نجيب محفوظ .. العالم المفكر

مراجعة 21:53، 26 نوفمبر 2010 بواسطة Taghreed (نقاش | مساهمات) (←‏تكملة)

(فرق) → مراجعة أقدم | مراجعة معتمدة (فرق) | النسخة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

نجيب محفوظ .. العالم المفكر، هي دراسة يقوم كاتبها أ. د. حمزة إبراهيم عامر بتحليل الأعمال الأدبية، التي أنتجها نجيب محفوظ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

نجيب محفوظ .. عقل عالم .. وقلب فنان عرف آخرتها من أولها .. فعاشها كما أحب أن يعيشها . ( الحب عذابه وملاذه ، والحيرة ملهاته ) إختار نشوة الفكر لكى يعرف .. ( صارع الجهل .. حتى صرعه ) ( ماض خرافى وغد نورانى ) ( تتفتح له السبيل المؤدية إلى الله ، سبل العلم والخير والجمال ) إختار لذة النظر لكى يسمع .. وإختار لذة الحكى لكى ينفع .. وكتابة العرائض لكى يعيش . كان – وما زال – حزبا لوحده . عقله هو الرئيس .

باهر الضوء .. كثيف الإشعاع قلبه - ضميره الحى - الأمين العام .. وهو .. الأعضاء الفاعلون .. مريدوه فى دوائر الأرض والسماء والكون .. يتباركون . أتأبط خيرا .. كتابا أو جريدة .. أنعم بنشوة اللحظة النورانية .. وأسعد بتعب العقل النبيل .. أخرج به من لا .. إلى نعم .. ( أودع الأحلام الخادعة والآمال الكاذبة والآلام البالغة ) كمثل لحظة الميلاد .. سر الوجود .. سر الخلود .


المزاعم

أزعم - فى البدء - أننى واحد من الإلكترونات الهائمة فى إحدى المدارات البعيدة – منذ خمسين عاما أو يزيد - حول النواة الثقيلة للأستاذ الكبير نجيب محفوظ . وقد كنت محظوظا - بذلك البعد ! - لأنه أتاح لى التنقل بين مدارات أخر مشتركة فى مادة نادرة مكونة من أنوية عمالقة فى الفكر والعلم والأدب والفن . وأتاح لى - ذلك البعد أيضا ! - إمتياز النحلة وحريتها فى الإختيار بين الزهور الجميلة والإستمتاع بصنوف الرحيق الرائق الصافى المعطر . وآن للهائم مستقر ... .

وأزعم – بعد هذه المعايشة الطويلة الحميمة القديمة- أن الأستاذ نجيب محفوظ عالم مفكر منهجى من طراز العلماء الأفذاذ .. داروين ونيوتن وأينشتين .. وأحمد زويل . وأن كتاباته فى جوهرها بحوث فى فلسفة العلم من أجل التوصل إلى معرفة الحقيقة وصياغتها . وأن عبقرية الأستاذ الكبير - كإنسان مرهف الإحساس - تكمن فى إختياره الأدب وسيلة لتدوين محاوراته مع نفسه وملاحظاته ونتائج أبحاثه على الغير، فتحول إختياره إلى مهنة له ، أشتهر بها ، وتفوق فيها على أساتذتها الكبار فى العالم ومصر . وكذلك تكمن فى إختياره الأقصوصة والقصة والرواية كبواتق يصهر خام الحقائق فيها لينقيها فى مختبر ذهنه المتقد ذكاء وهو سعيد . ذلك لأن أوقات عمله هى أوقات متعته - أو نشوته - بخمر الفكر . وتكمن أيضا فى إختياره الحوار ( الديالوج ) كوسيلة يعرض بها من خلال أبطاله رؤاه للحقائق أو للأوهام المعاكسة لها من أجل دحض الأساطير التى ينكرها .. وفى إختياره حوار الذات ( المونولوج ) كوسيلة أخرى - أمينة وآمنة - يعبر بها عن آرائه .. وأيضا فى إختياره صيغة الحلم أو ( الرؤية الصوفية ) كصياغة رمزية للحقائق غير القابلة للنقاش ؟ أو للبوح المباشر ! . وتكمن - كذلك - فى حساسية إستلهامه وإستخدامه الوقائع السابقة عليه أوالمعاصرة له – التى يلاحظها فى مشيه أو يعايشها فى عمله أو يقرأها فى جرائده أو كتبه أو يسمعها فى جلساته بالمقهى بين صفوة الناس البسطاء - كأردية تستر أو أضواء تكشف عما يريد أن يقول .. ( فى العرائض والشكاوى للمظلومين وأصحاب الحاجات .. كما قال فى إفتتاحية أولاد حارتنا ) .

ولعله كان يعنى نفسه حين كتب فى ص 191 من قصر الشوق .. " الأدب متعة سامية بيد أنه لا يملأ عينى ، إن مطلبى الحقيقة ، ما الله ، ما الإنسان ، ما الروح ، ما المادة ؟! الفلسفة هى التى تجمع كل أولئك فى وحدة منطقية مضيئة كما عرفت أخيرا ، هذا ما أروم معرفته من كل قلبى وهذه هى الرحلة الحقيقية التى تعد رحلتك حول العالم بالقياس إليها مطلبا ثانويا ، تصور سوف أجد أجوبة شافية لهذه المسائل جميعا ..! " وحين أكد ذلك فى الصفحة التالية .. " لن ينقطع مابينى وبين الأدب ، إن حب الحقيقة لا يناقض تذوق الجمال ، ولكن العمل شىء والراحة شىء آخر ، وقد عزمت على أن أجعل الفلسفة عملى والأدب راحتى .. " . ثم قوله فى ص 329 من نفس الرواية .. " ما أجمل أن يكرس الإنسان حياته للحق والخير والجمال .. " ثم قوله فى نفس الصفحة .. " المؤمن يستمد حبه لهذه القيم من الدين ، أما الحر فيحبها لذاتها .. " .

ولعله كان يؤمل أن يكون هو نفسه ذلك الشيخ الذى أراد أن يصلح الدنيا البشعة فى أقصوصة " الشر المعبود " من مجموعة قصصه الأولى " همس الجنون " التى نشرها فى صدر شبابه عام 1938 . حيث يقول – ذلك الشيخ - فى شرح منهجه لتحقيق ذلك الأمل المنشود بالمقارنة مع منهج المسؤلين ! وهم القاضى وحارس الأمن والطبيب الذين وهبوا حياتهم لهذا العمل النبيل ! ، يقول وهو يخاطب القاضى الذى يحاكمه : ص 166 وما بعدها .. " – إنهم ياسيدى يطاردون الأشرار ويعالجون الأمراض ويضمدون الجراح .. أما أنا فسبيلى أن أقضى على الداء . إن الداء كمين فى مخبئه آمنا . وهم لا يكترثون إلا لآثاره . وقد أنعمت النظر فوجدت أن المعدة أصلا بلاء هذه المقاطعة . وجدت كثيرين لا يستطيعون أن يملأوا منها فراغا فيعيوا جوعا ، وآخرين لا يتركون بها فراغا قط فيهلكوا نهما ، ومن التجاذب والتنافر بين هاتين المعدتين يحدث السلب والنهب والقتل فالداء بين والدواء بين " . ويرد على قول القاضى بأن هذا داء لا دواء له ! : " - هذا قولهم ياسيدى . وما يقولونه إلا لأنه ينقصهم شىء متعنى الرب به : هو الإيمان به : هو الإيمان بالخير . إنهم لا يؤمنون بالخير حق الإيمان ، ويجاهدون فى سبيله جهاد الآلات الصماء التى لاتحس ، ويعملون بالأجر وللجاه والمجد .. فإذا خلوا إلى أنفسهم تهالكوا على ما يجاهرون بمقته من الإثم هذا شأنهم ياسيدى ، أما أنا فمؤمن حقا بالخير ، فدعنى أعمل على طريقتى وأمهلنى رويدا .. ! " . ثم وهو يصف حال ذلك الشيخ الجليل بعد أن غادر المحكمة وهو يحس بنشوة الظفر ، " وكان على وجه اليقين مؤيدا بروح سام لأنه كان يسير فى الأرض بقوة مارد ، ويتدفق فى الحديث بحماسة شاب ، ويفيض عليه قلبه بتفاؤل نبى ، وكان لسانه ينفث سحرا حلالا وحجة تلزم المتكبرين ، فاستطاع فى مدة وجيزة أن يستأثر بآذان القوم ويسحر قلوبهم ويهيج عاطفة الخير فى نفوسهم ويوجههم إلى حيث يريد ، فاتبعه الفقير وخضع له الغنى وذل له المتمرد العاصى . وكان أساس دعوته الجمال والإعتدال اللذان يعيش فى ظلهما الفقير بالقناعة والغنى بما فيه الكفاية . ووجد فيه ذاك المجتمع المريض طبيبا صادقا بارعا فتعلق بمثله واعتنق مبادئه . وجاءت النتائج باهرة يخطف نورها الأبصار ويذهل عقول العقلاء ، فسحقت الجريمة وهزم الشر وأدبرت الأمراض ، وأظلت السعادة بجناحيها المقاطعة ، فهلل الحكام وكبروا وآمنوا بالرجل الذى كانوا فيه يمترون . وسعدوا جميعا لبلوغ الغاية النبيلة التى أنفقوا أعمارهم عبثا فى سبيل بلوغها " .

وبعدها .. يتابع الأستاذ نجيب محفوظ تطور الحال فكريا موضحا كيف اطمأن الإقليم جميعا إلى الخير إلا أولئك الذين وهبوا أنفسهم " صناعة الخير " . وكيف وجد الحكام أنفسهم عاطلين ، وكيف رد حارس الأمن إلى شىء تقتحمه العيون وتستهين به القلوب ، وكيف أصبح القاضى يقلب كفيه آسفا حزينا لا يسمع تحية ولا رجاء ، ولا يساق إلى رحابه من يهابه . وكيف أنّ الطبيب بشكوى مكتومة ، وحبس نفسه فى داره لا يزوره إنسان و لا يزور إنسانا ، وكان يكنز المال فى القدور فأصبح ينفق مما جمع وقلبه واجف . ثم .. كيف إتفقت كلمتهم .. على أمر .. ..

ويقول الأستاذ : ص 169 .. " وأشرقت الشمس ذات صباح فإذا بالرجل الغريب قد إختفى ، وبحث عنه مريدوه فى كل مكان وفتشوا عنه فى كل بقعة من الإقليم فلم يعثروا له على أثر . وأحدث اختفاؤه دهشة وانزعاجا ، وأثار أقاويل متباينة ، فمن قائل إنه هجر المقاطعة إلى غيرها بعد أن اطمأن إلى ثبات عقيدته ؛ ومن قائل إنه صعد إلى السماء بعد أن أدى رسالته . وشمل الحزن المقاطعة كلها ووجفت القلوب جميعا .. " .

ثم كيف تفتق ذهن حارس الأمن ! عن فكرة كفيلة بأن تفقد عامة الناس تمسكها بالدعوة وأن تنسيها ذكرى الشيخ الغريب وذلك عندما إقترح إستعارة راقصة فاتنة من إقليم مجاور لكى : .. " تفرق ما بين الأخ وأخيه والزوج وزوجه ، وبأن تغرى الأغنياء بالانقضاض على السلاسل التى وضعوها فى أعناقهم طائعين .. " . ثم فى ص .. 170 " وحقق ذلك العبقرى فكرته الخطيرة . وشاهدوا جميعا بأعين مشرقة بنور الفرح ذلك النظام يتقوض بنيانه ويتهاوى حجر على حجر ، وردت المعدة إلى عرشها تتحكم فى الرقاب والعقول ، وعادت الحياة الشيطانية تملأ جو " خنوم " الهادىء ، وتعصف بالسلام المخيم على ربوعه . واستأنفت عصبة الحكم جهادها ، ووجدت نفسها مرة أخرى تكافح وتناضل عن الخير والعدالة والسلام ؟ ! " .

ويتضح من تلك الأقصوصة الجميلة هدف المنهج الفكرى المثالى للأستاذ نجيب محفوظ وكيف كانت – تلك الأقصوصة - الترنيمة الأولى التى عزف على تنويعاتها أسمى ألحانه الفكرية رقة وعذوبة وجرأة بعد حوالى عشرين سنة فى " أولاد حارتنا " .. ثم بعد ذلك فى حكايات " ملحمة الحرافيش " وغيرها من القصص والروايات من مراحل إنتاجه المتتالية .

ومن الدراسة التفصيلية لإنتاج الأستاذ نجيب محفوظ تعرفت على تلك الحميمية التى تربط بين إنتاج الأستاذ نجيب محفوظ ودوائر التأثير والتأثر المحيطة بما أتاح لى أن أميز إنتاجه إلى ست مراحل تاريخية - حتى الآن - هى : -

1- مرحلة الإنتاج الحر ( من حوالى 1932 – 1952 ) .

2- مرحلة ما بين الثلاثية وأولاد حارتنا ( فترة خمس سنوات توقف فيها عن الكتابة لا التفكير ) .

3- مرحلة الإنتاج الرمزى المركب ( من 1956 – 1974 ) .

4- مرحلة الإنتاج الرمزى المرير ( من 1974 – حتى تعثرت يده بمحاولة إغتياله 1994 ) .

5- مرحلة الإنتاج الشفاهى ( حوارات نجيب محفوظ – أستاذ / محمد سلماوى ) .

6- مرحلة الخلاصة ( بدأت بالأصداء فى نهاية الرابعة ومستمرة بالأحلام بالتوازى مع الخامسة ) .

ولقد تميز منهجه الفكرى بوضوح شبه كامل منذ بداياته الأولى .. وإستمر ذلك الوضوح دافقا بنفس الحيوية والعذوبة والجمال - بلا خوف أو وجل من قهر - مع زيادة فى التحديد والتركيز والعمق بلا يأس أو إحباط حتى الآن . وأن مراحل إنتاجه الأدبى هى تنويعات فكرية على جميع مستويات التفاعل بين أنغام العقل وألحان الروح التى تتوافق أو تتعارض مع إيقاعات البدن . وهى تنويعات تعزفها النفوس الحية فى حدتها أو هدوئها ، وفى قوتها أو ضعفها ، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ، أملا فى الفوز بالتناغم العذب أو النشوة الكبرى بخمر الفكر ، وحلما بالوصول إلى الحقيقة .

وأنه فى سبيل ذلك جرب جميع الأشكال المعروفة فى دنيا الأدب ، بل وإبتكر أشكالا جديدة للحكى أو لنقل رؤاه للقارىء المتجدد بتوالى الأجيال التى كتب لها ، والتى قرأت له ، عبر سبعين عاما . وقد عبر الأستاذ نجيب محفوظ عن ذلك بكل صراحة وصدق فى حواره مع الأستاذ الناقد فؤاد دوارة فى مجلة " الكاتب " ( العدد الثانى والعشرون – يناير 1963 ) حين نقل إليه رأى ناقد كبير وصف الأستاذ نجيب محفوظ بأنه مؤرخ أكثر منه فنانا ، وبأن أعماله تخلو من وجهة نظر معينة ! ؟ فرد قائلا : - " وهل يعرض المؤرخ التاريخ بغير وجهة نظر ؟ .. أين هو هذا المؤرخ ؟ . ليس هذا هو الفارق بين المؤرخ والفنان ، فالمؤرخ باعتباره عالما يدرس التاريخ كظواهر عامة ويورد من الحوادث والشخصيات ما يؤيد هذه الظواهر ويفسرها ، أما الفنان فيعبر عن الحياة عن طريق العلاقات الخاصة بين شخصيات عادية من أفراد الشعب ، والأحداث التاريخية بالنسبة إليه ليست أكثر من عوامل ثانوية تؤثر فى الشخصيات . التاريخ أساسا علم من العلوم يعرض لمختلف الظاهرات باعتبارها ظاهرات اجتماعية ويحللها ويفسرها .. إلى آخره ، بخلاف الفن الذى لا تظهر فيه هذه الظاهرات العامة إلا من خلال مخلوقات خاصة . وأستطيع أن أضيف أنه لا يوجد مؤرخ بلا وجهة نظر ، فى حين أنه قد يوجد فنان بلا وجهة نظر ، فيكتفى بالتعبير المباشر عن التجارب دون أن يكون وراء هذا التعبير فلسفة معينة ... " .

وقد ناقش الدكتور نبيل راغب فى كتابه " قضية الشكل الفنى عند نجيب محفوظ ، فى دراسة تحليلية لأصولها الفكرية والجمالية " الطبعة الثالثة 1988 بمناسبة فوزه بجائزة نوبل للأدب . وقد خلص فى الخاتمة إلى : ص 390 .. " وهكذا يتضح لنا أن نجيب محفوظ استغل أدوات الشكل الفنية فى اثارة احساسات معينة لدى القارىء تجاه أعماله دون التصريح بوجهات نظر معينة كما فعل من سبقوه الذين اعتقدوا أن الأسلوب المباشر هو الطريق الوحيد المؤدى إلى ميدان الفن الفسيح ونسوا أن العمل الفنى عبارة عن كائن معقد تحكمه العلاقات العضوية التى تربط الجسم الحى وتمنحه الحركة الجمالية . تلك هى الإضافات الجديدة التى أضافها نجيب محفوظ إلى الأدب العربى عامة والرواية العربية خاصة .. عن طريق الشكل الفنى الذى ابتدعه بما يتضمنه من شخصيات تنبض بالحياة وحوار منطلق يكشف ملامح الشخصيات الداخلية والخارجية ومواقف درامية ذات أبعاد عميقة تضيف خصوبة وثراء للشكل العام لأعماله فى ذلك الشكل الذى تميز بالتكثيف التعبيرى ، والرمز الموحى ، والصور الخصبة والخط الدرامى الواضح . كل هذا يندمج ويتفاعل داخل توليفة درامية رائعة تساعد الشكل الفنى على النمو والتطور والتفاعل من داخله شأنه فى ذلك شأن كل جسم حى .. " .

وأزعم أنه قد نجح فى جميع مراحل إنتاجه أن يتبع منهجه العلمى الخاص الذى وقر فى وجدانه منذ فجر شبابه الأول ، بفضل قراءاته الواعية لمدارس الفلسفة المادية والروحية , وأنه – منذ ذلك الحين - وفى خضم موج الحيرة العاتى قد عثر على صخرة نجاة ( ثابتة ) مثلثة الأضلاع أسماها " بصخرة العلم والفلسفة والمثل الأعلى " .. .. قصر الشوق ص 370 .

ولقد إجتهدت لصياغة ذلك الكشف "المحفوظى " على هيئة قانون فى المعادلات التالية : -

العلم + الفلسفة + المثل الأعلى = ثابت ( نجيب محفوظ ) .

( حيث أن الثابت = حقيقة رياضية لا يمكن تفسيرها ، كما لايمكن تفسير مقدار سرعة الضوء مثلا )

أى أن العلم + الفلسفة + المثل الأعلى = ثابت = الإيمان

وبما أن البدن + التصور بالعقل = النفس = الإنسان ( بن رشد فى تلخيص أرسطو )

إذا فإن العلم + الفلسفة = النفس = الإنسان

بمعنى أن قوة العقل لا تساويها قوة النفس إلا بالإيمان بالله .. والعكس بالعكس .. فلا تستقر النفس إلا بالعقل القانع بالإيمان بالله .. وفى المعادل الإجتماعى ( أو الأدبي ) فإن النفوس الضعيفة ذوات عقول ضعيفة وإيمان ضعيف بالمثل الأعلى ، ومصيرها – دائما – إلى شقاء .

	+	

ونستطيع بالقياس أن نتبين أن التوازن الكائن بين العقل ( أو الروح ) مع البدن فى النفس الواحدة ، هو نظير – أو ند - للتوازن الكائن بين الطاقة والمادة داخل الكون المحدود ( الذرة ) أو فى الكون الوسيط ( الإنسان ) او فى الكون الفسيح بمكوناته من الكواكب والنجوم أو المجموعات الشمسية أوالمجرات أو الثقوب السوداء وغيرها . وإن اختل هذا التوازن إنهدمت الوحدة و .. قامت القيامة ! .

وقد أورد لنكولن بارنت فى كتابه " العالم وآينشتين " خلاصة ما وصل إليه العلماء والفلاسفة فى شأن هذه العلاقة الجوهرية على النحو التالى : -

( لما كان كل جسم عبارة عن مجموعة صفات . وحيث إن الصفات يدركها العقل . فإن كل الكون الموضوعى المكون من مادة وطاقة وذرات ونجوم لا توجد إلا نتيجة لشعورنا وإدراكنا . أى أنه عبارة عن صرح من الرموز الإصطلاحية تشكله حواس الإنسان . وكما قال بيركلى عدو المادية اللدود :- " إن أنغام الكون وكل ما يؤثث هذه الأرض وبالجملة فإن كل هذه الأجسام التى تكون الإطار العظيم للدنيا ليس لها مادة إلا فى عقلنا ... وطالما لا يمكننى إدراكها بنفسى ولا توجد فى عقلى فإنها إما أنها لا توجد إطلاقا أو أنها توجد فى عقل روحى أبدى " ) .

ثم قوله .. ( وقد توسع أينشتين فى هذا الإتجاه من المنطق . ووصل به أقصى حدوده إذ بين أن الفضاء والزمن ما هما إلا أشكال وصور من الإلهام الذى لا ينفصل عن الإدراك . مثلهما فى ذلك مثل الألوان والشكل والحجم . فالفضاء ليس له حقيقة موضوعية إلا أنه نظام أو تنظيم للأشياء التى نراها فى هذا الفضاء وكذلك الزمن ليس له وجود مستقل إلا فى حدود الحوادث التى نقيسه بها .. ص 21– 22 ) .

ثم قوله .. ( ولأننا نعلم أن جميع معلوماتنا عن الكون إنما هو أثر من آثار حواسنا الناقصة فإن مطلبنا للحقيقة يبدو عسيرا لا أمل فيه .. ص 24 ) .

وقوله في ص 25 .. ( ولعله من الأهمية بمكان اعتبار الإنسان وسطا حسابيا بين الكون الكبير والكون الصغير . ومعنى ذلك فى لغة بسيطة أن الإنسان وسط بين أكبر النجوم وبين الكهرب " الإلكترون " الذى يعتبر أصغر وحدة طبيعية ) ..

كان ذلك طبقا للمعلومات التى كانت متوافرة منذ خمسين عاما والتى إختلفت الآن بالإكتشافات الحديثة للدكتور / أحمد زويل وغيره من العلماء فى علوم الطاقة والمادة والزمن .. أي أن الزمن نتيجة تالية للوجود ثم للحوادث بين الموجودات .. وعلى ذلك فإننا إذا توصلنا إلى أصغر حادثة في الوجود وقد تكون داخل الكون الصغير " الذرة " .. فإننا قد نستطيع بالتالي – إذا ابتكرنا الوسيلة - أن نقيس "زمن" تلك الحادثة ليكون هو عمر (كون) الكون ! ، وقد نقيس "لحظة" التحول لتكون أصغر معيار للزمن ، وقد يكون الدليل إلى ذلك "المعيار" فمتو أحمد زويل أو ما دونه إذا استطعنا أن نعرف لتلك الحادثة الابتدائية مراحل دورة من بداية إلى نهاية . أي أن الحقيقة غاية عسيرة .. ولكنها غير مستحيلة ، وتلك هي وحدة الخلق والخالق.

المرجع كتاب " العالم وآينشتين " تأليف لنكولن بارنت ترجمة محمد عاطف البرقوقى - سلسلة إقرأ 154 أكتوبر 1955 .

وقد ناقش علماء الدراسات الإنسانية العلاقة بين العلم والدين ( أو المادة والطاقة ) كما فى كتاب بيير دو شاردان " الظاهرة الإنسانية " – على سبيل المثال - ( عرض الدكتور محمد الجوهرى فى سلسلة مكتبة الأسرة ) على النحو التالى : -

" ولم يستطع لا العلم ولا الدين – بعد قرابة قرنين من الصراع المحتدم – فضح خصمه . بل بات من البين – على العكس من ذلك – أن أحدهما لا يستطيع أن يتطور تطورا طبيعيا بدون الآخر . والسبب فى ذلك واضح بسيط : - أن الحياة التى تدب فى كليهما واحدة . فلا يستطيع العلم – فى دوافعه وإنجازاته أن يبلغ مداه دون أن يشوبه شىء من التصوف وأن يلتزم بالعقيدة ." ص 73 . ويستطرد فى ص 76 .. " الدين والعلم هما الوجهان أو الطوران المتزاوجان لنفس الفعل المعرفى الكامل .. الفعل الوحيد الذى يستطيع أن يستوعب ماضى التطور ومستقبله بتأملهما ، وقياسهما والوصول بهما إلى منتهاهما " ... وفى ص 79 " وعلى الروح الإنسانية فى تدعيمها المتبادل لهاتين القوتين - اللتين لا زالتا متعارضتين – فى المزاوجة بين العقل والتصوف ؛ عليها بحكم طبيعة تطورها أن تتوصل إلى أعلى درجة من القدرة على النفاذ بأقصى قدرة حيوية لديها " .

ختاما

نخلص من هذا أن الأستاذ العالم المفكر الأديب الإنسانى الكبير/ نجيب محفوظ هو : -

1- نظير – أو ند - لإبن رشد الذى كتب فى تلخيص كتاب النفس لأرسطو .." قال : والذى نلتمس معرفته من علم النفس هو أن نعرف جوهرها ونعرف الأعراض الموجودة لها ، إذ كنا نرى أن هذا هو الذى يلتمس من كل شىء تطلب معرفته . وهذه الأعراض الموجودة للنفس إذا تؤملت وجدت تنقسم قسمين : أحدهما يظن به أنه خاص بالنفس ليس تحتاج النفس فيه إلى البدن وهو التصور بالعقل ، والآخر يظن بها أن النفس لا يتم لها ذلك الفعل إلا بالبدن كالحس والغضب والشهوة ." ص 2 . ( المرجع : تلخيص كتاب النفس لأبو الوليد ابن رشد تحقيق وتعليق الفرد عبرى مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة 1994 )

2- أنه أيضا نظير – أو ند - للإمام ابو حامد الغزالى فى إيمانه الخاص الذى وصل إليه بعد رحلة طويلة من الشك والحيرة ثم الإطمئنان ، والتى عبر عنها جميعا فى كتابيه " تهافت الفلاسفة ثم إحياء علوم الدين " .

