سرعة جريان الماء، ولكن ما يحدث في الواقع هة أن حجم الحبيبات يقل في اتجاه مصب مجرى النهر. ويرجع سبب هذه النتيجة غير المتوقعة إلي عمليتي الفرز sorting والبري abrasion، حيث تنساب روافد المجاري المائية للأنهار الكبيرة في المناطق الجبلية في قنوات تتغطى أرضيتها بحصى خشن قد يشمل جلاميد كبيرة. وحيث أن الرواسب دقيقة الحبيبات تتحرك بسهولة، حتى بواسطة المجاري المائية ذات التصريف المنخفض، لذلك فإنها تحمل بعيداً بالمجاري المائية الصغيرة في المناطق الجبلية لمنابع الأنهار، تاركة الرواسب خشنة الحبيبات خلفها. ومع مرور الوقت، فإن حمولة القاع الخشنة تقل تدريجيا في الحجم نتيجة البري والتصادم أثناء الحركة ببطء على امتداد القاع. وفي النهاية، وعندما يصل المجرى المائي للبحر، تكون حمولة القاع قد تكونت أساساً من رواسب لا يزيد حجم الحبيبات فيها عن حجم الرمل.
أما بالنسبة للتغير في تركيب الرواسب في اتجاه مصب النهر، فإنه من المعروف أن المجاري المائية الكبيرة تقطع صخوراً منكشفة من مختلف الأنواع، لذلك فإن حمولة المجرى المائي يتغير تركيب الرواسب فيها على امتداد قناة المجرى المائي، حيث تضاف رواسب من مختلف الأنواع. ويقدم نهر النيل الرئيسي خلال جريانه من الجزء الجنوبي بمصر إلي الدلتا ماءً يرد إليه من ثلاثة روافد رئيسية هى النيل الأبيض والنيل الأزرق ونهر عطبرة (شكل 12 – 22). ويساهم النيل الأبيض بحوالي ثلث التصريف الكلي discharge total تقريباً، وحوالي 3% من حمولة الرواسب في مجرى النيل الرئيسي. وتساوي نسبة معدن الأمفيبول (والذي جوى من الصخور المتحواة في هضبة وسط أفريقيا) إلي البيروكسين حوالي 3.97، أما النيل الأزرق الذي يصرف المرتفعات الأثيوبية فإنه يساهم بأكثر من نصف التصريف الكلي، وحوالي ثلاثة أرباع حمولة القاع. وتكون نسبة الأمفيبول: البيروكسين حوالي 79: 21، مما يعكس طبيعة الصخور البركانية لمنطقة المنبع. ويساهم نهر عطبرة بحوالي 14% من التصريف وحوالي ربع حمولة القاع. ويسود معدن البيروكسين في هذا المجرى المائي حيث تبلغ نسبة الأمفيبول إلي البيروكسين 9: 91. وتختلط هذه النسب المختلفة من المعادن مع بعضها عند دخولها المجرى الرئيسي للنيل لتعطي نسبة أمفيبول: بروكسين 59: 41. وتعكس هذه النسبة بدرجة كبيرة الإضافة الرئيسية لراسب غنى بالأمفيبول من النيل الأزرق، والذي يؤثر على الراسب في مجرى النيل الرئيسي.
V| - رواسب المجاري المائية
عندما يفقد مجرى مائي طاقة حركته نتيجة التغير في الانحدار أو السرعة أو التصريف، تضعف قدرته على النقل، ويرسب جزءاً من حمولته. وتتكون رواسب مميزة في المجاري المائية على امتداد حواف قناة المجرى وقيعان الوادي ومقدمات الجبل وحافة البحيرة أو المحيط، حيث إنها تمثل الأماكن التي تحدث فيها تغيرات في طاقة المجرى المائي.
أ – السهول الفيضية والجسور الطبيعية
عندما يرتفع منسوب الماء في المجرى المائي أثناء فيضان عال، فإن الماء يفيض ويغمر ضفتي المجرى ويغرق السهل الفيضي floodplain المجاور، وهو جزء مسطح مستوي من وادي المجرى المائي تغمره مياه الفيضان جسر طبيعي natural levee (شكل 12 – 16)، وهو أرض مرتفعة نسبياً وتدية الشكل، تمتد في مساحة ضيقة على طول حافة قناة المجرى، وهو يمثل أعلى جزء في السهل الفيضي. ويتكون الجسر الطبيعي عندما يفيض الماء المحمل بالرواسب خارج قناة المجرى المائي المغمورة تماما أثناء الفيضان، حيث يحدث نقص مفاجئ في السرعة والعمق والاضطراب عند حواف القناة. ويؤدي النقص المفاجئ في العوامل السابقة إلي ترسيب الجزء الخشن من الحمولة المعلقة (عادة رمل ناعم وغرين خشن) على امتداد مساحة طولية ضعيفة (شقة) على حواف القناة ليتكون بهذه الطريقة الجسر الطبيعي، بينما يترسب بعيداً الغرين الأدق حجما والصلصال في الماء الساكن الذي يغطي السهل الفيضي.
وقبل بناء السد العالي بأسوان كان الغرين المترسب في أوقات الفيضان يغطي السهل الفيضي لنهر النيل. ويبلغ أقصى عرض للسهل الفيضي 23كم عند مدينة بني سويف، بينما لا يوجد سهل فيضي عند أسوان. ويزداد عرض السهل الفيضي عموما كلما اتجهنا شمالا (جدول 12 – 1). ويلاحظ أن عرض السهل الفيضي غير متماثل على جانبي مجرى نهر النيل، وأنه عموما أعرض على الجانب الغربي عنه على الجانب الشرقي، فيما عدا منطقة قنا.
ب – الشرفات (المصاطب النهرية)
تشتمل معظم وديان المجاري المائية على امتدادات طولية من الأرض على جانب النهر، تكون على هيئة مصاطب طمية مستوية أعلى السهل الفيضي تعرف بالشرفات (شكل 12 – 23). وتوجد عادة شرفة مزدوجة واحدة على كل جانب من جوانب المجرى المائي، ويكون منها في الغالب عدة أزواج ومجرى النهر محصورة بين الزوج الأسفل منها. والشرفة (المصطبة النهرية) terrace هى بقايا سهل فيضي مهجور، وتتكون عموما من رواسب الفيضان.
ويبدأ تكون الشرفات عندما يكون المجرى المائي سهلا فيضيا. وقد يحدث تغير في توازن المجرى المائي مما يؤدي لأن يقطع المجرى المائي السهل الفيضي عند مستوى أقل انخفاضا، حتى يصل إلي مستوى لا يستطيع الفيضان فيه أن يصل إلي السهل الفيضي السابق. ويعيد المجرى المائي توازنه مرة أخرى عند المستوى المنخفض. وقد يكون المجرى المائي سهلا فيضيا آخر، يؤدي إلي تكون زوج آخر من الشرفات المنخفضة.
وقد أوضحت الدراسات وجود سلسلة من الشرفات على جانبي وادي النيل مكونة من الحصى. وقد كونت الأنهار المتعاقبة الشرفات منذ زمن البليوسين المتأخر. هذا ولم تحفظ شرفات نهر النيل في كل مكان على جانبي الوادي. وقد أزيلت بعض هذه الشرفات بالأنهار المتعاقبة، بينما لم يتكون بعضها الآخر من البداية.
ج – المراوح الطميية (الفيضية)
عندما تنساب مجاري مائية في وديان ضيقة وشديدة الانحدار في المناطق الجبلية، ثم تنبثق فجأة إلي وديان منبسطة القاع نسبيا أو مناطق سهلية، فإنه يحدث تغير في الظروف عند مقدمة الجبل وتترسب على امتداد هذه المقدمة كميات كبيرة من الرواسب على هيئة تراكمات مروحية أو مخروطية الشكل، تسمى مراوح طميية (فيضية) alluvial fans (شكل 12 – 24). وينتج هذا الراسب عن الانخفاض المفاجئ في سرعة جريان الماء بسبب اتساع عرض المجرى المائي كثيرا وانخفاض شدة الانحدار عند مقدمة الجبل. وتأخذ المروحة الطميية (الفيضية) شكلا محدبا لأعلى يصل بين الجزء المنحنى الذي يمثل أشد انحداراً للجبل من ناحية ومنحنى الوادي اللطيف الانحدار أو السهول من ناحية أخرى. وتسود المواد الخشنة من الجلاميد إلي الرمل على المنحدرات الحادة العلوية من المروحة، بينما تتكون الرواسب السفلية من رمال أكثر دقة وغرين وصلصال. وقد تتكون على مقدمة الجبل مراوح طميية (فيضية) أخرى من مجاري مائية مجاورة تتصل معا لتكون ما يسمى بالبهادا bajada والتي تمتد عند حضيض الجبال بشكل طولي. مثال ذلك النطاق الذي يمتد عند أقدام جبال الصحراء الشرقية في مصر مكونا الحد الشرقي للسهل الفيضي. وتكون هذه المناطق غنية بالمياه الجوفية نظرا لوجودها عند مخارج الأودية من ناحية وخشونة رواسبها من ناحية أخرى.
د – الدلتاوات
عندما تنساب الأنهار أو المجاري المائية عموماً في مياه البحار أو المحيطات فإنها تختلط مع المياه المحيطة وتنخفض سرعتها بدرجة كبيرة وتفقد تدريجيا طاقة حركتها. وتستطيع بعض الأنهار الكبيرة مثل الأمازون والمسيسيبي أن تحتفظ ببعض التيارات لعدة كيلومترات في البحر، بينما تختفي تقريباً تيارات بعض الأنهار مثل نهر النيل عند المصب مباشرة، حيث تصطدم بالأمواج القوية.
وتتلاشى تدريجيا تيارات المجرى المائي عندما تلتقي بمياه البحر أو البحيرة وتفقد قدرتها على نقل الرواسب كلما تقدمت إلي الأمام، وتبدأ حمولة النهر في الترسب حسب حجم الحبيبات من الخشن إلي الناعم. فتبدأ الرمال الخشنة في الترسب أولاً عند المصب تليها الرمال الدقيقة الحبيبات ثم الغرين فالصلصال بعيدا عن الشاطئ. وتكون كل هذه الأحجام المختلفة من المواد المترسبة جسماً مسطحاً تقريباً (رصيف ترسيبي) عند مصب المجرى المائي على قاع البحر أو البحيرة الذي ينحدر نحو المياه العميقة بعيداً عن الشاطئ. ويشبه هذا الجسم المسطح المثلث أو المروحة ويطلق عليه مصطلح دلتا dalta. ويرجع اسم الدلتا إلي المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر حوالي سنة 450 قبل الميلاد، وأطلق هذا الاسم على الشكل شبه المثلث لدلتا نهر النيل لتشابهه مع الحرف اليوناني دلتا . وتستمد كل الدلتاوات الأخرى في العالم اسمها من دلتا نهر النيل (شكل 12 – 25).
وكما سبق أن أوضحنا، فإن ماء النهر المندفع عندما يلتقي بماء البحر أو البحيرة فإن حبيبات حمولة القاع تترسب أولاً، ثم تتبعها الرواسب العالقة. ولذلك، تتدرج الطبقة التي تمثل حدثاً ترسيبياً واحداً (مثل فيضان واحد) من رواسب خشنة عند مصب النهر إلي رواسب أدق في حجم الحبيبات بعيداً عن الشاطئ. ويؤدي تراكم عديد من الطبقات المتتابعة إلي تكوين سد أو جسر ينمو باطراد ناحية البحر (شكل 12 – 26). ويسمى الجزء السميك من الطبقة المترسبة من الدلتا والمنحدر بشدة والذي يتميز بحبيباته الخشنة بطبقة الواجهة foreset bed. وتتغير سحنة هذه الطبقة لتصبح حبيباتها أدق حجما كلما تحركنا من الشاطئ ناحية البحر، ويغطي هذا الجزء من طبقة الدلتا مساحة واسعة من القاع، ويطلق عليه طبقة القاع bottomset bed.
ومع استمرار الترسيب تنمو الدلتا للخارج، حيث تتراكب طبقات الواجهة الخشنة الحبيبات فوق طبقات القاع دقيقة الحبيبات. وهكذا، تمتد قناة النهر تدريجيا للخارج لتتراكب فوق الدلتا النامية. وتسمى كل من الرواسب خشنة الحبيبات والرواسب دقيقة الحبيبات المترسبة بين القنوات بطبقات القمة topset bed. وتتراكب طبقات القمة والتي تكون في وضع أفقي تقريباً فوق طبقات الواجهة في الدلتا (شكل 12 – 26).
وعندما يقترب النهر من مصبه عند الدلتا، حيث يكون الانحدار مستويا تقريباً مع مستوى سطح البحر، فإن نمط الصرف ينعكس، أي تتحول من تجميع المزيد من الماء من الروافد tributaries، إلي تكوين نمط أفرع التوزيع distributaries، والذي يكون عبارة عن أنهار صغيرة تتفرع من القناة الرئيسية إلي المصب. وهكذا تستقبل أفرع التوزيع الماء والرواسب من القناة الرئيسية وتوزيعها في عدة قنوات – أي أنها تعمل عكس عمل الروافد.
وقد كون عديد من الأنهار الكبيرة في العالم دلتاوات ضخمة عند مصباتها، مثل أنهار النيل والأمازون والمسيسيبي. ولكل دلتا مميزاتها الخاصة، والتي تحددها بعض العوامل مثل تصريف النهر وطبيعة وحجم الحمولة وشكل صخر الأساس الساحلي بالقرب من الدلتا وطوبوغرافية المنطقة المغمورة على مسافة من الشواطئ وشدة واتجاه التيارات والأمواج. وتنقل معظم الأنهار والمجاري المائية الكبيرة كميات ضخمة من الرواسب العالقة الدقيقة إلي البحر.
ومن الظواهر المهمة في تكوين الدلتاوات تغير المجرى الكلي للنهر. فإذا لم تستطع أفرع النهر الوصول إلي المحيط بسبب نقص الانحدار وقدرة النهر على الانسياب التدريجي، فإن النهر يبدأ في تحويل مساره إلي مجرى جديد أقل طولا، وينقل هذا المجرى الجديد بالتالي الرواسب إلي الموضع الجديد. ونتيجة لهذا التغير، فإن الدلتا قد تنمو في مكان ما لمئات أو لآلاف السنين، ثم تتحول إلي موضع جديد وتبدأ في النمو في اتجاه آخر. وتكون الأنهار الكبيرة، مثل نهر المسيسيبي أو نهر النيل، دلتاوات كبيرة تبلغ مساحتها عدة آلاف من الكيلومترات المربعة. وقد نمت دلتا المسيسيبي مثل عديد من الدلتاوات الأنهار الكبيرة الأخرى خلال ملايين السنين، حيث بدأت في التكون منذ حوالي 150 مليون سنة مضت. وقد تغير موضع دلتا المسيسيبي خلال الستة آلاف سنة الماضية. كما تغير موضع دلتا النيل أيضا كما سنوضح فيما بعد. كما نشأت بعض الدلتاوات في مصر لأنهار سابقة لنهر النيل وغيرت موضعها أيضا. فقد أوضحت الأبحاث الحديثة أنه كان يجري على أرض الصحراء الغربية بمصر منذ الأوليجوسين عدة أنظمة نهرية وليس نظاما نهريا واحدا، والتي تعرف بالأنهار أسلاف النيل Nile Ancestors. فقد نشأ في حين الأوليجوسين نظاما نهريا ينساب في اتجاه شمال غرب، حيث كون رواسب دلتاوية في الجزء الأوسط من الصحراء الغربية (شكل 12 – 27). ثم سادت ظروف مشابهة لتلك الظروف أيضا في حين الميوسين المبكر والأوسط. وقد أدى تكون ذلك إلي تكون دلتا ضخمة في الجزء الشمالي من منخفض الفيوم، كانت أكبر كثيرا من دلتا النيل الحالية، مما يدل على أن النهر كان قويا (شكل 12 – 27). وعلى الرغم من تحديد تلك الدلتاوات، إلا أنه من الصعب التعرف على أثر مجاري الأنهار التي كونت تلك الدلتاوات، حيث محيت وأزيلت كلية بالتجوية والتعرية في الميوسين، باسثناء القليل من الأودية التي حفظت منها.
أمثلة من الدلتاوات الحديثة
يوضح شكل (12 – 28) أنواعاً مختلفة من الدلتاوات، حيث يتحكم في كل دلتا توازن محدد بين قوى الترسيب والعمليات البحرية مثل الأمواج والدوامات. ويسود في دلتا المسيسيبي عمليات الترسيب النهرية (شكل 12 – 28 أ)، حيث تغذى الدلتا بنظام نهري ضخم يقوم بصرف جزء كبير من شمال أمريكا، ويبلغ تصريف حمل التصريف السنوي حوالي 454 مليون طن مكعب سنويا. وينحصر نهر المسيسيبي عموماً في قناته على طول مساره باستثناء فترات الفيضان العالية. وتصل معظم رواسبه إلي المحيط عبر قنوات فرعين أو ثلاثة أفرع، والتي امتدت بسرعة بعيداً في خليج المكسيك.ويطلق على هذا الامتداد دلتا قدم الطائر bird – foot delta.
وتختلف دلتا النيل بمصر عن دلتا المسيسيبي في عدة جوانب. فبدلاً من أن يكون النهر محصورا في قناة واحدة، فإن نهر النيل يبدأ في التفرع عند القاهرة (قبل 160كم من البحر) ثم يكون شكل المروحة على طول امتداد الدلتا (شكل 12 – 28 ب). وقد كان للنيل تسعة أفرع ثم أصبحت سبعة وأخيرا اقتصرت على فرعي دمياط ورشيد. وقد أعادت أمواج البحر المتوسط القوية توزيع الرواسب عند واجهة الدلتا. وتكون هذه الرواسب التي أعيد ترسيبها مجموعة من الحواجز المقوسة التي تحجز أجزاء من البحر لتكون بحيرات شاطئية lagoons. وتقوم البحيرات الشاطئية بدور مهم في تكوين بيئة ترسيب تمتلئ برواسب دقيقة الحبيبات. ويرجع الاختلاف بين دلتا النيل ودلتا المسيسيبي إلي التوازن بين تدفق الرواسب، والذي يقوم بتكوين دلتا قدم الطائر، وبين قوة تأثير الأمواج التي تعيد ترسيب الرواسب لتكوين حواجز. وتقدم دلتا النيجر أوضح مثال على التوازن بين قوة الترسيب وفعل الأمواج وتيارات المد والجزر، ولذلك فإن دلتا النيجر تكون متماثلة بشكل لافت للنظر.وصفات الأرض من تحتها، وكذلك تطور القارات.
أ – أحواض الصرف وخطوط تقسيم المياه
يحاط كل مجرى مائي بحوض صرف drainage basin. وحوض الصرف هو المساحة الكلية التي تتجمع مياهها وأمطارها لتغذي المجرى المائي. ولكل مجرى مائي حدود عند أطرافه، قد تكون بعيدة أو قريبة من مجراه، تعرف بمقسم المياه divide water، وهى عادة جبال أو تلال مرتفعة تفصل بين حوض هذا المجرى المائي بروافده وحوض مجرى مائي آخر يجاوره. ويتراوح حجم هذه المقسمات بين تل منخفض يفصل بين جدولين صغيرين ومقسمات الماء القارية التي تفصل بين أحواض الصرف القارية الضخمة. ويتراوح حجم أحواض الصرف بين أقل من كيلومتر مربع واحد ومساحات شاسعة. وتصل مساحة حوض نهر النيل الضخم إلي حوالي مليونين وتسعمائة ألف كيلو متر مربع. وتقسم القارات عموما إلي أحواض صرف أساسية تفصل بينها مقسمات ماء أساسية. فقارة أفريقيا مثلا مقسمة إلي العديد من أحواض الصرف.
وتحتفظ معظم مقسمات المياه بأماكنها لفترات زمنية طويلة، حيث يتم تعريتها لتكون حيودا منخفضة، بينما تتغير أماكن المقسمات في مناطق أخرى. فإذا كان أحد المجاري المائية على جانب مقسم مياه قادراً على تعرية ونقل الرواسب بسرعة أكبر بكثير من مجرى مائي على الجانب الآخر، فإن المقسم يتم تعريته بطريقة غير متساوية. وفي بعض الأماكن، ينفذ المجرى المائي الأكثر نشاطا خلال المقسم ليقوم بأسر كل أو جزء الرافد المجاور الأقل نشاطاً. وتعرف هذه الحالة بالقرصنة النهرية stream piracy. ويتم خلال هذا الأسر أو القرصنة النهرية تحويل مياه نهر ما إلي مجرى نهر آخر له سرعة تعرية أكبر كما ذكرنا، ويجري في مستوى أكثر انخفاضاً من النهر المأسور. وتحدث القرصنة النهرية بسبب وجود وديان ضيقة بمناطق لا تنساب خلالها أي مجاري مائية.
ب – أنماط الصرف
إذا نظرنا إلي أي خريطة توضح توزيع قنوات المجاري المائية الكبيرة والصغيرة والروافد والأنهار الأساسية، فإننا سنجد أنها تحتوي على نظام من الارتباط يعرف بشبكات الصرف networks drainage أو أنظمة الصرف drainage systems. فإذا تتبعنا المجرى الرئيسي، فسنجد أنه ينقسم إلي روافد أصغر فأصغر في شبكات صرف توضح أنماط تفرع مميزة (شكل 12 – 29). والتفرع صفة تميز الكثير من الشبكات التي تقوم بجمع أي مادة وتوزعها. فشبكة الدورة الدموية في الإنسان تقوم بتوزيع الدم إلي الجسم في نظام متفرع من الشرايين، ثم تقوم بتجميعه مرة أخرى في نظام من الأوردة.
وربما كانت أكثر الشبكات المتفرعة شيوعاً هى تلك الموجودة في الأشجار. وتتبع معظم الأنهار نمط التفرع غير المنتظم نفسه والذي يسمى صرف شجيري dentritic drainage (من الكلمة اليونانية dendron بمعنى شجرة). وهذا النموذج العشوائي من نظم الصرف موجودة في المناطق التي يكون فيها صخر الأساس bedrock متجانسا، مثل طبقات من الصخور الرسوبية في وضع أفقي، أو صخور نارية أو متحولة كتلية (خالية من التطبق أو الانفصام أو التورق). ويتكون نظام الصرف المتعامد rectangular drainage من مجاري مائية تتميز بأن المصارف الرئيسية وروافدها بها عديد من الانحناءات المتعامدة، حيث تتبع عادة كسورا أو فواصل في صخر الأساس تقسمه إلي كتل مستطيلة الشكل تقريباً، وهى التي تتبعها اتجاهات الوديان. وهناك نوع خاص من نظام الصرف المتعامد، يعرف بنظام الصرف التشابكي (عريشي) trellis drainage. وفي هذا النظام، تكون الروافد الرئيسية متوازية وطويلة جدا مثل شجرة العنب الممتدة على تعريشة من الخشب، والتي يصب فيها روافد أصغر متعامدة عليها ومتوازية فيما بينهما. وهذا النظام من الروافد يكون شائعاً في المناطق التي تتبادل فيها مكاشف أحرف الصخور الرسوبية المطوية الصلبة مع أخرى رخوة يسهل تآكلها وتعرضها للتعرية لتكون أحزمة متوازية تقريباً. ومن أنظمة الصرف الأخرى نظام الصرف الشعاعي radial drainage وهو يتكون عندما تمتد المجاري المائية متباعدة عن بعضها البعض في نظام شعاعي من نقط مركزية مرتفعة، مثل مخروط البركان أو تركيب القبة.
ج – أنماط الصرف والتاريخ الجيولوجي
تقدم العلاقة بين المجاري المائية وجيولوجية المنطقة معلومات عن التاريخ التركيبي لتلك المنطقة (شكل 12 – 30). فد يتبع مسار المجرى المائي انحدار سطح الأرض ويعرف بالمجرى الانحداري consequent stream، بينما يقع المجرى اللاحق subsequent stream على امتداد أحزمة الصخور الضعيفة أو يمتد في مجرى تكون نتيجة تركيب جيولوجي. ويسير المجرى المناضل أو السالف antecedent stream على المرتفعات حيث يقطع صخور الأساس المكونة لها والمقاومة للتعرية، بدلاً من الجريان على جوانب تلك المرتفعات. ويسمى هذا المجرى ملتزما لوجوده قبل تكون المرتفع الحالي، وأنه حافظ على مجراه الأصلي والتزم به على الرغم من التغيرات في الصخور أو في طوبوغرافية المنطقة. أما المجرى المتراكب superposed stream فإنه مجرى مائي نحت مجراه عبر مجموعة من الصخور حتى وصل إلي مجموعة أخرى تحتها تختلف في خواصها الصخرية أو التركيبية. وقد تحدد نمط الصرف الأصلي للمجرى المائي عند نحته للمجموعة العلوية وليس تبعاً للمجموعة التي ينساب الآن خلالها. فقد تكون صخور المجموعة العلوية متجانسة لتكون نظام الصرف الشجيري ثم يفرض هذا النظام على صخور المجموعة السفلية والتي قد يكون نظام الصرف بها متعامداً عند تكونه.
V||| - نهر النيل بمصر
يلعب نهر النيل دوراً مهماً في مصر، حيث يمد هذا النهر مصر بحوالي 98%من احتياجاتها بالماء. ويمثل نهر النيل ظاهرة جغرافية وجيولوجية مميزة. حيث يجري من منابعه الاستوائية في قلب أفريقيا، ثم يتجه شمالا إلي البحر المتوسط ملتزما بهذا الاتجاه. ولا يجري نهر النيل في إقليم طبيعي واحد مثل نهر الأمازون، بل يجري في عدة أقاليم متباينة، ويخترق حوالي 35 من درجات العرض ليصل بين منابعه ومصبه.
ويحمل نهر النيل حوالي 86 بليون متر مكعب من المياه سنويا، مما يجعله أحد أصغر الأنهار في العالم، على الرغم من حوضه الكبير (3000000كم2) وطوله الذي يصل إلي 6825كم. ويبين جدول (12 – 2) مقارنة بين نهر النيل وبعض الأنهار الرئيسية في العالم.
أ – نشأة وتطور نهر النيل
نشأ نهر النيل قبل نحو 6 ملايين سنة مضت. وبالطبع فإن شكل نهر النيل الحالي هو شكل حديث نسبيا، وصل إليه النيل بعد سلسلة طويلة من التغيرات استغرقت عمر نهر النيل نفسه. ويعتبر نهر النيل نهرا مركبا تكون نتيجة اتصال عدد من الأحواض الداخلية المنفصلة التي تكونت في العصر المطير الذي تلا تراجع ثلوج العصر الجليدي الأخير منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام.
وقد حفر النيل مجراه بعد أن جف حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم تحول هذا الحوض إلي صحراء جرداء منذ 6 مليون سنة عندما أغلق مضيق جبل طارق، والذي يربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلنطي. وقد كانت مصر معزولة عن أفريقيا خلال تلك الفترة بهضبة النوبة المرتفعة، كما لم يكن لأنهارها أي اتصال بالجنوب (جدول 12 – 3).
وقد تراوح عمق البحر المتوسط الجاف بين ثلاثة وأربعة كيلومترات، مما دفع الأنهار القليلة التي كانت تصب فيه إلي أن تعمق مجراها إلي هذا العمق. وقد وصل عمق مجرى النيل إلي 4كم في الشمال وشكل هذا النهر، والذي يسمى بنهر فجر النيل (الإيونيل Eonile)، خانقا عظيما. وقد تغطي هذا الخانق بماء البحر الأبيض المتوسط عندما عاد وامتلأ البحر بالماء منذ حوالي 5.4 مليون سنة. وقد أصبح الخانق خليجيا بحريا لأكثر من مليوني سنة استقبل بعدها نهرا هائلا أطلق عليه النيل القديم البالونيل (Paleonile)، حيث امتلأ الخانق بالرواسب. ويبدو أن كلا النهرين السابقين كان ينبعان محليا من هضاب مصر والنوبة، ولم يكن لهما أي اتصال بأفريقيا. وقد انتهت تلك الفترة من تاريخ النيل منذ حوالي 2 مليون سنة مضت.
وقد مرت فترة طويلة قبل أن يتصل النهر المصري بأفريقيا الاستوائية منذ حوالي 800000 سنة، حيث وصل النهر من أفريقيا والذي يسمى نهر ما قبل النيل (البرينايل Prenile)، والذي كان ينبع من منطقة منابع النيل الحديثة التي تغيرت تضاريسها لتقارب شكلها الحديث، فتحول تصريف أنهارها إلي حوض النيل. وتمثل تلك الفترة أول اتصال بمصادر المياه في المرتفعات الأثيوبية، كما تميزت تلك الفترة بتحول مياه النيل إلي منخفض الفيوم لتكون بحيرة. وقد حملت مياه نهر ما قبل النيل كميات هائلة من الرمل والحصى رسبها في سهلة الفيضي والدلتا الذين كانا أكبر مساحة من سهل النيل الحديث ودلتاه، وتشكل واجهاتها محاجر الرمال التي تزود مصر كلها برمال البناء.
وبعد أن توقف نهر ما قبل النيل منذ حوالي 400000 سنة، وصل إلي مصر نهر أقل قدرة أطلق عليه نهر النيل الحديث (النيونيل Neonile)، وكان اتصال هذا النهر بأفريقيا ضعيفا وتكرر انقطاعه. وفي كل مرة عاد فيها هذا الاتصال كان النهر أقل تصريفا وأقصر عمرا عن نهر ما قبل النيل. ولنهر النيونيل الذي يمتد حتى وقتنا الحالي أهمية خاصة، لأنه شهد كل تاريخ الإنسان على أرض مصر والذي ظهر مع بدء هذا النهر.
ومنذ حوالي 10000 سنة من الآن زادت الأمطار على الهضبة الأثيوبية بل ومنطقة الساحل الأفريقي الشرقي كلها، كما امتدت جنهة المطر شمالا حتى غطت شمال السودان وجنوب مصر، وظلت تلك المناطق مطيرة لمدة 4500 سنة. وبوصول المياه بغزارة من المرتفعات الأثيوبية وهضبة البحيرات ولد النيل الحديث الذي أصبح مستديما بعد أن كان فصليا. وقد زادت أمطار شمال السودان وجنوب مصر من مياه النهر في فترته الأولى، حيث ارتفع منسوب النهر وبدأ في ترسيب الرواسب التي كان يحملها في واديه ودلتاه في الفترة بين ثمانية آلاف سنة مضت، فتكونت بذلك أرض مصر الخصبة، والتي وصفها هيرودوت بأن مصر هبة النيل. ويوضح جدول (12 – 3) الأحداث التي مرت على نيل مصر منذ نشأته.
ب – تطور دلتا النيل
إن الدلتا التي نعرفها اليوم ليست إلا واحدة من دلتاوات عديدة تعاقبت على هذا الموقع. فقد كان لكل الأنهار التي سبقت النيل الحديث دلتاوات اختلفت كل واحدة منها عن الأخرى، حيث أن الأنهار التي احتلت مجرى النيل منذ نشأته قد اختلفت عن بعضها البعض من حيث مصادر مياهها أو كمية المياه التي حملتها أو نوع الرواسب التي حملتها تلك المياه. ولذلك فقد تعاقبت على موقع الدلتا الحديثة دلتاوات مختلفة، شكل (12 – 31)، أمكن التعرف عليها ودراستها من دراسة جسات الآبار العميقة التي حفرت بدلتا النيل للبحث عن البترول.
فقد كانت دلتا فجر النيل Eonile Delta أول الدلتاوات التي ترسبت علىشكل مروحة في الجزء الشمالي من الدلتا، ثم جاء نهر النيل القديم (الباليونيل) بعد أكثر من مليون سنة حيث أخذت الدلتا موضعها الحالي، وبدأ النهر يتفرع عند حد الدلتا الجنوبي تقريبا. وقد تشكلت دلتا تشبه إلي حد كبير دلتا نهر المسيسيبي الحديثة، والتي تعرف بدلتا قدم الطائر bird – foot delta.
وقد تكونت دلتا ما قبل النيل (البرينايل) عندما حمل النهر رواسب خشنة من الرمال، حيث كانت مياه النهر أكثف من ماء البحر التي كانت تصب فيه، وترسبت تلك الرواسب على طول جبهة الدلتا على شكل قوس منتظم دون بروز في البحر. ثم جاءت مرحلة النيل الحديث (النيونيل) والذي تعرضت الدلتا خلاله لفترات طويلة من التحات، فأزيلت كميات كبيرة من الدلتا القديمة وبقى جزء آخر شكل نواة للدلتا التي غطاها النهر الحديث وأخذت تتزايد تدريجيا خلال السبعة إلي ثمانية آلاف سنة الماضية.
الفصل الثالث عشر: المياه الجوفية
يعتبر الماء ضرورة حيوية للإنسان، أيا كان مصدر الحصول عليه سواءً من الأنهار أو المجارى المائية عموما أو من البحيرات أو من ماء المطر مباشرة أو من المياه الجوفية. وقد أنشئت معظم المدن والتجمعات السكانية بالقرب من المجاري المائية التي تمدها بمصدر الماء. ونتيجة لتزايد عدد السكان بهذه المدن والتجمعات السكانية عموما فإن هذه المجاري المائية أصبحت غير كافية، ولذلك لجأ الإنسان للحصول على الماء من مصادر تقع على مسافات بعيدة عبر قنوات، أو بحفر آبار للحصول على المياه الجوفية (شكل 13 – 1).
ونتيجة للتزايد السكاني فقد تزايد الطلب على المياه، مما أدى إلي تناقص الماء في عديد من الأماكن، كما أدى النمو الصناعي المطرد إلي تكون كميات كبيرة من النفايات البشرية والصناعية، والتي يصل جزء كبير منها إلي المياه التي يعتمد عليها الناس في حياتهم، مما أدى إلي ظهور عديد من المشكلات الكبيرة في هذه التجمعات السكانية، مثل مدى كفاية هذه المياه للاحتياجات المستقبلية؟ وهل نوعية هذه المياه مناسبة للأغراض المختلفة التي تستخدم فيها، ومدى نقاء هذه المياه؟، حيث أن الماء الصالح للاستخدام يجب أن يكون ذا صفات جيدة، وأن يكون عديم اللون والطعم والرائحة.
| - المياه الموجودة تحت سطح الأرض
المياه الجوفية مصدر مهم للماء، وخاصة في المناطق القاحلة. وقد حفر الإنسان في أزمنة ما قبل الميلاد قنوات وأنفاق يصل طولها إلي عدة كيلو مترات لجمع ونقل المياه الجوفية في عديد من بلدان شمال أفريقيا وشرق آسيا. ولم يكن معروفا حتى نهاية القرن السابع عشر أن مياه الأنهار تنشأ أصلا من مياه الأمطار، رغم أن القرآن الكريم أشار إلي هذا في عديد من السور القرآنية قبل أربعة عشر قرنا. كما ثبت أن جزءا يسيرا فقط من الماء المتساقط على أحواض التجمع والروافد ينساب على هيئة أنهار. ولم يكن من الصعب تخيل مصير باقي الماء التساقط، حيث يتبخر بعض هذا الماء، بينما تستخدم النباتات الجزء الباقي، حيث يرشح ويتسرب إلي باطن الأرض. وهذا الجزء الأخير هو المصدر الأساسي للمياه الجوفية.
ومن المعروف أن أقل ن 1% من الماء على الأرض هو مياه جوفية. وتعرف المياه الجوفية groundwatere بأنها كل الماء الموجود في فراغات صخور الأساس bedrock والحطام الصخري (الأديم) regolith. وعلى الرغم من أن حجم الماء الجوفي يبدو صغيرا، إلا أنه يزيد 40 مرة عن حجم كل الماء العذب الموجود في البحيرات أو المنساب في المجاري المائية، كما يساوي حوالي ثلث الماء الموجود في كل المثالج والجليد القطبي في العالم.
وتنشأ معظم المياه الجوفية – كما ذكرنا سابقا – من الأمطار التي تتسرب إلي الأرض لتصبح جزءا من نظام المياه الجوفية. ويتحرك الماء السطحي ببطء ناحية المحيط، إما مباشرة خلال الأرض أو نتيجة الانسياب فوق سطح الأرض الأرض لينضم إلي المجاري المائية (شكل 12 – 1)، التي تنساب بدورها إلي المحيط. وتنشأ المياه السطحية أساسا كماء جوي meteoric water.وهو الماء المتساقط من الغلاف الجوي الحالي. وقد اشتقت كلمة جوي meteoric من الكلمة الإغريقية meteoron بمعنى ظاهرة في السماء، ويستمد منها أيضا كلمة meteorology أي علم الأرصاد الجوية.
وقد قام العالم الفرنسي بيير بيرو Pierre Perrault بمحاولة تقدير كمية المياه الجوفية المستمدة من الأمطار، بقياس كمية الأمطار السنوية المتساقطة على جزء من حوض نهر السين في شرق فرنسا، وأيضا قياس متوسط التصريف السنوي للمجرى المائي في الجزء نفسه من حوض التصريف. وتوصل بيرو بعد حساب الفقد نتيجة البخر، أن الفرق بين كميات المطر المتساقط والماء المنصرف خلال عدة سنوات يكفي ليكون كمية الماء الموجودة في باطن الأرض في المنطقة.
ويتواجد الماء في كل مكان تحت سطح الرض. إلا أن أكثر من نصف الحجم الكلي للمياه الجوفية بما فيه الذي يستخدمه الإنسان يتواجد على عمق يصل إلي حوالي 750 مترا تقريبا من سطح الأرض. ويقدر أن حجم الماء في هذا النطاق يكافئ طبقة من الماء يبلغ سمكها 55 مترا وتغطي سطح الكرة الأرضية بالكامل. وتقل كمية المياه الجوفية تدرجيا تحت عمق 750 مترا، ويكون التغير غير منتظم. وقد عثر على الماء على عمق 9.4 كم أثناء حفر آبار البترول. كما عثر العلماء الروس على الماء على عمق يزيد عن 11كم أثناء حفر بئر عميقة في جزيرة كولا. وعلى الرغم من أن الماء قد يتواجد في صخور القشرة الأرضية عند هذه الأعماق، إلا أن الضغوط التي تسببها الصخور التي تعلوه تكون عالية وتكون المسام الموجودة صغيرة جدا لدرجة أنه من المستبعد تواجد كمية كبيرة من الماء فيها، أو أن الماء يتحرك بسهولة عند تلك الأعماق. أما بالنسبة لدراستنا الحالية، فإن المياه الجوفية هى تلك المياه التي توجد في المسافة الواقعة بين سطح الأرض حتى عمق حوالي 750 مترا.
أ – منسوب الماء الجوفي
يتحرك الماء المتسرب إلي القشرة الأرضية تحت تأثير الجاذبية في نطاقين من التربة والصخور يطلق على العلوي منهما نطاق التهوية zone of aeration وعلى السفلي منهما نطاق التشبع zone of saturation، ويفصل بينهما ما يعرف بمنسوب الماء الجوفي أو الأرضي water table. ويتميز نطاق التهوية بأن فراغات المسامية فيه تكون مشبعة جزئيا بالماء.، الذي يكون طبقة رقيقة جدا تلتصق بالحبيبات نتيجة للتوتر السطحي، كما يمتلئ جزئيا بالهواء أيضا. ويسمى هذا النطاق أيضا بنطاق الارتشاح vadose zone. أما نطاق التشبع فيتميز بأن كل فتحات الصخر تكون ممتلئة بالماء (شكل 13 – 2). أما منسوب الماء الأرضي فيطلق على الحد الفاصل بين نطاقي التهوية والتشبع.
وفي الرسوبيات دقيقة الحبيبات، يوجد فوق منسوب المياه الجوفية مباشرة نطاق ضيق لا يزيد سمكه على 60سم، ويكون هذا النطاق رطبا نتيجة التجاذب الشعري capillary attraction الذي يجذب الماء من قمة منسوب المياه الجوفية إلي مسافة قصيرة داخل نطاق التهوية. ويسمى هذا النطاق الحافة الشعريةfringe capillary (شكل 12 – 2). والتجاذب الشعري هو قوة التماسك بين سائل وصلب، والتي تسبب سحب الماء لأعلى في أنابيب صغيرة. وهى القوة نفسها التي تسحب الحبر لورق النشاف أو الكيروسين لفتيلة الكيروسين.
وعلى الرغم من أن منسوب المياه الجوفية يوجد تحت سطح الأرض ولا يمكن رؤيته، إلا أنه درس وعملت له خرائط، من خلال الدراسات التي أجريت على الآبار والينابيع وانسياب الماء على سطح الأرض. كما درس تحرك المياه الجوفية باستخدام الصبغات، حيث جمع كم هائل من المعلومات عن هذا الجسم غير المرئي من المياه الجوفية.
وعندما يحفر بئر تحت منسوب المياه الجوفية، فإن الماء ينساب من نطاق التشبع في الحفرة ويملؤها حتى مستوى هذا المنسوب. وقد يتواجد منسوب المياه الجوفية (الحد العلوي لنطاق التشبع) على عمق متر أو أكثر في المناطق الرطبة، أو على عمق مئات المتار أسفل سطح الأرض في المناطق الصحراوية. ويوجد منسوب المياه الجوفية في البحيرات والمستنقعات عند سطح الأرض. ومن الطبيعي أن ينحدر منسوب الماء الجوفي ناحية أقرب مجرى مائي أو بحيرة، بينما يكون في المناطق الصحرواية بعيدا عن سطح الرض. وحيث إن المياه الجوفية تتواجد في مكان على عمق ما تحت سطح الرض، فإنه سيكون هناك منسوب للمياه الجوفية باستمرار.
وفي المناطق الرطبة، يكون منسوب المياه الجوفية مطابقا تقريبا لشكل سطح الأرض الذي يعلوه (شكل 13 – 3)، حيث يكون مسطحا في المناطق الأفقية، بينما يرتفع وينخفض في مناطق التلال مع تغير شكل سطح الأرض، ويرجع السبب في ذلك إلي أن الماء يميل للتحرك نحو المناطق المنخفضة تضاريسا حيث يكون الضغط عليه أقل ما يكون. وفي أوقات الجفاف، حيث يتوقف سقوط الأمطار لعدة أسابيع أو حتى أشهر فإننا نشعر أن منسوب المياه الجوفية قد انخفض في الآبار الجافة، ويؤدي تكرار تساقط المطر إلي تزويد الأرض بالماء حتى يظل مستوى المياه الجوفية عند المستوى العادي.
وأيا كان العمق، فإن منسوب الماء الجوفي يعتبر سطحا مهما، لأنه يمثل الحد العلوي لكل الماء الجوفي. ولهذا السبب فإن تحديد عمق وشكل هذا المنسوب يمثل هدفا رئيسيا للجيولوجيين والقائمين على حفر آبار المياه.
|| - كيف يتحرك الماء في التربة والصخور؟
تتحرك المياه الجوفية باستمرار كجزء من دورة الماء في الطبيعة. ويتسرب ماء المطر، والذي نتج أساسا من بخر الماء في المحيطات، ليدخل إلي خزان المياه الجوفية. ويصل بعض هذا الماء المتحرك ببطء إلي قنوات المجاري المائية ليساهم مع الماء المتحرك إلي المحيط حيث تبدأ الدورة مرة أخرى.
وتتحرك معظم المياه الجوفية ببطء في المئات الأمتار القليلة القريبة من سطح الأرض، لدرجة أن سرعتها تقاس بالسنتيمترات في اليوم أو بالأمتار في العام، على عكس الانسياب السريع للآنهار والذي يقاس بالكيلومترات في الساعة. والسبب في هذا التناقض بسيط، حيث ينساب الماء في المجرى المائي دون عوائق في قنوات مفتوحة، أما المياه الجوفية فإنها تتحرك غالبا عبر مسارات طويلة دقيقة ومتعرجة. لذلك، فإن انسياب المياه الجوفية يعتمد بدرجة كبيرة على طبيعة الصخر أو الراسب الذي ينساب خلاله.
أ – حركة الماء في نطاق التهوية
يتسرب ماء المطر المتساقط في التربة التي تحتوي عادة على صلصال ناتج من عملية التجوية الكيميائية إلي صخر الأساس. ونتيجة وجود حبيبات الصلصال الدقيقة، فإن التربة تكون عموما أقل نفاذية من الحطام الصخري (الأديم) regolith الموجودة أسفلها والذي يحتوي على حبيبات أكبر حجما. وتعمل النفاذية المنخفضة وحبيبات الصلصال الدقيقة على أن تحتفظ التربة بجزء من الماء بسبب تأثير قوى الجاذبية الجزئية. وتسمى هذه الطبقة بطبقة التربة الرطبة layer of soil moisture (شكل 13 – 2). ويتبخر جزء من هذه الرطوبة مباشرة إلي الهواء، كما تمتص جذور النباتات الكثيرة منها، ثم تعود بعد ذلك إلي الغلاف الجوي أثناء عملية النتح. ويتسرب الماء الذي لم يتأثر بقوى الجاذبية الجزئية إلي أسفل في التربة حتى يصل إلي منسوب المياه الجوفية تحت تأثير قوة الجاذبية الأرضية. ومع توالي سقوط الأمطار يتسرب المزيد من الماء في الأرض، بينما يكون نطاق التهوية عموما أقرب إلي الجفاف بين فترات سقوط المطر باستثناء الحافة الشعرية وطبقة التربة الرطبة.
ب – حركة الماء في نطاق التشبع
يطلق على حركة الماء الجوفي في نطاق التشبع مصطلح تخلل percolation، وهى عملية تشبه انسياب الماء من الإسفنج عند عصره بلطف. ويتخلل الماء ببطء في مسام صغيرة جدا ويتحرك عبر مجار مائية دقيقة. وتكون تلك الحركة أسهل عبر الأجزاء المركزية من الفراغات، ولكن تقل إلي الصفر عند جوانب كل فراغ بسبب قوى الالتصاق الجزئي molecular attraction.
ويتحرك الماء تحت تأثير الجاذبية الأرضية من المناطق التي يكون فيها منسوب المياه الجوفية عاليا إلي المناطق التي يكون منسوب الماء فيها منخفضا. ومعنى ذلك أن الماء يتحرك عموما في اتجاه المجاري المائية أو البحيرات على سطح الرض (شكل 13 – 3 و13 – 4) ويتحرك بعض الماء فقط أسفل منسوب المياه الجوفية مباشرة متبعا أقصر الطرق، بينما ينساب معظم الماء في مسارات طويلة ومنحنية تمتد بعيدا في باطن الأرض. كما تتجه بعض المسارات العميقة إلي أعلى ضد الجاذبية الأرضية، حيث تدخل المياه الجوفية إلي بحيرة أو مجرى مائي، ويحدث هذا الانسياب لأعلى عندما يكون الماء واقعا تحت تل أو مرتفع ويكون على أي مستوى في نطاق التشبع، لأنه يكون حينئذ واقعا تحت ضغط اعلى من الضغط الموجود أسفل المجرى المائي. ولذلك يميل الماء لأن ينساب ناحية النقاط التي يكون الضغط فيها أقل ما يمكن. ومع ذلك، تتحرك معظم المياه الجوفية التي تدخل إلي المجرى المائي على امتداد مسارات ضحلة ليست بعيدة عن منسوب المياه الجوفية.
ج – سرعة انسياب المياه الجوفية
يوضح شكل (13 – 4) انحدار سطح المياه الجوفية عن طريق قياس الفرق في الارتفاع بين نتقطتين (h1 وh2) تقعان على هذا السطح وقسمة الناتج على المسافة الأفقية ( ) بين النقطتين. ويطلق على قيمة الانحدار الناتج عموما التدرج الحيدروليكي hydraulic gradient. وهكذا تتناسب سرعة الماء الأرضي (V) مع التدرج الهيدروليكي:
(1) معادلة ص 474
وفي منتصف القرن التاسع عشر توصل المهندس الفرنسي دارسي Henri Darcy إلي أن سرعة الماء الرضي لا ترجع إلي انحدار منسوب الماء الجوفي (الانحدار الهيدروليكي) فقط ولكن إلي نفاذية الصخر الذي ينساب الماء خلاله أيضا. وقد اقترح دارسي معادلة يربط بها بين النفاذية وعجلة الجاذبية الأرضية ولزوجة الماء المشار إليه بمعامل (K). ويسمى هذا المعامل بمعامل النفاذية coefficient of permeability، وهو يقيس ببساطة السيولة التي يتحرك بها الماء خلال الصخر. ويمكن توضيح المعادلة التي اقترحها دارسي كالتالي
(2) معادلة ص 474
وكما أوضحنا في الفصل الثاني عشر، فإن تصريف المجاري المائية (Q) يتغير كدالة في كل من سرعة المجرى المائي (V) ومساحة المقطع العرضي (A). ويعتمد أيضا تصريف الماء الجوفي خلال الصخر على سرعة الانسياب وعلى مساحة المقطع العرضي لمجرى الانسياب. وحيث إن مساحة المقطع العرضي في هذه الحالة لا تكون مساحة قناة واحدة مفتوحة، وإنما تعبر عن مساحة نظام متصل من المسام، فإنه يمكن التعبير عن معدل التصريف باستخدام المعادلة Q = AV. فإذا استبدلنا قيمة V في هذه المعادلة بقيمة V في المعادلة رقم (2)، وهى تشير إلي سرعة الماء في المجرى المائي فإننا نصل لمعادلة جديدة هى:
معادلة ص 474
وهى صورة أخرى لقانون دارسي. فإذا أخذنا مساحة المقطع العرضي (A) كثابت، فإنه عند قياس أي متغيرين من المتغيرات الثلاثة المتبقية "التصريف (Q) ومعمل النفاذية (K)، والانحدار الهيدروليكي(h1-h2) / " فإنه يمكننا حساب قيمة المتغير الثالث.
||| - تصنيف الطبقات الجيولوجية حسب قدرتها على حمل المياه الجوفية
لا تشكل جميع التكوينات الجيولوجية خزانات مياه جوفية (مكامن)، وذلك يرجع إلي اختلاف هذه التكوينات في خواصها الصخرية والتركيبية. وبالتالي، يمكن تقسيم التكوينات المختلفة حسب قدرتها على حمل المياه الجوفية إلي الأقسام التالية:
أ – مكامن للمياة الجوفية aquifers وهى طبقات حاملة للمياه الجوفية تتميز بصفتين أساسيتين وهما: 1 – القدرة على تخزين المياه في الفراغات الموجودة في الصخور (أي تتميز بمساميتها porosity العالية). و2 – القدرة على امرار المياه عبر الفراغات الموجودة في الصخور بكميات كبيرة (أي تتميز بنفاذية permeability عالية). ومن امثلة هذه المكامن الصخور الرملية والرواسب الرملية والوديانية والصخور الجيرية المشققة، وكذلك الصخور النارية والمتحولة المشققة والمجواة.
ب – طبقات حابسة للماء أو كتيمة aquicludes وهى تكاوين جيولوجية تتميز بصفتين هما 1 – القدرة على تخزين المياه في الفراغات الموجودة في الصخور (أي تتميز بمساميتها العالية). و2 – ليس لها قدرة على إمرار المياه عبر الفراغات من مكان إلي آخر بكميات كبيرة (أي تتميز بنفاذية منخفضة)، ومن أمثلة هذه التكاوين الصخور الطينية.
ج – طبقات صماء aquifuges وهى تكاوين ليس لها قدرة على تخزين أي كمية من الماء، حيث لا يوجد بها أي نوع من الفراغات (منعدلة المسامية)، وبالتالي فليس لها أي قدرة على إمرار الماء عبر فراغاتها (منعدلة النفاذية). ومن أمثلة هذه التكاوين الصخور النارية غير المشققة وغير المجواة.
وسيكون اهتمامنا منصبا هنا على النوع الأول والذي يشمل مكامن المياه الجوفية التي تتواجد بكثرة في مصر، مثل الخزانات الموجودة على امتداد وادي النيل والدلتا وخزان الحجر الرملي النوبي تحت الصحراء الغربية والصحراء الشرقية وسيناء، وكذلك خزانات الحجر الجيري المتشقق والصخور النارية والمتحولة المتشققة أيضا ولكن يلاحظ أن النوعين الأخيرين يكونان محدودي الانتشار والأهمية.
أ – مكامن المياه الجوفية
يطلق على أماكن تواجد المياه الجوفية مصطلح مكمن ماء جوفي aquifer (من اللاتينية aqua بمعنى ماء و fer بمعنى يحمل). ويعرف مكمن الماء الجوفي بأنه جسم مكون من الصخور أو الحطام الصخرى (الأديم) عالي النفاذية يقع في نطاق التشبع ويختزن المياه الجوفية ويسمح بسريانها بكميات تكفي لإمداد الآبار بالماء. وتعتبر طبقات الجرول والرمل والحجر الرملي المنفذ مكامن مياه جوفية جيدة عموما، لأنها عادة ما تكون عالية النفاذية وتمتد على مساحات كبيرة. ومع ذلك فإن وجود المادة اللاحمة بين حبيبات الحجر الرملي يقلل قطر المسام وتقل بالتالي النفاذية.
ويسمى مكمن الماء الجوفي مكمن ماء غير محصور unconfined aquifer عندما ينطلق سطحه العلوي مع منسوب المياه الجوفية نظرا لأنه ممتلئ جزئيا بالماء، بحيث يلامس بذلك الغلاف الجوي (شكل 13 – 5).
وعندما يحد حابس ماء (طبقة غير منفذة) مكمن مياه جوفية ممتلءاً بالماء من أعلى ومن أسفل، فإن مكمن المياه الجوفية يسمى مكمن ماء محصور confined aquifer، ويكون انسياب الماء في هذا المكمن نحت ضغوط عالية. ويرتفع وينخفض منسوب المياه الجوفية في مكمن الماء غير المحصور خلال الفصول الممطرة والجافة، بينما لا يستجيب مكمن الماء المحصور لأي تغيرات فصلية.
وإذا وجد حابس للماء مثل طبقة من الصلصال قليلة النفاذية في نطاق التهوية فوق منسوب المياه الجوفية الرئيسي، فإن الماء المتخلل لأسفل يصطاد جزء منه ويحبس ليكون نطاق تشبع محلياً يسمى ماءً جوفياً جاثماً perched groundwater يحده منسوب ماء جاثم (معزول)water table perched (شكل 13 – 6). وتكون المياه الجاثمة عدسات صغيرة يطلق عليها عدسة مائية معلقة. ولكن قد يمتد الماء الجاثم لمئات الكيلومترات المربعة. وقد يكون الماء الجاثم عبارة عن جزء منعزل من الطبقة الحاملة للمياه الجوفية تفصله عن بقية الطبقة صخور قليلة النفاذية أو غير منفذة (حابس للماء). ويضخ الماء من آبار الماء الجاثم ولكن بكميات محدودة عادة.
وفي مصر، يعتبر مكمن الحجر الرملي النوبي Nubian Sandstone Aquifer مثالا للمكامن الإقليمية، حيث يشغل مساحات واسعة في مصر سواءا فوق سطح الأرض أو تحت السطح (شكل 13 – 7). وهو جزء من نظام إقليمي يمتد عبر الحدود الجغرافية لكل من ليبيا والسودان غربا، وفي كل من فلسطين والأراضي المحتلة والأردن والسعودية شرقا. ويتراوح سمك متكون الحجر الرملي النوبي بين أقل من 500 متر وأكثر من 3000 متر من الحجر الرملي، والذي يتخلله في مواقع كثيرة طبقات طفلية يتجاوز سمكها مائة متر. وهو يتواجد غالبا في شكل عدسات تسبب حصرامحليا في متكون الحجر الرملي النوبي. أما الحصر الإقليمي فتسببه طبقات طفلية سميكة تعرف بطفل الداخلة Dakhla Shale أو طبقات الطفل متعدد الألوان Variegated Shale.
ب – بعض خصائص مكامن المياه الجوفية
تملأ المياه الجوفية الفراغات الموجودة في الصخور، كما تستطيع هذه المياه المرور في الصخور من جزء لآخر، وتعرف هاتان الخاصيتان بالمسامية والنفاذية على الترتيب. ونعرض فيما يلي وصفا لهاتين الخاصيتين:
1 – المسامية
تعرف المسامية porosity بأنها خاصية وجود فراغات أو مسام بين حبيبات الصخور أو الرواسب. وتقدر المسامية بنسبة الحجم الكلي للفراغات إلي حجم الصخر نفسه مضروبا في مائة (أي النسبة المئوية). وهذه المسامية هى التي تحدد كمية الماء التي يمكن أن يخزنها حجم معين من الرواسب أو الصخور. وتؤثر أحجام وأشكال حبيبات الصخر، بالإضافة إلي طريقة كبس (دمج) الحبيبات compactness، وطريقة ترتيبها في المسامية (شكل 13 – 8 أ، ب). وقد تصل المسامية في بعض الرمال أو الجرول gravel جيد الفرز إلي نسبة 20%، بينما تصل المسامية في بعص الصلصال clay المسامي إلي نسبة 50%، رغم أن حجم أي من مسام الصلصال يكون دقيقا جدا عنه في الرمل والجرول.
وتتأثر المسامية في الصخر الرسوبي ليس فقط بالفرز sorting وتعبئة (ترتيب) الحبيبات، ولكن بالدرجة التي تمتلئ بها المسام بالمادة اللاحمة أيضا (شكل 13 – 8 ج). وعلى الجانب الآخر تكون مسامية الصخور النارية والمتحولة منخفضة وتنتج عن وجود بعض الفواصل والكسور بها.
2 – النفاذية
تعرف النفاذية permeability (من اللاتينية permeaer بمعنى يخترق أو ينفذ إلي) بأنها قابلية الصخر لإمرار سائل خلال مسامه. ولا تعنى المسامية العالية بالضرورة وجود نفاذية عالية، لأن حجم ومدى اتصال المسام ببعضها يؤثران على النفاذية بطريقة هامة.
وتلعب العىقة بين حجم المسام والالتصاق الجزيئي molecular attraction لأسطح الصخر دورا كبيرا في تحديد نفاذية الصخر. والالتصاق الجزيئي هو قوة توجد بين سطح الجسم الصلب وغلالة رقيقة من الماء، حيث تتسبب هذه القوة في التصاق هذه الغلالة بسطح الصخر، على الرغم من قوة الجاذبيةالأرضية. فإذا كانت المسافة المفتوحة بين الحبيبات المتجاورة في الصخر صغيرة بدرجة ملحوظة فإن الغلالات الرقيقة من الماء والملتصقة بالحبيبات تتلامس مع بعضها البعض. لذلك يمتد تأثير قوة الالتصاق الجزيئي عبر المسام (شكل 13 – 9). وعند الضغوط العادية يلتصق بعض هذا الماء بقوة بجدر الحبيبات، ولذلك تكون النفاذية منخفضة. والصلصال هو مثال لتلك الرواسب، حيث يبلغ حجم حبيباته أقل من 0.005مم. وعلى الرغم من أن الصلصال عالي المسامية إلا أن الحجم الصغير جدا للمسام يجعل نفاذية الصلصال منخفضة. وعلى العكس من ذلك، ففي الرواسب التي تحتوي على حبيبات كبيرة مثل الرمل (حجم الحبيبة بين 0.06 إلي 2مم) فإن المسام تكون عادة أكبر من سمك غلالات الماء الملتصقة بالحبيبات المتجاورة. ولذلك فإن المياه في مركز المسام تكون حرة الحركة (شكل 13 – 9)، ومثل هذه الرواسب تكون منفذة. وتزداد النفاذية بزيادة أقطار المسام، وبالتالي فإن الجرول يكون أكثر نفاذية من الرمل لوجود مسام كبيرة جدا به، ولذا يمكن ضخ كميات كبيرة من الماء منه.
ج – الانسياب الارتوازي
تنتقل المياه الجوفية في مكمن الماء غير المحصور خلال الطبقات المنفذة التي تمتد إلي سطح الأرض في مناطق إعادة الملء والتصريف. ويكون مستوى الخزان في مكمن الماء غير المحصور هو ارتفاع مستوى الماء الجوفي نفسه، أما في مكمن الماء المحصور، فإن الماء لا يمكن أن ينساب خلال الطبقة غير المنفذة للماء أو ينساب خلالها ولكن ببطء شديد. ولكن ينساب الماء تحت ضغط خلال الطبقة المنفذة والحاوية للماء والمحصورة من أعلى ومن أسفل بالطبقات غير المنفذة. وتمنع الطبقات غير المنفذة، والتي تقع فوق مكمن الماء المحصور، مياه الأمطار من التسرب إلي أسفل. ويتم إعادة ملء مكمن الماء المحصور من تساقط الماء فوق منكشفة، حيث تدخل مياه الأمطار إلي الأرض وتنتقل لأسفل إلي مكمن المياه الجوفية (شكل 13- 10)، حيث يكون انسياب الماء تحت ضغط. ويعرف هذا الانسياب بأنه انسياب ارتوازي aetesian flow ويكون الضغط عند أي نقطة في مكمن الماء مساويا لوزن كل الماء فوق تلك النقطة. فإذا حفر بئر في مكمن ماء محصور عند نقطة بحيث يكون ارتفاع سطح الأرض أقل من ارتفاع منسوب المياه الجوفية في منطقة إعادة الملء، فإن الماء ينساب خارج البئر تلقائياً. وتعرف مثل هذه الآبار بالآبار الارتوازية wells aetesian. ولا تحتاج مثل هذه الآبار إلي طاقة لضخ الماء إلي السطح، حيث يسبب الفرق في الضغط بين منسوب الماء الأرضي عند منطقة إعادة الملء ومستوى البئر أن يرتفع الماء في البئر. ويأتي مصطلح ارتوازي aetesian من اسم المدينة الفرنسية أرتوا Artois والتي تم فيها دراسة الانسياب الارتوازي لأول مرة. وبالمثل، فإن الينبوع المنساب طبيعياً من مكمن ماء ارتوازي يعرف بأنه ينبوع ارتوازي aetesian spring.وتحت بعض الظروف غير العادية، فإن ضغط الماء الارتوازي قد يكون مرتفعاً بدرجة تؤدي إلي تكون نافورات ترتفع إلي 60 متراً فوق سطح الأرض.
|V – العلاقة بين مكامن المياه الجوفية والمياه السطحية
يدخل الماء إلي نطاق التشبع ويغادره في عمليتين يطلق عليهما عمليات إعادة الملء والتصريف. فعملية إعادة الملء rechargeهى تخلل الماء في أي متكون صخري تحت سطح الأرض. ويتم غالبا إعادة الملء من رشح ماء المطر أو الجليد المنصهر من سطح الأرض. وقد يعاد الملء أيضا من خلال قاع مجرى مائي، حيث تقع قناة المجرى المائي عند مستوى أعلى من منسوب المياه الجوفية. ويسمى المجرى المائي الذي تتسرب مياهه لتغذي نطاق التشبع تحته بمجرى مائي مؤثر (نهر مغذ) influent stream. ويندر وجود الأنهار المغذية في المناطق القاحلة، حيث يكون منسوب المياه الجوفية عميقا (شكل 13 – 11 أ). وفي مصر يعتبر نهر النيل مجرى مائيا مؤثرا، حيث تعتمد المياه الجوفية في مكمن المغرة Moghra aquifer (والذي يمتد لمسافات شاسعة غرب دلتا نهر النيل) على التسرب من نهر النيل. ولذلك تكون ملوحة الماء منخفضة قرب دلتا نهر النيل (حوالي 350 جزءا في المليون) ثم تزداد بالتدريج غربا لتصل إلي حوالي 10000 جزء في المليون.
أما التصرف discharge فهو عكس إعادة الملء، وهو مصطلح يطلق على عملية خروج الماء الجوفي من نطاق التشبع إلي المجاري المائية أو البحيرات أو المستنقعات عند السطح. وعندما تقطع قناة مجرى مائي منسوب المياه الجوفية، ينصرف الماء من نطاق التشبع إلي المجرى المائي. ويلاحظ أن قاع المجرى المائي يقع في منسوب منخفض عن منسوب المياه الجوفية. ويميز المجرى المائي المتأثر effluent stream المناطق الرطبة (شكل 13 – 11 ب). ويستمر المجاري المائية المتأثرة في الانسياب لفترة طويلة حتى بعد توقف سقوط الأمطار، حيث تغذى من المياه الجوفية. وهكذا فإن خزان الماء الجوفي قد يزود بالماء من المجاري المائية المؤثرة، بينما يستنفد بالمجاري المائية المتأثرة.
أ – التوازن بين إعادة الملء والتصريف
عندما تتوازن عمليتا إعادة الملء والتصريف، فإن خزان المياه الجوفية ومنسوبه يبقيان ثابتين في الظروف الطبيعية، حتى مع استمرار انسياب الماء إلي الخزان. ولكي تتوازن عمليتا إعادة الملء والتصريف فإن ماء المطر يجب ان يكون متكررا باستمرار بدرجة تكفي لتعادل كمية الماء المنصرف من الأنهار، بالإضافة إلي الماء المتدفق من الآبار والينابيع. وحيث إن كميات التساقط تتغير من فصل لآخر، فإن التوازن بين إعادة الملء والتصريف لن يبقى ثابتا. وعموما فإن مستوى الماء الجوفي ينخفض في الفصول الجافة ويرتفع في الفترات الرطبة (شكل 13 – 3). كما تؤدي زيادة التصريف، والتي تحدث عادة نتيجة زيادة الضخ من الابار إلي عدم الاتزان. وقد تنتهي الابار الضحلة عندما يكون ضخ الماء من البئر أسرع من إعادة تزويد خزان الماء الجوفي بالماء فينخفض مستوى الماء في البئر على شكل مساحة مخروطية تحيط بالبئر، تعرف بمخروط الانخفاض cone of depression (شكل 13 – 12)، وينخفض مستوى الماء في البئر إلي المستوى المنخفض لمنسوب الماء الجوفي. وإذا امتد مخروط الانخفاض تحت قاع البئر أصيب البئر بالجفاف. وإذا كان قاع البئر فوق قاعدة خزان الماء الجوفي فإن زيادة عمق البئر في الخزان تسمح لمزيد من الماء بالتدفق من البئر، حتى عند معدلات ضخ عالية. وإذا زاد عمق البئر إلي الدرجة التي يستنفد بها كل خزان الماء الجوفي، واستمرت عملية الضخ، فإن مخروط الانخفاض يمكن أن يصل لإلي قاع خزان الماء الجوفي ويستنفده. ويتحسن وضع خزان الماء الجوفي بخفض معدل الضخ بدرجة تكفي لإعادة ملء الماء.
ولا يؤدي السحب الشديد للماء لاستنفاد ماء الخزان الجوفي فقط، ولكن قد يسبب تأثيرا آخر غير مرغوب فيه. حيث تهبط المواد التي كانت تعلو خزان الماء الجوفي في السابق وينخفض سطح الأرض نتيجة لذلك بسبب انخفاض ضغط الماء في المسام. ويعتمد مقدار الهبوط على مدى انخفاض ضغط الماء وعلى سمك خزان الماء الجوفي ومدى ضغط الرواسب فيه. وينتشر هبوط سطح الأرض في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية حيث أدى ضخ وزيادة سحب الماء الجوفي إلي تمزق سطح الأرض وانهيار المباني والطرق والجسور وتخريب الكابلات الكهربائية المدفونة وأنابيب الصرف وزيادة المساحات المعرضة للفيضان.
