أجندة مقترحة لمباحثات أودنجا فى القاهرة
جريدة الشروق، 25 مايو، 2010.
وصل إلى القاهرة يوم السبت 22 مايو رئيس الوزراء الكينى رايلا أودنجا، على رأس وفد يضم وزيرة الرى تشاريتى نجيلو، فى زيارة تمتد أربعة أيام.
الزيارة هى فاتحة سلسلة زيارات من قادة دول حوض النيل بعد توقيعهم على الاتفاقية موضع الجدل. ففى 29 مايو يحضر رئيس الكونغو الديمقراطية جوسف كابيلا، وفى يونيو رئيس بوروندى، بيير نكورونزيزا.
قادة شرق أفريقيا الحاليون لم يقوموا بعمل جماعى من قبل سوى إنشاء منظمة الإيجاد، التى أشرفت على اتفاقيات تفكيك السودان وإشعال وتأجيج الحرب الأهلية فى الصومال. وتتهم الأمم المتحدة بعضهم بالقيام بأكبر عملية نهب فى التاريخ فى حرب الكونغو الدائرة منذ 1990. وحتى الكوميسا، الاتحاد التجارى الهزيل، فهى من الجيل السابق لهم.
ليس من المستبعد أن يتدخل هذا الجمع باسم مبادرة حوض النيل فى الشئون الداخلية للطوائف والأعراق فى مصر، إذا سنحت الفرصة، فنرى الإعلام فى كنيا وأوغندا يناقش قضايا الأقباط والنوبة والبشارية وبدو سيناء، وهو ما أسميه إيجاد-2 لتشابهه لما فعلوه بالسودان فى إيجاد-1. لذلك وجب إلقاء نظرة على الزوار واقتراح لنقاط يجب أن تندرج على أجندة العلاقات الثنائية.
رايلا أودنجا هو نموذج لجيل جديد من زعماء شرق أفريقيا، فائق المرونة ولا يخجل من تغيير موقفه طالما لاحت له فوائد التغيير. أبوه، جاراموكى اوكينكا اودينكا، كان كاهنا وثنيا، ومناضلا وطنيا اشتراكيا بارزا فى حزب كانو لتحرير كنيا. وقد أقام فى حى الزمالك فى أثناء رئاسته لمكتب منظمة كانو فى القاهرة فى الستينيات، ثم أصبح أول نائب رئيس جمهورية فى كنيا، وكان فى ذلك ممثلا لقبائل اللوو.
اعتنق رايلا المسيحية الإنجيلية (البريطانية) شابا، ثم تحول إلى الاشتراكية للحصول على منحة دراسية فى ألمانيا الشرقية وبعد انهيار الاتحاد السوفييتى أعاد تعميد نفسه مع المسيحيين المولودين من جديد (وهى طائفة بروتستانتية أمريكية) على يد قس يدعى النبوة ويحدد باليوم والدقيقة كوارث طبيعية لا تتحقق، كما أرسل ابنته للدراسة فى الولايات المتحدة.
إلا أن رايلا أودنجا ليس بصانع القرار الأوحد ولا الأكبر. فنحن نشهد جيلا جديدا من القيادات فى شرق أفريقيا برز فى التسعينيات، منهم بول كاجامى ويويرى موسفنى وملس زناوى، ولاؤهم لرقعة أرض لا يأتى فى مقدمة اهتماماتهم. وقد تجلت قدرات تعاونهم فى منظمة مكافحة التصحر (إيجاد) التى تحولت بقدرة قادر إلى الهيئة التى صاغت تفكيك السودان عبر محادثات واتفاقيات مشاكوس 2002 ونايفاشا 2005 (مدينتان فى غرب كنيا) ودورها فى القضية الصومالية لربع قرن مشبوه. الإيجاد رفضت انضمام مصر إليها بحجة أن التصحر ليس بنفس الأهمية فى مصر.