3- أن أصالة الكشف في قانون نجيب محفوظ الإنساني كمثل أصالة الكشف في قوانين نيوتن الطبيعية للحركة التي تبحث في وصف كيفية تغيير الأجسام لمواقعها في المكان بمرور الزمن بتأثير قوى خارجية فاعلة أسماها نيوتن "الجاذبية " .

4- وأن أصالة الكشف فى قانون نجيب محفوظ الإنساني كمثل أصالة الكشف فى معادلات أينشتين الرياضية التي حدد بها أبعاد الأشياء بالموقع في المكان والزمان كبعد رابع يربط بين الأبعاد الثلاثة للمادة ، الطول والعرض والإرتفاع . ثم نجاحه في كشف العلاقة التبادلية بين المادة والطاقة وتحولاتهما في توازن هو الاستمرار أو الخلود ! .

5- وأن له نفس الأصالة الفكرية والتفكير المنهجي اللذان نجح بهما أحمد زويل - عمليا - فى قياس زمن أصغر حادثة في الكون .

6- وأنه – من خلال نفس صافية آمنة مطمئنة – قد إهتدى إلى ذلك التوازن الرهيف بين شهوات البدن وتسامى الروح فى صوفية خاصة به لاتغيب عن الوعى فى نوبات صرع . أو كما يفسره الدكتور مصطفىعبد الغنى فى كتابه " نجيب محفوظ .. الثورة والتصوف " .. ص 122 .. " والواقع أن فكر نجيب محفوظ كان يحمل دائما هذا التقسيم الفطرى ، فى دائرة بين العقل والروح ، أو الفلسفة والتصوف ، وهو ما يقرب به من ( حالة ) عديد من المتصوفة فى الشرق ، ممن كانوا- فى الأصل – فى التراث العربى من أفلاطون و أفلوطين و اسبينوزا والسهروردى .. وغيرهم . وإذا كان بعض هؤلاء غاب فى الطريق الصوفى ، فإن نجيب محفوظ لم يهبط إلى قاع الفلسفة ، كما لم يسقط فى بئر التصوف ، فلكل عنده مفهوم ، وكل لديه يؤدى إلى غاية ، وإذ بدا التمازج فى فكر أو خاطرة ، فبقصد الوصول إلى الحقيقة ، إما بالفلسفة وأما بالتصوف أو بكليهما معا . ".

7- وأن نجيب محفوظ قد تميز عن نيوتن وآينشتين معا ، كما قد تميز عن داروين - صاحب نظرية النشوء والإرتقاء – وأيضا قد تميز عن علماء الإنسانيات والمتصوفة .. بنظرة أشمل ، وأعم ، لأنه إستطاع إستيعاب ذلك كله ثم صاغ نظريته التى ضمت فى الإنسان الوحدة الكاملة للتراث النفسى العقلى الروحى ، أو الفلسفى العلمى المادى الطاقى ، للكون كله . أو كما لخصها الأستاذ بأسلوبه البارع البسيط على لسان الرجل 1 فى مسرحية " المهمة " التى كتبها عام 1967 مع مجموعة " تحت المظلة " ص 316 .. " تريد أن تستغلنا باسم البشرية ، هه ؟ ، ولأنك تتكون من نفس العناصر التى يتكون منها الكون فسوف تحاول إستغفال الكون كله ، ماذا تريد أيضا ؟ " . وكما وردت أيضا على لسان الرجل 2 فى نفس المسرحية ص 317/318 .. " ماذا تريدنا على أن نفعل بالذرات التى يتكون منها جسدك ؟، أن نتركها للديدان ؟ ، أن نهبها للجمعية الطبية ؟ أن نصنع منها قنابل مدمرة ؟ .

ويعيش بيننا نجيب محفوظ - أطال الله عمره - فى صحو متحفز وعقل يقظ ووجدان هادىء مطمئن ، يطاوعه إحساسه المرهف فى التفاعل والتعامل مع متغيرات الحياة فى الدائرة الصغرى للإنسان والكبرى للوطن وفى الدائرة الأكبر للعالم كله ، ويتابع المكتشفات العلمية الحديثة ، ويكتب عن هبوط الإنسان فوق سطح القمر كقمة للعلوم الطبيعية ، كما يكتب عن الإستنساخ كقمة للعلوم الحيوية .. ويقيم واقع العولمة المعاصرة التى كانت أحد أحلامه القديمة فى إحدى لحظات النشوة .. " نشرب كأسين .. ونحلم بعالم واحد تسيطر عليه حكومة واحدة عادلة .. " .. ( كتب ذلك عام 1952 فى ص 181 السكرية ) .

وأدلتي على مزاعمي بشأن منهج التفكير العلمى الأصيل للأستاذ .. الدراسة التفصيلية التالية لجميع ما كتبه فى قصصه أو رواياته أو ما ورد فى مقالات أو تصريحات فى حوارات منسوبة إليه . ودليلى - أيضا - على صحة مزاعمى مستمد من مراجعة لمعظم ما كتب من نقد أو تقريظ للأستاذ ومنها على سبيل المثال ما جمعه الأستاذ فاضل الأسود فى كتابه " الرجل والقمة " من آراء كبار النقاد الأدباء - ومنهم الأستاذ سيد قطب والأستاذ ثروت أباظة والأستاذ أنور المعداوى والدكتور طه حسين والأستاذ يحى حقى والدكتور لويس عوض والدكتور عبد القادر القط وغيرهم الكثيرين .. الكثيرين - وأن ما لاحظه بعضهم من مآخذ على حرفية روايات نجيب محفوظ وحبكتها أو تطور مشاعر أبطالها ، أو لغتها ، إنما هو نابع من تعاملهم مع هذه الروايات كأعمال أدبية لها مضمون البحوث التاريخية أو الإجتماعية .. فقط .. ولو أنهم أعادوا قراءتها على ضوء مزاعمى لوجدوا فيها جمالا يكاد يلامس الكمال وينافسه على مواقعه ! .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مراحل الانتاج

و لتوضيح جميع مزاعمى و توكيدها قمت بإنتقاء هذه المختارات – والإنتقاء رأى ! – كما قمت بالدراسات التفصيلية لما كتبه الأستاذ / نجيب محفوظ وهى مرتبة تاريخيا حسب سنوات النشر وليس تاريخ الكتابة .


أولا : مرحلة الإنتاج الحر ( من حوالى 1932- 1952 )

وهى مرحلة الشباب وعنفوان النضج المبكر فى بيئة ثورية حرة تنادى بإستقلال الوطن وراء قيادة تاريخية لزعماء أسطوريين ، سعد زغلول ومعاصريه ، وهى بيئة كانت ميدانا تتلاطم فيه أمواج الأفكار بين أساتذة كبار من الشيوخ المتنورين والمستشرقين الأجانب و المبتعثين العائدين من أوروبا يحملون الأفكار الإقتصادية الثورية ومثاليات العدالة الإجتماعية والحرية السياسية وأصالة الإكتشافات العلمية التى كانت سببا لتغيير معايير القوة والسرعة والمسافة والزمن ، بالقنابل الذرية والطائرات والصواريخ وموجات الراديو . وفى إنتاجه خلال تلك المرحلة قال نجيب محفوظ كل ما يريد قوله صريحا واضحا بلا خوف من رقابة أو من إرهاب أو قهر فكرى .. بل وكان أول من أشاد بأعماله ، وقرظها وألقى الضوء عليها ، المفكر الكبيرالأستاذ / سيد قطب صاحب كتاب " فى ظلال القرآن " . وهو الكتاب الذى أعتبرته الثورة محرضا على قلب نظام الحكم بسبب ماجاء فيه من إستدلالات على الأسلوب السلفى فى الإعداد للدعوة الجديدة ومن ثم نقل السلطة بالقوة وبسببه تم إعدام مؤلفه .

ولأنه " لا يعرف الشوق إلا من يكابده " فقد كان الأستاذ الروائى الرائد / يحى حقى أصدق من كتب فى توصيف هذه المرحلة من إنتاج نجيب محفوظ فى مقالة بعنوان " الإستاتيكية والديناميكية فى أدب نجيب محفوظ " التى أعاد نشرها الأستاذ فاضل الأسود فى كتابه " الرجل والقمة " . يقول الأستاذ يحى حقى :-

.. " وقد تبين لى من البحث عن ملامح المؤلف من خلال الأثر أن الفنانين ينقسمون من حيث المزاج – فيما أزعم – إلى نمطين رئيسين تجدهما فى جميع المذاهب : النمط الديناميكى الذى تعكس أعماله وهج معركة ، والنمط الإستاتيكى الناجى من خوض المعارك ، عدته التأمل بلا انفعال أو ثورة ، فهو يضع حجرا على حجر بصبر ، كأنه مهندس معمارى ." .. ويقول .. " وليست ضربة لازب أن يكون الانضمام الى نمط هو إملاء مزاج المؤلف ، بل قد يكون من إملاء الموضوع الذى يعالجه – ولهذا لا يمتنع تحول الفنان الواحد من نمط الى نمط فنجيب محفوظ فى " اللص والكلاب " ديناميكى بعد أن كان فى أعماله السابقة من النمط الاستاتيكى . ونجيب محفوظ – حفظه الله لنا – أصلح شاهد على الفروق بين خصائص النمطين : فنحن نجد الإثنين عنده وهو فى النمطين قد بلغ حد الكمال فى التعبير الفنى . "

المختارات

1- مقالة بعنوان " فكرة الله عند الفلاسفة " ( 1936 مجلة المجلة الجديدة ) وفى ذلك المقال المبكر إستعرض نجيب محفوظ آراء علماء الإجتماع المحدثين والمتصوفة والفلاسفة الغربيين ثم خلص إلى :

ص 34 .. " الله الذى تعرفنا به الكتب المقدسة فوق كل برهان أو دليل ولا حيلة للإنسان فى الإيمان به أو الإنكار له ولكن يبقى لنا إيماننا الطبيعى الذى به نقدس ( ونفيد؟ ) كل جليل وجميل فى النفس والكون . " .. وائل غالى ، مجلة القاهرة العدد 144 نوفمبر 1994 .

2- همس الجنون ( مجموعة 1938 ) مكتبة مصر

هذه أول مجموعة قصصية منشورة للأستاذ نجيب محفوظ وتضم 28 أقصوصة ، أطولها آخرها " صوت من العالم الآخر " فهى مونولوج فى ثلاث فصول إستغرقت 13 صفحة وأقصرها ماقبل الأخيرة " فلفل " فى أقل من ثلاث صفحات . وقدم الأستاذ - منذ ذلك الوقت المبكر - منهجه الفكرى الذى إتبعه طوال حياته بكل أمانة وصدق ، بل وقدم فى تلك المجموعة الأفكار الأولية ( أو النغمات الرئيسية ) التى إختصرها ثم بسطها ثم كورها ثم دار من حولها ثم إقتحمها فى قصصه ورواياته التى كتبها فيما بعد ذلك . ففكرة كل أقصوصة من المجموعة تمثل " قضية " دارت من حولها رواية أو روايات بعد ذلك ، بل وشهدت تلك الأقاصيص أيضا البذور الأولى لأساليبه الفنية الأدبية المختلفة بدءا من أسلوب السرد ، إلى الحوار ، إلى الرؤية مختلفة الزوايا ، أوتبادل المواقع بين الفاعل والمفعول به حسب ظروف المكان وتبدل الزمان .


فى القصة الأولى " همس الجنون " وفى السطر الأول يضعنا الأستاذ أمام السؤال ما الجنون ؟ ؟ ويضعنا أمام الإجابة .. " إنه فيما يبدو حالة غامضة كالحياة وكالموت ، تستطيع أن تعرف الشىء الكثير عنها إذا نظرت إليها من الخارج ، أما الباطن ، أما الجوهر ، فسر مغلق ." . ويضعنا الأستاذ أمام خيار صعب للإنسان بين حرية الإنطلاق بالعقل فى البحث عن الأسباب مهما كان رد فعل الآخرون عما يتحصل من النتائج حتى ولو كان ما يسمونه " بالجنون " .. لندرك أن الحرية المطلقة وهم ذهنى .. أو جنون بحت لأنها إنطلاق بلا رابط أو منهج .


فى القصة الثانية " الزيف " جنون من نوع مختلف .. إنه النقيض عندما تقع النفس فى أسر جنون الزيف بين الطموحات والقدرات المحدودة للذات .. " وا أسفاه ، ذاق حلاوة الفوز ومرارة الهزيمة فى لحظة واحدة ، .. " .


فى القصة الثالثة " الشريدة " فى هذه القصة يضعنا الأستاذ أمام سؤال آخر عن حرية هوى الجسد.. ص 42 .. " وهكذا فالحرية نفسها تهون وترخص أحيانا وتعى فى طلب المستبد الغاصب ." وص 43 .. " وما أضيع الفلسفة التى تعب أصحابها فى الدعوة إلى القسوة وتحقيق تنازع البقاء ، فهى فى الحق تحصيل حاصل وجهد ما كان أحرى باذليه بالضن به .".


فى القصة الرابعة " خيانة فى رسائل " .. الحقيقة ثابتة ولكن إختلاف المواقع وزوايا الرؤية يجعلها متغيرة حسب هوى النفس .. ترنيمة عزفها الأستاذ كثيرا جدا فيما بعد .


فى القصة الخامسة " من مذكرات شاب " .. الغاية والوسيلة ورضا النفس .. ثم الحكمة ص .. 67 " السعيد من راض نفسه على الواقع والتمس أسباب الرضا والقناعة حيثما كان !." .

فى القصة السادسة " الهذيان " .. الحقيقة الثابتة مرة ثانية وكيف يتغير الوضع من السعادة .. إلى التعاسة .. إلى القنوط .. إلى الموت .. بمعرفتها .


فى القصة السابعة " [يقظة المومياء] " .. الإنحياز إلى الفقراء من أمثال الفلاح المصرى ( السارق ) الذى تقمصته شخصية مومياء القائد حور ضد ظالمه الباشا ( صاحب القصر التركى الأصل ) الذى تخاطبه المومياء ص 91 " – ما الذى دهاك ؟ ما الذى دهى الأرض فجعل أعزتها أذلة وأذلتها أعزة ، وخفض السادة عبيدا ورفع العبيد سادة ؟ كيف تملك أيها العبد هذا القصر ويعمل أبنائى فيه خدما ؟ أين التقاليد المتوارثة ؟ والقوانين المقدسة ؟ ما هذا العبث ؟ .".

	+	
	+	

فى القصة الثامنة " كيدهن " قضايا الجنس والإشباع والإرواء والتكافؤ وحرص الرجال وكيد النساء تلخصها القصة فى سطورها الأخيرة .. ص 105 " حقا إنه يستحق الرثاء ، وسيكون أحق بالرثاء فى مستقبله حين يخلى يده منها – وهو ما صدقت نيته عليه – فكيف تكون حياته بلا زوجة ؟ وكيف تكون حياة أبنائه بلا أم ؟ وهل تزوج يوم تزوج إلا إشفاقا من أن يلحقه الكبر وهو وحيد فيعانى مرارة الشيخوخة ووحشة الوحدة .. " .

فى القصة التاسعة " روض الفرج " .. والقصة درس فنى قاس فى جدوى الإلتزام بالشرعية والطهارة حين يجد شاب نفسه أمام أمه فى بيت رزيلة ( وهو لا يدرى ولكنها تدرى ) فترده قائلة : - ص 120 " .. أنت الذى أخطأت فهمى ... نعم إنى لا أنكر أنى ذكرت فى حديثى معك الحب ولكنه حبا بريئا كحب أمك مثلا . " ويرد عليها :- لاتشبهى نفسك الآثمة بأمى الطاهرة فتقلقى رقدتها الآمنة أيتها العاهرة ... ولم يشف غليله فلطمها على وجهها – فى غيبوبة الغضب – وبصق عليها " ...

ثم فى ص 121 .." ومضت الأيام تلو الأيام وانتظر على رجاء أن يمحو الزمن من نفسه تلك الذكرى المؤلمة . وكان يجد فى أعماقه عاطفة غريبة لم يعترف بها قط وطالما غالط نفسه فيها ، ولكن ربما غلبته على أمره أحيانا فيتنهد حزنا ويقول لنفسه آسفا محسورا ( ليتنى لم أمدد يدى بسوء ) ! " .


فى القصة العاشرة "هذا القرن " .. وهذه القصة درس فنى آخر فى حقيقة أن .. " لا يستقيم الظل والأصل أعوج " .. فالأب الباشا والأم الهانم .. سكيران يعودان إلى بيتهما ليجدا إبنتهما تستقبل شابا فى حجرتها طوال غيبتهما .. والبقية فى الخلاصة الهزلية ص 139 .." معلهش ياحسن . فالحق أن الباشا لم يعرف يربى غير شنبه ."


فى القصة الحادية عشر " الجوع " .. يؤكد الأستاذ فى هذه القصة إنحيازه المبكر للعدالة الإجتماعية حيث يبتكر لقاء بين جائع مقطوع اليد مظلوم فقير وبين إبن ظالمه الشاب السكير المقامر ليخلص فى النهاية إلى أن يتساءل الشاب : .. ص 147 " ترى كم من الأسر التى يشقى بها أمثال إبراهيم حنفى يمكن أن تسعدها النقود التى أخسرها كل ليلة فى النادى ؟! " .


فى القصة الثانية عشر " بذلة الأسير " .. وهذه القصة نموذج لبذرة التراجيديا فى إنتاج الأستاذ فيما بعد .. فما ظنه بائع السجائر العارى المستور بأسمال ممزقة على رصيف قطار الأسرى " يوم سعده " بتبادل السجائر نظير بذلة الأسير التى لبسها فوق أسماله كان فى حقيقتة " يوم مصرعه " لظن الحارس أنه أسير حرب هارب ! ؟ .

فى القصة الثالثة عشر " نحن رجال " وهذه القصة نموذج آخر للتراجيديا الناتجة عن المفهوم الخاطىء لمعنى الرجولة فى أوساط الجهال ففى قمة النشوة التى يصلها بإختياره عن طريق تخدير البدن والعقل معا .. تنتظره الراحة الأبدية فى الموت .. ص 161 " وراح جعدة فى نوم عميق كما قدر المعلم بيومى ، ولكن حدث ما لم يقدر أحد من السكارى ولا دار بخلد ، إنفجر شريان ونزف دمه وتسللت الحياة من جسمه نقطة فنقطة حتى تركته جثة هامدة ، فنام نوما عميقا لا يقظة بعده ولا إفاقة ، وكان ذلك قبيل إنبثاق الفجر وقد تصايحت الديكة ، فاختلط صياحها بهتاف الهاتفين وإنشاد المنشدين ... " .


فى القصة الرابعة عشر " الشر المعبود " .. يقدم الأستاذ فى هذه القصة تلخيصا وافيا لمنهجه ونظرته للتوازن الحاكم بين الخير المطلق والخير النسبى وأنواع الشرور بين الناس فى الحياة . كما يقدم فيها نظريته الأولى فى طلب الخير للجميع من خلال العمل بإيمان دون الإنتظار لأجر أو جاه أو مجد على أساس الجمال والإعتدال . ولعل هذه القصة التى لم تتجاوز الصفحات السبع كانت الإرهاصة الأولى لأجمل أعمال نجيب محفوظ " أولاد حارتنا وما بعدها " كما وردت فى المقتطفات المستفيضة منها بالمقدمة .


فى القصة الخامسة عشر " الورقة المهلكة " .. تمثل هذه القصة نموذج لتجارب الأستاذ العلمية التى يجريها على النفس البشرية من خلال " فعل " وهو عطاء مالى ضخم بمعايير المكان والبيئة المحيطة به ، ثم تتبع " ردود ذلك الفعل المسرف " مع مسيرة الزمن ويلخصها البطل فى نهاية القصة بقوله : ص 182 .. " وكان يتذكر تلك الليلة السعيدة حين غلبته نشوة الفرح فغمر بفيضه بعض القلوب ، ويتعجب ! كان ليلتها سعيدا فرحا ينشد السعادة للجميع ، فكيف انقلب غرضه عليه ؟ .. كيف خانه الهدف فدمر مدينة وشرد أهلها ؟ وا أسفاه !. " .


فى القصة السادسة عشر " ثمن السعادة " .. تقدم هذه القصة تجربة أخرى عن قيمة السعادة وثمنها الذى ( قد ) يصل إلى التضحية بقيمة الشرف ! أو كما قال الطرف الآخر لبطل القصة : ص 190 .. " أيها الشاب .. إياك والسخرية من الناس أو الهزء بالبؤساء ، فأنت تجهل الدور الذى تعده لك الأقدار غدا . واذكر أن أغرب تصرفات الإنسان لا تعوزها أسباب تبررها : فصن لسانك عن الأذى وحاول ما استطعت أن تتعظ بما يصادفك من العبر – كتب الله لك حظا سعيدا .. " .


فى القصة السابعة عشر " حلم ساعة " وهذه تجربة علمية أخرى عن .. " أثر الصدفة والوهم على تفاعلات النفس الإنسانية مع مشاعر الحب والسعادة والأمل والإحباط " .. وهى تجارب كررها بعد ذلك كثيرا فى قصصه ورواياته عندما تتلاقى بالتقاطع خطوط سير الأبطال - فى لحظة ما – ثم يتعاود الإبتعاد كل فى طريق .. وتكون الخاتمة : ص 198 .." وهبط السلم فى خطى بطيئة جدا ، وكان يتوقف كل درجتين ويتأمل فيما أمامه بعينين لاتريان شيئا ، وعلت شفتيه الشاحبتين ابتسامة هازئة مريرة ، وقد بدا له كل شىء كريها كئيبا تعافه النفس ."


فى القصة الثامنة عشر " الثمن " .. وهذه تجربة أخرى يجريها الأستاذ على نسبية القيمة المادية بل ونسبية ردود الأفعال فى مواجهة الأحداث حسب إختلاف المواقع من الحدث وآثاره .


فى القصة التاسعة عشر " نكث الأمومة " .. فى هذه القصة نموذج تكرر بعد ذلك كثيرا فى أعمال الأستاذ نجيب محفوظ عن ضعف النفس الإنسانية أمام شهوة الجسد كما سبق فى قصة " ثمن السعادة " .. ودائما لايحيق المكر السىء إلا بأهله .. بمعالجة فنية ساحرة غير مباشرة وتكون النتيجة ص 221 .. " ولبثت فى غيبوبة حينا طويلا ثم رفعت رأسها المثقل فوقع بصرها على صورتها فى المرآة فارتاعت وجفلت ، لأنه خيل إليها أنها ترى جمالها يذوى وينضب وتغشاها سيما الهرم .. " .


فى القصة العشرين " حياة للغير " هى قصة الوفاء والتمسك بالقيم العالية فى سبيل الحياة للغير .. ص 233 " من يعلم ؟ .. ليس الذى يلقى الآن بأشد قساوة مما لقى فى ماضيه ، وما بهذه بأول كارثة يمتحن بها قلبه الكبير ، وقد علمته الحياة فضيلة الصبر كما علمته حقيقة أجل : هى أنه يستطيع أن يسعد وهو يحقق السعادة للآخرين . " .


فى القصة الحادية والعشرين " مفترق الطرق " .. قصة إختلاف الحظوظ من الدنيا وكيف أن البدايات لا توحى دائما بالنهايات .. ص 241 .. " نال كل منهم نصيبه وخضع لحكم حظه وسعيه . كانت تجمع بينهم جدران واحدة ، لا يكاد يتميز وراءها إنسان إلا بجده وخلقه ، ففرقت بينهم الحياة ، فرفعت وخفضت ، وأحيت وأماتت ، وأذاقت الفقر ، ومتعت بكرسى الوزارة ، وكل بما قسم له غير راض ولا قانع ." .. ثم .. " – من الخطأ أن يفكر الإنسان فى شئون الناس ما دام هذا لايورث إلا الضيق ، وحسبى أن معاليه قال لى : اطمئن . ".


فى القصة الثانية والعشرين " إصلاح القبور " .. الحياة والموت .. الوفاء والنسيان .. الصراع داخل نفس الأرملة .. ثم حوارها مع خطيبها الجديد .. ص 249 " – ماجدوى الانتظار هذه الأشهر الأربعة ؟! ألا ترين أننا فى أواسط الصيف وأنه يحسن بنا أن نمضى شهر العسل فى رأس البر ؟ فخفضت عينيها كى لا يقرأ فيهما ما أرادت كتمانه ، وصمتت لحظات كأنها مغرقة فى تفكير عميق ثم تمتمت بصوت خافت : - ليكن ما تشاء !. " .

فى القصة الثالثة والعشرين " المرض المتبادل " .. يعود الأستاذ فى هذه القصة إلى السؤال الخالد من يكذب على من ؟ وكيف أن الحقيقة العارية مرة .. فجة .. شائنة .. ص 260 .. " ياعجبا ... فقد ذهبت جانيا آثما فإذا بى مجنى عليه . رحت أكفر عن ذنبى فإذا بى ضحية تعسة ! ماذا يمكن أن يفعل رجل فى مكانى ؟ .. نعم لقد قارفت من الذنب ما قارفت ، وسقطت فى الهاوية التى ابتلعتها فهل من المستطاع أن أسدل ستارا كثيفا على تاريخ الإثم كله ! وأن أتحمل عقاب الله الصارم فى صبر ، وأروض نفسى على العفو والصفاء ؟ .. " .


فى القصة الرابعة والعشرين " حياة مهرج " .. يقول الأستاذ من ذاك الأمد البعيد أن لاحياة تخلو من قيمة حتى حياة المهرج .. ص 268 " إن تلك الحياة العامرة بألوان اللذات والسرور والأفراح قد أختتمت بهذا الرقاد الأليم . وإن النور والغبطة والرفقاء قد تفانوا فى هذه الظلمة الموحشة . وانتهى كل شىء كما ينتهى الحلم الحلو وانتهى فى لحظة قصيرة كأنه لم يدم سنين وسنين ، وجاءت الساعة الرهيبة التى يتساءل فيها الإنسان فى حسرة مريرة .. أحقا كان هذا الجسم سليما ؟ .. أحقا كان هذا القلب حيا ؟.. أحقا كانت الدنيا حلوة سعيدة لذيذة الطعم ؟.. أحقا ذهب كل هذا إلى غير رجعة ؟ . " .


