أخوان ديو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بداية القصة
قال صاحب الكتاب: اسمع هذه القصه بداية القصة
و لكن ينبغى للعاقل أن يغوص بنظر الفكر فى معانيها و لا يسفه رأى راويها و حاكيها.
دعوة الملك كيخسرو من رستم في الذهاب لحرب أخوئان دیو
ثم قال: حكى أن الملك كيخسرو كان يوما من الأيام قاعدا على تخته فى الإيوان و قد حضره الأكابر و الإصبهبذية مثل رستم و طوس و جوذرز و جيو و غيرهم. من أكابر تلك الحضرة و أركان الدولة. فجاء بعد مضى ساعة منالنهار الى الدركاه رأس الجوبانية، و شكا أنه قد ظهر فى مراحل الخيل يعفور كأنه أسد هصور، ذهبىّ اللون كأنه خلق من نور الشهاب أو لطخ بالعسجد المذاب، و يمتد سائلا من كاهله الى منقطع ذنبه خط أسود كالمسك السحيق، ململم الكفل كالحصان الأشكل.
و قد أغرى بالخيل يمزق كواهلها و يعيث فيها و يفسد. فعلم الملك أنه ليس حمار و حش فإن العير لا يبلغ فى القوّة الى ذلك الحد. فأشار على رستم بأن يتحمل الصداع فى ذلك و يتجشم الاهتمام بكفاية شره و دفع معرته. و أوصاه بالتحفظ من شره.
فقال رستم: إن عبيد الملك اذا تحصنوا بسعادته لم يفزعوا من جن و لا إنس.
طلب رستم دیو و بحثه عنه
فركب و خرج الى تلك الصحراء فمكث ثلاثة أيام يدور فى مروجها و مراعيها و يطلب ذلك العير فلا يجده. و لما كان اليوم الرابع ظهر له. فلما رأى رستم عبر عليه مارّا فى سرعة الريح. فثوّر الرخش فى أثره طامعا فى اصطياده و حمله حيا إلى حضرة الملك من غير أن يصيبه بجراحة. فحل الوهق و عدى خلفه ليرميه عليه. فاختفى عند ذلك من عين رستم.
فعلم أنه ليس بوحش و وقع فى قلبه أنه أخوئان دیو. ثم رآه قد ظهر فى آخر الصحراء. فوتّر قوسه و توجه اليه. فلما قرب منه و رأى أنه أغرق فى نزع القوس اختفى عنه. و بقى يركض خلفه ثلاثة أيام بلياليهن فغلبه النوم و احتاج الى الطعام و الشراب. فتبدى له روضة معشبة ذات أرض خوّارة و عين خرّارة . فنزل و خلع لجام فرسه، و حط عنه سرجه، و أرسله يرعى. و فرش اللبد على حافة الماء و اتكأ ساعة فأخذه النوم.
رمي أخوئان دیو رستم في البحر
فأتاه دیوو لما رآه نائما فى سلاحه لم يجسر على الدنوّ منه. فقورّ الأرض من حواليه، و رفعه فى الهواء. فاستيقظ رستم و ندم على نومه و تركه التحرّر و التيقظ. و لما تحرّك و انتبه قال له الجنى: أيما أحب اليك: أن أرميك بين الجبال و الصحراء أو أقذف بك فى وسط الماء؟
فأفكر رستم، و قال فى نفسه: إن طرحنى فى الجبال و المواضع الوعرة تطايرت أوصالى و تقطعت أعضائى. و الماء أسلم. لكن إن قلت له اقذفنى فى البحر يخالفنى و لا يرمنى إلا على الجبال و فى المخارم و الشعاب.»
و علم أنه يعمل بضد ما يختاره فى ذلك. فاحتال عليه، و قال: تطرحنى على الجبال و فى الغياض و الآجام يرى الببر و الأسد براثنى و يشاهدا آثار شدّتى و قوّتى . فقال له الجنى: و أنت بعدُ طالب لأن تذكر بالشدّة و الشجاعة؟ لأرمينك فى مكان لا ترى فيه حيا و لا ميتا. فرماه فى البحر.
قال: فلما وقع فى البحر قصدته التماسيح و سباع البحر ليأخذوه. فاستل بيمينه السيف و جعل يذب عن نفسه، و يسبح باليد اليسرى و الرجلين حتى وصل الى الساحل. فخرج و نزع جُنَنه و سلاحه و نشرها على الأرض لتنشف. و اغتسل و سجد شكر اللّه تعالى حين نجاه من الخطب العظيم. ثم ليس سلاحه و عاد إلى العين التى كان قد نام عندها، فحمل السراج و اللجام و اقتفى أثر الرخش حتى صادفه فأسرجه و ألجمه ثم ركبه. و كان ذلك المكان الذى وقع عليه الرخش من مراعى خيل أفراسياب. فساق منها خيلا كثيرا، و قتل من كان عليها من الجوبانية و الحرس.