ولم تصبح مصر حتى من «أصدقاء الإيجاد» مع أمريكا وأكثر من عشر دول أوروبية. نفس القادة كانت لهم خارج الإيجاد تعاونات أخرى مثيرة للتساؤل فى حرب ونهب الكونغو والأزمة العرقية فى البحيرات العظمى.
السمة المشتركة لدول مبادرة حوض النيل هى أنها تتصدر ترتيب «مؤشر الدول الفاشلة»، وإن كنا لسنا بحاجة لمؤشر ليشرح لنا مدى عدم استقرار تلك الدول عرقيا (فى الأساس) واقتصاديا كذلك. هؤلاء القادة يتلقون مختلف أنواع الدعم المادى والفكرى الغربى لتجمعاتهم ومبادراتهم. فمبادرة حوض النيل تكاد تكون مشروعا اوروبيا كنديا خالصا يشرف على تنفيذه البنك الدولى وينفذه قادة شرق أفريقيا الجدد. ومبادرة حوض النيل لو لم توقف فستتحول إلى إيجاد-2 للتدخل السافر فى الشئون الداخلية لمصر وما تبقى من السودان. وتنعقد مفاوضات فى غرب كنيا بين الأهلاوية والزملكاوية.
لذلك فمصر والسودان لا يسعهما إلا أن تسعيا لبناء أواصر التواصل والدبلوماسية الشعبية مع مختلف الشعوب والجماعات العرقية المكونة لكل دولة من تلك الدول، معتمدتين على ما تبقى لديهما من قوة ناعمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأجندة
وعلى هذا فأقترح الأمور التالية على أجندة العلاقات الثنائية: مصر يهمها أن تطالب كنيا بالتوقف عن تأييد دويلات أرض الصومال وبنط لاند وكالمودوك وماخير، مما يعقد الأزمة الصومالية ويفيد كنيا اقتصاديا لأن كل واردات وصادرات أقاليم الصومال المختلفة تمر عبر كنيا بسبب الحرب الأهلية.
كما يجب على مصر أن تؤكد حرصها على حق تقرير المصير للمحافظة الشمالية الغربية NFD من كنيا، وسكانها 100% صوماليون، استولت عليها بريطانيا من إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان اسمها آنذاك «جوبا الجنوبية» وعاصمتها جارسة. ولا يكفى على الاطلاق اكتفاء مصر بدور المترجم فى تدريس ضباط شرطة صوماليين فى كنيا.
المسلمون يشكلون نحو 45% من سكان كنيا. الشريط الساحلى هو بالكامل مسلم، معظمه سواحيلى وبعضه عربى، أى يختلف عرقيا عن الداخل الذى يتقاسمه عرقا الكيكويو (ومنه الرئيس مواى كيباكى) واللوو (ومنه رئيس الوزراء أودنجا)، ويشعر المسلمون بغبن شديد من التهميش ولما كان للأزهر هيبة تشحب فى نفوس مسلمى الساحل، فإن سياسات نيروبى ومناهجها الدراسية المعادية لمصر وللإسلام ينبغى أن تتغير.
يجب أن تحرص مصر على فتح مكتب لجامعة الأزهر فى ممباسة، ثانى أكبر مدن كينيا ومالندى وتتواصل مع أهلهما وتقنعهما بأهمية عدم الانفصال عن كينيا، لكى لا تصبح مثل إثيوبيا عديمة المنافذ. فكما أن ماء النيل مهم لمصر والسودان، فإن مياه المحيط مهمة لكنيا.
وعلى رجال الأعمال الوطنيين أن يتبرعوا بعشرين مليون دولار لإقامة هذا المعهد الأزهرى فى ممباسة. وكذلك التبرع بوقف خيرى قدره 40 مليون دولار للإنفاق من ريعها للأبد على مئة منحة دراسية سنويا فى مختلف الجامعات المصرية لطلبة كينيين. وإقامة فندق على الساحل الكينى الساحر الذى يعج بفنادق إسرائيلية.