وقد يكون انخفاض سطح الرض مدمرا خاصة عندما يضخ الماء من تحت المدن. ومن الأمثلة المشهورة على ذلك مدينة مكسيكوسيتي، حيث أدى ضخ الماء من الرواسب إلي تحرك عديد من المباني وميلها نتيجة هبوط سطح الأرض. ويمثل برج بيزا المائل الشهير في إيطاليا والذي مال بسبب هبوط سطح الأرض مثالا آخر، حيث بنى البرج على سهل فيضي مكون من رواسب دقيقة الحبيبات. وبدأ البرج في الميل نتيجة السحب المتزايد للمياه الجوفية من خزانات المياه العميقة المحيطة به. وقد أعد تصميم لتقوية الأساسات لتحفظ البرج مستقرا في المستقبل، ولكن مع ضرورة الحفاظ على المستوى نفسه من التحكم في المياه الجوفية.
ويواجه السكان الذين يعيشون بالقرب من الشواطئ المطلة على المحيطات والبحار مشكلة أخرى حينما يكون معدل الضخ مرتفعا بالنسبة لإعادة الملء، مما يؤدي إلي غزو ماء البحر للآبار كما سبق شرحه. ويوجد بالقرب من خط الشاطئ (أو في منطقة الساحل المغمور على مسافة من الشاطئ) حد يفصل بين الماء المالح والماء العذب تحت سطح الأرض، بحيث ينحدر هذا الحد ناحية اليابسة وأسفلها، ويعلو الماء العذب فوق الماء المالح في خزان الماء الجوفي (شكل 13 – 13 أ). ويوجد الماء الجوفي العذب تحت عدد من الجزر في المحيط على هيئة عدسات تطفو فوق قاعدة من ماء البحر، لأن الماء العذب يكون أقل كثافة من ماء البحر (1.00جم/سم3 مقابل 1.02جم/سم3 وهذا الفرق صغير ولكن مهم). وبالطبع فإن ضغط الماء العذب يحافظ على حد الماء المالح بعيدا قليلا عن الشاطئ.
ويحافظ التوازن بين إعادة الملء والتصريف في خزانات الماء العذب على هذا الحد الفاصل بين الماء العذب والماء المالح، طالما أن إعادة الملء بماء المطر تكافئ التصريف بالضخ على الأقل مما يؤدي إلي أن يضخ البئر ماءا عذبا. ولكن عندما يكون سحب الماء أسرع من إعادة الملء فإنه يتكون مخروط انخفاض عند قمة خزان الماء الجوفي يقابله مخروط آخر مقلوب يرتفع من أسفل الحد بين الماء العذب والماء المالح.ويؤدي مخروط الانخفاض عند الجزء العلوي من خزان الماء الجوفي إلي صعوبة ضخ ماء عذب، بينما يؤدي المخروط السفلي إلي تسرب ماء مالح عند قاعدة البئر (شكل 13 – 13 ب). ويكون السكان المقيمون بالقرب من شاطئ البحر أول من يتأثر بزيادة ملوحة الماء، حيث لا يمكن التغلب على تلك المشكلة إلا بتقليل ضخ الماء أو إعادة ملء خزان الماء الجوفي صناعيا من المياه الجارية.
ب – التصريف الطبيعي (الينابيع) والصناعي (الآبار)
يحصل الناس عموما على احتياجاتهم من المياه الجوفية إما من الينابيع الطبيعية أو بحفر الآبار التي تصل إلي خزانالماء تحت سطح الأرض. ونعرض هنا لكلا هذين النوعين من أنواع التصريف:
1 – الينابيع
يعرف الينابيع spring بأنه انسياب المياه الجوفية بحيث ينفذ طبيعيا عند سطح الأرض. وأبسط أنواع الينابيع هو الذي ينفذ عندما يتقاطع سطح الأرض مع منسوب المياه الجوفية (شكل 13 – 14). ويمكن أن توجد الينابيع الصغيرة في كل أنواع الصخور، ولكن معظم الينابيع الكبيرة تخرج غالبا من اللابة أو الحجر الجيري أو الجرول.
ويكون التغير الأفقي أو الرأسي في النفاذية سببا شائعا لوجود الينابيع (شكل 13 – 10). وغالبا ما ينتج هذا التغير في النفاذية عن وجود جسم من صخر غير منفذ أو أقل نفاذية بدرجة كبيرة مجاور لصخر آخر منفذ. فإذا كان هناك رمل مسامي يعلو حابساً للماء مكون من صلصال أقل نسبيا في درجة النفاذية، فإن الماء المتخلل لأسفل خلال الرمل ينساب جانبيا حينما يصل إلي الصلصال الموجود أسفله، حيث ينفذ كينبوع. ويقطع الحد الاستراتجرافي (الطبقي) بين الوحدتين سطح الأرض، على امتداد جانب وادي أو جرف cliff (شكل 13 – 14 أ). وقد تنفذ الينابيع أيضا من صخر ناري كتلي مثل الجرانيت به كثير من الفواصل (شكل 13 – 14 ب). كما توجد الينابيع أيضا على امتداد خطوط الصدوع (شكل 13 – 14 ج)، أو في صخور بها كهوف مثل الحجر الجيري (شكل 10 – 14 د)، مثل تلك التي توجد في واحة سيوة وجنوب القطارة وحلوان ووادي الريان بمصر. وقد أظهرت الدراسات وجود أكثر من 1400 ينبوع بمصر يتدفق منها الماء بدرجات متفاوتة، كما تختلف في درجات حرارتها، وقد تصل إلي 70م فوق سطح الأرض، مثل تلك التي توجد في ينبوع حمام فرعون على الجانب الشرقي لخليج السويس والعين السخنة على الجانب الغربي لخليج السويس وبير قفار في منخفض القطارة.
2 – الآبار
البئر well هو حفرة صناعية دائرية عادة ومبطنة الجوانب، حفرت إلي عمق كبير تحت منسوب المياه الجوفية يسحب أو يضخ الماء منها إلي سطح الأرض. ويوضح شكل (13 – 3) أن البئر الضحل يجف عندما يصبح منسوب المياه الجوفية منخفضا، بينما ينتج البئر العميق المجاور الماء على طول العام.
وعندما يبدأ ضخ الماء من بئر جديدة، فإن معدل السحب يزيد في البداية عن معدل انسياب المياه الجوفية محليا. وكما ذكرنا سابقاً، فإن عدم الاتزان في معدلات الانسياب يؤدي إلي تكون انخفاض مخروطي في منسوب المياه الجوفية يحيط مباشرة بالبئر، ويسمى مخروط الانخفاض cone of depression (شكل 13 – 12).
V – نوعية (درجة جودة) الماء وتلوث المياه الجوفية
يعتقد قاطنو المناطق الصناعية الحديثة أن ماء الصنبور آمن وصالح للشرب. ولكن ماء الشرب قد يكون ملوثا بشدة ولا يصلح للاستهلاك الآدمي بسبب وجود مواد ذائبة به مصدرها النفايات الآدمية والصناعية.
أ – كيميائية المياه الجوفية
تظهر تحاليل عديد من الآبار والينابيع أن المركبات الذائبة في الماء الجوفي هى أساسا كلوريدات وكبريتات وبيكربونات لعناصر الكالسيوم والماغنسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والحديد. وترجع آثار هذه المواد إلي المعادن الشائعة في الصخور والتي تم تجويتها. ويتغير تركيب المياه الجوفية كما هو متوقع، من مكان لآخر، حسب نوعية الصخر الذي يتواجد به الماء. ففي وسط الولايات المتحدة الأمريكية يكون معظم الماء غنيا ببيكربونات الكالسيوم والماغنسيوم والتي أذيبت من صخور الحجر الجيري وحجر الدولوميت في تلك المناطق. وعند استخدام مثل هذا الماء، والذي يسمى ماءا عسرا hard water فإنه لا يكون رغوة مع الصابون بسهولة، بينما يكون قشوراً في الغلايات عندما يتبخر منها، كما قد تتكون مثل هذه القشور في أنابيب المياه، مما يقلل في النهاية من انسياب الماء. وعلى عكس الماء العسر، فإن الماء الذي يحتوي على القليل من المواد المذابة وكذلك القليل من الكالسيوم يسمى ماءً يسراً soft water، وهو ماء يكون رغوة مع الصابون العادي بسهولة. ويتواجد مثل هذا الماء في وادي النيل والدلتا حيث تكثر الصخور البركانية وصخور الجريواكي في مناطق منابع النيل.
ويذيب الماء الجوفي عناصر ضارة بالصحة من الصخور التي ينساب خلالها مما يجعل الماء غير مناسب للاستهلاك الآدمي. فالماء الذي يتخلل صخوراً غنية في الكبريت قد يحتوي على كبريتيد الهيدروجين (H2S) والذي يجعل له رائحة مثل رائحة البيض الفاسد، على الرغم من أنه غير ضار صحيا. وفي بعض المناطق القاحلة، فإن تركيز الكبريتات والكلوريد المذابة قد يكون عاليا لدرجة أن الماء الجوفي يكون ضارا بالصحة. وفي المناطق الجافة (القاحلة) يذيب الماء الجوفي المتحرك في صخور رسوبية مسامية الأملاح التي تترسب نتيجة بخر الماء في نطاق التهوية، مما يؤدي إلي تكون تربة مالحة غير صالحة للزراعة.
ب – التلوث بمخلفات المجاري
تعتبر مخلفات المجاري أكثر مصادر تلوث المياه الجوفية شيوعا. ويؤدي التسرب من خزانات المجاري وشبكاتها غير المحكمة، وإلقاء المخلفات في المناطق المفتوحة إلي تلوث المياه الجوفية. وعند مرور المياه الملوثة ببكتريا مخلفات المجاري على صخر أو راسب ذي مسام كبيرة مثل جرول خشن أو حجر جيري به كثير من الفجوات البينية الواسعة فإن الماء يتخلل بها لمسافات كبيرة ولكنه يبقى ملوثاً (شكل 13 – 15 أ). ومن ناحية أخرى، فإن الماء الملوث إذا تخلل في رمل أو حجر رملي منفذ، فإنه قد ينفي خلال مسافة قصيرة، قد تصل في بعض الأحيان إلي أقل من 30 متراً من موقع حدوث التلوث (شكل 13 – 15 ب). ويعتبر الرمل عامل تنقية مناسب حيث ينفي الماء من خلال (1) الترشيح ميكانيكيا، حيث يتم التخلص من معظم البكتريا عند مرور الماء في الرمل، (2) أكسدة البكتريا بحيث تصبح غير ضارة، (3) يؤدي تلامس البكتريا مع كائنات عضوية أخرى إلي التهام البكتريا. ولذلك، فإن مشروعات تنقية مصادر المياه ومخلفات المجاري تعتمد على تخلل هذه السوائل في الرمل.
ج – النفايات السامة والسموم الزراعية
تلقي في كل عام كميات ضخمة من النفايات البشرية والصناعية في أماكن مفتوحة أو تدفن تحت سطح الأرض بتلك الأماكن التي يطلق عليها المرادم البرية landfill. وعندما يمتلئ هذا المردم البري، فإنه يغطي بالأوساخ، وتتسرب مياه الأمطار في رواسب المردم، فتتحرك وتنتقل العديد من نواتج هذه النفايات تحت سطح الأرض، حيث تحمل المياه المواد الذائبة بعيداً . وبهذه الطريقة، فإن الكيماويات السامة ترشح ببطء لتدخل مكامن المياه الجوفية وتلوثها، مما يجعل هذه المياه غير مناسبة للاستخدام الآدمي. وتنتقل الملوثات من هذه المواقع على هيئة تيارات من الماء الملوث في اتجاهات تعتمد أساساً على نمط الانسياب الإقليمي للماء الجوفي لتنتشر بمعدل انتشار المياه المتخللة نفسه. وغالباً ما تكون هذه الملوثات سامة للإنسان والنباتات والحيوانات أيضاً. وقد أصبحت مشكلات التلوث في مواقع النفايات المطمورة (المرادم البرية) خطيرة لدرجة أن عديداً من الحكومات بدأت برامج طويلة الأمد لتنظيف هذه المواقع حتى تصبح آمنة بيئياً.
وترش الحقول بالكثير من المبيدات لمقاومة الحشرات والطحالب لتحسين نوعية الإنتاج. وقد ارتبطت بعض هذه الكيماويات بالأمراض الخبيثة والتخلف العقلي في الإنسان، كما أدى بعضها إلي نقص أعداد الحيونات البرية، حيث حدث أيضاً انخفاض كبير في أعداد طائر "أبو قردان" نتيجة رش المبيدات في مصر. وتصل هذه الكيماويات السامة إلي المياه الجوفية بسبب الأسلوب الذي ترش به هذه المبيدات على مساحات شاسعة.
د – تخزين النفايات الخطرة تحت الأرض
إن أحد المشاكل البيئية التي تقلق الدول الصناعية، ضرورة التعامل مع المخلفات الصناعية شديدة السمية. ويؤدي الطمر (الدفن) السطحي السريع إلي تلوث مصادر المياه السطحية وتحت السطحية، وبالتالي إمكانية حدوث مشكلات صحية خطيرة. كما أن الدول ذات الإمكانات النووية لها مشاكلها الخاصة بالتخلص من نواتج النفايات ذات الإشعاع العالي الدرجة. فبعض النظائر مثل 90Sr و137 Ce تكون مشعة بدرجة عالية لدرجة أن أي كمية ضئيلة منها يمكن أن تسبب وفاة الناس إذا تركزت في البيئات السطحية.
وقد توصلت معظم الدراسات الخاصة بالتخلص من النفايات السامة – سواء السامة أو المشعة – إلي أن التخزين تحت الأرض يكون مناسباً عند وجود أماكن آمنة. فالشرط الأساسي في حالة النفايات المشعة بدرجة عالية والتي يمكن أن تبقى خطيرة لعشرات أو مئات أو آلاف السنين بسبب فترة نصف – العمر الطويل لبعض النظائر المشعة، أن يكون الموقع مستقراً على مدى زمني طويل. لذلك، فإن المناطق الآمنة تماماً للتخلص من النفايات المشعة والحاويات التي توضع فيها تلك النفايات هى المناطق التي لا تتأثر كيميائياً بالمياه الجوفية، كما لا تتأثر طبيعياً بالزلازل أو بالنشاط البشري.
وهناك اتفاق عام بين الجيولوجين على أن تخزين النفايات المشعة تحت الأرض لابد أن يخضع للشروط التالية:
1 – يجب أن تكون نفاذية الصخور منخفضة أو منعدمة، وأن تكون الكسور بها قليلة أو منعدمة.
2 – يجب ألا تكون هناك إمكانية لتواجد خامات معدنية ذات قيمة اقتصادية في الصخر الحاوي سواء حاليا أو مستقبلا.
3 – يجب أن يكون انسياب الماء الجوفي المحلي بعيداً عن الغلاف الحيوي.
4 – يجب أن تكون كمية الأمطار المتساقطة قليلة.
5 – يجب أن يكون نطاق التهوية سميكا.
6– يجب أن يكون معدل التعرية بطيئا جداً.
7– يجب أن يكون احتمال النشاط الزلزالي أو البركاني منخفضا جداً.
ويمثل التخزين الآمن لفترة طويلة تحت الأرض تحديا كبيراً للجيولوجيين، حيث درس الجيولوجيون الأحداث الماضية، وهم مطالبون الآن بالتنبؤ بأحداث المستقبل الممكنة. ويتطلب ذلك معرفة جيدة بمدى استجابة أنظمة الماء الجوفي المعقدة لحركات القشرة والتغيرات المناخية المحلية والعالمية والعوامل الطبيعية الأخرى التي يمكن أن تؤثر على استقرار موقع التخزين.
V| - العمل الجيولوجي للمياه الجوفية
تعمل المياه الجوفية في المناطق المغطاة بصخور معرضة للتجوية الكيميائية على تكون معالم أرضية مميزة تعتبر من أكثر معالم القشرة الأرضية جمالاً وروعة. ونعرض هنا بعضا من هذه المعالم.
أ – الذوبان
عندما تصل مياه الأمطار إلي سطح الأرض تبدأ في التفاعل مع المعادن في الحطام الصخري (الأديم) وصخور الأساس وتعمل على تجويتها كيميائياً. ومن العمليات المهمة المترتبة على تلك التجوية الكيميائية ذوبان المعادن والصخور في السوائل المارة خلالها. وتعتبر الصخور الكربوناتية أكثر صخور القشرة الأرضية قابلية للتأثر بهذه العملية. وصخور الحجر الجيري وحجر الدولوميت والرخام هى أكثر صخور الكربونات شيوعاً، حيث تغطي ملايين الكيلومترات المربعة من سطح الأرض. وبالرغم من أن معادن الكربونات تكون غير قابلة للذوبان تقريباً في المياه النقية، إلا أنها تذوب بسهولة في حامض الكربونيك (انظر الفصل السابع) الذائب في ماء المطر المتخلل. ونتيجة لذلك، فإن المياه الجوفية تصبح محملة بكاتيونات الكالسيوم وأنيونات البيكربونات. وتحدث التجوية أساساً على امتداد الفواصل والكسور الأخرى في صخور الأساس الكربوناتية، حيث تكون النتيجة مؤثرة. وقد تؤدي تجوية الحجر الجيري إلي أن تذوب تماما وينتقل إلي المياه الجوفية المتحركة ببطء.
وقد قدر الجيولوجيون المعدل الذي تنخفض به طوبوغرافية الصخور الكربوناتية نتيجة الذوبان، فوجدوا أنها تنخفض بمعدل يصل إلي 10مم/1000 سنة في المناطق المعتدلة التي تتساقط فيها الأمطار بمعدل عال وتتميز بمنسوب ماء جوفي مرتفع مع غطاء دائم تقريباً من النباتات. وتكون هذه المعدلات منخفضة جداً في المناطق الجافة التي تندر فيها الأمطار، ويكون منسوب الماء الجوفي فيها منخفضا، والغطاء النباتي غير دائم.
ب – التلاحم والإحلال الكيميائي
إن تحول الرواسب إلي صخر رسوبي يكون أساساً نتيجة عمل المياه الجوفية. ومثلما تكون الرواسب المتواجدة تحت البحر مشبعة عموماً بالماء، كذلك تكون الرواسب المتواجدة في نطاق التشبع تحت سطح الأرض. وتترسب المواد الذائبة في الماء كمادة لاحمة في الفراغات بين حبيبات الصخور وحبيبات المعادن في الرواسب. وكما أوضحنا في فصل الصخور الرسوبية، فإن هذه العملية تسمى عملية ما بعد الترسيب diagenesis وهى تحول الرواسب المفككة إلي صخر متماسك. ويعتبر الكالسيت والكوارتز ومركبات الحديد (أساساً هيدروكسيدات مثل الليمونيت) مواد لاحمة أساسية.
والعملية الأقل شيوعاً من ترسيب المادة اللاحمة بين حبيبات الرواسب هى عملية الإحلال replacement، وهى العملية التي يذيب فيها السائل المادة الموجودة وقت الإحلال ويرسب من المحلول في الوقت نفسه حجما مساويا من مادة مختلفة. ومن الواضح أن عملية الإحلال تحدث على أساس إحلال حجم ما مكان حجم آخر مساو، حيث تحفظ المادة الجديدة أدق أنسجة المادة التي تم إذابتها وإحلالها. ويمكن أن يتم إحلال كل من المواد المعدنية والعضوية، فالخشب المتحجر petrified wood هو أشهر أمثلة إحلال المادة العضوية (شكل 13 – 16).
ج – الكهوف والمغارات الكربوناتية
جذبت الكهوف caves اهتمام الناس منذ أمد طويل. وتعتبر كهوف الحجر الجيري في أوروبا وآسيا من أقدم الشواهد على إقامة إنسان العصر الحجري القديم في الكهوف خلال أزمنة البليستوسين الجليدية، حيث كانت حوائط هذه الكهوف محل فحص دقيق من المختصين والمهتمين بعصور ما قبل التاريخ.
وتأخذ الكهوف عدة أحجام وأشكال. وعلى الرغم من أن معظم الكهوف تكون صغيرة، إلا أن بعضها يكون ذا أحجام استثنائية. ويسمى الكهف الكبير جدا أو المكون من عدة حجرات كهفية متصلة ببعضها بالمغارة cavern. وتضم مغارات كارلسباد في نيومكسيكو حجرة واحدة يبلغ طولها 1200م وعرضها 190م وارتفاعها 100م. ويتكون كهف ماموث في كنتكي من عدة مغارات متصلة يبلغ طولها الإجمالي حوالي 48كم على الأقل.
يتكون الكهف نتيجة لعملية كيميائية أساسا تتضمن إذابة صخر كربوناتي بالمياه الجوفية المتخللة والغنية بثاني أكسيد الكربون (شكل 13 – 17). وكما رأينا عند دراستنا للصخور الرسوبية، فإن معدل إذابة الحجر الجيري يزداد نتيجة وجود ثاني أكسيد كربون الغلاف الجوي الذائب في مياه الأمطار. وقد تلتقط المياه المتسربة في التربة المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من جذور النباتات والبكتريا والكائنات العضوية المتواجدة في التربة. وعندما ينتقل هذا الماء الغني بثاني أكسيد الكربون لأسفل إلي منسوب الماء الجوفي عبر نطاق عدم التشبع إلي نطاق التشبع، فإنه يؤدي إلي تكون فجوات نتيجة إذابة المعادن الكربوناتية. ويزيد اتساع تلك الفجوات بذوبان الحجر الجيري على امتداد الفواصل والكسور لتتكون شبكة من الحجرات والممرت. وتكون هذه الشبكات أكثر ما يكون في نطاق التشبع، حيث تكون الكهوف ممتلئة بالماء وتتم الإذابة على جميع الأسطح بما فيها الأرضيات والحوائط والأسقف. وقد قدر الزمن الذي يستغرقه تكون ممر متصل بالمياه المتخللة البطيئة بحوالي 10000 سنة، بينما يستغرق زيادة اتساع الممر بالماء المنساب بسرعة في نظام من الكهوف من 10000 إلي مليون سنة إضافية.
وعلى الرغم من الاعتقاد بأن تكون الكهوف يتضمن عموماً الإذابة بواسطة حامض الكربونيك، إلا أن بعض الدراسات تقترح أن بعض الكهوف بما فيها مغارات كارلسباد Carlsbad caverns قد تتكون نتيجة الإذابة بحامض الكبريتيك، حيث افترض أن السوائل التي تحتوي على كبريتيد الهيدروجين والمستمدة من رواسب غنية بالبترول تصعد على امتداد الفواصل لتقابل وتتفاعل مع الماء المحمل بالأكسجين لتكون حامض الكبريتيك الذي يذيب الحجر الجيري.
د – رواسب الكهوف
يمكن للجيولوجيين الآن استكشاف الكهوف التي أذيبت يوما ما تحت منسوب الماء الجوفي، ولكنها توجد الآن في نطاق عدم التشبع نتيجة انخفاض مستوى الماء الجوفي. ففي هذه الكهوف، قد تتساقط من السقف قطرات من ماء مشبع بكربونات الكالسيوم. وعندما تتسرب كل نقطة من الماء من سقف الكهف، فإن بعضا من ثاني أكسيد الكربون الذائب والذي تم التقاطه عند تسرب الماء في التربة سوف يتبخر ليهرب إلي هواء الكهف. وعندما يحدث هذا، فإن كربونات الكالسيوم الموجودة في الماء الجوفي تصبح أقل ذوبانا، ليترسب من كل نقطة صغيرة كمية ضئيلة من كربونات الكالسيوم على السقف. وتتراكم هذه القطرات الصغيرة على هيئة مخروط أو أسطوانة كربوناتية تسمى هابط stalactite تتدلى من سقف الكهف (شكل 13 – 18). وعندما تقع بقية النقطة على أرضية الكهف، فإن المزيد من ثاني أكسيد الكربون يهرب وتترسب كمية صغيرة أخرى من كربونات الكالسيوم على أرضية الكهف أسفل الهابط. وتتجمع هذه الرواسب أيضاً مكونة الصاعد stalagmite. وأخيراً، فقد ينمو الصاعد والهابط مع بعضهما ليكونا عموداً واحداً.
ه – الحفرة البالوعية
تعرف الحفرة البالوعية sinkhole بأنها منخفض دائري صغير وعميق في سطح الأرض فوق صخور كربوناتية بها الكثير من الكهوف (شكل 13 – 19). وتقاس الحفر البالوعية بالأمتار أو بعشرات الأمتار، وهى تشبه القمع في العادة. وتتكون الحفر البالوعية نتيجة إذابة وانهيار أسقف كهوف الحجر الجيري، بينما يتكون بعضها الآخر عند سطح الأرض، حيث يكون الماء الذائب به ثاني أكسيد كربون حديثاً ومؤثراً كمذيب للمواد الكربوناتية. ويوجد عديد من الحفر البالوعية عند تقاطع الفواصل حيث يتحرك الماء لأسفل بسرعة أكبر، وتتكون بذلك حفر بالوعية تشبه القمع.
و – طوبوغرافية الكارست
تكثر الكهوف والحفر الوعائية في المناطق التي تكون الصخور فيها قابلة للذوبان، لدرجة أنها تكون مظاهر طوبوغرافية خاصة بها.وتتميز هذه الطوبوغرافية بوجود أحواض عديدة صغيرة ومتقاربة ونمط صرف ممزق، كما تختفي المجاري المائية في هذه المناطق لتعود للظهور في أماكن أخرى على هيئة ينابيع كبيرة. وتسمى المنطقة المميزة بهذه المعالم بطوبوغرافية الكارست karst topography نسبة إلي منطقة في الأجزاء الشمالية من يوغوسلافيا سابقاً، والتي تتميز بطوبوغرافية غير منتظمة من التلال والعديد من الحفر البالوعية (شكل 13 – 19). وعلى الرغم من أن طوبوغرافية الكارست تميز المناطق الكربوناتية، إلا أن الكارست يمكن أن يتكون أيضاً في مناطق تتكون من الجبس والملح. وعموماً، فإن الكارست يتكون أكثر ما يكون في المناطق التي تتميز بثلاث خصائص:
1 – مناخ يتميز بوفرة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة بدرجة تساعد على الذوبان مع وجود غطاء نباتي كثيف (لتتكون مياه غنية بثاني أكسيد الكربون).
2 – متكونات حجر جيري به عديد من الفواصل.
3 – انحدار هيدروليكي مناسب يسمح بانسياب المياه الجوفية خلال الصخور القابلة للذوبان.
V|| - الماء الموجود في أعماق القشرة الأرضية
تكون كل الصخور الموجودة تحت منسوب الماء الجوفي مشبعة بالماء. وكما ذكرنا سابقاً، فإن الجيولوجيين يجدون الماء في المتكونات المنفذة الموجودة حتى في أعمق الآبار التي تحفر للبحث عن البترول، على أعماق تصل إلي حوالي 8 أو 9 كيلومتر من سطح الأرض. ويتحرك الماء عند هذه الأعماق ببطء، ربما بمعدل أقل من سنتيمتر في العام. ولذلك فإنه يكون هناك متسع من الوقت لإذابة المعادن، حتى تلك الشحيحة الذوبان منها، أثناء تخلل الماء في الصخور. وتصبح المواد المذابة في تلك المياه أعلى تركيزاً من المياه الموجودة قرب السطح، مما يجعل المياه الموجودة عند الأعماق الكبيرة غير صالحة للشرب. فعلى سبيل المثال، فإن المياه الجوفية التي تتخلل طبقات الملح القابلة للذوبان بسرعة تميل لأن تصبح غنية بكلوريد الصوديوم بدرجة كبيرة.
وتوجد صخور القاعدة النارية والمتحولة عند أعماق أكبر تتراوح بين 12 إلي 15 كيلو متر تحت المكونات الرسوبية الموجودة في الجزء العلوي من القشرة الأرضية. وتقل المسامية والنفاذية بدرجة كبيرة في صخور القاعدة النارية والمتحولة، وبالتالي تكون كمية الماء في تلك الصخور صغيرة للغاية.
أ – المياه الحرمائية
توجد الينابيع الحارة الطبيعية في يلوستون ناشيونال بارك Yellowstone National Park في شمال غرب الولايات المتحدة وفي أركانساس وريكجافيك javik Reyk في أيسلنده، وفي مناطق أخرى عديدة من العالم. وتهاجر المياه الحرمائية hydrothermal solutions (المياه الساخنة في القشرة الأرضية) في مثل هذه المناطق بسرعة لأعلى لتنبثق عند سطح الأرض دون أن تفقد الكثير من الحرارة، وتصل أحيانا إلي درجة حرارة الغليان.
وتتحمل المياه الحرمائية بالمواد الكيميائية التي تذاب من الصخور عند درجات الحرارة العالية. ويمكن أن تبقى المواد المذابة في المحلول طالما بقيت المياه ساخنة. ولكن بمجرد أن تصل المياه الحرمائية إلي سطح الرض فإنها تبرد بسرعة وترسب مختلف المعادن مثل الأوبال (أحد أشكال السيليكا) والكالسيت أو الأراجونيت (أشكال بلورية لكربونات الكالسيوم). كما تتكون قشرة من كربونات الكالسيوم عند بعض الينابيع الحارة والتي تكون صخر الترافرتين travertine، وهو صخر جيري دقيق التبلور أبيض أو كريمي اللون يستخدم أحيانا كصخر مصقول في أعمال البناء. وتكون المياه الحرمائية مسئولة عن ترسيب عديد من الخامات الفلزية في العالم عندما تهاجر هذه المحاليل في القشرة الأرضية ثم تبرد. والمصدر الأساسي لمعظم المياه الحرمائية في القارات هو المياه السطحية التي تخللت إلي المناطق العميقة من القشرة الأرضية. وقد تكون بعض المياه الجوية قديمة جدا، حيث قدر أن المياه المستمدة من الأمطار والجليد في هوت سبرنج بولاية أركانساس Hot Springs Arkansas قد سقطت منذ أكثر من 400 سنة مضت، وأنها تسربت ببطء إلي الأرض.
والمصدر الآخر للمياه الحرمائية هو الماء الهارب من الصهارة. ففي مناطق النشاط الناري تتسرب المياه الجوية في الأرض وتقابل كتلا من الصخور الساخنة لتصبح ساخنة ثم تختلط بالماء المنطلق من الصهارة القريبة، ثم يعود خليط الماء الحرمائي حينئذ إلي سطح الأرض على هيئة ينابيع حارة hot springs أو فوارات (جيزارات) geysers. فبينما تنساب الينابيع الحارة باستمرار، فإن الفوارات (الجيزارات) تخرج منها المياه الساخنة والبخار بصورة متقطعة.
والنظرية التي تشرح الخروج المتقطع للفوارات هى نموذج للاستنتاج الجيولوجي لديناميكية عمل الماء الجوفي الساخن، والذي يوجد على بعد مئات الأمتار تحت سطح الأرض. ومن المحتمل أن الفوارات تكون متصلة بالسطح بنظام من الكسور غير المنتظمة والمنحنية وبتجاويف وفتحات، عكس الينابيع الحارة التي تنبثق مباشرة وبنظام أكثر انتظاما إلي السطح. ويوضح شكل (13 – 20) النظرية التي تشرح الخروج المتقطع للفوارات.
وتنشأ بعض الينابيع الحارة الأخرى من الماء الجوي الذي تحرك لأسفل في مكونات الصخور الرسوبية العميقة، حيث ترتفع درجة حرارته نتيجة ارتفاع درجة الحرارة طبيعيا مع العمق نتيجة ضغط بخار الماء المتجمع، ثم تعود على هيئة مياه حرمائية إلي السطح. وقد نشأ عديد من الخامات الفلزية ورواسب معدنية أخرى في الصخور الرسوبية بعيدا عن أي نشاط ناري.
كما استخدم الجيولوجيون المياه الحرمائية كمصادر جديدة ونظيفة للطاقة، حيث استخدام البخار الناتج عن النشاط الحرمائي في الينابيع الحارة والفوارات (الجيزارات) في كل من شمال كاليفورنيا وأيسلندة وإيطاليا ونيوزيلنده لإدارة التوربينات المولدة للكهرباء. وعلى الرغم من أهمية المياه الحرمائية في توليد الطاقة وفي احتوائها على الخامات المعدنية وفي الاستشفاء، إلا أن هذه المياه لا تساهم في إمداداتالمياه السطحية بسبب احتوائها على الكثير من المواد الذائبة. ويلاحظ أن صخور الأوليجوسين بمنطقة الجبل الأحمر والمناطق المحيطة به في شرق القاهرة تحتوي على الكثير من الفوارات (الجيزارات) المتحجرة.
الفصل الرابع عشر: المثالج: عمل الجليد
تظهر صورة الأرض من الفضاء حجم الماء الذي يغطي كوكب الأرض، كما تظهر صور الأقمار الصناعية للمناطق القطبية وسلاسل الجبال ذات القمم البيضاء أن الكثير من ماء الأرض متجمد. فعندما يتاقسط الثلج snow فوق سطح الأرض في فصول الشتاء المتعاقبة، وبمعدل أكبر من معدل انصهار الثلج في فصول الصيف التالية، فإن الثلج يبدأ في التراكم تدريجياً. ويتزايد وزن الثلج بيراكم المزيد منه فوق الطبقات التي تسفله، مما يؤدي إلي إعادة تبلور الثلج وتكون كتلة صلبة من الجليد ice. وتشبه تلك العملية تحول الصخور الرسوبية إلي صخور متحولة نتيجة إعادة التبلور تحت ضغط الرواسب المتراكمة. وعندما يزيد سمك الثلج والجليد المتراكمان تعمل قوة الجاذبية الأرضية على تحرك الكتلة المتجمدة وتنشأ مثلجة (شكل 14 – 1). ويمكن تعريف المثلجة glacier بأنها جسم ضخم دائم من الجليد على سطح الأرض، يتكون أساسا من الثلج المتبلور، والذي تشير الدلائل إلي أنه يتحرك حاليا أو تحرك يوما ما في اتجاه المنحدرات أو لخارج مركز المثلجة نتيجة للجاذبية الأرضية.
وتغطي المثالج المناطق التي يكون متوسط درجة الحرارة فيها منخفضا لدرجة أن الماء يبقى متجمدا طول العام. وتوجد معظم المثالج عند خطوط العرض العليا بالقرب من القطبين، وهى أبرد أجزاء كوكب الأرض. كما توجد بعض المثالج الصغيرة عند خطوط العرض المتوسطة والمنخفضة على قمم الجبال العالية، حيث توجد درجات الحرارة المنخفضة أيضا.
والجليد هو العامل الجيولوجي المهم في تشكيل سطح الأرض في مناطق الأرض المتجمدة، ويغطي جليد المثالج حوالي 10% من سطح الكرة الأرضية. ويتحرك الكثير من هذا الجليد ببطء واستمرار من مراكز مسطحات جليد شاسعة إلي حوافها. كما ينحدر الجليد ببطء أيضا من قمم الجبال، وينصهر خلال فترة زمنية قصيرة عند حواف المثالج، ولكن بمعدل تقدمه نفسه، ولذلك تبقى مساحة الجليد ثابتة تقريبا.
ويتسبب المناخ البارد في اتساع المثالج على المدى الزمني الطويل، حين يزيد تراكم الجليد عن معدل انصهاره. وقد غطى الجليد منذ حوالي عشرين ألف سنة مضت ثلاثة أضعاف المساحة المغطاة به الآن. ومن المحتمل أن الجليد قد انكمش بدرجة ملحوظة على الأرض خلال القرون القليلة الماضية، حيث كان معدل انصهار الجليد نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض أسرع من معدل تراكمه وتحركه. ومن المؤكد أيضا أن تأثير انصهار الجليد على الأرض يكون ضخماً، حيث يؤدي هذا الانصهار إلي ارتفاع مستوى سطح البحر ليغطي المدن الساحلية منخفضة الارتفاع، بالإضافة إلي هجرة نطاقات المناخ، حيث تتغير نطاقات المناخ المعتدل إلي نطاقات شبه قاحلة. ومن المؤكد أن معرفة المناطق الجليدية هو موضوع تطبيقي ومهم في فهم البيئة.
وتقوم المثالج بتعرية الوديان ذات الجوانب شديدة الانحدار وكشط أسطح صخور الأساس واقتلاع كتل ضخمة من الأرض الصخرية أسفلها. وخلال العصور الجليدية ice ages الحديثة استطاعت المثالج تعرية سطح الأرض بمعدل أكبر بكثير مما فعلت الأنهار والرياح خلال هذا الزمن الجيولوجي القصير نسبياً. ويبلغ ركام التجوية الجليدية حجما هائلا، حيث ينقل الجليد أطناناً هائلة من الرواسب إلي حافة المثلجة، أو لتترسب بعيدا بواسطة مجاري الماء المنصهر. وتؤثر التعرية الجليدية والترسيب على الأرض من النواحي التالية:
1 – تصريف الماء وحمولة الرواسب في الأنهار الرئيسية.
2 – كمية الراسب المنقولة إلي المحيطات.
3 – التعرية والترسيب في المناطق الساحلية وعلى الرفوف القارية الضحلة نتيجة التغير في مستوى سطح البحر.
وقد نحتت المثالج الكثير من معالم الأرض في أحزمة الجبال، كما شكلت في البليستوسين معالم مناطق شاسعة من أراض قارية منخفضة امتدت بعيدا فيما نعتبره الآن مناطق معتدلة. وعند انصهار تلك المثالج فإنها خلفت وراءها رواسب وأشكال تعرية تدل على سابق وجودها.
وتدل الرواسب الجليدية وأشكال التعرية الجليدية على المناخات القديمة والحديثة، لأن الثلج والبرودة المستمرة ضروريان لتكون المثالج. ويدل الانتشار الواسع للمثالج في الماضي القريب على أن مناخ الأرض كان أبرد كثيراً مما هو عليه الآن في مناطق كثيرة. ومن المعروف الآن أن المثالج غطت في الأزمنة الجيولوجية القديمة مناطق تعتبر الآن أدغالا قارية، بينما هناك أجزاء من الكرة الأرضية مغطاة حاليا بالجليد، إلا أنها كانت دافئة ورطبة فقط ولم يكن بها قلنسوات جليدية قطبية في الماضي. ويستخدم التوزيع السابق للمثالج في تحديد نوع المناخ في الماضي، وأيضا في التنبؤ بالتغيرات المستقبلة في المناخ أيضا.
وسنستعرض في هذا الفصل أنواع المثالج وكيفية تكونها وطرق تحركها. كما سنستعرض أيضا التجوية الجليدية ومعالم التعرية، وكذلك تأثير المثالج أثناء نقل وترسيب حمولتها من الرواسب، تاركة وراءها عديداً من المعالم على سطح الأرض نتيجة حركة وتقدم المثالج وتراجعها. كما سنستعرض العصور الجليدية وأسباب حدوثها.
| - تحول الثلج إلي جليد المثلجة: الجليد باعتباره صخرا
يعتبر جليد المثلجة صخرا متحولا، يتكون من بلورات متداخلة من معدن الجليد ice. وتعتمد خصائص الجليد على عوامل التشوه تحت الضغط الناشئ عن تراكم الثلج والجليد الذي يعلوه. وحيث أن الثلج snow المتساقط حديثاً يكون عالي المسامية، كما تكون كثافته أقل من عشر كثافة الماء العادي، فإن الهواء يتخلل المسام بين بلورات الثلج بسهولة، حيث تختفي تدريجيا نقاط الضعف الموجودة في رقائق الثلج بالبخر. ويتكثف بخار الماء الناتج، خاصة في الأماكن القريبة من مراكز رقائق الثلج، وتصبح بلورات الجليد الهشة والمتحولة ببطء أصغر حجما، وأكثر استدارة وكثافة كما تختفي المسام بينها وتضمحل فقاعات الهواء بداخلها (شكل 14 – 2).
ويؤدي التراكم إلي تزايد كثافة الثلج عاما بعد عام إلي أن يصبح في النهاية غير منفذ للهواء، ويصبح جليد مثلجة. وعلى الرغم من أن الجليد يصبح صخرا، إلا أن هذا الجليد يكون له درجة انصهار أقل بكثير من درجة انصهار أي صخر آخر يتواجد في الطبيعة، وتكون كثافته في حدود 0.9جم/سم3، مما يعني أنه سيطفو فوق سطح الماء.
وتحدث المزيد من التغيرات في الجليد كلما زاد عمق المثلجة. ويوضح شكل (14 – 3) عينة أسطوانية حصل عليها العلماء الروس عندما حفروا تحت قاعدة مثلجة في مركز فوستوك Vostok Station في شرق قارة أنتاركتيكا (شكل 14 – 4). حيث لاحظوا أن زيادة سمك المثلجة بإضافة المزيد من الثلج المتساقط يعمل على زيادة الضغط، الذي يؤدي إلي نمو حبيبات الجليد الصغيرة وزيادة حجمها حتى يصل قطرها بالقرب من قاعدة المثلجة إلي 1سم أو أكثر. وتشبه الزيادة في حجم الحبيبات نتيجة زيادة الضغط ما يحدث عندما يتحرك صخر دقيق الحبيبات إلي الأعماق داخل قشرة الأرض ليتعرض لضغط عال لمدة طويلة، حيث تتكون ببطء حبيبات كبيرة من المعادن المختلفة (انظر فصل الصخور المتحولة).
أ – أنواع المثالج
تقسبيم المثالج بناءً على الحجم والشكل إلي قسمين رئيسين هما المثالج الجبلية والقلنسوات الجليدية والثاني هو المثالج القارية والرفوف القارية. كما تصنف المثالج أيضا بناءا على درجة حرارتها الداخلية. ويوضح جدول (14 – 1) أنواع المثالج الرئيسية. ونعرض فيما يلي وصفا لتلك الأنواع.
1 – مثالج الوادي
تكون مثالج الوادي valley glacier مألوفة لدى المتزلجين على الجليد ومتسلقي الجبال، ويطلق عليها أحيانا المثالج الألبية alpine glaciers. وتتكون تلك المثالج من أنهار من الجليد تجري من المرتفعات الموجودة بالمناطق البادرة، حيث يتراكم الثلج غالبا عند تلك المرتفعات، في أودية موجودة سلفا وينساب بين حوائط الوادي (شكل 14 – 4). وتشغل معظم هذه المثالج عرض الوادي بأكمله، وقد يصل سمك الجليد فيها مئات الأمتار. وعند خطوط العرض المنخفضة يكون المناخ أكثر دفئا، لذا توجد مثالج الوادي عند رؤوس الأودية فقط، في قمم الجبال، أما عند خطوط العرض العليا حيث تكون المناخات أكثر برودة، فإن المثالج الجبلية تهبط على امتداد الوادي لمسافة يبلغ طولها عدة كيلومترات. كما قد تمتد على هيئة فصوص عريضة في الأراضي المنخفضة المتاخمة لسفوح الجبال. وعندما تنحدر مثالج الوادي على سلاسل جبلية شاطئية فإنها قد تنتهي عند حافة المحيط حيث تتكسر كتل من الجليد وتكون جبال الجليد icebergs. وقد تمتد مثلجة جبلية كبيرة جدا للخارج على بيد منت (سفح جبل) لطيف الانحدار وإلي ما بعد قاعدة الجبل، وتعرف تلك المثلجة بمثلجة بيدمنت piedmont glacier، وتتكون من فص كبير وعريض من الجليد يشبه الملعقة المقلوبة (شكل 14 – 4). ويؤدي اقتلاع وتمزق الصخور عند قمة مثلجة الوادي بفعل الجليد إلي نحت حفرة مستديرة عميقة تنحدر جوانبها برفق، تعرف بدارة الجليد cirque، وهى تشبه السلطانية، أو تشبه نصف فنجان شاي قطع رأسيا (شكل 14 – 4).
الفيوردات: وقد تقوم مثالج الوادي عند الشواطئ، وعلى عكس الأنهار أو المجاري المائية عموماً، بتعرية قيعان الوادي إلي مستوى أعمق بكثير من مستوى سطح البحر. وعندما يتراجع الجليد، فإن هذه الأودية ذات الحوائط شديدة الانحدار والتي ما تزال تحتفظ ببروفيل على شكل حرف U تغمرها مياه البحر، تسمى بالفيورادات fjord glacial، شكل (14 -4). وتنشأ عن هذه الفيوردات مناظر مدهشة تميز شواطئ ألاسكا وكولومبيا البريطانية والنرويج، وتعتبر مناطق مناسبة لرسو السفن وإنشاء المواني.
وتتكون القلنسوة الجليدية ice cap من جسم من الجليد والثلج على شكل قبة تظهر انسيابا شعاعيا للخارج، وتغطي مناطق جبلية مرتفعة أو أرضاً منخفضة بالقرب من المناطق القطبية عند خطوط العرض العليا (شكل 14 – 4).
2 – المثالج القارية والرفوف الجليدية
المثلجة القارية continental glacier هى أكبر أنواع المثالج على سطح الأرض. والمثلجة القارية عبارة عن فريشة سمكية من الجليد تتحرك حركة بطيئة للغاية (لذلك تسمى أحيانا فريشة جليدية ice sheet). وأكبر الفرش الجليدية في العالم اليوم هى تلك التي تغطي معظم جرينلاند وقارة أنتاركتيكا (وهى قارة غير مأهولة تقع حول القطب الجنوبي). ويغطي جليد المثالج في جرينلاند وأنتاركتيكا المنطقة بالكامل وليس وديان الجبال فقط.
ويغطي الجليد حوالي 80% من المساحة الكلية لجزيرة جرينلاند التي تبلغ حوالي 4.5مليون كيلو متر مربع، يغطيها حوالي 2.8 مليون كيلو متر مكعب من الجليد، تمثل حوالي 11% من جليد العالم. ويشبه السطح العلوي لفريشة الجليد عدسة محدبة ضخمة. ويبلغ سمك الجليد في أعلى نقطة في منتصف الجزيرة أكثر من 3200 متر. وينحدر سطح الجليد من المنطقة المركزية تجاه البحر من كل الجهات. وتتكسر فريشة الجليد عند الشاطئ الذي تحيطه الجبال إلي ألسنة ضيقة تشبه مثالج الوادي، وتنحدر عبر الجبال حتى تصل إلي البحر. ويتكسر الجليد عند البحر ليكون جبال الجليد التي تطفو في البحر بحرية.
ويغطي قارة أنتاركتيكا فريشتان جليديتان كبيرتان تتقابلان على امتداد سلسلة جبال شاهقة الارتفاع تعرف بجبال ترانس أنتاركتيك Transantarctic Mountains. وتضم قارة أنتاركتيكا حوالي 84% من جليد العالم، ويبلغ حجم الجليد بها حوالي 24 مليون كم3. وتغطي الفريشة الجليدية الأكبر قارة أنتاركتيكا، بينما تغطي الفريشة الأصغر عدة جزر تقع في غرب القارة، ويطلق عليها أرخبيل أنتاركتيكا Antarctic archipelago. وبسبب الفريشة الجليدية فإن قارة أنتاركتيكا يكون بها أعلى متوسط ارتفاع فوق سطح الأرض وأقل متوسط درجة حرارة بالنسبة لكل القارات (شكل 14 – 5).
والرف الجليدي ice shelf هو غطاء سميك من الجليد مستوى تقريباً يطفو فوق سطح المحيط وتتم تغذيته بواحدة أو أكثر من المثالج فوق سطح اليابسة. وينتهي من ناحية البحر بجرف جليدي حاد قد يرتفع إلي حوالي 50 مترا. وتوجد الرفوف الجليدية عند عدة أماكن على امتداد حواف فرش أنتاركتيكا الجليدية. فمثلا يطفو فوق بحر روس Ross Sea رف جليدي يبلغ مساحة ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية (شكل 14 – 5).
المثالج معتدلة الحرارة والمثالج القطبية
تصنف المثالج ليس فقط تبعاً للحجم والشكل، ولكن أيضا تبعا لدرجة حرارتها الداخلية إلي مثالج معتدلة الحرارة ومثالج قطبية. فدرجة الحرارة مقياس مهم في التصنيف، لأنها تساعد في تحديد كيفية تحرك المثالج وكيف تساهم في تشكيل سطح الأرض. ويكون الجليد في المثلجة معتدلة الحرارة temperate glacier (تسمى أيضا مثلجة دافئة warm glacier) عند نقطة الانصهار الضغطي pressure melting point، وهى درجة الحرارة التي ينصهر عندها الجليد عند ضغط معين. ويوجد الماء الناتج من عملية الانصهار مع الثلج في حالة اتزان في هذه المثالج التي تتواجد أساسا عند خطوط العرض المنخفضة والمتوسطة (حول خط الاستواء).
وعند خطوط العرض العليا والارتفاعات العالية، حيث يكون المتوسط السنوي لدرجات حرارة الهواء تحت درجة التجمد، فإن درجة حرارة المثلجة تبقى تحت نقطة الانصهار الضغطي حيث لا يحدث أي انصهار موسمي، أو يحدث بدرجة محدودة. وتسمى المثلجة التي يبقى فيها الجليد تحت نقطة الانصهار الضغطي بالمثلجة القطبية polar glacier.
ب – كيفية تكون المثالج
يبدأ تكون المثلجة عندما يتساقط الثلج بغزارة في فصل الشتاء، ولا ينصهر في فصل الصيف. ويتحول الثلج تدريجياً إلي جليد، وعندما يزيد سمك الجليد بدرجة كبيرة، فإنه يبدأ في التحرك. ويتطلب تكون المثلجة تحقق الشروط التالية:
1 – درجات حرارة منخفضة: يلزم لتكون المثلجة أن تكون درجة الحرارة منخفضة بدرجة تكفي لأن يبقى الثلج مغطيا لسطح الأرض طول العام، وتوجد هذه الظروف عند خطوط العرض العليا (المناطق القطبية وتحت القطبية) والمرتفعات العالية (الجبال). ويرجع السبب في ذلك إلي أن هذه المناطق تكون شديدة البرودة لأن الزاوية بين أشعة الشمس وسطح الأرض تزداد كلما اقتربنا من القطبين، بمعنى زيادة زاوية سقوط الأشعة على سطح الأرض، فكلما زادت هذه الزاوية قلت كمية الطاقة الإشعاعية للشمس التي تستقبلها المنطقة. أما المرتفعات العالية فتكون باردة لأن العشر كيلومترات السفلي من الغلاف الجوي تزداد برودتها بانتظام كلما ازداد الارتفاع فوق سطح الأرض. ونتيجة لذلك يتغير ارتفاع خط الثلج من موضع لآخر. ويعرف خط الثلج snow line بأنه الارتفاع الذي لا ينصهر ما يسقط فوقه من ثلج في فصل الصيف، أي الحد السفلي لثلج دائم طول العام. وتتكون المثالج حتى في المناخات الدافئة إذا كانت الجبال مرتفعة بدرجة كافية. وتتكون المثالج بالقرب من خط الاستواء على قمم الجبال التي يزيد ارتفاعها عن حوالي 5500م. ويقل هذا الحد الأدنى من الارتفاع بانتظام ناحية القطبين، حيث يبقى الثلج والجليد طوال العام حتى عند مستوى سطح البحر (شكل 14 – 6).
2 – كميات كافية من الثلج: يتطلب تكون الثلج والمثالج بالإضافة إلي البرودة الشديدة، وجود بخار ماء كثيف في الهواء الجوي. وحيث إن معظم الرياح المحملة ببخار الماء تسقط معظم حمولتها من الثلج على الجانب المواجه للريح من سلسلة الجبال العالية، فإن الجانب المدابر للريح يكون جافا ولا يتساقط عليه الثلج. فجبال الأنديز العالية تقع في حزام تهب عليه رياح من الغرب. ولذلك تتكون المثالج على المنحدرات الغربية الرطبة، بينما يكون الجانب الشرقي جافا، ويوجد عليه القليل من الثلج والجليد.
ج – نمو المثالج: التراكم
يشبه الثلج المتساقط حديثاً كتلة من الزغب أو القطن المندوف تتكون من رقائق الثلج snow flakes. ومع تقدم عمر بلورات الثلج الدقيقة تأخذ في الانكماش، وتصبح متساوية الأبعاد (شكل 14 – 2). وتتضاغط دقائق الثلج أثناء هذا التحول وتكون ثلجاً حبيبياً أكثر كثافة. وعندما يتساقط ثلج جديد فإنه يدفن الثلج الأقدم تحته، وأكثر كثافة يسمى ثلجاً جليدياً firn، وهو مرحلة انتقالية بين الثلج snow والجليد ice. وتؤدي زيادة عمر الثلج ودفنه إلي تكوين جليد مثلجة صلب، بسبب إعادة تبلور الحبيبات الأصغر مما يؤدي إلي تلاحم كل الحبيبات مع بعضها البعض. ويمكن اعتبار الثلج راسب يتحول بالدفن إلي صخر متحول هو الجليد. وتستغرق عملية التحول هذه عدة سنوات فقط، وقد تستغرق من 10 إلي 20 سنة.
وتنمو المثلجة ببطء في فصل الشتاء، نتيجة تساقط الثلج على سطح المثلجة وتحوله إلي جليد. وتسمى كمية الثلج التي تضاف إلي المثلجة سنويا بالتراكم accumulation. وأثناء تراكم جليد المثلجة، فإنه يحتفظ ببقايا حياة قديمة، حيث أعلن علماء من إيطاليا والنمسا عام 1992م عن اكتشاف جثمان لإنسان ما قبل التاريخ محفوظاً في ثلوج جبال الألب على الحدود بين الدولتين. كما وجدت في شمال سيبريا حيوانات منقرضة متجمدة ومحفوظة بالجليد القديم مثل الماموث، وهو حيوان ضخم يشبه الفيل نشأ قبل التاريخ وانتشر في المناطق الجليدية. كما وجد أيضا في جليد المثالج أدلة مهمة على مناخ الأرض، فقد أوضحت التحاليل الكيميائية لفقاعات الهواء في الجليد القديم جدا والمدفون في الأعماق في كل من جرينلاند وأنتاركتيكا، أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت أقل خلال التثلج الأخير عنها في أثناء تراجع الجليد.
د – انكماش المثالج: النفاد
يكتمل نمو المثلجة عندما يتراكم الجليد بسمك كاف ويبدأ في التحرك. وينساب الجليد مثل الماء على المنحدرات تحت تأثير الجاذبية الأرضية. فقد يتحرك الجليد لأسفل على امتداد واد في الجبل أو من مركز فريشه الجليد القارية. وتؤدي كلتا الحالتين إلي تحرك المثلجة إلي ارتفاعات أقل حيث تكون درجات الحرارة أعلى، وتسمى كل كمية الجليد أو الثلج التي تفقدها المثلجة كل عام بالنفاد (التلاشي) ablation. ويتحكم في عملية فقد الجليد أربع عوامل هى:
1 – الانصهار melting، حيث تفقد المثلجة مادتها عندما يبدأ الجليد في الانصهار.
2 – الانفصال الجليدي calving، حيث تتحرك المثلجة وتصل إلي الشاطئ، فتنفصل أجزاء من الجليد من مقدمة المثلجة وتتكسر وتكون جبالا جليدية icebergs.
3 – التسامي sublimation، حيث يتحول الجليد مباشرة من الحالة الصلبة إلي الحالة الغازية في المناخات الباردة.
4 – التعرية بالرياح، حيث تسبب الرياح القوية تعرية الجليد بالانصهار والتسامي.
وتنكمش المثالج نتيجة تدفئة وانصهار الجليد عند حافة المثلجة المتقدمة. وهكذا، وعلى الرغم من أن المثلجة تتقدم للخارج أو لأسفل على المنحدرات، فإن الحافة الجليدية يمكن أن تتراجع بالانصهار والانفصال الجليدي.
هـ - تغير حجم المثالج: العلاقة بين التراكم والنفاد
يؤدي الفرق بين التركم والنفاد إلي التنبؤ بحدوث نمو أو انكماش في المثلجة (شكل 14 – 7)، حيث تنمو بعض المثالج بينما ينكمش البعض الآخر، ويحدث ذلك استجابة للتغيرات المناخية على امتداد عدة عقود. وعلى امتداد آلاف السنين السابقة بقيت العديد من المثالج ثابتة. ويهتم كثير من لعلماء الآن بتأثير تدفئة الكرة الأرضية على مناخها. لذلك اقترح الجيولوجيون ضرورة ملاحظة العلاقة بين التراكم والنفاد باستمرار. فانكماش المثالج في مناطق معينة يمكن أن يكون تحذيرا مبكراً جداً لتغير محلي أو إقليمي في المناخ. ففي عام 1995م أظهرت صور الأقمار الصناعية تراجعا واسعا للرف الجليدي الممتد في غرب أنتاركتيكا، وانفصال جليدي calving لجبل جليدي طوله حوالي 80كم (شكل 14- 5). وقد هذا الانكماش من تدفئة الجانب الغربي لقارة أنتاركتيكا بحوالي 2.5 درجة مئوية خلال الخمسين عاماً الماضية. وتسبب التدفئة على مستوى الكرة الأرضية قلق العلماء الآن لأنها قد تؤدي إلي انفصال جليدي كبير لجبال جليدية، مما يؤثر بالتالي على ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر.
و – المثالج: مصادر متحركة للماء في المناطق الفقيرة به
تنساب كميات كبيرة من الماء المنصهر من أسفل الجليد ومن جوانبه عندما تنصهر المثلجة. وهذه المياه المنصهرة هى مصادر أساسية لمجاري الماء الباردة التي تنساب في وديان الجبال أسفل المثالج. فإذا أقيم سد من ركام المثلجة في مثل هذه الوديان، فقد تتكون بحيرات عند نهاية المثلجة.
ويعتبر الماء العذب المنصهر من المثالج مصدرا للماء العذب في المناطق الفقيرة بالماء، شريطة أن يكون نقله إلي المستخدمين اقتصاديا. وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح قد يكون غير عملي الآن، إلا أنه قد يؤخذ في الاعتبار في المستقبل.
|| - حركة المثالج
يبدأ الجليد في التحرك حينما يصل سمك الجليد إلي عشرات الأمتار فيستطيع التغلب على الجاذبية الأرضية، وهكذا يتحول الجليد إلي مثلجة. وعندما تتحرك المثالج، فإن الجليد يتشوه وينساب ببطء أسفل المنحدرات. ومن المهم أن نفهم الانسياب الجليدي، لأن حركة المثالج هى المسئولة عن العمل الجيولوجي الضخم الذي يقوم به الجليد. وفي الحقيقة، فإن نتائج حركة الجليد من التعرية والنقل والترسيب هى التي ألهمت العلماء إلي أهمية حركة الجليد. وعلى عكس الانسياب السريع للأنهار والذي يمكن ملاحظته مباشرة وبسرعة، فإن حركة المثالج تكون بطيئة لدرجة أنه يبدو أن الجليد لا يتحرك على الإطلاق. ويزداد معدل حركة المثلجة بازدياد شدة الانحدار أو زيادة سمك الجليد. وحتى على السطح المستوي، مثل الأرض المنخفضة القارية فإن الجليد ينساب للخارج إذا زاد السمك بدرجة كبيرة. وتنساب المثلجة القارية وتتحرك للخارج نتيجة ازدياد السمك كما ينساب السائل اللزج على السطح المستوي. ولكن كيف ينساب الجليد وهو مادة صلبة، كما لو كان سائلا لزجا يتحرك ببطء؟
أ – ميكانيكية الانسياب الجليدي
تنساب المثالج أساسا بميكانيكيتين هما الانسياب اللدن والانزلاق القاعدي. ففي الانسياب اللدن plastic flow يتشوه الجليد وينزق داخليا على نطاق ميكروسكوبي. أما في الانزلاق القاعدي basal slip، فإن الجليد ينزلق على المنحدرات على قاعدة المثلجة، مثلما تنزلق قطعة من الصخور على لوح خشبي مائل.
ويكون الضغط قليلا على الأجزاء العليا من المثالج (أقل من 50 متراً من سطح المثلجة). ويسلك الجليد عند هذه الضغوط المنخفضة كجسم صلب قابل للكسر، ويتكسر أثناء سحبه نتيجة الانسياب اللدن للجليد من أسفل، وتسمى هذه الكسور شقوقا جليدية crevasses. وتنشأ تلك الشقوق الطولية على سطح مثلجة الوادي نتيجة للاختلاف في معدل الحركة بين أجزاء المثلجة المختلفة (شكل 14 – 8). وقد يصل عمق بعض هذه الشقوق إلي 100 متر من السطح. وتحدث الشقوق الجليدية بكثرة عندما يسحب الجليد عند جدران المنحنيات في الوادي، حيث تزداد شدة الانحدار.
||| - التثلج ومعالم الأرض الجليدية
لا يظهر العمل الجيولوجي للمثلجة، من تعرية ونقل وترسيب عند قاعدتها أو جوانبها، إلا بعد أن ينصهر الجليد، مثلما لا نستطيع رؤية أثر القدم المطبوعة في الرمل إلا بعد تحرك القدم عن الأثر. ويمكن نستنتج العمليات الطبيعية التي نتجت عن تحرك الجليد من طوبوغرافية المناطق التي كانت تشغلها المثالج سابقاً، والمعالم المميزة التي تركتها. وتتضمن عملية التثلج glaciation عمليات التعرية والنقل والترسيب مثل بقية العمليات الجيولوجية التي تحدث على سطح الأرض.
أ – التجوية الجليدية ومعالم التعرية
للمثالج قدرة هائلة على تعرية الصخور الصلبة. ويمكن لمثلجة وادي عرضها لا يزيد عن بضع مئات من الأمتار أن تمزق وتطحن ملايين الأطنان من صخر الأساس في عام واحد. ويقوم جليد المثلجة بتعرية هذه الكمية الضخمة من الرواسب من الصخر المكون لأرضية وجوانب المثلجة، والتي تترسب بعد انصهار الجليد. ويعكس حجم هذه الرواسب قدرة الجليد كعامل تعرية أقوي من الماء أو الرياح. ويمكن أن تقارن بين معدلات وكميات الرواسب المترسبة في العصور الجليدية والفترات الفاصلة بين تلك العصور. وتوضح هذه المقارنات أن كمية الرواسب الكلية المترسبة في محيطات العالم كانت أكبر عدة مرات خلال العصور الجليدية الحديثة عنها خلال العصور غير الجليدية. ويرجع هذا الفرق إلي التعرية الشديدة بالمثالج مقارنة بالتعرية بالماء أو الرياح.
وعند تغيير شكل سطح الأرض الذي تتحرك فوقه المثلجة، تعمل المثلجة مثل ماكينة جرف الثلج وآلة المبرد الحديدية بالإضافة إلي عمل الزلاجة. فهى تشبه جرافة الثلج التي تجرف الصخور والتربة التي تم تجويتها، كما تقتلع كتلا من صخر الأساس. وتعمل المثلجة مثل آلة المبرد الحديدية، حيث تكشط الصخر الصلب. كما تعمل مثل الزلاجة، حيث تحمل الحمولة الناتجة من عمليتي الجرف والكشط، بالإضافة إلي ركام الصخور الذي سقط على المثلجة من المنحدرات المجاورة.
1 – معالم التجوية الجليدية الصغيرة
تحتوي قاعدة المثلجة معتدلة الحرارة على قطع صخرية ذات أحجام مختلفة تحملها المثلجة مع الجليد المتحرك. وتقوم الكسرات الصغيرة من الصخور والتي تحتويها قاعدة المثلجة بحك وكشط صخر الأساس الذي تتحرك فوقه المثلجة لتكون حزوزا طويلة ومتوازية تقريباً تسمى حزوزا جليدية glacial striation (شكل 14 – 9). أما الكسرات الصخرية الأكبر حجما والتي تقوم المثلجة بسحبها على صخر الأساس، فإنها تحفر أخاديد جليدية glacia grooves تصطف في اتجاه انسياب المثلجة. وتعمل حبيبات الرمل الدقيق والغرين والمحمولة في جليد قاعدة المثلجة مثل ورق السنفرة، حيث تقوم بصقل الصخر حتى يصبح سطحه ناعما وعاكسا للضوء.
وحيث إن الحزوز والأخاديد الجليدية تكون مصطفة ومرتبة في اتجاه انسياب الجليد، فإنها تستخدم بالإضافة إلي بعض معالم التجوية المصطفة الأخرى في استنتاج مسار انسياب المثالج بعد زوالها.
2 – المعالم الأرضية للجبال المتثلجة
إن المناظر الطبيعية الخلابة لمعظم جبال العالم المرتفعة هى نتيجة مباشرة للنحت الجليدي الذي كون مجموعة مميزة من المعالم الأرضية وهى:
دارة الجليد: تعتبر دارات الجليد ضمن أكثر المعالم المميزة للجبال المتثلجة شيوعا. وتنشأ دارة الجليد ضمن سلسلة من أشكال التعرية تقوم بنحتها مثالج الوديان أثناء انسيابها من مكان نشأتها إلي حدودها السفلية. ومع استمرار التعرية، تزداد دارات الجليد في الحجم عند رؤوس الوديان وتتقارب وتتقابل تدريجيا عند قمة الجبل لتكون مرتفعا مستطيلا قمته حادة مسننة يعرف بحيد المثلجة arête. وعندما تنحت ثلاث دارات جليدية أو أكثر في قمة الجبل، تتكون قمة حادة مرتفعة هرمية الشكل، ذات جوانب شديدة الانحدار تعرف بالقرن الجليدي horn (شكل 14 – 10).
الوديان الجليدية: تختلف الوديان الجليدية glacial valleys التي شكلتها مثالج سابقة عن وديان الأنهار أو المجاري المائية العادية عموما في جوانب عدة. فعندما تتحرك مثلجة الوادي وتنحدر من الدارات الجليدية، فإنها تنحت واديا أو تعمق مجرى مائيا سابقا، ويتكون نتيجة لذلك وادي له بروفيل (مقطع جانبي) يشبه الحرف U، ويعرف بواد مشابه للحرف يوU-shaped valley. وتكون الوديان الجليدية ذات قيعان مستوية وحوائط شديدة الانحدار، على عكس الوديان المتكونة في عديد من الأنهار المنحدرة من الجبال والتي يأخذ بروفيلها شكل حرف V.
ولا تختلف المثالج والمجاري المائية في شكل الوديان التي تكونها فقط، بل في الطريقة التي تتصل بها الروافد مع الوديان الرئيسية. فعلى الرغم من أن سطح الجليد يكون مستويا عند النقطة التي يلتقي فيها رافد المثلجة مع الوادي الرئيسي للمثلجة، إلا أن قاع الوادي الرافد قد يكون مرتفعا جدا عن الوادي الرئيسي. وعندما يذوب الجليد وتزول المثلجة، فإن الوادي الرافد يكون قاعه أعلى من قاع الوادي الرئيسي، ولذلك يعرف بوادي معلق hanging valley (شكل 14 – 11). وبعد ذوبان الجليد، فإن المجاري المائية تشغل هذه الوديان، حيث يتميز اتصال الوادي الرئيسي بالرافد بوجود مساقط مائية waterfalls نتيجة أن المجرى المائي في الوادي المعلق يندفع بسرعة على الجرف شديد الانحدار الذي يفصله عن الوادي الرئيسي تحته.
3 – المعالم الجليدية الناشئة عن المثالج القارية والقلنسوات الجليدية
معالم السحج: يظهر على صفحة الأرض التي شكلتها الفرش الجليدية معالم التعرية الصغيرة نفسها والمميزة للوديان المتثلجة. وتساعد الحزوز striations الجليدية في الاستدلال على خطوط انسياب ومسارات الفرش الجليدية التي تلاشت منذ مدة طويلة.