فى القصة الخامسة والعشرين " عبث أرستقراطى " فى طوافه بين قطاعات المجتمع المصرى فى تلك الفترة من أواخر أربعينيات القرن العشرين يعطى الأستاذ صورة إنتقادية للقيم التى كانت تسود بين أفراد مجتمعات الوفرة وما يسودها من نسبية فى القيم التى تبيح الطمع إلى ما فى أيدى الغير .. حيث يتسلل زوجان وزوجتان فى الظلام كل مع زوج الآخر - وكل على حدة فى موقف مبتكر - ليجلسا على نفس الأريكة ، لتحدث المهزلة ويستمع أحدهما الآخر يقول ص 276 " لو تعدل الدنيا .. زوجك الغبى ليس أهلا لك وزوجتى ليست أهلا لى ، ولكن ، ولكن ، ما العمل ؟! ثم يتسللا خارجين كما أتيا .. وبعد أن يحدث تبادل للسترتين اللتين خلعهما الرجلين فى الظلام دون أن يدريا .. ثم يختتم القصة بتلك المفارقة التى تعكس غفلة المخدوعين .. وخفة روح الأستاذ وعشقه للضحك سخرية بعد ماحدث فى الظلام .. " ووضح الأمر ، وعاوده القلق والحنق ، ولم يكن ثمة خوف من الفضيحة فسترات بدل السهرة متشابهة ، لكنه يشعر بحيرة شديدة ويسائل نفسه : كيف يمكن أن تتبادل السترتان ؟! " .


فى القصة السادسة والعشرين " مرض طبيب " .. مفارقة غياب ضمير الطبيب ( المعالج ) حتى يكاد الوهم أن يقتله ولكن .. ص 287 " .. وبر الشاب بوعده واعتزم أن يكون إنسانا قبل كل شىء . وعاد إلى عمله تنبض فى قلبه أشرف العواطف وأنبلها ، وكان يظن أنه سيصمد للتجارب لا ينكص على عقبيه مهما امتد به الزمن ، ولكن وا أسفاه إن إنقضاء الليل والنهار ينسى ، ومن ينغمر فى الدنيا يذهل على نفسه ، وللحياة حلبة تبتلع همسات الضمير . فقد أخذ يتناسى محنته ودعاءه ووعده حتى نسى ولم يعد يذكر إلا عمله ومستقبله وآماله وأطماعه ، ثم إرتد إلى ما كان عليه ، .." .


فى القصة السابعة والعشرين " فلفل" فى هذه القصة قال الأستاذ على قهوة السعادة ما أعاد قوله بعد ذلك على قهوة قشتمر بالتفصيل والتحليل رغم إختلاف الظروف والأبطال ولكنها نفس الصورة النقدية للمجتمع ومابين طبقاته من شكوك أوإتهامات ..


فى القصة الأخيرة " صوت من العالم الآخر " .. هى مونولوج طويل من ثلاث فصول يحكى المصرى القديم " توتى " قصة حياته ولكن فى مزيج بديع بين بذور القضايا التى ستصبح محور فكرالأستاذ ومنهجه ومنها العلاقة بين الروح والجسد ومنها الحيرة بين الأرباب آتون وآمون و رع ؟ ثم فى هذه المناجاة الصوفية التى أصبحت من الأساليب المحببة دائما لنجيب محفوظ .. ص305 " رأيت ذاك الظلام الساكن يشع نورا شاملا ؛ فإن الأنوار الخافتة المتهافتة التى تخفق فى كل مخ – على حدة – ضعيفة خابية ، اتصلت فى المجموع الملتحم المتماسك ولاحت نورا قويا باهرا . رأيت فى لمعتها حقا باهرا وخيرا صافيا وجمالا متألقا فازددت دهشة وحيرة . رباه لشد ما تعانى الروح وتتعذب ولكنها تبدع وتخلق على رغم كل شىء . رباه لقد رأى توتى أمورا جليلة وليرين أمورا أجل وأخطر . وأيقنت أن ذلك النور الذى بهرنى إن هو إلا نقطة من السماء التى سأعرج إليها . وغضضت البصر ووليت الدنيا ظهرى فوجدت نفسى فى حجرة التحنيط المقدسة ، وقد ملأ روحى سرور إلهى لا يوصف .. " . ذلك النور القوى الباهر هو جماع الحضارة الإنسانية .


3- عبث الأقدار ( 1939 مطبعة المجلة الجديدة )

وفى هذا العمل المبكر قدم نجيب محفوظ الإرهاصة الأولى لتأكيد العلاقة بين القوة المادية للعقل .. وتحولات تلك القوة إلى طاقات الفكرالروحية للإنسان ..


ص 4 .. " فوضع ميرابو يده على جبهته وقال بأدب جم : - هاهنا يا صاحب السمو الملكى يسكن عقل عجيب ، دائب على الثورة ، نزاع إلى الكمال ، خلاق للمثل العليا ، وقد أبدع لى بعد جهد جهيد خيالا جبارا أنا باذل روحى لتجسيمه وتحقيقه .. " .


وقوله فى ص 15 .. " أيها السادة ، لو كان القدر كما تقولون لسخف معنى الخلق ، وإندثرت حكمة الحياة ، وهانت كرامة الإنسان ، وساوى الإجتهاد الإقتدار ، والعمل الكسل ، واليقظة النوم ، والقوة الضعف ، والثورة الخنوع ، كلا أيها السادة ، إن القدر إعتقاد فاسد لا يخلق بالأقوياء التسليم به . "


وقوله فى ص 48 .. " إن الزمان يتقدم غير ملتفت إلى الوراء وينزل – كلما تقدم – قضاءه بالخلائق وينفذ فيها مشيئته التى تهوى التغيير والتبديل لأنه ملهاته الوحيدة التى يستعين بها على ملل الخلود ، فمنها ما يبلى ومنها ما يتجدد ، ومنها ما يموت ومنها ما يحى ، ومنها ما يبتسم شبابه ومنها ما يرد إلى أرذل العمر ، ومنها ما يهتف للجمال والعرفان ومنها ما يتأوه لدبيب اليأس والفناء .. " .

4- مقال نشر بالرسالة عام 1945

( الأستاذ أحمد الشهاوى مجلة نصف الدنيا العدد 572 فى 28 يناير 2001 )

.. " لقد ساد الشعر فى عصر الفطرة والأساطير ، أما هذا العصر ، فهو عصر العلم والصناعة والحقائق ويحتاج حتما إلى فن جديد قادرعلى التوفيق بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنانه القديم إلى الخيال ، وقد وجد العصر بغيته فى القصة ، فإذا تأخر الشعر عنها فى الإنتشار ، فليس لأنه الأرقى من حيث الزمن ، ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التى تجعله مواتيا للعصر ، فالقصة على هذا الرأى هى شعر الدنيا الحديثة ."


5- القاهرة الجديدة ( 1945 مكتبة مصر )

	+	

وقد تخلى فيها نجيب محفوظ عن الرداء المصرى التاريخى القديم ليقدم فى مناخ معاصر لتاريخ كتابتها بين طلبة فى الجامعة ، حوارا فكريا بحتا بين أربعة طلاب : أولهم يمثل الإيمان بالدين والخلق والفضيلة كطريق للخلاص والثانى يمثل الإيمان بالمجتمع والعدالة الإجتماعية ، والصراع العملى لتحقيق الفضيلة الإجتماعية والشخصية من هذا الطريق والثالث يمثل الإيمان بالذات ، وعبادة المنفعة ، وتسخير المبادىء والمثل والأفكار جميعا لخدمة هذا الإله الجديد ! أما الرابع فيقف موقف المتفرج الذى يرقب هذا وذاك وذلك لمجرد التسجيل والنظر والمشاهدة ..

 ‍‍‍‍

ص 8/9 .. " فقال على طه مخاطبا مأمون رضوان : - نحن متفقان على ضرورة المبادىء للإنسان ، هى البوصلة التى تهتدى بها السفينة وسط المحيط . فقال محجوب عبد الدايم بهدوء ورزانة : - طظ .. ( يعنى : لا شىء ) ولكن على طه لم يلق إليه بالا وإستدرك مخاطبا مأمون : - بيد أننا مختلفان فى ماهية المبادىء .. فقال أحمد بدير وهو يهز كتفيه : - كالعادة دائما .. فقال مأمون وقد تألقت عيناه بنور خاطف شأنه عند الإهتمام : - حسبنا المبادىء التى أنشأها الله عز وجل .. فقال محجوب عبد الدايم كالمتعجب : - لشد ما يدهشنى أن يؤمن إنسان مثلك بالأساطير .. فإستطرد على طه قائلا : - أومن بالمجتمع – الخلية الحية للإنسانية ، فلنرع مبادئه ، على شرط ألا نقدسها لأنه ينبغى أن تتجدد جيلا بعد جيل بالعلماء والمربين . فسأله أحمد بدير : - ماذا يحتاج جيلنا من مبادىء ؟ فقال على بحماس : - الإيمان بالعلم بدل الغيب ، والمجتمع بدل الجنة ، والإشتراكية بدل المنافسة .. فعلق محجوب عبد الدايم على كلامه قائلا : - طظ .. طظ .. طظ ... " ...

وفى موقع آخر يقول محجوب أيضا .. " إن أسرتى لن تورثنى شيئا أسعد به فلا يجوز أن أرث عنها ما أشقى به " .. ..

وفى موقع آخر يقول أيضا : إن أصدق معادلة فى الدنيا هى الدين + العلم + الفلسفة + الأخلاق = طظ .. ..

ويقول .." الحرية المطلقة .. طظ المطلقة .. ليكن لى أسوة حسنة فى إبليس .. الرمز الكامل للكمال المطلق .. هو التمرد الحق والكبرياء الحق ، والطموح الحق ، والثورة على جميع المبادىء " .


ص 46 .. " .. الوزراء يعينون الوكلاء من الأقارب ، الوكلاء يختارون المديرين من الأقارب . حتى الخدم يختارون من خدم البيوت الكبيرة فالحكومة أسرة واحدة ، أو طبقة واحدة متعددة الأسر . وهى حقيقة بأن تضحى مصلحة الشعب إذا تعارضت مع مصلحتها .. " .

ص 86 .. على لسان محجوب " كيف يموت جوعا كافر بالضمير والعفة والدين والوطنية والفضيلة جميعا ؟ .. وهل جاع فى هذه الدنيا أحد ممن يتصفون بالرذيلة ؟ بل هل كانت الشكوى إلا من أنهم يستأثرون بكل طيب فى الحياة ؟ .." .


6- خان الخليلى ( 1946 مكتبة مصر )

وهى رواية ( مونولوج ) لنفس مريضة تقدم نموذجا للصراع بين الحب ( = الحياة ) والقنوط ( = الموت ) أو بين النشوة المتراوحة بين الألم واللذة أوذلك العشق بين الفراشة والنور .


ص 39 /40 .." وشغل بأحزانه وتبعاته وعزلته عن الحياة فكأنما رمى بقلبه الذى لبث طوال أربعة أعوام كقيثارة دائمة الترنيم إلى بئر آسنة فإختنق وأنتن . عاش بلا أمل ، بلا حبيب ، وبلا قلب ، لا يأنس بالحياة ولا يدرك معنى أفراحها ، فدفعه القنوط من النجاح إلى العزلة ، ودفعه القنوط من الحب إلى البغاء وكأنه لم يكفه ما إعتنق من سوء ظن بالمرأة فألقى به سوء حظه بين يدى الأنوثة التعسة المشوهة ليزداد إيمانا بعقيدته المريضة . فأقنع نفسه – بسوء نية – بأن المرأة الحقيقية هى البغى : فهى المرأة الحقيقية وقد جلت عن وجهها قناع الرياء ، فلم تعد تشعر بضرورة إدعاء الحب والوفاء والطهر . على أن البغى قد نالت من نفسه أكثر من ذلك فقد أودت بالبقية الباقية من ثقته بجدارته كرجل ، إذ أنه إعتقد أن البغى إذا أحبت رجلا فإنما تحبه لما يجذبها فيه من فحولته وجاذبيته الطبيعية بصرف النظر عن إعتبار القيم الإجتماعية وظروف القربى والجوار . "


الحلم .. .. " حلم أحمد حلما غريبا . وكان قد نام بعد جهد ناصب من عذاب الفكر ، فرأى فيما يرى النائم أنه جالس على فراشه مرسلا الطرف من نافذته إلى شرفة نوال فى إشفاق ورجاء ، فما يدرى إلا ورشدى يقعد على كرسى بينه وبين النافذة مبتسما إبتسامته اللطيفة ، فشعر بإستحياء وحول ناظريه عن الشرفة إلى وجه أخيه . وأراد رشدى أن يسرى عنه بتظاهره بأنه لم يفطن لشىء فلم يفلح ، ثم رآه ينتفخ رويدا رويدا حتى صار ككرة ضخمة فأنسته الدهشة ما كان فيه من إستحياء ، ثم أخذ منه العجب كل مأخذ حتى لم يتمالك نفسه من الصراخ إذ رأى شقيقه – وهو كالكرة الضخمة – يرتفع ببطء طائرا كأنما يلتمس سبيلا إلى الفضاء خلال النافذة ، ولكن النافذة ضاقت عنه فإنحشر بين جانبيها وحجب عن عينيه النور ، وزايلته الدهشة وحل محلها الرعب ولكن الفتى ، جعل يضحك منه كالساخر بصوت مزعج أثار أعصابه فتولاه الغضب ، وظن الشاب يسخر منه بخدعة فنهره ولكنه لم يعبأ به وإستمرفى ضحكه الساخر ، ففزع أحمد إلى مكتبه وأتى بريشته وغرسها فى بطنه فإنقصفت فيها ، وإندفع من البطن بخار ملأ الحجرة بالغبار وأخذ جسم الفتى يتقلص بسرعة حتى عاد إلى حجمه الطبيعى ثم سقط عند قدميه وجعل يتلوى بعنف ، ويعض من الألم قوائم الكرسى ويصرخ صراخا موجعا ويسعل حتى تجحظ عيناه ويسيل من محجريهما الدم ، وهلع فؤاد أحمد وأطبق عليه رعب يفنى ويميت ، ثم إستيقظ عند ذاك ، وأدرك أنه كان يحلم ، وما كاد يفيق من هول الرؤيا حتى بلغ مسمعيه صوت كالأنين يأتيه من عقب بابه المغلق ، فأرهف السمع فتبين له أنه صوت أخيه : وأنه حقا يتأوه ويتوجع ، فقفز من فراشه ومضى فى عجل إلى حجرته ." .

ص 191 .. " أطرق أحمد ولاحت فى عينيه نظرة حزن عميق ، وإستسلام للقدر واليأس .. سيتولى – هو – أمر زواج الشاب ، فلا مناص من أن يحيك كفنه بيديه . وفى ذلك ما فيه من ضروب الألم . وفيه كذلك ما فيه من ألوان اللذة والعزاء . لن يخلو على الأقل من تلك اللذة الغامضة التى تؤلف بين الفراشة والنور . وفيه لذة الإستسلام إلى القضاء القهار ، وفيه لذة التكفير عن مشاعره الباطنية التى لم يرتح إليها ، وفيه أخيرا لذة لكبريائه الجريح ..".

.. .. "إن الرقاد والإستسلام والرضا خير ما تجود به الدنيا .."

.. .. " وهكذا تسير قافلة الأحياء لا تلوى على شىء كأنها لم تفقد بالأمس القريب من كان يحل منها بالمكان المرموق .. حياة صماء قاسية كالتراب ولكنها تنبت الأمل كما ينبت التراب الزهرة اليانعة . حزن أحمد حزنا شديدا ، ولكن لم يكن من الأمل مفر " .

7- زقاق المدق ( 1947 مكتبة مصر )

وهو العمل الذى يقدم أطوارالنفس فى بأسها ويأسها وسعدها من خلال نماذج غريبة وشاذة ، قد تكون نادرة ولكنها موجودة .. بهدف توضيح العلاقة الطردية بين قوة الروح ( الطاقة ) وتحولاتها أمام شهوات البدن ( المادة ) .. ..

ص 11 .. " ذاق مرارة الخيبة حتى أترع قلبه باليأس أو كاد ، وتجرع غصص الألم حتى تخايل لعينيه شبح الجزع والبرم ، وإنطوى على نفسه طويلا فى ظلمة غاشية . ومن دجنة الأحزان أخرجه الإيمان إلى نور الحب ، فلم يعد يعرف قلبه كربا ولا هما . إنقلب حبا شاملا وخيرا عميما وصبرا جميلا . وطأ أحزان الدنيا بنعليه وطار بقلبه إلى السماء ، وأفرع حبه على الناس جميعا وكان كلما نكد الزمان عنتا إزداد صبرا وحبا .. .. " . وفى نفس الصفحة .." وكان وجهه صورة من نفسه ، فهو الجمال الجليل فى أبهى صورة .. " .

ص 50 .. .. " فلا تقل مللت ! الملل كفر . الملل مرض يعتور الإيمان . وهل معناه إلا الضيق بالحياة ؟ ! ولكن الحياة نعمة الله سبحانه وتعالى ، فكيف لمؤمن أن يملها أو يضيق بها ! ستقول ضقت بكيت وكيت ، فأسألك من أين جاءت كيت وكيت هذه ؟ أليس من الله ذى الجلال ؟ فعالج الأمور بالحسنى ، ولا تتمرد على صنع الخالق : لكل حالة من حالات الحياة جمالها وطعمها ، بيد أن مرارة النفس الأمارة بالسوء تفسد الطعوم الشهية . صدقنى أن للألم غبطته ولليأس لذته وللموت عظته ، فكل شىء جميل وكل شىء لذيذ ! كيف نضجر وللسماء هذه الزرقة ، وللأرض هذه الخضرة ، وللورد هذا الشذا ، وللقلب هذه القدرة العجيبة على الحب ، وللروح هذه الطاقة اللانهائية على الإيمان . كيف نضجر وفى الدنيا من نحبهم ، ومن نعجب بهم ، ومن يحبوننا ، ومن يعجبون بنا . إستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تقل مللت .. " .

ص 51 .. .. " أما المصائب فلنصمد لها بالحب ، وسنقهرها به . الحب أشفى علاج . وفى مطاوى المصائب تكمن السعادة كفصوص الماس فى بطون المناجم الصخرية ، فلنلقن أنفسنا حكمة الحب . "

ص 255/256 .. .. " وإن بقلبى من مكنون الهيام ما يقصر الزمان عن بثه ، ولدى من فرص الزلفى والسعادة ما يعجز العقل عن تصوره . أرانى يا إخوان ضاربا فى شعاب مكة تاليا الآيات كما أنزلت أول مرة كأنما أسمع درسا للذات العلية ، أى سرور ! .. وأرانى ساجدا فى الروضة متخيلا الوجه الحبيب كما يتراءى فى المنام ، أى سعادة ! .. وأرانى متخشعا لقاء المقام مستغفرا فأى طمأنينة ! .. وأرانى واردا زمزم أبل جوارح الشوق بنداء الشفاعة فأى سلام ." .

وفى نفس الصفحة .. " .. والحق أن حبى الآخرة لايدفعنى إلى الزهد فى الدنيا أو التململ من الحياة ، لطالما لمستم بأنفسكم حبى الحياة والسرور بها ، كيف لا وهى من خلق الرحمن ؟ خلقها الله وملأها بالعبر والأفراح فمن شاء فليتفكر ومن شاء فليشكر ، ولذلك أحبها ، أحب ألوانها وأصواتها . وليلها ونهارها ، ومسراتها وآلامها ، وإقبالها وإدبارها ، وما يدب على ظهرها من حى أو يقيم عليه من جماد ، وهى خير خالص ، وما الشر إلا عجز مرضى عن إدراك الخير فى بعض جوانبه الخافية ، فيظن العاجز المريض بدنيا الله الظنون ، لذلك أقول لكم إن حب الحياة نصف العبادة وحب الآخرة نصفها الآخر .

8- السراب ( 1948 )

وهى الرواية التى أصطلح نقاد الأدب على تسميتها بالرواية النفسية وجعلوا منها فرعا متفردا فى دوحة نجيب محفوظ ، وأرى أنها شكل متسق تماما فى التجارب التى يجريها العالم المفكر على تحولات الطاقة فى النفس لحظات ضعفها فتنكر العلم ( العقل ) وتنكر بالتالى المثل الأعلى .. مثلها فى ذلك رواية خان الخليلى السابقة عليها فى النشر .. كما يتضح من المختارات التالية : -

ص 6/7 .. " لو كان الماضى قطعة من المكان المحسوس لوليت عنه فرارا ، ولكنه يتبعنى كظلى ، ويكون حيثما أكون ، فلا مناص من أن ألقاه وجها لوجه بعين غير مختلجة ، وقلب ثابت ، مهما يكن من أمر فالموت أهون من الخوف ومن الموت . وإنه لعمل فيه سحر، تستحيل به هذه الصحائف نفسا خالصا بغير حجاب . ولست أدعى العلم ، فما ناصبت شيئا العداء كالعلم ، وإنى لغبى كسول ، ولكنى عانيت تجارب مرة زلزلتنى زلزالا ، وليس كالتجارب كاشف عن مطاوى النفوس ، إنى لأتلهف على رفع النقاب ، وهتك الأسرار لأضع إصبعى على موطن الداء ومكمن الذكريات ومبعث الآلام ، ولعلى بذلك أتفادى نهاية محزنة ، وأنجو من آلام لاقبل لى بها ، وأتلمس فى الظلماء سبيلا .. " .

ص 7 .. " كانت أمى وحياتى شيئا واحدا ، وقد ختمت حياة أمى فى هذه الدنيا ، ولكنها لا تزال كامنة فى أعماق حياتى ، مستمرة بإستمرارها ، لا أكاد أذكر وجها من وجوه حياتى حتى يتراءى لى وجهها الجميل الحنون ، فهى دائما أبدا وراء آمالى آلامى وراء حبى وكراهيتى ، أسعدتنى فوق ما أطمع ؟ وأشقتنى فوق ما أتصور ، وكأنى لم أحب أكثر منها ، وكأنى لم أكره أكثر منها ، فهى حياتى جميعا ، وهل وراء الحب والكراهية من شىء فى حياة الإنسان ؟ ." .

ص354 .. " وتصرخ أمه فى فزع : - كامل .. رحمة بنفسك ، رحمة بى ، أنت لا تدرى ماذا تقول . – بل أدرى أكثر مما تتوقعين ، لقد عرفت فى يوم ما لا يعرفه مثلى فى جيل ، قلت لك أنها أخفت الأمر عنى وذهبت إلى والد الجنين ليجهضها فأخطأ وقتلها ..

– اللهم لطفك يا أرحم الراحمين ..

– ألا يزال أرحم الراحمين ؟ .. وداعا فلن أعبده بعد اليوم ! أما أنت فلعلك تقولين لنفسك فى سرور غريب : " لقد نالت الآثمة بعض ما تستحق من جزاء ، لقد حدثنى قلبى بذلك من أول يوم ولكنك لم تصغ إلى " .. .. "


ص 367 .. .. " لقد خلقت فى الواقع متصوفا ولكن أصلتنى نوازع الحياة . وتصورت نفسى فى طهر عجيب ، يستحم جسدى بماء عطر ، وتتسامى روحى فى صفاء ونقاء فلا مشهد أدنو إليه إلا السماء ولاخاطر ينبثق فى نفسى إلا الله ، وهذه بلابل الجنة تسجع فى أذنى ، وتلك طمأنينة السلام تقر فى قلبى ! كان خيالى نشيطا ولكنه كان غادرا فى كثير من الأحايين ، فلم يكد يصعد بى إلى ذاك المرتقى حتى يتخلى عنى بغتة فأهوى من عل ، ثم أعود إلى قلقى وخوفى القديم . .. "

9- بداية ونهاية ( 1949 ) مكتبة مصر

وفى هذا العمل يستكمل نجيب محفوظ تجاربه على أنموذج من مجموعة كاملة لتأكيد ذلك الترابط بين ضعف طاقة النفس والعقل معا وهوان المادة المتمثلة فى هوان البدن .. ..

ص 30 .. " تساءل حسنين فى فزع : - كيف نطيق هذه الحياة ؟ فإرتسمت على شفتى حسين إبتسامة حزينة .. كان يشارك أخاه حزنه وقلقه ولكنه رأى من الحكمة أن يقف منه موقف المعارضة فقال : - كما يطيقها الكثيرون . أم حسبت الناس جميعا يحظون بأب كريم ورزق موفور ؟ . ومع ذلك فهم يعيشون ولا ينتحرون .. فامتلأ حسنين غيظا وهو يحدق فى وجه أخيه وهتف به : - لشد ما يحنقنى برودك .. فقال حسنين مبتسما : - لو جاريتك فى عواطفك لركبك اليأس وأجهشت باكيا . فقال حسنين فى سخط : - إن من يستسلم للأقدار يشجعها على طغيانها ..".

ص 49 .. " ينبغى أن تكون المرآة آخر ما أحزن عليه . لن تعكس لى وجها أسر به . الخفة أنفس من الجمال ‍ هذا قولك يا أبى وحدك ، ولولاىما قلته أبدا . لا جمال ولا مال ولا أب . كان يوجد قلبان يساورهما القلق على مستقبلى ، مات أحدهما ، وشغلت الهموم الآخر . وحيدة ، وحيدة ، وحيدة ، فى يأس وألم ، ثلاثة وعشرون عاما : ما أبشع هذا . لم يأت الزوج بالأمس والدنيا دنيا قكيف يأتى اليوم أو غدا ؟ وهبه جاء راضيا بالزواج من خياطة فمن عسى أن يقوم بنفقات الزواج ؟ لماذا أفكر فى هذا : لا فائدة ، لا فائدة . سوف أظل هكذا ما حييت ".

ص 57 .. " أظن أكبر ذنب يؤخذ به فى الآخرة هو أن نترك هذه الدنيا دون أن نستمتع بحلاوتها .."