مجيء أفراسياب لرؤية خيله و قتل رستم لأخوئان دیو
قال: و كان أفراسياب قد خرج فى ذلك اليوم ليشاهد الخيل فأعلم بذلك. فتبع رستم فى خِف من عدده و عدّة من فيلته. فأدركه فتقاتلا قتالا عظيما، و قتل أكثر أصحاب أفراسياب. فانهزم و خلى أربعة أفيال فساقها رستم و رجع بها إلى المكان الذى كان قد نام فيه، على ما ذكرناه. فجعل يطلب أخوئان الجنى و ينظر يمينا و شمالا. فظهر له و قال: أما تسأم من القتل و بعد القتال؟ أبعد أن خلصت من التماسيح و شدائد البحر عدت تطلب القتال؟ فحمل عليه عند ذلك و رمى عليه بالوهق فأعلقه به، و أسره
رجوع رستم إلى إيران
و قطع رأسه و علقه من سموط سرجه، و كان عظيما كأنه رأس فيل، و له أنياب كأنها حراب. ثم أقبل راجعا. و أُنهى الى الملك كيخسرو ذلك، و قيل: إن رستم خرج لصيد حمار الوحش فعاد يصيد الانس و الجن و أسراب الخيول و الفيول. فتعجب من ذلك و ركب و أمر العسكر بالركوب لتلقيه. فاستقبلوه بالكوسات و الدبادب، و اجتمعوا فى الميدان يلعبون و يتطاردون. ثم دخلوا الايوان و أقبلوا على القصف و العزف يتعاطون كؤوس الأرجوان على الورد و الريحان الى تمام أسبوعين. ثم خلع الملك عليه خلعة تشتمل على أصناف الكرامات و المبرات. فاستأذن فى زيارة أبيه دستان بن سام، و قال: سوف أعود و أشدّ وسطى للطلب بثار سياوخش. فانا لا نرضى فى الإنتقام له بنهب الخيول و الخيم و قتل الخول و الحشم من ممالك أفراسياب.» فأذن له، فركب، بعد أن شيعه الملك و ودعه، و متوجها نحو زابلستان. قال صاحب الكتاب: و إذا فرغت من قصة أخوئان فاستمع لقصة بيژن بن جيو و ما جرى عليه و ما انتهى أمره اليه.ة و إن كنت لا تصدّق ناقلها و لا تتلقى بالقبول قائلها. و لكن ينبغى للعاقل أن يغوص بنظر الفكر فى معانيها و لا يسفه رأى راويها و حاكيها.
دعوة الملك كيخسرو من رستم في الذهاب لحرب أخوئان دیو
ثم قال: حكى أن الملك كيخسرو كان يوما من الأيام قاعدا على تخته فى الإيوان و قد حضره الأكابر و الإصبهبذية مثل رستم و طوس و جوذرز و جيو و غيرهم. من أكابر تلك الحضرة و أركان الدولة. فجاء بعد مضى ساعة من النهار الى الدركاه رأس الجوبانية، و شكا أنه قد ظهر فى مراحل الخيل يعفور كأنه أسد هصور، ذهبىّ اللون كأنه خلق من نور الشهاب أو لطخ بالعسجد المذاب، و يمتد سائلا من كاهله الى منقطع ذنبه خط أسود كالمسك السحيق، ململم الكفل كالحصان الأشكل.
و قد أغرى بالخيل يمزق كواهلها و يعيث فيها و يفسد. فعلم الملك أنه ليس حمار و حش فإن العير لا يبلغ فى القوّة الى ذلك الحد. فأشار على رستم بأن يتحمل الصداع فى ذلك و يتجشم الاهتمام بكفاية شره و دفع معرته. و أوصاه بالتحفظ من شره. فقال رستم: إن عبيد الملك اذا تحصنوا بسعادته لم يفزعوا من جن و لا إنس.
طلب رستم دیو و بحثه عنه
فركب و خرج الى تلك الصحراء فمكث ثلاثة أيام يدور فى مروجها و مراعيها و يطلب ذلك العير فلا يجده. و لما كان اليوم الرابع ظهر له. فلما رأى رستم عبر عليه مارّا فى سرعة الريح. فثوّر الرخش فى أثره طامعا فى اصطياده و حمله حيا إلى حضرة الملك من غير أن يصيبه بجراحة.
فحل الوهق و عدى خلفه ليرميه عليه. فاختفى عند ذلك من عين رستم. فعلم أنه ليس بوحش و وقع فى قلبه أنه أخوئان دیو. ثم رآه قد ظهر فى آخر الصحراء. فوتّر قوسه و توجه اليه. فلما قرب منه و رأى أنه أغرق فى نزع القوس اختفى عنه. و بقى يركض خلفه ثلاثة أيام بلياليهن فغلبه النوم و احتاج الى الطعام و الشراب.