- التلال والقدور الجليدية: يلاحظ في عديد من المناطق التي كانت تشغلها المثالج القارية أن سطح الأرض قد تحول إلي مجموعة من التلال (حيود) الناعمة الانسيابية المتوازية تقريباً، والتي تسمى بالتلال الجليدية drumlins، حيث يكون اتجاه استطالتها هو اتجاه تحرك الجليد (شكل 14 – 12). وتوجد التلال الجليدية في مجموعات، وتأخذ عادة شكل سفينة مقلوبة، حيث يساعد هذا الشكل على تقليل مقاومة الأجسام لجليد المثلجة المنساب فوقها وحولها. ويتراوح ارتفاع التلال الجليدية من 25 إلي 50 مترا، بينما يبلغ طولها حوالي كيلو متر واحد. وتتكون التلال الجليدية من رواسب معظمها بالجليد. وتوجد بعض التلال الجليدية المتكونة من صخر الأساس، وتسمى تلالا جليدية صخرية rock drumlins، حيث يرجع تكونها إلي التعرية بالجليد المنساب. كما تتميز المناطق التي كانت تشغلها المثالج القارية بوجود حفر ومنخفضات نشأت عن تجمع الرواسب في مقدمة المثلجة المتراجعة حول كتل من الجليد الراكد، حيث تدفن تلك الكتل الجليدية. وعندما تنصهر كتل الجليد في النهاية، تتكون حفر أو منخفضات تعرف بالقدور الجليدية kettles (شكل 14 – 12).
ب – نقل الرواسب بالمثالج
تختلف المثلجة عن المجرى المائي في الطريقة التي يتم بها نقل حمولة الحبيبات الصخرية. فعلى عكس المجاري المائية، فإن جزءاً من الحمل الخشن للمثلجة يمكن حمله علىجوانب أو حتى فوق سطح المثلجة، كما تستطيع المثلجة حمل أحجام من الصخر أكبر لمسافات بعيدة. كما يمكنها نقل القطع الصخرية الصغيرة والكبيرة جنبا إلي جنب دون أن تفرزها طبقاً للحجم أو الكثافة إلي حمل قاع وحمل معلق، كما هو الحال في الأنهار. ولذلك تكون الرواسب التي تكونها المثلجة رديئة الفرز وغير متطبقة.
ويتركز حمل المثلجة عند قاعها وجوانبها، حيث يتماس في تلك المناطق صخر الأساس مع المثلجة، وحيث تكون عمليتي السحج abrasion والاقتلاع plucking (شكل 14 – 8) مؤثرتين. ويرجع وجود معظم الركام الصخري فوق سطح مثالج الوادي إلي الصخور المتساقطة من الجروف المجاورة لها. وعندما تلتقي مثلجتان، يندمج الركام الصخري عند حرافهما ليكونا ركاما جليديا moraine وسطيا مميزا لونه داكن.
ويتكون معظم الحمل في جليد قاع المثلجة من صخر مطحون ناعم للغاية (حجم الرمل الناعم جدا والغرين) يعرف باسم دقيق صخري rock flour، حيث تكون أسطح الحبيبات حادة ومزواة نتيجة التكسير والطحن. وينشأ الدقيق الصخري نتيجة احتكاك الفتات الصخري الذي يحمله الجليد بصخور مجرى المثلجة.
ج – الرواسب الجليدية
تسمى كل الرواسب المتكونة سواء بالمثلجة نفسها أو بالمجاري المائية الناشئة عن انصهار جليد المثلجة، منجرفات مثلجية glacial drift، أو للتبسيط منجرفات driftسواء على اليابس أو في البحر. ويرجع استخدام اسم النجرفات إلي أوائل القرن التاسع عشر، حينما ساد اعتقاد غامض بأن كل هذه الرواسب قد انجرفت إلي أماكن استقرارها خلال فيضان سيدنا نوح عليه السلام أو بواسطة مجاري مائية قديمة أخرى. وتضم المنجرفات المثلجية الرواسب المرتبطة بالجليد المتحرك أو الجليد الراكد غير المتحرك. وقد تم التعرف على عديد من الرواسب التي تكون سلاسل متدرجة من رواسب غير مفروزة إلي رواسب تم فرزها. ومن الخصائص التي تميز المنجرفات عن بقية الرواسب التي نشأت بعوامل تعرية أخرى، أن الرواسب الجليدية تتكون أساسا من حطام صخري تم تجويته ميكانيكيا ولم يتعرض إلا لقليل من التجوية الكيميائية قبل الترسيب. ولذلك تشمل مكونات الرواسب الجليدية المعادن التي تكون عرضة للتحليل الكيميائي مثل معادن الهورنبلند وفلسبارات البلاجيو كليز.
1 – الرواسب المتكونة بالجليد
الحريث والجلاميد المنقولة: الحريث (تل) till عبارة عن منجرفات مثلجة غير مفروزة nonsorted ترسبت مباشرة من الجليد، وتحتوي على كافة أحجام الفتات من الصلصال والرمل وحتى الجلاميد. ويمثل الحريث أحد نهايتي السلسلة التي تتدرج من الرواسب الجليدية غير المفروزة إلي الرواسب الجليدية المفروزة. وتتواجد الحبيبات الصخرية في الحريث بنفس حالتها عند ترسبها من الجليد. وتتكون معظم رواسب الحريث من خليط عشوائي من الفتات الصخري، حيث تحيط أرضية من راسب دقيق التحبب بفتات صخري مكون من مختلف الأحجام. وتكون أسطح الحصى والفتات الصخري الأكبر حجما في الحريث ناعمة ومسحوجة، كما يكون في بعضها حزوز striations. ويميل كل من الفتات وحبيبات الأرضية الخشنة إلي أن تترتب بحيث يوازي محور استطالتها اتجاه حركة الجليد أثناء انسيابه. وتساعد مثل هذه القطع في تمييز الحريث من الرواسب الأخرى، والتي قد تتكون من خليط من رواسب مختلفة الحجم مثل الحطام الناشئ أثناء الانهيارات الأرضية من الانسياب الطيني أو الانزلاق الصخري.
وصخر الحريث (تلليت) tillite هو حريث قديم أصبح صخرا، خاصة الحريث الأقدم من البليستوسين. وفي معظم الأحيان، لا تكون كل الجلاميد والكسرات الصخرية الأصغر حجما في الحريث مكونة من نوعية صخر الأساس نفسها، الذي يسفل المثلجة. ويدل ذلك على أن مكونات الحريث قد نقلت إلي موقعها الحالي من مكان آخر. وتسمى الكسرات الصخرية المترسبة من المثلجة، والتي يختلف تركيبها الصخري عن تركيب صخر الأساس bedrock الذي يسفلها بالجلاميد المنقولة (الشاذة) erratics (من اللاتينية بمعنى طواف أو هائم). وقد تزن بعض الجلاميد المنقولة الضخمة مئات الأطنان، وتوجد على بعد عشرات أو حتى مئات الكيلومترات من مصدها الأصلي. وتسمى المنجرفات المترسبة على قاع البحر من الأرفف الجليدية بمنجرفات جليدية بحرية glacial marine drift.
الركامات الجليدية: تحمل المثلجة المتحركة ركاما صخريا ناتجا من تعرية الأرض التي مرت عليها المثلجة، أو المتساقط على سطح المثلجة من الجروف المجاورة. وعندما ينقل الركام ويبدأ الجليد في الذوبان وينقص سمك الجليد نتيجة عملية النفاد، يبدأ الركام في الترسب. وتسمى المنجرفات التي حملها الجليد ثم تراكمت بعد انصهاره، ولا يكون لشكل سطحها علاقة بصخر الأساس الموجود أسفلها بالركام الجليدي (مورين) moraine. وقد استخدم هذا المصطلح في الأصل الفلاحون الفرنسيون لوصف الهضاب المكونة من الركام بالقرب من حواف المثالج في جبال الألب الفرنسية. وتتكون كل أنواع الركامات الأرضية بغض النظر عن الشكل أو الموقع من رسوبيات الحريث. وربما يكون مصطلح الركام الجليدي أكثر المصطلحات شيوعاً في المعالم الأرضية المكونة من رواسب ثلجية.
وهناك عدة أنواع من الركامات الجليدية، يسمى كل منها طبقاً لوضعه بالنسبة للمثلجة التي تكون منها. وأكثر هذه الأنواع وضوحاً في الحجم والشكل هو ركام النهاية (مورين النهاية) end moraine (شكل 14 – 8)، والذي يتراكم عند مقدمة المثلجة على شكل حيود أوتل مستطيل من المنجرفات الجليدية. وتسمى الركامات النهائية التي تحدد أقصى تقدم للمثلجة بالركامات الطرفية terminal moraines، وهى تعتبر من أفضل الأدلة لمعرفة الامتداد السابق للمثلجة. وتسمى المنجرفات الجليدية المتحركة على امتداد جوانب الوادي بالركام الجانب lateral moraine. وتندمج الركامات الجانبية لمثلجين متحدتين ليكونا ركاما وسطيا medial moraine (شكل 14 – 11).
والركام الأرضي ground moraine هو طبقة من المنجرفات ترسبت تحت الجليد. ويتراوح سمك الركامات الأرضية من الرقيق مع وجود هضاب صغيرة وأرضيات مكشوفة من صخر الأساس، إلي الكبير الذي يكفي لتغطية وإخفاء صخر الأساس تماماً.
2 – الرواسب المتكونة بالماء: المنجرفات المتطبقة
تتكون بعض المنجرفات من رواسب متطبقة ومفروزة، عكس الحريث والمنجرفات الجليدية البحرية المترسبة على قاع المحيط، غير المفروزة عموماً. وهذا النوع من المنجرفات الجليدية لا يترسب مباشرة من جليد المثالج. ولكن يتكون من المياه المنصهرة والمنسابة من الجليد. ويتراوح حجم المنجرفات المتطبقة من حصى رملي خشن ردئ الفرز جدا ترسب من مجاري مائية مضطربة إلي رواسب غرين وصلصال جيد الفرز ترسب ن مياه ساكنة.
رواسب الاكتساح: يسمى الراسب المتطبق المتكون في مجاري المياه التي تنساب من حافة المثلجة عند انصهارها برواسب الاكتساح أو الرواسب سهلة الغسل outwash، حيث يغسل الراسب بعيدا عن الجليد (شكل 14 – 8). ومثل هذه المجاري المائية يكون لها نمط مجدول بسبب حمولة الراسب الكبيرة.
وتسمى تراكمات الغرين والصلصال المترسبة علىقاع بحيرة عند حافة المثلجة، والتي تشمل طبقات متبادلة من طبقات خشنة الحبيبات وأخرى دقيقة الحبيبات بالصلصال الرقائقي الحولي varve. ويتكون هذا الراسب من زوج من الطبقات المتكونة خلال عام واحد بسبب التجمد الموسمي لسطح البحيرة. ففي فصل الصيف، وعندما تكون البحيرة خالية من الجليد، تترسب الرواسب الخشنة عندما تنساب مجاري المياه المنصهرة من المثلجة إلي البحيرة، بينما في فصل الشتاء يتجمد سطح البحيرة، ويصبح الماء أسفل هذا السطح ساكنا، ويترسب الصلصال الدقيق الحبيبات، مكونا طبقة رقيقة فوق الطبقة الخشنة الحبيبات التي تكونت في فصل الصيف. ويعتبر الصلصال الرقائقي الحولي أحد أشكال رواسب الاكتساح.
3 – تربة الصقيع الدائم
تكون الأرض في حالة تجمد دائم في المناطق شديدة البرودة، حيث لا ترتفع درجة الحرارة في فصل الصيف إلا إلي الحد الذي يسبب انصهار طبقة سطحية رقيقة. وتغطي التربة المتجمدة طوال السنة حوالي 25% من سطح اليابس على الكرة الأرضية، وتعرف بتربة الصقيع الدائم permafrost. وتشمل تربة الصقيع الدائم، بالإضافة إلي التربة نفسها، التجمعات من بلورات الجليد في طبقات وأوتاد وكتل غير منتظمة. وتختلف بالطبع نسبة الجليد إلي التربة، وكذلك سمك تربة الصقيع الدائم من منطقة إلي أخرى. وقد يصل سمك طبقة الصقيع الدائم في ألاسكا وشمال كندا من 300 إلي 500 متر.
وتبقى الأرض تحت طبقة الصقيع الدائم والمعزولة عن البرودة القارصة عند السطح، في حالة غير متجمدة نتيجة التسخين بالحرارة الداخلية للأرض والمنسابة من أسفل. ويكون التعامل مع تربة الصقيع الدائم صعبا، خاصة عند إقامة المشاريع الهندسية مثل إنشاء الطرق والمباني وتمديد أنابيب البترول، حيث تنصهر هذه التربة أثناء الحفر، ولا يستطيع الماء المنصهر تخلل التربة التي مازالت متجمدة أسفل الحفر، لذلك يبقى عند التربة السطحية والمشبعة بالماء، مما يؤدي إلي الزحف والانزلاق والتدهور.
|V – العصور الجليدية: ثلج البليستوسين
بدأ العلماء الأوربيون منذ عام 1821م في تعرف معالم وخصائص التثلج في أماكن بعيدة عن أي مثالج حالية. وتوصلوا إلي أن المثالج قد غطت يوما ما مناطق شاسعة. وقد كان العالم السويسري لويس أجابسي Louis Agassiz أول من اقترح مفهوم العصر الجليدي glacial age في عام 1837م. وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين أن فكرة أجاسي كانت خيالية، إلا أن مفهوم العصر الجليدي أخذ ينتشر تدريجيا على مدى واسع من خلال عمل عدد من الجيولوجيين. واليوم تمدنا دراسة العصور الجليدية بالأدلة على التغيرات المناخية السريعة على مستوى الكرة الأرضية، وبمعلومات عن كيفية استجابة الأنظمة الطبيعية والبيولوجية الطبيعية لتلك التغيرات. كما أنها تعطينا أيضا معلومات مهمة عن سلوك المثالج، وبالتالي المساعدة في فهم بعض العمليات الطبيعية الأساسية في الأرض والوشاح العلوي.
أ – مثالج العصر الجليدي
حين دخلت الأرض حقب الحياة الحديثة Cenozoic Era المتأخر أخذ المناخ يبرد ترديجيا وببطء على امتداد عشرات الملايين من السنين. وقد تعرضت الأرض خلال حين البليستوسين الذي يشمل المليونين الأخيرين من تاريخ الأرض لعدد من الدورات الجليدية – بين الجليدية، والتي تخللت اتجاه المناخ نحو البرودة بشكل عام على المدى الطويل. الحد الأقصى للدفء في هذه الدورة، ليبدأ الهبوط في درجة الحرارة لنصل إلي عصر جليدي جديد، والذي سوف يبلغ ذروته خلال عدة آلاف من السنين في المستقبل.
وقد تكون فريش جليدي شاسع فوق شرق كندا منذ حوالي 30000 ألف سنة مضت في أواخر البليستوسين، ثم بدأ في الانتشار نحو الجنوب ناحية الولايات المتحدة وغربا تجاه جبال روكي. وفي الوقت نفسه، نشأ فريش جليدي آخر فوق الأراضي المرتفعة من اسكندنافيا وانتشر جنوبا وعبر شمال غرب أوروبا حيث غمر صفحة الأرض (شكل 14 – 13). كما تكونت فرش جليدية شاسعة أخرى وانتشرت فوق المناطق القطبية الشمالية من شمال أمريكا وأوراسيا، والتي تضم بعض المناطق المغمورة الآن ببحار قطبية ضحلة، وكذلك فوق سلاسل جبال غرب كندا. ولقد نمت عبر مناطق الرفوف القارية المجاورة، والتي اكتشفت نتيجة انحسار سطح البحر. وتكونت أيضا مثالج في سلاسل الجبال الرئيسية في العالم، والتي تشمل جبال الألب، والأنديز والهيمالايا وروكي، بالإضافة إلي عدد أصغر من المدود الجبلية، وعلى القمم المنعزلة المتناثرة حول العالم.
هذا، وقد بلغت مساحة المثالج في العصور السابقة أكثر من 44 مليون كم2 تمثل حوالي 29% من مساحة اليابس على الكرة الأرضية بينما يغطي جليد المثالج حاليا حوالي 10% فقط من مساحة سطح اليابس على الأرض، يقع 84؟% من هذه المساحة في المنطقة القطبية الجنوبية.
ب – تحولات المجاري المائية والبحيرات الجليدية
تتسبب الفرش الجليدية فوق القارات في تمزيق الأنهار (أنظمة المجاري المائية الرئيسية). وقد تسبب التجاوز المتكرر للفرش الجليدية في زمن البليستوسين في تغيير مسارات أنهار ميسوري وأوهايو في أمريكا الشمالية إلي مسارات جديدة خارج حواف الجليد. وقد تكونت بحيرات تحدها سدود جليدية، عندما سدت المثالج مجاري وممرات الصرف الموجودة قبل التثلج. كما تغيرت مواقع وأحجام البحيرات الواسعة التي يحدها الجليد، والتي تكونت خارج حدود الفريشة الجليدية المتتدة في شرق أمريكا الشمالية، نتيجة تراجع المثلجة. كما تكونت بحيرات كبيرة يحفها الجليد في شمال آسيا أيضا عندما تحرك الجليد في اتجاه الجنوب في غرب سيبريا وتسبب في تمزيق وسد مجاري الأنهار الرئيسية المنسابة ناحية الشمال.
ج – انخفاض مستوى سطح البحر
عندما تتكون مثالج كبيرة على اليابسة، فإنها تستمد المياه اللازمة لتكونها واستمرارها من المحيطات. ونتيجة لذلك، ينخفض مستوى سطح البحر في تناسب مع حجم الجليد المتكون على اليابسة. وقد انخفض مستوى سطح البحر في العالم حوالي 100متر على الأقل خلال أحدث العصور الجليدية، مما أدى إلي ظهور امتدادات كبيرة من الرفوف القارية الضحلة كأرض جافة. وفي هذا الوقت كان شاطئ المحيط الأطلنطي للولايات المتحدة جنوب نيورك يبعد حوالي 150كم شرق وضعه الحالي. وفي الوقت نفسه، أدى انخفاض مستوى سطح البحر إلي اتصال بريطانيا بفرنسا عند المنطقة التي يشغلها القنال الإنجليزي الآن، كما كونت أمريكا الشمالية وآسيا كتلة أرضية متصلة عبر ما يعرف الآن بمضيق بيرنج Bering Strait (شكل 14 – 13). وقد عملت هذه المناطق اليابسة وغيرها على انتقال الحيوانات والنباتات والإنسان بحرية بين مناطق اليابس التي تفصلها الآن مياه المحيطات.
د – تشوه القشرة الأرضية
لقد سبب وزن الفرش الجليدية الضخمة هبوط قشرة الأرض الموجودة أسفلها، وهى العملية التي سنستعرضها في الفصل السادس عشر (شكل 16 – 27). ويعنى الفرق في الكثافة بين صخور القشرة الأرضية (حوالي 2.7جم/سم3) وجليد المثلجة (حوالي 0.9جم/سم3) أن القشرة الأرضية أسفل فريشة جليدية سمكها حوالي 3كم قد تسبب هبوط القشرة الرضية بمقدار 1كم تقريبا. وماتزال منطقة خليج هدسون في كندا والتي كانت تقع منذ حوالي 20000 سنة بالقرب من مركز فريشة لورينتيد الجليدية Laurentide Ice Sheet الضخمة (شكل 1 – 15) في صعود مستمر نتيجة تعديل القشرة الأرضية بعد إزالة حمل الجليد. ويمكننا باستخدام مثل تلك الأدلة قياس المعدل الذي ارتفعت به صخور القشرة الأرضية بدقة خلال آلاف السنين. وتمدنا مثل هذه القياسات بمعلومات مهمة عن سلوك الغلاف الصخري (الليثوسفير) والغلاف اللدن (الاسثينوسفير) عند تعرضهما لأحمال متغيرة.
هـ - التثلجات المبكرة
كان يظن حتى وقت قريب أن الأرض تعرضت لأربعة عصور جليدية خلال البليستوسين. وقد اتضح أنه لابد من تغيير وجهة النظر التقليدية هذه عندما أثبتت دراسة الرسوبيات البحرية العميقة وجود تتابع سميك من رواسب المثالج. كما أظهرت تلك الدراسات أيضا أن أحدث هذه التثلجات، يضاهي أحدث رواسب المنجرفات المثلجية الشاسعة على اليابسة، بناء على تحديد العمر المطلق بالكربون المشع. وقد أظهر تحديد عمر هذه الرسوبيات البحرية والتي تكونت خلال 800000 سنة الأخيرة، أن متوسط عمر الدوراتت الجليدية – بين الجليدية كان حوالي 100000 سنة. أما بالنسبة للبليستوسين كله، فقد كشف النقاب عن أكثر من 20 عصرا جليديا، بدلا من العصور الجليدية الأربعة التقليدية. وقد تحقق الجيولوجيون الآن من أن سجل التثلج على اليابسة غير كامل وبه عدد من علاقات عدم التوافق، بينما يحتوي عدد من البحار العميقة على سجل مستمر للترسيب.
1 – الدليل من قاع البحر
تمدنا الرواسب البحرية العميقة بأدلة جيدة عن الدورات الجليدية – بين الجليديةز ويظهر المحتوى الحفري لرواسب قاع البحر والتي أخذت من العينات الأسطوانية أثناء حفر الآبار وجود تغيرات متكررة في تركيب المجموعات النباتية والحيوانية في المياه السطحية من أشكال بين جليدية دافئة إلي أشكال جليدية باردة، ثم العودة إلي الأشكال بين الجليدية الدافئة مرة أخرى. كما تتغير نسبة نظائر الأكسجين 18O/16O في طبقات الحمأooze (رواسب المحيطات العميقة) الجيرية بنفس النمط. ويعتقد أن تغيرات نسبة 18O/16O هذه في رواسب البليستوسين البحرية تمثل أساسا تغيرات في حجم الجليد في العالم، بناء على تحليل هذه النظائر في الأصداف الموجودة في تلك الرواسب. فقد أظهرت الدراسات أنه عندما يتبخر الماء من المحيطات ويتساقط على اليابسة ليكون المثالج، فإن الماء الذي يحتوي على نظير 16Oالأخف يتبخر بسهولة عن الماء الذي يحتوي على نظير18O الأثقل، مما يعني أن مقداراً أكبر من نظير 18O التقيل يبقى في ماء المحيطات. ونتيجة لذلك، فإن مثالج البليستوسين قد احتوت كمية أكبر من النظير الأخف 16O، بينما احتوت المحيطات على كمية أكبر من النظير الأثقل 18O امتصته الكائنات الحية. ولذلك فإن منحنيات النظائر المستمدة من رواسب قاع البحر تمدنا بقراءة مستمرة لتغير حجم الجليد على الأرض (شكل 14 – 14). وحيث إن المثالج تزداد أو تتقلص في الحجم استجابة للتغيرات المناخية، فإن منحنيات النظائر تعطي أيضا صورة عامة للتغيرات المناخية على الأرض.
2 – التثلجات قبل البليستوسين
تم تعرف مثالج أقدم من البليستوسين بناءً على وجود صخر الحريث والزوز الجليدية على أسطح هذه الصخور. ويرجع عمر أقدم التثلجات المسجلة إلي حوالي 2.3بليون سنة مضت في دهر البروتيروزوي المبكر. كما حددت فترات جليدية أخرى في صخور البروتيروزوي المتأخر إلي الباليوزوي المتأخر (حقب الحياة القديمة). ويعتقد أنه حدث أكثر من 50 تثلجا خلال حقب الباليوزوي التأخر فقط. ويوضح (شكل 14 – 15) المناطق التي غطاها الجليد في العصر الكربوني في جنوب غرب مصر، والتي كانت تمثل جزءا من قارة الجندوانا في ذلك الوقت.
V – أسباب حدوث العصور الجليدية
لقد أصبحت أسباب حدوث العصور الجليدية موضوعا لبحوث مستمرة منذ أصبح الجيولوجيون مقتنعين بأن الرض قد تعرضت لتتابع من العصور الجليدية. ويحتاج الوصول إلي الحل نهائي لمشكلة العصور الجليدية تضافر كل جهود المتخصصين في فروع العلم المختلفة. وفيما يلي استعراض لبعض أسباب حدوث العصور الجليدية.
أ – العصور الجليدية وتغير وضع القارات
لقد أمكن التعرف في السجل الجيولوجي على تتابعات لعصور جليدية استمر كل منها عشرات الملايين من السنين. ويعتبر تغير المواقع الجغرافية ببطء هو أقرب الاحتمالات لتفسير النمط الخاص بتلك التتابعات. ويشمل التغير في المواقع الجغرافية (1) تحرك القارات نتيجة حركة ألواح الغلاف الصخري التي تحمل تلك القارات إلي خطوط العرض العليا أو يعيدا عنها، (2) تكون سلاسل جبلية عندما يتراكب لوح فوق لوح آخر وكذلك نتيجة تصادم القارات، و(3) فتح وغلق الأحواض المحيطية والممرات البحرية بين كتل الأرض المتحركة.
وبالإضافة إلي ذلك، فإن المثالج تكون شاسعة على الأخص في الأماكن التي تمدها الرياح بالرطوبة والناتجة عن تبخير الماء من المحيط المجاور. واليوم، فإن 84 بالمائة من جليد المثالج على الأرض يوجد في قارة أنتاركتيكا، حيث تكون درجات الحرارة دائما تحت درجة التجمد. والمثالج التي توجد عند خط الاستواء أو بالقرب منه تكون فقط عند الارتفاعات العالية للغاية.
ويشير عديد من الأدلة إلي أن مواضع الكتل الأرضية، بالإضافة إلي شكلها وارتفاعهاتها، قد تغيرت مع الزمن (نظرية تكتونية الألواح). وتؤدي هذه العملية إلي تغيير مسارات التيارات المحيطية وحركة الغلاف الجوي. وعندما نجد الآن الدليل على وجود تثلج حدث نتيجة فريشة جليدية سابقة في المناطق القريبة من خط الاستواء، فإننا نستدل على أن تلك الأراضي كانت تقع قديما بالقرب من المناطق القطبية حيث توجد إمكانية بقاء المثالج.
وينكشف الآن في جنوب أمريكا وجنوب أفريقيا والهند واستراليا وأنتاركتيكا رواسب جليدية من حقب الحياة القديمة (الباليوزوي) المتأخر. وقد فسر وجود صخور التليت والصخور الجليدية الأخرى بأنها رواسب مثالج قارية غطت لعدة مرات أجزاء شاسعة من قارة جنوبية ضخمة تسمى الجندوانا Gondwanaland، والتي كانت تقع بالقرب من القطب الجنوبي. ونتيجة تكسر أجزاء كبيرة من الجندوانا وحركة هذه الأجزاء بعد ذلك ناحية الشمال فإن عديداً من الصخور الجليدية القديمة توجد الآن في مناطق قريبة من خطوط العرض المنخفضة (شكل 17 – 5).
ويشير اختفاء أي رواسب جليدية واسعة الانتشار في صخور حقب الحياة الوسطى (الميزوزوي) إلي أنه خلال ذلك الحقب تحركت معظم كتل اليابسة بعيدا عن المناطق القطبية إلي حيث كان المناخ معتدلا. وقد تحركت الكتل الأرضية إلي المناطق القطبية مرة أخرى أثناء حقب الحياة الحديثة (السينوزوي) المبكر، وكانت الحركات التكتونية بصدد رفع مساحات كبيرة من غرب الولايات المتحدة ووسط آسيا إلي ارتفاعات عالية. وفي حقب الحياة الحديثة المتوسط بدأت الأرض تتعرض مرة أخرى لعصر جليدي طويل آخر.
ب – العصور الجليدية والنظرية الفلكية
أثبتت دراسة الرواسب الجليدية في العينات الأسطوانية البحرية أن العصور الجليدية وبين الجليدية قد تبادلت لمدة 3 مليون سنة تقريبا. وقد مثل تحديد أسباب تلك العصور تحديا أساسيا لتقديم نظرية شاملة عن المناخ القديم. وقد قدم الجيولوجي الاسكتلندي جون كرول John Croll أول تفسير لتلك الظاهرة في منتصف القرن التاسع عشر، ثم طورها الفلكي الصربي (اليوغوسلافي سابقا) ميلوتين ميلانكوفيتش Milton Milankovitch في بداية القرن العشرين.
فقد أدرك كل من كرول وميلانكوفيتش أن التغيرات الصغيرة في مدار الأرض حول الشمس وفي ميل محور دوران الأرض على هذا المدار وفي ترنح (تمايل) wobble الأرض قليلا حول محور دورانها قد تؤدي إلي حدوث تغيرات طفيفة ولكن مهمة في كمية الطاقة المشعة التي تصل إلي أي خط عرض على سطح الأرض.
وقد أظهر إعادة ترتيب وتحديد عمر التغيرات المناخية خلال العصر الرابع أن التقلبات المناخية خلال الدورات الجليدية وبين الجليدية تقابل بدرجة كبيرة التغيرات الدورية في مدار الأرض، وفي ميل محور الأرض. ويعضد هذا الدليل أن التغيرات الفلكية التي تحدد توزيع الأشعة التي تصل إلي سطح الأرض تتحكم في توقيت الدورات الجليدية وبين الجليدية.
ج – تركيب الغلاف الجوي
على الرغم من أن التغيرات في مدار الأرض واتجاه محورها وترنحها تفسر توقيت الدورات الجليدية وبين الجليدية، إلا أن التغيرات في الطاقة الإشعاعية للشمس التي تصل إلي سطح الأرض تكون صغيرة جداً لتسبب وتشرح التغير في متوسط درجات الحرارة (من 4 إلي 10 مئوية على الكرة الأرضية، والتي تقتضيها ضمنا الشواهد الجيولوجية والبيولوجية. ولذلك، فإن هناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار، منها الانخفاض الطفيف في درجات الحرارة والناتج عن التغيرات المدارية، والذي يجب أن يترجم إلي تغير في درجة الحرارة يكفي لنشأة وحفظ الفرش الجليدية الضخمة في حين البليستوسين. ولا نعرف بالضبط كيف تم ذلك، ولكن من المرجح أن بعض هذه العوامل تتضمن التغير في التركيب الكيميائي وتغير نسبة الغبار dustiness في الغلاف الجوي والتغير في انعكاس الأشعة من سطح الأرض.
وتعتبر فقاعات الهواء في جليد المثلجة في الفرش الجليدية، والموجودة حاليا في أنتاركتيكا وجرينلاند، أنها عينات من الغلاف الجوي القديم. وتدل دراسة التركيب الكيميائي للهواء المحبوس، والذي يرجع تاريخه إلي أحدث عصر جليدي، أن الغلاف الجوي أثناء التثلج احتوى على نسبة أقل من ثاني أكسيد الكربون والميثان عما هو عليه الان. ويعرف هذان الغازان المهمان من بين غازات الدفيئة greenhouse gases (الدفيئة بيت زجاجي لزراعة النباتات). فعندما تكون نسبتهما عالية في الغلاف الجوي، فإنهما يسببان حبس الطاقة الإشعاعية المنبعثة من سطح الأرض. والتي تهرب إلي الفضاء في الأحوال الأخرى. ونتيجة لذلك، ترتفع درجة حرارة الغلاف الجوي السفلي، ويصبح مناخ الرض أكثر دفئاً. أما إذا كان تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان منخفضاً، كما كان الحال أثناء الأزمنة الجليدية، فإن درجة حرارة هواء سطح الأرض تنخفض. ويعتقد أن المستويات المنخفضة لهذين الغازين المهمين في الغلاف الأرضي خلال العصور الجليدية قد سببا انخفاضا في درجة الحرارة خلال العصور الجليدية بمقدار النصف تقريباً. ولذلك تلعب غازات الدفيئة دوراً مهماً في شرح كمية التغير في درجة حرارة الأرض في الماضي. وبالرغم من معرفتنا أن نسبة هذين الغازين قد انخفضت خلال الأزمنة الجليدية، إلا أننا لا نعرف على وجه التأكيد ما سبب هذا الانخفاض.
وقد أوضحت دراسة العينات الأسطوانية في الجليد أن كمية الغبار كان مرتفعة خلال العصور الجليدية. وقد حملت الرياح القوية الغبار الدقيق عند هبوطها عبر رسوبيات الاكتساح المتكونة في مجاري المياه التي تنساب من حافة المثلجة عند انصهارها، والأحواض الصحراوية الجافة. وقد أدت كمية الغبار العالقة في الغلاف الجوي لأن تكون السماء غائمة معظم الوقت. ويؤدي غبار الغلاف الجوي الدقيق إلي تفرق الأشعة المرسلة إلي سطح الأرض في القضاء، مما يؤدي أيضا إلي زيادة تبريد سطح الأرض. وعندما تدخل الأرض في العصر الجليدي، فإن مساحات كبيرة من سطح الأرض تتغطى باستمرار بالثلج وجليد المثالج. وتفرق أسطح انعكاس الثلج والجليد الأشعة إلي الفضاء، مما يؤدي إلي زيادة تبريد الغلاف الجوي السفلي. ويؤدي ذلك، بالإضافة إلي النسبة المنخفضة لغازات الدفيئة وزيادة غبار الغلاف الجوي إلي زيادة واتساع المثالج وامتدادها.
د – التغيرات في دوران المحيطات
يلعب دوران ماء المحيط دورا مهماً في مناخ الكرة الأرضية. فعندما يتبخر سطح الماء الدافئ المتحرك شمالا في شمال المحيط الطلنطي، فإن ملوحة الماء المتبقي تزداد ويصبح الماء أكثر برودة. ويكون الماء المالح البارد أكثر كثافة ويغوص بعمق في لمحيط. وتحافظ الحرارة المنبعثة إلي الغلاف الجوي نتيجة تبخر الماء، على أن يكون المناخ معتدلا نسبياً في شمال غرب أوروبا. ولننظر ماذا يحدث إذا توقف هذا الدوران؟
وعموما، فإن معدل دوران مياه المحيط العميق يكون حساساً لملوحة ماء السطح في المواقع التي يتكون فيها الماء عالي الكثافة. وقد أوضحت الدراسات أنه خلال أزمنة انخفاض الملوحة، فإن حركة دوران مياه المحيط العميقة تنخفض. ولذلك فإنه يمكن افتراض أنه عندما تقل الطاقة الإشعاعية عند بداية التثلج، فإن المحيط والغلاف الجوي يبرد عند خطوط العرض العليا (بالقرب من المناطق القطبية) مما يؤدي إلي انخفاض التبخر وزيادة اتساع جليد البحر. وتؤدي عذوبة المياه السطحية عند خطوط العرض العليا إلي وقف تكون ماء مالح عالي الكثافة، ولذلك يتوقف نظام الدوران الرأسي لمياه المحيط. ويؤدي انخفاض التبخر عند خطوط العرض العليا إلي انخفاض ملحوظ في انطلاق الحرارة إلي الغلاف الجوي، ولذلك تبقى كتل الهواء البارد المتحركة في اتجاه الشرق عبر شمال الأطلنطي. وتؤدي زيادة البرودة نتيجة الغطاء الجليدي في البحر الممتد في شمال الأطلنطي والفرش الجليدية النامية فوق القارات، إلي أن يزداد مناخ أوروبا برودة، مما يؤدي في النهاية إلي تكون أرض دائمة التجمد طوال السنة (تربة الصقيع الدائم permafrost)، في نطاق كبير خلف حدود الفريشة الجليدية. وهكذا، فإن التغير في نظام دوران المحيط يؤدي إلي زيادة التأثير المنخي المحدود نسبيا، والذي يرجع إلي التغيرات الفلكية. وعلاوة على ذلك، فإنه يساعد في تفسير مناخ الكرة الأرضية المتقلب بين حالتين مستقرتين نسبيا – واحد يعمل خلالها نظام دوران المحيط (خلال الأزمنة بين الجليدية) وأخرى يتوقف فيها هذا النظام (خلال أزمنة التثلج).
الفصل الخامس عشر: الرياح والصحاري
تغطي المناطق الصحراوية الحارة حوالي 42 مليون كيلو متر مربع من سطح الأرض، وهو ما يمثل مايزيد عن 30% من المساحة الكلية لسطح الأرض. وتشمل معظم هذه المناطق، والتي تتميز بنقص المياه، نوعين من المناخ هما المناخ الجاف arid والمناخ شبه الجاف semiarid. ويشترك المناخان في عديد من الخصائص. فالمناخ شبه الجاف يكون أعلى في نسبة الرطوبة، كما أنه يمثل منطقة انتقالية بين المناطق الجافة والمنطق الرطبة، ويتميز بنمو الحشائش. ويسمى الجغرافيون تلك المناطق شبه المدارية بالاستبس steppes أو البراري. وتكون معظم المناطق الجافة عبارة عن صحاري أو شبه صحاري، وتقع في المناطق المدارية وشبه المدارية بين خطي عرض 20 و30 شمالاً وجنوباً تقريبا (شكل 15 – 1).وتنمو في تلك المناطق الصحراوية الجافة بعض أنواع النباتات التي تتميز بقدرتها على تحمل الجفاف وزيادة الأملاح، كما تنمو لها جذور عميقة تمتد في التربة لتحتفظ بالماء، وتكون غالبا متباعدة عن بعضها (شكل 15 – 2). وتكون أوراق هذه النباتات صغيرة جدا حتى تقلل من فقد الماء أثناء عملية النتح.
وتتميز المناطق الصحراوية الحارة بشدة تأثير الرياح، التي تكون شديدة أحيانا بما يكفي لأن تجعل حبيبات الرمل تدور في الهواء، كما نلاحظ أثناء السفر على الطرق الصحراوية بمصر وبمنطقتنا العربية عموماً. إلا أن تأثير الرياح يمتد أيضا إلي سائر مناطق العالم خاصة الساحلية منها. فقد تعرضت مدينة لندن في 25 يناير 1995م لعاصفة ريحية وصلت سرعتها إلي أكثر من 175كم/الساعة، على الرغم من ندرة تعرض لندن لمثل تلك العواصف.
وتمثل الرياح قوة فعالة في تشكيل سطح الأرض، خاصة في الصحاري الحارة، رغم أنها تعتبر أقل عوامل التعرية تأثيراً في المناطق الرطبة. ويمكن أن يستمر هبوب الرياح لعدة أيام متصلة دون انقطاع تقريباً. فالرياح هى عامل التعرية الرئيسي في الصحاري. كما تعتبر عامل ترسيب رئيسياً أيضاً، حيث تقوم بنقل كميات ضخمة من الرمال والغرين والتراب لمسافات طويلة على القارات وفي المحيطات. ويستخدم الجيولوجيون مصطلح ريحي eolian لوصف العمليات الجيولوجية التي تقوم فيها الرياح بالدور الرئيسي، حيث يشتق هذا المصطلح من إله الريح إليوس Aeolus عند اليونانيين القدامى. وتشبه الرياح المياه في قدرتها على التعرية والنقل والترسيب، حيث تخضع حركة الغازات للقوانين نفسها التي تحكم حركة السوائل. ومع ذلك، فهناك بعض الفروق التي تجعل قوة الرياح أقل تأثيراً من تيارات المياه.
وسنتناول في فصل عمل الرياح، باإضافة للصحاري الموجودة على الكرة الأرضية، حيث ترتبط الكثير من العمليات الجيولوجية كالتعرية والنقل والترسيب في الصحاري بعمل الرياح، علاوة على أن الصحاري تغطي معظم العالم العربي. وعلى الرغم من أن تأثير الرياح يكون أكثر أهمية في المناطق الصحراوية، إلا أنه لا ينحصر في تلك المناطق فقط. فتؤثر الرياح على عديد من الشواطئ حيث تحمل الرياح الرمال المفككة من الشاطئ لتنقلها إلي المناطق الداخلية. وسنعرض في نهاية هذا الفصل لعملية التصحر والتي تسبب عديداً من المشكلات الاقتصادية لبعض البلاد، خاصة في عالمنا العربي.
| - العمل الجيولوجي للرياح
يتكون الغلاف الجوي من خليط من الغازات التي نطلق عليها جمعا اسم الهواء air. أما الرياح winds فهى انسياب الهواء موازياً لسطح الكرة الأرضية دائمة الدوران. ويكون الغلاف الجوي في حركة دائمة، حيث نشعر بهذا عند هبوب نسمة لطيفة أو ريح قوية. وعلى الرغم من أن الرياح تحكمها كل قوانين انسياب السوائل التي تطبق على انسياب الماء في المجاري المائية، إلا أنه توجد بعض الاختلافات بينهما. فالرياح لا يحكمها عموماً حدود صلبة تمنع تدفق الهواء خلالها، ما عدا سطح الأرض والوديان الضيقة، عكس الماء المنساب في مجاري الأنهار، كما يتحرك الهواء في كل الاتجاهات، بما في ذلك الحركة الرأسية في الغلاف الجوي.
أ – نظام الرياح على كوكب الأرض
لكي نشرح لماذا تكون الرياح مؤثرة كعوامل جيولوجية في بعض المناطق دون غيرها، فإننا نحتاج لمناقشة كيف ترتبط الرياح على سطح الأرض بالحركة الدائمة للغلاف الجوي على الأرض. ويكون انسياب الهواء على سطح الأرض انسيابا مضطرباً turbulent أي في مسارات غير منتظمة، كما هو الحال في انسياب الماء في الأنهار. ويعتمد الانسياب المضطرب للسائل على ثلاثة خصائص للسائل وهى: كثافته ولزوجته وسرعته. وتسبب كثافة ولزوجة الهواء، واللتان تكونان منخفضتان للغاية (0.001، 0.02 من كثافة ولزوجة الماء على التوالي) اضطرابه حتى عند النسيم الخفيف. ويوضح جدول (15 – 1) أنواع الرياح وسرعاتها وتأثيرها على سطح البحر، كما هو متفق عليه عالميا.
ويزداد انسياب الهواء اضطرابا كلما زادت سرعة تحركه، كما هو الحال في الانسياب المضطرب للماء. فيحرك النسيم اللطيف الحشائش الطويلة بوضوح، بينما ترفع الرياح العاصفة غطاء الرأس، وتهز الزوبعة القويةسيارة متحركة. ويؤدي الانسياب المضطرب أيضا إلي تغيرات مفاجئة في سرعة واتجاه الريح، وقد تكون مثل هذه التغيرات قوية بدرجة تكفي لاهتزاز طائرة كبيرة. ويؤدي التغير في الإشعاع الشمسي مع تغير خط العرض وتأثير كوريولي (انحراف اتجاه الرياح نتيجة دوران الأرض) وتوزيع القارات والمحيطات ومواقع السلاسل الجبلية إلي نشأة الرياح والتحكم في اتجاهها وأحزمتها.
1 – نمط الرياح فوق سطح الكرةالأرضية
تعتبر الشمس المصدر الرئيسي لحرارة الغلاف الجوي وسطح الأرض. وتمتص كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي عند حزام خط الاستواء المواجه للشمس، والذي يمتد إلي خط عرض 30 شمالا وجنوباً (خط العرض latitude هو المسافة شمال أو جنوب خط الاستواء مقاسة بالزاوية التي يحددها نصف قطر الكرة الأرضية مع نصف القطر الاستوائي عند أي نقطة)، (شكل 15 – 3). ويقع خط الاستواء عند خط عرض 0 بينما يقع القطب الشمالي عند خط عرض 90. وتستقبل خطوط العرض القطبية كميات قليلة جدا من الطاقة الشمسية، حيث تكون أشعة الشمس مائلة مما يؤدي إلي انتشارها على مساحة أكبر من سطح الأرض، كما أن طول المسافة التي تقطعها تلك الأشعة في الجو يجعل طاقتها محدودة أيضا. ويؤدي هذا التباين في درجات الحرارة إلي أن تنتقل بعض الحرارة الزائدة عند الحزام الاستوائي الذي تحده خطوط عرض منخفضة، إلي المناطق القطبية التي تحدها خطوط العرض العليا. وينساب الهواء البارد صوب خط الاستواء، بينما تتحرك الرياح الساخنة صوب الأقطاب، لتنقل الكثير من الحرارة، خاصة المحمولة في بخار الماء. وينعكس هذا الانتقال للطاقة غالبا في صورة كتل الهواء المتحركة على شكل أعاصير شديدة.
وعندما تصعد كتلة الهواء الساخنة وتتمدد، فإنها تصبح أقل كثافة، وذات ضغط منخفض، وتسبب عملية التمدد برودة الهواء، وهى عملية أدياباتية adiabatic process، حيث تتغير درجات الحرارة دون فقد أي حرارة. ويرجع السبب في ذلك، إلي أن كمية الحرارة الكلية تبقى ثابتة، إلا أنها تنتشر خلال حجم أكبر من الهواء، ولذلك تنخفض درجة حرارتها.
وعندما تهبط كتلة الهواء الباردة المرتفعة وتنضغط، فإنها تصبح أكثر كثافة وترتفع درجة حرارتها أثناء الهبوط. ولا تتغير كمية الحرارة في كتلة الهواء الهابطة، ولكن لأنها تنضغط في حجم أصغر، فإن درجة الحرارة ترتفع، وهذه أيضا عملية أدياباتية. وهكذا تؤدي التأثيرات الأدياباتية إلي تبريد كتل الهواء أثناء تمددها، وارتفاع درجة حرارتها أثناء ضغطها.
ويستجيب الغلاف الجوي بسرعة للإشعاع الشمسي، حيث يصعد الهواء الدافئ ويهبط الهواء البارد. وتنساب كتلة الهواء من الضغط العالي إلي الضغط المنخفض بحثا عن وضع الاتزان. ولكن تكون الحركة الرأسية للهواء قليلة، عند مقارنتها بالحركة الأفقية (بمعنى نشأة الرياح). ويتأثر انسياب الهواء بدرجة كبيرة بدوران الأرض وبتأثير كوريولي، الذي سيتم مناقشته لاحقا.
2 – أحزمة الرياح
يرجع السبب في تكون أحزمة الرياح wind belts (شكل 15 – 4) إلي الحركة الدائمة للغلاف الجوي بسبب التغير في الإشعاع الشمسي مع تغير خطوط العرض. فالشمس تعمل على تدفئة سطح الرض الواقع حول خط الاستواء، حيث تكون أشعة الشمس عمودية تقريباً على سطح الأرض، بينما تعمل تلك الأشعة على تدفئة سطح الأرض بدرجة أقل عند خطوط العرض العليا والأقطاب، حيث تسقط أشعة الشمس مائلة بزاوية على سطح الأرض. وتصعد كتلة الهواء الساخن عند خط الاستواء إلي أعلى وتتمدد، وتصبح أقل كثافة من الهواء البارد عند خطوط العرض العليا والأقطاب. وتؤدي عملية التمدد إلي برودة كتلة الهواء، وهى عملية أدياباتية كما ذكرنا سابقا. ويسقط الهواء محتواه من الرطوبة المكثفة على هيئة أمطار فوق المنطقة الاستوائية.
وينتشر الهواء الباردة الجاف الموجود في طبقات الجو العليا شمالا وجنوبا، ليصبح أكثر انضغاطا، حيث ينساب ناحية خطوط العرض الأعلى ذات المساحات البينية الأصغر. وعند خط عرض 30 شمالا وجنوبا تقريبا، يهبط الهواء الأكثر كثافة عند نطاق الضغط العالي شبه المداري semitropical high pressure zone، مما يؤدي إلي ارتفاع حرارة الهواء أدياباتيا أثناء هبوطه وعودته إلي سطح الأرض ككتلة هواء جافة دافئة. وينساب بعض الهواء الهابط ناحية القطبين كرياح تهب من الغرب، ولذلك تعرف بالرياح الغربية أو غربيات westerlies، بينما ينساب جزء من الهواء ناحية خط الاستواء كرياح تجارية تهب من الشرق (شكل 15 – 4). وقد يطلق مصطلح الرياح التجارية على تلك الرياح لدورها الهام في دفع السفن التجارية عبر المحيطات المدارية في الأوقات التي كانت فيها الرياح هى المصدر الرئيسي للقوى المحركة.
وتكون نسبة الرطوبة منخفضة في الهواء الدافئ المنساب من النطاق شبه المداري كرياح تجارية، ولذلك يكون من النادر تساقط الأمطار في تلك المناطق. وتكون الرياح الدافئة الجافة في الأحزمة شبه المدارية subtropical belts بين خطي عرض 30 و20 شمالا وجنوبا، مسئولة عن وجود عديد من الصحاري الكبرى في العالم، مثل الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، وككلهاري في أفريقيا، وسونوران في غرب أمريكا الشمالية واستراليا الكبرى والجزيرة العربية.
وينساب الهواء البارد فوق الأرض من كلا القطبين (شكل 15 -4). وعندما تنساب كتل الهواء من الشرق ناحية الاستواء (الرياح الشرقية القطبية)، فإنها تنساب عبر مساحات أكبر بين خطوط العرض، وتصطدم عند خطي عرض 60 شمالا وجنوبا تقريبا بكتل الرياح الغريبة، وتصعد الكتلتان عند النطاق شبه القطبي المنخفض low subpolar.
ويتغير نمط الرياح فوق سطح الأرض نتيجة وجود الكتل القارية، والتي تشمل سلاسل الجبال، بالإضافة إلي التسخين والتبريد الموسميين، واللذين يؤثران على نصفي الكرة الشمالي والجنوبي.
3 – تأثير كوريولي
يتأثر النمط البسيط لدوران الهواء بين خط الاستواء والأقطاب بدوران الكرة الأرضية، مما يسبب انحراف أي جسم متحرك (تيار هواء أو ماء) إلي يمين اتجاه الحركة في نصف الكرة الأرضية الشمالي وإلي يسار اتجاه الحركة في نصف الكرة الجنوبي. ويسمى هذا التأثير على اتجاه الهواء فوق سطح الرض تأثير كوريولي coriolis effect، نسبة إلي مكتشفه عالم الرياضيات الفرنسي جاسبار كوريولي Gaspard coriolis في القرن التاسع عشر.
ويتغير تأثير كوريولي بتغير خط العرض وسرعة الجسم المتحرك. ويرجع تأثير خط العرض إلي تغير السرعة الزاوية angular velocity، وهى السرعة الناتجة عن دوران الأرض، والتي تكون أقل ما يمكن عند خط الاستواء وأكبر ما يمكن عند القطاب. وبذلك يكون تأثير كوريولي أقصى ما يمكن عند القطاب، ويصل إلي الصفر عند خط الاستواء.
وتسمى العجلة الزاوية angular acceleration التي يحتاجها جسم متحرك لكي يبقى في مساره ولا يتأثر بدوران الأرض بعجلة كوريولي. ونظرا لغياب هذه العجلة الزاوية أو عدم كفايتها، فيحدث انحراف في مسار الجسم المتحرك إلي يمين اتجاه الحركة في نصف الكرة الرضية الشمالي، وإلي يسار اتجاه الحركة في نصف الكرة الأرضي الجنوبي (شكل 15 – 5)، والذي يسمى كما سبق أن ذكرنا بتأثير كوريولي.
ويؤدي تأثير كوريولي على دوران الغلاف الجوي إلي انحراف كل من انسيابات الهواء الشمالية والجنوبية والباردة والساخنة. فعلى سبيل المثال، عند عند ما تهب رياح سطحية ناحية الجنوب في الحزام الاستوائي الساخن في نصف الكرة الشمالي، فإن الرياح تنحرف إلي اليمين، ويهب حينئذ من الشمال الشرقي بدلا من الشمال. وهذه هى الرياح التجارية الشمالية. وبالمثل، فإن الرياح الغربية في نصف الكرة الشمالي، هى في الأصل رياح متجهة ناحية الشمال، وانحرفت ناحية اليمين وأصبحت بذلك تهب من الجنوب الغربي. أما بالقرب من خط الاستواء، فإن الهواء يصعد لأعلى، وبذلك تكون هناك رياح قليلة عند سطح الرض ويبرد الهواء أثناء صعوده، مما يسبب في تواجد السحب والمطار الغزيرة عند المناطق الاستوائية.
4 – تاثير السلاسل الجبلية
بالإضافة إلي المناطق التي تقع فيها الصحاري بين خطي عرض 20 و30 شمالا وجنوبا تقريبا، فإن بعض الصحاري الأخرى تقع خلف سلاسل الجبال العالية (شكل 15 – 6)، والتي تعترض الهواء المحمل بالرطوبة. وعندما يجبر الهواء على أن يرتفع فوق سلسلة الجبال، فإنه يتمدد ويبرد ويسقط حمولته من الرطوبة على هيئة أمطار على جانب الجبال المواجه للريح. ويتم هنا أيضا تسخين الهواء الهابط بالضغط. ويؤدي الهواء الجاف الذي يصل إلي الجانب المدابر lee side لسلسة الجبال، حيث تعرف تلك المنطقة بصحراء ظل المطر rainshadow desert. ومن المثلة الجيدة على وجود مناطق جافة في ظل المطر أجزاء من الصحراء جنوب غرب الولايات المتحدة في نيفاذا وشمال أريزونا، والتي تقع في ظل المطر لسلسلة جبال سيرا نيفادا شرق كاليفورنيا وصحراء وسط آسيا.
ب – حركة الرواسب بالرياح
تحدث الأعاصير والتيفونات (الأعاصير المدارية) typhoonsدمارا هائلا بسبب سرعة الرياح التي تصل عندئذ إلي حوالي 120كم/الساعة، وقد تزيد لتصل إلي 500كم/الساعة. وتكون قوة الرياح كبيرة لدرجة أنها تقتلع الأشجار من جذورها وتهدم المنازل، وتقذف الأجسام الكبيرة الحجم إلي مسافات بعيدة. ولحسن الحظ، فإن رياح الأعاصير استثنائية، ولكنها على الرغم من خطورتها فإنها تقدم صورة لقوة الرياح كعامل جيولوجي.
ولا يستطيع الهواء أن ينقل حبيبات كبيرة مثل تلك التي ينقلها الماء عند السرعة نفسها، نظرا لأن كثافة الهواء عند مستوى سطح البحر أقل بكثير جدا من كثافة الماء كما ذكرنا. ولكن عندما تزيد سرعة الرياح عن 300كم/الساعة، فإنها تستطيع حمل حبيبات من الصخر يصل قطرها إلي عدة سنتيمترات إلي ارتفاعات قد تصل إلي متر أو أكثر. ولكن نادراً ما تزيد سرعة الرياح في معظم المناطق عن 50كم/الساعة. وتستطيع تلك الرياح القوية أن تحمل حبيبات الرمل التي تتعلق في الهواء، بينما تهبط الحبي\بات الأكبر حجما بسرعة ولا تبقى معلقة في الهواء. وعندما تكون سرعة الهواء أقل، تنتقل حبيبات الرمل بالقرب من سطح الرض، بينما يتحرك التراب dust فقط عالقا في الهواء.
1 – نقل الرمال بالرياح
إذا هبت الرياح على طبقة من الرمل، فإن حبيبات الرمل تبدأ في التحرك عندما تكون سرعة الرياح أقل من 16كم/الساعة. وتسمى حركة دحرجة حبيبات الرمل للأمام بالزحف السطحي (شكل 15 – 7). وترتفع حبيبات الرمل في الهواء عندما تزداد سرعة الرياح، حيث تنتقل حبيبات الرمل في مسارات مقوسة لتترسب بعد مسافة قصيرة في اتجاه الرياح، وهذه هى عملية الوثب نفسها التي ذكرت في المجاري المائية، حيث تتحرك حبيبات الرمل وتسير في مسارات مقوسة أيضا بالقرب من قاع النهر.
- الوثب: ينقل ما يقرب من 75% من الرمال في المناطق المغطاة بالكثبان الرملية بالوثب . وتدل قياسات معدل تحرك الرمال في صحاري منطقة الشرق الأوسط على زيادة سرعة حركة الرمال مع زيادة سرعة الرياح. فقد تستطيع رياح قوية تهب بسرعة حوالي 58كم/الساعة نقل كمية من الرمال في يوم واحد كتلك التي تنقلها رياح تهب بسرعة 29كم/الساعة في ثلاثة أسابيع.
فإذا كانت الرياح قوية بدرجة كافية، فإنها تبدأ في دحرجة حبيبات الرمل على سطح الرض حيث تصطدم بحبيبة أخرى وتصطدم بها لتطير في الهواء. وعندما تهبط الحبيبة الثانية إلي الأرض فإنها تصطدم بحبيبات أخرى وتقذف بها لتنساب في الهواء. ويحتوي الهواء القريب من الأرض على كمية كبيرة من حبيبات الرمل الواثبة، والتي تتحرك كلها في اتجاه الريح في مسارات على هيئة أقواس تشبه حركة كرات البنج بونج فوق منضدة اللعب (شكل 15 – 8 أ). وعموما لا يزيد الارتفاع الذي تصل إليه حبيبات الرمل عن متر واحد حتى في الرياح القوية. وقد تصطدم حبيبات الرمل بحبيبات حصى أو أي سطح عريض لتثب لأعلى بسرعة عالية، وإلي ارتفاعات أكبر (شكل 15 – 8 ب).
- نيم الرمال (مويجات الرمال): تكون تجمعات الرمل جيدة الفرز التي تتراكم على سطح الرض غير ثابتة، حتى تحت تاثير الرياح اللطيفة. وعندما تهب الرياح على هذا التجمع الرملي، فإن حبيبات الرمل الأصغر تتحرك بالوثب، بينما تبقى الحبيبات الأكبر حجما مكانها (شكل 15 – 9 أ). وعندما تصطدم الحبيبات المتحركة الأدق حجما بسطح الأرض، فإنها تحرك حبيبات دقيقة إضافية، ويتكون تجمع آخر من الحبيبات الخشنة، بينما تتحرك الحبيبات الدقيقة إلي الأمام، وتكون الحبيبات الخشنة مجموعة من المرتفعات الطولية الصغيرة تسمى نيم الرمال (مويجات الرمال) . وتميل مويجات الرمل إلي الاصطفاف في نمط منتظم، حيث تكون قمم هذه المويجات عمودية على اتجاه الريح (شكل 15 – 9 ب). وتختفي المويجات عند هبوب رياح قوية، حيث تتحرك كل الحبيبات وتقل عملية الفرز.
2 – نقل التراب بالرياح
تنتقل حبيبات الرمل على سطح الأرض ببطء، وتترسب بسرعة عندما تنخفض سرعة الريح، بينما تنتقل حبيبات التراب dust الدقيقة (راسب في حجم حبيبات الغرين والصلصال) بسرعة أكبر ولمسافات أطول بكثير، قبل أن تهبط إلي سطح الأرض. وتصل كمية التراب المتكونة سنويا بهذه الطريقة على مستوى العالم إلي حوالي 5 بلايين طن. ومن المناطق التي تتكون فيها كميات كبيرة من التراب طبقات البحيرات والمجاري المائية الجافة والمراوح الطميية وسهول المجاري المائية الناتجة من المثالج والمناطق التي تغطيها رواسب من التراب، والتي فقدت غطاءها النباتي بسبب تغيرات مناخية أو نشاط بشري.
وتقل سرعة الهواء المتحرك بالقرب من سطح الأرض بدرجة كبيرة نتيجة الاحتكاك، حيث تكون سرعة الهواء منخفضة للغاية. وتوجد طبقة من الهواء الساكن يقل ارتفاعها عن 0.5مم فوق سطح الأرض مباشرة (شكل 15 – 10). وعندما تنتؤ حبيبات الرمل فوق طبقة الهواء الساكن هذه فإنها تطير عاليا بفعل الدوامات المضطربة المتصاعدة. وعلى العكس من ذلك، ذلك حبيبات التراب تكون صغيرة الحجم ومرتبة بإحكام، لدرجة أنها تكون سطحا ناعما جدا، ولا تنتؤ حبيباته فوق طبقة الهواء الساكن. ولا يمكن أن يتحرك هذا التراب حتى إذا هبت عليه رياح قوية، إلا أنه يمكن تحركه فقط بأن تصدم به حبيبات رمل وثابة أو أي أجسام أخرى.
وعندما تصعد حبيبات التراب في الهواء، فإنها تكون الحمولة المعلقة suspended load للرياح. وتقذف الدوامات حبيبات التراب إلي الأمام باستمرار، بينما تعمل الجاذبية الرضية على جذبها ناحية الرض (شكل 15 – 7). وفي معظم الأحيان، يترسب الراسب المعلق بالقرب من مكان نشأته، إلا أن الرياح القوية المصاحبة للعواصف الترابية القوية تحمل التراب الدقيق جدا إلي طبقات الجو العليا، حيث ينتقل لآلاف الكيلومترات.
وتعتبر العواصف الترابية dust storms من العوامل الرئيسية في نقل كميات كبيرة من التراب، وهى تنتشر في المناطق المتسعة الجافة وشبه الجافة، مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط استراليا وغرب الصين وأواسط آسيا. ويترسب التراب عندما (1) تنخفض سرعة الرياح ويقل اضطراب الهواء بحيث لا تبقى الحبيبات معلقة في الهواء، (2) تصادم الحبيبات مع أسطح خشنة أو رطبة تصطاد تلك الحبيبات، أو أسطح بها شحنات كهربية ضعيفة تجذبها، (3) تجمع الحبيبات لتكون تجمعات aggregates حبيبة تترسب بسبب زيادة كتلتها، (4) غسل الحبيبات من الهواء بمياه الأمطار.
ويعمل الغطاء النباتي كمصيدة لحبيبات التراب الهابطة نتيجة انخفاض سرعة الرياح فوق المناطق المغطاة بالنباتات. وتكون الغابات أشد تأثيراً كمصيدة للتراب عن النباتات القصيرة الساق، حيث تعمل الشجار على خفض سرعة الرياح في النطاق الحرج فوق سطح الأرض. كما يحدث الترسيب أيضا عندما يوجد عائق طوبوغرافي يسبب تشعب الهواء وانحراف مساره، حيث يؤدي ذلك إلي انخفاض سرعة الرياح خلف العوائق. وذلك يفسر لماذا تكون رواسب التراب سميكة عموماُ على الجانب المدابر lee side للعائق (الجانب البعيد عن الريح)، بينما يكون الترسيب قليلا أو منعدما في الجانب المواجه للريح windward side (الجانب الذي تهب منه الريح). وتترسب أولا حبيبات التراب الخشنة ومتوسطة الحجم المحمولة على ارتفاعات منخفضة، بينما تحمل الحبيبات الأدق لأعلى في الغلاف الجوي، ويمكن أن تبقى عالقة لفترات طويلة.
ج – التعرية بالرياح
تعتبر الرياح القوية والمستمرة من عوامل التعرية المهمة، حين تكون الرض من تحتها جافة ولا تحتوي على غطاء نباتي. ويقوم الهواء المنساب والمحمل بالراواسب بتعرية الأرض بطريقتين هما التذرية (التجوية) والسحج (البري). أما التذرية (التجوية) deflation (من كلمة deflare اللاتينية بمعنى ينفخ أو يطير مع الريح) فهى اكتساح الهواء للأجزاء الجافة المفككة من الفتات الصخري والرمل والتراب ونقلها من مكان إلي آخر، والبري (السحج) abrasion هو تآكل الصخر ميكانيكيا نتيجة احتكاكه واصطدامه بحبيبات راسب تحملها الرياح. وتسمى الطريقة الثانية بسفع الرمال sandblasting، وتحدث عندما تكون الرياح المدفوعة في مواجهة سطح الصخر المكشوف محملة بالرمال. ونعرض هنا لوصف كل من هاتين الطريقتين:
1 – التذرية
تؤدي عملية التذرية إلي نقل حبيبات التراب والغرين والرمل الجاف والمفكك من مكان إلي آخر، وبالتالي انخفاض سطح الأرض بشكل تدريجي في مناطق التذرية وارتفاعها في مناطق أخرى. ويمكن أن تؤدي التذرية إلي تكون منخفضات ضحلة أو أحواض تعرف بأحواض التذرية deflation basins أو المذريات blowouts (مفردها مذرى)، في الصحاري والسهول الجافة أو الطبقات الجافة الموجودة في البحيرات وسهول فيضان الأنهار. ويعطل وجود النباتات عملية التذرية في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث تعمل جذور النباتات على التحام التربة ببعضها، بينما تصد سيقان وأوراق النباتات الرياح، وتعمل على حماية سطح الأرض.
ويتراوح قطر حوض التذرية بين عدة أمتار (من 3 إلي 6 أمتار) إلي كيلو متر تقريبا، كما قد يتراوح عمقه بين عدة أمتار و50 مترا أو أكثر. ويرى بعض الجيولوجيين أن منخفض هائل يصل عمقه إلي حوالي 134 مترا تحت سطح البحر، قد ساهمت التذرية الشديدة في تكوينه، بالإضافة إلي العوامل التكتونية. وعموما، فإن المستوى الذي يصل إليه سطح التذرية يكون محكوما بمنسوب الماء الجوفي.
وعندما تزيل التذرية الحبيبات الدقيقة المكونة من الرمال والغرين والصلصال من التربة والراواسب، فإن السطح المتبقي يكون مغطى بحصى كبير الحجم يصعب نقله بالرياح. وتعمل التذرية المتوالية للمواد الدقيقة على مدى آلاف السنين على بقاء الحصى وتتكون طبقة أو غطاء مستمر من الأحجار يعرف بالرصيف الصحراوي desert pavement، حيث يعمل هذا السطح كدرع يحمي التربة والرواسب أسفله من أي عملية تعرية جديدة (شكل 15 – 11). ويعتقد بعض الجيولوجيين أن الرصيف الصحراوي قد يتكون بانسياب المياه من المطار الغزيرة وليس بالتذرية، كما قد يتكون بأسباب أخرى.
2 – سفع الرمال
يعرف سفع الرمال sandblasting بأنه عملية تعرية الصخر بفعل الرياح المحملة بالرمال عندما تضرب وجه الصخر. ويلاحظ المسافرون على الطرق الصحراوية في منطقتنا العربية تأثير الرياح المحملة بالرمال خاصة على زجاج السيارات الأمامي في الرحلات الطويلة. وتشبه عملية سفع الرمال عملية تنظيف المباني الأثرية والآثار باستخدام هواء مندفع تحت ضغط عال ومحمل بالرمال، والتي تشمل تآكل سطح صلد نتيجة اصطدام حبيبات مندفعة بسرعة عالية. ويحدث السفع بالرمال أساسا بالقرب من سطح الأرض، حيث تحمل معظم حبيبات الرمل. ويؤدي السفع بالرمال إلي تعرية ونعومة مكاشف الصخر والجلاميد والحصى والرمال وتخشين (صنفرة) أسطح القوارير (الأواني) الزجاجية.
والوجهريحيات ventifacts هى حصى مواجه للريح، تكونت بها عدة أسطح منحية أو مستوية تقريباً، تتقابل عند حروف حادة. وقد تكون كل وجه أوسطح صغير نتيجة سفع الرمال لجانب الحصى المواجه للريح windward side (شكل 15 – 12). وتؤدي العواصف أحيانا إلي دوران أوتقليب الحصى، مما يعرض جانب جديد منها لسفع الرمال. ويمكن استخدام الوجهريحيات لتحديد وقياس اتجاه الرياح السائدة، نظرا لأن الأسطح المستوية للحصى تتكون في مواجهة الريح كما ذكرنا.
والياردانج (حيدريحي) yardang (مشتقة من كلمة تركية بمعنى منحدر حاد أو جرف) وتعرف أيضا بالضلوع الصحراوية هى عبارة عن حيود مستطيلة ومتوازية تفصلها أخاديد أو ممرات ضيقة تكونت نتيجة التعرية بالرياح، وتصطف موازية لاتجاه الريح السائدة. ويكون لبعض الياردنج شكل يشبه جسم سفينة مقلوبة. ويعتبر الياردانج أحد المعالم الشائعة المتكونة بفعل الرياح في الصحاري الحارة، مثل الصحراء الغربية المصرية. وتتواجد الياردانج عادة في مجموعات (شكل 15 – 13). ويكون ارتفاع هذه الحيود أقل من 15 مترا وطولها 100 متر أو اكثر، ولكن قد يصل طول الياردانج الواحد المفرد إلي عشرات الكيلومترات، وارتفاعه إلي حوالي 100متر. وتتميز الياردانج بأن لها عدة قمم، وأنها منحوتة من صخور رسوبية متماسكة صلبة أو صخور متبلورة (نارية ومتحولة) أو في رواسب بحيرات قديمة غير متماسكة نسبيا (شكل 15 – 13) نتيجة للسحج (البري) بالغبار والغرين، وتكون كلها معرضة للتعرية الشديدة.