ص249 .. " ماهى إلا أسيرة للجسد والفقر ولا تدرى كيف تستنقذ نفسها منهما . جرفها التيار وجرحتها الصخور فلم تعد ترى من خير فى أن تأوى إلى الشاطىء عارية مثخنة بالجراح وبلا نصير أو رحيم .." .

ص 299 .. " هذا لعمرى منتهى البؤس .. أجل غاية البؤس أن تكون بائسا وراضيا . هو الموت نفسه . لولا الفقر لواصلت تعلمى هل فى ذلك شك ؟ .. الجاه والحظ والمهن المحترمة فى بلدنا هذا وراثية .. لست حاقدا ولكن حزين . حزين على نفسى وعلى الملايين . لست فردا ولكننى أمة مظلومة ، وهذا ما يولد فى روح المقاومة ويغرينى بنوع من السعادة لا أدرى كيف أسميه . كلا لست حاقدا ولا يائسا أيضا ، وإذا كانت فرصة التعليم العالى قد أفلتت من يدى ، فلن تفلت من يد حسنين ، وربما وجدت نفيسة الزوج المناسب . سوف ترد الروح إلى أسرتنا فنذكر أيامنا السود بالفخار .."

ص 381 .. .. " قضى على ، كنا جميعا فريسة للشقاء فما كان ينبغى لأحدنا أن يعين الشقاء على أخيه ، ماذا فعلت ؟ إنه اليأس الذى فعل ، ولكنى قضيت عليها بالعقاب الصارم . أى حق إتخذت لنفسى . أحق أنى الثائر لشرف أسرتنا ؟ إنى شر الأسرة جميعا . حقيقة يعرفها الجميع ، وإذا كانت الدنيا قبيحة فنفسى أقبح ما فيها ، ما وجدت فى نفسى يوما إلا تمنيات الدمار لمن حولى فكيف أبحث لنفسى أن أكون قاضيا وأنا رأس المجرمين ! .. لقد قضى على . ".. .. .. .. .. .. " إنى أعبث بنفسى بلا رحمة ، طالما أحببت أن أمحو الماضى ، ولكن الماضى إلتهم الحاضر ، ولم يكن الماضى المخيف إلا نفسى ، أحب الحياة إلى النهاية ، ومهما يكن من أمر ، ولكن فى طبيعتنا خطأ جوهرى لا أدريه . لقد قضى على .. "

10- بين القصرين ( كتبت قبل 1952 ونشرت عام 1957 ) مكتبة مصر

وهذا العمل هو الجزء الأول من الكتاب الكبير ( الثلاثية ) الذى ضم مشاهداته ونتائج تجاربه ( التى دونها فى الكراسة ) والتى إستنتج منها نظريته فى نشوء وتطور وإرتقاء وإنحدار الإنسان من خلال النمو النفسى والعقلى لأبطال الرواية من نواتها فى مركزها ( الأب ) وحتى فى دوائرها الداخلية ( الأبناء ) والخارجية ( الأحفاد ) .. ..

ص 17 .. .. " صلى بوجه خاشع ، وهو غير الوجه البسام المشرق الذى يلقى به أصحابه ، وغير الوجه الحازم الصارم الذى يواجه به آل بيته ، هذا وجه خافض الجناح تقطر التقوى والحب والرجاء من قسماته المتراخية التى ألانها التزلف والتودد والإستغفار ، لم يكن يصلى صلاة آلية قوامها التلاوة والقيام والسجود ، ولكن صلاة عاطفة وشعور وإحساس يؤديها بنفس الحماس الذى ينفضه على ألوان التى ينقلب فيها جميعا ، كما يعمل فيتفانى فى عمله ، ويصادق فيفرط فى مودته ، ويعشق فيذوب فى عشقه ، ويسكر فيغرق فى سكره ، مخلصا صادقا فى كل حال ، هكذا كانت الفريضة حجة روحية يطوف فيها برحاب المولى ، حتى إذا إنفتل من صلاته تربع وبسط راحتيه وراح يدعو الله أن يكلأه برعايته ويغفر له ويبارك فى ذريته وتجارته . .."

ص 182 .. .. " ثم عادت المرأة إلى مجلسها جنب أمها وما لبثتا أن قلبتا الحديث ظهرا لبطن وهما تبدآن وتعيدان وكأن فى تقابلهما جنبا لجنب ما يدعو إلى تأمل قوانين الوراثة العجيبة وقانون الزمن الصارم ، كأنهما شخص واحد وصورته المنعكسة فى مرآة الماضى وبين الأصل والصورة على الحالين ما يشير إلى الصراع الرهيب الناشب بين قوانين الوراثة التى تعمل على التشابه والبقاء من ناحية وبين قانون الزمن الذى يدفع إلى التغير والنهاية من ناحية أخرى ، ذاك الصراع الذى ينجلى عادة عن سلسلة من الهزائم تلحق تباعا بقوانين الوراثة حتى يغدو قصاراها أن تؤدى وظيفة متواضعة فى نطاق قانون الزمن الصارم . فى نطاق ذلك القانون إستحالت الأم العجوز جسما نحيلا ووجها ذابلا وعينان لا تبصران .. إلى تصورات باطنية لا تنال الحواس ، حتى لم يبق لها من بهجةالحياة إلا ما يدعونه بجمال الشيخوخة أى السمت الهادىء والوقار المكتسب الحزين والرأس المرصع بالبياض . " .

ص 200 .. .. " بمعنى آخر أنه نجح فى التوفيق بين " الحيوان " المتهالك على اللذات وبين " الإنسان " المتطلع إلى المبادىء العالية توفيقا إئتلافيا يجمعهما فى وحدة منسجمة لايطغى أحد طرفيها على الآخر ويستقل كل منهما بحياته الخاصة فى يسر وإرتياح ، كما وفق من قبل فى الجمع بين التدين والغواية فى وحدة خالية من الإحساس بالذنب والكبت معا . " .

ص 297 .. .. " لا أشكو إلا الظاهر الذى لا يعاب ! .. شكواى فى الحق منصبة على الجمال نفسه ! هو .. هو الذى مللت لحد السقم ، كاللفظ الجديد يبهرك معناه لأول مرة ثم لا تزال تردده وتستعمله حتى يستوى عندك وألفاظ مثل ( الكلب ) و ( الدودة ) و ( الدرس ) وسائر الأشياء المبتذلة ، يفقد جدته وحلاوته ، وربما نسيت معناه نفسه فغدا مجرد لفظ غريب لا معنى له ولا وجه لإستعماله ، ولعله لو عثر عليه الغير فى إنشائك أخذهم العجب لبراعتك على حين يأخذك العجب لغفلتهم ، ولا تسل عما فى ملل ( الجمال ) من فجيعة ، إذ أنه يبدو مللا بلا عذر مقبول ، وبالتالى قضاء محتوما .. فيتعذر التفادى من يأس ليس له قرار ، لا تعجب لقولى ، إنى عاذرك لأنك تنظر من بعيد ، والجمال كالسراب لا يرى إلا من بعيد .. " .

ص 316 .. .. " حياة طاهرة رفيعة ، حياة تجود بنفسها عن طيب خاطر فى سبيل شىء باهر أثمن منها وأجل ، تتعرض للموت بلا مبالاة ، وتستقبله بعناد ، وتهجم عليه بإستهانة ، وإذا أفلتت من مخالبه مرة عادت إليه كرة أخرى متنكبة عن ذكر العواقب جانبا ، شاخصة طوال الوقت إلى نور رائع عنه لا تحيد ، مدفوعة بقوة لا قبل لها بها ، مسلمة مصيرها لله وهى تشعر به محيطا بها كالهواء يغمرها من كل جانب ، هانت الحياة كوسيلة حتى لم تعد تزن ذرة ، وجلت كغاية حتى وسعت السماوات والأرض ، تآخى الموت والحياة فكانا يدا واحدة فى خدمة أمل واحد ، هذه تؤيده بالجهاد وذاك يؤيده بالفداء . " .

11- قصر الشوق ( كتبت قبل 1952 ونشرت عام 1956 ) مكتبة مصر

ركز نجيب محفوظ فى هذا الجزء الثانى من الثلاثية ، على نشوء وإرتقاء النمو الفكرى والروحى للنفس فى مواجهة شهوات البدن ومتطلباته الحسية وبها تنويعات فكرية على نفس المستوى مما ورد فى خان الخليلى وزقاق المدق والسراب .. ..

ص 22 .. " كما إرتاب فى أن تضاهى الثقافة القانونية التىنزع إليها أخوه الراحل المعرفة الإنسانية التى يتشوقها بكل قوة نفسه ، كان يتأمل من حوله بعين تتفتح على التأمل والنقد ، وذهب فى ذلك كل مذهب ، إلا أنه وقف عند عتبة أبيه لايجرؤ على أن يرفع قدما ؛ لاح الرجل لعينيه شيئا هائلا يتربع على عرشه فوق النقد !! و أيضا فى ص 22 .. " لم تكن تحلو له الصلاة إلا خاليا ؛ صلاة بالجهاد أشبه ويشترك فيها القلب والعقل والروح ، جهاد من لا يضن بجهد للفوز بالضمير الطاهر النقى ولو لاحق نفسه بالحساب تلو الحساب على الهفوة والخاطرة .. أما الدعاء فى أعقاب الصلاة فلها ، لها وحدها .. "

ص 38/39 .. " هؤلاء الناس يتحدثون عن الجمال ! ، ماذا عرفوا من كنه الجمال ؟ ، تعجبكم ألوان : بياض العاج ، وسبائك الذهب . سلونى أنا عنه ، ولن أحدثكم عن السمرة الصافية والأعين السود السواجى والقامة الهيفاء والأناقة الباريسية ، كلا ! كل أولئك جميل ، ولكنه خطوط وشكول وألوان تخضع فى النهاية للحواس والقياس . الجمال هزة فى القلب جارحة وحياة فى النفس عامرة وهيمان تسبح الروح على أثيره حتى تعانق الماوات . حدثونى عن هذا إن إستطعتم .. "

ص 49 .. " فما الذى يريد ؟ . إن فى نفسه أشواقا تحتاج إلى عناية وتأمل حتى تتضح أهدافها ، ولعله غير متوكد من أنه سيظفر بها فى مدرسة المعلمين ، وإن رجح عنده أن تكون – هذه المدرسة – أقصر سبيل إليها . أشواق تهزها مطالعات شتى لا تكاد تجمعها صفة واحدة : مقالات أدبية ، وإجتماعية ، ودين ، وملحمة عنتر ، وألف ليلة ، والحماسة ، والمنفلوطى ، ومبادىء الفلسفة . إلى أنها ربما لم تكن مقطوعة الصلة بالأحلام التى كاشفه بها ياسين قديما ، بل والأساطير التىسكبتها فى روحه أمه من قبل ذلك ... كان يحلو له أن يطلق على هذا العالم الغامض إسم " الفكر " ، وعلى نفسه إسم " المفكر " ، فيؤمن بأن حياة الفكر أسمى غاية للإنسان تتعالى بطبعها النورانى على المادة والجاه والألقاب وسائر ألوان العظمة الزائفة .. هى كذلك ‍‍ وضحت معالمها أم لم تتضح ، فاز بها فى مدرسة المعلمين أم لم تكن هذه المدرسة إلا وسيلة لها . لا يملك عقله أن يتحول عن هذه الغاية أبدا ، ولكن من الحق كذلك أن يقر بأن ثمة صلة قوية تربطها بقلبه أو بالحرى بحبه ‍ . كيف كان ذلك ؟ . ليس بين معبودته وبين القانون أو الإقتصاد من سبب ، ولكن ثمة أسباب وإن دقت وخفت بينها وبين الدين والروح والخلق والفلسفة وما شاكل ذلك من المعارفالتى يستهويه النهل من منابعها ، على نحو يشبه ما بينها وبين الغناء والموسيقى من أسرار يتشوف إليها فى هزة الطرب وأريحية النشوة . إنه يجد هذا كله فى نفسه ويؤمن به كل الإيمان ، ولكن ما عسى أن يقول لأبيه ؟ . لجأ مرة أخرى إلى المكر .. .. "

ص 52 .. وهو يصف ثقافة الفكر .. .. " إنها أكبر من أن يحاط بها ، إنها تبحث فيما تبحث عن أصل الحياة ومآلها ! .. "

وقوله ص 53 .. .. " فآمن تبعا لأقوالهم بألا عظمة حقيقية إلا فى حياة العلم والحقيقة ، وإقترنت من ثم كل مظاهر السلطان والجاه فى ذهنه بالزيف والتفاهة .. .. "

وقوله ص 56 .. .. " إنه يحلم أن يؤلف كتابا ، هذه هى الحقيقة ، أى كتاب ؟ ، لن يكون شعرا ، إذا كانت كراسة أسراره تحوى شعرا ، فمرجع ذلك إلى أن ( عايدة ) تحيل النثر شعرا لا إلى شاعرية أصيلة فيه . فالكتاب سيكون نثرا ، وسيكون مجلدا ضخما فى حجم القرآن الكريم وشكله ، وستحدق بصفحاته هوامش الشرح والتفسير كذلك ، ولكن عم يكتب ؟ ، ألم يحو القرآن كل شىء ؟ لا ينبغى أن ييأس ، ليجدن موضوعه يوما ما ، حسبه الآن أنه عرف حجم الكتاب وشكله وهوامشه ، أليس كتاب يهز الأرض خيرا من وظيفة وإن هزت الأرض ؟ ، كل المتعلمين يعرفون سقراط ، ولكن من منهم يعرف القضاة الذين حاكموه ؟! .. " .

وقوله ص 191 .. .. " الأدب متعة سامية بيد أنه لا يملأ عينى ، إن مطلبى الأول هو الحقيقة ، ما الله ، ما الإنسان ، ما الروح ، ما المادة ؟! الفلسفة هى التى تجمع كل أولئك فى وحدة منطقية مضيئة كما عرفت أخيرا ، هذا ما أروم معرفته من كل قلبى ، . . " .

وقوله ص 192 .. " لن ينقطع ما بينى وبين الأدب ، إن حب الحقيقة لا يناقض تذوق الجمال ، ولكن العمل شىء والراحة شىء آخر ، وقد عزمت على أن أجعل الفلسفة عملى والأدب راحتى .. " .

ص 308 .. " هكذا يتعذب فى الصحراء وهنالك تتبادل قبل مما عهده الناس وتنهدات تتصبب عرقا وغيبوبة تنز دما وغلالة تنحسر عن جسد فان ، كهذا العالم الفانى وآماله الخاوية وأحلامه الطائشة .. فإبك ما بدا لك على هوان الآلهة ، وليمتلىء قلبك بالمأساة . ولكن أين يمضى الشعور الباهر الرائع الذى نور قلبه أربعة أعوام ؟ . لم يكن وهما ولا صدى لوهم ؛ إنه حياة الحياة ولئن تسيطر الظروف على الجسد فأى قوة تستطيع أن تتطاول إلى الروح ، وهكذا لتبقين المعبودة معبودته ، والحب عذابه وملاذه ، والحيرة ملهاته ، حتى يقف أمام الخالق يوما يسائله عما حيره من معضلات الأمور . آه لو يطلع على ماوراء النافذة ، لو يكشف سر أسرار وجوده ؟ . "

وقوله ص 324 .. .. " إذا أراد أن يكتب بعد اليوم فعليه بالسياسة الأسبوعية حيث لا تمتد يدا أبيه الوفدى ، أما عن أمه فقد وعدها فى سره بأن يكرس حياته لنشر نور الله ، أليس هو نور الحقيقة ؟ ، بلى ، وسيكون فى تحرره من الدين أقرب إلى الله مما كان فى إيمانه به ، فما الدين الحقيقى إلا العلم ، هو مفتاح أسرار الكون وجلاله ، ولو بعث الأنبياء اليوم ما إختاروا سوى العلم رسالة لهم ، هكذا يستيقظ من حلم الأساطير ليواجه الحقيقة المجردة ، مخلفا وراءه تلك الليلة العاصفة – التى صارع فيها الجهل حتى صرعه- حدا فاصلا بين ماض خرافى وغد نورانى ، بذلك تتفتح له السبيل المؤدية إلى الله ، سبل العلم والخير والجمال ، وبذلك يودع الماضى بأحلامه الخادعة وآماله الكاذبة وآلامه البالغة .... " .

وقوله ص 329 .. " ما أجمل أن يكرس الإنسان حياته للحق والخير والجمال .. " ثم قوله فى نفس الصفحة .. " المؤمن يستمد حبه لهذه القيم من الدين ، أما الحر فيحبها لذاتها ... " .

وقوله ص 332 .. " إننا نستعدى الشمس والقمر على خط الزمان لندوره لتعود إلينا الذكريات الضائعة ، ولكن لاشىء يعود أبدا ، فذب فى الدموع أو تسل بالإبتسام . "

وقوله ص 335 .. " الحياة أعمق وأعرض من أن تنحصر فى شىء واحد ولو يكون السعادة نفسها ، اللذة ملاذى ولكن إرتقاء الجبال الوعرة سيظل مطلبى ، عايدة ذهبت فيجب أن أخلق عايدة أخرى بكل ما ترمز إليه من معان ، أو فلتذهب الحياة غير مأسوف عليه ."

وقوله ص 338 .. " لسنا متفقين فى فهم معنى اللذة ، تراها أنت لهوا وعبثا وهى عندى الجد كل الجد ، هذه النشوة الآسرة هى سر الحياة وغايتها العليا ، وما الخمر إلا بشيرها والمثال المحسوس المتاح لها ، وكما كانت الحدأة مقدمة لإختراع الطائرات ، والسمكة تمهيدا لإختراع الغواصة ، فالخمر ينبغى أن تكون رائد السعادة البشرية ، والمسألة تتلخص فى هذه الكلمة : كيف نجعل من الحياة نشوة دائمة كنشوة الخمر دون الإلتجاء إلى الخمر ؟ . لن نجد الجواب فى النضال والتعمير والقتال والسعى ؛ فكل أولئك وسائل وليست بغايات ، السعادة لن تتحقق حتى نفرغ من إستغلال الوسائل كلها لنتمكن من أن نحيا حياة عقلية روحية خالصة لا يكدرها مكدر , هذه هى السعادة التى أعطتنا الخمر مثالها ، كل عمل وسيلة إليها أما هى فليست وسيلة لشىء .. "

وقوله فى ص 342 .. " الجمال .. الجمال ! .. ما هو الجمال ؟ - تاقت نفسه هذه اللحظة إلى التطهر والإنعزال والتأمل ، وحن إلى ذكرى الحياة التى عاشها معذبا فى ظل المعبودة ، ثم بدا وكأنه آمن بقسوة الحقيقة إلى الأبد . أيجعل من الإعراض عن الحقيقة مذهبه ؟ . سار متفكرا فى طريق الحانة لا يكاد يلقى بالا إلى ثرثرة إسماعيل . إذا كانت الحقيقة قاسية فالكذب دميم ، ليست الحقيقة قاسية ولكن الإنفلات من الجهل مؤلم كالولادة ، إجر وراء الحقيقة حتى تنقطع منك الأنفاس ، إرض بالألم حتى تخلق نفسك من جديد ، هذه المعانى تحتاج إلى عمر لإستيعابها ، عمر من التعب تتخلله سويعات من الخمر .. "

ص 357 .. " ولكن لست وحدك الذى تغيرت فكرته ، الله نفسه لم يعد الله الذى عبدته قديما ، إنى أغربل صفات ذاته لأنقيها من الجبروت والإستبداد والقهر والديكتاتورية وسائر الغرائز البشرية ، ولست أدرى أين ينبغى أن أشكم الفكر ولا إن كان من الفضيلة أن أشكمه ، بل إن نفسى تحدثنى بأنى لن أقف عند حد وبأن النضال على عذابه خير من الإستكانة والنوم . قد لا يهمك هذا بقدر ما يهمك أن تعلم أنى قررت أن أضع حدا لإستبدادك ، إستبدادك الذى يغشانى كما يغشانى هذا الظلام المحيط ، والذى يؤلمنى كما يؤلمنى هذا الأرق اللعين ، أما الخمر فلن أذوقها جزاء خيانتها لى ، وا أسفاه ، إذا كانت الخمر أيضا وهما خادعا فماذا يبقى للإنسان ؟ . أقول لك أنى قررت أن أضع حدا لإستبدادك ، لا بالتحدى والعصيان فإنك أكرم على نفسى من أن أفعل بك هذا ، ولكن بالهجرة ! . " ص 368 .. " ومن النطفة مرق حيوان فالتقى ببويضة فى البوق وثقبها ، ثم إنزلقا إلى الرحم معا ، فتحولا إلى علقة ، فكسيت العلقة لحما وعظما ، ثم خرجت إلى النور والألم بين يديها يسير ، ثم بكت قبل أن تستبين معالمها ، ومضت الغرائز بها تنمو وتتبلور مستجدة على مر الأيام عقائد وآراء حتى أتخمت ، وعشقت عشقا زعمت لنفسها به نوعا من الألوهية ، ثم زلزلت فتهاوت عقائدها وإنقلبت أفكارها وخاب فلبها فردت إلى مكان أذل من التى جاءت منها أول مرة !. "

ص369 / 370 .." فإتخذ من روحه صديقا بعد أن فارقه صديق الروح . وسأل روحه : هل تؤمن بوجود الله ؟ ، فسألته بدورها لماذا لاتحاول أن تثب من نجم إلى نجم ومن كوكب إلى كوكب كما تثب من درجة إلى درجة فوق السلم ؟ . "

ص 370 .. " لا أخفى عنك أنى قد ضقت بالأساطير ذرعا ، غير أنى فى خضم الموج العاتى عثرت على صخرة مثلثة الأضلاع سأدعوها من الآن فصاعدا صخرة العلم والفلسفة والمثل الأعلى .

ص 394 .. " أريد عالما يعيش فيه الإنسان حرا بلا خوف ولا إكراه ."

12- السكرية ( كتبت قبل 1952 ونشرت عام 1957 ) مكتبة مصر

يستكمل نجيب محفوظ فى هذا الجزء الثالث من الثلاثية ، تدوين نتائج ما بدأه من تجارب على تفاعل قوى نفس الفرد - البدن والروح ، العقل والفكر - مع غيرها من قوى المجتمعة للنفوس الأخرى .

ص 85/86 .. .. " الأدب وسيلة من وسائل التحرر الكبرى ، ولكن قد يكون وسيلة للرجعية ، فإعرف سبيلك ، فمن الأزهر ودار العلوم خرجت آداب مرضية عملت أجيالا على تجميد العقل وقتل الروح ، ومهما يكن من أمر – ولا تدهش أن يصارحك بهذا الرأى رجل معدود فى الأدباء – فالعلم أساس الحياة الحديثة ، ينبغى أن ندرس العلوم وأن نتشبع بالعقلية العلمية ، الجاهل بالعلم ليس من سكان القرن العشرين ولو كان عبقريا ، وعلى الأدباء أن ينالو حظهم منه ، لم يعد العلم وقفا على العلماء ، أجل لهؤلاء التضلع والتعمق والبحث والكشف ، ولكن على كل مثقف أن يضىء نفسه بنوره وأن يعتنق مبادئه ومناهجه ويتحلى بأسلوبه ، ينبغى أن يحل العلم محل الكهانة والدين فى العالم القديم . "

وقوله ص 101 .. .. " العلم يجمع البشر فى نور أفكاره ، والفن يجمعهم فى عاطفة سامية إنسانية ، وكلاهما يطور البشرية ويدفعها إلى مستقبل أفضل .. " .. وقوله فى نفس الصفحة .. .. " لا ينبغى أن نفسر تواضع العلم بالعجز أو اليأس ، العلم سحر البشرية ونورها ومرشدها ومعجزتها ، وهو دين المستقبل .. " .. ثم قوله .. " أتستطيع أن تعيش فى وحدة مطلقة ؟ ، لابد من النجوى ، من العزاء ، من المسرة ، من الهداية ، من النور ، من الرحلة فى أنحاء المعمورة والنفس ، هذا هو الفن . .. "

وقوله ص 105 .. " من عجب أن حديث المرأة تتردد فيه كثيرا هذه النغمة الموحية بالزهد ! . وجعل يختلس إليها النظر وهو يتجرع بقية كأسه . وكانت الخمر تأخذ من نفث سحرها معه من أول كأس . ووجد نفسه يتذكر عهدا مضى أيام كان للكأس فرحة سماوية ، ما أكثر الأفراح التى ولت ، فى البدء كانت الشهوة ثورة وإنتصارا ، ثم إنقلبت مع الزمن فلسفة حمراء ، ثم أخمد نشواتها الزمن والعادة ، ولم تخل فى أحايين كثيرة من عذاب المترددين بين السماء والأرض ، وذلك قبل أن يسوى الشك بين الأرض والسماء .. "

ص 147 .. " إنتخابات مزورة ، كل شخص فى البلد يعرف بأنها مزورة ، ومع ذلك يعترف بها رسميا وتحكم بها البلاد ، ويعنى هذا أن يستقر فى ضمير الشعب أن نوابه لصوص سرقوا كراسيهم ، وأن وزراءه لصوص سرقوا بالتالى مناصبهم ، وأن سلطاته وحكومته مزيفة مزورة ، وأن السرقة والتزييف والتضليل مشروعة رسميا ، أفلا يعذر الرجل العادى إذا كفر بالمبادىء والخلق وأمن بالتزييف والإنتهازية ؟ " .

ص 181 .. " نشرب كأسين ونحلم بعالم واحد تسيطر عليه حكومة واحدة عادلة .. "

ص 205 .. " ربما كان من الخطأ أن نبحث فى هذه الدنيا عن معنى بينا أن مهمتنا الأولى أن نخلق هذا المعنى .. "

ص 229/230 .. " وشعر بسخف تهربه ، ولكن ما حيلتة وقد أحس بوجهه يسخن رغم برودة فبراير الشديدة ؟ ، وبدا له الحب على مثال غريب بعض الشىء .. كالطعام ! ، نشعر به بقوة وهو على المائدة ، ثم وهو فى المعدة ، ثم وهو فى الإمعاء على نحو ما ، ثم وهو فى الدم على نحو آخر ، حتى يستحيل خلايا ثم تتجدد الخلايا بمرور الزمن فلا يبقى منه أثر ، لكن ربما بقى منه صدى فى الأعماق هو ما نسميه بالنسيان ، وقد يعرض للإنسان ( صوت ) قديم فيدفع بهذا النسيان إلى قريب من منطقة الوعى فيسمع الصدى على وجه ما ، وإلا فما هذا الإضطراب ؟ ، أم لعله الحنين إلى عايدة لا بإعتبارها المحبوبة التى كانت – فقد إنتهى هذا إلى غير رجعة – ولكن بإعتبارها رمزا للحب الذىكثيرا ما يستوحش غيبته الطويلة ، مجرد رمز كالخربة المهجورة التى تثير ذكريات تاريخية جليلة .