فتبدی له روضة معشبة ذات أرض خوّارة و عين خرّارة . فنزل و خلع لجام فرسه، و حط عنه سرجه، و أرسله يرعى. و فرش اللبد على حافة الماء و اتكأ ساعة فأخذه النوم.
رمي أخوئان دیو رستم في البحر
فأتاه دیوو لما رآه نائما فى سلاحه لم يجسر على الدنوّ منه. فقورّ الأرض من حواليه، و رفعه فى الهواء. فاستيقظ رستم و ندم على نومه و تركه التحرّر و التيقظ. و لما تحرّك و انتبه قال له الجنى: أيما أحب اليك: أن أرميك بين الجبال و الصحراء أو أقذف بك فى وسط الماء؟ فأفكر رستم، و قال فى نفسه: إن طرحنى فى الجبال و المواضع الوعرة تطايرت أوصالى و تقطعت أعضائى. و الماء أسلم. لكن إن قلت له اقذفنى فى البحر يخالفنى و لا يرمنى إلا على الجبال و فى المخارم و الشعاب.» و علم أنه يعمل بضد ما يختاره فى ذلك. فاحتال عليه، و قال: تطرحنى على الجبال و فى الغياض و الآجام يرى الببر و الأسد براثنى و يشاهدا آثار شدّتى و قوّتى . فقال له الجنى: و أنت بعدُ طالب لأن تذكر بالشدّة و الشجاعة؟ لأرمينك فى مكان لا ترى فيه حيا و لا ميتا. فرماه فى البحر.
قال: فلما وقع فى البحر قصدته التماسيح و سباع البحر ليأخذوه. فاستل بيمينه السيف و جعل يذب عن نفسه، و يسبح باليد اليسرى و الرجلين حتى وصل الى الساحل. فخرج و نزع جُنَنه و سلاحه و نشرها على الأرض لتنشف. و اغتسل و سجد شكر اللّه تعالى حين نجاه من الخطب العظيم. ثم ليس سلاحه و عاد إلى العين التى كان قد نام عندها، فحمل السراج و اللجام و اقتفى أثر الرخش حتى صادفه فأسرجه و ألجمه ثم ركبه. و كان ذلك المكان الذى وقع عليه الرخش من مراعى خيل أفراسياب.
فساق منها خيلا كثيرا، و قتل من كان عليها من الجوبانية و الحرس.
مجيء أفراسياب لرؤية خيله و قتل رستم لأخوئان دیو
قال: و كان أفراسياب قد خرج فى ذلك اليوم ليشاهد الخيل فأعلم بذلك. فتبع رستم فى خِف من عدده و عدّة من فيلته. فأدركه فتقاتلا قتالا عظيما، و قتل أكثر أصحاب أفراسياب. فانهزم و خلى أربعة أفيال فساقها رستم و رجع بها إلى المكان الذى كان قد نام فيه، على ما ذكرناه. فجعل يطلب أخوئان الجنى و ينظر يمينا و شمالا. فظهر له و قال: أما تسأم من القتل و بعد القتال؟ أبعد أن خلصت من التماسيح و شدائد البحر عدت تطلب القتال؟ فحمل عليه عند ذلك و رمى عليه بالوهق فأعلقه به، و أسره
رجوع رستم إلى إيران
و قطع رأسه و علقه من سموط سرجه، و كان عظيما كأنه رأس فيل، و له أنياب كأنها حراب. ثم أقبل راجعا. و أُنهى الى الملك كيخسرو ذلك، و قيل: إن رستم خرج لصيد حمار الوحش فعاد يصيد الانس و الجن و أسراب الخيول و الفيول. فتعجب من ذلك و ركب و أمر العسكر بالركوب لتلقيه. فاستقبلوه بالكوسات و الدبادب، و اجتمعوا فى الميدان يلعبون و يتطاردون. ثم دخلوا الايوان و أقبلوا على القصف و العزف يتعاطون كؤوس الأرجوان على الورد و الريحان الى تمام أسبوعين. ثم خلع الملك عليه خلعة تشتمل على أصناف الكرامات و المبرات. فاستأذن فى زيارة أبيه دستان بن سام، و قال: سوف أعود و أشدّ وسطى للطلب بثار سياوخش. فانا لا نرضى فى الإنتقام له بنهب الخيول و الخيم و قتل الخول و الحشم من ممالك أفراسياب.» فأذن له، فركب، بعد أن شيعه الملك و ودعه، و متوجها نحو زابلستان. قال صاحب الكتاب: و إذا فرغت من قصة أخوئان فاستمع لقصة بيژن بن جيو و ما جرى عليه و ما انتهى أمره اليه.