د – الترسيب بالرياح (الرواسب الريحية)
عندما تنخفض سرعة الرياح بدرجة كبيرة فإنها لا تستطيع نقل حمولتها من الرمال والغرين والتراب، وتترسب أولاُ المواد الخشنة لتكون الكثبان الرملية مختلفة الشكال، وتتراوح في الحجم بين هضاب صغيرة مدورة knolls منخفضة وتلال ضخمة قد يصل ارتفاعها إلي أكثر من 100 متر. وتتساقط حبيبات الغرين والتراب الأدق حجما لتكون غطاءً منتظما تقريبا من الغرين والصلصال. ويقوم الجيولوجيون بدراسة هذه العمليات الترسيبية وربطها بخواص الرواسب، خاصة التطبق والنسيج، لاستنتاج المناخات وانماط الرياح القديمة. ونعرض فيما يلي الأنواع المختلفة للرواسب التي تكونها الرياح.
1 – الكثبان الرملية
الكثيب الرملي sand dune هو تراكم من رمل سائب يأخذ شكل مرتفع أو تل، ترسب وتشكل بالرياح. وتغير الكثبان النشطة شكلها باستمرار بتغير اتجاه الريح. وتتكون الكثبان الرملية عندما يكون هناك مصدر للرمال مثل صخور الجرانيت أو صخور الحجر الرملي التي يتم تجويتها بسهولة، بحيث يسهل انفصال حبيبات الرمل منها، أوشاطئ يوجد بالقرب منه مصب نهر قريب. ويمنع وجود غطاء نباتي تحرك الكثبان الرملية، حيث تكون حينئذ غير نشطة ومستقرة، أو حينما تتغير اتجاهات الريح أو مصادر الإمداد بالرمل. ويلخص جدول (15 – 2) أنواع الكثبان الرملية المهمة، والتي صنفت اعتماداً على كمية الرمال المتاحة وتغير قوة واتجاه الريح، وكذلك كمية ونوعية الغطاء النباتي.
وتتكون حبيبات رمل الكثيب الرملي عموما من معدن الكوارتز، وهو معدن صلب يتحلل كيميائياً بصعوبة. ويتكون الكثيب بسبب وجود أية عوائق غير منتظمة على سطح الرض تسبب انحراف انسياب الهواء. وتتغير سرعة الرياح عموما على ارتفاع متر أو مترين من سطح الأرض مع أي تغيرات طفيفة في شكل سطح الأرض. فعندما تقابل الرياح أي عائق صغير، فإنها تندفع فوقه وحوله وتترك منطقة بعد العائق مباشرة تكون سرعة الهواء فيها أبطأ ما يكون، حيث تنخفض سرعة الرياح المحملة بحبيبات الرمل في هذه المنطقة والتي تعرف بنطاق ظل الريح windshadow zone، وتبدأ الرمال في التراكم ويؤثر هذا التراكم للرمال بدوره على انسياب الهواء، ويصبح هذا التراكم نفسه عائقا، ويستمر هذا التراكم في النمو في الجانب المدابر للعائق حتى يصبح كثيبا.
شكل وحجم الكثيب: يكون الشكل النموذجي للكثيب الرملي غير متماثل، حيث يكون الانحدار لطيفا في الجانب المواجه للريح windward side ولا تزيد زاوية الانحدار فيه عن 12، بينما يكون الوجه المدابر lee face للريح حاد الانحدار. وتكون زاوية استقرار الحبيبات في حدود 33 إلي 34 تقريباً (زاوية الاستقرار angle of repose هى أقصى زاوية يمكن أن يستقر عندها الراسب المتراكم قبل أن ينهار). وعندما ينمو كثيب الرمل بسبب وجود عائق يسبب انفصال الريح وتكون ظل الريح، فإن كل الركام يبدأ في الهجرة في اتجاه الريح نتيجة لحركة حبيبات الرمل. وتتحرك حبيبات الرمل بالوثب على مستوى الانحدار المواجه للريح، وهو انحدار تكون زاوية ميله صغيرة حتى قمة الكثيب، لتسقط في ظل الريح windshadow على الانحدار المدابر للريح (شكل 15 – 14) (ظل الريح هو المنطقة خلف عائق ما حيث تنخفض سرعة الريح وتكون حركة الهواء غير قادرة على تحريك المواد).وتبنى هذه الحبيبات تدريجيا تراكما انحداره حاد وغير مستقر على الجانب العلوي من الوجه المدابر للريح. وتتكرر دوريا عملية البناء غير المستقر حيث ينزلق الرمل بسرعة على الوجه المدابر للريح. ولذلك يعرف أيضا الوجه المدابر لكثيب نشط بوجه الانزلاق (مسقط الرمل) slip face.
ويؤدي الانزلاق المستمر والمتتابع لحبيبات الرمل إلي أن تحافظ أوجه الانهيال على زاوية الاستقرار ثابتة، بالإضافة إلي تكون تطبيق متقاطع cross strata، وهو سمة مميزة للكثبان التي تكونت نتيجة تغيرات في حيث يتم دفنها تحت تتابعات رسوبية وتختفي الشكال الصلية للكثبان، إلا أن الطبقات المتقاطعة تبقى موجودة. ويستدل الجولوجيون من وجود تلك الطبقات المتقاطعة والتي تمثل أوجه انزلاق سابقة، على وجود كثبان تكونت بالرياح، كما يمكنهم أيضا استنتاج اتجاه الريح في الماضي. وينمو الكثيب ويزداد ارتفاعا، إذا كان معدل تراكم حبيبات الرمل على الجانب المواجه للريح أكبر من معدل تركمه على وجه الانزلاق. وتصل الكثبان الرملية إلي ارتفاع يتراوح بين 30 مترا و100 متر، كما قد يصل بعضها الاخر إلي حوالي 250 مترا، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية.
- أنواع الكثبان الرملية: يمكن التمييز بين خمسة أنواع رئيسية من الكثبان الرملية بناءً على كمية الرمال المتاحة وتغير قوة واتجاه الريح وكمية ونوعية الغطاء النباتي، وهى كثيب برخان وكثيب مستعرض وكثيب طولي وكثيب بارابولي (قطع مكافئ أو عكسي). ويوضح جدول (15 – 2) تلك الأنواع المختلفة من الكثبان الرملية.
• كثبان البرخان: يأخذ كثيب البرخان barchan dune شكلاً هلالياً ولذلك تعرف أيضا بالكثبان الهلالية crescentic dunes، ويتكون عادة في مجموعات إلا أنه يكون مفردا أحيانا. وهو يتحرك على سطح مستو من الحصى أو صخر الأساس حيث تشير نقطتا الهلال (القرنان horns) إلي اتجاه الريح السائدة، ويتقدم وجه الانهيال المقعر في اتجاه الريح. وتتكون كثبان البرخان عندما يكون إمداد الرمال محدودا واتجاه الرياح ثابتا ومستمرا. وقد تهاجر كثبان البرخان لمسافات طويلة دون أن تغير من شكلها، إلا أن شكلها قد يتغير إذا ما التحمت بكثبان برخان أخرى أو اعترضها عائق صخري أو نباتي. ويوضح شكل (15 – 17) بعض كثبان البرخان بوسط سيناء بمصر. • الكثبان المستعرضة: قد تلتحم عدة كثبان برخان معا لتكون حيودا طويلة وضيقة، حيث يكون اتجاه استطالتها مستعرضا أي عموديا على اتجاه الريح. وتمثل هذه التلال الملتحمة مرحلة انتقالية بين كثيب البرخان والكثبان المستعرضة transverse dunes، والتي تكون في هيئة حيود متموجة طويلة وعمودية على اتجاه الريح السائدة، وهى بذلك تشبه أمواج المحيط التي تكون مستعرضة على اتجاه الريح. وتتكون الكثبان المستعرضة في المناطق الجافة القاحلة حيث تتواجد الرمال بوفرة وينعدم الغطاء النباتي تقريباً. وتكون أحزمة الكثبان الرملية قرب الشواطئ عبارة عن كثبان مستعرضة تتكون نتيجة الرياح القوية. وتستقر الكثبان المستعرضة في المناطق المعتدلة أو الرطبة على مسافة من الشاطئ.
• الكثبان الطولية: تكون الكثبان الطولية linear dunes وتسمى أيضا الكثبان السيفية seif dunes (مستمدة من الكلمة العربية سيف) أو الحافات الرملية، وهى عبارة عن حيود أو تلال طولية مستقيمة أو متعرجة قليلا، وتكون موازية تقريباً للاتجاه العام للريح السائدة. وقد تصل هذه الكثبان إلي ارتفاعات تصل إلي 100 متر، وقد تمتد لعدة كيلومترات. ومازال تفسير أصل الكثبان الطولية موضع نقاش حتى الان. ولكن يعتقد معظم الجيولوجيين أن تلك الكثبان تتكون نتيجة هبوب الرياح من اتجاهات ثابتة تحدد الامتداد الطولي للكثيب، مع رياح أخرى تأتي من اتجاهين جانبيين تعمل على تجميع الرمال. وتوجد معظم المساحات المغطاة بالكثبان الطولية بالقرب من المناطق التي يوجد بها إمداد متوسط من الرمال. وتنتشر الكثبان الطولية على نطاق واسع في مصر. خاصة في وسط الصحراء الغربية بمصر (شكل 15 – 16). • الكثبان النجمية: توجد الكثبان النجمية star dunes على هيئة كثبان هرمية ضخمة منفصلة تشبه قاعدتها النجمة، حيث تكون لها أذرع شعاعية متعرجة. وترتفع تلك الذرع الشعاعية ناحية مركز الكثيب حتى تنتهى في قمة حادة. وقد تصل الكثبان النجمية إلي ارتفاع يتراوح بين 50 و150 مترا، إلا أنها قد تصل إلي 300 متر في الارتفاع. وتتكون تلك الكثبان تحت تأثير الرياح التي تهب من كل الاتجاهات. وتميل تلك الكثبان النجمية إلي أن تبقى ثابتة في مكانها. وقد بقيت الكثبان النجمة في صحراء المملكة العربية السعودية ثابتة في مكانها لعدة قرون، حيث أصبحت من العلامات المميزة للمسافرين في تلك الصحاري. • كثبان القطع المكافئ أو العكسي (البارابولية) وتعرف أيضا بالكثبان العكسية reversed dune: تأخذ قمة كثيب القطع المكافئ parabolic dunes شكل قوس في اتجاه الريح مثل حرف U أو V، له ذراعان متدليان يتحركان على الرض. وهناك نوع من كثبان القطع المكافئ يسمى كثيب الانطلاق blowout dune يتكون بالقرب من الشواطئ. ويوجد هذا النوع من الكثبان في المناطق التي يتوافر بها إمداد وفير من الرمال، حيث تهب الرياح المحملة بالرمال في اتجاه اليابس بعيدا عن الشاطئ، فيتكون منخفض يشبه طبق الفنجان نتيجة عملية التذرية ويتراكم الرمل على هيئة تل منحني يشبه حدوة الحصان. وتستقر تلك الكثبان بالنباتات التي تنمو فوقها. وعلى عكس كثيب البرخان، الذي يشبه كثيب الانطلاق ظاهرياً، فإن قرنا (ذراعا) كثيب القطع المكافئ يكونان في الاتجاه المواجه للريح، ويكون وجه الانزلاق المنحني محدبا، ويتقدم في اتجاه االريح، لأن النباتات تعمل على تثبيت الذراعين بينما يتقدم الجزء الوسط الذي يخلو أو تقل به النباتات إلي حد كبير.
- هجرة الكثبان: يؤدي انتقال الرمال من الجانب المواجه للريح windward side إلي الجانب المدابر lee side النشط إلي هجرة الكثيب ببطء في اتجاه الريح. وقد أظهرت بعض القياسات التي أجريت على حركة كثبان البرخان أن معدل هجرتها كان كبيرا، حيث وصل إلي معدل 25 مترا في العام. ومن المعروف أن هجرة الكثبان (شكل 15 – 17)، وخاصة على امتداد الشواطئ الرملية وعبر الواحات في الصحاري، قد تتسب في دفن المنازل وحقول الزراعات، وفي ملء القنوات والمجاري المائية، كما نهدد المدن أيضا. وتعالج هجرة الكثبان الرملية في تلك المناطق بزرع الكثبان بالنباتات التي تقاوم الجفاف وتعيش في التربة الرملية الجافة لتلك الكثبان. ويمنع الغطاء النباتي المستمر هجرة الكثبان للسبب نفسه الذي يمنع به التذرية، حيث تعمل جذور النباتات على تماسك التربة وحبيبات الرمل، وبالتالي تمنعها من الحركة، أي تمنع هجرة الكثيب.
2 – بحار الرمال
تعرف المنطقة الشائعة من الرمال المتحركة في بعض الصحاري الكبرى، والتي يوجد بها تجمع هائل من الكثبان الرملية وتهب فيها الرياح بقوة ببحر الرمال sand sea، كما يعرف بحر الرمال أحيانا بصحراء العرق erg. وتتميز مناطق بحار الرمال بتوافر إمدادات كبيرة من الرمال وغياب الطرق الصالحة للانتقال عبرها، وعدم وجود معالم طوبوغرافية محددة. وتوجد بحار الرمال في الصحاري الكبرى مثل تلك الموجودة في شمال وغرب أفريقيا وشبه الجزيرة العربية والصحاري الكبرى في غرب الصين وفي غرب ووسط استراليا. وقد يغطي بحر الرمال مساحات تصل إلي 500000كم2 أو أكثر كما هو الحال في الصحراء الكبرى بأفريقيا. ويوضح (شكل 15 – 18) توزيع بحار الرمال وحقول الكثبان الرملية في مصر، بينما يوضح جدول (15 – 3) مساحات بحار الرمال وحقول الكثبان الرملية بالصحراء الغربية المصرية.
3 – لويس: التربة المتساقطة
تغطي سطح الأرض في مناطق كثيرة من العالم، وخاصة عند خطوط العرض الوسطى، رواسب من التراب dust وغيره من الرواسب الدقيقة الأخرى التي تكونت نتيجة الترسيب من عواصف ترابية على امتداد آلاف السنين. ويعرف هذا الراسب بلويس loess (من كلمة ألمانية بمعنى مفكك وتنطبق عادة لوس). ويتميز اللويس بأنه تراب ترسب بواسطة الرياح، ويتكون معظمه من الغرين، ولكن يصاحبه عادة بعض الرمل الناعم والصلصال. وعموما، فإن اللويس يكون لونه أصفر إلي لحمي ومتجانس ولا يوجد به أي تطبق. ويميل اللويس لأن يتكسر على امتداد جروف رأسية عندما ينكشف نتيجة قطعة بمجرى مائي أو أثناء شق الطرق، كما لو أنه صخر التحمت حبيباته بشدة. وترجع خاصية تماسك اللويس إلي انجذاب جزيئات حبيبات الراسب بشدة بحيث تجعل منه صخرا متماسكا. كما أنه من السهل جدا تعريته بالمياه الجارية، كما يحدث على جوانب نهر الهوانجهو في الصين، عندما يزول الغطاء النباتي عنه.ويتميز اللويس بخاصتين تدلان على أنه ترسب بواسطة الرياح وليس من مياه المجاري المائية: (1) يكون اللويس غطاء منتظما نسبيا يغطي التلال والوديان بالطريقة نفسها على مدى واسع من الارتفاعات، (2) يحتوي اللويس على حفريات نباتية أرضية land plants وحيوانات تتنفس الهواء.
وتوجد أشد رواسب اللويس سمكا في شمال الصين، حيث توجد طبقة يبلغ متوسط سمكها حوالي 30 مترا، بينما يبلغ السمك أحيانا حوالي 180 متر، وتغطي هذه الرواسب آلاف الكيلومترات. ويبدو أن مصدر الراسب كان من داخل قارة آسيا. وتستخدم أحيانا رواسب اللويس في عمل الكهوف والسكنى نظراً لسهولة حفرها، سواء في الصين أو وسط أوروبا. ويرجح أو وجود اللويس في شرق السودان يرجع إلي أن تلك الرواسب قد نشأت الصحراء الكبرى في غرب السودان. وقد وجدت أيضا مساحات شاسعة من رواسب اللويس في الولايات المتحدة ووسط أوروبا ووسط آسيا والأرجنتين حيث تستخدم تلك الرواسب في الزراعة، مع إمكانية تعرضها للتعرية في الوقت نفسه.
4 – الرماد البركاني
لا تنشأ كل الرواسب المتكونة بالرياح من عملية التذرية. فهناك كميات ضخمة من التفرا tephra (الفتات الناري) تقذف أثناء ثوران البركان في الغلاف الجوي. وعلى الرغم من أن الحبيبات الخشنة والثقيلة تتساقط بسرعة من عنق البركان، إلا أن الحبيبات الدقيقة يمكن أن تحمل لمسافات بعيدة. وتستطيع الحبيبات الدقيقة التي تصل إلي طبقة الاستراتوسفير أن تدور حول الأرض عدة مرات. وتكون الحبيبات التي تتساقط أثناء ثوران البركان تيارا صاعدا مستطيلا من الرواسب، والتي يقل فيها حجم الحبيبات وكثافتها كلما ابتعدنا عن البركان. ويمكن للجيولوجيين عند فحص الطبقات المتكونة من الرماد البركاني استنتاج مسارات الرياح التي سادت أثناء نشاط البركان. وعلى الرغم من أن رواسب الرماد البركاني تشبه رواسب اللويس، إلا أنه يمكن عند تحديد التركيب المعدني الناري ووجود فتات من الزجاج البركاني تمييز طبقات التفرا من اللويس.
|| - الصحاري
على الرغم من أن كلمة "صحراء" تعني حرفيا منطقة غير مأهولة بالسكان وخالية تقريباً من النباتات، إلا أن التقدم العلمي الحديث في تقنيات تحلية المياه وفي إيجاد مصادر صناعية للماء غير معنى هذه الكلمة، وأصبحت كثير من المناطق الصحراوية الآن آهلة بالسكان ومناسبة للزراعة. ومثال ذلك المنطقة الصحراوية في شبة الجزيرة العربية، ومحاولة تعمير الصحاري في مصر وليبيا وغيرها من مناطق العالم. ولذلك يستخدم مصطلح صحراء desert الآن كمرادف للأرض التي يكون معدل الأمطار السنوي فوقها أقل من 250مم، أو التي يزيد فيها معدل البخر عن معدل سقوط الأمطار، بغض النظر عن تواجد سكان من عدمه. ولذلك يعتبر الجفاف (القحولة) صفة مميزة لأي صحراء. ويسود المناخ الجاف في المناطق الصحراوية، حيث لا يساعد ذلك المناخ على خصوبة الأرض، ويتميز بندرة المطر أو انعدامه وشدة الرياح وقوة الإضاءة وشدة ارتفاع درجة الحرارة وانخفاضها. وقد يطلق مصطلح صحراء على المناطق القطبية أيضا.
أ – مناطق تواجد الصحاري
تمثل المناطق الصحراوية بمختلف أنواعها حوالي 30% من مساحة يابس العالم، باستثناء المناطق القطبية. وبالإضافة إلي ذلك، فإنه توجد نسبة أقل من الأراضي شبه الجافة semiarid land، والتي تتميز بأن معدل الأمطار السنوي بها يتراوح بين 250مم و500مم. وتمثل المناطق الجافة وشبه الجافة نموذجا مميزا على خريطة العالم (شكل 15 – 1)، حيث إن توزيع المناطق الصحرواية على الكرة الأرضية ليس عشوائياً، وإنما يرتبط كما سبق أن ذكرنا، بجغرافية الأرض تعرف خمسة أنواع من الصحاري (جدول 15 – 4).
وعندما نقارن الشكل الذي يوضح التوزيع العام لأحزمة الرياح فوق سطح الكرة الأرضية نتيجة دوران الغلاف الجوي (شكل 15 – 4)، مع خريطة توزيع المناطق الجافة وشبه الجافة وتوزيع الصحاري الرئيسية (شكل 15 -1)، فإن تلك المقارنة توضح على الفور وجود علاقة بينهما. وترتبط معظم الصحاري، بحزامين حول العالم للهواء الجاف الهابط بين خطي عرض 20 و30. وتشمل أمثلة تلك المناطق صحاري كالاهاري والصحراء الكبري في شمال أفريقيا، والربع الخالي في المملكة العربية السعودية وإيران وصحراء أستراليا الكبرى. وتمثل هذه الصحاري النوع الأول من الصحاري وهى الصحاري شبه المدارية semitropical.
ويوجد النوع الثاني من الصحاري في المناطق القارية الداخلية بعيدا عن مصادر الرطوبة، حيث يسود صيف حار وشتاء بارد (مناخ قاري). ويشمل هذا النوع صحاري جوبى وتاكلا ما كان في وسط آسيا.
ويوجد النوع الثالث من الصحاري عندما تعمل سلسلة جبال كحاجز لانسياب الهواء الرطب المنساب من المحيط، مما يسبب وجود منطقة في الجانب المدابر للجبل يقل فيها تساقط الأمطار، وتسمى تلك المنطقة بظل المطر rainshadow. وعندما يصعد الهواء البحري المتحرك على الشاطئ على الانحدار المواجه للريح لأي سلسلة جبلية فإنه يبرد، مما يقلل كمية الرطوبة التي يمكن أن يحتفظ بها الهواء، وتتساقط الأمطار على الجانب المواجه للرياح. ويحتوي بذلك الهواء الذي يصل إلي الجانب المدابر لسلسلة الجبال على قليل من الرطوبة، مما يؤدي إلي نشأة مناخ جاف فوق المنطقة خلف سلسلة الجبال. وتكون سلسلة الكاسكيد وسيرانيفاذا في غرب الويالات المتحدة مثل هذا الحاجز مما يتسبب في نشأة مناطق صحراوية شرق هذه الجبال مباشرة.
وتتواجد الصحاري الساحلية على حدود القارات، حيث تنخفض درجة حرارة الهواء البحري المندفع في اتجاه الشاطئ نتيجة تأثير ماء البحر البارد المتدفق لأعلى مما يقلل من قدرة الهواء على أن يحتفظ بأي رطوبة. وعندما يقابل الهواء البارد الأرض الدافئة، فإن محتواه المحدود من الرطوبة يتكثف ويتكون ضباب ساحلي. وعلى الرغم من وجود الضباب، فإن محتواه الهواء من الرطوبة يكون قليلا جدا لكي يسبب سقوط أمطار غزيرة، ولذلك تبقى المنطقة الساحلية صحراوية. وتعتبر الصحاري الساحلية الموجودة في بيرو وجنوب غرب أفريقيا، والتي تمثل النوع الرابع من الصحاري ضمن أكثر المناطق جفافا على وجه الأرض. وتتميز الأنواع الربعة السابقة من الصحاري بأنها صحاري الحارة، حيث يكون تساقط المطر منخفضا ودرجات حرارة فصل الصيف مرتفعة.
ويشمل النوع الخامس من الصحاري، مساحات شاسعة من صحاري المناطق القطبية، حيث يكون تساقط المطر نادرا للغاية أيضاً، نتيجة هبوط هواء بارد جاف. وعلى الرغم من ذلك التشابه، إلا أن الصحاري الباردة تختلف عن الصحاري الحارة عند خطوط العرض المنخفضة في أمر مهم، وهو أنه يوجد وفرة من الماء تحت سطح الصحراء القطبية، ولكن يكون معظمها في شكل جليد. وقد تبقى درجة حرارة الهواء تحت درجة التجمد حتى في منتصف فصل الصيف، حين تكون الشمس فوق الأفق لمدة 24 ساعة يوميا. وتوجد الصحاري القطبية في شمال جرينلاند بالمنطقة القطبية الشمالية في كندا وفي الوديان الخالية من الجليد في أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية). وتعتبر تلك الصحاري أقرب مناطق الرض شبها بسطح المريخ، حيث تبقى درجات الحرارة أيضاً تحت درجة التجمد ويكون الغلاف الجوي جافا للغاية.
ب- مناخ الصحراء
ينشأ المناخ الجاف (القاحل) arid climate في الصحاري الحارة من ارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلي ندرة سقوط المطر وارتفاع معدل البخر. ولقد سجلت درجة حرارة الهواء فوجد أنها وصلت إلي أكثر من 50 درجة مئوية في دولة قطر في الخليج العربي وحوالي 58 في الصحراء الليبية في شمال أفريقيا. ولقد مر عقد من الزمان أو أكثر على صحراء أتاكاما في شمال شيلي دون سقوط أي أمطار. ويؤدي ارتفاع درجة الحرارة في مثل هذه الصحاري الحارة إلي زيادة معدل التبخير.
وترتفع درجة حرارة الهواء فوق مناطق الصحراء الساخنة في ساعات النهار، حيث يتمدد الهواء ويرتفع لأعلى. وتنشأ الرياح القوية نتيجة حركة الهواء السطحي ليحل بسرعة محل الهواء الساخن الصاعد. لذلك تتميز الصحاري الحارة بأنها قاحلة، وأن الرياح بها تكون قوية أيضاً.
ج – التجوية في الصحراء
تعمل العمليات الجيولوجية نفسها في كل من الصحاري والمناطق الرطبة، رغم الاختلاف بينهما. حيث تعمل عمليات التجوية والنقل بالطريقة نفسها، ولكن مع اختلاف شدة كل منهما. فتسود التجوية الفيزيائية على التجوية الكيميائية في الصحاري. وتتكون معادن الصلصال نتيجة التجوية الكيميائية للفلسبارات والمعادن السيليكاتية الأخرى، ولكن بكميات صغيرة وببطء نتيجة نقص المياه اللازمة لذلك التفاعل، وتذرو الرياح القوية معادن الصلصال القليلة التي تكونت، مما يسبب عدم تكون تربة ذات سمك معقول. لذلك فإن التربة في الصحاري تكون رقيقة ومتباعدة على هيئة بقع متباعدة.
ويسود في العديد من المناطق الصحراوية اللون البني الداكن، الذي يكون طلاءً قاتما لامعا يغطي أسطح الصخور، ويتكون من خليط من معادن الصلصال مع كميات أقل من المنجنيز وأكاسيد الحديد، ويسمى هذا الطلاء الداكن ورنيش الصحراء desert varnish، وهو يتكون نتيجة التجوية البطيئة لمكاشف الصخور لفترات طويلة تصل لآلاف السنين.
1 – المجاري المائية: عامل تعرية مهم في الصحاري
يسود اعتقاد خاطئ بين الناس أن الصحاري تتكون فقط من امتدادات شاسعة من الكثبان الرملية، حيث تغطي الرمال حوالي خمس مساحة الصحاري في العالم. وعلى سبيل المثال، فإن الرمال تغطي ثلث مساحة شبه الجزيرة العربية، وهى تعتبر من أكثر مناطق العالم التي تتواجد بها الرمال، بينما تغطي الرمال عشر مساحة الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا. وتعتبر الواحات المتناثرة بالصحاري أماكن يصل فيها منسوب الماء الجوفي (الأرضي) محليا إلي سطح الأرض، ومن أشهر الأمثلة على ذلك الواحات المتناثرة بالصحراء الغربية المصرية مثل الواحات البحرية والفرافرة وسيوة وغيرها.
وتقطع معظم المناطق التي لا تغطيها الرمال لمجاري المائية، أو تغطي بمراوح وسهول طميية. ولذلك فإن معظم التعرية في كثير من الصحاري تتم نتيجة عمل المجاري المائية، وليس بعمل الرياح.
ولا تصل معظم المجاري المائية الصحراوية إلي البحر، وإنما تنساب في الصحاري وتختفي بسرعة، إما نتيجة بخر الماء أو تخللها وتسربها في الأرض. ويستثني من ذلك الأنهار الكبرى الطويلة مثل نهر النيل، الذي ينشأ في هضبة البحيرات والمرتفعات الأثيوبية الرطبة بشرق أفريقيا وينساب خلال السودان ثم مصر. ويستمر نهر النيل في الانسياب عبر الصحاري القاحلة رغم عملية التبخير، وينقل كمية كبيرة من الماء. وتتميز المجاري المائية في الصحراء عموما بتباعدها عن بعضها نظرا لقلة المياه، ولكن تتميز أنماط شبكات الصرف بها أنها تشبه مثيلاتها في البيئات الأخرى.
ولا يمنع الغطاء النباتي المتناثر والقليل في الصحراء من جريان الماء المتساقط على سطح الأرض. ويعمل ماء الصرف السطحي هذا على تعرية ونقل الصخور المتكسرة غير المتماسكة التي تكون سطح الأرض وتغطي صخر الأساس، وتعرف بالحطام الصخري (الأديم) regolith. ويصاحب العاصفة الممطرة الشديدة عادة فيضان مفاجئ flash flood محلي، يسبب تدفق كميات ضخمة من الماء، ويستمر لفترات قصيرة ينقل خلالها كميات كبيرة من الرواسب. ويكون الحطام الصخري الناشئ من تلك الفيضانات مرواح عند منحدرات الجبال وعلى أرضية الوديان المتسعة والأحواض.
وفي مصر، فقد تسببت الأمطار الغزيرة التي سقطت في الثاني من نوفمبر 1994م فوق قرية درنكة، قرب مدينة أسيوط في حدوث سيول أدت إلي حدوث انسياب للمياه من منحدرات التلال على امتداد الوديان، نقلت التربة والحطام الصخري ورواسب من مختلف الأحجام إلي القرية. وقد تسببت مياه السيول المحملة بكميات كبيرة من الرواسب والحطام الصخري في انفجار أربع خزانات للوقود بالقرية واشتعلت بها النيران، وتسببت الغازات والحرارة في مقتل 399 شخصا من مختلف الأعمار. كما تسببت رواسب الطين والرمال، التي وصل سمكها إلي أكثر من متر في الأراضي المنخفضة، في نفوق أعداد كبيرة من المواشي وغرق الأراضي الزراعية وتدمير أعمدة الهاتف والكهرباء باقرية، كما غمرت الطرق ودفنت السيارات تحت رواسب الطين والرمال (شكل 15 – 19).
د – الرواسب والترسيب في الصحاري
عندما تجف الفيضانات المفاجئة والمحملة بالرواسب، فإنها تترك رواسب مميزة على قيعان الأودية الصحراوية، حيث يغطي الحطام الصخري الخشن كل أرضية الوادي دون أن تتمايز الرواسب إلي رواسب مجاري مائية وسهول فيضية وجسور طبيعية natural levees، كما يحدث عادة في مجاري الأنهار. وقد يتكون في عديد من الأودية الصحراوية الأخرى تداخلا بين رواسب المجاري المائية ورواسب السهول الفيضية والرواسب الريحية (الناتجة من فعل الرياح) eolian sediments.
وتعتبر الكثبان الرملية وحقول الكثبان وبخار الرمال أكثر التراكمات الرسوبية الريحية إثارة للاهتمام، حيث تغطي الرمال حوالي خمس المساحات الصحراوية في العالم، بينما تغطي بقية مساحة الصحاري الرصيف الصحراوي أو الصخور. ونادراً ما تكون المياه الجارية في المناطق القاحلة كافية بدرجة تسمح بالاحتفاظ بها لكي تكون بحيرات دائمة. وتسمى تلك البحيرات الدائمة أو المؤقتة التي تتجمع في أودية الجبال أو أحواض المناطق القاحلة ببحيرات البلايا playa lakes. وقد تكون مياه بحيرات البلايا سامة نظرا لارتفاع نسبة الملوحة أو القلوية، نتيجة للبخر أو ذوبان الأملاح بالمجاري المائية في الصحراء. وعندما تتبخر مياه البحيرة، فإن نواتج التجوية والتعرية الذائبة في تلك المياه تتركز وتبدأ في الترسب تدريجيا. وقد يكون التبخير كاملاً بحيث تصبح البحيرة جافة وتكون بلايا (بحيرة جافة) playa (من الإسبانية بمعنى شاطئ). وقد تتراكم الأملاح البيضاء أو الرمادية عند السطح الجاف للبلايا، والتي قد تزداد نتيجة تكرار عملية التكون والبخر إلي سمك يصل إلي عشرات الأمتار. وتعتبر البلايا من أهم رواسب المتبخرات في البيئة الصحراوية، وهى مصدر مهم للكيماويات الصناعية (كربونات الصوديوم) والبوراكس (بورات الصوديوم) وأملاح أخرى غير عادية.
ويوضح شكل (15 – 20) توزيع البلايا القديمة بالقرب من الواحات الكبرى في الصحراء الغربية المصرية. ويتضح أن هناك أكثر من 100 بلايا تزيد مساحة كل منها عن كيلومترين، وتتركز في الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية، منها 25 بلايا في الواحات الداخلة و21 بلايا في الواحات الخارجة و24 بلايا في الفرافرة. كما تتواجد بعض البلايا الأخرى التي تقل مساحتها عن كيلومترين مربعين على أسطح الهضاب والوديان.
||| - معالم الأرض في الصحاري
تتميز معالم الأرض في الصحاري بالتنوع الشديد، حيث تكون هناك مساحات منخفضة واسعة ومتدة ومغطاة بالرمال والكثبان وأرصفة الصحراء والبلايا، بينما تكون الأراضي المرتفعة صخرية ويقطعها أودية أنهار عميقة أو أودية ضيقة لها جوانب شديدة الانحدار وعظيمة الارتفاع وتكاد تكون رأسية، تعرف بالخوانق gorges (جمع خانق). ويؤدي نقص التربة والغطاء النباتي إلي أن تبدو المعالم الأرضية ومنظر الأرض landscape عموما أكثر حدة وقسوة من منظر الأرض في المناخات الرطبة. فبينما تكون المنحدارات في المناطق الرطبة مستديرة ومغطاة بالتربة وبها غطاء نباتي، فإن المنحدرات في الصحاري تكون شديدة الانحدار ووعرة وتكون جروفا cliffs. وتغطي المنحدرات شديدة الانحدار كسرات صخرية غير متجانسة ومختلفة الأحجام بسبب تسوية تلك المنحدرات، بينما تتجمع كتل الركام talus عند قاعدة الجرف والمكون من ذلك الحطام الصخري المتساقط من أعلى المنحدر.
وتتميز الأودية في الصحاري بأن لها القطاع الطولي نفسه (البروفيل) للودية في البيئات الأخرى، إلا أن معظم الأودية في الصحاري تتميز بالجفاف والجوانب شديدة الانحدار، نتيجة التعرية السريعة بسبب تحرك لكتل والمجاري المائية.
ونستعرض فيما يلي أهم المعالم التي تميز الأرض في الصحاري.
أ المراوح الفيضية (الطميية) والبجادا (المنحدرات الطميية)
تتكون المراوح الفيضية (الطميية) في العديد من بيئات الترسيب. ولكنها تكون شائعة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، حيث تتكون أساسا من الطمي والفتات الصخري المنحمول في المجاري المائية. وتتكون المراوح الفيضية (الطميية) عندما يحدث انخفاض مفاجئ في سرعة المياه المتدفقة عبر الأخاديد الخانقة canyons التي تقطع سلاسل الجبال، حيث تنتشر المياه الجارية على المنحدرات اللطيفة عند سفح الجبل، وتترسب بالتالي معظم حمولة المجرى لمائي خلال مسافة قصيرة، حيث يتكون نتيجة ذلك مخروط من الرواسب عند مصب الأخدود يعرف بالمروحة الفيضية (الطميية) alluvial fan (شكل 12 – 24). وحيث إن الحطام الصخري الأكبر حجما يترسب أولاً، فإن رأس المروحة يكون أكثر انحداراً، أي ما يقارب 10 – 15، ويقل حجم الرواسب ودرجة الانحدار كلما تحركنا أسفل المروحة. حتى تتدرج مع قاع الوادي الذي يصب فيه المجرى المائي. ويوضح الفحص الدقيق لسطح المروحة الفيضية (الطميية) أن قنوات المجرى المائي على سطح المروحة يكون من النمط المجدول braided pattern، حيث يختنق المجرى المائي بالرواسب، مما يجعله يتفرع ويتلاقى مرات عديدة مكونا الكثير من لمجاري المتعرجة. وتزيد المروحة الفيضية (الطميية) في الحجم مع مرور الزمن، حيث تلتحم في النهاية مع مرواح من أخاديد متجاورة لتكون غطاء من الرواسب تسمى بجادا (منحدر طميي) bajada (من الإسبانية بمعنى منحدر) عند قاعدة الجبل، ويكون سطحها متموجا نتيجة تحدبات المراوح التي تكونها. وقد تتكون البجادا عندما تكون الأخاديد متقاربة عند قاعدة الجبل.
ب – البيدمنت (السفوح الجبلية) تعتبر البيدمنت (السفح الجبلي) أحد أهم الملامح الأرضية المميزة للمناطق الجافة. والبيدمنت (السفح الجبلي) pediment رصيف من صخر الأساس واسع ولطيف الانحدار يشكل عتبة أمام سلسلة جبال في المناطق الجافة، حيث تم تعرية وتراجع مقدمة الجبل من الوادي (شكل 15 – 21 أ و ب). وقد تتغطى بعض أجزاء البيدمنت بطبقة رقيقة من الرمل الطميي والحصى وتنحدر بعيداً عن قاعدة الأرض المرتفعة (شكل 15 – 21 ج). ويوضح القطاع المستعرض (البروفيل) في بيدمنت نموذجي وفي الجبال المجاورة لها مثل القطاع المستعرض في المروحة الطميية أن منحدر الجبال يكون شديد الانحدار ثم يستوي فجأة في منحدر البيدمنت اللطيف الانحدار (شكل 15 – 21 د).
والطريقة التي تتكون بها البيدمنت غير واضحة تماما، إلا أن هناك بعض الأدلة على أنها قد تتكون نتيجة تغيير المجاري المائية لمجراها بسبب وجود جبال في مسارها. وتتراجع تلك الجبال في الوقت نفسه وهى مازالت محتفظة بشدة انحدارها، بلاً من أن تصبح أكثر استدارة وأقل حدة في الانحدار كما يحدث في المناطق الرطبة.
ج – الجبال المنعزلة (الجزيزية)
الجبال المنعزلة (الجزيزية) inselbergs عبارة عن جبال أو تلال مفردة ناتئة وسط أرض واسعة منبسطة، وهو مصطلح مشتق من لفظة ألمانية تعني جبالاً جزيرية. وهى تشبه الجزر الصخرية الناتئة وسط المحيط. وتتميز بوجود قمم بارزة، إلا أنها مستديرة ملساء وذات جوانب شديدة الانحدار تكاد تكون رأسية. وهى تنشأ في بيئات عديدة تتراوح بين البيئة الساحلية وحتى الداخلية، ومن البيئات الجافة (القاحلة) إلي الرطبة. ومع ذلك فإن الجبال المنعزلة تكون أكثر شيوعاً في الأراضي شبه الجافة في وسط القارات المستقرة تكتونيا. وتوجد أمثلة عليها في جنوب ووسط أفريقيا وشمال غرب البرازيل ووسط استراليا.
د – الميسات (الربوات) والبيوتات (التلال النضيدية)
يتكون نتيجة طغيان البحر الضحل وانحساره تتابع من طبقات الرمل والطفل، أو الحجر الجيري والطفل. وعادة ما يكون الطفل صخرا ضعيفاً غير مقاوم للتعرية، بينما تكون طبقات الحجر الرملي والجيري أكثر مقاومة نسبياً. وعندما تعمل التعرية في مثل هذا التتابع من الصخور، فإن طبقات الحجر الرملي أو الحجر الجيري المقاومة للتعرية تكون غطاء يحمي ما تحته يعرف بصخر الغطاء cap rock، مما يؤدي التعرية إلي تكون هضبة plateau مستوية القمة تقريباً. وتؤدي التعرية وتراجع المنحدر على امتداد حافة الهضبة إلي تكون جروف على امتداد الطبقات المقاومة للتعرية ومنحدرات على امتداد الطبقات الضعيفة. ويعتبر هذا مثال شائع على التفوت في التعرية (شكل 15 – 22).
ومع تقدم التعرية، فإن جزءاً كبيراً من الهضبة يزال لكي تتكون ميسا (ربوة) mesa (من الإسبانية بمعنى منضدة)، وهى عبارة عن أرض مرتفعة تشبه المنضدة يتكون سطحها العلوي المنبسط من طبقات مقاومة للتعرية، بينما تكون منحدراتها شديدة مثل الهضبة. وتنكمش الميسا بدورها نتيجة تراجع المنحدرات على كل الجوانب، لكي بيوت (تلاً نضدياً أوتبة) butte (من الفرنسية بمعنى تل صغير). وتستمر التعرية في التلال النضدية لتتكون تلال مستدقة القمة pinnacles، والتي تختفي في النهاية مع استمرار التعرية.
|V – التصحر
تتعرض مناطق المناخ المداري وشبه المداري لسنوات من القحط المدمر، يتبعها سنوات تتساقط فيها أمطار غزيرة قد تؤدي إلي حدوث فيضانات. وتظهر التسجيلات المناخية أن هناك تبادلا بين فترة تدوم لسنتين أو ثلاث سنوات من القحط أو ندرة المطر وفترة أخرى قد تدوم لعدة سنوات من تساقط أمطار متوسطة أو فوق متوسطة. وهذا التغير سمة دائمة مميزة للمناخ المداري الرطب الجاف، حيث تتكيف البنباتات والحيونات في تلك المنطقة مع هذا التغير الطبيعي في معدل سقوط الأمطار، باستثناء واحد هو الإنسان.
ويقع في المنطقة جنوب الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا حزام من الأرض العشبية الجافة يضم عددا من الدول، حيث يتراوح المعدل السنوي لسقوط الأمطار في هذا الحزام من 100 إلي 300مم، يتساقط معظمها خلال موسم مطر واحد قصير. ويسمى هذا الحزام بالساحل Sahel أو النطاق الساحلي Sahelin zone (شكل 15 – 23). وقد تعرض الساحل لأسوأ موجة قحط في القرن العشرين (1968 -1974م)، حين لم تتساقط الأمطار لعدة سنوات متتالية مما تسبب في امتداد الصحراء المجاورة جنوبا لمسافة وصلت أحيانا إلي 150كم. وقد امتد القحط من المحيط الأطلنطي إلي المحيط الهندي لمسافة حوالي 6000كم، وأثر في حوالي 20 مليون نسمة على الأقل، معظمهم من الرعاة الرحل. وترجع شدة القحط إلي زيادة عدد السكان إلي الضعف خلال الفترة من عام 1935م حتى عام 1970م، بالإضافة إلي زيادة عدد الماشية بشكل مثير. وقد أدت زيادة عدد السكان والحيونات إلي زيادة معدل الرعي لدرجة أنه عند حدوث القحط، فشل الغطاء النباتي الموجود في تغطية حاجة السكان كما نفق 40% من الماشية التي وصلت إلي عدة ملايين. وقد عانى ملايين البشر من الظمأ والجوع بينما مات الكثير منهم وهاجر الملايين جنوبا بحثا عن الطعام والماء. وقد عاودت الأمطار السقوط في منتصف السبعينات. وأثرت ظروف القحط في عام 1980م على أثيوبيا والسودان حيث انتشرت أيضاً المجاعة.
ويسمى غزو الصحراء لمناطق غير صحراوية بالتصحر. وبتفصيل أكثر فإن التصحر desertification هو التحول الدائم لسطح الأرض حتى يشبه الصحراء، بسبب النشاط الإنساني المدمر لحشائش الرعي والشجيرات والأشجار والرعي الجائر واستخدام أخشاب الأشجار كوقود، بالإضافة إلي السحب الزائد للمياه الجوفية. وقد يستخدم مصطلح التصحر بدلاً من مصطلح تدهور إنتاجية الأرض الزراعية land degradation. وقد تساعد تراكمات الرواسب في قنوات المجاري المائية وإزالة التربة بالرياح في عملية التصحر. كما قد ينشأ التصحر من تغييرات بيئية طبيعية تؤدي إلي الجفاف، بالإضافة إلي النشاط الإنساني.
وتبدأ مظاهر التصحر الرئيسية بانخفاض مستوى الماء الجوفي وزيادة ملوحتها، وزيادة ملوحة الأجزاء العليا من التربة (التربة السطحية topsoil)، وانخفاض إمدادات الماء السطحي، وزيادة غير عادية في تعرية التربة وهلاك الزراعات المحلية ونفوق الماشية.
ومن المناطق التي ينتشر فيها لتصحر دولة موريتانيا في شمال غرب أفريقيا، حيث يحاول السكان أن ينظموا أنفسهم في مجموعات لمقاومة الجفاف. كما قام السكان بتشجير أماكن عديدة من الصحراء، وتوزيع أنابيب غاز صغيرة ليستعينوا بها في طهو طعامهم بدلا من قطع الأشجار واستخدامها كوقود. كما قامت الحكومة الموريتانية ببناء سدود وخزانات للمحافظة على المياه.
الفصل السادس عشر: الزلازل وتركيب الأرض
حين تحدث الزلازل تتحرك الأرض تحت أقدامنا، فتنطلق الطاقة من باطنها وتعمل على تغيير شكل سطح الأرض وتدمر المدن وتقتل أعدادا كبيرة من البشر. وقد تكون بعض الزلازل عنيفة لدرجة أن الطاقة الناشئة عنها تساوي الطاقة المنبعثة من آلاف القنابل الذرية المنفجرة في الوقت نفسه. ومن المعروف أن الزلازل لا تسبب قتل البشر مباشرة، وإنما تعمل على هدم المباني التي تؤدي إلي قتلهم. ويلاحظ أن معظم التقارير القديمة عن الزلازل غير كاملة، حيث تورد تلك التقارير تفسيرات للزلازل، بدلاً من وصفها بدقة. وتعتمد معظم التفسيرات القديمة للزلازل والتي وردت قبل أكثر من 2000 عام على أفكار أرسطو، والتي كانت تقوم على أساس أن الزلازل تحدث نتيجة الرياح المندفعة تحت سطح الأرض.
ولم تطبق الطريقة العلمية في دراسة الزلازل حتى وقت قريب. ففي القرن الثامن عشر كانت البرتغال، وخاصة مدينة لشبونة العاصمة، بلداً غنيا، ولكن بدأت الأحوال تسوء فيه بسبب فعل الزلازل. ففي صباح أول نوفمبر عام 1755م، وبينما كان هناك احتفال ديني في مدينة لشبونة والكنائس ممتلئة بالمحتفلين، وفي حوالي الساعة التاسعة وأربعين دقيقة صباحاً، بدأ صوت كالرعد من تحت الأرض، أعقبه هزة أرضية عنيفة استمرت لدة دقيقتين أو ثلاث دقائق سببت دماراً واسعاً للمنازل والكنائس والمباني العامة في تلك المدينة التي كان يقطنها حوالي ربع مليون نسمة. حيث تهدمت معظم المباني في الطرقات الضيقة لتقتل آلاف البشر المحاصرين، كما سقطت الستائر على الشموع والمصابيح لتشتعل النيران لمدة ستة أيام. وقبل مرور ساعة على هذا الحدث الجلل اهتزت مدينة لشبونة مرة أخرى بفعل زلزال ثان أكثر قوة وعنفاً ولكن مدته أقل من الزلزال الأول. وقد اندفع الكثير من السكان الباقين على قيد الحياة والمذعورين إلي الشاطئ الأكثر أمناً، ولكن اندفعت أمواج البحر التي سببها الزلزال والتي وصل ارتفاعها إلي أكثر من عشرة أمتار لتحصد أرواح السكان الفارين. كما تدفقت المياه لتغطي اليابسة لمسافة وصلت إلي أكثر من نصف كيلومتر وحملت القوارب والسفن المحملة بالبضائع. وعندما تراجعت مياه البحر سحبت معها البشر والحطام إلي البحر. ثم تعرضت لشبونة في مساء نفس اليوم لهزة أخرى حدثت على بعد 550 كيلومتر من مدينة فاس بالمغرب تسببت في الكثير من الإصابات، بالإضافة إلي التدمير الشديد لمناطق شمال أفريقيا. حيث دمرت مدينة فاس وغيرها من المدن الأصغر في المغرب والجزائر. وقد أدت أول هزتين أرضيتين في لشبونة إلي قتل حوالي سبعين ألف نسمة وحطمت حوالي 90% من المباني، بينما لم تسبب الهزة الثالثة سوى ذعر السكان الناجين. وقد امتد تأثير زلزال لشبونة لمدى أكبر من مجرد تدمير المدينة، حيث أفادت الدراسات أن أكثر من 3% من سطح الأرض قد اهتز، وتعرضت المباني الواقعة على بعد حوالي 600 كيلو متر من بؤرة الزلزال للتدمير، كما ارتطمت أمواج البحر العاتية الناشئة عن الزلزال بشواطئ البرتغال وشمال أفريقيا والجزر البريطانية وهولندا. وتدل القياسات الحديثة أن هذا الزلزال ربما كان يصل إلي حوالي 8.7 على مقياس ريختر.
وقد تعرضت مدينة القاهرة الكبرى (محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية) في تمام الساعة الثالثة عصر يوم 12 أكتوبر عام 1992م لزلزال استمر لحوالي دقيقة تقريبا وبلغت شدته حوالي 5.8 على مقياس ريختر. وقد تسبب هذا الزلزال في قتل حوالي 500 شخص وتدمير عديد من المنازل بالأحياء المختلفة (شكل 16 – 1)، كما امتد تأثير الزلزال إلي بعض المباني الأثرية الإسلامية بالقاهرة.
وتحدث الزلزال عموماً نتيجة انطلاق طاقة المرونة لمختزنة في باطن الأرض. وتوجد معظم الزلزال عند حدود الألواح أو بالقرب منها، وهى الحدود التي سبق تحديدها أثناء مناقشة تكتونية الألواح في الفصل الأول. كما يوجد الكثير من الزلزال أيضا في المناطق المستقرة تكتونيا بعيداً عن حدود الألواح في القشرة الأرضية، ولكنها تكون قليلة الحدوث عادة.
وفي الحقيقة، فليست الزلازل شرا دائما. حيث تعتبر الزلازل وسيلة مهمة من وسائل الحصول على المعلومات عن طريقة عمل الأرض. كما تستخدم الزلازل لدراسة الأجزاء الداخلية من الأرض أيضا، حيث إن الطريقة التي تهتز بها الأرض عقب الهزات الكبيرة تعتمد أساساً على صفات ونوعية الصخور داخل الأرض. وتشبه هذه الطريقة، استخدام الطبيب للأشعة السينية لفحص جسم الإنسان من الداخل، فالزلازل هى أدوات نستخدمها لدراسة الرض من داخلها. وسنستعرض في هذا الفصل تعريف الزلازل، وأسباب وأماكن حدوثها وشدتها، ولماذا تحدث في مناطق بعينها، بالإضافة إلي استخدام الزلازل في دراسة باطن الرض.
| - الزلازل
عندما تهتز الأرض، فكأنها قد ضربت بمطرقة ضخمة. ويرجع السبب في هذا الاهتزاز إلي الانطلاق المفاجئ للطاقة المختزنة في الصخور عندما تزيد عن حد المرونة وتتشوه الصخور بالكسر. وتنطلق الطاقة عندئذ في ثلاث صور (1) طاقة اهتزاز (موجات زلزالية)، (2) طاقة وضع تتحرك بسببها أجزاء من الارض، (3) طاقة حرارية نتيجة الاحتكاك. وكلما زادت كمية الطاقة المنطلقة كلما زادت قوة الزلزال.
ويمكن فهم كيفية حدوث الزلزال، بأن نقوم بطرق سطح منضدة خشبية عند أحد طرفيها بينما نضع يدنا على طرفها الآخر، فإننا نشعر بحدوث ذبذبات نتيجة انتقال الطاقة التي سببها طرق سطح المنضدة وانتقالها إلي اليد بواسطة الذبذبات المرتة خلال الخشب على امتداد المنضدة.وتعني كلمة زلزال earthquake اهتزاز الأرض وتذبذبها. وقد تحدث الزلازل نتيجة نشاط بركاني أو تصادم النيازك الساقطة من لسماء بسطح الأرض أو الانهيارات الأرضية تحت سطح البحر أو الانفجارات النووية، ولكن أكثر أسباب الزلازل شيوعاً هو التحرك المفاجئ للأرض على امتداد الصدوع. والصدع هو كسر في الأرض تتحرك الصخور على جانبية بمحاذاة بعضها البعض.
وتعتبر نظرية الارتداد المرن أكثر النظريات قبولاً لتفسير أسباب حدوث الزلازل. وقد وضعت هذه النظرية بناءا على الدراسة التفصيلية لصدع سان أندرياس والذي حطم مدينة سان فرانسيسكو عام 1906م، وهو صدع مضربي الانزلاق بين لوح شمال أمريكا ولوح المحيط الهادئ.
أ – نشأة الزلازل
يبدو أن التحرك المفاجئ على امتداد الصدوع هو السبب في معظم الزلازل، إلا أن الأمر ليس بتلك البساطة، فبعض الزلازل قد تكون أقوى ملايين المرات من زلازل أخرى. ويرجع السبب في ذلك إلي أن الطاقة نفسها التي تنطلق نتيجة آلاف الانزلاقات البسيطة والزلازل الضعيفة، يمكن أن تختزن في حالة أخرى لتنطلق في زلزال واحد ضخم. فطبقا لنظرية الارتداد المرن elastic rebound theory فإنه إذا لم تنزلق أسطح الصدع بسهولة بمحاذاة بعضها البعض، فإن الطاقة قد تختزن في أجسام الصخر المشوهة تشويها مرنا مثلما يحدث عند ضغط زنبرك من الصلب. وعندما ينزلق الصدع أخيرا، فإن الجسم الصخري المشوه تشويها مرنا يرتد إلي شكله الأصلي.
ولتخيل ما يحدث في زلزال ما، وطبقا لتلك النظرية، فعند وجود صدع بين كتلتين من صخور القشرة الأرضية، وإذا لم تنزلق الكتلتان على سطح الصدع بالنسبة لبعضهما البعض بسهولة، فإن الاحتكاك بين الكتلتين قد يتسبب في قفل locking تلك الصخور ببعضها، كما يمنع الحركة على امتداد الصدع لسنوات أو حتى عدة عقود (شكل 16 – 2). وخلال عدة سنوات، ونتيجة استمرار عملية دفع كتل الصخور في اتجاهين متضادين، تختزن الصخور الموجودة على امتداد الصدع الطاقة الناتجة من حركة الألواح، حيث تكون تلك الصخور مجهدة ومشوهة تشوهاً مرنا elastically deformed، أو تنحني ببطء. ويتم في لنهاية التغلب على الاحتكاك، عندما تصل الصخور إلي حد المرونة elastic limit وتتكسر. ويؤدي تكسر الصخور إلي انطلاق طاقة المرونة المتراكمة في الصخور، والتي تتحرك فجأة على امتداد الصدع، مما يؤدي إلي حدوث الزلزال. ويوضح شكل (16 – 2) أن كتلتا الصخر قد ارتدتا بعد حدوث الزلزال، أي عادتا إلي شكلهما الأصلي قبل التشوه واختفى انحناء الصخر.
وتحدث حركة كتلتي الصدع في مجموعة من التحركات القصيرة التي تبدأ عند البؤرة (الزلزالية) focus (نقطة الكسر الأولى) وتتحرك على امتداد الصدع، حيث تنشأ من الطاقة موجات زلزالية تنتشر للخارج من البؤرة الزلزالية لتسبب اهتزاز الأرض. وتقع البؤرة الزلزالية في أعماق الرض وتحت سطح الأرض، وهى تمثل النقطة التي تبدأ عندها حركة الصدع وانزلاق الكتلتين. وتسمى النقطة التي تقع فوق البؤرة الزلزالية مباشرة فوق سطح الأرض بالمركز السطحي للزلزال epicenter (شكل 16 – 3). وعموماً، فإنه من الأجدر عند وصف بؤرة الزلزال تحديد المركز السطحي للزلزال وعمقه.
وتقع معظم الزلزال في صخور الغلاف الصخري القصفة. وكما أوضحنا في الفصل العاشر فإن التقصف brittleness هو قابلية المواد الصلبة لأن تتكسر نتيجة زيادة الإجهاد عن حد المرونة. وفي الأعماق البعيدة عن سطح الأرض تكون درجات الحرارة والضغط عاليين مما يسبب تشوه الصخور تشوهاً لدنا. ولذلك، تشبه الصخور عند تلك الأعماق المعجون، ويتغير شكلها تغيراً دائماً يبقى بعد زوال القوى التي تسبب التشوه، ولذلك فإن الزلازل ظاهرة توجد في الجزء الخارجي القصف من القشرة الأرضية.
ب – يسمى العلم الذي يهتم بدراسة الزلازل وتركيب الأرض باستخدام الموجات الزلزالية بعلم الزلازل seismology وهى كلمة مشتقة من المصطلح اليوناني القديم seismos بمعنى زلازل.
1 – السيزموجراف (مسجل الزلازل)
يسمى الجهاز المستخدم في تسجيل هزات وذبذبات الأرض الناتجة عن الزلازل بالسيزموجراف (مسجل زلازل) seismograph. ويعرف السجل الذي نحصل عليه من السيزموجراف بالسيزموجرام (السجل السيزمي) seismogram، وهو من أهم الوسائل لدراسة الزلازل والكشف عن باطن الأرض. ويمثل السيزموجراف للجيولوجي ما يمثله التليسكوب لعالم الفلك، حيث يعتبر وسيلة لرصد الأماكن التي لا يمكن الوصول ‘ليها. والطريقة المثلى لتسجيل ذبذبات الأرض، هى أن نضع السيزموجراف فوق جزء ثابت من الأرض، ليهتزا معا كنظام واحد عند وصول الموجات الزلزالية إليها، حيث يمكن تسجيل حركة الأرض الناشئة عن وصول الموجات الزلزالية إليها.
ومعظم أجهزة السيزموجراف تستفيد من ظاهرة القصور الذاتي inertia، وهى مقاومة كتلة كبيرة ثابتة للحركة المفاجئة. فإذا علقنا كتلة من الحديد في زنبرك خفيف ثم حركنا الزنبرك فجأة، فإننا نلاحظ أن كتلة الحديد تبقى ثابتة تقريباً نتيجة القصور الذاتي، بينما يتمدد الزنبرك، وهذه هى القاعدة المستخدمة في السيزموجراف. ويمكن ملاحظة تلك الظاهرة عند توقف سيارة فجأة، حيث يستمر جسم راكب السيارة في الحركة للأمام. وتقاس الحركة الرأسية للموجات الزلزالية بتعليق كتلة ثقيلة في زنبرك مثبت في إطار يستقر على الأرض، وعندما تهتز الأرض يتمدد الزنبرك وينكمش بينما تبقى الكتلة المعلقة ثابتة تقريبا بسبب القصور الذاتي. وتسجل الإزاحة الرأسية على شريط من الورق أمامه قلم، وهذه الإزاحة عبارة عن الفرق بين حركات الإطار والكتلة المعلقة.
كما تقاس الإزاحة الأفقية بطريقة مشابهة، حيث تعلق كتلة ثقيلة في مفصلة في الإطار. ويمكن للسيزموجراف الذي علقت كتلته الثقيلة في إطار يتحرك، من تسجيل الحركات الأفقية للأرض (شكل 16 – 4). وتستخدم في أجهزة السيزموجراف الحديثة تكنولوجيا إلكترونية متقدمة تعمل على تكبير ذبذبات الأرض قبل تسجيلها.
ج – الموجات الزلزالية
تطلق الأرض عندما تهتز طاقة في صورة موجات زلزالية seismic waves، تنطلق من البؤرة الزلزالية عبر القشرة الأرضية لتصل إلي السيزموجراف على هيئة موجات داخلية (جسمية) body waves تنتقل في جسم الأرض بالكامل. وتتداخل الموجات الداخلية (الجسمية) المنعكسة من سطح الأرض مع تلك القادمة من أسفل لتكون موجات سطحية surface waves تتحرك بالقرب من سطح الأرض فقط. والموجات الداخلية هى الأسرع، وتشمل موجات أولية وموجات ثانوية.
1 – الموجات الأولية
الموجة الأولية primary wave أو موجة بي (P wave) هى الموجة السرع والأسبق في الوصول إلي محطة التسجيل. وتتحرك الموجات الأولية في نظام دفعي – جذبي push – pull fashion للذبذبات، حيث تتبادل التضاغطات (دفع) مع التخلخلات (جذب) مثل موجات الصوت في الهواء، وتشبه الموجات الأولية في حركتها لعبة السلك الزنبركي التي تشد من طرف واحد (16 – 5 أ). وتتحرك الموجات الأولية في جميع المواد الصلبة والسائلة والغازية ولكنها لا تتحرك في الفراغ. وتتسبب الموجات الأولية في دفع أو جذب جزيئات المادة في اتجاه حركة الموجة. وهكذا فإن المواد التي تمر خلالها تلك الموجات تتمدد وتنضغط (أي تتحرك للأمام والخلف) نتيجة حركة الموجات خلالها، وتعود إلي شكلها الأصلي بعد مرور الموجات. وكلما زادت الكثافة والمقاومة للتضاغط، كلما زادت سرعة الموجات الزلزالية التي تمر في النظام الذري الداخلي للمواد. وتبلغ سرعة الموجات الأولية في الجزء العلوي من القشرة الأرضية حوالي 6كم/الثانية، حيث تزداد كثافة الصخور، بينما تنخفض السرعة في الماء إلي حوالي 1.5كم/الثانية. وتستطيع الموجات الأولية التحرك في الهواء، حيث تشبه موجات الصوت كما ذكرنا سابقاً.
2 – الموجات الثانوية
تلي الموجات الأولية الموجات الثانوية secondary waves أو موجة إس (S wave) في الوصول إلي السيزموجراف. وتعرف الموجات الثانوية بأنها موجات قص shear waves حيث إنها موجات مستعرضة تسبب اهتزاز جزئيات المواد التي تمر خلالها في اتجاه عمودي على اتجاه انتشارها. وتشبه حركة الموجة الثانوية حركة الحبل الذي يهز أحد طرفيه لأعلى وأسفل (شكل 16 – 5 ب). وتتسبب تلك الموجات في حدوث إجهادات قص في المواد التي تمر خلالها، حيث تتشوه المواد التي تمر خلالها تلك الموجات ولا تعود إلي شكلها الأصلي إذا تعدى اإجهاد حد المرونة. وحيث أن معامل تماسك السوائل والغازات يساوي صفرا ولا تملك السوائل والغازات تلك المرونة التي ترتد بها إلي الشكل الأصلي، فإن الموجات الثانوية (موجات القص) لا تنتقل إلا في المواد الصلبة فقط ولا تمر في السوائل أو الغازات. وتبلغ سرعة الموجات الثانوية في صخور الجزء العلوي من القشرة الأرضية (مثل صخر الجرانيت) حوالي 305 – 4كم/الثانية، بينما تتوقف تلك الموجات عند مرورها في الماء. وتسبب حركات الموجات الثانوية الرأسية والأفقية اهتزاز سطح الأرض وبالتالي حدوث دمار للمباني.
وتسلك الموجات الزلزالية الداخلية (الجسمية) سلوك موجات الصوت والضوء، في أنهما يحتاجان لوسط ينتقلان خلاله، وكذلك لأن لهما القدرة على الانعكاس reflection والانكسار refraction. فالموجات الداخلية تنعكس على عديد من السطح الفاصلة بين الأوساط الصخرية داخل الأرض، كما أنها تنكسر عندما تتغير سرعة الموجات نتيجة انتقالها من وسط إلي وسط آخر مختلف في الكثافة، حيث تغير تلك الموجات مسارها. كما يحدث التغير في سرعة الموجات وانكسارها إما بشكل تدريجي أو مفاجئ.
وتعتمد سرعة الموجات الداخلية على كثافة الوسط الذي تمر خلاله تلك الموجات. فإذا كان تركيب الأرض متجانسا وكانت الكثافة تزداد تدريجيا مع العمق نتيجة زيادة الضغط، فإن الانكسار يسبب انحناء مسار الموجات الزلزالية. وقد أوضحت القياسات أن مسار الموجات يكون منحنيا فعلاً نتيجة الانكسار التدريجي، كما أن الموجات الزلزالية تنعكس أيضاً وتنكسر نتيجة وجود عدة نطاقات تختلف فيها الكثافة بشكل مفاجئ، مثل الحد الفاصل بين اللب والوشاح.
3 – الموجات السطحية
تشمل لموجات السطحية التي تنتقل عبر سطح الأرض أو بالقرب منه عدة أنواع، أهمها: موجات لف وموجات ريلي. وتنشأ الموجات السطحية نتيجة تداخل الموجات الداخلية (الجسمية) والمنعكسة من سطح الأرض مع تلك القادمة من أسفل، مما يسبب اضطراب السطح. ويمكن تخيل هذه الأنواع من الموجات الصغيرة الدائرية التي تنشأ حول نقطة سقوط الحجر (والتي تشبه المركز السطحي الزلزال). وتعرف كل من موجات لف وموجات ريلي بموجات L- (L waves) لأنها موجات طويلة long waves. وتكون الموجات السطحية أبطأ عموما من الموجات الداخلية(الجسمية)، حيث تصل تلك الموجات إلي محطة الرصد بعد الموجات الأولية والثانوية.
موجات لف: يمكن تعرف موجات لف على السيزموجرام، وهى الموجات التي تعرف عليها عالم الرياضيات البريطاني لف A .E .H .Love. وتشبه حركة تلك الموجات حركة الموجات الثانوية ماعدا أنها تنتقل من جانب إلي آخر في مستوى أفقي تقريباً مواز لسطح الأرض. وكما هو الحال في موجات القص S، تكون حركة الجزيئات بالاهتزاز أو القص في اتجاه عمودي على اتجاه الحركة للأمام (شكل 16 – 5 ب)، ولكن في مستو مواز لسطح الأرض (يهتز الحبل من اليمين إلي اليسار). وعموماً تنتقل موجات لف أسرع من موجات ريلي ولا تنتقل موجات لف خلال الماء أو الهواء مثل موجات إس.
موجات ريلي: سميت تلك الموجات باسم العالم البريطاني لورد ريلي Lord Rayleigh، وتتحرك تلك الموجات في حركة دورانية إهليلجية (بيضاوية) للخلف (شكل 16 – 5 ج)، مثل حركة جزيئات الماء في الموجات الناشئة بواسطة الرياح، ماعدا أن حركة الأمواج في الماء تكون دورانية للأمام (شكل 16 – 5 د). ويتسبب الاهتزاز بواسطة موجات ريلي في حركة رأسية وأخرى أفقية، وكلما كانت بؤرة الزلزال أقرب إلي السطح، زادت طاقة موجات إس وبي والتي تضرب السطح، وبذلك تزداد طاقة موجات ريلي. وتنتقل موجات ريلي في لمواد الصلبة والماء.
تحديد موقع الزلزال: تنتقل الموجات الزلزالية المختلفة بسرعات مختلفة، ولذلك فإنها تصل إلي السيزموجراف في أزمنة مختلفة. ويوضح شكل (16 – 6) الأنماط المميزة والمسجلة للموجات الزلزالية المختلفة. وأول الموجات الزلزالية وصولا إلي السيزموجراف وأسرعها هو الموجات الأولية التي تنتقل بسرعة تبلغ ضعف الموجات الثانوية تقريباً، التي تليها في الوصول. وتنتقل كل من موجات إس وموجات بي مباشرة من بؤرة الزلزال إلي السيزموجراف عبر جسم الأرض الداخلي. وآخر الموجات وصولا إلي السيزموجراف هو الموجات السطحية (موجات لف ثم موجات ريلي) حيث إنها أبطأ الموجات الزلزالية. كما أنها تنتقل عبر مسار أطول على امتداد سطح الأرض.