ص 248 .. " قد يكون فى الإسلام إشتراكية ، ولكنها إشتراكية خيالية كالتى بشر بها توماس مور ولويس بلان وسان سيمون ، إنه يبحث عن حل للظلم الإجتماعى فى ضمير الإنسان بينا أن الحل موجود فى تطور المجتمع نفسه ، إنه لا ينظر إلى طبقات المجتمع ولكن إلى أفراده ، وليس فيه بطبيعة الحال أية فكرة عن الإشتراكية العلمية ، فضلا عن هذا كله فتعاليم الإسلام تستند إلى ميتافيزيقا أسطورية تلعب فيها الملائكة دورا خطيرا ، لا ينبغى أن نبحث عن حلول لمشكلات حاضرنا فى الماضى البعيد ، قل هذا لأخيك .. .. "

ص 280 .. " وكان الشاب شديد التحمس موفور الإستعداد كى يضع جميع ما يملك من جهد ومال وعقل فى خدمة الدعوة التى آمن بكل قلبه – على حد تعبير المرشد – بأنها دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيأة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة إقتصادية وفكرة إجتماعية . " .. .. " – تعاليم الإسلام وأحكامه شاملة تنظيم شئون الناس فى الدنيا والآخرة ، وإن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية الروحية أو العبادية دون غيرها من النواحى مخطئون فى هذا الظن ، فالإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف .. " .

ص 281 .. " حسن أن تدرسوا الماركسية ، ولكن تذكروا أنها وإن تكن ضرورة تاريخية إلا أن حتميتها ليست من نوع حتمية الظاهرات الفلكية ، إنها لن توجد إلا بإرادة البشر وجهادهم ، فواجبنا الأول ليس فى أن نتفلسف كثيرا ولكن فى أن نملأ وعى الطبقة الكادحة بمعنى الدور التاريخى الذى عليها أن تلعبه لإنقاذ نفسها والعالم جميعا . "

ص 308 .. " إن موقفا إنسانيا واحدا هو الذى جمعنا على إختلاف مشاربنا فى هذا المكان الرطب ، الأخ والشيوعى والسكير والسارق على السواء ، كلنا واحد على تفاوت فى قوة المناعة ولون الحظ .."

وقوله ص 312 .. .. " كثيرون يرون أن من الحكمة أن نتخذ من الموت ذريعة للتفكير فى الموت ، والحق أنه يجب أن نتخذ من الموت ذريعة للتفكير فى الحياة . " ثم قوله فى نفس الصفحة .. " – ربما نعم ، وربما لا ، غير أنه من المستحسن دائما أن يتأمل الإنسان ما يراود نفسه من أحلام ، على ذلك فالتصوف هروب ، كما أن الإيمان السلبى بالعلم هروب ، وإذن فلابد من عمل ، ولابد للعمل من إيمان ، والمسألة هى كيف نخلق لأنفسنا إيمانا جديرا بالحياة . "

ص 313 .. " نعم ، قال لى إن الحياة عمل وزواج وواجب إنسانى عام ، وليست هذه المناسبة للحديث عن واجب الفرد نحو مهنته أو زوجه ، أما الواجب الإنسانى العام فهو الثورة الأبدية ، وما ذلك إلا العمل الدائب على تحقيق إرادة الحياة ممثلة فى تطورها نحو المثل الأعلى .. "

ص314 .. " أتعلم ماذا قال أيضا ؟ ، قال : إنى أومن بالحياة وبالناس ، وأرى نفسى ملزما بإتباع مثلهم العليا ما دمت أعتقد أنها الحق إذ النكوص عن ذلك جبن وهروب ، كما أرى نفسى ملزما بالثورة على مثلهم ما إعتقدت أنها باطل إذ النكوص عن ذلك خيانة ، وهذا هو معنى الثورة الأبدية ! . .. .. " وقد تسأل ما الحق وما الباطل ولكن الشك نوع من الهروب كالتصوف والإيمان السلبى بالعلم ، فهل تستطيع أن تكون مدرسا مثاليا وزوجا مثاليا وثائرا أبديا ؟ ! . "

ثانيا : مرحلة التوقف عن الإنتاج لمدة خمس سنوات من 1952 – 1956:

	+	

وأسماها الأستاذ بنفسه مرحلة " جفاف الإنتاج " ، ولعلها كانت مرحلة غنية بالمشاهدة والتقييم والتحفز وإعمال الفكر، بدليل النتائج التى أعقبتها وهى كتابة واحدة من أجمل الأعمال العلمية الفنية الأدبية الإنسانية وهى رواية .." أولاد حارتنا " ثم ما تلاها من أعمال فى المرحلة الرمزية التالية .

ثالثا : مرحلة الإنتاج الرمزى :

وهى مرحلة الإنتاج الذى نشر بعد قيام الثورة ..

وفى بدايتها .. كان استخدام نجيب محفوظ للرمز بسيطا واضحا في العمل الأول ( أولاد حارتنا ) مثلما فعل في جميع إنتاجه السابق في مرحلة الإنتاج الحر ، ولكنه أضطر إلى استخدام الرمز المركب فى الأعمال التالية لتفادى الصدام مع الرقابة السياسية وتهمة التحريض وإرهاب الرجعية الدينية وتهم التكفير غيرهما من مراكز القوى . وذلك لكي يتفادى تكرار الأزمة المريرة التي نتجت عن التأويل الديني الخاطئ " كمبرر لا يناقش " وعدم الرضا عن المضمون السياسي " في الحقيقة " وكانت النتيجة النهائية منع نشر رواية " أولاد حارتنا " في مصر .

13- أولاد حارتنا ( 1959 )

المرجع نسختي الخاصة مجمعة من الحلقات اليومية المنشورة بجريدة الأهرام في عام النشر ( الحلقة الأولى فى 21/9/1959 والأخيرة فى 25/12/1959 دون توقف ) .

بعد قراءة متأنية فى تاريخ الفكر الإنسانى قام نجيب محفوظ ببلورة نظريته الكاملة فى ثبات قوى النفس ( الروح والبدن ) مع المثل الأعلى .. موضحا أن أمل البشرية الدائم هو بحثها عن توفير السعادة للجميع فى ظل الحق والعدل والخير والجمال . وظن لوهلة أن نجاح الثورة كفيل بتحقيق ذلك الحلم الجميل خاصة بعد إعلانها لمبادئها الستة الشهيرة ، التى لو صح تطبيقها لعاشت مصر فى المدينة الفاضلة منذ ذلك التاريخ .. ولكن أحبطه التطبيق الذي جاء بعيدا عن الأحلام لأن القائمين عليه بشر !! (غير كاملين) وخروجا من الإحباط قام بصياغة نظريته فى هذه الرواية . وأزعم أن الأستاذ نجيب محفوظ قد سجل فيها قراءاته لنتائج التفاعلات النشطة والهادئة التى تمت فى ساحات التاريخ البشرى على مر العصور حيثما كان يتم تبادل مواقع المتغيرات بين أطراف معادلتة القائمة على التوازن بين قوى الروح والبدن والإيمان بالمثل الأعلى أو بين العلم والدين والحياة . ومن المدهش أن جميع الآراء والرؤى التى وردت بأولاد حارتنا - التى لم تنشر فى مصر حتى الآن - سبق له كتابتها بوضوح كامل فى رواياته المنشورة - السابقة عليها - وبصفة خاصة في الثلاثية التي نالت جائزة الدولة .

ولقد تميزت أولاد حارتنا عن كل ماسبقها من أعمال بنظرة شاملة فى البحث تعتمد على التسجيل الدقيق للمتغيرات فى مراحل النشوء ثم التطور والارتقاء ( أو الاندحار ) التي تحدث عن التزاوج بين ( أو الحيود عن ) قيم الحق والعدل والحرية والعلم .. ثم تأثير ذلك كله على تحقيق الحياة المناسبة لمقام الإنسان السعيد ! . كما تميزت بإلقاء الضوء الكاشف على دور الظلم أو غيبة العدل في تعاسة الإنسان . ويظهر الأستاذ فى التتابع التاريخى للحضارة الإنسانية أن ذلك الظلم لا يحقق مكسب حقيقى للظالم ، وإن بدا كذلك مرحليا ، ويثبت عدم وجود مبرر عقلانى واحد لنقيصة الظلم التى (يتحلى !) بها (آل القوة) من "الفتوات" وممالئيهم من "النظار" ( وقد يكون ذلك السبب الأقوى لمنع نشرها في ذلك الوقت ؟ ! ) . وكان الأستاذ نجيب محفوظ - فى الحقيقة وطبقا للنص الروائى وبرغم كافة الإدعاءات والإفتراءات غير الصادقة فى شأن تأويل الصلة بين العمل الفنى وقصص الأنبياء – قد حرص على توضيح الدورالصادق والمبجل لأبطاله ( وما قد ! يرمزون إليه تاريخيا ) فى تغيير مسيرة الإنسان والصعود بالبشرية درجات تعتبر تحولا كاملا فى مسيرة التقدم إلى الذرى العالية للحضارة الإنسانية . وفيما يلى مختارات من الرواية موضحة بتاريخ يوم نشرالحلقة فى جريدة الأهرام  : -

فى تعريفه بالحارة فى الحلقة الأولى المنشورة يوم 21/ 9/ 1959 .. " هذه حكاية حارتنا ، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق ، لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذى عاصرته ، ولكنى سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم ، أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات ، يرويها كل كما يسمعها فى قهوة حيه أو كما نقلت إليه خلال الأجيال ولا سند لى فيما كتبت الا هذه المصادر . " .

ثم في تعريفه بأصل سكان الحارة .. " هذا بيت جدنا الكبير ، جميعنا من صلبه ، ونحن مستحقو أوقافه ، فلماذا نجوع وكيف نضام ؟! " .. وفى تعريف للجد .. " هو أصل حارتنا ، وحارتنا أصل مصر أم الدنيا ، عاش فيها وحده وهى خلاء خراب ، ثم إمتلكها بقوة ساعده ومنزلته عند الوالى ، كان رجلا لا يجود الزمان بمثله وفتوة تهاب الوحوش ذكره " .. وفى توضيح آخر تالى .. " كان فتوة حقا ولكنه لم يكن كالفتوات الآخرين فلم يفرض على أحد أتاوة ، ولم يستكبر فى الأرض ، وكان بالضعفاء رحيما " . ويقول فى التعريف بسكان الحارة بالعمود الرابع من الحلقة الأولى .. " وكل فرد فى حارتنا يعرف سكانها جميعا ، نساء ورجالا ومع ذلك لم تعرف حارة حدة الخصام كما عرفناها ، ولا فرق بين أبنائها النزاع كما فرق بيننا ، ونظير كل ساع إلى الخير تجد عشرة فتوات يلوحون بالنبابيت ويدعون إلى القتال ، حتى إعتاد الناس أن يشتروا السلامة بالإتاوة ، والأمن بالخضوع والمهانة ، ولاحقتهم العقوبات الصارمة لأدنى هفوة فى القول أو فى الفعل بل للخاطرة تخطر فيشى بها الوجه . ".. .. وعن نفسه يقول .. .. " وكنت أول من إتخذ من الكتابة حرفة فى حارتنا على رغم ما جره ذلك على من تحقير وسخرية ، وكانت مهمتى أن أكتب العرائض والشكاوى للمظلومين وأصحاب الحاجات وعلى كثرة المتظلمين الذين يقصدوننى فإن عملى لم يستطع أن يرفعنى عن المستوى العام للمتسولين فى حارتنا ، إلى ما إطلعنى عليه من أسرار الناس وأحزانهم حتى ضيق صدرى وأشجن قلبى . ولكن مهلا ، فإننى لا أكتب عن نفسى ولا عن متاعبى ، وما أهون متاعبى إذا قيست بمتاعب حارتنا . حارتنا العجيبة ذات الأحداث العجيبة ، كيف وجدت ؟ وماذا كان من أمرها ؟ ومن هم أولاد حارتنا ؟ .

فى ختام حكاية أدهم فى حلقة يوم 8 /10 / 1959.. .. " إمتلأت عينا أدهم بالدموع . هذا الشر الذى لا يصد عن اللهو . يقاتل ويقتل ويحظى بكل إحترام . يقسو ويستبد هازئا بالعواقب ولو ضحك ضحكة تجلجل فتملأ الآفاق . له لذة في العبث بالضعفاء . ويسمر فى المأتم . ويغنى فوق شواهد القبور . الموت يدنو منى وهو ما زال يضحك ساخرا . القتيل فى التراب والقاتل ضائع وفى كوخى بكاء على الإثنين . ضحكة الطفولة فى الحديقة إستحالت مع الأيام عبوسة غارقة فى الدمع . وفى الداخل بقية جسدى يتوجع . لماذا هذا العناء كله وأين صفو الأحلام .. أين ؟ .. " ثم قوله وهو يناجى الجبلاوى تائبا : .. " الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل .. " ويبشره الجبلاوى فى الختام بأول حلقة اليوم التالى 9/10 بقوله : - سيكون الوقف لذريتك .. فيرد : - الشكر لله .


فى حلقة يوم 20/10/ .. " يا واد يا سكرى تشرب تنجلى .. وتخش الحارة تتطوح تترمى .. وعامللى فنجرى .. وتمز بجنبرى . "


فى حلقة يوم 25/10 .. " فتفرس جبل وجهه بحنق طويلا ، ثم قال بصوت رهيب : - عين بعين والبادى أظلم ... " ... ثم ... " يالكم من جبناء أشرار ، والله ما كرهتم الفتونة الا لأنها كانت عليكم ، وما أن يأنس أحدكم فى نفسه قوة حتى يبادر إلى الظلم والعدوان ، وما للشياطين المستترة فى أعماقكم إلا الضرب بلا رحمة ولا هوادة ، فإما النظام وإما الهلاك .." .. .. ثم فى ختام حكاية جبل .. .. " هذه قصة جبل . كان أول من ثار على الظلم فى حارتنا . وأول من حظى بلقيا الواقف بعد إعتزاله . وقد بلغ من القوة درجة لم ينازعه فيها منازع . ومع ذلك تعفف عن الفتونة والبلطجة والإثراء عن سبيل الإتاوة وتجارة المخدرات ، ولبث بين آله مثالا للعدل والقوة والنظام . أجل لم يهتم بالآخرين من أبناء حارتنا . ولعله كان يضمر لهم إحتقارا وإزدراء كسائر أهله . لكنه لم يعتد على أحد منهم ولا تعرض له بسوء ، وضرب للجميع مثالا جديرا بالإحتذاء . ولولا أن آفة حارتنا النسيان ما إنتكس بها مثال طيب .. لكن آفة حارتنا النسيان . .. "


في حلقة يوم 29/10 من حكاية رفاعه .. .. " اذن عرفنا لكل عفريت دواءه ولكن ما دواء ناظر الوقف وفتواته ؟ ! . هؤلاء الأشرار يسخرون من الزار ولعله لم يخلق إلا لهم !. القتل هو الوسيلة إلى الخلاص منهم . أما العفريت فيستكين بالبخور الزكى والنغمة الطيبة . كيف يأخذ العفريت الشرير بالجميل الطيب ؟! ألا ما أجل ما نتعلمه من الزار والعفاريت ! وقال لأم بخاطرها أنه يرغب من أعماق قلبه فى تلقى أسرار الزار ، فسألته أتطمع فى المال الكثير .. ثم .. وضحكت المرأة قائلة أنه أول رجل يرغب فى هذا العمل فماذا استهواه فيه فأكد قائلا : إن أحكم ما فى عملك انك تهزمين الشر بالطيب الجميل . ولما مضت تبيح له أسرارها طاب نفسا . واعرابا عن مسرته كان يصعد إلى سطح الربع فى نشوة الفجر ليشهد يقظة النور . ولكن يستأثر البيت الكبير بلبه دون النجوم والسكون وصياح الديكة ، ويرنو إلى البيت الراقد بين الأشجار طويلا ، ثم يتساءل ، أين أنت يا جدى ؟ .. لماذا لا تظهر ولو لحظة ؟ لماذا لا تخرج ولو مرة ؟ لماذا لا تتكلم ولو كلمة ؟ ألا تدرى أن كلمة منك تغير حارتنا من حال إلى حال أم يرضيك ما يجرى بها ؟ ما أجمل الأشجار حول بيتك ! .. انى أحبها لأنك تحبها ، وانظر إليها لألتقى نظراتك المطبوعة عليها . ( ألا ما أجمل هذه الصلوات الخاشعة ) .


في حلقة يوم 31/10 .. " – عيبكم أنكم تخافون الموت أكثر مما ينبغى ، لذلك سيطر عليكم خنفس وتسلطن بيومى ، وصادر ايهاب أرزاقكم ..."


في حلقة يوم 1/11 .. يقول رفاعة "- هتفت قائلا : ياجدى ، جبل مات وخلفه كثيرون ، فمد إلينا يدك .. " .. جدى سمعنى ، وجاءنى صوته قائلا : ما أقبح أن يطالب شاب جده العجوز بالعمل ، والإبن الحبيب من يعمل .. فسألته : وما حيلتى حيال أولئك الفتوات أنا الضعيف ؟ .. فأجابنى : الضعيف هو الغبى الذى لايعرف سر قوته وأنا لا أحب الأغبياء .. " .. .. فقال رفاعة باسما : إنهم لا يقتلون إلا من يتطلع إلى الوقف ! ... ثم ... " كان أدهم ينشد الحياة الصافية الغناء ، كذلك جبل ، وهو لم يطالب بحقه فى الوقف إلا سعيا وراء الحياة الصافية الغناء ، لكن غلب عليه الظن بأن هذه الحياة لن تتيسر لأحد إلا إذا توزع الوقف على الجميع فنال كل حقه واستثمره حتى يغنيه عن الكد فتخلص له الحياة الصافية الغناء ، ولكن ما أتفه الوقف إن أمكن بلوغ هذه الحياة بدونه ، وهو أمر ممكن لمن يشاء ، وبوسعنا أن نغنى منذ الساعة ! .. ثم .. قال أنه لا يحب الغباء ، وقال أن الغبى هو الذى لا يعرف سر قوته ، وأنى آخر من يدعو إلى قتال فى سبيل الوقف ، الوقف لا شىء يا أبى ، وسعادة الحياة هى كل شىء ، ولا يحول بيننا وبين السعادة الا العفاريت الكامنة فى أعماقنا ، .. "


في حلقة يوم 5/11/ .. يقول رفاعة .. " ومذ قال الشعراء أن الجبلاوى حث جبل على أن يجعل من ربوع آل جبل بيوتا تضارع البيت الكبير فى جلاله وجماله طمح الناس إلى قوة الجبلاوى وجاهه ، وتناسوا مزاياه الأخريات ، لذلك لم يستطع جبل أن يغير النفوس بنيله حقه فى الوقف ، ولما رحل عن الدنيا انقلب الأقوياء مغتصبين والضعفاء حاقدين وأطبق الشقاء على الجميع ، أما أنا فافتح أبواب السعادة بلا وقف ولا قوة ولا جاه .."


في ختام حكاية رفاعة فى حلقة يوم 11/11/ .. بعد قتل رفاعة غيلة .. " وحظى رفاعة فى موته بما لم يكن ليحلم به فى حياته من التكريم والإجلال والحب حتى سار قصة باهرة يرددها كل لسان ، وتتغنى بها الرباب ، وبخاصة رفع الجبلاوى بجثته ودفنها فى حديقته الغناء . وقد أجمع الرفاعيين على ذلك ، كما أجمعوا على الولاء والتقديس لوالديه ، لكنهم إختلفوا فيما عدا ذلك ، فأصر كريم وحسين وزكى على أن رسالة رفاعة يجب أن تقتصر على مداواة المرضى وإحتقار الجاه والقوة ، فساروا ومن تبعهم فى الحياة لسيرته ، أما على فتمسك بكافة حقوقه فى الوقف وتزوج ودعا إلى تجديد حى رفاعة ، لم يكره الوقف لذاته ولكن ليبرهن على أن السعادة الحقة متاحة بدونه ، وليقضى على الشرور التى يستثيرها الطمع ، فإذا وزع الريع بالعدل ، ووجه للبناء والخير ، فهو الخير كل الخير . وعلى أى حال إستبشر الناس خيرا ، وإستقبلوا الحياة بوجوه مشرقة ، وقالوا بثقة وإطمئنان إن اليوم خير من الأمس ، وإن الغد خير من اليوم ، فلماذا كانت آفة حارتنا النسيان ؟! .. "


في ختام حكاية قاسم حلقة يوم 6/12.. .. " ويوما وقف قاسم أمام البيت الكبير ودعا اليه أهل الحارة رجالا ونساء من جميع الأحياء فمضوا اليه فى لهفة وتطلع وقلوبهم تخفق بشتى الخواطر . واكتظ بهم المكان واختلط جرابيعهم بآل جبل وآل رفاعة . وبدا قاسم باسما متواضعا رقيقا مهيبا معا فأشار إلى أعلى ، إلى البيت الكبير وقال : - هنا يقيم الجبلاوى ، جدنا جميعا ، لاتمييز فى الإنتساب إليه بين حى وحى ، أو فرد وفرد ، أو رجل وإمرأة .. وتهللت الوجوه فى دهشة وبشر وبخاصة وجوه الذين توقعوا أن يسمعوا مقالة رجل ملك وإنتصر . وأردف قاسم قائلا : - وحولكم وقفه ، وسيكون لكم جميعا على السواء كما وعد أدهم حين قال له : " سيكون الوقف لذريتك " ، وعلينا أن نحسن إستغلاله حتى يكفى الجميع ويفيض ، فنحيا كما تمنى أدهم أن يحيا ، فى رزق موفور وطمأنينة شاملة وسعادة صافية غناء . وتبادل الناس النظرات كأنهم فى حلم فواصل كلامه قائلا : - ذهب الناظر إلى غير رجعة ، وإختفى الفتوات ، لن يوجد فى حارتنا بعد اليوم فتوة ، لن تؤدوا إتاوة لجبار، أو تخضعوا لعربيد متوحش ، فتمضى حياتكم فى سلام ورحمة ومحبة .. وقلب عينيه فى الوجوه المستبشرة وقال : - وبيدكم أنتم ألا يعود الحال كما كان ، راقبوا ناظركم فإذا خان إعزلوه ، وإذا نزع أحدكم إلى القوة إضربوه ، وإذا إدعى فرد أو حى سيادة أدبوه ، بهذا وحده تضمنون ألا ينقلب الحال إلى ما كان ، وربنا معكم .

فى ذلك اليوم تعزى قوم عن موتاهم ، وآخرون عن هزيمتهم ، ونظر الجميع إلى الغد كأنما ينظرون إلى بزوغ البدر فى ليلة من ليالى الربيع .

ووزع قاسم الريع على الجميع بالعدل بعد الإحتفاظ بقدر للتجديد والإنشاء , أجل كان نصيب الفرد ضئيلا ولكن إحساسه بالعدل والكرامة فاق كل حد ،ومضى عهده فى تجديد وبناء وسلام . ولم تنعم حارتنا قبله بمثل ما نعمت به فى أيامه من الوحدة والألفة والسعادة ، أجل كان ثمة آحاد فى آل جبل يضمرون غير ما يظهرون ويتهامسون فيما بينهم : - " أنكون من جبل ويحكمنا جربوع من الجرابيع ؟ " ، ومثلهم وجد فى آل رفاعة . بل لم يخل الجرابيع من نفر أخذتهم العزة والزهو ، ولكن صوتا لم يرتفع لتعكير الصفو فى عهده . ورأى الجرابيع فيه طرازا من الرجال لم يوجد مثله من قبل ولن يوجد مثله من بعد ، جمع بين القوة والرقة ، والحكمة والبساطة ، والمهابة والمحبة ، والسيادة والتواضع ، والنظارة والأمانة ، وإلى ذلك كله كان بشوشا أنيقا ، وعشيرا تطيب مودته ، فضلا عن ذوقه الجميل وحبه الغناء والنكتة . لم يتغير من شأنه شىء اللهم إلا أنه توسع فى حياته الزوجية كأنما جرى فيها مجراه فى تجديد الوقف وتنميته ، فعلى حبه بدرية تزوج حسناء من آل جبل وأخرى من آل رفاعة ، وتعشق إمرأة من الجرابيع ثم تزوج منها أيضا . وقال أناس فى ذلك إنه يبحث عن شىء إفتقده مذ فقد زوجته الأولى قمر ، وقال عمه زكريا إنه يريد أن يوثق أسبابه بأحياء الحارة جميعا . لكن حارتنا لم تكن بحاجة إلى تفسير أو تعليل لما حدث ، بل الحق أنها إذا كانت أعجبت به لأخلاقه مرة فقد أعجبت به لحيويته مرات ، وإن حب النسوان فى حارتنا مقدرة يتيه بها الرجال ويزدهون ومنزلة تعدل فى درجتها الفتونة فى زمانها أو تزيد .

ومهما يكن من أمر فإن حارتنا لم تشعر قبله بالسيادة حقا ، وبأن أمرها قد آل إلى نفسها دون ناظر يستغل أو فتوة يستذل ، ولا عرفت قبله ما عرفت أيامه من الإخاء والمودة والسلام . وقال كثيرون إنه إذا كانت آفة حارتنا النسيان فقد آن لها أن تبرأ من هذه الآفة وأنها ستبرأ منها إلى الأبد .. هكذا قالوا .. هكذا قالوا يا حارتنا ." .


في ختام حلقة يوم 15/12 .. من حكاية عرفة .. " أنا عندى ما ليس عند أحد ، ولا الجبلاوى نفسه ، عندى السحر ، وهو يستطيع أن يحقق لحارتنا ما عجز عنه جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين .. "


في حلقة يوم 22/12 .. .. " لماذا نموت ياعرفة ؟ .. .. كلنا أموات أبناء أموات .. .. طال أو قصر فالنهاية هى تلك الحفرة التى تعشقها الديدان .. .. المهم أن تكون الحياة كما ينبغى .. .. لولا حسد المحرومين من حولنا لتغير مذاق الحياة فى أفواهنا .. .. الموت يكثر حيث يكثر الفقر والتعاسة وسوء الحال .. .. نحن لا ندرى عنه شيئا فلعله أن يكون كذلك ، وإذا حسنت أحوال الناس قل شره ، فإزدادت الحياة قيمة وشعر كل سعيد بضرورة مكافحته حرصا على الحياة السعيدة المتاحة .. .. بل سيجمع الناس السحرة ليتوفروا لمقاومة الموت ، بل سيعمل بالسحر كل قادر ، هنالك يهدد الموت الموت .. ..

- آه لو تنجح ياعرفه ! أى شىء تفعله لو نجحت ؟ .. فقال وكأنما أفلت منه القول ..

- أرد إلى الحياة الجبلاوى ."

( أي أعود إلى إحياء الإيمان الواجب بالمثل الأعلى .. حتى يتحقق تمام العلم وكماله ! )


في حلقة يوم 23/12 .. " إذهبى إلى عرفة الساحر وأخبريه أن جده مات وهو راض عنه ... ثم ..

ماقتل الجبلاوى أحد ! وما كان فى وسع أحد أن يقتله ... ثم ... " نحن نعرف من أين يبدأ السحر لكن لا نستطيع أن نتخيل أين ينتهى .. "


في حلقة يوم 24 /12 .. .. " الموت الذى يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجىء . لو رد إلى الحياة لصاح بكل رجل .. لاتخف .. الخوف لايمنع الموت ولكنه يمنع من الحياة . ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت .... "


في نهاية الحلقة الأخيرة المنشورة يوم 25 / 12 / 1959 .. .. " المهم أن الناس عرفوا الرجل , وما كان ينشده من سحره للحارة من حياة عجيبة كالأحلام الساحرة ، ووقعت الحقيقة من أنفسهم موقع العجب فأكبروا ذكراه ورفعوا إسمه حتى فوق أسماء جبل ورفاعة وقاسم . وقال إناس إنه لايمكن أن يكون قاتل الجبلاوى كما ظنوا ، وقال آخرون إنه رجل الحارة الأول والأخير ولو كان قاتل الجبلاوى .. وتنافسوا فيه حتى إدعاه كل حى لنفسه . "


ثم في الختام .. .. " وحدث أن أخذ بعض الشبان من حارتنا يختفون تباعا ، وقيل فى تفسير إختفائهم انهم إهتدوا إلى مكان حنش فانضموا اليه ، وأنه يعلمهم السحر إستعدادا ليوم الخلاص الموعود . وإستحوذ الخوف على الناظر ورجاله ، فبثوا العيون فى الأركان وفتشوا المساكن والدكاكين ، وفرضوا أقسى العقوبات على أتفه الهفوات . وإنهالوا بالعصى للنظرة أو النكتة أو الضحكة ، حتى باتت الحارة فى جو قاتم من الخوف والحقد والإرهاب . لكن الناس تحملوا البغى فى جلد ، ولاذوا بالصبر وإستمسكوا بالأمل ، وكانوا كلما أضر بهم العسف قالوا :

لابد للظلم من آخر ، ولليل من نهار ، ولنرين فى حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب . "


 ( وقد يكون الإلحاح فى تكرار مبدأ " الخوف لايمنع الموت ولكنه يمنع من الحياة "  بالرواية -  فى نظر السلطات الرقابية – أنه مستمد من دعوة الجهاد الإسلامى الأساسية " من يطلب الموت توهب له الحياة " .. كما أوضحها ووضع برامجها الأستاذ /  سيد قطب فى كتابه " فى ظلال القرآن " .  وقد كان – رحمه الله – أول من ألقى الضوء ولفت الأنظار إلى الموهبة الفذة للأستاذ / نجيب محفوظ ..  وربما كان ذلك – من وجهة نظرالرقباء -  سبب كاف لمنع نشر الرواية .  وتصبح قضية " أولاد حارتنا "  كأنها مهزلة .. رواية تدعو لمبادىء الجهاد .. ؟! ، يقال أن من يعاديها هم دعاة الجهاد .. ؟! . ولقد قالها الأستاذ صريحة واضحة بكل جلاء فى " حكاية بلا بداية ولا نهاية " المنشورة بعد ذلك فى عام 1971 .. ص 9/10 " كل علم فهو من عند الله .. .. ولكن العبرة بالجهاد وعليه يتوقف الطريق .. .. لكى تكون خليفة كما ينبغى لك .. .. إن علوم الدنيا لها نهاية أما جهاد الطريق فلا نهاية له .  يا للذكريات ، عرفنا ذات يوم أسماء جذابة كأرشميدس ونيوتن . وحقائق غريبة كالجزىء والحركة . ولم أتصور وقتذاك أنها ستطاردنا بعنف كالزمن . " .
	 	
	 	

وتصل الملهاة أو المهزلة إلى قمتها عندما يحاول - من قيل أنه – أحد أهل الجهاد ؟! ، قتل كاتب أولاد حارتنا ! دون ان يقرأها ؟ ( كما صرح بذلك المتهم بمحاولة قتل الأستاذ نجيب محفوظ / محمد ناجى مصطفى فى جريدة الأهرام الصادر يوم 19 / 10 / 1994 ) . والحمد لله لم يمت الأستاذ .. ولكن تتعطل يده اليمنى - أداة الكاتب الكبير فى صياغة أفكاره وآراءه بفن الكتابة الجميل – ورغم ذلك لم يكف عن القول والحكي ! فلديه لسانه وأيدي أحباؤه وحواريوه من حوله يسجلون آراءه وينشرونها ، وبمقدرة فذة ورغبة عارمة وعشق - يملأ النفس والعقل - للحياة والموت معا ! كما يصرح دائما .. عادت يده للعمل - كمعجزة أخرى - لتسجل أحلامه فى فترة النقاهة . )


وأثار نشر حلقات " أولاد حارتنا " ضجة سياسية ( وليست أدبية ! ) وتعرض نجيب محفوظ للتهديد بالمساءلة عن مضامينها الدينية !؟ ، وأثار القضية ! أحد النواب فى مجلس الأمة ! وغيره من كتبة التقارير أزمة التأويل الدينى لأبطال الرواية ورموزها مع الخلط بين المعانى والأحداث التى وردت بها مقارنة مع ما ورد بالقصص الدينى .. وكانت النتيجة الإكتفاء بمنع طبع الرواية فى مصر بدلا عن حبس كاتبها ؟! .. ولم يكتب أحد عن تلك المأساة التى تعرض لها نجيب محفوظ سوى الأستاذ / محمد حسنين هيكل ( رئيس تحرير الأهرام فى وقت النشر ) الذى أوضح كيف كان قرار الإستمرار فى نشر الرواية بالأهرام وعدم مساءلة نجيب محفوظ بقرار شخصى ! من الرئيس الراحل / جمال عبد الناصر ( يرحمه الله ) .


ولقد ترك الحدث وما صاحبه من إفتراء أسوأ الأثر فى نفس الكاتب الكبير – حتى الآن – ولعل الحوار التالى بين الدكتور مصطفى عبد الغنى ونجيب محفوظ والذى نشره فى كتابه " نجيب محفوظ الثورة والتصوف " ص 215 يوضح مدى المرارة التى مازال يشعر بها من تلك التجربة القاسية على نفسه : -

المؤلف يسأل الأستاذ : ما معنى هذا كله ؟

لم يغضب ، وإنما قال لى فى بطء شديد :

إن هذا يعنى ببساطة أن هناك اشارة إلى إنكار العلم للدين فى فقرة وعودته إليه بعد ذلك . إن شرط الحضارة المعاصرة أن يكون لها أساس من عمودين تقوم عليهما ، هما ، العلم والإيمان . إن هذه الرواية اتهمت – ظلما – بأنها تقتل القيم الروحية فى وقت هى رواية تبحث عن القيم الروحية . ولا أريد أن أذكر أن الفقرة الأخيرة فى هذه الحيثيات ( يعنى حيثيات منحه جائزة نوبل للآداب ) تقول أن الرواية تناول صاحبها " بحث الإنسان الدؤوب عن القيم الروحية " .

وهذا تقدير جاء من الأغراب ، أليس هذا شيئا محزنا ؟

ينظر نجيب محفوظ إلى بعيد ، ثم يقول كمن يتحدث إلى نفسه :

أرجو أن يعيد الأساتذة الأفاضل من علماء الدين قراءة الرواية بعين بعد التخلص من غشاوة الإتهام والله يحكم بينى وبينهم فى الدنيا والآخرة .


ومن الجدير بالمقارنة ببحث الأستاذ نجيب محفوظ عن العدل والخير والجمال فى مسلسل أولاد حارتنا .. أن نورد هنا ماكتبه الفارابى فى كتابه " آراء أهل المدينة الفاضلة " كما ورد فى عرض الدكتور على عبد الواحد وافى للكتاب فى سلسلة القراءة للجميع عام 1994 ص 35 .. " وأهم وظائف المدينة وأكبرها خطرا فى نظر الفارابى هى وظيفة الرياسة . وذلك لأن رئيس المدينة هو السلطة العليا التى تستمد منها جميع السلطات ، وهو المثل الأعلى الذى ينظم جميع الكمالات . فهو مصدر حياة مدينته وقوام نظامها ومنزلته من سائر أفرادها كالقلب من أعضاء الجسم ، بل إن منزلته منهم كمنزلة الله عز وجل من العقول وسائر الموجودات . " ولذلك لا يصلح للرياسة إلا من زود بصفات فطرية ومكتسبة يتمثل فيها أقصى ما يمكن أن يصل إليه الكمال فى الجسم والعقل والعلم والخلق والدين ( هكذا وصف محفوظ الجبلاوي وغيره من الأبطال الذين حاولوا التشبه به ) .

وما كتبه – أيضا - توماس مور فى كتابه " اليوتبيا " كما عرضه الدكتور زكى نجيب محمود فى مجلد تراث الإنسانية.. ص24" : من ذا تحدثه نفسه بالثورة إلا الساخط على حالته الراهنة ؟ . من ذا يسعى إلى تعكير الصفو إلا من لا يملك شيئا يخشى أن يفقده ؟ . إن الشعب إذا إزدرى مليكه ولم يعد ينظر إليه نظرة الإحترام والتقدير بحيث يعجز الملك عن حفظ الأمن إلا بالسبيل الباطلة والضرائب الظالمة فخير له أن يغادر عرش الملك ، لأنه إن أصر على البقاء فسيكون ملكا بغير جلال الملك .. إن الملك لا يشرفه أن يبسط سلطانه على شعب من المتسولين بل فخاره أن يحكم قوما أغنياء ." إنتهى .


14- اللص والكلاب ( 1961 ) مكتبة مصر

كتب نجيب محفوظ هذه الرواية بعد أزمة تأويل رواية أولاد حارتنا ومنع طباعتها فى مصر وتمثل اللص والكلاب علامة فارقة عما قبلها فى الأسلوب الرمزى المقيد البسيط لأولاد حارتنا .. حيث أصبح الرمز أكثر تعقيدا وتركيبا فى الأسلوب ، وفى حرفيه الشكل الروائى ، وفى إيقاع الحوادث أو الأحداث المستخدمة للتعبير عن آراءه ومرئياته الثابتة . ولقد إعتبرها الأستاذ يحى حقى نقلة كاملة من المرحلة البنائية المتمهلة ( أو الإستاتيكية ) إلى مرحلة النشاط والتوقد والتحدى الذكى ( أو الديناميكية ) .. وهى فى حقيقتها نقلة فى أسلوب التعبير الصادق والأمين من مرحلة الإنتاج الرمزى الواضح إلى الرمزى المركب كرد فعل للأزمة السابقة فى بيئة التربص والإنتهازية والخيانة المحيطة بالكاتب . وأزعم أن ( اللص ) فى هذه الرواية كان البديل الروائى الذى عبر من خلاله نجيب محفوظ عن معاناته الشخصية خلال تلك الفترة التى شهدت الكابوس الذى هدده بالتعرض للسجن بسبب " أولاد حارتنا " .. وأزعم – أيضا – أن ( الكلاب ) كانت مجموعة من أناس كانوا قريبين إليه ، وآخرين من ( بعض ) الكتاب المعاصرين له ، وغيرهم من نجوم المجتمع الآخرين من المنافقين بل قد يكون الأستاذ / رؤوف علوان بسمات أساتذة كبار مشهورين ، كانوا شهودا على تلك الأزمة .. ولقد جسد الأستاذ نجيب محفوظ فى نبوية وعليش ، وغيرهما نجوم ذلك المجتمع ، الخيانة القادرة الفاجرة أو كلاب الظلام .. أما نور ( فتاة الظلام ! ) فكانت هى الأمل الذي كان خافتا ضعيفا .


لقد كانت مأساة نجيب محفوظ فى تلك الأزمة المريرة " لرواية أولاد حارتنا " أن من قال بالإدعاء .. لم يقرأ ، وأن من قرأ نوعان .. أحدهما لم يفهم ، والثانى فهم .. ولكنه جبن أن يشهد بالحق ، وكان هو الضحية المقهورة ظلما بجريرة ما لم تفعل  ! .. بل على النقيض فلم يقدس المثل الأعلى أحد مثله .. ويؤكد ذلك قراءة المقتطفات التالية من " اللص والكلاب " : -


ص 7 /8 .. " مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية ، ولكن فى الجو غبار خانق وحر لا يطاق .

( كأن الأستاذ يقول عن نفسه : مرة أخرى يكتب .. رغم محاذير الرقابة أو التأويل )


ص 21 .. " لا باب مغلق فى هذا المسكن العجيب .. وخفق قلبه فأرجعه إلى عهد بعيد طرى طفولة وأحلام وحنان أب وأخيلة سماوية المهتزون بالأناشيد يملئون الحوش والله فى أعماق الصدور يتردد . أنظر وإسمع وتعلم وإفتح قلبك .. هكذا كان يقول الأب .. وفرحة كالجنة بعثها الحلم والإيمان وفرحة بالغناء والشاى الأخضر أيضا . ترى كيف حالك ياشيخ على يا جنيدى يا سيد الأحياء ؟ . "

( يعود إلى جذوره الحرة الأولى في حي الجمالية .. نشوة الإيمان والمتعة بالطرب الجميل فى سهرات الذكر حول الحسين .. سيد الشهداء )


ص 31 .. " ومع العودة ذات مساء إلى بيت الطلبة بالجيزة رأيتها مقبلة تحمل سلة . جميلة وجذابة . طاوية هيكلها على جميع ما قدر لى من هناء الجنة وعذاب الجحيم . ماذا كان يعجبك من إنشاد المنشدين ؟ لما بدا لاح منار الهدى ، ورأيت الهلال ووجه الحبيب ."

( مصر الحبيبة )


ص 36 .. " رؤوف علوان أنت لغز وعلى اللغز أن يتكلم ، أليس عجيبا أن يكون علوان على وزن مهران ؟! وأن يمتلك عليش تعب عمرى كله بلعبة الكلاب ؟ ."


ص 46 .." أن يكون فى القصر كلب – غير صاحبه – فسيملأ الدنيا نباحا ، ولكن لم تند عن الصمت همسة واحدة .. يا رؤوف .. تلميذك قادم ليحمل عنك بعض متاع الدنيا .. "


ص 47 .. " هذا هو رؤوف علوان ، الحقيقة العارية ، جثة عفنة لا يواريها تراب . أما الآخر فقد مضى كأمس أول ، كأول يوم فى التاريخ أو كحب نبوية أو كولاء عليش . أنت لا تنخدع بالمظاهر فالكلام الطيب مكر والإبتسامة شفة تتقلص والجود حركة دفاع من أنامل اليد ولولا الحياء ما أذن لك بتجاوز العتبة ، تخلقنى ثم ترتد ، تغير بكل بساطة فكرك بعد أن تجسد فى شخصى كى أجد نفسى ضائعا بلا أصل وبلا قيمة وبلا أمل . خيانة لئيمة لو إندك عليها المقطم دكا ما شفيت نفسى . "


ص81-83 .. " وما لبث سعيد أن غاب عن الوجود . حلم بأنه يجلد فى السجن رغم حسن سلوكه . وصرخ بلا كبرياء وبلا مقاومة فى ذات الوقت . وحلم بأنهم عقب الجلد مباشرة سقوه حليبا . ورأى سناء الصغيرة تنهال بالسوط على رؤوف علوان فى بئر السلم . وسمع قرآنا يتلى فأيقن أن شخصا قد مات . ورأى نفسه فى سيارة مطاردة عاجزة عن الإنطلاق السريع لخلل طارىء فى محركها واضطر إلى إطلاق النار فى الجهات الأربع ولكن رؤوف علوان برز فجأة من الراديو المركب فى السيارة فقبض على معصمه قبل أن يتمكن من قتله وشد عليه بقوة حتى خطف منه المسدس ، عند ذاك هتف سعيد مهران . إقتلنى إذا شئت ولكن إبنتى بريئة ، لم تكن هى التى جلدتك بالسوط فى بئر السلم وإنما أمها ، أمها نبوية وبإيعاز من عليش سدرة ، ثم إندس فى حلقة الذكر التى يتوسطها الشيخ على الجنيدى كى يغيب عن أعين مطارديه فأنكره الشيخ وسأله من أنت وكيف وجدت بيننا فأجابه بأنه سعيد مهران إبن عم مهران مريده القديم وذكره بالنخلة والدوم والأيام الجميلة الماضية ، فطالبه الشيخ ببطاقته الشخصية فعجب سعيد وقال إن المريد ليس فى حاجة إلى بطاقة ، وأنه فى المذهب يستوى المستقيم والخاطىء فقال له الشيخ إنه يطالب بالبطاقة ليتأكد من أنه من الخاطئين لأنه لا يحب المستقيمين فقدم له مسدسه وقال له ثمة قتيل وراء كل رصاصة ناقصة فى ماسورته ولكن الشيخ أصرعلى مطالبته بالبطاقة قائلا ان تعليمات الحكومة لا تتساهل فى ذلك فعجب سعيد مرة أخرى وتساءل عن معنى تدخل الحكومة فى المذهب فقال الشيخ ان ذلك كله تم بناء على إقتراح للأستاذ الكبير رؤوف علوان المرشح لوظيفة شيخ المشايخ فعجب سعيد للمرة الثالثة وقال إن رؤوف بكل بساطة خائن ولا يفكر إلا فى الجريمة فقال الشيخ إنه لذلك رشح للوظيفة الخطيرة ووعد بتقديم تفسير جديد للقرآن الشريف يتضمن كافة الآحتمالات التى يستفيد منها أى شخص فى الدنيا تبعا لقدرته الشرائية وان حصيلة ذلك من الأموال ستستغل فى إنشاء نواد للسلاح ونواد للصيد ونواد للإنتحار فقال سعيد : إنه مستعد أن يعمل أمينا للصندوق فى إدارة التفسير الجديد وسيشهد رؤوف علوان بأمانته كما ينبغى له مع تلميذ قديم من أنبه تلاميذه ، وعند ذاك قرأ الشيخ سورة الفتح وعلقت المصابيح بجذع النخلة وهتف المنشد يا آل مصر هنيئا فالحسين لكم .. وفتح عينيه فرأى الدنيا حمراء ولا شىء فيها ولا معنى لها .. " .

( يتم تفسير الحلم إذا وضعنا التسميات الحقيقية للرموز الواردة بالحلم .. وهى : الجلد رغم حسن السلوك = ألم الإحساس بالمرارة من الظلم البين ، وسناء = الحقيقة ، وزوجته وعشيقها = الخيانة ، ورؤوف علوان = الجبن والنفاق والانتهازية ، والمسدس = القلم ، والحسين لكم = الاعتقاد الوهمي ؟ بأن رأس الحسين مدفون في مصر ! )


ص 84 .." كطفل ملقى تحت نار الشمس وقلبك المحترق يحن إلى الظل ولكن يمعن فى السير تحت قذائف الشمس ، ألم تتعلم المشى بعد ؟ ."

( الإحساس بمرارة التوحد على الطريق الصعب )


ص 92 .." لعلك تظن يا رؤوف إنك تخلصت منى إلى الأبد ؟ بهذا المسدس أستطيع أن أصنع أشياء جميلة على شرط ألا يعاكسنى القدر . وبه أيضا أستطيع أوقظ النيام فهم أصلا البلايا . هم خلقوا نبوية وعليش ورؤوف علوان ..".

( المسدس = القلم الذي يكتب الروايات الجميلة المبشرة بالحق والعدل والجمال )


ص 108 .. " وجلس إلى جانبها على كنبة مواجهة للفراش أمام الخوان الحافل ، ولرضاه ربت شعرها المبتل وهو يقول على سبيل التحية :

- أنت إمرأة ولا كل النساء ..

   وعصبت شعرها بمنديل أحمر ، وراحت تملأ الأكواب ، مبتسمة طوال الوقت لقوله ، مبدية عن لونها الأسمر الباهت بلا زواق ، منتعشة بالحمام كطعام متواضع لكنه طازج ، مطمئنة فى جلستها معتزة بإمتلاكه ولو إلى حين ، فارتاح إلى ذلك كله دون حماس . وحدجته بنظرة ارتياب وقالت :
	 	

- أنت تقول هذا ‍.. أكاد أصدق أحيانا أن الرحمة قد تعرف قلب رجال البوليس قبل أن تعرف قلبك

- صديقينى أنا سعيد بك ..

- حقا ؟

- نعم ، رقة قلبك لا يمكن أن تقاوم .

- ألم أكن كذلك فى الزمان الأول ؟

هيهات أن ينسينا إنتصار سهل هزيمة دامية . وقال :

- كنت وقتذاك بلا قلب ..

- والآن ؟

فتناول كوبه قائلا :

- لنشرب ولنبتهج .

( كم يصبح هذا الحوار جميلا إذا تصورناه بين نجيب محفوظ و مصر و.. الأمل ‍‍؟‍ )


ص 114 .. " إنى أتعلم بعيدا عن أهلى وأكابد كل يوم عذابا وجوعا وحرمانا ".

( نفس الإحساس بمرارة التوحد ؟ )


ص 115 .. " أين ذهبت تلك الحكم يا رؤوف ؟ لعلها ماتت كأبى وأمى وأمانة زوجتى .."


ص 145 .." فالرصاصة التى تقتل رؤوف علوان تقتل فى الوقت نفسه العبث . والدنيا بلا أخلاق ككون بلا جاذبية ، ولست أطمع فى أكثر من أن أموت موتا له معنى "..


ص 171 .. " يجب ألا تسبقنى الحوادث ، إنهم يتفحصون الآن البدلة وهناك الكلاب وأنت هنا عار معرض للأبصار . وان يكن طريق الصحراء ملغما فعلى خطوات يقع وادى الموت ... وسأقاتل حتى الموت . ونهض مصمما مقتربا من الباب .. الجميع غارقون فى الذكر والممر إلى الباب خال . ومرق من الباب ومضى نحو الطريق . ومال يسرة وهو يسير فى هدوء مصطنع ثم إنحدر فى طريق المقابر . الليل راسخ ولكن القمر لم يطلع والظلام جدار أسود يسد الطريق . وغاص وسط القبور فى تيه من الفناء لا يهتدى بشىء وتخبط فى سيره لا يدرى إن كان يتقدم أم يتأخر ومع أن بارقة أمل واحدة لم تومض إلا أنه طفح بحيوية خارقة .. وترامت مع النسيم الدافىء ضوضاء .. وتمنى أن يختفى فى قبر ولكنه لم يكف عن السير . وكان يخشى الكلاب ولكن لم يكن فى وسعه حيلة ولا فى طاقته أن يقف ..".

( البذلة التي يتفحصونها = الأفكار في الرواية أو الروايات )


ص 175 .." وإذا بالضوء الصارخ ينطفىء بغتة فيسود الظلام وإذا بالرصاص يسكت فيسود الصمت . وكف عن إطلاق النار بلا إرادة وتغلغل الصمت فى الدنيا جميعا . وحلت بالعالم حال من الغرابة المذهلة . وتساءل عن .. ولكن سرعان ما تلاشى التساؤل وموضوعه على السواء وبلا أدنى أمل . وظن أنهم تراجعوا وذابوا فى الليل . وانه لابد قد إنتصر . وتكاتف الظلام فلم يعد يرى شيئا ولا أشباح القبور . لا شىء يريد أن يرى . وغاص فى الأعماق بلا نهاية . ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضعا ولا غاية . وجاهد بكل قوة ليسيطر على شىء ما ليبذل مقاومة أخيرة . ليظفر عبثا بذكرى مستعصية . وأخيرا لم يجد بدا من الإستسلام فاستسلم بلا مبالاة .. بلا مبالاة .".

 (هكذا ينفطر القلب ويموت الفكر والمفكر فى الظلام ) . 
	 	
	 	

15- دنيا الله ( مجموعة قصصية 1962 ) مكتبة مصر

فى هذه المجموعة القصصية - التى صدرت وصوت الدعوة إلى العدالة الاجتماعية هو الأقوى والأعلى - يقدم الأستاذ مجموعة صور للنفس الإنسانية فى ضعفها وقوتها ، وكأنه يقدم تفسيرا للآية الكريمة : " ونفس وما سواها .. فألهمها فجورها وتقواها " حيث تتوالى الصور فى القصص على النحو التالى :


القصة الأولى " دنيا الله " .. بلا مبرر " منطقى " يختلس فراش المكتب مجموع مهايا الموظفين - عدا راتب الضعيف الحقيقى الوحيد بينهم - أى أنها جريمة واعية ؟ ! . ولكن يقدم لنا هذا المختلس المبرر المنطقى لفعلته فى نجواه لنفسه وهو يحاور الأخرى .. ص 16 .. " – أنظرى إلى البحر والسماء ، واسعدى بما بين يديك ، وليكن ريقك شهدا .. أرادها أن تسعد كما يسعد . وكان من قبل يسير مطرق الرأس لا يرى من الدنيا إلا التراب والطين . أو لا يرى إلا شواغله وهمومه ، أما هنا فرأى مالم يكن يراه . رأى الفجر فى طلعته السحرية والغروب فى عجائب ألوانه التى تنساب عن الشفق . ورأى النجوم الساهرة والقمر الساطع والآفاق اللامتناهية . رأى ذلك كله بقوة الحب الخالقة حتى عجب كيف يوجد بعد ذلك النكد .. " . ثم وهو يناجى ربه فى صلاته .. ص 19.. " لا يمكن أن يرضيك ما حصل لى ولا ما يحصل فى كل مكان . صغيرة وجميلة وشريرة .. أيرضيك هذا !. وأبنائى أين هم .. أيرضيك هذا ؟! وأشعر وأنا بين الملايين بوحدة قاتلة .. أيرضيك هذا ؟ . ثم يقولها صريحة فى الإجابة على السؤال : - تقدر تقول لى ماذا دفعك إلى تلك الفعلة وأنت فى هذا العمر !؟ فيجيب : - الله .. ندت عنه كالتنهدة .. ص 20 ".