وقد تمكن العاملون في مجال الزلازل من جمع عدد ضخم من النتائج خلال السنوات الماضية استخدموها في تحديد متوسط زمن انتقال موجات بي وإس لأي مسافة. كما عملت منحنيات زمن الانتقال time – distance curves والتي توضح أنه كلما زادت المسافة بين السيزموجراف والمركز السطحي للزلزال epicenter، زاد الفرق بين زمن وصول موجات بي وموجات إس (شكل 16 – 7).
كما يوضح شكل (16 – 8) أنه يمكن تحديد المركز السطحي لأي زلزال باستخدام منحنيات زمن الانتقال، ومعرفة زمن وصول كل من موجات P وSعند أي ثلاثة مواقع للسيزموجراف أو أكثر. ويعطي ناتج طرح زمن وصول أول موجة أولية من زمن وصول أول موجة ثانوية فرق الزمن المنقضي بين وصول الموجتين عند كل موقع سيزموجراف. وبإسقاط فرق الزمن من المواقع المختلفة على منحنيات زمن الانتقال ورسم خط مستقيم لأسفل إلي المحور الذي يوضح المسافة من بؤرة الزلزال، فإنه يتم تحديد المسافة بين السيزموجراف والمركز السطحي للزلزال. ويرسم بعد على الخريطة دائرة يساوي نصف قطرها المسافة التي تم الحصول عليها من منحنيات زمن الانتقال حول كل موقع من مواقع السيزموجراف (شكل 16 – 8). وتحدد نقطة تقاطع الدوائر الثلاثة موقع المركز السطحي للزلزال. وجدير بالملاحظة أنه لابد من استخدام ثلاثة مواقع للسيزموجراف على الأقل، لأن استخدام موضعين فقط يحدد إمكانية وجود مركزين سطحيين للزلزال، بينما يؤدي استخدام موقع واحد للسيزمواجراف إلي إمكانية وجود عدد لانهائي من مواقع المراكز السطحية للزلزال. وتستخدم حاليا الحاسبات الآلية في تحديد مواقع المراكز السطحية للزلازل، حيث يتم استخدام عديد من مواقع السيزموجراف بهدف الحصول على نتائج أدق.
د – قياس شدة وقدر الزلزال
إن تحديد موقع الزلازل هو خطوة أولي فقط لفهم تلك الزلازل، ولكن لابد أن يحدد علماء الزلازل قوة الزلزال. ويتم هذا التحديد بطريقتين: الأولى وهى شدة الزلزال intensity وهى تقييم نوعي ووصفي لأنواع الدمار الناشئ عن زلزال ما، والطريقة الثانية هى قدر الزلزال magnitude وهى قياس كمي لمقدار الطاقة المنطقة من زلزال ما. وتمدنا كل من الطريقتين بنتائج هامة عن الزلازل وتأثيرها، حيث يمكن استخدام هذه المعلومات عن الزلزال في دراسة ومحاولة توقع زلازل مستقبلية.
1 – شدة الزلزال
شدة الزلزال intensity هى قياس نوعي ووصفي للدمار الناتج عن زلزال ما ورد فعل الناس لها. وقد استخدم الجيولوجيون الشدة منذ منتصف القرن التاسع عشر كتقدير تقريبي لحجم وقوة زلزال ما. وأكثر مقاييس الشدة استخداما في الولايات المتحدة والعالم مقياس شدة ميركالي المعدل Modified Mercalli Intensity Scale. وهو مقياس مقسم إلي اثنى عشر قسماُ، تكتب بالأرقام الرومانية، ويبدأ برقم 1 والذي يعبر عن الزلازل التي لا يشعر الناس بها، وينتهي برقم XII والذي يعبر عن حدوث دمار شامل تقريبا. وهو مقياس معدل لمقياس العالم الإيطالي ميركالي G . Mercalli، والذي وضعه سنة 1902م وتم تعديله عام 1931م في الولايات المتحدة الأمريكية (جدول 16 – 1).
وعموماً، وعلى الرغم من حقيقة أن الزلزال الكبير يسبب دماراً أكبر من الزلزال الصغير، إلا أن هناك عدداً من العيوب في استخدام ذلك المقياس. حيث يعتمد الدمار على البعد عن المركز السطحي للزلزال (شكل 16 – 9) وعمق بؤرة الزلزال والكثافة السكانية وجيولوجية المنطقة المتأثرة بالزلزال ونوعية المواد المستخدمة في البناء وطريقة البناء ومدة الاهتزاز. وبالإضافة إلي ذلك، فإن تقدير حجم الدمار يكون موضوعيا، بمعنى أن بعض الناس قد يضخم حجم الدمار سواء عن قصد أو عن غير قصد، إلا أن الميزة الكبرى لاستخدام مقياس شدة الزلزال هو أنه لا توجد حاجة لاستخدام أجهزة خاصة.
2 – قدر الزلزال
عند مقارنة الزلازل كميا ببعضها، فإننا يجب أن نستخدم مقياساً مستقلا عن مقياس شدة الزلزال يقيس كمية الطاقة لمنطلقة عن الزلزال. وقد قدم تشالز ريختر Charles F .Richter عام 1935م من معهد كاليفورنيا للتقنية هذا لامقياس، وهو قدر الزلزال magnitude، أي الكمية الكلية للطاقة المنطلقة من زلزال ما عند نقطة مصدره. ويعرف هذا المقياس بمقياس ريختر لقدر الزلازل Richter magnitude scale. ويبدأ هذا المقياس من قدر 1، بينما يكون مفتوح النهاية.
ويتحدد قدر الزلزال بقياس اتساع أكبر موجه زلزالية تم تسجيلها على السيزموجرام. ونظراً لأن الزلازل تختلف كثيراً في قوتها، فإن اتساع الموجات المتولدة يتفاوت آلاف المرات تبعاً لهذا الاختلاف. ولاستيعاب هذا التفوت الكبير، استخدم ريختر مقياساً لوغاريتميا (للأساس 10) للتعبير عن قدر الزلزال. فإذا تضاعف اتساع موجة الزلزال عشر مرات، فإن ذلك يقابله زيادة قدرها وحدة واحدة على مقياس ريختر. فمثلاً، اتساع أكبر موجة زلزالية لزلزال قدره 6، تكون عشرة أضعاف اتساع الموجه لناتجة عن زلزال قدره 5، وتزيد مائة مرة عن زلزال قدره 4، وألف مرة عن زلزال قدره 10 = 3 (10× 10× 1000).
وبينما تمثل زيادة قدر الزلزال وحدة واحدة على مقياس ريختر زيادة قدرها عشر مرات في اتساع درجة الزلزال، فإن زيادة وحدة واحدة في القدر تقابل تقريباً زيادة قدرها ثلاثين ضعفاً من لطاقة المنطلقة. فزلزال ألاسكا عام 1964م والذي بلغ قدره 8.6 أطلق حوالي تسمائة ضعف لطاقة المنطلقة من زلزال نورث ريدج Northridge earthquake عام 1994م والذي بلغ قدره حوالي 6.7.
ومن المعلوم أن هناك أكثر من 900.000 زلزال تسجل حول العالم كل عام. ويمكن النظر إلي تلك الأعداد بطريقة أفضل، كما هو موضح في جدول (16 – 1)، والذي يبين أن الغالبية العظمى من هذه الزلازل يبلغ قدرها عن 8 تقع كل خمسة إلي عشرة أعوام فقط في المتوسط. ويوضح الجدول مقارنة بين مقياسي ميركالي وريختر.
هـ - الدمار الناشئ عن الزلازل
يشمل الدمار الناشئ عن الزلازل جوانب عدة منها حدوث الهزات الأرضية والموجات الزلزالية البحرية والانزلاقات الأرضية، بالإضافة إلي اندلاع النيران واضطراب الخدمات المعيشية والذعر والصدمات النفسية. ويعتمد مقدار الدمار في الممتلكات وأعداد القتلى والجرحى على وقت حدوث الزلزال وجيولوجية المنطقة ونوع المباني المقامة وهيكلها البنائي والكثافة السكانية ومدة الهزة الأرضية. وعادة ما تكون الزلازل التي تحدث في وقت العمل وأثناء اليوم الدراسي في المناطق المزدحمة بالسكان أكثر دماراً.
الهزة الأرضية: تعتبر الأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى بسبب الهزات الأرضية من أكثر المخاطر الناشئة عن الزلازل. وتتعرض المباني المقامة على صخور صلبة لدمار أقل من المباني المقامة على مواد ضعيفة غير متماسكة مثل الرواسب المشبعة بالماء أو مواد الردم الصناعية، حيث تكون مدة الهزة الأرضية المؤثرة على المواد الضعيفة والمشبعة بالماء أطول واتساع الموجة S أكبر من تلك المؤثرة على المباني المقامة على صخور الأساس. وتميل مواد الرديم والرواسب المشبعة بالماء لأن تسيل، أي تسلك سلوك السائل، وهى العملية التي تعرف بالإسالة liquefaction. فعند حدوث هزة أرضية تفقد الحبيبات تماسكها وتنساب الأرض. ومن أمثلة الدمار الناتج عن الإسالة ما حدث في نيجاتا Niigata باليابان، حيث مالت المباني الكبيرة على جوانبها بعد انهيار التربة المشبعة بالماء المقامة عليها المباني على جوانب التلال. وقد سجلت ظاهرة الإسالة بمصر في عديد من القرى على الجانب الشرقي للنيل (شكل 16 – 10) نتيجة الزلزال الذي تعرضت له مدينة القاهرة الكبرى بمصر يوم 12 أكتوبر 1992م. وبالإضافة إلي قدر الزلزال وجيولوجية المنطقة المقام عليها المباني، فإن المواد المستخدمة في إقامة المنشآت ونوعية البناء تؤثر أيضاً على حجم الدمار الحادث. فالمنشآت المقامة من الطين، تكون أضعف وتنهار كلها تقريباً عند تعرضها للزلزال.
اندلاع النيران: يكون اندلاع النيران أحد المخاطر الرئيسية لناجمة عن الزلازل خاصة في مناطق الحضر. وقد تسببت النيران في حوالي 90% من الدمار الذي حدث عام 1906م أثناء زلزال سان فرانسيسكو. حيث تسببت الهزة الرضية في تحطيم خطوط الغاز والكهرباء والتي لامست النيران، وبذلك بدأت الحرائق في أنحاء المدينة، واستمرت لحوالي ثلاثة أيام دمرت خلالها معظم المدينة. وفي عام 1989م، وخلال زلزال لوما بريتا Loma Prieta earthquake في سان فرانسيسكو، حدث اندلاع محدود للنيران حيث ساعدت الصمامات الموضوعة على خطوط الغاز والماء في عزل الخطوط المحطمة.
التسونامي (الموجات البحرية الزلزالية): تنشأ الموجات البحرية الزلزالية seismic sea waves أو تسونامي tsunami (مشتقة من الكلمة اليابانية tsu بمعنى مرفأ وnami بمعنى موجة) من الزلازل التي تحدث على قيعان المحيطات، قد تنشأ أيضاً وبدرجة أقل من الانزلاقات الرضية الكبيرة أو النشاطات البركانية تحت سطح البحر. ومن الشائع تسمية لتسونامي باسم موجات المد والجزر tidal waves على الرغم من عدم وجود أي علاقة لهذه الموجات بالمد والجزر. وتنشأ معظم التسونامي نتيجة حركة مفاجئة لقاع المحيط، مما يتسبب في حدوث موجات في الماء تنتقل للخارج (شكل 16 – 11) مثل الموجات التي تتكون عندما يلقي بحجر في بركة ماء.
وتنتقل التسونامي بسرعات تتراوح بين 644كم و725كم/ساعة، وتقل تدريجيا بمرور الوقت وزيادة مسافة السفر، ولكن تكون عموماً غير محسوسة في المحيطات المفتوحة، حيث يكون ارتفاع موجات التسونامي عادة أقل من متر، والمسافة الأفقية بين قمم الموجات تكون عدة كيلومترات. وعندما تقترب التسونامي من الشواطئ تقل سرعة الموجات ويرتفع الماء إلي ارتفاعات تصل إلي 30 متراً أو أكثر.
وقد ضرب التسوماني جزيرة هاواي عام 1964م، وبعد 4.5ساعة من حدوث زلزال بحري قوي بالقرب من جزيرة يونيماك Unimak في ألاسكا تحركت الأمواج بسرعة وصلت إلي 800كم/ساعة، وعلى الرغم من أن اتساع الموجة في المحيط المفتوح كان أقل من متر واحد، إلا أن هذا الاتساع اد بالقرب من الشاطئ. وعندما ضربت الموجة شواطئ هاواي كان قد وصل ارتفاعها إلي 18 مترا. وقد تسبب هذا التسونامي في قتل 154 شخصاً ودمر من الممتلكات ما يقدر بحوالي 25 مليون دولار. وقد أدى ذلك إلي إنشاء نظام للإنذار المبكر عن التسونامي في هونولولو بهاواي في محاولة لتقليل الدمار الناتج عن التسونامي. ويشمل هذا النظام المبكر أجهزة سيزموجراف بالإضافة إلي أجهزة أخرى لكشف الموجات الناتجة عن الزلازل، حتى يمكن الإبلاغ عن نشأة تسونامي وإعطاء التحذيرات في لوقت المناسب.
وقد حدثت أكبر الموجات البحرية الزلزالية (التسونامي) دمارا في القرن العشرين، في يوليو عام 1998م في بابوا بغينيا الاستوائية، حيث حدث زلزال بقوة 7.1 على مقياس ريختر على بعد حوالي 20كم من الشاطئ. ثم نشأت ثلاث موجات من المد بعد عشرين دقيقة من الزلزال، ووصلت أعلى موجة إلي ارتفاع 15 مترا ودمرت ثلاث قرى ساحلية تماما، وقتلت أكثر من 2200 شخص. وقد حدث هذا العدد من القتلى بسبب عدم تحذير الأهالي، بالإضافة إلي طبيعة الأرض المنخفضة في تلك القرى.
أما التسونامي الذي كان أقواها جميعا فهو ذلك التسونامي الذي حدث في 26 ديسمبر عام 2004م بالقرب من جزيرة سومطرة الأندونيسية، والذي نشأ عن زلزال في قاع المحيط الهادي شمال أندونيسيا بقوة تزيد على 9.2 على مقياس ريختر، وامتد تأثيره على سواحل المحيط الهندي من أندونيسيا وتايلاند شرقا حتى الصومال غربا، ومرورا بكل شواطئ جنوب آسيا مثل لهند وسيلان (شكل 16 – 12). وقد تسبب هذا التسونامي في موت مايزيد على 300.0000 نسمة، كما ألحق دمارا شاملا في جزيرة آتشيه الأندونيسية وكثير من المناطق المطلة على المحيط الهندي.
الانهيارات الرضية: إن الانهيارات الأرضية التي تحدث نتيجة الزلازل تكون خطيرة، خاصة في المناطق الجبلية، كما تكون مسئولة أيضا عن الدمار الهائل والعدد الكبير من الوفيات. وقد أدى زلزال عام 1920م في جانسو Gansu بالصين إلي قتل ما يقرب من 100.000 نسمة بسبب انهيار الجروف المكونة من اللويس (غرين ترسب بالرياح). كما تسبب زلزال بيرو عام 1970م في حدوث انهيارات أرضية دمرت مدينة ينجي Yungay town.
و – تحديد نوع التصدع من نتائج الزلزال
يقوم علماء الزلازل عند حدوث زلزال ما بتحليل السيزموجرام (شريط تسجيل الزلزال) في عدة محطات رصد ليحددوا المركز السطحي للزلزال وقدره، ثم يقوموا بفحص التصدع الذي حدث عند هذا المركز. والهدف من هذا الفحص معرفة علاقة سطح الصدع واتجاه الانزلاق بالإجهاد أو الضغوط في القشرة الأرضية، وهل كان الزلزال نتيجة صدع عادي أم دسر أم انزلاق مضربي.
وإذا لم يسجل أي أثر للتصدع في موقع الزلزال، فإن ذلك يرجع إلي أن بؤرة الزلزال كانت بعيدة عن سطح الرض. ومع ذلك، فإنه يمكن لعلماء الزلزال تحديد نوعية التصدع الذي حدث تحت السطح من المعلومات المسجلة في السيزموجرام، حيث إن عددا قليلا جداً من سطوح الصدوع تصل حتى سطح الأرض.
وقد تم حديثا إنشاء عديد من أجهزة السيرموجراف حول العالم، بحيث تسجيل محطات الرصد أي بؤرة زلزال محتملة. فقد لاحظ علماء الزلازل أنه إذا كانت الحركة الزلزالية الأولى للأرض والمسجلة بسيزموجراف في اتجاه معين (موجه P) هى حركة دفع (push away) بعيداً عن بؤرة الزلزال وتتجه إلي السيزموجراف، فهذا يعني وصول قوة ضغط، وأن الصخور قد تحركت ناحية السيزموجراف، ويكون اتجاه حركة الموجة لأعلى على السيزموجرام، شكل (16 – 13 أ). أما بالنسبة لأجهزة السيزموجراف الموجودة في الاتجاهات الأخرى فإن الحركة تكون حركة جذب pull toward في اتجاه بؤرة الزلزال، مما يعني وصول قوة شد، ويكون اتجاه حركة الموجة لسفل على السيزموجرام. ويوضح شكل (16 – 13 ب) تأثير زلزال نشأ نتيجة الحركة على صدع مضربي الانزلاق، حيث يمكن تحديد حركة الصدع عند توقيع الحركات الولى للزلازل من عدة سيزموجرافات.
|| - توزيع الزلازل حول العالم
على الرغم من أنه يوجد أي جزء على سطح الأرض بعيدا عن حدوث زلازل، إلا أن معظم الزلازل (تقريبا 95%) تقع في أحزمة زلزالية تقابل حدود اللواح، حيث تنشأ الإجهادات (الضغوط) نتيجة تقارب الألواح أو تباعدها أو انزلاقها بموازاة بعضها البعض. وتعرف الحزمة الزلزالية seismic belts بأنها نطاقات زلزالية ضيقة ومستطيلة عادة، وتتميز بتكرار تعرضها للهزات الأرضية الزلزالية. أما النشاط الزلزالي البعيد عن حدود الألواح فإنه يكون قليلا جدا، ولكن قد يكون مدمرا عند حدوثه. والعلاقة واضحة بين حدود اللواح وتوزيع الزلازل، حيث يلاحظ أن مواقع الزلزال تنطبق على حدود الألواح التكتونية (شكل 16 – 14).
وتقع معظم الزلازل (80% تقريبا) في الحزام الممتد على طول قاع المحيط الهادئ. ويعرف بالحزام حول الهادئ circum – pacific belt وهو نطاق من النشاط الزلزالي يحيط بحوض المحيط الهادئ. ويمتد هذا الحزام بطول السلاسل الجبلية في غرب أمريكا من كيب هورن إلي ألاسكا، ثم يعبر آسيا ليمتد جنوبا على امتداد شواطئ اليابان والفلبين وغينيا الجديدة وفيجي، ثم يكمل الدائرة حيث يتجه جنوبا إلي نيوزيلندة. وقد حدث في هذا النطاق أكثر الزلزال تدميرا في تاريخ الأرض، والتي أدت لحدوث خسائر تقدر ببلايين الدولارات، وقتل أكثر من نصف مليون من البشر.
والحزام الزلزالي الكبير الثاني هو حزام البحر المتوسط – الهيمالايا Mediterranean – Himalayan belt، حيث يقع حوله حوالي 15% من الزلزال. ويمتد هذا الحزام غربا من إندونيسيا إلي الهيمالايا ثم إيران فتركيا ثم منطقة البحر الأبيض المتوسط حتى جبل طارق. ويعتبر زلزال عام 1993م في الهند والذي قتل حوالي ثلاثين ألف نسمة، وزلزال عام 1995م المدمر في إيران والذي قتل حوالي أربعين ألف نسمة، وزلزال عام 2003م في مدينة بام في جنوب شرق إيران والذي تسبب في قتل حوالي واحدا وأربعين ألف نسمة، أمثلة للزلازل المدمرة في هذا النطاق. وتقع الخمسة في المائة الباقية من الزلازل في داخل اللواح وعلى امتداد حيود وسط المحيط. ومعظم هذه الزلازل لا تكون قوية، على الرغم من أن بعض الزلازل الكبيرة داخل اللواح تكون جديرة بالاهتمام.
والأحزمة الزلزالية هى أماكن لانطلاق كمية كبيرة من الطاقة الداخلية للأرض. ولذلك فإنه من المتوقع أن توجد مظاهر أخرى لانطلاق تلك الطاقة الداخلية تظهر في تلك الأحزمة. ومن هذه المظاهر حيود وسط المحيط mid – ocean ridges والخنادق المحيطية العميقة والبراكين الأنديزيتية، وغيرها من المظاهر الأخرى. وتحدد الأحزمة الزلزالية حدود الألواح أو تمتد موازية لها تقريبا، قارن شكل (16 – 14) بشكل (1 – 11).
كما يعكس عمق البؤر الزلزالية حول حدود اللواح معلومات إضافية أخرى. وتقع معظم البؤر الزلزالية على أعماق أقل من 100كم، حيث تشق الزلازل طريقها في الصخور القصفة وحول حدود الألواح، وحيث يبلغ سمك الغلاف الصخري القصف 100كم فقط. ومع ذلك فإنه قد ينشأ القليل من الزلازل عند أعماق كبيرة تصل إلي حوالي 700كم. وجدير بالملاحظة أن تلك الزلازل العميقة لا تصاحب الحدود المحيطية أو الصدوع الناقلة ولكنها مرتبطة بالخنادق المحيطية. وتحدد تلك الخنادق الأماكن التي يغوص فيها الغلاف الصخري البارد القصف في الوشاح.
وقد أوضحت الدراسات التفصيلية للبؤر الزلزالية تحت الخنادق المحيطية، أن هذه البؤر تتبع مسارا محددا يسمى بنطاق بيني أوف Benioff zone على اسم العالم الذي تعرف على هذه الظاهرة لول مرة (شكل 16 – 15). وتوضح هذه الملاحظة الهامة أن الزلازل العميقة ربما تنشأ في اللوح البارد نسبيا والمتحرك لأسفل عند نطاقات الاندساس subduction zone. ونظراً لأن بعض البؤر الزلزالية قد توجد عند أعماق تصل إلي 700كم، فلابد من استنتاج أن الغلاف الصخري الهابط بسرعة، يمكن أن يحتفظ على الأقل بقابلية التقصف عند هذا العمق. ومع ذلك، فإنه من غير المعروف لماذا لم يتم تسجيل أي زلزال عند أعماق أكبر من 700كم. بينما يرجع البعض ذلك إلي ان الغلاف الصخري الهابط بسرعة وعند وصوله لعمق 700كم يصبح ساخنا بدرجة تكفي لأن تجعل الصخور لدنة أكثر منها قصفة. وتوضح مواقع الزلازل أشكال وتراكيب الألواح التكتونية. ولكي نتعرف طريقة تحرك الألواح واستجابتها للقوى المؤثرة عليها، فإن ذلك يستلزم إجراء مزيد من الدراسات الزلزالية التفصيلية، خاصة دراسة الحركة الزلزالية الأولى.
||| - الزلازل وتكتونية الألواح
تقدم نتائج تحديد مواقع الزلازل والحركات الأولى للزلزال أهم الأدلة على صحة نظرية تكتونية الألواح. ويوضح (شكل 16 – 14) حدود الألواح التي تحددها أحزمة زلزالية ضيقة، كما أمكن تحديد حركاتها بواسطة دراسات الحركة الأولى للزلازل.
وكما أوضحنا في الفصل الأول فإنه يمكن تمييز ثلاثة أنواع من حدود الألواح: (1) حدود متباعدة divergent boundaries أو مراكز انتشار spreading centers والتي تتطابق مع وديان الخسف فوق القارات وحيود وسط المحيط، (2) حدود الصدع الناقل transform fault boundaries، (3) حدود متقاربة convergent boundaries والتي تتطابق مع الخنادق المحيطية أو نطاقات التصادم القاري. وينشأ عند كل حد من هذه الحدود زلازل مميزة طبقاً لحركات الصدع وأعماق البؤر الزلزالية. ويوضح الشكلان (16 – 16 و16 – 17) أنواع الحدود والزلازل المصاحبة لتلك الحدود.
أ – الأحزمة الزلزالية عند حدود اللواح
يوضح شكل (16 – 14) مواقع المراكز السطحية لزلازل والتي تقع في أحزمة. كما أمكن في السنوات الأخيرة تحديد الأحزمة الزلزالية بدقة بحيث يمكن مضاهاتها بالمظاهر الجيولوجية المختلفة.
1 – الزلازل الضحلة البؤرة عند الحدود المتباعدة
تقع كل حدود الألواح المتباعدة تقريبا على قيعان المحيطات. وتتطابق الأحزمة الضيقة لزلازل وسط المحيط مع قمم حيود وسط المحيط (شكل 16 – 16). وعند فحص طوبوغرافية حيود وسط المحيط تفصيليا، وجد أن الحيود تكون غالبا مقسمة إلي أجزاء، حيث تفصل الصدوع الناقلة بين تلك الأجزاء. وتقع المراكز السطحية لزلازل أيضاً على امتداد الصدوع الناقلة بين أجزاء الحيود المزاحة. كما أوضحت دراسة ميكانيكية الصدوع عند قمة الحيود المحيطية من تحليل الحركة الزلزالية الأولى لموجه P، أن تلك الصدوع من النوع العادي وأن مضربها يمتد موازيا لاتجاه الحيود المحيطية. وتدل الصدوع العادية normal faults أن قوى الشد كانت هى القوى السائدة، ويفسر ذلك وجود وديان خسف تمتد عند قمم الحيود. وقد وجد علماء الزلازل أن حيود وسط المحيط تحدد حدود الألواح، حيث تتباعد الألواح عن بعضها البعض. كما وجدوا أيضا أن الزلازل التي تتطابق مع الصدوع الناقلة توضح ميكانيكيا الانزلاق المضربي. ويقدم علم الزلازل الدليل على أن الألواح كانت تتباعد عن بعضها عند قمم حيود وسط المحيط.
2 – الزلازل الضحلة البؤرة عند حدود الصدع الناقلة
كما أوضحنا في الفصل الول، فإن الصدوع الناقلة هى صدوع رأسية مضربية الانزلاق strike – slip faults تقطع الغلاف الصخري. وهى الحدود التي ينزلق عندها لوحان بمحاذاة بعضهما البعض.
وتدل دراسة الحركة الولى للزلازل أن الحركة التي تحدث على امتداد حدود الصدوع الناقلة هى حركة موازية لاتجاه المضرب، وأن الزلازل ضحلة البؤرة لا يزيد عمقها على 100كم، وتتميز بقيم عالية على مقياس ريختر. وتدل دراسة مواضع البؤر الزلزالية أنه عندما يقطع صدع ناقل قشرة قارية فإنه يتكون في الغالب من سلسلة من الصدوع المتوازية، بدلا من صدع واحد. ويبدو أن هذا هو الحال عند دراسة صدع سان أندرياس بأمريكا.
3 – الزلازل العميقة البؤرة عند الحدود المتقاربة
لقد أظهرت الدراسات أن الزلازل التي تنشأ عند أعماق تزيد على 100كم تتطابق مع نوعين من المواضع أولهما: حدود الاندساس subduction boundaries، حيث يحدث اندساس subduction لغلاف صخري يعلوه قشرة محيطية في الوشاح (الأسثينوسفير أو الميزوسفير). وتمثل الحافة الغربية لقارة أمريكا الجنوبية وسلاسل الجزر التي تكون اليابان والفلبين مثل تلك المناطق. ثانيهما: حدود التصادم collision boundaries حيث تتصادم قارتان. ويتميز كل نوع من تلك الحدود المتقاربة بنمط معين من النشاط الزلزالي.
فعندما يندس غلاف صخري محيطي، فإنه يتعرض لإجهادات (ضغوط) stresses معقدة، وتحدث عدة أنواع من الزلازل (شكل 16 – 17). ويتسبب انحناء الغلاف الصخري لأسفل أثناء عملية الاندساس في حدوث صدوع عادية في الجزء العوي من الوح، وتكون كل الزلازل المصاحبة لتلك الصدوع ضحلة البؤرة جدا وذات قيم قليلة على مقياس ريختر. وتتضمن عملية الاندساس انزلاق لوح تحت آخر. ولذلك فإن الحد الفاصل بين هذين اللوحين يكون عبارة عن صدع دسر thrust fault، وتكون الزلازل المتكونة عند عمق أقل من 100كم (المنطقة التي يتلامس فيها لوحي الغلاف الصخري) ذات قيم كبيرة على مقياس ريختر. وعندما يزيد العمق عن 100كم، ويغوص الغلاف الصخري المندس في الأسثينوسفير، فإن الزلازل تحدث في اللوح المندس. وتدل بعض الزلازل على حدوث إجهاد شد (صدوع عادية)، بينما تدل الزلازل الأخرى على حدوث إجهاد ضغط (صدوع معكوسة). وتدل الزلازل العميقة الناشئة عن قوى شد في الألواح المندسة، على أن الغلاف الصخري يغوص تحت تأثير وزنه.
وقد وجد أن الزلازل التي تنشأ عند حدود التصادم، وهى تمثل حدودا متقاربة أيضا، تتميز بنشاط زلزالي معين. وحدود التصادم collision boundaries هى الأماكن التي تتصادم فيها قارتان. وتمثل سلسلة جبال الهيمالايا بين الهند وآسيا، حد تصادم لم يصل لمرحلة الثبات بعد. ويميل نطاق التصادم لأن يكون منطقة يبلغ عرضها عدة كيلومترات تعرضت الصخور فيها لتضاغط شديد، وتوجد فيها صدوع دسر. ويزداد سمك الغلاف الصخري عند نطاق التصادم. وقد توجد بؤر الزلازل على أعماق تصل إلي 300كم وتكون ذات قيم أكبر على مقياس ريختر. وتدل الحركات الأولى للزلازل على نشأة تلك الزلازل نتيجة الحركة على صدوع دسر.
4 – الزلازل الضحلة البؤرة داخل الألواح
على الرغم من أن معظم الزلازل توجد عند حدود الألواح، إلا أن الخريطة الزلزالية للعالم توضح وجود نسبة بسيطة من الزلازل داخل الألواح. وتتميز البؤر الزلزالية لتلك الزلازل بأنها ضحلة نسبيا، وأن معظمها يوجد فوق القارات. ومن بين تلك الزلازل، بعض الزلازل الأكثر تدميرا في التاريخ الأمريكي، مثل نيومدريد – ميزوري عام 1812م وشارليستون في جنوب كارولينا عام 1886م وبوستون في ماساسوشتس عام 1755م. ويبدو أن هناك قوى كبيرة داخل القشرة الأرضية لا تزال تعمل وتسبب التصدع داخل ألواح الغلاف الصخري، بعيدا عن الحدود الحديثة للألواح.
|V – توقع الزلازل
تعتبر الزلازل أهم أسباب الكوارث الطبيعية المروعة. ولذلك، فإنه من الطبيعي أن تدور نسبة كبيرة من الأبحاث حول الزلازل، حيث يحدو العلماء الأمل في التوصل إلي طريقة لتحسين قدرتنا على توقع الزلازل من خلال تلك الأبحاث. ويعتمد توقع الزلازل على: (1) أساس إحصائي، مثل الفجوة الزلزالية وزمن التكرار، (2) أساس فيزيائي مثل لتغيرات في القشرة الأرضية وخصائصها الفيزيائية، (3) أساس بيوفيزيائي مثل سلوك الحيوانات.
ونعرض فيما يلي وصفا لكل من هذه الطرق الثلاث.
أ- توقع الزلازل على أساس إحصائي
إذا طلب من أحد علماء الزلازل أن يتوقع موعد حدوث زلزال كبير فإن إجابته ستكون "كلما طال الزمن منذ آخر زلزال كبير كلما اقترب موعد الزلزال الكبير التالي". وتمثل هذه المقولة الأساس الذي تقوم عليه طريقة الفجوة الزلزالية seismic gap method. والفكرة الرئيسيةلهذه الطريقة، أن الزلازل تنتج نتيجة تراكم الإجهادات الناشئة عن الحركة المطردة للألواح على امتداد الصدوع، وعند الوصول إلي مستوى حرج من الإجهاد، فإن الغلاف الصخري يتكسر. وتتكرر هذه الدورة التي تنشأ من التراكم البطئ للأجهاد والانطلاق المفاجئ للطاقة في هيئة زلزال مرات ومرات. ويختلف متوسط الفترة الزمنية الفاصلة بين زلزالين قويين من مكان لآخر. وطبقاً لطريقة الفجوة الزلزالية، فإن المناطق ذات الاحتمالات العالية لحدوث زلازل قوية في نطاق صدع نشط، هى المسافة أو الجزء المغلق من صدع لم يحدث به زلزال رئيسي لفترة زمنية تساوي أو تزيد عن متوسط الفترة الزمنية بين زلزالين قويين في هذا الموقع، بينما قد تحدث مثل هذه الزلازل في بقية النطاق.
ويقدم الجزء من صدع سان أندرياس الذي يقطع جنوب كاليفورنيا مثالاً واضحاً على تطبيق هذه الطريقة. ويقدر زمن التكرار recurrence time بين زلزالين قويين في هذه المنطقة والمقدر بعدة طرق، من 100 إلي 150سنة. ونظرا لأن آخر زلزال قوي قد حدث في تلك المنطقة في عام 1857م، فإنه من المتوقع حدوث زلزال قوي جديد فيها في أي وقت من الآن حتى عدة عقود تالية.
ب – توقع الزلازل على أساس فيزيائي
وينشغل علماء الولايات المتحدة واليابان والصين وروسيا والعديد من الدول الأخرى حاليا في بحث مكثف عن المؤشرات التي يمكن أن تستخدم في توقع وقت ومكان الزلازل المدمرة على أساس التغيرات الفيزيائية في القشرة الأرضية. وقد توصلوا إلي بعض المؤشرات التي يمكن أن تستخدم في هذا الإطار وهى:
• الميل السريع للأرض، أو تشوه سطح الأرض بأي شكل من الأشكال. • انزلاق لازلزالي aseismic غير عادي، يحدث ببطء على امتداد صدع بدلاً من الانزلاق المفاجئ الذي يصاحبه زلزال في المنطقة قبل الهزة الرئيسية. • استطالة القشرة الرضية في فترة معينة، وقد يسبب هذا الانفعال الناشئ عن الشد في جذب الكتلتين على جانبي الصدع، مما يقلل من الاحتكاك من الكتلتين على جانبي الصدع، ويسبب بالتالي عدم قفل الصدع unlocking. • التغير في مستوى سطح الماء في الآبار. وقد تسبق تلك التغيرات الزلزال بسبب زيادة أو نقص مسامية الصخور كنتيجة للتغيرات الأولية في الإجهاد. • التغير في الخواص الفيزيائية للصخور بالقرب من صدع ما، مثل قابليته لتوصيل تيار كهربي. • الزيادة غير العادية في تكرار حدوث زلازل صغيرة قبل هزة رئيسية.
وفي الحقيقة، فقد تم تتبع كل تلك الظواهر، حيث إن ظاهرتين أو أكثر منها قد تجتمعان، إلا أنه ليس بالطريقة التي يمكن اعتبارها طريقة ثابتة ويعول عليها في التوقع.
ج – توقع الزلازل على أساس بيوفيزيائي
نظراً لمعاناة الصين من عديد من الزلازل الرهيبة، فقد حاول العلماء الصينيون التوصل إلي طريقة توقع الزلازل وذلك من خلال ملاحظة سلوك الحيوانات عند حدوث الزلازل. ففي يوم 18 يوليو 1969م لاحظ حراس حديقة حيوانات تيانجين Tianjin أن حيوانات الباندا (حيونات تشبة الدب) الهادئة أخذت في الصراخ، كما رفض البجع الاقتراب من الماء، ولم تختبئ الثعابين في جحورها تحت الأرض. كما تضمن تقرير حراس الحيونات أيضا المزيد من الملاحظات التي يمكن أن تستخدم في توقع الزلازل. وقد حدث زلزال قدره 7.4 على مقياس ريختر في اليوم نفسه.
برامج الحماية الزلزالية: تعطي خريطة المخاطر الزلزالية seismic – risk map الأساس لتنظم البرامج المحلية للحماية من الزلازل طبقاً لدرجة الخطر. ففي مناطق المخاطر العالية، فإن مدونة (كود) المباني تتطلب تصميمات هندسية تتحمل الآثار التدميرية للزلازل. ويجب عند البناء في مناطق خطيرة مراعاة تثبيت الأساس جيداً، وتثبيت خطوط الغاز بالأرض جيداً، كما يجب أن تكون الخطوط مرنة لتجنب حدوث أي تسرب للغاز، والذي يكون مصدراً للحرائق في هذه لحالة. كما يجب تثبيت الأرفف بالحوائط، ووضع الشياء الثقيلة في الأجزاء السفلي منها، وكذلك تجنب وضع أسرة النوم بالقرب من النوافذ.
V – استكشاف باطن الأرض باستخدام الموجات الزلزالية
يعرف الجيولوجيون أن الأنواع المختلفة من الموجات الزلزالية تتميز بصفات عامة مشتركة هى:
1 – تعتمد السرعة التي تنتقل بها الموجات على كثافة ومرونة elasticity المادة التي تمر خلالها. فتنتقل الموجات الزلزالية بسرعة أكبر في المواد الصلبة التي تعود فيه المادة إلي شكلها الأصلي بمرونة عند زوال الإجهاد المؤثر. فقد تنتقل الموجات الزلزالية بسرعة أكبر خلال الصخور المتبلورة مثل الجرانيت عنها خلال طبقة من مادة غير متماسكة مثل الرمل.
2 – تزيد سرعة الموجات الزلزالية عموما في الطبقة نفسها كلما زاد العمق، حيث تسبب زيادة الضغط كبس الصخر ليصبح أكثر تماسكاً ومرونة.
3 – الموجات الأولية (موجات P) هى موجات تضاغطية تتأرجح إلي الأمام والخلف في الاتجاه نفسه الذي تنتقل فيه، بينما الموجات الثانوية (موجات S) هى موجات قص shear waves، أي موجات مستعرضة تسبب اهتزاز المواد التي تمر خلالها في اتجاه عمودي على اتجاه انتشارها. وتنتقل الموجات الأولية بسرعة أكبر من الموجات الثانوية عبر الأرض.
4 – عندما تنتقل الموجات الزلزالية من مادة إلي أخرى، فإن بعض الموجات ترتد عند الحد الفاصل بين المادتين، بمعنى أنها تنعكس، بينما ينفذ بعضها إلي المادة الأخرى، مثلما ينعكس الضوء جزئياً عند زجاج النافذة، بينما يمر بعضه الآخر، وتنحني الموجات التي تنفذ خلال الحد الفاصل بين الوسطين أي تنكسر، حيث إن سرعة الموجات في المادة الثانية تختلف عن سرعتها في المادة الأولى.
أ – انتقال الموجات الزلزالية في الأرض
إذا افترضنا جدلا أن الأرض تتكون من مادة واحدة متجانسة ذات خصائص ثابتة من سطح الأرض وحتى مركز الأرض، فإن الموجات الأولية والثانوية سوف تنتقل في خط مستقيم من بؤرة الزلزال وعبر الأرض حتى جهاز السيزموجراف البعيد. ولكن، لاتتبع الموجات المسار المستقيم عند انتقالها عبر الأرض. مما دعا الجيولوجيين إلي أن يستنتجوا أن الأرض تتكون من طبقات، تتكون من مواد مختلفة تنتقل عبرها الموجات بسرعات مختلفة. وتنحني الموجات عندما تنتقل من طبقة لأخرى، ولذلك يكون مسار الموجات في باطن الأرض منحنيا.
وتقدم نتائج دراسة الموجات الزلزالية أحد أهم الأدلة على وجود لب الأرض. فالموجات الزلزالية لا تصل إلي مناطق معينة من الأرض على الجانب المقابل لزلزال كبير. ويوضح (شكل 16 – 18) أن موجات P تنتشر من زلزال ما وتصل إلي سطح الأرض حتى 103 من بؤرة الزلزال، ثم تختفي تلك الموجات فجأة من السيزموجرام.
وعند تتبع مسار الموجة التي تكاد تلمس لب الأرض، فإنها تصل إلي سطح الأرض عند زاوية مقدارها 103، ثم إذا تتبعنا الموجات التي تحترق لب الأرض، فإننا نلاحظ أنها تنحني لأسفل عند دخولها اللب ثم تنحني ثانية عند مغادرة لب الأرض. وبسبب هذا الانحناء عند الحد الفاصل بين لب الأرض والوشاح، فإنه لا يبزغ أي من هذه الموجات عند سطح الأرض قبل مسافة زاوية مقدراها 143 من بؤرة الزلزال. ولذلك، لا تصل أي موجات أولية (موجات P) إلي سطح الأرض بين 143 و 103 حيث يشكل لب الأرض ظلاً على امتداد ذلك النطاق، والذي يسمى نطاق الظل shadow zone. ويشبه ذلك، ما يحدث عندما يحجب جسم معتم أشعة الضوء، ويتكون ظل خلف هذا الجسم. وبعد أكثر من 143 من بؤرة الزلزال، تعاود موجات P الظهور مرة ثانية على السيزموجرام.
وقد أدى اكتشاف نطاق الظل أن يستنتج الجيولوجيون أن للأرض بلا مكونا من مادة مختلفة عن الوشاح الذي يعلوه. كما استنتجوا أن هذا اللب في حالة سائلة، لأن الأمواج تنحني لأسفل بدلاً من انكسارها لأعلى حينما تنفذ في اللب، مثل انكسار شعاع الضوء لأسفل عند انتقاله من الهواء إلي الماء. ويعني ذلك أن الموجات تنتقل في اللب بسرعة أقل من انتقالها في الوشاح. لأنه من المعروف أن الموجات الأولية (موجات p) تنتقل بسرعة بكثير في السوائل عنها في المواد الصلبة. ولذلك فإنه من المنطقي أن نستنتج أن وجود نطاق الظل يستوجب أن الجزء الخارجي من الب في حالة منصهرة. وقد ساهم دليل آخر مستمد من سلوك الموجات الثانوية (موجات S) في لتوصل للاستنتاج السابق (شكل 16 – 18). فعندما تنفذ الشعة الثانوية في اللب، فإنها تفشل في أن تصل إلي الجانب الآخر للأرض. ويتكون أيضا نطاق ظل بالنسبة لموجات S، إلا أنه أكبر من نطاق ظل موجات P، فموجات S لا تسجل خلال كل المنطقة بعد 103 من بؤرة الزلزال. ويشير وجود نطاق ظل موجات S إلي أن هذه الموجات لا تنتقل خلال اللب على الإطلاق. ومن المعروف أن الموجات الثانوية لا تنتقل خلال السوائل، ولذلك استنتج الجيولوجيون أن لب الأرض في حالة منصهرة وقد حجب الموجات الثانوية من الانتقال في تلك المسافات.
وحيث إن وجود موجة منعكسة يتطلب وجود حد يفصل بين مادتين، لذلك فإن وجود انعكاسات reflections للموجات داخل الأرض يعني وجود حدود في باطن الأرض. ولنرى ماذا يحدث عندما ترتد موجات P وموجات S عند الحد الفاصل بين طبقتين. ويوضح شكل (16 – 19) أنه يمكن استخدام الموجة PcP أثناء ارتدادها من لب الأرض إلي سطحها في تحديد عمق لب الأرض، لأن سرعة الموجات الأولية معروفة، وبالتالي يمكن حساب الزمن الذي تستغرقه رحلة الموجة PcP، كما يحدث بالضبط عند استخدام الزمن الذي يستغرقه الصدى echo لنسمعه مرة أخرى في قياس المسافة من جانب الوادي إلي الجانب الآخر. كما يمكن أن ترتد الموجات الأولية من سطح الأرض إلي داخل الأرض كما توضحه الموجة PP في شكل (16 – 19). كما يوضح الشكل الموجات الثانوية المرتدة مرة أخرى داخل الأرض (موجه SS في شكل 16 – 19). والموجات الأولية التي تخترق اللب الخارجي (PKP) أو اللب الداخلي (PKIKP) هى موجات مهمة لاكتشاف تلك المناطق. ومن أهم التطبيقات العملية لانعكاس الموجات الزلزالية الاصطناعية استخدامها في استكشاف البترول، وكذلك قياس سمك المثالج، أو استخدام الموجات الأولية (موجات P) من مصدر صناعي لتحديد عمق المحيط.
ب – اكتشاف التركيب الداخلي للأرض
أدى ظهور أجهزة تسجيل الزلازل الحساسة والساعات العالية الدقة إلي دراسة الموجات الزلزالية بدقة. وقد أصبح من الممكن اكتشاف وجود تغير مفاجئ في سرعة لموجات عند أعماق معينة، بالإضافة إلي التغير التدريجي في سرعتها وانعكاساتها كما سبق أن ذكرنا. وحيث إنه قد تم رصد تلك التغيرات الفجائية (الانقطاعات) على مستوى العالم، فقد توصل علماء الزلازل إلي أن الأرض يجب أن تكون مكونة من طبقات مميزة أو أغلفة shells مختلفة في مكوناتها المعدنية أو في بنيتها البلورية. ويبدو أن وجود طبقات مختلفة المكونات (المحتوي) يرجع إلي عملية التمايز differentiation التي حدثت في المراحل الأولى من نشأة الأرض عندما كانت الرض منصهرة تماماً، حيث هبطت المواد الثقيلة ذات الكثافة العالية بينما طفت المواد الأخف ذات الكثافة الأقل إلي أعلى. أما التطبق التركيبي structural layering فهو يمثل مادة لها المكونات نفسها ولكنها تعرضت إلي تغير في أطوارها. ويحدث التغير في الطور عندما ينصهر الصخر كلية أويقارب ذلك، أو عندما تعيد الذرات ترتيب نفسها في المعادن في بنيات بلورية أكثر إحكاما نتيجة للضغوط الهائلة التي توجد عند الأعماق الكبيرة.
وبناء على نتئج دراسة الزلازل التي جمعت من محطات الرصد المنتشرة على مستوى العالم، فقد تم عمل دراسة تفصيلية عن باطن الأرض. وتوضح تلك الدراسة أن الأرض تنقسم إلي أربع طبقات رئيسية هى: (1) القشرة crust وهى طبقة خارجية رقيقة جداً، (2) الوشاح mantle وهو طبقة صخرية تقع تحت القشرة ويبلغ سمكها الأقصى 2885كم، (3) اللب الخارجي outer core وهو طبقة يبلغ سمكها حوالي 2270كم وله خصائص سائل متحرك، (4) لب داخلي inner core وهوعبارة عن جسم كروي فلزي صلب يبلغ نصف قطره 1216كم. وتتميز كل طبقة من تلك الطبقات بمجموعة من الخصائص نعرضها فيما يلي، بالإضافة إلي بعض الملامح الخاصة لتلك الطبقات.
1 – القشرة
توصل العالم اليوغوسلافي موهوروفيتش Mohorovicic إلي الدليل على وجود حد فاصل بين القشرة الأرضية والوشاح، حيث لاحظ أن أجهزة السيزموجراف الموجودة على بعد حوالي 800كم من بؤرة الزلزال السطحية، والتي تقع بؤرتها على بعد حوالي 40كم من سطح الأرض، قد سجلت مجموعتين متميزتين من موجات P وموجات S. واستنتج موهوروفيتش أن المجموعة الأولى من موجات P وs قد انتقلت من البؤرة إلي محطة الرصد عبر مسار مباشر خلال القشرة الأرضية، بينما المجموعة الثانية من موجات P وs والتي بسرعة أكبر نسبيا، فهى الموجات التي انكسرت عند عمق معين في باطن الأرض، ثم نفذت في نطاق سرعة أعلى يقع أسفل القشرة، ثم انتقلت خلال هذا النطاق لتنعكس مرة أخرى لأعلى إلي سطح الأرض (شكل 16 – 20). وقد افترض موهوروفيتش أن هناك حداً مميزا يفصل القشرة عن نطاق يوجد أسفلها يختلف في المكونات الصخرية. ويشير العلماء الآن إلي هذا الحد باسم انقطاع موهوروفيتش Mohorovicic discontinuity ويعرف بأنه حد انقطاع زلزالي يحدد قاعدة القشرة الرضية. ويسمى هذا الحد عادة بانقطاع – إم M- discontinuity، ويعرف اختصارا بموهو Moho.
وقد استخدمت سرعات الموجات الزلزالية في المعمل لتحديد عمق انقطاع موهو ولتقدير المكونات الصخرية المحتملة للقشرة الأرضية. ويصل سمك القشرة تحت قيعان المحيطات إلي أقل من 10كم، حيث تدل خصائص المرونة للقشرة المحيطية أنها مكونة من صخور البازلت والجابرو. ويختلف سمك القشرة القارية ومكوناتها الصخرية عن القشرة المحيطية، حيث يتراوح سمك القشرة القارية من 20 إلي 60كم، وتميل لأن تصبح أكثر سمكا تحت كتل الجبال الأساسية. وتدل خصائص المرونة لصخور القشرة الرضية أنها نمكونة أساسا من صخور الجرانيت والديوريت، على الرغم من أنها تتكون من صخور تشبه صخور القشرة المحيطية في بعض المناطق الواقعة فوق انقطاع موهو مباشرة. وتتوافق تلك النتائج مع المعلومات التي تم الحصول عليها عن القشرة الأرضية من الدلائل الأخرى مثل التخريط الجيولوجي والحفر العميق في القشرة الأرضية. وقد أعطي هذا التوافق في النتئج الثقة للجيولوجيين لاستنتاج تركيب الوشاح والمكونات المعدنية له، حيث يندر وجود دلائل أخرى لتقدير تركيب ومكونات هذا الوشاح.
2 – الوشاح
يعتبر الوشاح لغزا كبيرا، على الرغم من ضخامته وتحكمه فيما يحدث في القشرة الأرضية، حيث لا يمكن رؤيته. وتترواح سرعة الموجات الأولية (موجات P) في القشرة بين 6 إلي 7كم/ثانية، بينما تكون تلك السرعات تحت خط موهو أكبر من 8كم/ثانية (شكل 16 – 21). وتظهر التجارب المعملية أن سرعة الموجات الأولية في الصخور الشائعة في القشرة الرضية مثل الجرانيت والجابرو والبازلت تتراوح بين 6 و7كم/ثانية، بينما تزيد تلك السرعات عن 8كم/ثانية في الصخور الغنية بالمعادن العالية الكثافة مثل الأوليفين والبيروكسين. ولذلك فإننا نستنتج أن صخورا مثل صخر البريدوتيت الغني في تلك المعادن يجب أن يكون ضمن المواد الأساسية المكونة للوشاح. ويتفق هذا الاستنتاج مع بعض الأدلة القليلة غير المباشرة والمتاحة والمتعلقة بالمكونات الصخرية للجزء العلوي من الوشاح. فقد نستطيع الحصول على بعض الأدلة من العينات النادرة من صخور الوشاح الموجودة في أنابيب الكمبرليت Kimberlite pipes، وهى كتل صخرية ضيقة تشبه الأنابيب مكونة من صخور نارية متداخلة تحتوي أحيانا على بلورات من الماس، وهى توجد متداخلة في قشور القشرة الأرضية إلا أنها تنشأ في أعماق الوشاح.
3 – اللب
تتأثر كل من الموجات الأولية والثانوية بشدة بالحد الموجود عند عمق حوالي 2900كم (شكل 16 – 21). فعندما تصل الموجات P إلي هذا الحد، فإنها تنعكس وتنكسر بقوة بحيث يشكل هذا الحد ظلاً للموجات الأولية، وهى مساحة على سطح الأرض تقابل البؤرة السطحية، حيث لا يلاحظ وجود أي موجات أولية (موجات P). وقد استنتج الجيولوجيون أن الحد الموجود على عمق 2900كم هو الحد الفاصل بين الوشاح واللب، حيث أن هذا الحد يمكن تميزه بوضوح. ويشكل هذا الحد نفسه ظلا للموجات الثانوية أكثر وضوحا. ولا يرجع السبب هنا إلي الانعكاس أو الانكسار، بل إلي حقيقة أن الموجات الثانوية لا تنفذ في السوائل. ومن دراستنا لسلوك الموجات الثانوية ومن نطاق الظل الضخم لموجات S، يمكن أن نستنتج أن اللب الخارجي يكون سائلا.
ولا تستطيع الموجات الزلزالية أن تدلنا على تركيب اللب، إلا أنها يمكن أن تساعدنا في التنبؤ بذلك. وتدل سرعة الموجات الزلزالية المحسوبةمن زمن الانتقال أن كثافة الصخور تزيد ببطء من حوالي 3.3جم/سم3 عند أعلى الوشاح إلي 5.5جم/سم3 عند الجزء السفلي من الوشاح. ويقدر متوسط كثافة الكرة الأرضية عامة 5.5جم/سم3. ولكي تتم معادلة القشرة والوشاح الأقل كثافة، فإن اللب يجب أن يكون مكونا من مادة لها كثافة تتراوح بين 10 – 11جم/سم3 على الأقل. ويمثل الحديد المادة الأكثر شيوعاً والأقرب لتحقيق ذلك. ويأتي الدليل على صحة هذا الاعتقاد من النيازك، حيث يعتقد أن النيازك الحديدية iron meteorites تمثل مادة لب كوكب صغير قديم تحطم الآن. وتحتوي معظم النيازك الحديدية على القليل من النيكل، وربما يكون الوضع مشابهاً في لب الأرض. وحيث إن الموجات الثانوية لا تنتقل بعد حد اللب – الوشاح، لذلك يستنتج أن اللب الخارجي يكون في حالة سائلة، ويتكون في معظمه من الحديد، ولكنه يحتوي أيضاً على النيكل وبقايا معادن سيليكاتية من الوشاح السفلي والتي توجد في حالة منصهرة.
4 – اللب الداخلي
تدل انعكاسات الموجات الأولية (موجات P) على وجود لب داخلي صلب داخل اللب الخارجي السائل، ويبدو أن تركيبهما متماثل عموما. وربما يرجع السبب في التغير من الحالة السائلة إلي الحالة الصلبة إلي تأثير الضغط بالقرب من مركز الأرض إلي قيمة تعادل ملايين المرات الضغط لجوي العادي، كما ترتفع درجة الحرارة ولكن ليس إلي الدرجة التي تلغي تأثير الضغط. وتتعادل درجة الحرارة والضغط عند قاعدة الوشاح (عند عمق 2900كم) وإلي عمق 5350كم بحيث يكون اللب في الحالة السائلة. ولكن يوجد حد انكسار وانعكاس واضح عند عمق 5350كم، وربما يمثل هذا الحد الانتقال من الحالة السائلة إلي الحالة الصلبة. ومن الواضح أن الضغط يرتفع من عمق 5350كم وحتى مركز الأرض، بحيث يستطيع التغلب على تأثير الحرارة، ويكون الحديد في حالة صلبة ليكون لب الأرض الصلب.
ج – الطبقات المختلفة الخصائص الفيزيائية في الوشاح
لقد أوضحت الدراسات المختلفة أنه لا توجد اختلافات في المكونات الصخرية للوشاح. وعلى الرغم من أن سرعة الموجات الزلزالية تزداد عموما في الوشاح مع العمق، إلا أن هناك عدة انقطاعات (تغيرات في سرعة الموجات)، والتي يبدو أنها نتيجة تغيرات في الخصائص الفيزيائية للوشاح. فبين عمق 100كم وهو الحد السفلي للقشرة الأرضية، وعمق 350كم تنخفض سرعة كل من الموجات الأولية والثانوية بوضوح، وتعرف هذه الطبقة بين عمق 100كم و350كم بنطاق السرعة المنخفضة low – velocity zone، ويظهر هذا النطاق تحت قيعان المحيطات بشكل أكثر وضوحا عنه تحت القارات. ويقابل نطاق السرعة المنخفضة الغلاف اللدن (الاسثينوسفير) وهو طبقة تماثل في مكوناتها الصخرية مكونات الوشاح أعلاها مباشرة، إلا أنها أقل في الصربة rigidity وأقل في المرونة elasticity أيضا، مع أنها أكثر لدونة ductile عن المناطق لامجاورة لها.
والتفسير المقبول لوجودنطاق السرعة المنخفضة، هو أن التدرج الحراري للأرض geothermal gradient في المنطقة بين 100كم حتى 350كم يصل إلي درجات حرارة من بداية الانصهار الجزئي لصخر الوشاح. وإذا كان هذا التفسير صحيحا فإما أن شدة الصخر rock strength تنخفض بشكل حاد عند درجات الحرارة القريبة من الانصهار، وإما أن الانصهار يبدأ وتتكون كمية صغيرة من السوائل التي تكون طبقة رقيقة جدا حول حبيبات المعادن، والتي تعمل على تخفيف الاحتكاك. ويجب أن تكون كمية المادة المنصهرة قليلة جدا – في حالة افتراض حدوثها – لأن الموجات الثانوية (موجات S) تنتقل خلال هذا النطاق، ونحن نعرف أن موجات – S لا تنتقل خلال السوائل. فأي سائل، مثل غلالة سميكة من الزيت، يعمل على تخفيف الاحتكاك بين حبيبات المعدن في الوشاح، ويعمل في نفس الوقت على خفض سرعة الموجات نتيجة انخفاض صفات المرونة.
ويلاحظ أن نظرية تكتونية الألواح تفترض أن ألواح الغلاف الصخري للأرض تنزلق فوق نطاق لدن إلي حد ما في الوشاح. ومن هنا فإن وجود نطاق السرعة المنخفضة هذا يمثل عنصرا مهماً لنظرية تكتونية الألواح، حيث إنه يثبت وجود الغلاف اللدن (الأسثينوسفير). ويتطابق الحد العلوي لنطاق السرعة المنخفضة مع الحد السفلي للغلاف الصخري. وهكذا، فإن نطاق السرعة المنخفضة ينطبق مع الغلاف اللدن (الاسثينوسفير).
وقد حددت انقطاعات أخرى عند مستويات أعمق في الوشاح. وتمثل تلك الانقطاعات تغيرات في البنية البلورية وليس في المكونات المعدنية، كما هو الحال عند الحدود (الانقطاعات) بين القشرة الأرضية والوشاح، وبين الوشاح ولب الأرض. ويفترض الجيولوجيون أن الوشاح يتكون كله من المادة نفسها، إلا أن البنية البلورية للمعادن تتغير مع العمق. حيث تزداد سرعة الموجات الزلزالية قليلا عند عمق 400كم نتيجة للتغر في تركيب المعادن. وتسمى عملية إعادة ترتيب (تعبئة) الذرات، والتي تحدث نتيجة التغير في درجات الحرارة والضغط بالانتقال نتعددة الشكل polymorphic transition. فمعدن الأوليفين عند عمق 400كم تعيد ذراته ترتيب نفسها في معدن متعدد الشكل polymorph أكثر كثافة، ويتحول إلي تركيب يشبه ذلك الموجود في عائلة من المعادن تعرف باسم سبينيل spinels (معدن الماجنيتيت أحد المعادن التي تضمها تلك المجموعة).
وهناك زيادة في السرعة تحدث عند عمق 670كم، وهذا الانقطاع من الصعب تفسيره، على الرغم من افتراض بعض العلماء أنه يحدث عند هذا الحد تكسر للمعادن إلي أكاسيد فلزات مثل أكسيد الحديد FeO وأكسيد الماغنسيوم MgO وأكسيد السيليكون SiO2. وهناك انقطاع ثالث يوجد عند عمق حوالي 1050كم حيث تزداد عنده سرعة موجات P مرة أخرى. وتقع تلك الانقطاعات الثلاثة داخل نطاق يطلق عليه النطاق الانتقالي transitional zone والذي يفصل بين الوشاح العلوي والوشاح السفلي.
V| - الجاذبية الأرضية وتوازن القشرة الأرضية
أوضح سيرإسحق نيوتن (1642 – 1727م) Sir Isaac Newton في قانونه العام عن الجاذبية أن قوة الجذب بين كتلتين تتناسب طرديا مع مادة تلك الكتلتين وعكسياً مع مربع المسافة بين مركزيهما (شكل 16 – 22 أ). ولذلك فإن قوة الجذب بين كتلتين كبيرتين مثل القمر والأرض يكون أكبر من الجاذبية بين جسمين تكون كتلتهما ضغيرة. وعادة، ما نشير إلي قوة الجاذبية بين جسم ما والأرض بأنه وزنه weight.
ومن المفترض أن تكون الجاذبية الأرضية ثابتة في كل مكان على سطح الأرض، إذا كانت الأرض كروية تماماً زمتجانسة كلية ولا تدور. وحيث أن الأرض تدور، فإن قوة الطرد المركزي التي تنشأ عن هذا الدوران يعادلها جزئياً قوة الجاذبية الأرضية (شكل 16 – 22 ب).
وقد أوضحت القياسات الدقيقة أن الأرض ليست كروية تماماً، بل هى عبارة عن جسم بيضاوي مسطح قليلاً عند الأقطاب ومنتفخ قليلاً عند خط الاستواء. ويكون نصف قطر الأرض عند خط الاستواء أكبر بحوالي 21كم منه عند الأقطاب. وحيث أن قوة الجاذبية التثاقلية بين كتلتين تتناسب عكسيا مع مربع المسافة بين مركزيهما، فإن الجذب الذي تسببه الجاذبية الأرضية gravity على جسم عند أقطاب الأرض يكون أكبر قليلاً منه عند خط الاستواء. فالرجل الذي يزن حوالي 80.5كجم عند انتقاله إلي خط الاستواء. وإذا لاحظ الشخص النتقل من القطب الشمالي إلي خط الاستواء وزنه بدقة، فإنه سيلاحظ أن وزنه يتغير بغير انتظام. ومن هنا، فإننا نلاحظ أن الجاذبية الأرضية تتغير بغير انتظام. ولنفس السبب، فإن وزن جسم ما يكون أقل قليلاً فوق سطح الأرض عن وزنه عند مستوى البحر.
ويستخدم الجيوفيزيقيون جهازاً حساسا يسمى جرافيميتر (مقياس التثاقل) gravimeter لقياس الاختلافات في قوة الجاذبية. وتشبه أجهزة التثاقل مسجلات الزلازل (أجهزة السيزموجراف) ذات القصور الذاتي. فتتكون أجهزة التثاقل من كتلة ثقيلة معلقة في زنبرك حساس (شكل 16 – 23). وحينما تكون الأرض مستقرة، ولا يوجد اهتزاز نتيجة الزلازل، فإن قوة الجذب التي تؤثر على الزنبرك نتيجة الزلازل، فإن قوة الجذب التي تؤثر على الزنبرك نتيجة الكتلة الثقيلة تمثل مقياساً دقيقاً للجذب التثاقلي gravitational pull، حيث إنها تستجيب لأي تغيرات في الجاذبية الأرضية. وقد استخدمت أجهزة قياس التثاقل في عمليات البحث عن خامات الهيدروكربونات وغيرها من الخامات المعدنية، حيث تأكد الجيولوجيون من وجود شاذات تثاقلية فوق الأجسام المدفونة، مثل معادن الخام (الركاز) ore minerals وقباب الملح. كما يمكن تحديد بعض التراكيب الجيولوجية باستخدام أجهزة مقياس التثاقل فوق سطح الأرض (شكل 16 – 24).
وتكون قياسات الجاذبية الأرضية فوق راسب من خام الحديد أعلى منها فوق راسب غير متماسك نظراً لارتفاع كثافة خام الحديد عن الراسب المحيط به، (شكل 16 – 24 أ). وتسمى مثل تلك الانحرافات عن قوة الجاذبية الأرضية المتوقعة بشاذات تثاقلية gravity anomalies. وتدل القياسات فوق جسم خام الحديد على زيادة في مادة كثيفة أو بصورة أبسط زيادة الكتلة mass excess بين سطح الأرض ومركزها، وتعتبر شاذة تثاقلية موجبة positive gravity anomaly، بينما يشير وجود شاذة تثاقلية سالبة nwgative gravity anomaly فوق رواسب منخفضة الكثافة إلي نقص الكتلة mass deficiency، نظرا لأن قوة جاذبية الأرض أقل عن المتوسط المتوقع، (شكل 16 – 24 ب). وتوجد أيضاً الشاذات التثاقلية السالبة فوق قباب الملح (شكل 16 – 24 ج) وعند نطاقات الاندساس مما يشير إلي أن القشرة الرضية ليست في حالة اتزان.
أ – قاعدة توازن القشرة الأرضية
قام المساحون البريطانيون عند عمل أول مسح طوبوغرافي في الهند بإجراء قياسات للمسافة بين مدينتين تقعان جنوب سلسلة جبال الهيمالايا وتبعدان عن بعضهما بحوالي 600كم باستخدام طريقتين مختلفتين. وتعتمد الطريقة الأولى للقياس على طرق المساحة التقليدية، بينما تعتمد الثانية على استخدام الطرق الفلكية. وعلى الرغم من أن الطريقتين يجب أن تعطيا النتائج نفسها، إلا لأنه لوحظ وجود فرق في المسافة المقدرة بالطريقتين، قدرت بحوالي 177 مترا. ولقد أرجع هذا الفرق رغم صغره، إلي انحراف خيط الشاقول plumb عن الرأسي نتيجة تأثير جبال الهيمالايا الضخمة المجاورة (الشاقول هو كتلة مخروطية من الرصاص معلقة في خيط تستعمل لإسقاط نقطة رأسياً في الفراغ لمسافة قصيرة) (شكل 16 – 25). وقد قدر أن تأثير جبال الهيمالايا يكون أكبر في المدينة الأقرب لسلسة الجبال. وبعد عدة سنوات، قام برات J .H . Bratt بتقدير كتلة الهيمالايا، كما قام بحساب الخطأ الذي ينتج عن تأثير جاذبية الهيمالايا. وقد أصابته الدهشة عندما اكتشف أن الجبال يجب أن تسبب خطأ أكبر بثلاثة أضعاف الخطأ الملاحظ فعليا، مما دفعه إلي اقتراح وجود لب مركزي خال تحت تلك الجبال.
وبعد عدة سنوات، وفي عام 1865م اقترح سير جورج إيري Sir George Airy أنه بالإضافة إلي نتوء جبال لهيمالايا لأعلى فوق مستوى سطح البحر، فإن جبال الهيمالايا والجبال الأخرى أيضاً، تمتد لمسافة كبيرة تحت سطح الأرض وأن لها جذورا تتكون من مادة قليلة الكثافة. وبمعنى آخر، فإن الجبال تطفو فوق صخور عالية الكثافة في الأعماق، وأن كتلة الجبال الزائدة فوق مستوى سطح البحر يعادلها نقص في الكتلة عند الأعماق. وقد تسبب هذا النقص في الكتلة في انحراف خيط الشاقول أثناء عملية مسح الأرض في الهند.
وقد أظهرت دراسة الجاذبية الأرضية أن الجبال لها جذور تتكون من مواد منخفضة الكثافة تمتد في الوشاح. وإذا افترضنا عدم وجود هذا الجذر منخفض الكثافة، فإن المسح التثاقلي gravity survery في منطقة جبلية لابد أن يظهر شاذة تثاقلية موجبة هائلة. ويرجع السبب في عدم وجود تلك الشاذة إلي أنه لا يوجد زيادة في الكتلة. ولذلك فإن بعض صخور الوشاح الكثيف يجب أن يحل محلها صخور قشرة أخف (شكل 16 – 26). وقد أثبتت الدراسات الزلزالية أيضا وجود جذور منخفضة الكثافة تحت الجبال.