القصة الثانية " جوار الله " .. عجوز وحيدة تمتلك بيتا وتمرض لتموت وليس لها من ورثة سوى عبد العظيم الموظف وأخته العانس .. وجاءهما الخبر عن طريق جارها الحج مصطفى السمسار . ويدير الأستاذ الصراع بين طمع الدنيا وجوار الله فى المقبرة .. ص 42 .." ومضى عبد العظيم إلى القبر المفتوح ووقف عند رأسه مذعنا لرغبة غامضة أقوى من الخوف الذى لم يصده ، كان القبر ذا منامتين ، واحدة للرجال والأخرى للنساء فأرسل طرفه الحائر نحو منامة الرجال . رآهم صفا متراميا إلى الداخل ، على رأسهم أبوه الذى استدل عليه بموضعه وبلون كفنه الكمونى المقلم ، تلاه أخوه ، ثم جده . وثقل قلبه جدا ، وضغط الانقباض على أضلعه ضغطا غير محتمل . لكن عينيه تحجرتا فلم تذرفا دمعة واحدة . وامتلأت خياشيمه برائحة ترابية نافذة كأنما تصدر عن الفناء نفسه . ومرت لحظة مات فيها كل شىء فلم يعد لأمر قيمة ولا معنى ." .. ورغم ذلك .. يتفاوض مع السمسار على بيع البيت .. ثم يقول ص 46 .. " – إتفقنا يا حاج من ناحية المبدأ .. فلوح الحاج مصطفى بذراعه كأنما يقول ( إتفقنا ) فانطلقت ذراعه فى الهواء كشاهد من آلاف الشواهد القائمة حوله فوق القبور ، ورأى عبد العظيم ذلك المنظر فانقبض صدره .. وقام وهو يقول برجاء : - آن لنا أن نذهب . "


القصة الثالثة " الجامع فى الدرب " .. ص 48 .. " الجامع يقوم عند ملتقى دربين ، درب الفساد الشهير ، ودرب آخر بمثابة مباءة للقوادين والبرمجية وموزعى المخدرات ، .. .. . "

ص 50 .. " بصروا الشعب بالحقائق ! ، اهتكوا أستار الدجالين ومثيرى الشغب ، كى يستقر الأمر لصاحب الأمر .. " .. .. .

ص 52 .. " لم تخلق دور العبادة للمهاترات السياسية وتأييد الطغاة ! ." .. .. " ما يظنه البعض مهاترات قد يكون الحق هو الحق بعينه .. " .. .. " سنقتل مبدأ إسلاميا هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. " .. .. " بل سنحيى مبدأ إسلاميا هو الدعوة إلى طاعة الله ورسوله وأولى الأمر .." .

ص 55 .. " فضحك ضحكة مسترخية ، وتناول خيارة فدسها فى فيه . وفى تلك اللحظة كان عبد ربه يلقى خطبته فمضى يتابعه برأس متأرجح ، ثم ابتسم ساخرا وهو يقول : - المنافق ! .. اسمعى ما يقول المنافق ! "

ص 56 .. " فأفرغ بقية الزجاجة فى جوفه وقال بلسان ثقيل : - سمارة وطنية وشيخ منافق ! فقالت متنهدة : - يا بخته ! ، بكلمتين يربح الذهب ، ونحن لا نستحق قرشا إلا بعرق جسمنا كله .. "

ص 59 .. " فضرب الإمام راحته بقبضته وقال : - هيهات أن يرتاح قلبى لاجتماع كل هؤلاء الأشرار فى مكان واحد ، إن الله لايجمعهم فى مكان واحد إلا لأمر .."

ص60 .. " ومضت الظلمة ترق أمام البكرة الوانية ، ثم تبدت طلائع الصباح فى مثل حلاوة النجاة . لكن الشيخ عبد ربه لم يعثر على جثته إلا عند الشروق .. " .


القصة الرابعة " موعد " نموذج تعودناه من الأستاذ لكى يثبت لنا بشتى البراهين أن مانعتقد أنه حقيقى هو وهم وأن مانعتقد أنه نظام هو – فى حقيقته – لا نظام وهو فى هذه القصة يذكرنا بقول الشاعر العربى القديم : رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطىء يعمر فيهرم ؟ ! . ولكن .. أى رداء جميل ، وأى إطار شاعرى رائع يصوغ فيه ذلك القول الحكيم ! :-

ص 66.." وكان يود أن يمثل دوره بمهارة يخدع بها إمرأته ولكن كان ذلك فوق طاقته ، فهو يقرأ ويشرب ويختلس إليها النظر ، يتحمل نظراتها المعذبة بصبر ، حابسا دمعه ، شادا على إرادته ، ويصر على ذلك وهو يشعر بأن كل شىء يخصه هباء . الأبوة هباء ، الحب هباء ، الزوجية هباء ، ويرى كل معنى وهو يتلاشى فى النسيان والضياع . وهو فى الحقيقة لا شىء يبكى لا شىء ، البكاء نفسه لا حقيقى كالقراءة ، كالخمر ، كهذه الأنغام الصادرة عن الراديو تنعى الحياة كلها ."

ص 70 .. " رفع إليه ( أخوه الشيخ ) عينيه الذابلتين ، وقال : - أخى ، أنا فى مسيس الحاجة إليك ، سأعترف لك بكل شىء ، ويجب أن تصدقنى ، الحق أنى سأموت فى خلال أشهر قلائل ! " ... ... " فندت عن الأخ ضحكة هازئة وقال : - لا أحد يمكن أن يكون على يقين من ذلك إلا الله .. "

ص 72 .. " – بكل سرور ، فى بحر أسبوع على الأكثر ستجدنى عندك إن شاء الله ، والآن هيا بنا إلى البيت .. " .. .. .. " وكان فى الجمع المحتشد حول الحادثة مساح أحذية ، وكان ينظر إلى الجثة الممددة أمام السيارة بتفحص شديد ، ثم قال بصوت مرتفع لمن حوله : - أنا رأيت هذا الشيخ منذ نصف ساعة فقط ، كان يجلس فى قهوة ماتاتيا مع واحد أفندى .. " .


القصة الخامسة " قاتل " .. بيومى !

ص 74 .. " منذ خروجه من السجن وهو يعيش متسولا ، قرش من هنا وقرش هناك ، بلا عمل ، وبلا أمل . " .. .. " .. وهوم برأس متلبد الشعر ، وليس على الجسد المتورم بالأقذار إلا جلباب متهرىء كالخيش تعشش فيه حشرات شتى ، " .. .. " وتساءل كثيرا عن المخرج من وكسته ، أين يذهب وماذا يفعل . وهو ذو الماضى الحافل بالأعمال . اشتغل شيالا ، وموزع مخدرات ، ولصا ، أما العراك فبسببه دخل السجن أول مرة ، واستوفى الأربعين من عمره دون أن يهن له عضل ، وكان بوسعه أن يقتلع بيتا من أساسه ، ولكنه لا يأكل لقمة إلا حسنة لوجه الله ، "

ص76 .. " – هل تقتل الحاج عبد الصمد الحيانى ؟!

ص 78 .. " وقصد حمام السوق ، دخله هبابا وخرج منه إنسانا . وابتاع جلبابا ولاسة وثيابا داخلية ومركوبا لأنه لم يجد حذاء جاهزا يتسع لقدميه الغليظتين ، وجلس فى محل سيدهم الحاتى يأكل بنهم حتى أذهل النادل ، وطلب كل شىء فقال لنفسه ليت ذلك يدوم بلاقتل . "

ص 84 .. " واضطرب بيومى كلما تكلم الحاج عن يقين ، أو كلما ضرب موعدا ، أو عكست عيناه الطمأنينة والثقة ، لماذا يقتل هذا الرجل ؟ . إنه لا يعرفه ، لم تكد تستقر صورته فى ذهنه ، لا يكرهه ، ولا يحنق عليه ، ولا يأتيه أى ضرر من ناحيته ، فلماذا يقتله ؟ . لكنه إذا لم يقتله قتل ، وإذا قتله ابتسمت له الدنيا ، أو هكذا وعد . "

ص 86 .." استل السكين من صدرته ، واشتدت عليها قبضته ، واستجمع كل قواه ، ثم انقض عليه بسرعة خاطفة ، وطعنه طعنة قاسية ، لا مهادنة فيها ولا أمل ، ندت عن الرجل صرخة خافتة وترنح جسده الضخم مرة ثم سقط . واندفع بيومى هاربا وهو ينتفض ، ناسيا السكين فى صدر الرجل ، ملوث العنق والجلباب – وهو لا يدرى – بالدم . "


القصة السادسة " ضد مجهول "

ص 88 .. " أى رجل ! ، أية أعصاب ! . يعمل بأناة وروية وهدوء وإحكام كما يقع فى الخيال . "

ص 94 .. " – ما العلاقة بين المدرس واللواء ؟ .. - كلاهما قابل للموت .. ! "

ص 99 .. " ولم ينم تلك الليلة . ظل ساهرا يفكر ونازعته رغبة فى الهرب إلى عالم شعره الصوفى ، حيث الهدوء والحقيقة الأبدية .. حيث تذوب الأضواء فى وحدة الوجود العليا حيث العزاء عن متاعب الحياة وفشلها وعبثها ، أليث عجيبا أن ينتسب إلى حياة واحدة عابد الحق وهذا المجرم الضارى ؟ . إننا نموت لأننا نفقد حياتنا فى الإهتمامات السخيفة . ولا حياة ولا نجاة لنا إلا بالتوجه إلى الحق وحده ..! ."

ص 101 .. " عاد إلى الدنيا التى يود ألا يراه فيها أحد . ووجد ما يشبه الدوار . الحياة التى يقضى عليها حبل مجهول فتصبح لا شىء . ولكنها شىء بلا ريب وشىء ثمين . الحب والشعر والوليد . الآمال التى لا حد لجمالها . الوجود فى الحياة .. مجرد الوجود فى الحياة . أهناك خطأ يجب أن يصلح ؟ . متى يصلح ؟ واشتد الدوار كما يحدث عند يقظة مفاجئة عقب نوم عميق . "


القصة السابعة " زينه "

في هذه القصة القصيرة يجرى الأستاذ بحثا عن تحوير الآمال فى ظلال الواقع بمرور الزمن لثلاث أبطال جمعهم مدخل عماره ووزعهم الأسانسير ليعرفنا عليهم :

الأول ص 108.. " فى زمن بعيد نسبيا كان يفكر طويلا بعد تناول مثل هذا المظروف . على الأقل كان يقارن بدهشة بين حاله حين تخرجه فى الجامعة والتحاقه بالعمل مخمورا بأسمى الآمال ، وبين حاله التى صار إليها حين لم يعد لشىء قيمة إلا السيارة وجهاز التكييف وتعليم الأولاد فى الكلية الأمريكية .. " .

والثانية ص 111 .. " ما أبشع خجلها ، أو ما أبشعه فى بعض الأحيان على الأقل . لكنها لم تندم على فسخ الخطبة .. لم تعدها بحياة تستحق هذا الاسم ، وتوعدت أسرتها بمتاعب جديدة . وهى لم تكن تحب قريبها . الآن لن يفصل بينها وبين من تحب شىء ، حتى لو علم بحقيقة ما تمضى إليه إذ من حسن الحظ أن الطيور على أشكالها تقع . " وص 112 .. " – ولو هيأت لك فيلا كاملة لأحرجتك لكنك ستكونين السكرتيرة ، شىء عادى وطبيعى ، وستكون متع الدنيا بين يديك ، صدقينى إن المال هو سر بهجة الحياة ، وإنى مصمم على جعلك أسعد مخلوقة فى هذا الوجود .. "

والثالث ص 115 .. " وتساءل متى تتقوض سيطرة الطغاة . متى يمكن أن يفكر محمد طنطاوى كإنسان ؟ . متى يحل فى رأس مسيو دزرائيلى شىء غير الأرقام والنقود ؟. متى تقلع عواطف زهدى عن العادات المتأصلة التى إكتسبتها فى بيت الهوى التى انتشلت منه إلى عالم الفن ؟ . متى يكف مجدى السيد عن إنتاج أفلام كعربون لعشق جديد ؟. متى تقف هذه العوامل كلها ع التدخل فى فبركة القصص ؟ .. ووجد نفسه تستعيد صورة الفتاة الجميلة ( الثانية ) التى عايشته منذ قليل ، وحلم مرة أخرى بالحياة العريضة التى يمكن أن يصنعها جمالها الحى . "

ثم الخلاصة ص 119 .. " – كلا ، إنى أريد أن أكتب عن المال باعتباره غولا مخيفا يلتهم القيم الجميلة بلا رحمة كالخلق والجمال والروح .. " .


القصة الثامنة " زعبلاوى "

.. هو الأمل الذى ما زال حيا ولكن كيف الوصول إليه وإدراكه !

ص 129 .. " أدر ذكر من أهوى ولو بملامى فإن أحاديث الحبيب مدامى ".

ص 132 .. " ومر وقت لم أدره حتى مال رأسى إلى مسند الكرسى وغبت فى نوم عميق ، وفى أثناء نومى حلمت حلما جميلا لم أحلم بمثله من قبل . حلمت بأننى فى حديقة لا حدود لها ، تنتشر فى جنباتها الأشجار بوفرة سخية فلا ترى السماء إلا كالكواكب خلال أغصانها المتعانقة ويكتنفها جو كالغروب أو كالغيم . وكنت مستلقيا فوق هضبة من الياسمين المتساقط كالرذاذ ، ورشاش نافورة صاف ينهل على رأسى وجبينى دون إنقطاع . وكنت فى غاية من الإرتياح والطرب والهناء وجوقة من التغريد والهديل والزقزقة تعزف فى أذنى ، وثمة توافق عجيب بينى وبين نفسى ، وبيننا وبين الدنيا فكل شىء حيث ينبغى أن يكون بلا تنافر أو إساءة أو شذوذ ، وليس فى الدنيا كلها داع واحد للكلام أو الحركة ، ونشوة طرب يضج بها الكون . "


القصة التاسعة " الجبار "

.. بالصدفة نام !. وعلى صوت جريمة الجبار إستيقظ .. ! . وعندما إعترض وجد نفسه متهما بما لم يفعل .. حاول الهرب فلم يستطع .. ثم عاد جبرا :

ص 136 و 142 .. " تقدم أبو الخير بقدمين متورمتين نحو القرية . من شدة الخوف تجمد قلبه فلم يعد يخفق بالخوف . ومن شدة الألم لم يعد يشعر بالألم . ولمحه العائدون فاتسعت الأعين دهشة وفغرت الأفواه ، وراحوا يتهامسون ويشيرون نحوه . وغض أصدقاؤه بينهم الأبصار ، وجعل يشق طريقه بعيدا عنهم ماضيا نحو مصيره ، وتابعته الأعين وهو يبتعد رويدا رويدا حتى لم يبقى فى الخاطر من حلم ، وهزوا الرؤوس وقالوا : ضاع الرجل .. إنتهى أبو الخير .. " .


القصة العاشرة " كلمة فى الليل "

ص 146 .. " لم أر موظفا كذلك الرجل استغل جهود جميع مرؤسيه ليفيد هو منها وحده , ويمنع الخير عن الآخرين كما لو كان سيؤخذ من لحمه ودمه ! "

ص 152/ 153 .. " وكان أعجب ما وقع له أنه إكتشف عند صلاة الصبح أنه لم يكن يفقه معنى للفاتحة . حقا لم ينقطع يوما عن الصلاة ، ولكنه كان يؤديها كما يحلق ذقنه وكما يعقد رباط عنقه بفكر مشغول بأمر أو بآخر ، بمذكرة يعدها ، ببند من التعاليم المالية ، بمعركة يتوثب لها ، بأى شىء إلا الصلاة . ولأول مرة وجد نفسه أمام هذه العبارة ( باسم الله ) بلا مشاغل يشغل قلبه عنها ، فاكتشفها لأول مرة فى حياته . " .. .. .. " قدمت من الجهد فوق ما يطيق البشر ، ولكنه جهد مضى باسم الطموح الجنونى ، باسم الجشع ، باسم الأنانية ، باسم الكراهية ، باسم الحقد ، باسم العراك ، ولا عمل واحد باسم الله . "

ص 154 .. " ألا يمكن أن يبدأ الإنسان حياة جديدة ولو فى مثل عمرى ؟ " .. .. .. " جديدة بكل معنى الكلمة . وإلا كيف يحتمل العمر الباقى ؟ .. هل ينسى يوم الأربعاء ؟ ( عندما لم يحضر حفل تكريمه أحد ) . وأغمض عينيه كمن يتذكر أشياء مستعصية . وكانت تتابعه بعينين قلقتين فما لبث أن ساءلت نفسها : ترى لم يبتسم هكذا ؟ . وكان حقا يبتسم . ابتسامة جديدة ، لا نفاقا ولا تشفيا ولا استفزازا ولا سخرية ولا مكرا ولا تحريضا ولا .. ولا .. ابتسامة صافية . " .


القصة الحادية عشر " حادثة "

.. صدمت سيارة رجلا .. كتب فى خطاب له قبل الحادث مباشرة :

ص 161 .. " اليوم تحقق لى أكبر أمل فى الحياة فقد إنزاحت عن صدرى الأعباء المريرة ، انزاحت جميعا والحمد لله ، أمينة وبهية وزينب فى بيوتهن ، وهاهو على يتوظف ، وكلما ذكرت الماضى بمتاعبه وكدحه وقلقه وشقائه أحمد الله المنان ، وهذا هو النصر المبين ".


القصة الثانية عشر " حنظل والعسكرى "

.. حلم الرحمة المستحيل .. :

ص 165 .. " – ياحضرة المأمور ، أنا رجل مسكين ، كثير الخطايا ، ولكن بؤسى أفظع من خطاياى ، والرحمة عند الله مفضلة على العدل . "

ص 170 .. " – أمثالى من الفقراء كثيرون لعلك ياحضرة المأمور لا تعرفهم .. "...." أعرف كل شىء ، دلنا عليهم ، وسيكون لكل دكانه وامرأته وصداقة العساكر ، سيتحقق هذا كله فاطلب ما تشاء إنه أمر .. فضحك حنظل ضحكة مجلجلة وشبك راحتيه وشد عليهما وهو يقول : كأننى فى حلم ! " .

ص 172 .. " – لم يبق إلا أن تنام فى عرض الطريق ! .. ما أشبهه بصوت العسكرى . العسكرى القديم بصوته الخشن المنذر بالمتاعب . ثم إنه يختنق . " .. " وفوق صدره هو ينداح الألم فى الموضع الذى تخلى عنه الحذاء الغليظ ، وهتف : - أين عهد المأمور يا شاويش ؟! .. فركله بلا رحمة وصاح به : - عهد المأمور ! ، يامجنون يا مدمن ، قم ع القسم .. ونظر حوله فى ذعر وذهول فوجد طريقا نائما ، وظلمة شاملة ، وصمتا ، ولا حفل ، ولا أثر لحفل ، ولا سنية ، ولا شىء .. "


القصة الثالثة عشر " مندوب فوق العادة "

.. كأن إصلاح الفساد قد أصبح نوع من الجنون ! ..

ص 175 .. " – مكاتب خالية ، أين الموظفون ؟ ! ، حتى السعاة ، والفراشون كالذباب الغائم ! ،ما هذه الزكائب المحشوة بالأوراق ؟ ، وهذه الزبالة ؟ ، وتلك الأكداس المكدسة من الملفات كالمقابر ، ورائحة الزيت والبصل ؟ ، ما شاء الله .. ما شاء الله ..

ص 176 .. " – الصحة ! ، ما هى الصحة ؟ ، هى كمال التوازن والتوافق والتعاون فى الكائن ، ولكن هيهات أن تتحقق إذا كانت الصحة العامة معتلة ، خذ مثلا صحة الوزارة ! ، خانات لم تسدد ، موظفون لا يحضرون ، روتين ، وما الرأى فى هذا الغلاء الفاحش ؟ " .

ص 178 .. " نعم العالم ، راقب آثار الحرب فى بلادنا إن كنت فى حاجة إلى دليل ، أمور كثيرة معقدة ، ومشاكل لا حصر لها ، فكر فى أن تنعم بالجبال فى سويسرا فسيقال أنها مهددة باجتياح الجيوش الألمانية ، أو أن تستظل بشجرة بوذا فى الهند فستجد جوا مشحونا بالتعصب والانفجار ، وقد تتطلع إلى زيارة موسكو ولكنك لن تعود ، والغلاء ، ألم يبلغ حدا لا يتصوره عقل ؟

ص 180 .. " – قلت إن عيبنا أننا نفكر فى أنفسنا ولا شىء غير أنفسنا ، الحق أن لي من القدرة ما أستطيع به أن أبلغ الصفاء ، على فقط أن أعتزل العالم وهمومه ، وهو صفاء حقيقى أسمع فى سكونه الأبيض موسيقى النجوم ، على فقط أن أعتزل العالم وهمومه ، لكنى لا أستطيع ، لا أريد ، للهموم أيضا أنغامها التى يلتقطها القلب ، فاما صحة عامة أو لا صحة على الإطلاق هذه هى عقيدتى النهائية ، ولذلك كلفت بالمهمة . "


القصة الأخيرة " صورة قديمة "

.. إنها التجربة المفضلة للأستاذ نجيب محفوظ .. تتبع حيوات الأبطال عبر الزمان للحصول على النتائج والعبرة من زملاء دراسة جمعتهم صورة قديمة :

ص189 .. " ولانت فرامله فاستفاض حديثه . قال إنه يزرع أرضه بنفسه مستعملا أحدث الآلات الزراعية ، وإنه يعنى عناية خاصة بتربية الماشية والدواجن ، وأنه أعد لأوقات الفراغ مكتبة كبيرة ، واختار ركوب الخيل هواية ورياضة . إنه قابع فى مملكة صغيرة استغنى بها عن العالم كله ، ويود لو يمضى عمره فى حدودها لا يجاوزها . وإذا بالآخر يسأله عن الفلاحين ؟ - أنا فلاح أيضا ، وكذلك كان أبى ، ولا أجد صعوبة فى التعامل معهم ، إنهم قوم طيبون .. " .

ص 192 .. " – حياتنا تفنى بين أوراق القضايا .. . واضح جدا أنه مرهق بالعمل ، كما كان وهو طالب ، رهبنة نبيلة وكفاح متصل ، وثمانية أولاد ، وتصوف . – ومع ذلك يرى الموظفون فى كادر القضاء جنة النعيم .. " .

ص 193 .. " ووجد حسين فى قلبه نغز ألم ، وشعر نحو الرجل برثاء واحترام عميقين ، وسأله عن درجته فقال : - الدرجة الخامسة منذ عام ، اكتب هذا يا أستاذ ، ويا حبذا لو تنشر صورتى مع الأولاد ، ست بنات وأربعة أولاد ، ما رأيك ؟ ، أليس من الجائز أن يكون الله قد أرسلك لى فرجا فى الشدة ؟

ص 196 .. " – كانت تربطنى بالمدير السابق علاقة العمل قبل أن يتولى إدارة الشركة فاختارنى سكرتيرا له ثم مديرا لمكتبه ، فهو قد اختارنى عن خبرة سابقة .. . خبرة سابقة !. الحق أنك فتحت بيتك القديم نادى قمار للسادة من رؤسائك ، نادى قمار وغرزة أيضا ، ولكن من المقطوع به أنك ذكى نهاز للفرص ! " .


16- السمان والخريف ( 1962 ) مكتبة مصر

يستكمل نجيب محفوظ فى هذه الرواية بحثه السابق فى " اللص والكلاب " عن الحق والشرعية كقوانين طبيعية .. وكيف أن النتيجة الحتمية للحيود عنهما هو الضياع .. كمثل أن النتيجة الحتمية لضعف النفس ( أو الروح والبدن معا ) .. الضياع أيضا .


ص 6 .. " – ماذا فى البلد ؟ فأجابه فى ذهول : - القيامة قامت .. " .

ص 7 .. " انفجر مكنون اللاوعى كالبركان . صراخ جنونى كالعواء . إنقضاض على أى قائم على الجانبين . بترول يراق . حرائق تشتعل . أبواب تحطم . بضائع تنتثر . تيارات تندفع كالأمواج المتلاطمة . الجنون نفسه بلا رقيب . ها هى القاهرة تثور ولكنها تثور على نفسها . إنها تصب على ذاتها ما تود أن تصبه على عدوها . إنها تنتحر . وتساءل فى فزع ماذا وراء ذلك كله ؟ . وإستفحل نشاط غريزته التى تتنبأ بالمخاوف . وأيقن أن مأساة حقيقية سيرفع عنها ستار الغد . ثمة خطر يتهدد صميم حياتنا . "

ص9 .." – إحرق .. خرب .. يحيا الوطن .. " .

ص13.." – قل فى هذا اليوم ما شئت ، أين الوزير ؟ .. لا أحد يدرى ، أين البوليس ؟ .. لا أحد يدرى ، أين الجيش ؟ .. لا أحد يدرى ، إختفى الأمن وزحف الشيطان ..".

.. .." وحانت من عيسى التفاتة الى المدفأة المركبة فى الجدار فأعجب بشفافية لهيبها الأحمر وتذكر المجوس .".