ويسمى اقتراح إيري الآن بقاعدة توازن القشرة الأرضية (أيزوستاسي) principle of isostasy. وطبقاً لهذه القاعدة فإن القشرة الأرضية تكون في حالة توازن، ويمكن مقارنتها بطفو الكتل المكونة للغلاف الصخري فوق الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) الأكبر كثافة. وتشير تلك القاعدة إلي وجود جذور من صخور القشرة الأرضية المنخفضة الكثافة ممتدة ومنغرسة في صخور الوشاح الأكبر كثافة، لتدعيم القارات والجبال. ويمكن فهم هذه القاعدة بسهولة إذا ما قورنت بجبل الجليد. فالجليد أقل كثافة من الماء بنسبة ضئيلة، ولذلك فهو يطفو. وطبقاً لقاعدة أرشميدس للطفو، فإن جبل الجليد يغوص في الماء حتى يزيح حجما من الماء مساو لوزنه الكلي. وعندما يغوص جبل الجليد ليصل إلي حالة اتزان، فإن حوالي 10% من حجمه تبرز فوق سطح الماء. فإذا انصهر بعض الجليد فوق مستوى سطح الماء، فإن جبل الجليد يرتفع لكي يحافظ على النسبة نفسها من الجليد فوق سطح الماء وتحته.
وإذا كان مفهوم توازن القشرة الرضية (أيزوستاسي) صحيحاً، فإننا نتوقع أن تغوص القشرة الرضية عند إضافة وزن جديد إليها. أما إذا أزيل هذا الوزن، فإن القشرة الأرضية ترتفع (يمكن تخيل سفينة الشحن عندما تحمل بالضائع وعند تفريغها). وتعرف هذه الظاهرة بالارتداد الايزوستاسي isostatic rebound. ويوضح شكل (16 – 27) استجابة القشرة الأرضية لإضافة كتلة جليدية ضخمة ثم انصهار الجليد.
وهناك مثال تقليدي تمدنا به المثالج خلال العصور الجليدية. فعندما غطت فرش جليدية قارية continental ice sheets أجزاء من أمريكا الشمالية خلال حين البليستوسين، فقد تسبب الوزن المضاف لكتلة الجليد البالغ سمكها حوالي 3كم في تقعر القشرة الأرضية. وقد أعقب انصهار الجليد، في الفترة من 8000 إلي 10000 سنة مضت ارتفاع منطقة خليج هدسون Hudson Bay في كندا، ومازالت اسكندنافيا، التي غطتها فريشة جليدية واسعة منذ حوالي 10000 سنة، في حالة ارتداد أيزوستاتيكي بمعدل يبلغ حوالي متراً واحدا لكل قرن. وقد ارتفعت المدن الساحلية في اسكندنافيا بسرعة لدرجة أن أرصفة الشحن والتفريغ، والتي بنيت منذ عدة قرون مضت تقع بعيدا عن الشاطئ الآن.
الفصل السابع عشر: تكتونية الألواح: نظرية شاملة
حدثت ثورة فى العلوم الجيولوجية عندما عرف أن خغرافية الكرة الأرضية تتغير با ستمرار عبر الزمن . وعلى الرغم من أن نظرية تكتونية الألواح مازالت غير واضحة بدرجة كافية لدى الكثيرين ، إلا أن لتكتونية الألواح تأثيرا قويا على كل جوانب حياتنا . فمن المؤكد أن الزلازل والبراكين لا تتوزع بصورة عشوائية على سطح الأرض، وانما تحدث بالقرب من حواف الألواح . وعلاوة على ذلك، فإن هناك علاقة بين الألواح وطرق تكوين وتوزيع عديد من الرواسب المعدنية المهمة، مثل الخامات الفلزية. ولذلك يستخدم الجبولوجيون نظرية تكتونية الألواح فى تفسير تواجدات الرواسب المعروفة وفى البحث عن رواسب معدنية جديدة .
كما تشرح النظرية كيف تنشأ القارات وأحواض المحيطات وسلاسل الجبال ء والتى تؤثر على الغلاف الجوي للأرض ودورة الماء فى المحيطات اللتان تحددان وتؤئران بصورة أساسية فى مناخ الكرة الأرضية . ,ولذلك، فقد أثرت حركة الألواح بصورة كبيرة على النوزيع الجغرافى للنباتات والحيوانات وتطورها وانقراضها .
وفى الوقت الحال يمكن اعتبار نظرية تكتونية الألواح مقبولة عالميا تقريبا بين كافة الجيولوجيين. وقد أدى تطبيقها إل فهم كيف تطورت الأرض منذ نشأتها .وحتى الآن . وتفسر تلك النظرية الشاملة عديداً من الأحداث الجيولوجية التى يبدو أنه لا رابط بينها، مما سمح للجيولوجيين بالنظر إلي تلك الأحداث كجزء من عملية مستمرة، أكثر منها سلسلة من الأحداث المنعزلة غير المترابطة .
وسوف نستعرض فى الأجزاء التالية الفرضيات المختلفة التى سبقت نظرية تكتونية الألواح، لشرح الدلائل التى أدت إل قبول البعض لفكرة حركة القارات والبعض الآخر لرفضها.
ا. الأفكار الأول عن الانجراف القارى
لقد كان معروفا منذ أمد بعيد أن جغرافية الأرض تتغير عبر الزمان . فقد لاحظ سير فرانسيس بيكون Sir Francis Bacon عام 1620 م التشابه الكبير بين خطوط الشواطئ الغربية لأفريقيا وخطوط الشواطئ الشرقية لأمريكا الجنوبية. إلا أن بيكون لم يجد أى علاقة بين القارات القديمة والحديثة، وأن تلك القارات ربما كانت محتلفة فى الماضي . وفى عام 1801 م لاحظ الكسندر فون همبولت الملاحظة نفسها » ولكنه أرجح ذلك التشابه إلي التعرية على امتداد وادى كبير، ولم يرجعها إل تكسر قارة أكبر.
كما ذكر انطونيو سنيدر بليجرينى Antonio Snider – Pellegrini- 1858م فى كتابه `´الخلق وأسراره´` وهو أحد المراجع الأولى عن الانجراف القارى، أن كل القارات كانت متصلة مح بعضها خلال عصر البنسلفانى (العصر الكربونى المتأخر) ثم انفصلت بعد ذلك . وقد بنى اعتقاده هذا اعتمادا على التشابه بين الحفريات النباتية فى طبقات الفحم من زمن البنسلفانى فى أوروبا وأمريكا الشمالية . وقد عزى سنيدر انفصال القارات إلي طوفان توراتى (مذكور فى التوراة ) .
وفى نهاية القرن التا سح عشر لاحظ الجيولوجى النمساوى إدوارد سويس Edward Suess التشابه بين الحفريات النباتية لحقب الحياة القديمة (الباليوزوى) المتأخر فى الهند واستراليا وأفريقيا وأنتاركتيكا وأمريكا الجنوبية، علاوة على الدليل على التتلج فى تتابعات الصخور الموجودة فى تلك القارات . وفى عام 1885 م اقترح سويس اسم أرض الجندوانا Gondwanaland(أو جندوانا Gondwana كما تسمى أحيانا) لقارة عظمى مكونة من كل القارات الجنوبية . وجندوانا هو إقليم يقع فى شرتى الهند حيث وجدت أدلة على حدوث تتلج يغطى منطقة واسعة، بالإضافة إلى وفرة حفريات الجلوسوبتيريس Glossopteris النباتية . وقد اعتقد سويس أن توزيع الحفريات النباتية والرواسب الثلجية يرجع إلى وجود جسور ممتدة تصل بين القارات ثم غرقت بعد ذلك تحت المحيطات .
وفى عام 1910 م نشر الجيولوجى الأمريكى فرانك تيلور Frank B. Taylor بحثا قدم فيه نظريته الخاصة عن الانجراف القارى، وذكر فيه أن تكون سلاسل الجبال يكون نتيجة للحركة الجانبية للقارات . كما اعتبر تايلور القارات الحالية أجزاء من قارات قطبية أكبر تكسرت فى النهاية وهاجرت نحو خط الاستواء بعد أن بطأت الكرة الأرضية من دورانها نتيجة لقوى مد وجزر هائلة . وقد افترض تيلور أن قوى المد والجزر قد نشأت منذ حوالى 100 مليون سنة فقط.
وعلى الرغم من معرفتنا أن الميكانيكية التى اقترحها تيلور غير صحيحة، إلا أن أحد أهم مساهماته كان اقتراحه أن حيود وسط الأطلنطى Mid – Atlantic Ridge والتى اكتشفتها البعثات البريطانية خلال الفترة 1872 - 1876 م، ربما يحدد الموقع الذى انفصلت على امتداده قارة قديمة لتكون المحيط الأطلطى الحالى .
اا. فرضية الانجراف القارى: فكرة قبل موعدها
يرجح الفضل عموما فى تطور فرضية الانجراف القارى continental drift إلي عالم الأرصاد الجوية ألفريد فاجنر Alfred Wegener. ففى عام 1912 م قدم فاجنر أفكاره الأول عن القارات المتحركة . وقد اقترح فاجنر فى كتابه المنشور عام 1915 م بعنوان ´´أصل القارات والمحيطات´` أن كل الكتل الأرضية كانت متحدة أصلا فى قارة عظمى واحدة أسماها بانجيا Pangaea (القارة الأم) من اليونانية بمعنى `´كل الأرض´´ (شكل 17 . 1 ) . وقد أوضح فاجنر مغهومه عن تحرك القارات فى سلسلة من الخرائط توضح انفصال البا نجيا قبل حوالى 200 مليون سنة، وتحرك القارات المختلفة إل مواقعها الحالية . وقد جمع فاجنر كمية هائلة من الأدلة الجيولوجية والحفرية والمناخية لدعم فرضية الانجراف القارى . وقد كان رد فعل العلماء الأولى لأفكاره متباينا . حيث عارضها كثير من العلماء وخاصة فى أمريكا الشمالية، بينما جاءه بعض التأييد من علماء آخرين. وقد كانت العقبة الأساسية لقبول فرضية الانجراف القارى هى تفسير الميكانيكية التى تحركت بها قارات مكونة أساسا من الصخور الجرانيتية فوق قشرة محيطية بازلتية ذات كثافة أعلى .
ومع ذلك فقد طور الجيولوجى البارز من جنوب أفريقيا الكسندر دي توا Alexander du toit البراهين التى قدمها فاجنر، وجمح المزيد من الأدلة الجيولوجية والحفرية لدعم الانجراف القارى . وفى عام 1937 م نشر دى توا كتابه باسم ´´قارتنا المتجولة``، حيث قارن رواسب الجليد فى قارة الجندوانا برواسب الفحم الموجودة فى صخور من العمر نفسه فى قارات النصف الشمالي للكرة الأرضية. ولكى يحل هذه الإشكالية، حرك دى توا قارات اجندوانا إل القطب الجنوبى وجمع القارات الشمالية الموجود بها رواسب الفحم مع بعضها عند خط الا ستواء. وسمى هذه الكتل الشمالية لوراسيا Laurasis وهى تشمل أمريكا الشمالية وجرينلاند وأوروبا وآسيا الحالية (باستثناء الهند).
وعلى الرغم من هذه الأدلة والبراهين، إلا أن معظم الجيولوجيين استمروا فى معارضتهم وعدم قبولهم لفكرة تحرك القارات. وقد استمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 1960 م حينما قدمت بحوث علم المحيطات أدلة مقنعة أن القارات كانت متصلة يوما ما ثم انفصلت لاحقا ، مما أدى آخر الأمر إل قبول واسع لفرضية الانجراف القارى .
_ ااا. دلائل الانجراف القارى
لقد كان فاجنر مأخوذا بالتشابه بين خطوط شواطئ القارات على جانبى المحيط الأطلنطى، خاصة بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا ، مثل من سبقه من العلماء . وقد أوضح فاجنر أن ذلك التشابه هو دليل على أن القارات كانت متصلة يوما ما كقارة عظمى ، ثم انشطرت لاحقا . وقد لقيت محاولة فاجز لإعادة تركيب جانبى المحيط الأطلنطى اعتمادا على تشابه الشواطئ الحالية معارضة من العلماء، نظرا للتغير الدائم لخطوط الشواطئ نتيجة التعرية والترسيب . لذلك فلو أن القارات قد انفصلت خلال حقب الحياة الوسطى (الميزوزى) كما اقترح فاجنز فإن خطوط الشواطئ الحالية لها لن تتطابق تماما على بعضها.
وقد كان من المنطقي أن تتم مطابقة القارات مح بعضها على امتداد المنحدر القارى continental حيث تقل التعرية إلي أقصى درجة. ويجب ملاحظة أن الحافة الحقيقية للقارة تكون تحت المنحدر القارى حيث تتغير القشرة القارية إلي قشرة محيطية. وفى عام 1965 م قام سير إدوارد بولارد Sir Edward Bullard الإنجليزى واثنان من مرافقيه برسم خريطة باستخدام الحاسوب (الكمبيوتر)، تم فيها مطابقة القارات عند عمق2000 متر عند حواف المنحدرات القارية. ويوضح شكل (17 -2) التطابق الواضح بين حواف القارات، وعلى الرغم من وجود بعض المناطق القليلة التى تتراكب فيها حواف القارات . ويرجح هذا التراكب إلي وجود مجارى مائية رسبت كميات كبيرة من الرواسب فى مناطق محتلفة.
أ. التشابه بين التتابعات الصخرية وسلاسل الجبال
إذا كانت القارات قد اتصلت ببعضها يوما ما، فإنه من المتوقع أن تتماثل الصخور وسلاسل الجبال التى تتبح نفس العمر فى المناطق المتقابلة على القارات المتباعدة إلي حد بعيد . وهذا هو الحال فى قارة الجندوانا (شكل 17 – 3). حيث تتماثل تقريبا تتابعات الصخور البحرية وغير البحرية والجليدية التى تتبع البنسلفانى (التابع للعصر الكربوني المتأخر) إل الجوارسي، فى كل قارات اجندوانا الخمس، مما يشير إلي أن تلك القارات كانت ملتحمة ببعضها يوما ما.
ويدعم اتجاه عديد من سلاسل الجبال الرئيسية فوضية الانجراف القارى، حيث تنتهى هذه السلاسل من الجبال ظاهريا عند خط الشاطئ لقارة ما لتستمر ظاهريا فى قارة أخرى عبر المحيط . فمثلا تتجه جبال الأبا لاش فى أمريكا الشمالية فى اتجاه الشمال الشرقى فى شرق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ثم تنتهى فجأة عند شاطئ نيوفوندلاند (شكل 17 . 4 ) . وتوجد سلاسل جبال تتبع العمر نفسه ولها نظام الطى نفسه فى شرق جرينلاند وأيرلندا وبريطانيا والنرويج . وعلى الرغم من أن المحيط الأطلنطى يفصل بين تلك السلاسل الجبلية، إلا أنها تكون سلسلة جبال مستمرة، حينما يعاد وضع تلك القارات بجانب بعضها البعض.
ب. دليل من المثالج
لقد غطت مثالج glaciers ضخمة مساحات قارية كبيرة فى نصف الكرة الأرضية الجنوبى فى حقب الحياة القديمة (الباليوزوى) المتأخر . ويدل على حدوث تلك المثالج وجود طبقات من الحريث till (وهى رواسب كونتها المثالج )، بالاضافة إلى الحزوز الجليدية الموجودة فى صخر الأساس الذى يسفل رواسب الحريث . وتدل الحفريات والصخور الرسوبية التى تتبع العمر نفسه فى نصف الكرة الأرضية الشمالي على عدم وجود أي أدلة على التثلج، وإنما تدل الحفريات النباتية فى الفحم على أن مناخ نصف الكرة الشمالى كان مناخا مداريا خلال الزمن نفسه الذي سادت فيه المثالج فى نصف الكرة الأرضية الجنوبى.
وتقع اليوم كل قارات الجندوانا ما عدا القارة القطبية الجنوبية (الأنتاركتيكا) بالقرب من خط الاستواء ، حيث يسود بها مناخ مدارى إلي شبه مدارى. وتدل الخر اثط التى رسمت للحزوز الجليديةglacial striations فى صخور الأساس فى أستراليا والهند وأمريكا الجنوبية أن المثالج تحوكت من المحيطات الي داخل اليا بسة (شكل 17 . 5 ) . ويبدوا أن هذا التفسير بعيد الاحتماال، حيث إن المثالج القارية الكبيرة تنساب من مناطق التجمع المركزية إلي الخارج ناحية البحر .
فإذا لم تكن القارات قد تحركت فى الماضي، فإن ذلك يستوجب أن نفسر كيف تحركت المثالج من المحيطات إلي الأرض، وكيف تكونت مثالج قارية على مساحات شاسعة بالقرب من خط الاستواء . ولكن إذا أعيد تجميع القارات فى كتلة واحدة بحيث يكون جنوب أفريقيا عند القطب الجنوبى، فإن اتجاه حركة المثالج القارية فى حقب الحياة القديمة المتأخر يمكن تفسيرها . وعلاوة على ذلك فإن هذا الترتيب الجغرافى يضع القارات الشمالية فى قارة واحدة هى قارة لوراسيا Laurasis بالقرب من المنطقة المدارية، مما يفسر وجود الحفريات النباتية فى الفحم.
ج_. أدلة من الحفريات
تأتى بعض الأدلة القوية على فرضية الانجراف القارى من السجل الحفرى . فتوجد حفريات من فلورة جلوسوبتيريس Glossopteris النباتية فى رواسب الفحم من عمر البنسلفانى (الكربونى المتأخر) والبرمى على قارات الجندوانا الخمس ( شكل 17 . 3 ). وعلى الرغم من أن حبوب اللقاح والأبوغ spores تنتشر لمسافات واسعة بالرياح، إلا أن نباتات الجلوسوبتيريس كانت تنتج حبوب لقاح كبيرة لدرجة يصعب نقلها بالرياح . وعلى فرض أن تلك الحبوب انتقلت عبر المحيطات، فإنه من المحتمل ألا تبقى قادرة على الحياة والنمو فى المياه المالحة لأى فترة زمنية.
وحيث إن المناخ الحالي للكتل القارية التى كانت تكون الجندوانا، والتى تشمل أمريكا الجنوبية وأفريقيا والهند واستراليا والقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، يتنوع تنوعا شديدا ويتراوح بين المناخ المدارى فى القارات الاستوائية إلي المناخ القطبى فى القارة القطبية الجنوبية، فقد اقترح فاجنر أن هذه القارات لابد أنها كانت ملتحمة، بحيث إن تلك المناطق المنفصلة والبعيدة عن بعضها حاليا كانت تقع كلها فى يوم ما على حزام مناخى واحد.
كما تقدم أيضا الحفريات الحيوانية دليلا قويا على الانجراف القارى . ويمثل جنس ميز وسورمى Mesosaurus وهو من زواحف الماء العذب التى تتواجد حفرياتها فى صخور العصر البرمى فى مناطق محددة فى البرازيل وجنوب أفريقيا فقط ولا يوجد فى مناطق أخرى من العالم ( شكل 17 . 6 ). ونظرا للاختلاف البين فى فسيولوجية حيوانات المياه العذبة عن فسيولوجية حيوانات المياه المالحة، فإنه من الصعب تخيل كيف يعوم زاحف ماء عذب عبر المحيط الأطلنطى ليجد بيئة ماء عذب أخرى مشابهة تقريبا لبيئته الأصلية. وعلاوة على ذلك، وبافتراض أن الميزوسورس قد عبر المحيط الأطلنطى فإن بقاياه يجب أن تكون منتشرة فى صخور قاع هذا المحيط . وحيث إن قاع المحيط الأطلنطى لا يحتوى على أى بقايا للميزوسورس، فإنه من المنطقى افتراض أن الميزوسورس قد عاش فى المناطق المتقابلة حاليا من قارتى أمريكا الجنوبية وأفريقيا ، وأن هاتين القارتين كانتا متحدتين فى قارة واحدة.
وعلى الرغم من أن الأدلة التى ساتها فاجنز ومؤيدو« لإثبات الانجراف القارى تبدو قرية ومقنعة، إلا أن نقص الميكانيكية المناسبة لشرح حركة القارات وقفت حائلا أمام القبول الواسع لفكرة الانجراف القارى. واستمرت حالة عدم القبول هذه حتى أثبتت الأدلة الجديدة من دراسة المجال المغناطيسى للأرض وبحوث علوم البحار أن أحواض المحيطات حديثة العمر (أقل من 200 مليون سنة)، مما أدى إلي عودة الاهتمام للانجراف القارى مرة ثانية .
د. المغناطيية القديمة والتجوال القطبى
لقد أتت بعض أهم الأدلة المؤيدة للانجراف القارى من دراسة المغناطيسية القديمة للأرض . فقد درس بعض الجيولوجيين فى أواثل الخمسينيات من القرن العشرين التغيرات التى حدثت فى الماضي للمجال المغناطيسى للأرض، من أجل الوصول لفهم أفضل للمجال المغناطيسى الحال . وتد أدت تلك الدراسة، وكما يحدث عادة فى العلم، إلي اكتشافات أخرى مهمة منها أن أحواض المحيطات هى معالم أرضية حديثة جيولوجيا، وأن القارات قد تحركت فعلا فى الماضي كما اقترح فاجنر والباحثون الآخرون.
وكما سبق أن أوضحنا فإن موقع القطبين المغناطييين للأرض يقابلان تقريبا موقع القطبين الجغرافيين لأرض ( شكل 17 . 7 ) . وعندما تبرد الصهارة فإن المعادن الحاوية للحديد ترتب نفسها فى اتجاه المجال المغناطيسى للأرض، عندما تصل تلك المعادن إل نقطة كورى Curie point. ونقطة كورى هى الحرارة التى لا يستطيع المعدن الاحتفاظ بأية مغناطيسية دائمة فوقها. هكذا يتم تسجيل كل من اتجاه وشدة المجال المغناطيسى للأرض . ويمكن استخدام تلك المعلومة فى تحديد موقع قطبى الأرض المغناطيسيان وخط العرض الذى تواجد عنده الصخر أثناء تكوينه.
وقد أظهرت الدراسات التى قام بها الجيوفيزياثى رنكورن S.K. Runcorn والعاملون معه أن موقع القطب المغناطيس القديم والذى حدد من المغناطيسية القديمة فى طفوح اللابة ذات الأعمار المختلفة بأوروبا، قد تغير كثيرا . فقد وجدوا أنه خلال500 مليون سنة.مضت قد تحرك (تجوالا ظافريا) القطب الشمالي من المحيط الهادي عبر شرق فشمال آسيا حتى وصل إل موتعه الحالى 0 بالقرب من القطب الشمالي الجغرافى للأرض (شكل 8.17 ). ويمكن تفسير هذا الدليل من المغناطيسية القديمة بثلاث طرق: الأول أن قارة أوروبا بقيت ثابتة فى مكانها وأن القطب المغناطيسى الشمالى هو الذى تحرك، والثانية : أن القطب المغناطيس الشمالى كان ثابتا وأن قارة أوروبا هى التى تحركت، أما الطريقة الثا لثة فتفترض أن كلا من قارة أوروبا والقطب الشمالى المغناطيسي قد تحركا .
وعندما تم إسقاط قراءات المغناطيسية القديمة والتى قيست من طفوح لابة عديدة محتلفة الأعمار فى شمال أمريكا على خريطة، أشارت تلك القراءات إلى مواقع محتلفة للقطب المفنا طيى الشمالى، تختلف عن تلك التى سجلتها طفوح من العمر نفسه فى أوروبا (شكل 17-8 ). وعلاوة على ذلك فقد أشارت تحاليل طفوح اللابة من كل القارات إلى أن كل قارة لها سلسلة خاصة من الأقطاب المغناطيسية. هل يعنى ذلك أن كل قارة لها قطب شمالى محتلف؟ يصعب قبول هذا التفسيرفى ظل قوانين الفيزياء التى نعرفها عن كيفية نشأة المجال المغناطيسى للأرض .
ولذلك فإن التفسير الأفضل لتجوال الأقطاب المغناطيسية polar wandering ظافريا هو أنها بقيت فى مواقعها الحالية بالقرب من الأقطاب الجغرافية، وأن القارات هى التى تحركت . وعندما يتم تجميع القارات فى كتلة واحدة ومطابقة القارات مح بعضها بحيث أن التسجيلات المغناطيسية القديمة تشير إلي قطب شمالي واحد، فإننا نجد كما فعل فاجنر، أن تتابعات الصخور وسلاسل الجبال والرواسب الجليدية تتما ثل وتتناظر، وأن الدليل الحفرى والمناخى يكون متفقا مح الجغرافية القديمة التى تم إعادة بنائها .
الانعكاسات المغناطيسية: تجمعت أدلة عديدة منذ أواثل الخمسينات من القرن العشرين لتثبت أن المجال المغناطيسى للأرض قد عكس قطبيته، أى اتجاهه ، دوريا فى الماضي . ويعرف مثل هذا التغير فى الاستقطاب من الاتجاه العادى إلي الاتجاه المعكوس بالانعكاس المغناطيس magnetic reversal. وفى أثناء زمن القطبية العادية تترك الخطوط المغناطيسية الأرض بالقرب من القطب الجنوبى الجغرافى ، ثم تدخل إليها مرة أخرى بالقرب من القطب الشمالي الجغرافى (شكل 17 . 7 ) . ويعرف هذا الاتجاه بالقطبية العادية، حيث إنه يماثل اتجاه القطبية الحالية . بينما تتحرك خطوط المغناطيسية فى اتجاه عكسى أثناء القطبية المعكوسة reversed polarity، حيث تترك الارض بالقرب من القطب الشمالي، ثم تدخلها مرة أخرى بالقرب من القطب الجنوبى (شكل 17 – 7). وبمعنى آخر، فإن القطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبى يتبادلان مو اقعهما أثناء الانعكاس المغناطيسى . وكما سبق أن ذكرنا، فإن عديدا من الصخور يحتوى على سجل لشدة واتجاه المجال المغناطيس للأرض أثناء تكون الصخور .
وتأتى معظم الأدلة على الانعكاسات المغناطيسية من طفوح اللابة على القارات. وتظهر دراسة المغناطيسية القديمة فى تنابح من طفوح اللابة، أن اتجاه المجال المغناطيسى بها كان عكس اتجاه المجال المغناطيسي الحالي للأرض (شكل 17 -9 ) . ويعنى ذلك، أن الأقطاب المغناطيسية للأرض قد عكست مواقعها، أثناء الزمن الذى بردت فيه اللابة، بمعنى أن إبرة البوصلة كانت تشير ناحية الجنوب بدلا من الشمال. ويوجد عديد من فترات المغناطيسية العادية والمعكوسة مسجلأ فى طفوح اللابة، وهى أحداث تسجل على مستوى العالم . وحيث إنه يمكن تحديد عمر طفوح اللابة باستخدام النظائر المشعة ، فإنه يمكن تحديد عمر هذه الانعكاسات . ويوضح (شكل 17 . 10 ) زمن المغناطيسية العادية والمعكوسة خلال 80 مليون سنة الماضية . ويرجح عديد من الدراسات أن المجال المغناطيسى للأرض ينعكس كل نصف مليون سنة تقريبا .
ولكن ما سبب الانعكاسات المغناطيية؟. بالطبع فإن الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، حيث إنه لا يعرف كيف نشأ المجال المغناطيسى للأرض . وتعضد الدراسات الحديثة فرضية أن المجال المغناطيسى للأرض قد نشأ من تيارات حمل فى اللب الخارجى الساثل للأرض، وربما يحدث الانعكاس فى المجال المغنا طيسي حينما تغير تيارات الحمل اتجاهها. بينما يعتقد بعض الجيولوجيين أن الانعكاسات ربما تحدث نتيجة اصطدام كويكب أو مذنب بالأرض . ولهذا لا يوجد اتفاق حتى الآن بين الجيولوجيين على سبب هذه الانعكاسات المغناطيسية .
|v. انتشار قيعان المحيطات
بالإضافة إلي أبحاث المغناطيسية القديمة فى خمسينات القرن العشرين، فقد أدى الاهتمام ببحوث علوم البحار إلي عمل خرائط شاملة لأحواض المحيطات فى العالم. وقد أظهرت تلك الخرائط أن قيعان المحيطات تحتوي على أهم المرتفعات الجبلية على الأرض، والتى تعرف بحيود وسط المحيط، وأن حيود وسط الأطلنطى Mid – Atlantic Ridge هى جزء من نظام للحيود منتشر على مستوى الكرة الأرفية ككل ء حيث يبلغ طوله أكثر من 65000 كم. ويتراوح عرض حيود وسط المحيط بين 500 كم و 5000 كم، حيث تشغل نصف مساحة قاع المحيط فى بعض الأماكن . وتختلف حيود قاع المحيط عن الجبال فوق القارات، والتى تتكون من تتابع من الصخور الرسوبية المتحولة والمقطوعة بصدوع، بينما تتكون الحيود المحيطية من تتابع من طبقات البازلت التى تم رفعها وقطعها بالصدوع . كما ثبت أيضا أن الحيود المحيطية تتميز بعريان حرارى heat flow عال ونشاط زلزال ونشاط بركانى بازلتى، يقع على امتداد منطقة ضيقة توجد مركزيا عند قمة تلك الحيود وتعرف بنطاقات الخسف rift zones كما توجد الانعكاسات المغناطيسية وكذلك عمر الرواسب البحرية العميقة الموجوذة فوق القشرة المحيطية مباشرة فى نمط مميز بالنسبة للحيود المحيطية.
وقد كثف هارى هيس Harry Hess بحوثه فى المحيط الهادى أثناء خدمته فى الحرب العالمية الثانية، حيث اكتشف الجيوتات guyots (جزر بركانية مسطحة القمة مغمورة تحت سطح البحر) والتى أمدت الجيولوجيين بدليل آخر على حركة قاع المحيط بعيدأ عن حيود وسط المحيط (شكل 17 . 11 ).
وقد نشر هيس اكتشافه للجيوت ونتائج دراساته الأخرى فى بحث مهم عام 1962 م اقترح فيه فرضية انتشار قيعان المحيطات seafloor spreading كما شرح نيه أيضا التحرك القارى . وقد اقترح هيس أن القارات لا تتحرك عبر القشرة المحيطية أو خلالها، بل إن كلا من القارات والقشرة المحيطية يتحركان سويا وأنهما جزء من ألواح كبيرة . وطبقاً لفرضية هيس، فإن القشرة المحيطية تنفصل عند حيود وسط المحيط حيث تتكون قشرة محيطية جديدة من الصهارة الصاعدة . وعندما تبرد الصهارة، فان القشرة المحيطية المتكونة حديثأ تتحرك جانبيا بعيدأ عن الحيود . وهكذا يمكن شرح كيف أن الجزر البركانية المتكونة عند قمم الحيود أو بالقرب منها أصبحت فيما بعد جيوتات (شكل 17 – 11).
وقد أحيا هيس الفكرة التى اقترحها أرثر هولمز وآخرون فى الفترة 1930 - 1940 م عن نظام نقل الحرارة أو خلايا الحمل الحراري cells convection thermal خلال الوشاح، كميكانيكية تفسر تحرك الألواح . وتبعا لما ذكره هيس، فإن الصهارة الساخنة تصعد من الوشاح وتتداخل على امتداد الكسور فى نطاق الخسف rift zone حيث يتم تحديد الحيود المحيطية وتكون قشرة محيطية جديدة، ثم تندس القشرة المحيطية الباردة فى الوشاح عند الخنادق المحيطية العميقة حيث تسخن وتصعد مرة أخرى (شكل 17 - 12) . وتحمل خلايا الحمل الحرارى فى الوشاح قاع المحيط إلي الخنادق المحيطية العميقة حيث يغوص قاع المحيط فى الوشاح، بشكل مشابه لأحزمة نقل البضائع .
أ. الانعكاسات المغناطيسية والانجراف القارى
كيف يمكن إثبات فرضية هيس؟ . فإذا كانت هناك قشرة محيطية جديدة تتكون عند الحيود المحيطية باستمرار، وأن المجال المغناطيسي يعكس نفسه دوريا، فان تلك الانعكاسات المغناطيسية ستسجل فى صخور القشرة المحيطية كشاذات مغناطيسية. وقد أشارت النتائج المغناطيسية التى جمعها العلماء إلي وجود نمط غير عادى من شاذات مغناطيسية موجبة وسالبة على قاع المحيط الهادئ من ناحية الشاطئ الغربى لأمريكا الشمالية. وقد تكون فذا النمط من مجموعات من الشرائط فى اتجاه شمال - جنوب تقريباً، إلا أنها كانت مقطوعة ومزاحة بكسور أساسية تمتد فى اتجاه شرق غرب . وقد فسر ذلك النمط عام 1963 م عندما توصل الجيولوجيان البريطانيان فاين وماثيرس Vine and D.Matthews من جامعة كمبر دج وموول W.Morley وهو جيولوجى كندى، مستقلين عن بعضهم، إلي نموذج لشرح هذا النمط من الشاذات المغناطيسية.
وقد اقترح هؤلاء العلماء الثلاثة أنه عندما تنبثق الصهارة البازلتية على قمم الحيود المحيطية، فإنها تسجل القطيبة المغناطيسية للأرض magnetic polarity في وقت تبردها. نتيجة لتحرك قاع المحيط بعيداً عن الحيود المحيطية، فإن تداخلات الصهارة المتكررة سوف تكون محموعات متماثلة من الشراثط المغناطيسية، حيث تسجل أوقات القطبية المغناطيسية العادية والمعكوسة (شكل 17 . 13). وقد تأيد ذلك بعد بوقت قصير فاين وماثيرس وموولي بدليل من نتائج المغناطيسية التى قيست عبر حيود ريكينز Reykjanes Ridge وهو جزء من حيود وسط الأطلنطى جنوب غرب جزيرة أيسلندة (شكل 17.14 )، حيث وجد العلماء أن الشاذات المعناطيسية فى هذه المنطقة تكون شراثط موزعة موازية لبعضها البعض ومتماثلة على جانبى الحيود المحيطى. وفى نهاية ستينيات القرن العشرين وجات أنماط من الشاذات المغناطيسية محيطة بمعظم الحيود المحيطية.
وقد تم المسح المغناطيسي لمعظم قيعان المحيطات تقريبا، حيث توضح نتائج ذلك المسح أن أحدث جزء من القشرة المحيطية يكون محاورأ لحيود الانتشار، وأن عمر القشرة المحيطية يزداد كما ابتعدنا عن محور الحيود المحيطى، كما هو متوقع من فرضية انتشار قيعان المحيطات . وعلاوة على ذلك، فإن عمر أقدم الصخور المحيطية هو 180 مليون سنة، بينما بيلغ عمر أقدم صخور القشرة القارية المنكشفة حوالى لا 3.96 بليون سنة. ويؤدى هذا الفرق إل تأييد فكرة أن أحواض المحيطات هى ملامح حديثة جيولوجيا، وأن فتح تلك المحيطات وغلقها مسئول عن حركة القارات .
ب - الحفر البحرى العميق: إثبات لفرضية انتشار قيعان المحيطات
أكدث النتائج التى تم الحصول عليها من مشروع الحفر البحرى العميقDeep – sea Drilling Project التفسيرات التى سبق التوصل إليها من دراسات المغناطيية القديمة. وقد قدمت أسطوانات الحفر من الرواسب البحرية العميقة وكذلك القطاعات الجانبية (بروفيل) الزلزالية التى تم الحصرل عليها بواسطة سفينة البحوث جلومار تشالنجر Glomar Challenger وسفن البحوث الأخرى العديد من النتائج التى تؤيد فرضية انتشار قيعان المحيطات.
فطبقاً لتلك الفرضية، فإن القشرة المحيطية تتكون با ستمرار عند حيود وسط المحيط وتتحرك بعيداً عن تلك الحيود بسبب انتشار قيعان المحيطات حيث تستهلك عند نطاقات الاندساس subduction zones . فإذا كان الأمر كذلك، فإن القشرة المحيطية يجب أن تكون أحدث عمراً عند الحيود وتصبح أقدم عمرا كلما بعدنا عن تلك الحيود . وعلاوة على ذلك، فإن صخور القشرة المحيطية على جانبى الحيود تكون متماثلة فى العمر . وتؤيد نتائج المغناطيسية القديمة هذه الاستنتاجات ( شكل 17 .13 ) . وبالإضافة إل ذلك، فإن الرواسب الموجودة فوق القشرة المحيطية تحتوى على حفريات تؤكد هذا التوزيع المتوقع للأعمار (شكل 17 . 15 )، كما تؤكده أيضا نتائج التأريخ بالطرق الإشعاعية لصخور الجزر المحيطية.
وتتراكم الرواسب فى المحيطات المفتوحة بمعدل لا يقل عن 3 مم فى المتوسط كل 1000 سنة . فإذا كانت أحواض المحيطات قديمة قدم القارات ء فإننا نتوتع أن يصل سمك الرواسب البحرية العميقة لعدة كيلومترات . ومع ذلك، فإن النتائج التى حصلنا عليها من آبار الحفر المتعددة تشير إلي أن سمك الرواسب البحرية العميقة لا يزيد عن عدد من مئات الأمتار وتقل أو تختفى عند الحيود المحيطية. ولا يمثل اختفاء تلك الرواسب عند الحيود المحيطية أى مفاجأة ؟ لأن تلك المناطق هى التى تتكون فيها قشرة محيطية جديدة باستمرار، نتيجة النشاط البركانى وانتشار قيعان المحيطات . وبالتالي لا تجد الرواسب غير وقت قليل لكى تتراكم عند حيود الانتشار أو بالقرب منها حيث تكون القشرة المحيطية حديثة، إلا أن السمك يزداد كلما بعدنا عن الحيود (شكل 17 . 15 ).
7 . نظرية تكتونية الألواح
تقوم نظرية تكتونية الألواح plate tectonic theory على نموذج بسيط للأرض يفترض أن الغلاف الصخرى الصلب للأرض، والذى يشمل كلا من القشرتين المحيطية والقارية بالإضافة إلى الجزء العلوى للوشاح والموجود أسفل القشرة الأرضية، يتكون من عدد من القطع الصخرية المختلفة الحجم ، والتى تسمى ألواحاً plates .
وتتكون ألواح الغلاف الصخرى من سبعة ألواح كبيرة، موضحه فى جدول ( 17 . 1 ) . كما أمكن تمييز تسعة من الألواح الأصغر حجما واللويحات والتى تتراوح فى الحجم من متوسطة إلي صغيرة نسبيأ . ويبين (شكل 17 . 16 ) تلك الألواح وحدودها .
ويشغل لوح المحيط الهادئ الكبير معظم المحيط الهادئ ويتكون كله تقريبأ من غلاف صخرى محيطى باستثناء جزء صغير من غلاف صخرى قارى يشمل جنوب غرب كاليفورنيا وشبه جزيرة باها بكاليفورنيا. ويتحرك لوح المحيط الهادى فى اتجاه الشمال في غرب . ولذلك، يحد هذا اللوح نطاقات اندساس على امتداد معظم حدوده الغربية والشمالية، بينما تكون معظم حدوده الشرقية والجنوبية حدود انتشار. ونلاحظ من شكل ( 17 . 16 ) أن باقى الألواح الكبيرة تشمل جزءا من قشرة محيطية وجزءا من قشرة قارية.
ويشمل اللوحان الأمريكى الشمالي والأمريكى الجنوبى معظم الغلاف الصخرى القارى لأمريكا الشمالية والجنوبية بالإضافة إلي الغلاف الصخرى المحيطى الواقع غرب حيد وسط الأطلنطى . ومعظم الحد الغربى للوحين الأمريكيين الشمال والجنوبى هو حد اندساس حيث تهبط القشرة المحيطية تحت الغلاف الصخرى القارى، بينما يكون الحد الشرقى لهذين اللوحين هو حد انتشار . ويشغل الغلاف الصخرى القارى معظم اللوح الأوروأسيوى، بينما يحد الحافة الغربية والشمالية حزام من غلاف صخرى محيطى. ويوجد فى وسط اللوح الأ فريقى غلاف صخرى قارى، يكون قارة أفريقيا، يحيط به تقريبأ غلاف صخرى محيطى.
ويأخذ اللوح الاسترالي - الهندى شكل مستطيل طويل، ويكون معظمه عبارة عن غلاف صخرى محيطى يضم لبين من الغلاف الصخرى القارى، هما : قارة أستراليا وشبه القارة الهندية . وتدل بعض الدراسات الحديثة أن تلك القارتين تتحركان مستقلتين عن بعضهما، ويمكن اعتبارهما فعليا أجزاء من ألواح مستقلة. ويأخذ لوح القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) شكلآ بيضاويا تقريباً حيث تكون معظم حوافه عبارة عن حدود انتشار، مما يعنى أن الألواح الأخرى تتحرك بعيدأ عن القطب الجنوبى. وتكون قارة القطب الجنوبى (أنتاركتيكا) لبا من غلاف صخرى قارى، يحيط به تمامأ غلاف صخرى محيطى.
ويوضح شكل (17 -17 ) حدود اللوح العربى الذى يتكون كلية من غلاف صخرى قارى. وعلى الرغم من أن البحر الأحمر وخليج عدن لا يحدث عليهما زلازل كبيرة، إلا أن وجودهما (كنواة لمحيطات فى المستقبل) هو المسئول عن دفع اللوح العربى إلي اللوح الأورآسيوى، مما تسبب فى نشأة عديد من الزلازل المدمرة هناك . وقد أدى هذا التصادم إلي نشأة جبال زاجروس وطوروس، وتكون عديد من الصدوع وحدوث زلازل مدمرة مميزة لهذا الجزء من العالم .
كما يختلف سمك الألواح، حيث يصل سمك الألواح المتكونة من الوشاح العلوى الصلب والقشرة القارية إلي حوالى 200 كم، بينما يصل سمك الألواح المتكونة من الوشاح العلوى الصلب والقشرة المحيطية إلي حوالى 100 كم .
ويوجد الغلاف اللدن (الأسثينوسفير) أسفل الغلاف الصخرى، والذى يكون أكثر سخونة وضعفا . ويعتقد أن حركة الألوح التى تعلو الغلاف اللدن تنشأ بسبب وجود نظام انتقال حرارى يشمل تياراً صاعداً للمواد الساخنة والتيار المستعرض وتياراً هابطاً للمواد الباردة . وعندما تتحرك الألواح فوق الغلاف اللدن، فإنها تنفصل غالبا عند الحيود المحيطية، بينما تصطدم وتندس فى مناطق أخرى مثل الخنادق المحيطية، حيث تعود مرة أخرى إلي الوشاح شكل ( 17 . 12 ).
وتلقى نظرية تكتونية الألواح حاليا قبولا واسعا من معظم الجيولوجيين، بسبب الأدلة المتعددة التى تعتمد عليها، كما أنها نظرية شاملة تفسر عديداً من الملامح والأحداث الجيولوجية والتى يبدو أنها غير مرتبطة ظاهريا . ويفسر الجيولوجيون الآن عديداً من العمليات الجيولوجية، مثل بناء الجبال والنشاط الزلزال والنشاط البركانى فى ضوء نظرية تكتونية الألواح.
أ. حدود الألواح
تتحرك الألواح بالنسبة لبعضها البعض، بحيث يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من حدود الألواح وهى الحدود المتباعدة والمتقاربة والناقلة (شكل 17 . 18 ) . ويسبب تفاعل الألواح مع بعضها عند حدودها معظم النشاط الزلزالي والنشاط البركانى على الأرض وكذلك عمليات بناء الجبال (جدول 17 . 2 ).
1 ~ الحدود المتباعدة
توجد حدود الألواح المتباعدة divergent plate boundaries ، والتى تعرف أيضأ بمراكز الانتشار لادء)اا spreading centers، عندما تنفصل الألواح عن بعضها ويتكون غلاف صخرى محيطى جديد، على امتداد محور حيود وسط المحيط mid – oceanic ridges . وتتميز الحيود المحيطية بطوبوغرافية وعرة متجعدة وتضاريس مرتفعة على امتداد كسور كبيرة (صدوع عادية) مع هبوط قاع الوادى الممتد على قمة الحيود ونشاط زلزالي وسريان حرارى heat flow عال وانسيابات بازلتية أو لابة وسائدية . ويوضح شكل ( 19.17 ) قطاعا مستعرضا لحيود وسط المحيط ، مع تكبير يوضح تلك التجمعات الصخرية الممتدة مركزيا عند قمة تلك الحيود. وجدير بالملاحظة أن انبثاق اللابة وتدفقها من قمة الحيود المحيطية، وعلى امتداد مراكز الانتشار لا يكون مستمرا، وانما يتدفق بشكل متقطع مح تغير موقع المحور البركانى مح مضي الزمن . ويؤدى انبثاق اللابة إلي تكون قشرة محيطية، كما تؤدى الانبثاقات المتتابعة إلي تكون حيود وسط المحيط.
وتعتمد دراسة قيعان المحيطات على المعلومات التى تم جمعها من الحفر فى المحيطات ومن جانبية (بروفيل) الموجات الصوتية، بالإضافة إلي دراسة الأوفيوليتات، وهى تجمعات من صخور مميزة لقيعان المحيطات موجودة فوق اليابسة حاليا، وانتقلت نتيجة انتشار قيعان المحيطات، ثم صعودها فوق مستوى سطح البحر ودفعها فوق القارات أثناء مرحلة من تصادم الألواح . وتتكون تلك التجمعات والمعروفة بالمجموعات الأوفيوليتية ophiolite suites من رواسب الماء العميق ولابات بازلتية بحرية وتداخلات نارية مافية (صخور الجابرو) (شكل 17- 20).
وتعتبر عملية نشأة قيعان المحيطات غير مفهومة تماما حتى الآن ، ولكن من المعروف أنها تشتمل على نشاط صهارى ودوران لماء البحر ونشاط تكتونى. ويمثل شكل 17 . 21 صورة تخطيطية مبسطة جدأ لما يحدث . وقد أظهرت جانبيات (بروفيلات) الموجات الصوتية عديداً من غرف (أو عدسات) الصهارة الصغيرة مثل تلك الموضحة فى شكل ( 17 . 21 ). حيث يصعد الوشاح الساخن نتيجة انفصال الألواح ويبدأ فى الانصهار. وعندما تصل مادة الوشاح إلي أعماق ضحلة، فإنها تصبح مكونة من خليط من حوالى 85% بلورات و 15% من صهير بازلتى. ويملأ هذا الصهير غرفة صهارة ضحلة رقيقة عدسية الشكل، يندفع منها فرش من القواطع . وتتداخل تلك القواطع المتكونة حديثا داخل قواطع سبق انبثاقها لتكون تركيب يتكون من محموعة من القواطع الرأسية المتوازية تقريبأ والمتراصة وتشبه محموعة كتب متوازية موضوعة راسيأ. ويعرف هذا التركيب باسم القواطع الصفائحية sheeted dykes (شكل 17 – 22). ويتصلب البازلت المتدفق فوق سطح المحيط ليكون لابات وسائدية (شكل 5 – 4)، وهى اللابات المميزة للنشاط البركاني تحت الماء. وتكون اللابات البازلتية غطاءً فوق القواطع الصفائحية. وعندما يتصلب الخليط الموجود في غرف الصهارة فإنه يكون صخر الجابرو (المقابل الجوفي لصخور البازلت) الذي يكون طبقة أسفل القواطع الصفائحية. وتتكون طبقة رقيقة من الرواسب البحرية العميقة تغطي القشرة المحيطية المتكونة حديثاً.
وعندما ينتشر قاع المحيط، فإن طبقات الرواسب واللابات والقواطح والجابرو تنقل بعيدا عن حيود وسط المحيط حيث يتجمع هذا التتابع المميز من الصخور، والذي يكون القشرة المحيطية.
وتتواجد أيضأ الحدود المتباعدة تحت القارات خلال المراحل الأولى لتكسر القارات (شكل 17 . 23 أ ، ب) . وعندما تصعد الصهارة تحت قارة، فإن القشرة الأرضية ترتفع أولا وتتمدد ويقل سمكها نتيجة التحدب، حيث تتكون كسور ووديان خسف rift valleys (شكل 17 . 23 ج ). وخلال هذه المرحلة، تتداخل الصهارة فى الصدوع والكسور لتكون جددا موازية sills وقواطع dikes وانسيابات من اللابة. وتغطى انسيابات اللابة فى معظم الأحيان قيعان وديان الخسف ( 17 . 23 ج) . وتقدم وديان خسف شرق أفريقيا مثالأ مميزا لهذه المرحلة من تكسر القارات .
وعندما تستمر عملية الانتشار، فإن بعض وديان الخسف تستمر فى الاستطالة والتعمق حتى تكؤن بحرا ضيقا ، ممتدا طوليا ليفصل بين الكتلتين القارتين (شكل 17 . 23 د) . ويمثل البحر الأحمر • الذى يفصل شبة الجزيرة العربية عن أفريقيا وكذلك خليج عدن جنوب الجزيرة العربية (شكل 18 ._ 12 ) وخليج كاليفورنيا الذى يفصل باها كاليفورنيا Baja California عن أرض المكسيك، أمثلة جيدة لهذه المرحلة الأكثر تقدماً من عملية الخسف. وفى النهاية، فإن نطاق الخنسف يبقى مكانا لاستمرار النشاط النارى، وتنشأ باستمرار قشرة محيطية جديدة لحوض محيطى مستمر فى التمدد.
2 - الحدود المتقاربة
ليتكون غلاف صخري جديد باستمرار على امتداد حدود الألواح المتباعدة ، فإن الغلاف الصخرى الأقدم يجب أن يستهلك ويعاد تدويره لكى تبقى المساحة الكلية لسطح الأرض ثابتة ، وإلا فإن الكرة الأرضية ستتمدد باستمرار. ويحدث هذا الاستهلاك للألواح عند حدود الألواح المتقاربة convergent plate boundaries حيث يقترب أو يتصادم لوحان.
وعندما يتصادم لوحان، فإن الحافة المتقدمة لأحد اللوحين تهبط عند الحد المتقارب تحت حافة اللوح الأخر نتيجة عملية الاندساس subduction. وتتراوح زاوية الهبوط بين 35 درجة و 90درجة تقريبأ من السطح وتتكون خنادق محيطية عميقة. ويحدد المستوى الماثل للبؤر الزلزالية والمعروف بنطاق بيني أوف Benioff zone (شكل 16 – 15) نطاق الاندساس. وبينما يتحرك اللوح المندس إلي أسفل في الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)، ترتفع درجة حرارته وينصهر فى الوشاح فى النهاية . وتعرف المنطقة المقوسة للنشاط الصهارى باسم قوس صهارى magmatic arc، حيث يمتد هذا القوس موازيا للخندق المحيطى وتصعد الصهارة إلي السطح لتكون سلسلة من البراكين. فإذا تكونت البراكين على قشرة محيطية، فإن القوس الصهارى يعرف فى تلك الحالة بقوس جزر بركاني volcanic island arc. أما إذا تكونت على القشرة القارية، فإن القوس الصهارى يسمى قوساً بركانياً قارياً continental volcanic arc . ولايحدث الاندساس عندما يكون كل من اللوحين المتقاربين قاربين، بسبب أن كثافة القشرة الأرضية ليست عالية بدرجة كافية لتندس فى الوشاح .
وتتميز حواف الألواح المتقاربة بالتشوه والنشاط البركانى وبناء الجبال والتحول والنشاط الزلزالي وتكون رواسب معدنية مهمة. ويمكن تمييز ثلاثة أنواع من حدود الألواح المتقاربة وهى: محيطى - محيطى، محيطي –قارى ، قاري - قاري .
الحدود المحيطية - المحيطية: عدما يتقارب لوحان محيطان، يندس أحدهما تحت الأخر على امتداد حد لوح محيطي - محيطي oceanic – oceanic plate boundary ( شكل 17 . 24 أ)، ويهبط اللوح المندس لأسفل ليكون الجدار الخارجى للخندق المحيطى . ويتواجد على امتداد الجدار الداخلي للوح المندس أجزاء من رواسب بحرية وتدية الشكل مطوية ومتصدعة بدرجة كبيرة ، بالإضافة إلي غلاف صخرى محيطى تم انتزاعه (كشطه ) من اللوح الهابط . وعندما يهبط اللوح المندس فى الغلاف اللان (الأسثينوسفير) فإنه يسخن وينصهر جزئيا .
وينصهر بعض البازلت ومعه الرواسب فى اللوح، حيث ينطلق الماء وبعض المواد الأخرى. ويؤثر الماء المنطلق فى صخور البريدوتيت، وهى المكون الرئيسى لوتد الوشاح الموجود فوق اللوح المندس وتحت اللوح العلوى الراكب، حيث يسبب انصهارها (شكل 17 . 25 ) . وقد أوضحت التجارب المعملية كما سبق أن ذكرنا، أن إضافة كميات صغيرة من الماء تتسبب فى خفض درجة الحرارة التى تنصهر عندها صخور الوشاح بعديد من مثات الدرجات.
وتصعد مواد الوشاح الساخن الأقل كثافة وتستمر عملية الانصهار عندما ينخفض الضغط. ويكون الخليط الناتج من انصهار اللوح والصهير الناتج من الوشاح البريدوتيتى صهارة فوقمافية. ولقد تم التعرف فى تلك الصهارة على عناصر شحيحة مميزة للقشرة المحيطية والرواسب، مما يدل على مساهمة الصهير الناتج من انصهار اللوح الهابط فى الصهارة .
وتتراكم معظم الصهارة الفوقمافية عند قاعدة قشرة اللوح الراكب، حيث يتداخل بعضها فى القشرة. ويحدث التبلور التجزيئى fractional crystallization حينما تنفصل الصهارة أثناء تبردها إل مكونات محتلفة، بسبب التكون والعزل المتواليين للبلورات عند درجات حرارة متتابعة الانخفاض . كما قد تبتلع الصهارة بعض صخور القشرة وتهضمها خلال عملية التمثل assimilation process . وبهذه الطريقة فإن الصهارة الفوقمافية تكون صهارات ولابات مافية وأخرى أكثر سيليكية، مثل البازلت والأنديزيت (ونادرا الداسيت). وتكون كثافة تلك الصهارة أقل من صخور الوشاح المحيطية وتصعد إلى سطح الأرض خلال اللوح العلوى الراكب overriding plate، حيث تتكون سلسلة منحنية (مقوسة) من البراكين تسمى قوس جزر بركانى volcanic island arc (لاحظ أن أى مستوى يقطع جسم كروى يكون قوسا). ويوازى فذا القوس تقريبا الخندق المحيطي ويكون مفصولا عنه بمسافة قد تصل إلى عدة مئات من الكيلومترات، حيث تعتمد تلك المسافة على زاوية ميل اللوح الهابط . وتوجد منطقة بين قوس الجزر والخندق المحيطى تسمى أمام القوس (شكل25.17 )، وتشمل تلك المنطقة حوض أمام القوس forearc basin وهو نطاق منخفض ممتلئ بالرواسب المستمدة من القوس البركانى، بالإضافة إلي وتد متزايد accretionary wedge من الرواسب المحيطية والقشرة المحيطية التى كشطت من اللوح الهابط. وتمثل جزيرة سومطرة فى إندو نيسيا جزءا من قوس صهارى يتاخمه حوض أمام قوس. ويوجد خلف القوس البركانى حوض خلف القوس backarc basin يتكون من قشرة محيطية بازلتية. ويمثل بحر اليابان ين قارة آسيا وجزر اليابان مثالا جيدا لحوض خلف القوس مصاحب لحد لوح محيطي- محيطي.
وتتواجد معظم أقواس الجزر البركانية فى الوقت الحالي فى حوض المحيط الهادى وتشمل جزر الأليوشن Aleutian Islands وقوس كرماديك- تونجا Kermadec Tonga arc وجزر اليابان والفلين ، بينما تتواجد أقواس جزر سكوتيا والأننيل (كاريبى) Scotia and Aleutian island arcs فى حوض المحيط الأطلنطي . الحدود المحيطية - القارية: عندما يتقارب لوحان أحدهما محيطي والأخر قارى ، فإن اللوح المحيطي الأكثر كثافة يندس تحت اللوح القارى على امتداد حد لوح محيطي- قارى oceanic – continental plate boundary (شكل 24.17 ب) . ويكون اللوح المحيطي الهابط الجدار الخارجى للخندق المحيطي ، كما هو الحال فى الحدود المحيطية – المحيطية.
وعندما يهبط اللوح المحيطي البارد، والمحتوى على الماء، والأعلى فى الكثافة فى الغلاف اللان (الأسثينوسفير) الساخن، < فإنه يحدث انصهار وتتكون صهارة . وتصعد تلك الصهارة تحت اللوح القارى العلوى الراكب، لتطفح عند السطح لتكون سلسلة من البراكين الأنديزيتية (مع القليل من الداسيت والريوليت) تعرف بالقوس البركانى القارى volcanic arc continental، أو تتداخل في العمق في الحافة القارية على هيئة بلوتونات plutons (خاصة الباثوليثات).
وتكرن تجمعات الصخور النارية فى الأقواس البركانية القارية أكثر سيليكية (فلسية) من تلك الموجودة فى أقواس الجزر، لأن الصهارة المتكونة في الوشاح ربما تهضم وتبتلع القشرة القارية المنصهرة أثناء عملية التمثل . وتوجد فى تلك الأحزمة الصهارية صخور متحولة، تنشأ نتيجة إعادة التبلور تحت درجات الحرارة المرتفعة والضغوط المنخفضة. وتحدث هذه الظروف لأن السوائل الساخنة تصعد بالقرب من السطح، حيث تسببارتفاع درجات حرارة هذه البيئة المنخفضة الضغط
وتمتد أقواس الجزر موازية للخنا دق المحيطية وعلى مسافة يمكن مقارنتها بزاوية ميل اللوح الهابط المندس . فتكون الأقواس البركانية أبعد عن الخندق عندما تكون نطاقات الاندساس قليلة الميل، بينما ثكون الأقواس البركانية أقرب من الخندق نتيجة اندساس اللوح بميل حاد . ويمثل شاطئ المحيط الهادى لأمريكا الجنوبية مثالا مميزا لحد لوح محيطي- قارى، حيث يندس لوح نازكا المحيطي تحت لوح أمريكا الجنوبية . كما تقدم سلسلة جبال الجحر الأحمر بمصر مثالا لاندساس لوح محيطي تحت لوح آخر قارى فى زمن ما قبل الكمبرى ليكون تلك السلسلة من الجبال الممتدة موازية البحر الأحمر بمصر (شكل 26.17 ) .
الحدود القارية- القارية: عندما يتقارب لوحان قاريان على امتداد حد لوح قارى - قارىcontinental plate boundary - continental فإن أحد اللوحين قد ينزلق جزئيا تحت الآخر، ولكن لا يندس أى من اللوحين بسبب كثافتهما المنخفضة وتساويهما فى السمك الكبير ويبقيان طافيان (شكل 17 . 24 ج) . وقبل أن يحدث التصادم القارى، فإن القارات تكون فى أول الأمر مفصولة عن بعضها البعض بواسطة قشرة محيطية تندس تحت إحدى القارتين .
ويتميز هذا الحد القاري بمميزات الحد القاري – المحيطي مع تكون خندق محيطي عميق وقوس بركاني. وفي النهاية، فإن القشرة المحيطية تستهلك كلية وتصطدم القارتان. ويتكون نطاق عريض يتميز بالتشوه الشديد عند حد التصادم، حيث تطحن القارتان كلا منهما الأخرى. ويتميز هذا الحد بوجود حزام من الجبال مقطوع بعديد من صدوع الدسر thrust faults وزيادة سمك القشرة القارية بدرجة كبيرة فى نطاق الاصطدام .
وتمثل جبال الهيمالايا مثالا لتصادم القارات الذى بدأ منذ 40 - 50 مليون سنة، حيث اصطدم لوح الهند مع اللوح الأ وروآسيوى. وما زالت عملية رفع الصخور مستمرة مع التصدع وعديد من الزلازل الكبيرة المستمرة حتى الآن، مثل زلزال باكستان الذى حدث يوم السبت 8 أكتوبر 2005 م وبلغت قوته 7.6 على مقياس ريختر وراح ضحيته ما يقرب من أربعة وسبعين ألف قتيل وحوالى مائتى ألف جريح، كما شرد ما يترب من 4 مليون نسمة.
3 . الحدود الناقلة
تعتبر الحدود الناقلة transform boundaries أحد أنواع حدود الألواح . وتوجد تلك الحدود على امتداد الصدوع الناقلة، حيث تنزلق الألواح أفقيا بالنسبة لبعضها البعض موازية تقريبا لاتجاه حركة اللوح . وبالرغم من أنه لا يتكون أو يستهلك غلاف صخرى على امتداد الحد الناقل، إلا أن الحركة بين اللوحين تتسبب فى وجود نطاق من الصخور المحطمة بشدة، وعديد من الزلازل ضحلة البؤرة .
والصدوع الناقلة transform fault هى صدوع رأسية تقريبا، مضربية الانزلاق تقطع الغلاف الصخرى . وهى نوع خاص من الصدوع ينقل أو يغير نوع معين من الحركة بين الألواح إلي نوع آخر من الحركة . وتصل غالبية الصدوع الناقلة بين جزئين من الحيود المحيطية، إلا أن بعضها يصل أيضا بين الحيود المحيطية والخنادق المحيطية، وكذلك بين الخنادق والخنادق . وعلى الرغم من أن معظم الصدوع الناقلة تقع في قشرة محيطية وتكون مميزة بنطاقات تكسير، إلا أنها قد تمتد أيضا في القارات. وتشمل صدع سان أندرياس San Andreas fault في كاليفورنيا أحد الأمثلة المعروفة للصدوع الناقلة، حيث يفصل هذا الصدع بين لوح المحيط الهادي ولوح أمريكا الشمالية. ومن المعروف آن عديذاً من الزلازل التى تؤثر فى كاليفورنيا هى نتيجة الحركة على هذا الصدع . ويمثل نطاق صدع البحر الميت المقابل لصدع سان أندرياس فى النصف الشرقى للكرة الأرضية . ويمتد نطاق صدع البحر الميت عبر فلسطين، مما أدى إلي طوبوغرافية مميزة للمنطقة التى تضم أحواض خليج العقبة والبحر الميت وبحر الجليل (شكل 17 . 27 ).
ب ~ حركة الألواح
تلقى فكرة حركة الألواح قبولا واسعا بين الجيولوجيين، على الرغم من أن أسباب تلك الحركة مازالت محل جدل حتى الآن . وتتحرك الألواح بعيدا عن حيود وسط المحيط أو أى محور انتشار. بينما تتحرك بعض الألواح ناحية الخنادق المحطية . وسنتناول فيما يلى الحركات النسبية والمطلقة للألواح، وميكانيكية تحرك الألواح .
6 ~ الحركة النسبية للألواح
من المعروف أن كل الألواح تتحرك . لذلك لا يوجد كتلة فوق سطح الأرض غير متحركة تماما يمكن استخدامها كمرجع لتقدير حركة كل الأجزاء الأخرى المتحركة . ولقد أثبتت بعض الأدلة أن حيود وسط المحيط تتحرك فعلا . فعندما يوجد لوحان متلامسان، فإن حركتهما النسبية تحدد ما إذا كان الحد بينهما نطاق انتشار أو نطاق اندساس أو صدع ناقل. ولكن ما السرعة التى تتحرك بها ألواح الكرة الأرضية وفى أى اتجاه تتحرك؟ وهل تتحرك كل الألواح بمعدل سرعة واحد؟ . يمكن حساب معدل تحرك الألواح بطرق عديدة، ولكن أقل الطرق دقة هى طريقة تحديد عمر الرواسب الموجودة مباشرة فوق أى جزء من أجزاء القشرة المحيطية، وقسمة هذا العمر على المسا فة من حيود الانتشار، وتعطى تلك الحسابات متوسط معدل تحرك اللوح .
وهناك طريقة أكثر دقة تشمل تحديد كل من متوسط معدل التحرك والحركة النسبية ، عن طريق تحديد عمر الانعكسات المغناطيسية فى قشرة قاع المحيط. وتشير المسافة بين محور الحيد المحيطي وأى انعكاس مغناطيسى إلي عرض قاع المحيط الجديد الذى تكون خلال تلك الفترة الزمنية . وهكذا فإنه كلما زاد عرض شريط قاع المحيط، كانت السرعة التى تحرك بها اللوح أكبر . وبهذه الطريقة، فإنه يمكن تحديد متوسط معدل التحرك الحالي والحركة النسبية ، بالإضافة إلي متوسط معدل التحرك فى الماضي، عندما تتم قسمة المسافة بين الانعكاسات على الزمن المنقضي بين تلك الانعكاسات.
ومن الواضح من المعلومات المبينة فى شكل (17-28) أن معدل التحرك يتغير من لوح إلى آخر .كما يوضح الشكل أيضا أن الجزء الجنوبى الشرقي من لوح المحيط الهادئ ولوح كوكس هما أسرع الألواح تحركا، بينما اللوحان العربى والجزء الجنوبى من اللوح الأفريقى أكثر بطئا .
كما يمكن أيضا تقدير متوسط معدل التحرك وكذلك الحركة النسبية بين أى لوحين بامتخدام تقنية أشعة الليزر. وعندما تبتعد الألواح عن بعضها البعض فإن شعاع الليزر يأخذ وقتا أكبر ليتحرك من المحطة المرسلة إلي القمر الصناعى الثابت ثم إلي المحطة الستقبلة . ويستخدم هذا الوقت الذى انقضى فى حساب معدل الحركة والحركة النسبية بين اللوحين.
2 . الحركات المطلقة للألوح
إن حركة الألواح المستنتجة من الانعكاسات المغناطيسية والأقمار الصناعية والليزر هى الحركة النسبية للوح ما بالنسبة للوح آخر . فعندما يتحرك لوحان ناحية بعضهما البعض بسرعة 2 سم/ سنة للوح الأول و 6 سم / سنة للوح الثانى فإن معدل التقارب بين اللوحين يكو ن 8 سم / سنة . و لكي . نحصل على الحركة المطلقة، فإنه يجب أن نجد مرجعا ثابتا يمكن حساب معدل حركة اللوح واتجاهه مثل وجود أى نقطة غير متحركة على سطح الوشاح فى باطن الأرض. وهنالك مثال مألوف يوضح الفرق بين الحركة المطلقة والحركة النسبية عندما تتجاوز سيارة على الطريق سيارة أخرى، فإذا كان سائقو السيارتين لا يريان بعضهما البعض ولا يستطيعان ملاحظة الأرض أو أى شئ ثابت خارج سيارتيهما، فإنهما يستطيعان فقط تقدير الفرق فى السرعة بين السيارتين . فعندما تتجاوز سيارة سرعتها 100 كم/ ساعة سيارة أخرى سرعتها 90 كم/ ساعة فيمكن فى هذه الحالة تقدير السرعة النسبية فقط، وهى 10 كم . ومن ناحية أخرى، إذا استطاع السائقان قياس سرعة سيارتيهما بالنسبة لشىء مرجعى ثابت، مثل سطح الأرض فإنهما يستطيعان تقدير السرعتين المطلقتين لسيارتيهما وهما 100 كم / ساعة و90 كم/ ساعة . ويمكن اتخاذ النقاط الساخنة hot spots كنقاط مرجعية . وتعرف النقاط الساخنة بأنها مواقع نقاط صغيرة فوق سطح الأرض، تصعد إليها ببطء أعمدة مستقرة من تيارات الصهارة التى تنشأ على أعماق كبيرة فى الوشاح (بلومات وشاح mantle plumes، وتكون تلك الأعمدة براكين أو فيوضاً بازلتية ( شكل 17 . 29 ) .
وتعتبر سلسلة جزر إمبرور سيمونت Emperor Seamount Chain بهاواى أحد الأمثلة المهمة على النشاط البركانى فوق نقطة ساخنة . وتوجد البراكين النشطة فى هذه السلسلة من الجزر البركانية فوق جزيرة هاواى Hawaii island ولويهى سيمونت Loihi Seamount . وقد نشأت بقية الجزر والجبال البحرية فى تلك الجزر من أصل بركانى أيضا. وهى تكون أقدم عمرا كلما تقدمنا فى اتجاه غرب ~شمال غرب على امتداد سلسلة هاواي، وكلما تقدمنا أيضا في اتجاه شمال – شمال غرب على امتداد سلسلة إمبرورسيمونت.
ويرجع السبب في أن تلك الجزر والجبال البحرية تكون أقدم عمرا كلما تقدمنا ناحية الشمال والشمال الغربي إلي أن لوح المحيط الهادئ قد تحرك فوق بلوم من الوشاح مستقر ظاهريا. وهكذا تتكون البراكين على امتداد خط بالقرب من وسط لوح المحيط الهادى محددة اتجاه حركة اللوح المحيطى. وفى حالة سلسلة إمبرور سيمونت بجزر هاواى فقد تحرك لوح المحيط الهادئ أولا فى اتجاه شمال - شمال غرب ثم فى اتجاه غرب - شمال غرب فوق نفس البلوم (شكل 17 . 29 ).
وتساعد البلوعات والنقاط الساخنة الجيولوجيين فى شرح بعض النشاط الجيولوجى الذى يحدث داخل الألواح ، حيث إن معظم النشاط الجيولوجى يحدث عند حدود الألواح أو بالقرب منها . وبالإضافة إلي ذلك، فإذا كانت بلومات الوشاح ثابتة تقريبا بالنسبة لمحور دوران الأرض - على الرغم من أن بعض الدلائل تدل على عكس ذلك- فإنه يمكن استخدام البلوعات كنقاط مرجعية لتحديد خطوط العرض القديمة .
3 . التغير فى سرعة الألواح
تكون السرعة النسبية لبعض الألواح الكبيرة أكبر بكثير من سرعة الألواح الأخرى (شكل 17 . 28 ). ويبدو أن هذا الاختلاف فى سرعة الألواح مرتبط بحجم الغلاف الصخرى القارى، فالألواح التى تتكون من غلاف صخرى محيطي فقط تكون سرعتها النسبية أكبر، مثل سرعة ألواح المحيط الهادئ ونازكا وكوكوس ، بينما تكون السرعة النسبية للألواح التى لها غلاف صخرى قارى سميك أقل، مثل اللوح الأفريقى ولوح أمريكا الشمالية والأوروآسيوى.
ويرجع السبب الثانى فى تغير سرعة الألواح إلى نوعية الحركة على جسم كروى ، حيث يفترض أن كل النقاط فوق اللوح الواحد تتحرك بالسرعة نسفها، ولكن هذا غير صحيح. وقد يكون هذا الاعتقاد صحيحا، إذا كانت ألواح الغلاف الصخرى منبسطة وتتحرك فوق غلاف لدن (أسثينوسفير) منبسط أيضا، مثل طفو قطعة منبسطة من الخشب فوق الماء. ولكن الغلاف الصخرى يتكون من ألواح تحيط بجسم الأرض الكروى، وتكون هذه الألواح منحنية أو مقوسة وليست منبسطة . وتشير هندسة الغلاف الكروى، إلي أن الحركة على السطح تكون، دورانا حول محور. ونتيجة لمثل ذلك الدوران، فإن الأجزاء المختلفة من اللوح الواحد تتحرك بسرعات مختلفة (شكل 17 . 30 )، حيث يتحرك اللوح فى الشكل السابق ويدور حول عور خاص يسمى محور دوران اللوح plate rotation axis مستقلا عن دوران الأرض حول محورها. وتعرف النقطةP فى الشكل السابق، والتى تمثل تقطة اختراق محور الانتشار لسطح الأرض، بقطب دوران اللوح pole rotation plate.
ويمكن وصف حركة كل لوح من ألواح القشرة الأرضية فى ضوء الدوران حول محور الانتشار، حيث تعتمد سرعة كل نقطة على اللوح على المسافة بين هذه النقطة وقطب الانتشار . ونتيجة لاختلاف السرعات على اللوح الواحد، فإن عرض القشرة المحيطية الجديدة التى تحد مركز الانتشار spreading center تزداد مع زيادة المساثة بين تلك القشرة وقطب الانتشار (شكل 17 . 31 ). والنتيجة الثانية لهذا الاختلاف فى السرعات أن إسقاط مركز الانتشار الذى تتباعد الألواح المحيطية على امتداده يمر عبر قطب الانتشار،حيث يماثل هذا الإسقاط خط طول يمر خلال قطب الانتشار، بينما يقع كل صدع ناقل على خط مشابه لخط عرض حول قطب الانتشار .
4 – الميكانيكية المحركة لتكتونية الألواح
لقد كانت العقبة الرئيسية أمام قبول نظرية الانجراف القارى عدم وجود الميكانيكية المحركة لشرح حركة القارات . وعندما اتضح أن القارات وقيعان المحيطات تحركت مع بعضها وليست منفصلة عن بعضها البعض، وأن قشرة محيطية جديدة تكونت عند حيود الانتشار من الصهارة الصاعدة، قبل معظم الجيولوجيين وجود نوع من نظام الحمل الحرارى كعملية أساسية مسئولة عن حركة الألواح . وعلى الرغم من ذلك فما زال التساؤل قائما، عن الميكانيكية التى تسبب حركة الألواح .
وكما سبق أن أوضحنا، فإنه يمكن وصف الوشاح بأنه مادة ساخنة صلبة قادرة على الانسياب وبسرعة تصل لعدة سنتيمترات فى العام .وقد اقترح نموذجان لشرح حركة الألواح، يشتمل كل منهما على خلايا حمل حرارية thermal convection cells (شكل 17 . 32 ) . وفى أحد النموذجين، ينحصر وجود خلايا الحمل الحرارى فى الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)، أى فى الجزء العلوى من الوشاح فقط ، يينما تشمل تلك الخلايا كل الوشاح فى النموذج الثانى . وفى كلا النظامين يميز حيود الانتشار spreading ridges الأجزاء الصاعدة من خلايا الحمل الحرارى، بينما توجد الخنادق المحيطية عند الأماكن التى تهبط فيها خلايا الحمل الحراري، وتعود مرة أخرى إلي باطن الأرض . وهكذا يتم تحديد مواقع حيود الانتشار والخنادق المحيطية بواسطة خلايا الحمل الحرارى. وهكذا فإن كل لوح يقابل خلية حمل حرارى واحدة.
وعلى الرغم من أن معظم الجيولوجيين يتفقون على أن باطن الأرض يلعب دورا مهما فى حركة الألواح، إ لا أن هناك مشكلات تواجه كلا من النموذجين السابقين . والمشكلة الأساسية التى تواجه النموذج الأول هو صعوبة شرح مصدر الحرارة اللازم لخلايا الحمل، ولماذا تنحصر هذه الخلايا فى الغلاف اللدن (الأسثينوسفير)، بينما يعتقد فى النموذج الثانى، أن مصدر الحرارة يأتى من اللب الخارجى للأرض . ولكن لا زالت ميكانيكية انتقال الحرارة من اللب الخارجى إلي الوشاح محهولة حتى الآن، وكذلك لماذا تشمل خلايا الحمل الحرارى كلا من الوشاح السفلى والغلاف اللدن؟. ويقترح بعض الجيولوجيين أنه بالاضافة إلي خلايا الحمل الحرارى داخل الأرض، فإن حركة الألواح تحدث جزئيا أيضا بسبب ميكانيكية أخرى تشمل ما يعرف بجذب أو سحب اللوح slab - pull أو دفع الحيدridge push . وتعتبر الجاذبية الأرضية هى العامل المحرك فى كل من الميكانيكيتين المقترحتين ، بالاضافة إلي الفروق فى درجات الحرارة داخل الأرض. ففى ميكانيكية "جذب اللوح " يجذب اللوح البارد المندس من الغلاف الصخرى بقية اللوح معه أثناء هبوطه واندساسه فى الغلاف اللدن، نظراً لأنه أعلى كثافة من صخور الغلاف اللدن الأكثر دفئا والمحيط باللوح الهابط. وعندما يهبط الغلاف الصخرى لأسفل، فإنه يحدث انسياب مقابل لأعلى فى حيود الانتشار نتيجة تصاعد الصهارة.
وتعمل في الوقت نفسه مع ميكانيكية "جذب اللوح" ميكانيكية أخرى، هى "دفع الحيد"، فنتيجة لصعود الصهارة فإن الحيود المحيطية تكون أعلى من القشرة المحيطية المجاورة. ويعتقد أن الجاذبية تدفع الغلاف الصخري المحيطي نتيجة وزن الحيد المرفوع بعيدا عن حيود الانتشار وفي اتجاه الخنادق لمحيطية. ولم يتضح بعد إلي أي حد يمكن أن تساهم أي من الميكانيكيتين في حركة الألواح. ولذلك، فإن نظرية تكتونية الألواح لم تكتمل حتى الآن.
V|- تكتونية الألواح والرواعب المعدنية
تؤثر تكتونية الألواح - بالإضافة إلي كونها مسئولة عن المعالم الرئيسية للقشرة الأرضية - فى تكوين وتوزيع بعض مصادر الثروة الطبيعية. ولذلك، يستخدم الجيولوجيون نظرية تكتونية الألواح فى البحث عن رواسب معدنية جديدة وفى شرح تواجدات الرواسب المعروفة. وسيتم مناقشة العلاقة بين تكتونية الألواح والرواسب المعدنية فى الفصل التاسع عشر.
الفصل الثامن عشر: تكتنوية القشرة الأرضية وسلاسل الجبال
تغطي المحيطات حوالي 71% من سطح الأرض. ويوجد أسفل أحواض المحيطات قشرة محيطية يقل عمرها عن 200 مليون سنة.وتنشأ أحواض المحيطات عند حيود وسط المحيط، حيث يتكون باستمرار غلاف صخري جديد من الصهير الصاعد من الوشاح، والذي ينتشر ويبرد. حيث إن الغلاف الصخري المحيطي يستهلك حينما يهبط في نطاقات الاندساس، فإن قيعان المحيطات الحالية، لا يمثل إلا 4% فقط من تاريخ الأرض، الذي يصل إلي حوالي 4.6 بليون سنة، لذلك يجب فحص صخور القارات التي تشمل معظم التاريخ الجيولوجي، حيث يعتقد أن صخور القشرة الرضية التي تكونت خلال الخمسمائة مليون سنة الأولى من تاريخ الأرض قد دمرت واستهلكت نتيجة قذفها بشدة بالنيازك في ذلك الوقت المبكر من تاريخ الأرض.
ويعتقد أن فترة الأربعة بلايين سنة من التطور الجيولوجي المسجلة في القشرة القارية هى فترة طويلة ومعقدة.ومع ذلك، فإننا بدأنا في تفسيرها وفهمها بطريقة أفضل اعتماداً على بعض المفاهيم المستمدة من نظرية تكتونية الألواح. ويعتقد الآن أن التشوه يتم فقط في قشرة الأرض الصلبة الخارجية أي في الغلاف الصخري الذي يتراوح سمكه بين 100 و200كم. وهذا السمك يعتبر قليلا جداً إذا ما قورن بسمك الوشاح ولب الأرض الذي يبلغ حوالي 6300كم. وترجع أهمية دراسة سلاسل الجبال إلي معرفة تاريخ الأرض وتشوهها وأصل الرواسب المعدنية، بالإضافة إلي معرفة تأثير الجبال على جيولوجية وجغرافية العالم. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن رفع سلاسل الجبال يمكن أن يؤثر على المناخ في العالم، كما يغير أيضا من كيميائية المحيطات ومواقع تجمعات البترول والرواسب المعدنية أيضاً.
ويوضح البناء الجيولوجي للقارات أنها تتكون من (1) بقايا صخور قديمة جداً تم تعريتها داخل القارات، و(2) منظومات الجبال mountain systems بالقرب من حواف تلك القارات، والتي تشوهت في زمن أحدث. تحدث عمليات بناء الجبال عندما تصطدم الألواح القارية، حيث تتشوه وتدفع رواسب الحواف القارية في سلسلة مطوية ومتصدعة. كما تحدث عمليات بناء الجبال عندما ينصهر اللوح المحيطي المندس تحت لوح محيطي أو لوح قاري، وتصعد الصهارة في الحزام المشوه. وتتسبب تحركات الألواح أيضاً في نقل أجزاء مختلفة جيولوجياً ثم التحامها بذلك الحزام المشوه. وتؤدي التحركات لأعلى ولأسفل داخل القارات إلي نشأة أحواض داخلية interior basins وقباب domes وبقاء الجبال القديمة التي تم تعريتها مرة أخرى. وبعيداً عن الشواطئ، فإن التحركات إلي أسفل تسبب نشأة أحواض على الرفوف القارية. ويعالج هذا الفصل، بعض التشوهات التي حدثت للقشرة الأرضية خلال الأربعة بلايين سنة الأخيرة من عمر الأرض.
| - بعض التراكيب التكتونية الإقليمية
تغطي القارات حوالي ثلث سطح الأرض. ويمكن تقسيم الصخور التي تكون القشرة القارية إلي مجموعتين متميزتين:
1 – صخور رسوبية غير مشوهة: وهى تشمل غطاء الصخور الرسوبية الذي تم ترسيبه ولم يتشوه بدرجة كبيرة.
2 – صخور مشوهة: وهى تشمل المناطق المشوهة، والتي تتكون من صخور رسوبية ونارية ومتحولة تعرضت لقوى أرضية شديدة خلال العصور الجيولوجيةالمختلفة.
وتقع معظم القشرة القارية، سواء المنكشفة أو صخور القاعدة المدفونة تحت غطاء الصخور الرسوبية المتطبقة (وأحياناً صخور بركانية) ضمن صخور المجموعة الثانية، أي الصخور التي تشوهت وتغيرت نتيجة قوى القشرة الأرضية. وتمثل صخور القاعدة basement rocks تجمعاً من الصخور النارية والمتحولة (عادة ما تكون من صخور ما قبل الكمبري أو الباليوزوي). ولذلك ترتبط بقوة عملية التجبل orogeny – وهى عمليات بناء الجبال والتي تشمل الطي والتصدع والنشاط الناري والتحول – بتطور القارات.
ويلاحظ أن توزيع مكونات القارات لا يكون عشوائياً، فتميل معظم الصخور التي تشوهت خلال سلسلة الأحداث القديمة لأن تتواجد داخل القارات، حيث أصبحت مستقرة نسبيا الآن، ويتم تعريتها لتصبح مسطحة تقريباً. ويوجد خارج هذه المناطق القديمة أحزمة الجبال النشطة الأحداث عمرا، والتي تكون معظم أنظمة الجبال الموجودة حالياً. وتقع أحزمة الجبال هذه عند حواف القارات حيث توضح ملامحها الطوبوغرافية أنها تتواجد في أحزمة ضيقة وطويلة، مثل حزام الكورديليرا الذي يمتد على الحواف الغربية لأمريكا الشمالية وحزام الأبالاش الذي يمتد على الحافة الشرقية لأمريكا الشمالية، كما تمتد سلاسل الألب – الهيمالايا عبر الحدود الجنوبية لآسيا وأوربا (شكل 18 – 1). وتميل معظم أحزمة الجبال التي تشمل مدودا جبلية مرتفعة لأن تكون أحدث عمرا من تلك الجبال المنخفضة تضاريسيا. فقد بدأت عملية بناء جبال الهيمالايا، والتي تشمل أعلى أجزمة الجبال في العالم، من حوالي أربعين إلي خمسين مليون سنة فقط، ومازالت في حالة نشاط حتى الآن، بينما توقفت عملية بناء جبال أحزمة الأبالاش المنخفضة تضاريسيا منذ حوالي 250 مليون سنة. ويوضح جدول (18 – 1) العناصر التكتونية للقشرة الأرضية والتي تشمل العناصر المستقرة وغير المستقرة (النشطة). وتنمو القارات عموماً من تجمع أجزاء من ألواح صغيرة بالتصادم، علاوة على إضافة مواد جديدة عند اندساس الألواح المحيطية. وتمثل الأحزمة الموجودة على حواف القارات المفتاح الذي يكشف العملية التي تؤدي إلي تشوه القشرة الأرضية القديمة، حيث مازال يوجد بها الكثير من سجل التشوه محفوظاً في الصخور التي لم يتم تعريتها.
|| - الأجزاء الداخلية المستقرة من القارات
تعرف الرسيخات cratons بأنها الأجزاء الداخلية المسطحة من القارات، والتي تغطي مساحات شاسعة وتكون مستقرة تكتونيا. وتتكون الرسيخات من الصخور القديمة التي تشوهت بشدة خلال زمن ما قبل الكمبري وأصبحت مستقرة منذ ذلك الوقت. وتشمل الرسيخات مساحات كبيرة تسمى دروع shields، وهى تتكون من صخور القاعدة المتبلورة القديمة جداً التي انكشفت من تلك الرسيخات. وتمثل الدروع وصخور القاعدة في الرسيخات جذور أحزمة جبال اكتملت عملية تشوهها منذ أكثر من بليون سنة مضت. ويمتد للخارج من تلك الدروع أرصفة platforms مستوية وعريضة من الصخور القديمة تكون مدفونة تحت رسوبيات وصخور رسوبية أحدث عمرا (شكل 18 – 2).
وهكذا تشمل الرسيخات كلاً من الدروع والرصفة المدفونة، حيث إن الأرصفة تمثل جزءا من الرسيخة. ويمثل الدرع الكندي نموذجاً لدرع (شكل 18 – 3)، وهو يتكون في معظمه من صخور جرانيتية ومتحولة (مثل النيس) مع صخور رسوبية وبركانية متحولة مشوهة بدرجة كبيرة. وتشير تلك التجمعات من الصخور إلي فترات بناء الجبال الشديدة خلال زمن ما قبل الكمبري، والتي أعقبها فترة طويلة من الاستقرار، حيث يدل عدم وجود تشوه حديث على استقرارها. وتشمل هذه المنطقة أحد أقدم سجلات التاريخ الجيولوجي. ويتميز الدرع الكندي بتواجد رواسب خامات الحديد والذهب والنحاس والنيكل. كما توجد دروع أخرى في اسكندنافيا وفنلندا وسيبريا ووسط أفريقيا والبرازيل وأستراليا (شكل 18 -1).
ويوجد جنوب الدرع الكندي منطقة الرصيف الداخلي المعطاة بالرواسب، والتي تكون مستوية تقريبا (شكل 18 – 3)، وهى تشكل المنطقة الوسطى المستقرة من الولايات المتحدة. ويمثل هذا الرصيف امتدادا مستويا تقريباً تحت سطح الأرض للدرع الكندي، حيث يشمل صخور قاعدة مشابهة من ما قبل الكمبري ولكنها مغطاة في تلك المنطقة بغطاء من الصخور الرسوبية يبلغ سمكها أقل من 2كم تقريباً تتبع حقب الحياة القديمة (الباليوزوي).
وقد وجدت رواسب الرصيف القاري في شمال أمريكا فوق صخور القاعدة المشوهة منذ ما قبل الكمبري والتي تم تعريتها تحت ظروف مختلفة. وتدل تجمعات تلك الصخور على أنها ترسبت في بحار فوق قارية ضحلة ممتدة (صخور بحرية تشمل الحجر الرملي والحجر الجيري والطفل ورواسب دلتا ومتبخرات) وفي سهول طميية أو في بحيرات أو مستنقعات (رواسب غير بحرية ورواسب فحم). وتوجد معظم رواسب خامات اليورانيوم والفحم بالإضافة إلي الغاز والنفط في الغطاء الرسوبي للرصيف المشار إليه.
ويشغل الدرع العربي النوبي Arabian – Nubian shield مساحات كبيرة تصل إلي حوالي 10 مليون كيلو متر مربع في شمال أفريقيا وغرب المملكة العربية السعودية، وهو مثال جيد على حدوث نشاط صهاري عند حدود ألواح متقاربة convergent boundaries.
وعلى الرغم من إجماع معظم الدراسات على أهمية دور تكتونية الألواح في نشأة الدرع العربي النوبي، إلا أنه لازال هناك خلاف بين العلماء حول ميكانيكية تكوين القشرة الرضية في هذا الدرع، حيث يعتقد بعض العلماء أنه نشأ في زمن البروتيروزوي المتأخر (860 – 560 مليون سنة مضت) عند حافة قارية التحمت بها عدة أقواس جزر oceanic island arcs اندفعت على امتداد أسطح صدوع دسر thrust faults تقع فوق تلك الحافة. وتتميز الحدود التي نشأت عن عمليات درز (التحام) وتصادم أقواس الجزر بوجود صخور مافية وفوقمافية والمعروفة بالأوفيوليتات ophiolites (شكل 18 – 4). كما استمرت عملية التشوه داخل الرسيخة craton الجديدة، مما أدى إلي تكون صخور بركانية (متوسطة إلي فلسية) وصخور جرانيتية تداخلت في الأعماق، بالإضافة إلي تكون رواسب المولاس (سحنة رسوبية تقع بين الرواسب البحرية والقارية، وتكون غير مفروزة). كما تكونت في الفترة منذ 630 – 550 مليون سنة مضت مجموعة من الصدوع أخذت اتجاه شمال غرب – جنوب شرق والمعروفة بنظام نجد Najd System، مما أدى إلي زحزحة الجزء الشمالي من الرسيخة العربية إلي اتجاه شمال – غرب.
||| - أحزمة التجبل: بناء الجبال
اجتذبت الجبال الموجودة فوق سطح الرض انتباه الجيولوجيين أكثر مما اجتذبتهم المعالم الأرضية الأخرى. وقد تجمعت لدى العلماء خلال القرنين الماضيين كثير من المعلومات عن العمليات الداخلية التي تسبب نشأة هذه المعالم الرضية المدهشة. وعندما يستخدم الجيولوجيون مصطلح جبل mountain فإنهم يشيرون إلي أي منطقة من اليابسة ترتفع بشكل ملحوظ عما حولها (300 متر على القل). وتكون بعض الجبال معزولة ولها قمم واضحة، ولكن من الشائع أن تتواجد الجبال كجزء من تتابع من المرتفعات الجبلية الممتدة طوليا، وشديدة التقارب من بعضها ومتماثلة في الوضع والاتجاه والعمر والأصل، تعرف بالمدود الجبلية (مفردها مد جبلي) mountain ranges. كما تعرف منظومة الجبال mountain system بأنها منطقة جبلية تتكون من عدة مدود جبلية، تربطها ملامح مشتركة في الشكل أو التركيب أو الاتجاه، مثل جبال روكي والأبالاش. وتعرف المنظومات الجبلية بأنها نطاقات طولية معقدة، تتميز بالتشوه الشديد وزيادة في سمك القشرة الأرضية وبعض التراكيب الجيولوجية التي سبق شرحها. أما سلسلة الجبال mountain chain فهى سلسلة متصلة تضم عددا من المدود الجبلية ومنظومات الجبال المتوازية تقريبا، تتجمع كلها في سلسلة متصلة واحدة دون اعتبار لتماثلها في الشكل أو التركيب أو العمر، لكنها تشكل اتجاها محددا.
وتعرف العمليات التي تؤدي إلي نشأة سلاسل الجبال بالتجبل (بناء الجبال) orogenesis، وهو مصطلح مستمد من الكلمة اليونانية oros بمعنى جبل و genesis بمعنى نشأة. وتمثل الصخور التي تكون الجبال دليلا مرئيا على القوى التضاغطية الهائلة التي شوهت أجزاء كبيرة من القشرة الأرضية، وتسببت بالتالي في رفع تلك الأجزاء إلي وضعها الحالي. وعلى الرغم من أن الطي هو أكثر علامات التشوه تميزاً، إلا أن صدوع الدسر والتحول والنشاطالناري تكون دائماً متواجدة ولكن بدرجات مختلفة.
وعندما يذكر الجيولوجيون عمليات بناء الجبال، فإنهم يشيرون إلي أحزمة الجبال الرئيسية الموضحة في شكل (18 – 1)، وتشمل تلك المجموعة أحزمة الألب Alps والأورال Urals والهيمالايا Himalayas والأبالاش Appalachians والكورديليرا الأمريكية American Cordiellera. وتوجد أحزمة الجبال على كل قارة، حيث تمتد لمئات أو حتى آلاف الكيلومترات. وسوف نستعرض هنا أهم نتائج تشوه القشرة الأرضية، ألا وهى أحزمة التجبل الرئيسية على الأرض.
وتجدر الإشارة إلي أنه يوجد ببعض المناطق تضاريس جبلية تنشأ دون تشوه رئيسي في القشرة الأرلضية. فقد تتقطع بعض الهضاب plateaus – وهى مناطق صخرية عالية مستوية القمة تقريباً – إلي تضاريس وعرة تشبه الجبال بسبب بعض عوامل التعرية. وعلى الرغم من أن تلك التضاريس المرتفعة تشبه الجبال تضاريسيا، إلا أنه ينقصها التراكيب المصاحبة لعمليات بناء الجبال. ومن أمثلة تلك الجبال أيضاً، تلك التي تتكون نتيجة التصدع الكتلي block – faulting، والتي تشمل التحرك على صدوع عادية normal faults بحيث ترتفع كتلة أو أكثر بالنسبة للمساحات المجاورة لها (شكل 18 – 5). وتمثل منطقة بيزن أند رينج Basin and Range Province في غرب الولايات المتحدة مثالاً تقليديا لتكون الجبال بسبب التصدع الكتلي، حيث شدت الأرض في اتجاه شرق – غرب، وتسببت قوى شد أدت إلي تكون صدوع تحد الكتل الرضية في اتجاه شمال – جنوب. وقد أدت الحركة على امتداد تلك الصدوع إلي تكون كتل مرفوعة تسمى نتوقا (مفردها نتق) horsts وكتل هابطة تسمى أخاديد (مفردها أخدود) grabens. ويحد كتل النتوق والأخاديد صدوعا عادية متوازية من الجانبين. وقد أدت تعرية كتل النتوق إلي تكون الملامح الطوبوغرافية لسلاسل الجبال الحالية. وفي مصر، فقد نشأت بعض الجبال عن التصدع الكتلي في منطقة خليج السويس.
كما قد تنشأ الجبال نتيجة تداخل باثوليثات مكونة من صخور بلوتونية (جوفية) مقاومة للتعرية في القشرة الأرضية انكشقت بعد أن رفعت الصخور، وتم تعرية الصخور الرسوبية الضعيفة التي تعلوها (شكل 18 – 6).
أ – تراكيب الجبال
تكونت أحزمة الجبال خلال الزمن الجيولوجي المتأخر في عديد من مناطق العالم، وهى تشمل الأحزمة الحديثة مثل الكورديليرا الأمريكية، والتي تمتد على الحافة الغربية لأمريكا من كيب هورن إلي ألاسكا، وسلسلة الألب – الهيمالايا، والتي تمتد من البحر الأبيض المتوسط عبر إيران إلي شمال الهند وإندونيسيا، كذلك المناطق الجبلية في غرب المحيط الهادئ والتي تشمل أقواس الجزر الناضجة mature island arcs مثل اليابان والفلبين وسومطرة (شكل 18 – 1). وقد تكونت معظم هذه الأحزمة الجبلية الحديثة خلال المائة مليون سنة الأخيرة من عمر الرض. وقد يكون بعضها قد بدأ في النمو، بما فيها الهيمالايا، منذ 40 – 50 مليون سنة مضت.
وبالإضافة إلي تلك الأحزمة الجبلية الحديثة، فإنه توجد أحزمة جبلية أخرى منذ ما قبل الكمبري وحقب الحياة القديمة (الباليوزوي). وتحتفظ تلك الأحزمة الجبلية بالملامح التركيبية نفسها الموجودة في أحزمة الجبال الحديثة، على الرغم من تعرضها لعوامل التعرية الشديدة. وتمثل جبال الأبالاش في شرق الولايات المتحدة الأمريكية والأورال في الاتحاد السوفيتي (السابق) تلك المجموعة القديمة. وتمتد في شرق مصر سلسلة جبال البحر الأحمر، والتي يرجع عمرها إلي ما قبل الكمبري.
وعلى الرغم من أن أحزمة الجبال الرئيسية تختلف من منطقة لأخرى في التفاصيل المميزة لكل منطقة، إلا أن كل أحزمة الجبال تتكون عموماً من حيود متوازية تقريباً من صخور رسوبية وبركانية مطوية ومتصدعة، كما أن بعض أجزائها قد تعرضت لعملية تحول شديدة بالإضافة إلي تداخل بعض الأجسام النارية الأحداث بها (شكل 18 – 7). وقد تكونت الصخور الرسوبية في معظم هذه الأحزمة نتيجة تراكم رواسب بحرية عميقة يزيد سمكها في بعض الأحيان عن 15 كيلومترا، بالإضافة إلي رواسب الرف القاري الأقل سمكا. وتكون معظم هذه الصخور الرسوبية المشوهة أقدم من عمليات بناء الجبال. وتدل تلك الظواهر، على أن هناك فترة ممتدة من الترسيب الهادئ على الحافة القارية أعقبتها سلسلة أحداث عنيفة من التشوه.
وتدل الدراسة التفصيلية للمناطق الجبلية، أن عملية بناء الجبال تستغرق وقتا طويلا وتستغرق في بعض الأحيان أكثر من 100 مليون سنة. وعلاوة على ذلك، فإن إعادة ترتيب الأحداث توضح أن التشوه يبدأ عموماً من حافة القارة إلي الداخل، بحيث تتعرض الرواسب البحرية العميقة للتشوه أولا. وقد تعرضت تلك الرواسب، والتي تتكون من حجر رملي ردئ الفرز وفتات بركاني وطفل للطي الشديد والتصدع والتحول الشديد، كما لو أنها قد عصرت بمنجلة عملاقة تحرك فكها من البحر في اتجاه الأرض. ويصاحب فترة التشوه في معظم أحزمة الجبال عمليات نشاط بركاني مع متداخلات جرانيتية.
وتشمل المرحلة التالية في التشوه رسوبيات الماء الضحل على الرفوف القارية. وتتكون تلك الرسوبيات من الحجر الرملي والحجر الجيري والطفل. وتتشوه تلك الطبقات بالطي وبصدوع الدسر التي تؤدي إلي انزلاق شرائح كبيرة من الصخور فوق طبقات أحدث عمرا. ويكون التحول عادة منخفض الرتبة. وتتعرض مناطق التجبل بعد فترة من انتهاء عمليات بناء الجبال إلي عملية رفع إقليمي. ويصاحب تلك العملية عادة القليل من التشوه. وعندما ترتفع الطبقات المشوهة عاليا، تتزايد عمليات التعرية مما يؤدي إلي تشكيل الطبقات المشوهة لتأخذ الشكل التضاريسي للجبال.
وقد تم خلال السنوات الماضية وضع عديد من الفرضيات لتفسير كيف تتكون أحزمة الجبال الرئيسية. وتقترح إحدى هذه الفرضيات أن الجبال عبارة عن تجعدات في القشرة الأرضية نشأت أثناء تبرد كوكب الأرض من حالتها الأولى شبه السائلة. فعندما فقدت الأرض حرارتها فإنها انكمشت ونشأ بها التجعدات. وتشبه تلك العملية، ما يحدث من تجعدات عندما تجف حبة برتقال، ولكن هذه الفرضية لم تصمد طويلا أمام الانتقادات التي وجهت إليها.
ومع ظهور نظرية تكتونية الألواح وضع نموذج آخر لشرح عملية بناء لجبال. فطبقا لتلك النظرية فإن بناء الجبال يحدث عند حدود الألواح المتقاربة، حيث تنشأ قوى تضاعف أفقية نتيجة تصادم الألواح، مما يؤدي إلي طي وتصدع وتحول التراكماتالسميكة من الرواسب المتكونة على امتداد حواف كتل الرض. وبالإضافة إلي ذلك، يصبح الانصهار الجزئي للقشرة المحيطية المندسة مصدراً للصهارة التي تتداخل وتشوه تلك الرواسب.
ب – عمليات بناء الجبال
تنصب معظم الدراسات التي تحاول فهم عمليات بناء الجبال على المناطق الموجودة بها تراكيب جبال قديمة، بالإضافة إلي المناطق التي يظن أن عمليات التجبل مازالت قائمة بها. وتمثل نطاقات الاندساس النشطة مناطق ذات أهمية خاصة، حيث تتقارب أجزاء القشرة الأرضية، وتتكون أقواس بركانية عند معظم نطاقات الاندساس الحديثة. ويمثل هذا الوضع حزام التجبل الممتد حول المحيط الهادئ والمعروف بالحزام حول الهادئ circum – pacific belt. وعلى الرغم من أن نشأة القوس البركاني لا تؤدي إلي تكون طوبوغرافية الجبل، إلا أن هذا النشاط يعتبر أحد مراحل تكون حزام جبلي رئيسي.
وعندما يتصادم لوحان قاريان تنشأ قوى هائلة تؤدي إلي أن تفقد الأرض صلابتها وتتشوه وتتكسر بعدة طرق. وتمتص القشرة الرضية معظم الحركة الناشئة عن التصادم عن طريق الطي الشديد والتصدع، خلال نطاق من التشوه الشديد يمتد لمئات الكيلومترات داخل القارة. وقد يحدث التصادم أيضاً بين كتلة قارية وكتلة من القشرة الأرضية من أي نوع، بما فيها جزر أرخبيل مثل جزر الألوشي أو بعض الكتل القارية الصغيرة مثل مدغشقر. وسوف نستعرض تلك المواقع من بناء الجبال في الأجزاء التالية.
1 – بناء الجبال وأقواس الجزر: التجبل عند حدود الألواح المحيطية – المحيطية
تتكون أقواس الجزر البركانية volcanic island arcs من طراز الليوشي Aleultian – type. عندما يتقارب لوحان محيطيطان ويندس أحدهما تحت الاخر، وتنشأ صهارات نتيجة الانصهار الجزئي للوح المندس وبعض صخور الوشاح الموجودة أعلاه. وتتصاعد تلك الصهارات لأعلى لتكون الجزء الناري من نظام القوس المتكون (شكل 18 – 8). وخلال فترة من النشاط البركاني وما يصاحبها من رفع للكتل النارية المتداخلة يزداد ارتفاع القوس إلي زيادة معدل التعرية، وبالتالي زيادة كمية الرواسب التي تضاف إلي قاع البحر المجاور وإلي الحوض خلف – قوسي back – arc basin (المنطقة المحصورة بين الخندق المحيطي وقوس الجزر).
وبالإضافة إلي الرواسب الاتية من اليابسة، تكشط رواسب الماء العميق من سطح اللوح المحيطي الهابط، وتتراكم تلك الرواسب أمام اللوح العلوي الراكب، وتكون ما يعرف بالوتد المتزايد accretionary wedge. وبمعنى آخر، فإن الوتد المتزايد هو كتلة كبيرة من الرواسب الوتدية الشكل، تتجمع فوق اللوح المحيطي المندس حيث تكشط تلك الرواسب من اللوح المحيطي المندس وتلتحم بكتلة القشرة الرضية العلوية الراكبة. وتسبب قوى التضاغط الناشئة من الألواح المتقاربة أن يطوي الوتد المتزايد زمعه أجزاء من القشرة المحيطية التي قصت من اللوح الهابط والمعروفة بالأوفيوليت بصورة معقدة ومقطوعة بعديد من صدوع الدسر. ويعتقد أن استمرار عملية الاندساس يؤدي إلي تكون وتد سميك من المواد المشوهة يمتد موازيا للجزء الناري من القوس وفي اتجاه البحر. وقد يؤدي النمو المستمر إلي بناء وتد متزايد يصبح في النهاية كبيراً لدرجة تكفي لأن يرتفع فوق مستوى سطح البحر.
وتتشوه وتتحول الرواسب الموجودة في القوس البركاني ناحية الأرض. وقد يكون التحول في الوتد المتزايد نتيجة قوى الضغط الشديدة الناشئة من اللواح المتقاربة، كما أن التحول قد يتم أيضاً بالقرب من القوس البركاني مصاحباً لتداخل الأجسام الصهارية الكبيرة. ولذلك، فإن الصخور المتحولة الموجودة في الأقواس البركانية تحتوي على معادن مميزة للتحول المرتفع الحرارة.
وتؤدي هذه الأنشطة المختلفة إلي تكون قوس جزر ناضج mature island arc يشمل حزامي تجبل متوازيين تقريباً. ويتكون الجزء المواجه لليابسة من القوس البركاني من براكين وأجسام متداخلة كبيرة مختلطة مع صخور متحولة عند درجات حرارة مرتفعة. أما الحزام المواجه للبحر من القوس البركاني فهو الوتد المتزايد وهو يتكون من رواسب متحولة ومطوية ومتصدعة وفتات بركاني، وتحتوي على معادن تميز التحول بالضغط المرتفع مثل معدن الجلوكوفين.
وقد تحقق الجيولوجيون حديثاً من أهمية أقواس الجزر في عمليات بناء الجبال. وهناك الآن اتفاق عام على أن العمليات التي تحدث في أقواس الجزر الحديثة تمثل إحدى مراحل تكون أحزمة الجبال الرئيسية على الأرض. وحيث إن أقواس الجزر تحمل بواسطة الألواح المحيطية المتحركة، فإنه من الممكن أن يصطدم قوسان ويلتحما ببعضها (تعرف عملية الالتحام بالدرز suturing) ليكونا كتلة كبيرة من القشرة الأرضية. كما تنمو وتزداد أقواس الجزر لتصل إلي كتل في حجم القارات، وتشارك تلك الكتل في تكوين حزام جبلي، مثل حزام جبال الأبالاش.
2 – بناء الجبال على امتداد الحواف القارية: التجبل عند حدود الألواح المحيطية – القارية
تتضمن عملية بناء الجبال على الحواف القارية تقارب لوح محيطي مع لوح آخر تشتمل مقدمته على قشرة قارية مثل جبال الألب في أوروبا وجبال الأنديز في غرب أمريكا الجنوبية. وتشمل منظومات جبال الإنديز على أعلى قمم جبلية في الأمريكتين، حيث وصل عديد من تلك القمم إلي ارتفاع يزيد عن 6000 متر. ويضم الإنديز أيضاً براكين نشطة، بالإضافة إلي أن الجزء الغربي من أمريكا الجنوبية هو جزء نشيط للغاية من حزام الزلازل حول المحيط الهادئ. وعلاوة على ذلك، يعتبر خندق بيرو – شيلي الذي يقع عند الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية أحد أكبر الخنادق المحيطية على الأرض. ويسبب هذا النوع من التقارب المحيطي – القاري تراكيب تشبه تلك الموجودة أثناء نمو وتكون قوس جزر بركاني.
وتبدأ المرحلة الأولى في تكوين حزام جبلي طراز – الانديزي Andean type قبل تكون نطاق الإندساس. فخلال تلك الفترة فإن حافة القارة تكون حافة مستقرة marging passive. بمعنى أن الكتلة القارية توجد داخل اللوح بعيداً عن حافة اللوح. وتعتبر الكتلة القارية جزءاً من اللوح نفسه، مثلها مثل القشرة المحيطية المجاورة. ويمثل اليوم الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية والحافة الغربية لأفريقيا مثالاً لحافة قارية مستقرة، حيث تتراكم عند تلك الحافة المستقرة، رواسب رف قاري تكون في النهاية وتدا سميكا من رواسب الماء الضحل والمكونة من الحجر الرملي والحجر الجيري والطفل (شكل 18 – 9 أ)، وترسب تيارات العكر خلف الرف القاري رواسب العكر turbidites على المنحدر والمرتفع القاري. وعند نقطة معينة، تصبح الحافة القارية نشطة ويتكون نطاق اندساس، وتبدأ عملية التشوه (شكل 18 – 9 ب). ويعتبر الشاطئ الغربي لأمريكا الجنوبية مثالا جيدا لتلك الحافة القارية النشطة. فعندما بدأت القارة العظمى بانجيا Pangaea منذ 200 مليون سنة في التكسر نتيجة للخسف على امتداد ما نعرفه اليوم بحيود وسط الأطلنطي، تحرك لوح أمريكا الجنوبية ناحية الغرب بعد انفصاله عن أفريقيا، بينما بدأ اللوح المحيطي المجاور للساحل الغربي لأمريكا الجنوبية (لوح نازكا) في الانحناء والاندساس تحت القارة، على امتداد خندق بيرو – شيلي (شكل 17 – 16). وقد تغيرت الحافة القارية من حافة مستقرة إلي حافة قارية نشطة.
ويؤدي تقارب الكتلة القارية واندساس الوح المحيطي إلي تشوه وتحول الحافة القارية. وبمجرد هبوط اللوح المحيطي إلي حوالي 100كم، تصعد الصهارة الناتجة عن الانصهار الجزئي وتتداخل في الطبقات التي تعلوها، كما أنها تؤدي إلي تشوه تلك الطبقات (شكل 18 – 9 ب). وتلتحم الرواسب الاتية من اليابسة وتلك التي كشطت من اللوح المندس يبجانب الكتلة القارية على امتداد الخندق أثناء تكون القوس البركاني volcanic arc. ويطلق مصطلح وتد متزايد accretionary wedge على هذا التراكم من الصخور الرسوبية والمتحولة مع بعض الأجزاء التي كشطت من القشرة المحيطية والوشاح والمسماة بالأوفيوليت، (شكل 18 – 9 ب). وقد يؤدي استمرار وامتداد عملية الاندساس إلي بناء وتد متزايد كبير لدرجة أنه يبرز فوق مستوى سطح البحر (شكل 18 – 9 ج).
وتتكون أحزمة الجبال طراز – الأنديزي، مثلها مثل أقواس الجزر الناضجة، من نطاقين متوازيين تقريباً. النطاق الأول ويشمل الجزء الواقع ناحية اليابسة، ويحتوي على القوس البركاني المكون من البراكين الأنديزيتية وأجسام متداخلة فلسية كبيرة مختلطة مع صخور متحولة عند درجات حرارة عالية. أما الحزام الواقع ناحية من المقوس البركاني فهو الوتد المتزايد والمتكون من رسوبيات وفتات بركاني مطوي ومتصدع ومتحول.
ويوجد مثال آخر على أحزمة التجبل طراز – الأنديزي من الصحراء الشرقية المصرية، وتشمل سلسلة الجبال الممتدة موازية للبحر الأحمر تقريبا. وقد تكون ذلك الحزام الجبلي نتيجة اندساس لوح محيطي تحت الحافة الغربية للوح أفريقيا القاري (شكل 17 – 26).
3 – بناء الجبال نتيجة التصادم القاري: التجبل عند حدود الألواح القارية – القارية
ناقشنا في الجزء السابق تكون أحزمة الجبال عندما تشمل الحافة المتقدمة لأحد الألواح المتقاربة قشرة قارية. ومع ذلك، فمن الممكن أن يحمل كل من اللوحين المتصادمين قشرة قارية. ونظراً لكون الغلاف الصخري للقارات أخف من أن يغوص ويندس، فإن التصادم يحدث في النهاية بين الكتلتين القاريتين. وجدير بالملاحظة أن قوى التصادم بين لاكتل القارية تكون كبيرة لدرجة أن القشرة القارية تفقد صلابتها وتتشوه وتتكسر بعده طرق. وتمتص القشرة القارية معظم حركة التصادم عن طريق الطي الشديد والتصدع في نطاق تشوه شديد يمتد مئات الكيلومترات في القارة. ويسبب التصدع في تكسر القشرة إلي عديد من فرش الدسر thrust sheets يصل سمكها إلي حوالي 20كم، تتكدس فوق بعضها البعض على امتداد أسطح صدوع الدسر شبه الأفقية. كما تتشوه غالبا فرش الدسر نفسها وتتعرض للتحول، كما تنتزع رواسب الرف القاري الوتدية من صخور القاعدة التي ترسبت عليها وتدفع على أسطح الدسر داخل الأرض. ويوضح شكل (18 – 10) مثالا لبناء الجبال نتيجة التصادم القاري عندما اصطدمت الهند مع آسيا منذ 40 – 50 مليون سنة. وقد انفصلت الهند عن القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) قبل هذا الوقت، والتي كانت جزءاً منها ثم تحركت عدة آلاف من الكيلومترات ناحية الشمال قبل أن يحدث التصادم (شكل 18 – 10). وقد تكونت جبال الهيمالايا ومرتفعات التبت نتيجة هذا التصادم.
وعلى الرغم من ان معظم القشرة المحيطية التي كانت تفصل الهند عن آسيا قبل التصادم قد اندست، إلا أن بعضها قد ضغط مع الرسوبيات البحرية. ويمكن أن تتواجد الان تلك المواد مرتفعة عاليا فوق مستوى قد انفصل عن اللوح القاري الصلب واستمر في مساره تحت الكتلة القارية بعد هذا التصادم.
ويعتقد أن مركز الانتشار الذي دفع الهند إلي الشمال مازال نشيطاً، وأنها لازالت مستمرة في تحركها ناحية آسيا. وقد قطعت الهند منذ تصادمها مع آسيا حوالي 2000كم في آسيا على امتداد صدوع دسر. وتتحرك الهند حاليا نحو الشمال بمعدل حوالي 5سم كل عام. ويدل عديد من الزلازل الشديدة المسجلة في الصين ومنغوليا على هذا التحرك.
ويعتقد أنه حدث تصادم مشابه، ولكنه أقدم كثيراً، حينما اصطدمت القارة الأوروبية مع قارة آسيا لتتكون جبال الأورال Ural Mountains التي تمتد في اتجاه شمالي – جنوبي في الاتحاد السوفيتي السابق. وقبل ظهور نظرية تكتونية الألواح، وجد الجيولوجيون صعوبة في تفسير وجود سلاسل جبال داخل القارات، وكيف يمكن أن تترسب آلاف الأمتار من الرواسب البحرية وتتشوه كثيرا في وسط كتلة قارية كبيرة.
وهناك أحزمة جبال أخرى يظهر أنها تكونت نتيجة تصادمات قارية مثل جبال الألب والأبالاش. ويعتقد أن جبال الألب قد تكونت نتيجة تصادم بين أفريقيا وأوروبا عند غلق البحر التيثيز Tethys Sea. كما يوجد أيضاً اللوح العربي في غرب جبال الهيمالايا الذي يتصادم مع آسيا على امتداد سلسلة جبال زاجروس Zagros Mountains في إيران.
4 – بناء الجبال وتكتونية الألواح الصغيرة
أوضحت نظرية تكتونية الألواح عند بداية ظهورها أن هناك ميكانيكيتين لتفسير نشأة الجبال (التجبل)، الأولى وهى التصادمات الجبال مثل اللب والهيمالايا والأبالاش والأورال. أما الثانية فهى نشأة الجبال المصاحبة لاندساس لوح محيطي، مثل منظومة جبال الأنديز، والتي كان يعتقد أنها سبب نشأة عديد من منظومات الجبال حول المحيط الهادئ.
وقد أوضحت البحوث الحديثة أن هناك ميكانيكية أخرى لشرح نشأة الجبال. فقد اكتشف الجيولوجيون خلال الفترة من عام 1970م وحتى عام 1980م أن هناك أجزاء عديدة من المنظومات الجبلية تتكون من كتل ملتحمة صغيرة (تمتد لمئات الكيلومترات) من الغلاف الصخري، يدل تاريخها الجيولوجي على أنها مختلفة عن الكتل المحيطية، تعرف بكتل الألواح الصغيرة microplate terranes. وتختلف تلك الكتل تماماً في محتواها الحفري والاتجاهات التركيبية وخصائص المغناطيسية القديمة عن صخور منظومة الجبال المحيطية. وقد دفع هذا الاختلاف كثيرا من الجيولوجيين للاعتقاد أن تلك الكتل تكونت في مكان آخر ثم حملت لمسافات كبيرة كأجزاء من ألواح أخرى حتى اصطدمت مع ألواح صغيرة أخرى أو قارات. ولذلك تعرف أحيانا تلك الألواح الصغيرة بالكتل المزاحة displaced terranes أو الكتل الدخيلة exotic terranes. ويجب ألا نخلط بين مصطلح terrane وكلمة terrain والتي تعني منطقة أو تضاريس أرض ما.
وتشير الأدلة الجيولوجية أن أكثر من 25% من ساحل المحيط الهادئ الممتد غرب أمريكا الشمالية من ألاسكا إلي باها بكاليفورنيا يتكون من ألواح صغيرة ملتحمة. وتتكون الألواح الصغيرة المتزايدة من أقواس جزر بركانية وحيود محيطية وجبال بحرية وكتل صغيرة من القارات، والتي كشطت ولحمت في حافة القارة أثناء اندساس اللوح المحيطي الذي حملها تحت القارة. ويقدر أنه أضيف أكثر من 100 لوح صغير مختلفة الأحجام إلي الحافة الغربية لمريكا الشمالية خلال المائتي مليون سنة الماضية (شكل 18 – 11).
وتوجد معظم الألواح الصغيرة المعروفة في سلاسل جبال المنطقة الساحلية للمحيط الهادئ – أمريكا الشمالية، إلا أنه يعتقد أنه يوجد عدد من تلك الألواح الصغيرة في السلاسل الجبلية الأخرى أيضاً، ولكن ليس من السهل تعرف تلك الألواح الصغيرة في المنظومات الجبلية الأقدم، مثل الأبالاش، بسبب التشوه والتعرية الشديدة. ومع ذلك، فقد تم تمييز حوالي 12 لوحا صغيراً في الأبالاش، إلا أنه من الصعوبة بمكان تعيين حدودها. وتقدم تكتونية الألواح الصغيرة نظرية جديدة للأرض تساعد في فهم التاريخ الجيولوجي للقارات.
ولكن ما طبيعة تلك الأجزاء الصغيرة من الغلاف الصخري، وأين نشأت؟ ويعتقد بعض الباحثين أن بعض تلك الكتل قد تكون عبارة عن قارات صغيرة مشابهة في طبيعتها لجزيرة مدغشقر الحالية. وقد يكون بعضها عبارة عن أقواس جزر، مثل اليابان والفلبين وجزر الألوشي، والتي تمتد حاليا في المحيط الهادئ. وبالإضافة إلي ذلك، فقد يوجد البعض الآخر تحت مستوى سطح البحر، وتمثلها حاليا الأرصفة المغمورة، والتي ترتفع عاليا فوق سطح الماء على الناحية الغربية من المحيط الهادي.
وتقترح أكثر وجهات النظر قبولا اليوم، أن الألواح المحيطية تتحرك حاملة أقواس الجزر والقارات الصغيرة إلي نطاق اندساس، حيث تكشط الأجزاء العليا السميكة من اللوح الهابط وتدفع على امتداد صدوع دسر thrust fault على هيئة فرش رقيقة نسبيا فوق كتلة القارة المجاورة. وتزيد هذه المادة التي أضيفت حديثا من عرض القارة، وقد تتراكب فوق كتلة القارة، وتزاح داخل القارة إذا حدث تصادم بكتل أخرى إضافية. علاوة على ذلك، فإن هناك أجزاء من القشرة القارية تزاح باستمرار على امتداد صدوع ناقلة transform faults، حيث يمكن أن تصطدم وتتلاحم بكتل الغلاف الصخري الأخرى. ومثال على تلك العملية، ما يحدث في غرب لوح أمريكا الشمالية، حيث يزاح جزء من كاليفورنيا وشبه جزيرة باها في اتجاه شمال – غرب على امتداد صدع سان أندرياس، ومع مرور وقت كاف، قد تلتحم تلك القشرة القارية بألاسكا.
|V – خسف القارات
تتسبب قوى تكتونية الألواح في تغيير القشرة المافية (البازلتية) الرقيقة تحت قيعان المحيطات، وكذلك القشرة السميكة للقارات.وكما ذكرنا في فصل تكتونية الألواح، فإن نطاقات الانتشار spreading zones تتواجد غالبا في منتصف أحواض المحيطات، حيث يتكون النطاق الصخري المحيطي وينتشر في كل من الجانبين على امتداد حيود وسط المحيط. وبالمثل، فإن القشرة القارية يمكن أن تنفصل إلي أجزاء، حيث يتكون محيط جديد بين الجزئين القاريين المتبقيين. والقشرة القارية لا تتكسر إلي أجزاء بسهولة، حيث إن سمكها يبلغ خمسة أمثال القشرة المحيطية. وفي الحقيقة فإن الخسف يبدأ في التكون بكسر القارة. وتقدم قارة أفريقيا والبحار المجاورة لها مثالا جيدا على الخسف القاري، والذي مازال في طور التكوين حتى الان.
أ – الخسف ثلاثي الأذرع والنقاط الساخنة
توجد على حافة قارة أفريقيا منظومة من وديان الخسف rift valleys تكونت خلال حقب الحياة الحديثة، وتمتد جنوبا من البحر الأحمر وخليج عدن عبر القارة الأفريقية (شكل 18 – 12). ووديان الخسف والأحواض الكبيرة التي يشغلها البحر الأحمر وخليج عدن هى أخاديد grabens تكونت نتيجة شد وكسر القشرة القارية. ووادي الخسف rift valley هو منخفض ضيق وطويل يحده من كل جانب صدع واحد أو أكثر من الصدوع العادية normal fauits. وينشأ وادي الخسف عن قوى شد، حيث يبدو أن كتلة قد سقطت بين كتلتين شدتا من جانبيهما (شكل 17 – 23). وعندما تتكون نطاقات الخسف، فإنها تبدأ غالبا عند حدود اللوح كأنها أخاديد لها ثلاثة أذرع تعرف بالملتقى الثلاثي triple junction (شكل 18 – 13). وقد لاحظ الجيولوجيون قبل ظهور نظرية تكتونية اللواح أن القشرة القارية عند الأخاديد ثلاثية الأذرع three armed grabens ترتفع وتتحدب على هيئة قباب. ويبدو أن هذا التقبب، وفي ضوء نظرية تكتونية الألواح، يعكس وجود نقطة ساخنة hot spot. وعند مثلث عفار Afar Triangle بجيبوتي يمثل البحر الأحمر وخليج عدن والنهاية الشمالية لوديان الخسف الأفريقية ملتقى ثلاثي (شكل 18 – 12). وتتواجد هذه الملتقيات كمعالم شائعة في القشرة الأرضية، حيث يتواجد أكثر من نوع من حدود الألواح عند الملتقى الثلاثي.
ويستمر الخسف عادة في ذراعين من أذرع الخسف ثلاثي الأذرع، بينما يصبح الذراع الثالث خسيفاً خاملاً failed rift. وقبل أن يتوقف النشاط على امتداد هذا الذراع لخاملاً، فإنه يكون أخدودا أو منظومة من الأخاديد تمتد داخل اليابسة من حافة القارة الجديدة التي كونها الذراعان الآخران. ويصبح الذراع الثالث (أو الخامل) منخفضا وممتلئا بالرواسب، كما يصبح مستقرا تدريجيا ويدفن وتنساب به بعض الأنهار الكبيرة، مثل المسيسيبي والراين والأمازون. وقد أطلق عليه الجيولوجيون الروس مصطلح أولاكوجين aulacogen. وتحتوي عادة منخفضات الأولاكوجين على موارد بترولية هامة نتيجة التراكم السريع للرواسب السميكة التي تحتوي على رواسب غنية بالمواد العضوية، وقد تتكون أيضاً بعض رواسب الخامات في الأماكن التي تصعد فيها المحاليل الساخنة على امتداد الصدوع التي تحد تلك المنخفضات.
ب – المعالم الجيولوجية لوديان الخسف القارية
يتكون كل وادي خسف من كتلة أرضية طولية ضيقة انخفضت نتيجة التصدع. ويستطيل وادي الخسف ويزيد في العمق بسبب استمرار عملية الانتشار والشد حتى يصل في النهاية إلي المحيط. وفي هذه الحالة فإن الوادي يصبح بحرا ضيقا وطويلا مع وجود مخرج إلي المحيط، كما هو الحال في البحر الأحمر (شكل 10 – 23). ويستمر نطاق الخسف كموضع للنشاط الناري، حيث تنشأ باستمرار قشرة محيطية جديدة على قاع حوض محيطي باستمرار (شكل 17 – 23).
وتمثل وديان الخسف في شرق أفريقيا المرحلة الانتدائية في تكسر قارة. كما تضم وديان الخسف بحيرات كبيرة مثل بحيرة تنجانيقا. ويصاحب وديان الخسف براكين مافية ربما صعدت من الوشاح. وتمثل الجبال البركانية الكبيرة مثل جبل كليمنجارو Kilmanjaro وجبل كينيا Mount Kenya النشاط البركاني الكبير الذي يعتقد أنه يصاحب الخسف القاري. ولم تنشأ وديان الخسف إلا منذ حين الميوسين المبكر (أقل من 20 مليون سنة مضت). وإذا استمر نشاط وديان الخسف في أفريقيا فإن شرق أفريقيا سينفصل في النهاية من كتلة القارة الرئيسية بنفس الطريقة التي انفصلت بها شبه الجزيرة العربية منذ 25 مليون سنة. ومع ذلك، فليس بالضرورة أن تكون كل وديان الخسف مراكز انتشار كاملة حتى النهاية. ولم يعرف السبب بعد في استمرار نشاط بعض وديان الخسف حتى النهاية، وتوقف بعضها في مراحل معينة.
V – الحواف المستقرة للقارات
عندما يستمر الخسف القاري دون توقف، فإن القارة تنقسم إلي كتلتين، ويتكون محيط ضيق بينهما. وتتحرك في النهاية الحافتان القاريتان الجديدتان بعيدا عن نطاق الانتشار. وتغمر تلك الحواف بالبحار الضحلة نتيجة الحركة الأفقية الجانبية بعيدا عن محور حيود وسط المحيط، ولأسفل على منحدر سطح الغلاف اللدن (الأستثينوسفير) إلي مناطق ينخفض فيها السريان الحراري heat flow. وهكذا فإن حدود القارات التي كانت نشطة تكتونيا حينما كانت قريبة إلي نطاق الانتشار، أصبحت حدودا غير نشطة أي حواف مستقرة، وعندما تهبط تلك المساحات من القشرة القارية غير النشطة تكتونيا تحت مستوي سطح البحر، وتتراكم الرواسب على امتداد الرفوف القارية الضحلة. وتمثل الحدود الغريبة للوح الأفريقي مثالا للحافة القارية المستقرة.
وتعرف الحواف المستقرة passive margins للقارات بأنها الحواف التي توجد داخل اللوح بعيدا عن حافته، حيث تعتبر الكتلة القارية جزءا من اللوح نفسه، مثل القشرة المحيطية المجاورة. وتسمى تلك الحواف بالمستقرة أي الهادئة، حيث لا يوجد نشاط بركاني، كما تكون الزلازل قليلة ومتباعدة. وعلى العكس من ذلك، فإن الحواف النشطة active margins تكون مصاحبة لنطاقات اندساس وصدوع ناقلة، مما يعطي لتلك الحواف القارية الضيقة والمشوهة تكتونيا اسمها. كما تعتبر الحواف النشطة مواضع لنشأة الجبال.
وهكذا، فقد هاجرت حواف الأطلنطي المتاخمة للولايات المتحدة والمتكونة حديثا بعيدا عن أفريقيا بعد أن تكسرت قارة البانجيا Pangea مبكرا في حقب الحياة الوسطى (الميزوزوي)، كما أخذت الرواسب تلك الحافة المستقرة في هبوط تحت وزن الرواسب المضافة، لتفسح المجال لرواسب أخرى يمكن إضافتها.
V| - الحركات الرأسية الإقليمية
تركزت مناقشتنا لحركات القشرة الأرضية على التجبل (بناء الجبال) الذي ينشأ نتيجة لتصادم الألواح. ويتضمن التشوه نتيجة التضاغط بالطي والتصدع بالدسر وتداخل الصهارة والبركنة والتحول. ومع ذلك ففي جميع أنحاء العالم، تسجل تتابعات الصخور الرسوبية نوعا آخر من التاريخ الجيولوجي هو الحركات البطيئة والتدريجية للقشرة الأرضية لأعلى ولأسفل دون تعرض تلك الصخور لتشوه ملحوظ، وتعرف تلك الحركات بالإبيروجيني epeirogeny.
وعلى الرغم من ارتباط عديد من الحركات الرأسية بالتجبل، إلا أن الحركات الإبيروجينية تكون بطيئة ومتقطعة وتؤثر عادة على مساحات شاسعة، أي أن تأثيرها إقليمي، ولا تتعرض فيها الصخور لعمليات طي أو تصدع شديد. وهناك شواهد عديدة تدل على حدوث عملية الهبوط البطئ والمستمر للقشرة الأرضية أثناء عملية الترسيب، فالحفريات النباتية الموجودة في رواسب الفحم والتي نجدها الآن في المناجم في عمق الأرض تدلنا على أن الأشجار قد نمت في الأزمنة الجيولوجية السابقة فوق سطح الأرض وهى الآن مدفونة. كما تقدم التتابعات السميكة من الرواسب التي تراكمت على قاع البحر ودفنت لمئات أو آلاف الأمتار تحت قاع البحر الدليل على أن تلك الرواسب قد ارتفعت مئات أو آلاف الأمتار فوق سطح البحر نجدها الآن. ويعزي رفع تلك الرواسب إلي الوضع الحالي فوق سطح البحر إلي الارتفاع البطئ دون حدوث أي تشوه للرواسب.
ولا يستطيع الجيولوجيون حتى الآن تقديم تفسير شامل لمعظم الحركات البطيئة والإقليمية والإبيروجينية، ولكن وضعت بعض الفرضيات لشرح بعض تلك الحركات (شكل 18-14)، حيث يمثل رفع فنلندا وإسكندنافيا وشواطئ شمال كندا المرفوعة عملية استعادة القشرة الأرضية لوضعها الأصلي ببطء بعد إزالة الحمل الجليدي الذي تسبب في انخفاضها (شكل 18- 14 أ ). ويعتقد أن الأحواض العميقة على جانبي حيود وسط المحيط ترجع إلي تبرد وانكماش اللوح المحيطي الجديد ( شكل 18- 14 ب). وقد يتسبب تسخين الغلاف الصخري من أسفل في دفعه لأعلى وتقليل سمكه (شكل 18-14 ج). وقد تؤدي بعض حركات الوشاح إلى شد الغلاف الصخري الموجود أعلاه وجعله أكثر رقة دون كسر اللوح . وقد يفسر ذلك هبو طبعض الأحواض في القارات. وقد يؤدي استمرارالشد وحدوث خسف إلى تكون كتلتين قاريتين يفصل بينهما محيط في طور التكوين. ويدل تكون الأحواض الممتلئة بالرواسب على الحواف القارية ( مثل تلك الموجودة على الشواطئ شرق الأمريكتين والشواطئ الغربية لأروبا و أفريقيا ) في هبوط حافة القارة بعد الخسف. ويرجع هذا الهبوط إلى انكماش القشرة أثناء تبرد الحواف وتعريتها أثناء تراجعها من الخسف كما قد يؤدي تداخل الصهارة إلى زيادة سمك القشرة القارية ويسبب رفعها إلى أعلى ( شكل 18-14 د).
ولا تقتصر الحركة الرأسية الإقليمية على الأزمنة الجيولوجية الماضية فحسب، بل لا زالت تعمل حتى الآن مثل بقية الحركات التكتونية الأخرى، فمدينة فينسيا تهبط حالياً ببطئ في البحر الإدرياتيكي بمعدل حوالي 4 مم كل عام. ويرجع السبب الرئيسي لعملاية الهبوكط إلى أسباب تكتونية، بالإضافة إلى أن سحب الماء والغاز الطبيعي من الرواسب قد عجل في عملية الهبوط. ورغم توقف عملية سحب الغاز والماء في فينسيا، إلا أن الهبوط التكتوني ما زاتل مستمراً.
الفصل التاسع عشر: مصادر الطاقة والثروة المعدنية
يرتبط ظهور الحضارات ارتبطأ وثيقأ بمصادر الثروة المعدنية، حيث لا تقوم أى حضارة دون وجود مصادر للثروة المعدنية. فقد بدأ أسلافنا منذ ملايين السنين استخدام تلك الثورة ء فالتقطوا أحجارا ذات أشكال مناسبة واستخدموها فى الصيد، كما اكتشفوا أن الفلنت والتشرت والأوبسيديان وغيرها تكون شديدة الصلابة فاستخد موها كسكاكين ورؤوس للرماح . وحيث إن معظم تلك الأحجار تكون محدودة الانتشار، فقد قامت تجارة على تلك الأحجار. كما بدأوا فى جمع الملح والتجارة فيه. وعندما بدأت الزراعة أصبح النظام الغذائى للبشر يعتمد على الحبوب مثل القمح والشعير والذرة، كما أصبحت هناك حاجة لكميات إضافية من الملح . ولا نعرف على وجه الدقة متى وأين بدأ استخراج الملح من المناجم. وقد قطعت طرق نقل الملح الكرة الأرضية قبل التاريخ المسجل.
كما بدأ استخدام الفلزات لأول مرة قبل 17000 سنة مضت، حيث يوجد النحاس والذهب فى الطبيعة كفلزات عنصرية، ولذا كانا أول الفلزات التى استخدمها الإنسان . ونظرأ لندرة النحاس الفلزى فى الطبيعة فقد بحث أسلافنا عن مصادر أخرى للنحاس، حيث استخر جوه من بعض الخامات بعملية صهر المعادن smelting قبل حوالى 6000 سنة مضت. كما استطاعوا أن يصهروا معادن الرصاص، والقصدير والزنك والفضة وفلزات أخرى قبل آلاف السنين .
ثم تلى ذلك توصل الإنسان لتقنية خلط الفلزات ببعضها لعمل سباثك مثل سبيكة البرونز المكونة من خليط من النحاس والتصدير . وقد كانت عملية صهر الحديد أصعب بكثير من صهر النحاس، ولذلك فلقد جاء تطور صناعة الحديد متأخرا جدا، أى قبل حوالى 3300 سنة مضت. وقد كان البابليون الذين عاشوا فى العراق قبل 4500 سنة مضت هم أول من استخدم الزيت كوقوذ بدلا من الخشب . وكان الصينيون أول من أنشأ المناجم قبل 3100 سنة مضت لاستخراج الفحم واستخدامه. كما كانوا أول من حفو أبارا للتنقيب عن الغاز الطبيعى، حيث وصل عمق بعض الآبار إلي حوالى 100 متر .
ثم أتى الإغريق فالورمان منذ 2500 سنة مضت واعتمدوا على معادن أخرى غير الفلزات والوقود، فقاموا بتصنيع الأسمنت والجبس والزجاج والخزف الصينى. ثم أخذت المواد التى تستخرج من المناجم تتنوع ، وتستخدم فى أغراض متنوعة، حيث يوجد اليوم استخدامات صناعية لكل العناصر الكيميائية المتواجدة فى الطبيعة تقريبا . وهناك أكثر من 200 نوع من المعادن تستخرج من المناجم وتستخدم فى أغراض متنوعة .
فمثلا، يلزم لتصنيع السيارة استخدام عديد من الموارد المعدنية مثل الحديد والكروم والمنجنيز والنيكل والبلاتين والقصدير والنحاس والرصاص والألومنيوم، بالإضافة إلي الكوارتز المستخدم فى صناعة زجاج نوافذ السيارة . كما تحتاج السيارة للبترول كوقود وزيوت، بالإضافة إلي مطاط الإطارات، وكمواد بلاستيكية للأجزاء الكهرباثية ومواد التنجيد. كما أن هناك الكثير من الموارد المعدنية الأخرى التى تستخدم فى صناعة السيارات مثل التنجستن المستخدم في أسلاك المصابيح الكهرباثية وكذلك الكبريت اللازم لحامض البطارية.
وقد شعر الناس مؤخرا بأن الموارد المعدنية آخذة فى النضوب بسبب سرعة استهلاكها، فقللوا من معدل ذلك الاستهلاك . إلا أنه من المستحيل الاستغاء عن تلك الموارد كلية.
1. أنواع الموارد الجيولوجية
تعرف الموارد الجيولوجية geologic resources بأنها مواد ذات قيمة من أصل جيولوجى ويمكن استخراجها من الأرض . وهناك ثلاث مجموعات رثيسية من الموارد الجيولوجية وهى :
1- موارد الطآقة energy resources _ وتشمل البترول (الزيت الخام والغاز الطبيعى) والفحم واليورانيوم ، بالإضافة إلي موارد أخرى مثل موارد الحرارة الأرضية.
2 - الموارد المعدنية mineral resources وتشمل:
أ~ الموارد الفلزية metallic resources : وتشمل الحديد والنحاس والألومنيوم والرصاص والزنك والذهب والفضة وعديدا من الفلزات الأخرى.
ب - الموارد اللافلزية nonmetallic resources: وتعرف أيضا بالمعادن الصناعية أو الصخور الصناعية، مثل الكبريت وأحجار الزينة والجبس والمخصبات والرمل والحصى وأحجار البناء والحجر الجيرى (اللازم لصناعة الأسمنت)، وعديد من المواد الأخرى.
وتعتبر الموارد الجيولوجية مصادر غير متجددة nonrenewable resources حيث إن تلك الموارد تتكون ببطء لدرجة أن معدلات الاستهلاك السريع الحالى لها يمكن أن تؤدى إلي استهلاكها بسرعة. فبعض الموارد الأرضية مثل الأغذية ونباتات الغابات يمكن أن يعاد إنتاجها بمعدل استهلاكها نفسه، فهى مصادر متجددة renewable resources ، أما البترول والحديد والرصاص واليورانيوم والكبريت والرمال والحصى وكذلك كل الموارد الجيولوجية الأخرى فانها تستخدم بمعدلات أكبر بكثير من المعدلات التى تتكون بها الرواسب الجديدة. فالفحم والبترول يستهلكان بمعدل أسرع بكثير من المعدل الذى يتكونان به. وتؤدى هذه الحقيقة إلى تزايد أهمية وجود مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية وهى طاقة لا تنفد، وأيضا الوقود الذى يتكون من أصل عضوى مثل البيوجاز الذى يستخرج من البقايا النباتية وكذلك الطاقة النووية والانشطارية . وهكذا فإن الاكتشافات الجديدة وإعادة تدوير المواد وايجاد البد ائل يمكن أن تساعد فى زيادة عمر بعض الموارد الطبيعية، إلا أنه من المعروف أن بعض هذه الموارد الطبيعية سوف تشح أو تستنفذ كلية خلال فترة زمنية محدودة .
آ . الموارد والاحتياطيات
يستخدم مصطلح الموارد resources كمصطلح عام لوصف الكمية الكلية من المادة الجيولوجية المهمة الموجودة فى الرواسب الجيولوجية، سواء تلك التى اكتشفت فعلا أو التى لم تكتشف بعد، وتشمل الرواسب التى تستخرج بطريقة اقتصادية حاليا، وأيضا تلك التى ستستخرج بطريقة اقتصادية فى المستقبل (شكل 19 . 1 )، والاحتياطيات reserves ، وهى جزء صغير من الموارد الجيولوجية، وتشمل الرواسب المكتشفة والتى يمكن استخراجها بطريقة اقتصادية وقانونية فى الظروف الحالية . وجدير بالملاحظة ، أنه من الصعب تقدير الموارد الجيولوجية، لأن ذلك التقدير لابد أن يشمل تواجد الرواسب التي لم تكتشف بعد، وأحجامها بالإضافة إلي معرفة نوع الراسب الذي قد يكون استخراجه اقتصاديا يوما ما.
وبمجرد أن تقدر كمية الموارد الجيولوجية بدقة، فلا يجب أن يتغير هذا التقدير لاحقا، نظرا لأن تقدير الموارد الجيولوجية يكون أساسا تقديرا للمخزون الكلي للمورد، أما تقدير الاحتياطيات فيتغيرر باستمرار . فاستخراج أى مادة يؤدى إلي خفض الاحتياطيات بينما تؤدى الاكتشافات الجديدة إلي زيادتها ، مثل رصيد الشخص فى البنك يزيد وينقص باستمرار، أما الموارد آلجيولوجية فهى مثل دخل الشخص المتوقع طوال حياته .
ويجب أيضا ان يكون اسثحراج الراسب مربحاً، وذلك بتحقق عدة عوامل منها أن تكون تكاليف الاستخراج والتى تشمل أجور العاملين ووقود الآلات معقولة، وأن تستخدم تقنيات حديثة فى الاستخراج، وأن تخفض الضرائب على الموارد، وتؤدى كل هذه، العوامل إل زيادة الاحتياطيات أيضا.
اا . استخدام الطاقة
الطاقة عنصر أساسى فى حياة البشر، وقد تؤدى أزمة فى إمدادات الطاقة إلي توقف الحياة فى المجتمعات الحديثة . كما قد تسبب الحروب توقف إمدادات البترول، كما حدث تراجح اقتصادى ملحوظ وتضخم فى الأسعار بسبب التغير الدائم فى أسعار البترول.
وقد أدت زيادة التصنيع فى العالم إلي زيادة الطلب على الطاقة وتغير أنواع الطاقة المستخدمة. فقد اعتمدت الثورة الصناعية فى القرنين الثامن عشر والتاسح عشر على الطاقة المستمدة من الفحم، وبالتالي زادت الحاجة إلي الفحم، وزاد البحث عنه .
وبعد حوالى نصف قرن من حفر أول بثر للبحث عن البترول فى أمريكا عام 1859 م بدأ الزيت والغاز يحلان محل الفحم، ليس بسبب الاحتراق النظيف دون أى رماد فقط، ولكن أيضا لأنه يمكن نقلهما بخطوط الأنابيب، ء وكذلك بالبواخر والسكك الحديدية .
وقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين تقدما هائلا فى صناعة المفاعلات النووية، ء كما زادت فى الوقت نفسه معاملات الأمان فى تلك المفاعلات، بحيث أصبحت الطاقة النووية هى البديل الوحيد للوقود الحفرى نظرا لتكلفته المنخفضة وأمانه البيئى. وقد تزايد الطلب على إنشاء المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية ولتحلية المياه، كما احتل الوقود النووى مؤخرا موقع الصدارة بين مصادر الطاقة الأخرى .
|||. مصادر الطاقه
تشمل مصادر الطاقة البترول والفحم واليورانيوم بالإضافة إلي المصادر الأخرى مثل مصادر الحرارة الأرضية . وستناول فيما يلى تلك المصادر بالإضافة إلى مصادر الطاقة البديلة.
أ. البترول: الزيت الخام والفاز الطبيعى
يستخدم مصطلح البترول petroleum كمصطلح عام فى صناعة البترول ليشمل الزيت الخام والغاز الطبيعى، كما يستخدم مصطلح البترول أحيانأ كمرادف للزيت الخام . والزيت الخام crude oil هو ساثل خليط من هيدروكربونات (مركبات تحتوى على الهيدروجين والكربون) توجد فى الطبيعة، يمكن تقطيرها لتنتج أنواعا عديدة من المنتجات، أما الغاز الطبيعى natural gas فهو خليط غازى من هيدروكربونات طبيعية يرجع أصلها وتواجدها إلي أصل وتواجد الزيت الخام أيضا . ويستخرج الغاز الطبيعى من الآبار نفسها التى يستخرج منها الزيت، على الرغم من أن كليهما يمكن أن يوجد منفصلا .
1 . تواجد الزيت الخام والغاز الطبيعى
يتكون الزيت الخام والغاز الطبيعى حين يزيد إنتاج المواد العضوية عن استهلاكها بالتحلل أو بالكائنات الحية آكلة الجيف . ويتوافر هذا الشرط فى البيئات التى يزيد فيها تكون المواد العضوية كالمناطق البحرية، وحيث يكون الأكسيجين فى رواسب القاع لا يكفى ليحلل كل المادة العضوية. ويتوافر هذان الشرطان فى كثير من أحواض الترسيب المغمورة على الرفوف القارية، حيث يكون معدل الترسيب فى هذه البيئات عاليا ، كما تدفن المادة العضوية وتحمى من التحلل .
وعندما تدفن المادة العضوية لملايين السنين، فإنها تتحول ببطء إلي مركبات سائلة وغازية من الهيدروجين والكربون (الهيدروكوبونات)، حيث تحفز درجات الحرارة التى ترتفع مع زيادة العمق تلك التفاعلات الكيميائية . والهيدروكربونات هى المواد القابلة للاحتراق فى البترول (الزيت الخام والغاز الطبيعى).
والتجمعات الزيتية oil poolsهى تراكمات ذات قيمة اقتصادية من البترول تحت الأرض. وتتواجد تلك التجمعات البترولية عدما تتحقق ثلاثة شروط معا وهى: ( 1 ) صخر مصدرى source rock يحتوى على مادة عضوية تتحول إلي بترول نتيجة الدفن وتغيرات ما بعد الترسيب ، مثل صخر الطفل، ويتم الدنن على عمق كاف (أو نضوج حرارى thermal maturity) ليتم ´´"طبخ cooking" الزيت والغاز من المادة الععضوية . ( 2 ) صخر خزان reservoir rock ذو مسامية ونفاذية تكفى لأن يخزن البترول وينتقل عبره، مثل الحجر الرملى أو الحجر الجيري، ( 3 ) مصيدة بترولية oil trap وهى مجموعة من الظروف التي تحتفظ بالبترول وتحتجزه بكميات كبيرة فى صخر الخزان وتمنع هروبه بالهجرة migration، ولابد من تواجد الظروف الثلاثة السابقة معا. وإذا لم يتحقق أحد تلك الشروط، فلن يستطيع الصخر حفظ وحجز الزيت أو الغاز. ويؤدى ضغط الراسب الطينى العضوى فى طبقات المصدر إلي دفع السواثل والغازات المحتوية على الهيدروكربونات فى الصخور المسامية (مثل الحجر الرملى أو الحجر الجيرى المسامى) التي تمثل خزانات الزيت. وتسبب الكثافة المنخفضة للزيت والغاز فى طفو الزيت والغاز فوق الماء الذى يتواجد بصفة دائمة تقريبا فى مسام الصخور المنفذة .
ويحتاج وجود الفاز الطبيعى لتحقق الشروط نفسها اللازمة لتراكم الزيت . ويمكن أن يتواجد الغاز عند أعماق أكبر من تلك التى يتواجد عندما الزيت، وقد تؤدى الاختلافات فى صخر المصدر أو عمق الدفن أو التاريخ الحرارى للمادة العضوية فى التحكم فى تراكم الغاز أو الزيت أوكليهما معا. ويوضح (شكل 2.19 ) عدة أنواع من المصايد البترولية للزيت والغاز . وتعتبر الطيات المحدبة anticlines (شكل 2.19 أ) والتى سبق وصفها فى الفصل العاشر، أكثر المصايد البترولية شيوعا، فحقل بترول النعلا El Nala فى المملكة العربية السعودية - أحد أكبر حقول البترول فى العالم- يمثل مصيدة داخل طية محدبة . فعندما يتواجد الزيت والماء مع بعضهما فى طبقات الحجر الرملى المطوية التى تعلوها طبقات من الطفل غير المنفذه، فإن قطرات الزيت الصغيرة تنساب خلال الحجر الرملى المنفذ فى اتجاه قمة الطية، نظرا لأن الزيت أقل كثافة من الماء. وحيث إن الغاز الطبيعى أقل كثافة من الزيت، فإن الغاز يتجمع فى جيوب تحت ضغط عال نسبيا فوق الزيت. وقد تتسبب الصدوع فى نشأة مصايد بترولية عندما تتكسر صخور الخزانات المنفذة وتنزلق لتجاور طبقة من الطفل غير المنفذ التى تمنع هجرة البترول (شكل 19 . 2 ب) .
أما المصيدة الاستراتجرافية أو الطباقية stratigraphic trap فإنها تنشأ نتيجة الترسيب الطبيعى الأصل أكثر من الطى أو التصدع . وتتواجد المصيدة الاستراتجرافية عندما تتواجد عدسة من الحجر الرملي داخل طبقة أكبر من الطفل في المنفذ (شكل 19 . 2 ج) . كما قد ينشأ هذا النوع من المصايد عندما تنحصر طبقة من الحجر الرملى الماثلة داخل تتابع من الطفل . كما يمكن أن يتراكم الزيت تحت أسطح عدم التوافق unconformities (شكل 19 . 2 د) ، وقد تسبب القباب الملحية domes salt فى نشأة بعض أنواع المصايد أيضا (شكل 19 . 2 هـ) .
أما حقول البترول oil fields فهى مناطق يوجد تحتها بركة أو أكثر من الزيت oil pools . وتوجد فى منطقة الشرق الأوسط معظم حقول البترول العملاقة فى العالم، وخاصة فى المملكة العربية السعودية والكويت . كما تتواجد أيضا فى روسيا وأذربيجان وفينزويلا والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية.
2 . استخراج الزيت
عندما يتم اكتشاف تجمع أو حقل بترولى نقوم بحفر آبار فى الأرض . وتستخدم عادة أبراج الحفر (ديريك) derrick الثابتة (شكل 19 . 3 ) ، حيث تستعمل أنابيب حفر طويلة. وتستخدم الآن أيضا بعض بريمات الحفر drilling rigs المنقولة والتى يتم تحريكها باستمرار. وعندما يصل البئر إلي تجمع زيتى، يصعد الزيت إلى أعلى البئر بسبب قلة كثافته عن الماء أو بسبب ضغط الغاز المتمدد والموجود أعلى الزيت. ويقل ضغط الغاز تدريجيا حتى ينتهى، ويتم حينثذ ضخ الزيت من الآبار. وقد يتم ضخ الماء أو بخار الماء فى الآبار المجاورة لتساعد فى دفح الزيت لأعلى. ويتم فصل الزيت الخام فى مصفاة البترول إلي غاز طبيعى وجازولين (البنزين) وكيروسين وزيت تشحيم وزيت وقود وشحم وأسفلت وبارافين. وتشمل البتروكيماويات المصنعة من البترول الأصباغ والأسمدة والأدوية والمطاط الصناعى والمتفجرات والدهانات والمذيبات والألياف الصناعية واللداثن (البلاسيتك) المستخدمة فى عديد من المنتجات مثل أقراص الحاسبات المدمجة وأشرطة التسجيل وأكياس النفايات.
ونظر أ لصعوبة اكتشاف مزيد من الزيت، فقد امتد البحث عن البترول عموما إلي مناطق جديدة غير مطروقة، حيث ساهمت الأرصفة البحرية offshore platforms فى البحث عن البتروال فى رواسب الأرصفة القارية للمحيطات وأحيانا أبعد من ذلك. ويأتى أكثر من ربع إنتاج العالم من الزيت وحوالي حمس إنتاج العالم من الغاز الطبيعى من المناطق البحرية، على الرغم من أن الحفر فى المناطق البعيدة عن الشواطئ يكلف ستة أو سبعة أمثال الحفر على اليا بسة. ويوضح شكل (4.19 ) مثالا لتواجدات المناطق البحرية فى خليج السويى، بجمهورية مصر العربية. ب) الخام الثقيل ورمال الزيت (الرمال البترولية) يعرف الخام الثقيل heavy crude بأنه بترول كثيف لزج ينساب من البثر بمعدل انسياب بطئ إلي الدرجة التى تجعله غير اقتصادى . ولذلك يستبعد الخام الثقيل من تقدير الاحتياطيات أو الموارد الطبيعية للزيت الحنفيف light oil الاقل لزوجة او الزيت العادى. وقد يتسبب دفع بخار الماء أو المذيبات فى الآبار فى سرعة انسياب الخام الثقيل . واذا تم استخراجه، فإن الخام الثقيل يمكين تكريره إلي جازولين (بنزين) ومنتجات أخرى عديدة، مثله مثل الزيت الخفيف. ومعظم الزيت فى كاليفورنيا هو من الخام الثقل.
ورمال الزيت oil sands (الرمال البترولية أو رمال القطران tar sands) هي رواسب رمال أو حجر رملى تلتحم حبيباتها بالزفت . والزفت asphalt هو مادة صلبة، ولذلك فان رمال الزيت تستخرج غالبا من مناجم بدلا من حفر آبار خلاها،على الرغم من أن تقنيات تخفيض لزوجة الخام الثقيل يمكن تطبيقها أيضا على رمال الزيت.
وأصل الخام الثقيل ورمال .لزيت غير معروف حتى الأن. وربما تكون قد تكونت من الزيت العادى نتيجة فقد المكونات الخفيفة نتيجة البخر أو أى عمليات أخرى . وقد يتسرب الزيت من رمال الزيت أو الزفت إلى سطح الأرض نتيجة البخر البطئ. ومن ناحية أخرى فقد تتواجد بعض رمال الزيت والخام الثقيل تحت سطح الأرض عند أعماق تصل إلي 4000 متر.وتحتوى معظم هذه الخامات على تركيزات عالية من الكبريت وبعض الفلزات مثل النيكل والفاناديوم أكثر من تلك الموجودة فى الزيت العادى ، وذلك قد يرجح إلي أن الخام الثقيل ورمال الزيت لها أصل محتلف عن الزيت الخفيف.
ج. طفل الزيت
طفل الزيت oil shale هو طفل أسود أو بنى يحتوى على نسبة عالية من مادة عضوية صلبة غير قابلة للذوبان تعرف بالكيروجين kerogen يستخرج الزيت منها بالتقطير . وأفضل طفل زيت يوجد فى الولايات المتحدة فى متكون جوين ريفر Green River Formation الذى يغطى أكثر من 40000 كم2 فى كولورادو وومينيج ويوتا حيث يصل سمك الرواسب إلي حوالى 650 مترا . وقد تكون طفل الزيت الذى يحتوى على عديد من حفريات هياكل الأسماك من طين ترسب على قاع بحيرات ضحلة وكبيرة خلال حين الإيوسين. ويرجح أصل المادة العضوية إلي طحالب وكائنات عضوية أخرى عاشت فى البحيرات.
ويتم استخراج الزيت من طفل الزيت فى مصانع التقطير، إلا ان السعر المنخفض للبترول فى بعض الأوقات يجعل استخراج طفل الزيت غير اقتصادى . وقد يسبب استخراج طفل الزيت من المناجم مشكلات ييئية، حيث يتمدد الطفل أثناء التقطير فيشغل منطقة من الأرض يكون استصلاحها مشكلة، ولذا يكون من الأفضل تجميع الطفل المستهلك فى الوديان وكبسه . فلابد من توافر كمية كبيرة من الماء لعمليتى التقطير والاستصلاح، حيث يظل الإمداد بالمياه مشكلة ، خاصة فى المناطق القاحلة.
وقد تساعد التقنيات الحديثة فى استخراج الزيت فى مكانه دون نقل الطفل إلي سطح الأرض، فى حل بعض المشكلات وتقليل الماء المستخدم . ومن الممكن أن يتم حرق طفل الزيت الذى تتخلله الشقوق فى حفر ضخمة تحت سطح الأرض . وتتسبب الحرارة فى فصل معظم الزيت من الصخور، حيث يمكن تجميع الزيت كساثل . ويلاحظ أن الحرائق قد يكون من الصعب التحكم فيها، كما أنها تؤثر فى مستويات المياه الأرضية . وهناك اقتراح آخر يشمل تسخين الطفل بواسطة موجات الراديو أو الموجات الدقيقة جدا microwaves لفصل الزيت الساثل من الصخر .
د. الفحم
الفحم صخر رسوبى يتكون من ضغط المادة النباتية التى تتحلل بالكامل . ويمثل الفحم المصدر الرثيسى الثالث للطاقة بعد الزيت والغاز الطبيعى . ولقد زاد استخدام الفحم مؤخرا بعد أن أصبح البترول أكثر ندرة وتكلفة .
ويستخدم حوالى 88% من الفحم فى الوقت الحالي فى توليد الكهرياء بالولايات المتحدة الأمريكية. كما يستخدم الفحم أيضا فى عمل فحم الكوك الذى يستخدم فى صناعة الصلب. ويستخدم الفحم فى المستقبل بدلا من البترول فى تصيع بعض الكيماويات. وقد يستخدم غاز الفحم coal gas وزيت الفحم coal oil فى بعض الأغراض التى يستخدم فيها الغاز الطبيعي والزيت، على الرغم من أنهما مازالا أكثر تكلفة فى إنتاجهما .
6 . أنواع الفحم
الخث peat هو حطام نباتى لم يدفن إلي عمق يكفى ليتحول إلي فحم، وهو يتجمع فى ماء يحوى نسبة ضئيلة من الأكسيجين، وبالتالي القليل من البكتريا التى تسبب التحلل . وفو يشل المرحلة الأولى فى تكون الفحم ، وتعرف درجة التحول التى وصل إليها الفحم بالرتبة rank وهى الأساس الذى يقسم الفحم طبقا له إلى سلسلة تبدأ من اللجنيت إلي الأنثراسيت جدول (19-1) . فنعدما يكون الخث جافا، فإنه يمكن حرقه كوقود . ومع زيادة الضغط، فإن الخث قد يصبح ليجنيت (فحم بنى). وقد يظل الليجنيت محتويا على أجزاء من الخشب يمكن رؤيتها. والليجنيت lignite هو فحم بنى أسود اللون ، وقد يكون بنيا ويتجمد عندما يجف فى الهواء. ويكون اللجنيت عرضة للاحتراق عندما يتأكسد فى الهواء، مما يحد من استخدامه كوقود . ويتميز الفحم تحت البيتومينى subbituminous coal لماد والفحم البيتومينى bituminous coal باللون الأسود ووجود طبقات من مواد نباتية مختلفة. وهما يشتعلان على الفور ويحترقان بلهب مدخن . أما الأنثراسيت anthracite فهو فحم صلب أسود اللون، يتكون عموما تحت ضغط إقليمى يصاحبه طى . والأنثراسيت يشتعل بصعوبة ودون دخان .
2 . تواجد القحم
يوجد الفحم فى طبقات تتراوح فى السمك بين سنتيمترات قليلة إلي 30 مترا أو أكثر. وإذا وجدت الطبقات مدفونة فى الأعماق فإنه يتم حفر المناجم تحت الأرض لاستخراج الفحم . وعندما تتواجد طبقات الفحم بالقرب من سطح الأرض فإن الفحم يستخرج بطريقة المنجم المكشوف strip mine، حيث يتم إزالة الغطاء الصخرى حتى ينكشف الفحم عند السطح.
وتتواجد رواسب الفحم المنكشفة فى مصر بمنطقتى المغارة (عصر الجوراسى) وأم بجما (عصر الكربونى) بسيناء . وقد يتواجد الفحم كرواسب تحت سطحية كما هو الحال بمنطقة عيون موسى (عصر الجوراسى) بسيناء بمصر (شكل 19 . 5 ) .
3 . التأثيرات الييئيه
يؤدي استخراج الفحم إلي خلق مشكلات بيئية. حيث يؤدى وجود منجم إلي انخفاض منسوب الماء الأرضي محليا نتيجة ضخ المياه الأرضية خارج المنجم. كما يؤدى سحب المياه من المناجم لأن تصبح عالية الحموضة . كما تؤدى إلي تلوث المجارى المائية ومصادر المياه عند سطح الأرض. ويؤدى حرق الفحم إلي أن يتلوث الهواء بالرماد وغازات الكبريت، ولكن معظم المكونات الضارة يمكن إزالتها باستخدام التقنيات الحديثة. ويؤدى حل المشكلات البيئية المصاحبة للفحم، إلي ارتفاع تكلفة استخراجه وسعر بيعه .
هـ- اليوراثيوم
يوجد اليورانيوم - المستخدم فى المفاعلات النووية ¬فى معدن البتشبلند pitchblende وهو أكسد يورانيوم أسود يوجد فى العروق الحرمائية وفى غيرها، أو فى معدن الكارنوتيت carnotite الأصفر، وهو أكسيد مائى معقد يوجد على هيئة قشور فى الصخور الرسوبية. وينقل الماء الأرضي (الجوفى) أكاسيد اليورانيوم العالية الذوبان فى الماء بسهولة. وقد تختزل المادة العضوية اليورانيوم مما يجعله غير قابل للذوبان نسبيا، ولذلك يرسب اليورا نيو م عندما يصاحب المواد العضوية.
ويستخدم اليورانيوم لتوليد الكهرباء فى المفاعلات النووية، كما يستخدم فى صناعة الأسلحة النووية. وتنتج المفاعلات النووية فى الوقت الحالي حوالى 7 % من احتياجات الطاقة فى الولايات المتحدة. بينما تنتج الطاقة النووية أكثر من نصف إنتاج الكهرباء فى فرنسا.
ومن المتوقع زيادة الطلب العالمى على اليورانيوم نتيجة الاتجاه السائد منذ بداية الألفية الثالثة على استخدام الطاقة النووية كمصدر بديل للوقود الحفرى. وقد حدث تقدم ملحوظ فى مشكلة المخلفات المشعة للمحطات النووية التى تعتبر أقل خطورة على البيئة من محلفات الفحم والبترول كوقود. وعلى الرغم من حادث تشرنوبيل فلم تتأثر كثيرا النظرة ناحية الطاقة النووية، حيث إن هذا المفاعل كان يفتقد إلي وجود الدرع الخارجى الذى يمنع التسرب الاشعاعى، كما أن المفاعل لم يكن يحظى بمعاملات الأمان الواجبة. وقد حدث الشىء نفسه تقريبا فى بنسلفانيا، ولكن الدرع الواقى احتوى كل الإشعاع فى داخله ولم يترسب منه أى شىء خارجه.
ويوجد معظم اليورانيوم فى جهورية مصر العربية فى الصخور النارية فى أكثر من موقع بالصحراء الشرقية. كما تحتوى أيضا رواسب الفوسفوريت العضوية ذات الأصل البحرى فى فوسفات البحر الأحمر ووادى النيل عاى اليورانيوم، ولكن بتركيزات منخفضة . كما تحتوى أيضا الرمال السوداء المترسبة على الشواطىء الشمالية لدلتا نهر النيل على نسبة صغيرة من المونازيت الذى يحتوى على نسبة منخفضة من الثوريوم.
ااا- المصادر اليديلة للطاقة
هناك عدد آخر من المصادر البديلة alternative sources of energy للطاقة قد تساهم في المستقبل في خفض الاحتياج المتوقع للزيت والغاز الطبيعي والفحم واليورانيوم . حيث ستساهم القوة الهيدروكهربية (القوة الكهربائية المائية)hydroelectric power وهى توليد الكهرباء من القوة المائية فى حوالى 4 % من احتياجات الطاقة في الولايات المتحدة. ويتم توليد الكهرباء باستخدام التوبينات من الماء الساقط من خزانات المياه وراء السدود. وفى مصر، يتم توليد الكهرباء من التوربينات الموجودة عند السد العالي بأسوان . وقد تساهم طاقة حرارة الأرض geothermal power بصورة أساسية فى احتياجات الطاقة، خاصة إذا تم استخدام تقنيات ناجحة لتجميع حرارة المناطق خاصة تلك غير المميز بينابيع حارة فوق سطح الأرض. وتساهم طاقة حرارة الأرض عموما بحوالي 0.2% فقط من احتياجاتنا من الطاقة. وقد تساهم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في سد احتياجاتنا فى المستقبل (شكل 19 . 6)، خاصة إذا تم تطوير طرق تخزين الطاقة . وتبذل فى الوقت الحالي جهود ضخمة لتحسين تقنية تجميع الطاقة الشمسية وتشمل الطرق الأخرى لتوليد الطاقة استخدام طاقة المد والجزر وطاقة الأمواج وطاقة تيارات المحيط والطاقة الناتجة من الاختلافات فى درجة الحرارة رأسيا فى المحيطات .
وترجع الأهمية الكبرى لعديد من مصادر الطاقة البديلة أنها طاقات متجددة، فنحن لا نستنفد أشعة الشمس أو الرياح أو المد والجزر عندما نستحدم طاقتها. وقد يؤدى انتشار استخدام مصادر الطاقة المتجددة فى المستقبل إلى تقليل احتياج العالم إلى الوقود الحفري .
7 . الرواسب المعدنية والخامات (الركازات)
يعتمد البحث الناجح عن المعادن المستخدمة فى الصناعة على وجود الرواسب المعدنية التى يتم استخلاص المواد المطلوبة منها بأقل تكلفة . والرواسب المعدنية mineral deposits هى أى حجم من صخر يحتوى على تركيز عال من معدن أو أكثر . وكلما زاد تركيز المعادن المطلوبة زادت قيمة الراسب. وفى بعض الرواسب تكون بعض المعادن المطلوبة مركزة بدرجة عالية لدرجة أن بعض العناصر النادرة جدا مثل الذهب والبلاتين يمكن رؤيتها بالعين المجردة. ولكل معدن رتبة أو مستوى تركيز grade ، حيث يكون استخراج الراسب الذى تقل درجته عن هذه الدرجة غير اقتصادى (شكل 19 . 6 ). وتستخدم كلمة خام للتمييز بين رواسب المعدن المربحة وغير المربحة. ويعنى مصطلح خام (ركاز) ore تجمعاً من المعادن يمكن استخراج معدن أو أكثر من معدن منه بصورة مربحة. ويوضح جدول (19 . 2 ) بعض معادن الخامات الشائعة.
وتعتبر كل الخامات رواسب معدنية لأن كلا منها إثراء محلى لمعدن أو أكثر من معدن، أو أشباه المعادن. ومع ذلك، فالعكس ليس صحيحأ، إذ ليست كل الرواسب المعدنية خامات . "فالخام" ore هو مصطلح اقتصادى ، بينما ´´الراسب المعدني´´ هو مصطلح جيولوجى .
ويعتمد اعتبار المعدن (أو الصخر) خاما من عدمه على التركيب الكيميائى للخام، ونسبة الفلز المستخرج وقيمة الفلز فى السوق. فيعتبر معان الهيماتيت ((Fe2O3 خام حديد جيداً لأنه يحتوى على 70% من وزنه حديد ، وهذه نسبة عالية ومربحة لاستخراج الحديد عند الأسعار الحالية أما الليمونيت (Fe2O3NH2O)، وهو ليس معدنا ولكنه أحد خامات الحديد الهامة، فيحتوى على نسبة حديد أقل من تلك الموجودة فى الهيماتيت. وحتى إذا كان المعدن يحتوى على نسبة عالية من الفلز فإنه لا يمكن وصفه بأنه خام، إذا كان الفلز من الصعب جدا استخراجه، أو لوجود شواثب مصاحبة للخام، أو يكون موقع الخام بعيدا جدا عن الأسواق، فالربح هو جزء مهم يحدد أنه خام .
وليس من السهل داثما تحديد درجة أو كمية المعدن بدقة . فمن المعلوم أن ما قد يعتبر خاما فى وقت ما لا يكون خاما فى وقت آخر. ويقدم النحاس مثالا مهما لذلك ، حيث ارتفعت فى الوقت الحاضر درجة النحاس من 0.5 إلي 1 % بسبب زيادة الانتاج العالمى من النحاس المستخرج، مما أدى إلي غلق عديد من المناجم .
المعادن الغثة: تكون معادن الخامات مثل السفاليريت والجالينا والكالكوبيريت، والتى يمكن استخراج الفلزات الطلوبة منها، محتلطة بمعادن ليس لها قيمة اقتصادية يطلق عليها مصطلح المعادن الغثة gangue minerals (تنطق جانج ) . ومن المعادن الشائعة التى توجد عمومأ كمعادن غثة الكوارتز والفلسبار والميكا والكالسيت والدولوميت.
أ. أصل الرواسب المعدنية
تتكون الرواسب المعدنية نتيجة لعمليات جيولو جية، تؤدى إلي تركيز معدن أو أكثر فى الصخور. ويعتمد تصنيف الرواسب المعدنية على طبيعة العمليات التى يتم بها تركيز المعادن الرئيسية فى الرواسب .
ويتم تركيز المعادن بطرق عديدة من أهمها:
1- التركيز بالعمليات الصهارية فى جسم صخر نارى لتتكون الرواسب المعدنية الصهارية magmatic mineral deposits.
2-التركيز بمحاليل ساخنة تنساب عبر الكسور والفراغات والمسام فى صخور القشرة الأرضية لتتكون الرواسب المعدنية الحرماثية hydrothermal mineral deposits.
3-التركيز بعمليات التحول لتتكون الرواسب المعدنية المتحولةmetamorphic mineral deposits.
4- التركيز بالترسيب من ماء بحيرة أو ماء بحر لتتكون الرواسب المعدنية الرسوبية sedimentary mineral deposits.
5- التركيز بالمياه السطحية فى الأنهار أو المجارى المائية عموما ، أو على امتداد الشاطئ لتتكون رواسب الركيزة (المراقد)placer deposits.
6- التركيز بعمليات التجوية لتتكون الرواسب المعدنية المتبقية residual mineral deposits ونعر ض فما يلى وصفا لكل من مذه الانواع:
1- الرواسب المعدنية الصهارية
تعتبر عمليتى الانصهار الجزئى والتبلور التجزيى fractional crystallization طريقتين لفصل بعض المعادن عن بعضها البعض ، وخاصة التبلور التجزيئى الذى يؤدى إلى نشأة رواسب معدنية مهمة. وهذه العمليات هى عمليات صهارية تماما، لذلك فإنه يشار إلى تلك الرو اسب بأنها رواسب معدنية صهارية magmatic mineral deposits ومن أمثلة هذه الرواسب:
البجماتيت: البجماتيت pegmatites هى صخور متداخلة خشنة الحبيبات بشكل غير عادى (أكبر من 1سم ) ذات تركيب جرانيتى غالبا، وتوجد عادة على شكل عروق أو قواطع أو عدسات فى باثوليثات جرانيتية .
وتتكون البجماتيت نتيجة التبلور التجزيئى لصهارة جرانيتية تحتوى على تركيزات عالية من بعض الفلزات مثل الليثيوم والبريليوم والسيزيوم والنيوبيوم واليورانيوم (Li. Be. Cs. Nb. U) ويتم تعدين معظم الليثيوم فى العالم من البجماتيت مثل تلك الموجودة فى بيكيتاBikita فى زيمبابوى. وهو أحد معادن خام البريليوم الرئيسية فى البجماتيت.
الكروميت: يؤدى الاستقرار البلورى setting crystal إلي تكون رواسب معدنية مهمة، وهو يحدث عندما ترسب المعادن التى تكونت مبكرا إلي غرفة صهارة أو جسم يبرد من الصهارة. وتكون هذه العملية مهمة في الصهارة البازلتية المنخفضة اللزوجة عندما تتبلور فى غرفة صهارة كبيرة، حيث يكو ن أول المعادن التي تتكون هومعدن الكروميت chromite، وهو معدن رئيسي لخام فلز الكروميوم. ويمكن أن يؤدي استقرار بلورات الكروميت العالية الكثافة على قاع غرفة الصهارة إلي تكون طبقات نقية تقريبا من الكروميت. ويتواجد الكروميت في مصر بصورة غير اقتصادية على هيئة كتل صغيرة وغير منتظمة عدسية الشكل داخل صخور السربنتينيت، في تتابعات الأوفيوليت في جنوب الصحراء الشرقية (مثل مناطق جبل المقسم وأم الطيور ووادي العلاقي وأبو ضهر ووادي غدير). ويأتي معظم إنتاج العالم من الكروم والبلاتين من متداخل واحد ضخم هو البوشفيليد Bushveld Complex في جنوب أفريقيا. وفي مونتانا، تحتوي جدة موازية ضخمة من قبل الكمبري تسمى معقد ستيل وترStillwater Complex على رواسب معدنية مماثلة تحتوي على فلزي الكروم والبلاتين ولكن بدرجة أقل.
الكمبرليت: يتواجد الماس وهو أكثرالمعادن صلابة، في صخور نارية فوقمافية تسمى كمبرليت Kimberlites ، من اسم مدينة كمبرلي Kimberley في جنوب أفريقيا، حيث توجد تلك الصخور. وقد تداخلت تلك الصخور إلي سطح الأرض من الأجزاء العميقة في القشرة الأرضية أو الوشاح العلوي على هيئة أنابيب ضيقة وطويلة. وقد أوضحت التجارب المعملية أن صخور الكمبرليت الحاملة للماس نشأت عند أعماق كبيرة، لأن الماس الموجود فيها يتكون فقط تحت ظروف من الضغط العالي جدا الذي يوجد في الوشاح. وينبثق الكمبرليت إلي سطح الأرض بسرعة عالية، تحت قوة دفع المتطايرات المضغوطة، مثل بخار الماء وثاني أكسيد الكربون. وبالطبع لم ير أحد عملية انبثاق الكمبرليت. وقد شبهها أحد الجيولوجيين بطلقة من بندقية، اندفعت من الوشاح خلال الغلاف الصخري إلي سطح الأرض. وقد وجدت تراكمات غنية بالماس في رواسب طينية على بعد مئات الكيلومترات من أنابيب الكمبرليت حيث نقل بالأنهار التي التقطت كسرات تم تعريتها من الأنابيب، ثم حملت مع المجاري المائية المنسابة.
2- الرواسب المعدنية الحرمائية
يحتوى عديد من المناجم الشهيرة فى العالم على خامات تكونت نتيجة ترسيب الخامات من محاليل ساخنة تعرف بالمحاليل الحرماثية hydrothermal hydro ( solution كلمة يونانية تعنى الماء، ء thermo كلمة مشتقة منtherme وهى كلمة يونانية تعنى حرارة) . ومن المعلوم أنه من الصعب اكتشاف أصل المحاليل الحرماثية. فقد تنشأ بعض المحاليل من الصهارة نفسها عندما ينطلق الماء الذائب فى الصهارة فى الصخور المحيطة عندما تصعد الصهارة وتبرد. وتتكون بعض المحاليل الأخرى من مياه الأمطار أو من ماء البحر التى تدور وتتحرك بعمق فى القشرة الأرضية. ويوضح شكل (17 .21 ، 19 .12 ) طريقة نشأة المحاليل الحرماثية نتيجة تخلل ماء البحر للقشرة المحيطة على امتداد الحيود المحيطية، حيث يسحن الماء ويصعد لأعلى بواسطة الحمل الدورانى convection ويتفاعل ماء البحر الساخن مع الصخور الملامسة له، مما يسبب تغيرات كيميائية فى كل من الصخور والمحاليل. وعندما تتفاعل المعادن، فان الفلزات الشحيحة مثل النخاس والزنك الموجودة فى الصخر، تنطلق نتيجة الإحلال الأيونى وتصبح مركزة فى ماء البحر الساخن . ونظرا لأن مصدر الحراوة لهذا النوع من المحاليل الحرماثية هو النشاط البركانى لحيود وسط المحيط، كما أن معادن الخام المترسبة ثكون داثما كبريتيدات، فإن رواسب المعادن المتكونة من تلك المحاليل تسمى رواسب الكبريتيد الكتلية البركانية النشأة volcanogenic massive sulfide deposits. وأيا كانت الطريقة التى تكونت بها المحاليل الحرمائية، فإنها تصنف عموما إلي ثلاثة أنواع من رواسب الخامات الحرمائية وهى : العروق الحرمائية والرواسب المعدنية المنثورة ورواسب الينابيع الحارة.
- العروق الحرماثية: تعرف العروق الحرماثية hydrothermal veins بأنها أجسام خام محدودة السمك مسطحة (نضيدية) الشكل تكونت على امتداد الكسور والفواصل والصدوع وأسطح التطبق فى الصخور الرسوبية وأسطح التورق foliationأ فى الصخور المتحولة (شكل 7.19 ). ويمكن أن يتكون الخام من السوائل التى تنساب فى الفراغات على امتداد الكسور. وقد يحل الخام محل الصخور المحيطة بجدران الكسور. وتكون العروق الحرماثية عديداً من الرواسب المعدنية فى العالم من الرصاص والزنك والفضة والذهب والتنجستن والقصدير والزئبق، وفى بعضن الأحيان النحاس.
- الرواسب المعدنية المنثورة: قد تتكون من المحاليل الحرماثية رواسب معدنية فى صورة متناثرة ومبعثرة فى الصخور . وهنا يكون حجم الصخور أكبر بكثير من حجم العروق، وتعرف تلك الرواسب بالرواسب المعدنية المنثورة disseminated mineral deposits وتتبع كثير من رواسب النحاس فى العالم الرواسب المنثورة (وتسمى أيضا رواسب النحاس البورفيرى porphyry copper deposits لأن البلوتون المصاحب يكون عادة ذا نسيج بورفيرى). ويترسب مع النحاس عديد من الفلزات الأخرى، مثل الرصاص والزنك والموليبدنم والفضة والذهب (وكذلك الحديد ولكن بكميات غير اقتصادية). وتتواجد رواسب النحاس البورفيرى فى مصر بالصحراء الشرقية بمنطقتى حمش وأم جرايات.
- رواسب الينابيع الحارة: عندما تصعد المحاليل الحرماية إلي سطح الأرض فإنها تكون الينايع الحارة hot springs. وقد تحتوى هذه الينابيع الحارة على كميات كبيرة من الفلزات الذائبة. وتحتوى بعض الينابيع الحارة فى كا ليفوريا على كميات كبيرة من الزئبق بحيث يكون الماء في مناسب للشرب. ومن أهم الينابيع الحارة تلك الموجودة على قاع البحر، والتى يمكن أن ترسب أحجاما كبيرة من الكبريتيدات الفلزية بكميات كبيرة.
الرواسب المعدنية الحرماثية المتكونة حاليا
حدث أول اكتشاف للرواسب المعدنية الحرمائية المتكونة حاليا بالصدفة عام 1962 م، فحتى ذلك الوقت لم يكن أحد يعرف أين يبحث عن المحاليل الحرمائية الحديثة . فقد اندهش الحفارون أثناء البحث عن البترول فى أمبريال فالي Imperial Valley فى جنوب كاليفورنيا عندما اخترقوا أجاج (ماء ملح مر) brine تبلغ درجة حرارته 329 ~ على عمق 1.5كم. وعندما انساب الأجاج إلي أعلى، فإنه برد وترسبت المعادن من المواد الذائبة فى السوائل . ورسب البثر على امتداد ثلاثة أشهر ثمانية أطنان من المعادن السيليكية التى تحتوى على 20 % من وزنها نحاس و 8 % من وزنها فضة. وهكذا وجد الحفارون أن محلولأ حرماثياً رسب راسبا معدنيا غنيا تحت ظروف مناسبة، وهذا الاكتشاف يدل على أن الحاضر مفتاح الماضى .
أما الاكتشاف الثانى فقد حدث عام1964 م، حين اكتشف علماء البحار سلسلة من أحواض الأجاج الساخن والعالي الكثافة على قاع البحر الأحمر . وقد وجدت أحواض الأجاج فى الأخدود الذى تكون نتيجة مركز الانتشار بين اللوحين العربى والأفريقى المتباعدان (شكل 19 . 8 ). وقد اكتشف العلماء أن ذلك الأجاج مالح للغاية وأكثر كثافة من ماء البحر، ولذلك فإنه يبقى فى الأحواض فى الأخدود، على الرغم من أن درجة حرارة السوائل تصل إلي حوالى 60م. وقد اكتشف عديد من تلك الأحواض الآن .
ويصعد أجاج البحر الأحمر على امتداد الصدوع العادية المصاحبة للخسيف الأوسط في مركز الانتشار، حيث وصل الأجاج إلي تركيبه الحالي خلال التفاعل مع الصخور المحيطة . وقد كان اكتشاف أجاج البحر الأحمر مدهشا، عندما اكتشف أن الرواسب عند قاع أحواض الأجاج تحتوى على رواسب معدنية مثل الكالكوبيريت والجالينا والسفاليويت. وبمعنى آخر، فقد اكتشف علماء البحار رواسب معدنية حديثة مقيدة الطباقية stratabound أثناء تكونها، أى رواسب يقتصر وجودها على وحدة استراتجرافية معينة .
3- الرواسب المعدنية المتحولة
يمكن أن يؤدى التحول التماسى (الحرارى) contact (thermal) metamorphism إلي نشأة رواسب التنجستن والنحاس والرصاص والزنكو الفضة وفلزات أخرى فى الصخور المحيطة، حيث يزال الصخر كليا أو جزئيا ثم يحل الراسب مكانه . ويحدث ذلك عندما تتفاعل طبقات من الحجر الجيرى مح المحاليل الحرماثية فتتكون أجسام خامات كبيرة وغنية جدا . ومن أهم أمثلة الرواسب المعدنية المتحولة رواسب مارى كاثلين الأسترالية .
4 . الرو اسب المعدنية الرسوبية
تشمل الرواسب المعدنية الرسوبية sedimentary mineral deposits بعض أهم مصادر المعادن فى العالم. ويتجمع عديد من المعادن الهامة اقتصاديا بالعوامل الكيميائية أو الطبيعية فى العمليات الرسوبية، ومن الرواسب المعدنية الرسوبية رواسب المتبخرات ورواسب الحديد والرواسب المعدنية مقيدة الطباقية.
رواسب المتبخرات: تتكون رواسب معدنية رسوبية مباشرة عندما يتبخر ماء بحيرة أو بحر. وتسمى طبقات الملح الذي يترسب نتيجة البخر برواسب المتبخرات evaporate deposits . وهى تشمل الأملاح التى تحتوي على كربونات الصوديوم (NaCO3) أو كبريتات الصوديوم (Na2SO4 ) أوالبوراكس Na2B4 O7. 10H2O) ) . وقد تم تعدين البوراكس والمعادن الأخرى المحتوية على البورون من رواسب المتبحرات فى البحيرات فى كاليفورنيا والأرجنتين وبوليفيا وتركيا والصين ووادى النطرون فى مصر .
وتعتبر المتبخرات البحرية المتكونة نتيجة تبخر ماء البحر، أكثر شيوعا وأهمية من متبحرات البحيرات. ومن الأملاح المترسبة من ماء البحر الجبس (CaSO4. 2H2O) والهاليت (NaCl ) والكارناليت carnallite KClMgCl2. 6H2O)) . ويؤدى تحول رواسب المتبخرات البحرية عند درجات التحول المنخفضة إلي تكون معدن أخر مهم هو السيلفيت sylvite (KCl) . ويستخلص من المتبخرات البحرية معظم ملح الطعام الذى نستخدمه فى حياتنا اليومية، بالإضافة إلي الجبس المستخدم كجص والبوتاسيوم المستخدم فى أسمدة النباتات.
رواسب الحديد تنتشر رواسب الحديد الرسوبى على نطار واسع، ويكون متوسط كمية الحديد فى ماء البحر صغيرا إلى حد أن تلك الرواسب لا يمكن أن تكون قد تكونت من ماء بحر يشبه فى تركيبه ماء البحر الحالي.
ويوجد أكبر خامات الحديد حجما فى صخور رسوبية تتبح ماقبل الكمبرى (البروتيروزوى المبكر أى قبل 2 بليون سنة أو أكثر)، حيث كان الغلاف الجوى للأرض فقيرا فى الأكسيجين فى هذا التاريخ المبكر. ويعتقد الآن أن تواجد الأكسجين بنسبة منخفضة سمح بانتشار الحديد فى صورة ذائبة، فى شكل جزيء الحديدوز (Fe2+) حيث تم غسله وإزالته بكميات كبيرة من سطح الأرض. ولقد تم نقل الحديد (Fe2+) فى السوائل بواسطة المياه السطحية إلي بيئات بحرية واسعة وضحلة ، حيث تأكسد إلي جزيء حديد غير قابل للذوبان ((Fe3) ثم ترسب . وقد ترسب الحديد فى العديد من تلك الأحواض فى صورة طبقات رقيقة متبادلة مع طبقات من رسوبيات غنية بالسيليكا تسمى التشرت chert. ويسمى هذا النوع من خامات الحديد باسم متكونات الحديد الشريطى (BIF banded) iron formations. وتعتبر رواسب حديد البحيرات العظمى فى كندا وأمريكا من هذا النوع ، والتى تعتبر المصدر الأساسى لصناعة الحديد والصلب فى الولايات المتحدة الأمريكية . ولذلك يعرف هذا النوع من رواسب الحديد بأنه من طراز ليك سوبريور Lake Superior type. وتتواجد رواسب الحديد من طراز ليك سوبريور فى الأحواض الرسوبية فوق كل رسيخة craton خاصة فى لابرادور وفينزويلا والبرازيل، والاتحاد السوفيتى سابقا وجنوب أفريقيا واستراليا.
ويعتقد بعض الجيولوجيين أن بعض متكونات الحديد الشريطى تنشأ نتيجة نشاط بركانى فى عدد من الأحواض المنفصلة المتواجدة بين أقواس الجزر البركانية، حيث تتواجد كمتكونات قليلة الامتداد وطبقات قليلة السمك . ويعرف هذا النوع من رواسب الحديد بأنه من طراز ألجوما Algoma type .
ويعتبر بعض الجيولوجيين أن رواسب الحديد الشريطى بالصحراء الشرقية بمصر (مثل مناطق أبو مروات وأم نار ووادى كريم ووادى الاباح وجبل الحديد) من طراز ألجوما، حيث تتواجد رواسب الحديد فى تلك المناطق على شكل طبقات وعدسات من الماجنيتيت والمارتيت والهيماتيت قليلة السمك (عدة سنتيمترات إلي10 أمتار)، وفى تتابعات من صخور ماقبل الكمبرى، وحيث تعرضت تلك التتابعات لتحول منخفض الرتبة (شكل 19 .9 ) . كما تتميز رواسب الحديد تلك بانتشار الطى والصدوع .
الرواسب المعدنية محصورة الطباقية: توجد بعض خامات الرصاص والزنك والنحاس فى العالم فى الصخور الرسوبية. وتوجد تركيزات معادن الجالينا والسفاليريت والكالكوبيريت والبيريت فى طبقات رقيقة منتظمة تبدو كالرواسب . وينحصر وجودها فى جزء محدد من التتابع الطبقى الذى تنتمى إليه وتكون موازية للطبقات فيه، ولذلك تسمى بالرواسب المعدنية محصورة الطباقية stratabound mineral deposits. وتشبه تلك الرواسب المعدنية الرسوبيات، ويعتقد أنها نشأت نتيجة تغيرات ما بعد الترسيب diagenesis.
وتتكون الرواسب المعدنية محصورة الطباقية عندما يغزو محلول حرماثى راسب دقيق الحبيبات ويتفاعل معها. ويتسبب التفاعل بين حبيبات الراسب والمحلول فى ترسيب معادن الخامات، حيث يحدث الترسيب عادة قبل أن يتحول الراسب إلي صخر رسوبى. وتعتبر رواسب النحاس المشهورة فى زامبيا ورواسب كوبقرشيفر فى ألمانيا وبولندا خامات محصورة الطباقية .
5. رواسب الركيزة (المراقد)
ناقشنا فيما سبق الطريقة التى يمكن أن يصبح بها معدن ذو وزن نوعى عالي مركزا بالمياه المنسابة . وتسمى رواسب المعادن ذات الوزن النوعى العالي التى يتم تركيزها ميكانيكيا من المجارى المائية بسرعة أكبر من المعادن الأخف مثل الكوارتز والفلسبار برواسب الركيزة (المراقد) placer deposits. وأهم المعادن التى يتم تركيزها فى المراقد الذهب والبلاتين والكاسيتريت (SnO2) والماس والزيركون . ويوضح شكل ( 19 . 10 ) أهم مواقع رواسب المراقد، والتى توجد خلف حواجز صخرية أو فى حفر فى صخر الأساس على امتداد قنوات المجارى المائية وتحت مساقط المياه وداخل المنعطفات فى المجارى المائية وكذلك عند نقطة التقاء رافد بمجرى مائى رثيسى.
ويمكن أحيانا تتبع رواسب الركيزة (المراقد) فى اتجاه أعلى النهر إلي موقع الراسب المعدنى الأصلي، والتى تكون عادة ذات أصل نارى، حيث تم تعرية المعادن منها. ولقد أدت تعرية عديد من العروق الحاملة للذهب الموجودة على الجانب الغربى لجبال سيرا نيفادا، إلي تكون رواسب الركيزة التى اكتشفت عام 1848 م، وأدت إلي جنون الذهب المعروف فى كاليفورنيا. ولقد تم اكتشاف رواسب الركيزة أولا ثم اكتشف مصدرها لاحقا . ولقد أدى اتباع المنهج نفسه إلي اكتشاف مناجم الماس فى كيمبرلي فى جنوب أفريقيا منذ مائتى عام .
6 . الرواسب المعدنية المتبقية (المتخلفة)
تحدث التجوية عندما يتعرض صخر منكشف حديثا وغير مستقر كيميائيا لماء المطر والغلاف الجوى. وتؤدى التجوية الكيميائية إلي إزالة المواد الذائبة فى المحلول وتركيز المعدن المتبقى الأقل ذوبانا. ويعتبر اللاتيريت laterite مثالآ شائعأ على راسب معدنى متبق residual mineral deposit تكون نتيجة الإثراء بالتجوية. حيث يتم تركيز عنصري الحديد والألمنيوم. والليمونيت (Fe2O3. NH2O) هو أحد خامات الحديد الأقل ذوبانا التي تتكون بسبب التجوية الكيميائية. ويتم غسل وإزالة معظم المعادن من التربة ببطء في المناطق القارية الدافئة وتحت الأمطار الشديدة، حيث تترك قشرة من اللاتيريت غير الذائبة تشمل الليمونيت الغني بالحديد. وفي مناطق قليلة مثل جنو ب أفريقيا قد تكون رواسب اللاتيريت غنية بالحديد بدرجة تكفى لاستخدامها كخام حديد.
وعلى الرغم من أن رواسب اللاتيريت الغنية بالحديد هى أكثر أنواع اللاتيريت شيوعا، إلا أن رواسب اللاتيريت الغنية بالألومنيوم والمسماة بالبوكسيت bauxites هى أيضا من أنواع اللاتيريت المهمة خاصة للاستغلال الاقتصادى. ويتكون البوكسيت نتيجة غسل وازالة معادن الصلصال . وهى عملية يتم فيها إزالة السيليكا من الصخور ويبقى معدن الجبسيت Al(OH)3 gibbsite كراسب متبق. ورواسب البوكسيت الغنية بالجبسيت هى أهم مصادر الألمونيوم فى العالم. ويشير تواجد رواسب البوكسيت فى الوقت الحالى فى مناطق معتدلة المناخ، مثل فرنسا والصين والمجر، أن المناخ كان قاريا عندما تكونت رواسب البوكسيت.
ب. أقاليم التمعدن
تميل أنواع من الرواسب المعدنية للتواجد في مجموعات، وتكون ما يطلق عليه جيولوجيو الاستكشاف أقاليم التمعدن metallogenic provinces وتعرف تلك الأقاليم بأنها مناطق محدودة من القشرة الأرضية يتواجد فيها رواسب معدنية بأعداد كبيرة . ويوضح شكل ( 19 . 11 ) مثالا لإقليم تمعدن يتواجد على امتداد الجانب الغربى للأمريكتين الشمالية والجنوبية . ويوجد فى إقليم التمعدن هذا أكبر تركيز فى العالم من رواسب النحاس الحرمائية . وتكون الرواسب مصاحبة لصخور نارية متداخلة ذات نسيج بورفيرى، ولذلك فإنها تسمى رواسب النحاس البورفيرى porphyry copper deposits ويعتقد أن الصخور النارية المتداخلة، وبالتالي الرواسب المصاحبة لها، قد تكونت نتيجة الاندساس subduction .
V| - الموارد اللافلزية
تعتبر الموارد اللافلزية موارد جيولوجية فى مجالات غير استخراج الفلزات أو كمصدر للطاقة، وتحتوى معظم الصخور والمعادن على فلزات، ولكن عندما يتم استخراج الموارد اللافلزية، فإنه يتم استخدام الصخر أو المعدن كما هو (مثل استغلال الرمل والحصى لأغراض البناء)، بينما يتم استخراج الفلز فى الخامات الفلزية بعد إجراء بعض عمليات الفصل والتركيز . والموارد اللافلزية رخيصة الثمن عمومأ، ويتم استخدامها بكميات كبيرة، باستثناء الأحجار الكريمة مثل الماس والياقوت. مما يعنى أن تلك الموارد يجب أن يتم استخدامها محليا، نظرأ لأن النقل لمسافات طويلة يضيف أعباء مالية على سعر الخام، ومن أمثلة هذه الموارد مواد البناء والمخصبات والمتبخرات بالإضافة إلى بعض المواد الفلزية الأخرى . أ – مواد البناء
يتم استخدام الرمل والحصى فى الخرسانة اللازمة لأعمال البناء وإنشاء الطرق السريعة . كما يستخدم الرمل أيضأ فى الملاط (المونة) اللازم للحم الطوب أو البلوكات الأسمنتية . وتعتبر الكثبان الرملية والأنهار ورواسب الشواطئ ضمن المصادر الرثيسية للرمل والحصى. كما تستخرج أيضا من المخاريط البركانية . ويستخرج الرمل والحصى من حفر سطحية تعرف بالمحاجرquarries.
ويشير مصطلح أحجارstones إلي الصخور التى تستخدم كبلوكات فى أعمال البناء مثل الجرانيت، وأيضا الحجر الجيرى المستخدم فى إنشا، الطرق. وتستخرج الأحجار من المحاجر أيضأ. ويستخدم الحجر الجيرى فى عدد من الأغراض إضافة إلي استخدامه فى البناء أو فى رصف الطرق، حيث يستخدم فى صناعة الأسمنت، كما يستخدم الحجر الجيرى المطحون في تحسين مواصفات التربة، وكمكون رئيسى فى العاديد من المنتجات الكيميائية.
ب- المخصبات والمتبخرات تعتير المخصبات fertilizers (مركبات الفوسفات والنيترات والبوتا سيوم ) من أهم المواد اللازمة للزراعة فى الوقت الحالي، حيث تنقل لمسافات طويلة عبر البحار نظرأ لأهميتها . وينتج الفوسفات من الفوسفوريت phosphorite وهو صخر رسوبي يتكون من تراكم وتغير بقايا الكائنات العضوية. ويمكن أن تتكون النيترات ومركبات البوتاسيوم مباشرة بالتبخير.
ويستخرج الملح الصخرى rock salt الذى يتكون من معدن الهاليت من رواسب المتبخرات. ويستخدم الملح الصخرى فى حفظ الطعام والمساعدة فى إزالة الثلج من الطرق فى الأماكن الباردة فى الشتاء، وفى إعداد ملح الطعام وتصنيع حمض الهيدروكلوريك والصابون والعديد من المنتجات الأخرى. ويستخدم الملح الصخرى فى الصناعة على نطاق واسع . ويتكون الجبس gypsum أيضأ كأحد رواسب المتبخرات، وهو أحد المكونات الرئيسية للجص والألواح الجدارية وفى صناعة البناء عمومأ وغيرها من الا ستخدامات الأخرى. ويتواجد الكبريتsulfur فى حالة عنصرية فى رواسب صفراء زاهية. ويأتى معظم الكبريت المستخدم بصورة تجارية من الصخور المتواجدة فوق القباب الملحية. ويستخدم الكبريت بصورة كبيرة فى الزراعة كمبيد للفطريات وكمخصب. كما يستخدم فى تصنيع حمض الكيريتيك وإعداد الثقاب والعديد من المنتجات الآخرى.
ج- المواد اللافلزية الأخرى
تشمل الأ حجار الكريمة لثةسفخىثس (وتسمى بعد تقطيعها وصقلها جواهر أو أحجار gems ) الأ حجار الثمينة مثل الماس diamond والياقوت rubies والزمرد emerald والسافير saphires، بالإضافة إلى المعادن شبه الكريمة semiprecious stones مثل البريل والجارنت والسبينل والتوباز والزيركون. ويستخدم الماس فى أدوات الحفر ومناشير تقطيع الصخور.
والاسبتوس ىasbestos آحد أنواع السربنتين الموجود فى صورة ألياف يمكن فصلها ونسجها فى أقمشة واقية من النيران . ولذا فإنه يستخدم فى صناعة
ملابس مكافحة النيران وستائر المسارح. كما يستخدم الأسبتوس فى صناعة العوازل الصوتية وعمل الأسقف، على الرغم من تقلص استخدامه حاليأ لارتباطه ببعض الأمراض الخبيثة فى الرئة. ويستخدم التلك talc الذى يوجد غالبأ مصاحبا للأ سبستوس فى صناعة بودرة التلك ومنتجات أخرى.
وتستخدم الموارد اللافلزية أيضا فى أغراض متنوعة، حيث تستخدم الميكا mica فى صناعة العوازل الكهربائية، بينما يستخدم الباريت barite (BaSO4 ) نظرأ لوزنه النوعى العالي فى منح تدفق البترول أثناء عمليات الحفر. ويستخدم الصلصال clay فى صناعة السيراميك والمرشحات. ويستخدم الدياتوميت diatomites فى صناعة مرشحات أحواض السباحة وفى عمليات الترشيح عمومأ . ورمال الزجاج glass sand التى تحتوى على أكثر من 95 % من وزنها كوارتز هى المكون الر ثيسى للزجاج، ويستخدم الجرافيت graphite فى سبك المعادن وفى المواد المخففة للاحتكاك وصناعة الصلب والبطاريات وأقلام الرصاص.
V||. رواسب الخامات وتكتونية الألواح
تشرح نظرية تكتونية الألواح الأنوع المختلفة من النشاط النارى نتيجة التفاعلات عند حدود الألواح، حيث تنفصل الألواح أو تتقارب . وحيث إن العمليات النارية تنقل العناصر الكيميائية والمعادن المتكونة فيها من داخل الأرض إلي سطحها، فإن نظرية تكتونية الألواح تقدم أساساً مهماً لفهم نشأة الرواسب المعدنية. ويساعد هذا الفهم فى شرح أسباب تواجد رواسب الخامات الحالية، كما يساعد فى عمليات الاستكشاف المعدنى.
فقد اكتشف الجيولوجيون عام 1979 م وجود ينابيع حارة محملة بمعادن ذائبة تخرج من عدة مخارج على قاع البحر أثناء دراستهم لقاع المحيط عند مركز انتشار، spreading center مرتفع شرق الهادئ East Pacific Rise. ويرجع أصل تلك الينابيع الحارة إلي ماء البحر الذى يدور فى الكسور بالقرب من الخسيف، حيث تنفصل الألواح على امتداد حيود وسط المحيط (شكل 19 - 12 ). وترتفع درجة حرارة ماء البحر إلي عدة مثات من الدرجات حينما يلامس الصهارة أو الصخور الساخنة الموجودة فى أعماق القشرة . ويقوم ماء البحر الساخن بغسل وإزالة العناصر الشحيحة من الصخور الساخنة ويصعد إلي قاع البحر. وتترسب حبيبات دقيقة من كبريتيد الحديد وغيره من المعادن عندما تصل المياه الساخنة المحملة بالعناصر والمركبات الذائبة الي القشرة العلوية الأكثر برودة ومياه المحيط القريبة . وهذا هو أصل المداخن السوداء black smokers الموضحة فى شكل ( 19 . 13 ). ويترسب بهذه الطريقة كميات كبيرة من كبريتيدات الخامات الغنية فى الزنك والنحاس والحديد والفلزات الأخرى،على امتداد مراكز انتشار وسط المحيط .
وعندما تم تعرف مراكز الانتشار الشائعة فى البحار كمصدر للرواسب المعدنية، بدأ الجيولوجيون فى البحث فوق اليابسة عن بقايا قيعان البحار القديمة، التى ربما تحتفظ أيضا بموارد مهمة للرواسب المعدنية. وقد توجد بعض الرواسب فى نطاقات تصادم الألواح (الحدود المتقاربة)، حيث قد توجد بعض أجزاء من قشرة محيطية قديمة دفعت فوق اليا بسة، ء على امتداد أسطح دسر thrust surfaces فى مرحلة من مراحل تصادم الألواح والاندساس تعرف بالأوفيوليت ophiolites. وربما يرجع أصل رواسب الكبريتيدات الغنية بالنحاس والرصاص والزنك فى تتابعات الأوفيوليت فى سلطنة عمان وقبرص والفلبين وإيطاليا وفى أماكن أخرى من العالم، إلي عملية دوران المياه الحرماثية على امتداد نطاقات خسف وسط المحيط القديم.
ويوجد عديد من رواسب خامات كبريتيدية أخرى يرجع أصلها إلي المحاليل الحرماثية أو النشاط النارى عند حدود تقارب (تصادم) حديثة أو قديمة. وتشمل تلك الرو اسب تلك الموجودة فى كورديليرا فى أمريكا الشمالية والجنوبية وفى شرق البحر الأبيض المتوسط إلي باكستان، وفى جزر القلبين واليابان . ويلخص شكل ( 19 . 14 ) الارتباط بين بعض الرواسب المعدنية وتكتونية الألواح. ويعتقد أن الرواسب الموجودة فى الأقواس الصها رية magmatic arcs تنتج من نشاط نارى يقع فى نطاقات التقارب. وتقترح إحدى الفرضيات أن بعض رواسب حدود التقارب تمثل المرحلة الثانية من عملية تكون الخام التى تشمل مرحلتين. المرحلة الأولى هى نشأة خامات معدنية بواسطة نشاط حرماثى عند مركز انتشار وسط المحيط. وتشمل المرحلة الثانية، وهى منفصلة عن المرحلة الأولى زمانا ومكانا، اندساس رواسب وقشرة محيطية تحتوى على عناصر الخامات التى سبق تركيزها عند نطاق تقارب (تصادم). وعندما يهبط اللوح فى مناطق الوشاح التى تزداد درجة حرارتها حيث تنصهر الفلزات وترتفح فى اللوح الراكب مصاحبة للصهارة. ويوجد الحديد والنحاس والموليبدنم والرصاص والزنك والقصدير والذهب على امتداد حدود الألواح المتقاربة ، والتى نشأت من النشاط الحرماثى ثم يعاد تركيزها بالعمليات النارية نتيجة حركات تكتونية الألواح.
وربما يكون قاع البحر البعيد عن حدود الألواح هو المكان الأفضل للتعدين فى مياه البحار العميقة، بسبب التواجدات المنتشرة لعقيدات المنجنيز manganese nodules ، وهى عقيدات هشة سوداء غير منتظمة الشكل تشبه خبات البطاطس تحتوى على أكاسيد المنجنيز، وكميات أصغر من أكاسيد وهيدروكسيد الحديد والنحاس والنيكل والكوبالت وأكاسيد فلزات أخرى. ويكون حجم العقيدات فى حدود عدة سنتيمترات قليلة. وتتكون تلك العقيدات من ترسيب أكاسيد تلك الفلزات من ماء البحر، حول نويات صغيرة مثل أسنان سمك القرش أو أجزاء من الصخر. ولا ترجح فقط القيمة الاقتصادية لتلك العقيدات إلي النقص التدريجى فى رواسب المنجنيز عالية التركيز على اليابسة، وإنما إلي أن تلك العتيدات غنية أيضا بعدد من الفلزات الأخرى. وتقدر تلك الرواسب ببلايين الأطنان.
يستعرض هذا الملخص الموجز لجيولوجية الرواسب المعدنية التنوع الكبير للمواقع الجيولوجية التى تحتوى على أنواع معادن محتلفة ذات قيمة اقتصادية. وعلى الرغم من أن هناك احتمالأ لانتشار أجسام خامات على قيعان البحار العميقة، إلا أن معظم رواسب الخامات توجد على القارات أو كبقايا لأجزاء متمعدنة من قشرة محيطية فوق القارات عند تقارب (تصادم) الألواح.