ص 24 .." – أنت رجل مخلص وإخلاصك يحملك على الولاء لأناس لا يستحقون الولاء ، صدقنى لقد عم الفساد ، لاهم لأحد من أصحاب السلطان اليوم الا الإثراء المحرم ، إننا نستنشق الفساد مع الهواء ، فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقى لنا ؟ ."

ص 25 .." – دلنى على ركن واحد لم ينضح بالفساد ؟ . "

ص 70 .. " وأغمض عيسى عينيه ليرى الماضى . فترة حية من نبض القلب . هدير المجد يخلد فى الأسماع . وهراوات الجنود كالصواريخ . والحماس المهلك للأنفاس ثم الإغراء الموهن لهمم . وزحف الفتور كالمرض . ثم الزلزال دون نذير كلب .. ونشدان العزاء عند قلب أجوف . ثم صرير التليفون كصوت العدم . "

ص 84 .. " ترى البحر وقد سحره أكتوبر فأخلد الى أحلام اليقظة وترى أيضا أسراب السمان تتهاوى الى مصير محتوم عقب رحلة شاقة مليئة بالبطولة الخيالية . "

ص 85 .. " لم يا ربى لا تلهمنا ومضة عن معنى هذه الرحلة الشاقة المخضبة بالدماء ؟ .. ولم لا ينطق هذا البحر الذى شهد الصراع منذ الأبدية ؟ ولم تأكل الأرض الأم أبناءها عند المساء ؟ .. وكيف يكون للحجر دوره فى المسرحية ، وللحشرة دور ، وللمحكوم عليه فى الجبل دور ، وأنا لا دور لى ؟ " .

ص 148 .." – أحيانا أقول لنفسى أن الموت أهون من الرجوع الى الوراء . وأحيانا أقول انفسى لئن نبقى بلا دور فى بلد له دور خير من يكون لنا دور فى بلد لا دور له ."

ص 171.. " ويدفعه الملل والوحشة الى التأمل فى عبث الحياة .. ويقول يوما لصديقه سمير عبد الباقى عندما ينظر الى سحابة تسير ببطء راسمة صورة جمل : - أنظر الى هذه السحابة وخبرنى أمن الجائز أن تكون حياتنا قد خلقت كما خلقت هذه الصورة ؟ .

ص 179 .. " وقف فى شبه الظلام لا يحول عنها عينيه ، ويستحضر فى ذهنه علاقتهما القديمة التى طويت فى زوايا النسيان الى الأبد ، ويتعجب من زيف العلاقات البشرية . وقال اننا نجرب الموت – ونحن لا ندرى – مرات ومرات فى أثناء حياتنا قبل أن يدركنا الموت النهائى . وما أشبه ريرى فى مجلسها بالمحل بالنادى السعدى حين يمر أمامه أحيانا أو ببيت الأمة ، جميعها حيوات قضى عليها بالموت المبكر ولا يجنى منها الا الحسرات .."

ص 188 .. " وقال ان الخريف فى الإسكندرية روح من أرواح الجنة وهو مغسل لجميع الأحزان . وان الأحزان ماهى إلا أوهام وأن الموت هو حارس السعادة الأبدى . وقال لنفسه بصوت مهموس : - ما أجمل أن يسكر الإنسان بلا خمر .. ".

فى الختام " وانتفض قائما فى نشوة حماس مفاجأة ، ومضى فى طريق الشاب بخطى واسعة ، تاركا وراء ظهره مجلسه الغارق فى الوحدة والظلام ."


17- " الطريق " ( 1964 ) مكتبة مصر

يقدم نجيب محفوظ فى هذا العمل إنسان يبحث عن الحرية والكرامة والسلام ( وهى قيم كانت مفتقدة بمصر فى تلك المرحلة التاريخية ) ، ولتحقيق ذلك يبحث بطل الرواية عن أب له أخبرته عنه أمه قبل وفاتها ، أب يحرره من ذل الحاجة إلى أى مخلوق ؟ ! أو كما قالت بالنص :-


ص 14 .." بلا أدنى شك يابنى ، ستجد فى كنفه الاحترام والكرامة وسيحررك من ذل الحاجة الى أى مخلوق بما سيهيىء لك من عمل غير البلطجة أو الجريمة ، فتظفرآخرالأمر بالسلام .."

ص 22 .. " ومن ضمن لك أن يكون حظك فى القاهرة خيرا منه فى الإسكندرية ؟ وكم فى البحر من أمواج وكم فى السماء من نجوم . وعجيب أن يكون بعيدا هذا البعد كله من تحمل روحه وجسده بين جنبيك . وما أبعدك عنه الا شهوة عمياء إنتزعتك من أحضانه لتلدك فى ماخور .. "

ص 88 .. " العقل ينصحه بأن يهجر الهام ولكنه لايستطيع .. كأبيه فيما تعده به وفى أنها حلم عسير التحقيق ، اما كريمة فامتداد حى لأمه فيما تهبه من متعة وجريمة . "

ص 91 .. " ارجع الى الإسكندرية واعمل قوادا لأعداءك . اقتل واغنم كريمة ومالها . استخرج الرحيمى من الظلمات وتزوج الهام آه . وشتاء القاهرة قاس ولا يضمر المفاجآت ولا يعزف موسيقى السماء . وما أزحم شوارعها ومحالها فهى سوق تتلاصق فيه الأجساد والسيارات . وأكثر من امرأة تجد فيك ما تبحث عنه بنظرة واحدة على حين تشقى أنت عبثا فى البحث عن الرحيمى .. "

ص101 .. " هأنت تتثاءب ياعم خليل فحتام تغالب النوم الأبدى ؟ . لما تصر على جرى إلى مصير محتوم .. ؟ ما معنى أن يتمتع بمالك سالب حياتك ، وأن تسقط أمى بلا عقل , وأن يصمت أبى بلا رحمة . وأن تتعلق آمالى بإزهاق روح . خبرنى عن معنى ذلك كله . أسبوع مر ولا فكر الا فى الجريمة ، وكم كانت الأحلام مختلفة عندما تحرك القطار من محطة الإسكندرية . وهؤلاء الرجال ألم يرتكب أحدهم جريمة ! .. ثرثرة المال والحرب والحظ التى لا تنتهى ، ونبوءات عن جرائم فى باطن الغيب ، وغفلة تامة عن جريمة تدبر تحت أعينهم . "

ص 145 .. " زوجة رجل فان ، مدبرة جريمة رهيبة ، خالقة لذات جنونية ، معذبتك الى الأبد ومجرد وهم لا أساس له ساقك الى فندقها الدامى ثم رمى بك الى براثن هذه الحيرة القاتلة . كالوهم الذى دفعك تجرى وراء سيارة كالمجنون .."

ص 147 .." آه ، ليس لحنا جميلا فحسب . معجزة أيضا . هل كنت تحلم بذلك ! رأس مال بلا سرقة ولا جريمة . ومعه الحب الحقيقى . اذن رد الحياة الى عم خليل واستيقظ من الكابوس .."

ص 173.." لكن أحدا لم يعرف ان كانت كريمة صادقة أم كاذبة ولا إن كان الرحيمى موجودا أم لا "

ص 175 .." ولكن لا جدوى من التفكير فيها الآن ، ربما أشرت اليها فى مرافعتى باعتبارها أول جناية كتبت عليك قبل أن تولد .. " .

وهكذا يقدم الأستاذ نجيب محفوظ فى هذا العمل تنويعات جديدة مستمدة من النغم الأول لنظريته فى " لا قدرية " مسألة القضاء والقدر التى ناقشها فى عمله الأول " عبث الأقدار " كجزء أساسى من نظريته فى النسبية الإنسانية أو الحياتية .


18- مجموعة بيت سيئ السمعة ( 1965 ) مكتبة مصر

هذه مجموعة من ثمانية عشر قصة تحكى عن الثوابت الوهمية والمتغيرات الواقعية التىتحكم العلاقات بين البشر . وقد كانت مصر فى تلك المرحلة الزمنية تعيش فى تمزق وتشتت بين مراكز القوى الجديدة وإزدواجية السلطة بين الزعامة السياسية وزعامة الجيش التى نشأت بعد أزمة إنفصال سوريا والقرارات الإشتراكية والتأميم وما صاحب ذلك من تجاوزات . ولذلك قد تبدو هذه الأقاصيص تسلية لطيفة ولكنها فى حقيقتها إبتسامات مريرة تدعو إلى التفكير .. ثم ..


القصة الأولى " قبيل الرحيل "

.. تحكى عن وهم متعة الأخذ بلا عطاء ! .. ص 13 " فسألها بصوت متهدج : – مجرد حيلة من الحيل ؟ ! .. – ولكنها أسعدتك سعادة حقيقية .. .. .. ثم ص 14 " – لكنها حيلة لا بأس بها قبيل الرحيل ، أليس كذلك ؟ فقال بإزدراء : - قلت يا مغفلة أنك لن تستطيعى أن تكرريها مرتين .. فتساءلت : - ومن قال إننا سنلتقى مرة أخرى ؟!. " .


القصة الثانية " حلم نصف الليل "

.. تحكى عن وهم الظن فى بلاهة الآخر ( وقد تكون مصر هى أم عباس ) .. ص 16 " أم عباس امرأة جميلة ، عرفت فى الحى بجمالها ، ويتطلع إليها أصحاب الأذواق كما يتطلع أهل الخلاء إلى عين ماء ." .. " وعباس ابنها من الزوج الراحل ، فى العشرين من عمره ، طيب القلب جدا ، تلوح فى عينيه الواسعتين نظرة صامتة ، ولعلها ناطقة بلغة مجهولة ، يبتسم كالأطفال ، ويطلق شاربه ولحيته ويحبهما . " .. ثم ص 25 .. " عباس ! أنت أعجب شىء فى حارتنا .. :- كان عبده ما زال حيا عندما عثرت عليه فى القبو .. .. :- وقد نطق باسم قاتله قبل أن تصعد روحه .. :- وهو بلاشك قاتل حسين من قبل .. :- وعند التحقيق نسيت كل شىء وتلك إرادة الله ! . :- من أنت ياعباس ؟! .. وماذا يقول لك سيدنا الخضر كل ليلة ؟! . "


القصة الثالثة " قوس قزح "

.. تحكى عن وهم الخلق النمطى لفكر الآخرين طبقا لمقتضيات عقل فرد .. حتى لو كان العقل الأبوى .. ورغم الشكل الصورى المظهرى لمشاركة الآخرين فى إتخاذ قرار معروف مسبقا .. حتى لو كان العيش فى مستشفى المجانين .. وفقا لعين العقل .. ؟! .


القصة الرابعة " الصمت "

.. تحكى عن نعمة الصمت التى لانحس بها إلا فى لحظات الشوق إلى التوحد غير الممكن فى وجود الآخرين الذين يمسكون بسكين اللسان يمزقون به الصمت والخصوصية .. حتى فى لحظة الميلاد أو لحظة المرض .


القصة الخامسة " بيت سىء السمعة " تحكى عن وهم المعايير .. وعن مرض إزدواجية المعايير .. أو النفاق الذاتى إن صح التعبير .. ص 60 .. " – لكننى أحبك ، ليكن الأمر سرا بيننا حتى .. " .. " – نحن لانحب السر ! " .. " – حتى أقف على قدمى ! ؟ . " .. " – لن تقف على قدميك أبدا .. " ثم وهى تكاد تمزق منديلها الصغير من الإنفعال : - أعوذ بالله ! أنا لا احترم أحدا فى شارعنا ! .. بلا استثناء .. بلا استثناء .. .. هكذا انفصلا إلى الأبد . " . وكأنى بالأستاذ يقول : " كان البيت سىء السمعة على صواب فى معاييره ولكنه كان سابق على معايير شارعه وعصره ! ؟ . "


القصة السادسة " القهوة الخالية "

.. هل ثمة جدوى لطول العمر ! ؟ .. ص 69 " وإتخذ مجلسه بالقهوة تحت البواكى وهو يقول لنفسه فيما يشبه المداعبة : " ما بال القهوة خالية " . ولم تكن القهوة خالية . ولا كان بها من الترابيزات الخالية إلا عدد محدود . ولكنها خلت من الأصحاب والمعارف . "


القصة السابعة " كلمة فى السر "

.. هل ثمة جدوى للمعرفة المتأخرة فى نهاية العمر ؟ ص 82 .." ورغم التصميم على عدم النسيان نسيت ، حقائق مذهلة ولكن ما هى ؟! " .. .. " حقائق هائلة مذهلة ، ولكها ضاعت جميعا .. ! " .. .. " كم أود أن أتذكر ولو قليلا كى أموت مطمئنا .. ! "


القصة الثامنة " الخوف "

.. هذه القصة كأنها ملخص لرواية " أولاد حارتنا " والخلاصة : الخوف يورث القهر والمذلة . ص 94 .. " – الحارة أعجز من أن تدافع عن شرفها . وتجهمت الوجوه بالخزى ، وعجبوا كيف يجىء ذلك من الرجل الذى وهبهم السلام ، ولم يذوقوا للزنجبيل ولا للتبغ طعما . وتساءل شاب : - والعمل ؟ فقال المقرىء الأعمى : - قل ( أنا مرة ) ! " .

( كان ذلك القول هو ما يؤمر بترديده المعارضون فى السجن الحربى فى تلك المرحلة المعاصرة لتاريخ النشر ) .


القصة التاسعة " الرماد "

.. والرماد هو ما يتبقى مهما طال الحريق .. هذه حقيقة . ولقد إستطاعت فتاة ( مرة ؟! ) وحيدة أن تصبر على أذى النار .. ولم تخف لسعاتها ولذلك نجحت فى الفوز بتحقيق ما تريد !! .


القصة العاشرة " الختام "

.. ارتكب خطأ تزوير فى شهادة ميلاده .. وسار من نجاح إلى نجاح .. وفى النهاية تم إكتشاف التزوير بواسطة موظف صغير حاول إبتزازه .. ولكن .. ص 116 " ومن غير الله يمكن أن ينتشلك من مأزقك الخانق ؟ . ودعا ربه طويلا حتى إغرورقت عيناه . ووقع حادث أسيف فى طريق الكورنيش .. ! " .. ومن المؤكد أنه قد تم تحرير شهادة وفاة له غير مزورة .


القصة الحادية عشر " سوق الكانتو "

.. سلسلة اللصوص متصلة غير منتهية لا تعرف إن كان أولها فوق أم تحت ! .. بؤساء وصعاليك وأفاقين وإنتهازيين .. وإن كان لآخرهم سمت مغاير لأولهم .. إلا أنه لايختلف عنهم ؟!!


القصة الثانية عشر " وجها لوجه "

.. نار العداوة ، أو نور الحب ، عاطفتان فى نسيج النفس لاتخبوان مهما طال الزمن .. ولابد من المواجهة لكى تهدأ النفس فى النهاية بالموت أو ببدء حياة جديدة !! .


القصة الثالثة عشر " الهارب من الإعدام "

.. يلجأ إنسان إلى صحراء " القرافة ! " هربا من الموت إعداما ، فيأتيه الموت من فوق ! .. بقنبلة طائشة من طائرة فى غارة جوية !؟ .


القصة الرابعة عشر " سائق القطار "

.. أنا هو أنا .. قول يعكس الغرور والجمود أو تصلب رأى الصقر ؟! . والناس للناس .. قول يعكس نظرة عملية مرنة للدب ؟! . ويردد سائق القطار القول الأول .. أنا هو أنا .. ويقود القطار بكل من فيه إلى حتفهم لايثنيه عن عزمه نداء عقل أو رجاء إستعطاف . ويجن الصقر فيقتل الدب ويحاول قتل نفسه وسائق القطار يمضى به إلى الفناء ؟ . كابوس رهيب حلم به راكب وحيد فى القطار لا يعرف أحد ولا يعرفه أحد وكأنه كان يتنبأ عما حدث بعد ذلك بعامين من تاريخ النشر من آثار صدمة النكسة .. ورغم كل ذلك يصر الصقر على قوله : أنا هو أنا .


القصة الخامسة عشر " لونا بارك "

.. يقول الأستاذ عن بطل القصة وهو يدخل اللونا بارك .. ص 162 " فى الفرج الذى جاء بعد الضيق شعر بأنه ولد من جديد ، وهكذا بدأ رحلته . وصمم على تجربة كل لعبة فإنه لم يتكبد مشقة المجىء ليبقى متفرجا " . ويصادف البطل بطلة ويتبادلا أنخاب النشوة ويدخلا معا بيت التيه أو حجرة جحا ويجربا أبواب لاحصر لها وأنفاق وسراديب لاتنتهى ، وفى قمة القنوط ينفتح لهم باب الخروج ويغادرا الغرفة وهما يتصببان عرقا ..

ص 169 " – أنت عنيد أكثر مما ظننت . – هكذا يجب أن تكون الفسحة فى لونا بارك . –توجد ألعاب لطيفة وأخرى سخيفة . - الأفضل أن نجربها جميعا . إنتعشت بالشراب فطلب قدحين جديدين وهو يقول : - لم تبق إلا لعبة الموتوسيكل . قطبت متسائلة : - تقصد لعبة الموت ؟ . "


القصة السادسة عشر " موجة حر "

.. يصف الأستاذ الحر فى آخر القصة ص 180 بأنه .. " شىء غريب كريه زحم الجو ، ذو رائحة مريضة وشخصية مبهمة ، وقد إنعقد حول مصابيح الطريق كالضباب ، وانتشر تحت النجوم فتراءت خابية . " وخلال القصة .. يتابع تأثير ذلك الحر على نفوس الناس وتصرفاتهم كأنهم فى تجربة علمية . يقول الشرطى : – يوم نكد قبل ان تشرق الشمس ! . ويقول رجل : - الفول يغلى فى بطنى ! . يقول المدير : - ستعود الإدارة بعد الظهر لإنجاز الميزانية .. . ويهمس كاتب : - الحقود وجد فرصة للإنتقام ! ويرد زميله : - صبرك ، لن يمتد به الأجل حتى منتصف النهار ! . ويقول قارىء الشعر : - كلمات .. كلمات ، لا توحى بشىء ، أين ذهب الشعر ؟ . وينظر المستشار إلى الماء المترجرج فى الصفيحة الناصعة فيزدرد ريقه الجاف بصعوبة ، ثم يهمس وهو يبتسم متوددا للخادم : - تسمح لى بملء كوب ؟ . ويقول العاشق : - إذن متى تنكسر حدة الحرارة ؟ . وتهمس العاشقة : لا يوجد أحد غيرنا .. فيغمغم الآخر حانقا : - يوجد الحر .. .


القصة السابعة عشر " عابرو السبيل "

.. يكرر الأستاذ فى هذه القصة تجربته الأثيرة إلى نفسه وهى متابعة تطور التأثير غير المادى على حيوات الناس غير ذوى العلاقة المباشرة مع مضى الزمن ؟! . وهى تحكى عن ثلاثة : رجلان مصريان على بركة مترجم وسيد عزت مدير حسابات وإمرأة أجنبية مدام ماتياس خياطة ، عشقها كل منهما بطريقته مع نفسه دون بوح وإن وشت العيون بما فى الصدور . ويمضى الزمن ويلتقوا بعد عمر طويل ويحكى كل منهم رؤاه للتاريخ الماضى بلا إستحياء . كان على يريدها غصبا وأرادت هى سيد ولكنه تردد ولم يبادرها بالكلام لأنها كانت جادة جدا بصورة غير مشجعة ! . ولعل القصة ترمز إلى ذلك التردد الذى كان بسبب ميل البعض الصريح إلى " الفرنجة " وتردد البعض الآخر . وتنتهى القصة ص 196 .. " على ذلك غادروا المحل . وأمسك بيسراها داعيا الآخر للإمساك بيمناها وسار ثلاثتهم فى جو مائل للبرودة . والقمر متوار وراء سحابة مفضضة . وتراءى الخلاء فى ظلام حتى الأنوار المتباعدة الباهتة فوق المقطم كعقد من النجوم . وضحك الرجل وقال : - فلنتذكر أغنية جميلة يعرفها ثلاثتنا لنغنيها معا ؟ ."


القصة الثامنة عشر " يوم حافل "

.. يصف الأستاذ بطل القصة " كريم بك " فى مونولوج قائلا عن نفسه : " حياتك سلسلة من المعارك متوجة بالانتصار . فى ذلك متعتك وكرامتك فى الحكومة أو النادى أو القرية . منذ نشأتك الأولى وأنت مناضل كأنك تعيش فى حلبة ملاكمة . النضال هو روح الحياة وسرها أما القيم المعسولة الخرعة فهى آفات الحياة . والرجال يضمرون لك إعجابا لا حد له وإن رددت ألسنتهم خلاف ذلك فعن خوف أو حسد . " ويختم حياته فى حادثة ملهاة ص 206 " كان الغلام يبول فى علانية استعراضية ، وشقاوة وشت بسروره بما يفعل . وقد إنطلق البول متلألئا تحت أشعة الشمس فى هيئة قوس والغلام يدفعه بحركاته الذاتية إلى أقصى مدى يستطيعه . تراجع كريم بك فى شبه فزع فزلت قدمه فهوى على ظهره فارتطم مؤخر رأسه بحافة الطوار . ذعر الغلام فولى هاربا . ووقف المارة القريبون ليشاهدوا الحدث الغريب وهم بين الرثاء والإبتسام ولكن كريم بك استلقى فى إغماء لا شك فيه . وهرع إليه بعض ذوى النجدة ليسعفوه . وارتفع من بينهم صوت هاتفا : - يا لطف الله ... الرجل جثة هامدة ! ."


19- " الشحاذ " ( 1965 ) مكتبة مصر

   تمثل هذه الرواية تمام النضج في الفهم والتعبير عن التكامل الكوني وتناسق المخلوقات في منظومة حية مما يعرف مجازا بالجماد والحيوان والإنسان .. وقد يكون الطفل هو نجيب محفوظ نفسه في السطور التالية مباشرة .. والشحاذ غير متشائم ولكنه حزين .. ليس ذلك الحزن الأسود .. بل الحزن النبيل الذي يعرف أخرتها منذ أن خبرها في البداية المبكرة .. جدا .
	 	
	 	

ص 5 .. " سحائب ناصعة البياض تسبح فى محيط أزرق ، تظلل خضرة تغطى سطح الأرض فى استواء وامتداد ، وأبقار ترعى تعكس أعينها طمأنينة راسخة ولا علامة تدل على وطن من الأوطان ، وفى أسفل طفل يمتطى جوادا خشبيا ويتطلع الى الأفق عارضا جانب وجهه الأيسر وفى عينيه شبه بسمة غامضة . لمن اللوحة الكبيرة ياترى ؟ .. ولم يكن بحجرة الإنتظار أحد سواه . وعما قريب يأزف ميعاد الطبيب الذى ارتبط به منذ عشرة أيام . وفوق المنضدة فى وسط الحجرة جرائد ومجلات مبعثرة . وتدلت من الحافة صورة المرأة المتهمة بسرقة الأطفال ، رجع يتسلى بلوحة المرعى ، الطفل والأبقار والأفق رغم أنها صورة زيتية رخيصة القيمة ولا وزن إلا لإطارها المذهب المزخرف بتهاويل بارزة وأحب الطفل اللاعب المستطلع والأبقار المطمئنة ولكن ازدادت شكواه من ثقل جفونه وتكاسل دقات قلبه . وها هو الطفل ينظر الى الأفق ، وها هو الأفق ينطبق على الأرض ، دائما ينطبق على الأرض من أى موقف ترصده ، فيا له من سجن لا نهائى .." .


وقوله في ص 24 .. .. " العلم لم يبق للفن شىء ، ففيه لذة الشعر ونشوة الدين وطموح الفلسفة ولم يبق للفن إلا التسلية ، وسينتهى يوما بأن يصير حلية نسائية مما يستعمل فى شهر العسل . "


وقوله في ص 26 .. " وإندفعنا برعشة حماسية إلى أعماق المدينة الفاضلة وإختلت أوزان الشعر بتفجيرات مزلزلة ، وإتفقنا ألا قيمة البتة لأرواحنا ، وإقترحنا جاذبية جديدة غير جاذبية نيوتن يدور حولها الأحياء والأموات فى توازن خيالى لا أن يتطاير البعض ويتهاوى الآخرون".


وقوله في ص 45 .. " يجب أن نتخلى للعلم عن جميع الميادين عدا السيرك . إن الترفيه غاية جليلة لمتعبى القرن العشرين ، وما نظن أنه الفن الحقيقى ليس إلا الضوء القادم من نجم مات منذ ملايين السنين ، فعلينا أن نبلغ الرشد وأن نولى المهرجين ما يستحقونه من إحترام .. ولنتنازل نهائيا عن غرور الكبرياء وعرش العلماء ولنقنع بالإسم المحبوب والمال الوفير . .


ص 47 .. " هاهى الشمس تتهاوى للمغيب . قرص أحمر كبير إمتص المجهول قوته وحيوته الباطشة فرنت إليه الأعين كما ترنو الى الماء . وتدفقت حوله كثبان السحب وضاءة الحوافى موردة الأديم فى مهرجان من الألوان .. "


ص 49 .. " ما أشد استجابة نفسك ل" تهرب " كأنها مفتاح سحرى يلقى اليك فى جب ."

وقوله فى ص 73/74 .. " لا مراء فى ذلك .. رجلك القديم إنسلخ من جلده .. هاهو يركض لاهثا وراء نداء غامض .. مخلفا وراءه حفنة من تراب .. مسرات الأمس وحتى المدينة الفاضلة .. حفنة من تراب .. وحتى فتاة النضارة الواعدة عندما دقت أجراس الكنيسة .. " ...


وقوله في ص 99 .. " لعل سر شقائى أننى أبحث عن معادلة بلا تأهيل علمى ... وقوله .. " مطلق خارج أسوار الزمان والمكان تكتسب فيه النشوة صورة الدوام " ..


وقوله في ص 161 .. " العلماء يبحثون عن سر الحياة والموت بالعلم لا بالمرض " .. ..


وقوله في ص 182 .. " والإنسان لن يبلغ آية حقيقة جديرة بهذا الإسم إلا بالعقل والعلم والعمل " .


20- ثرثرة فوق النيل ( 1966 ) مكتبة مصر


21- أقواله فى ميرامار ( 1967 ) مكتبة مصر


22- أقواله فى خمارة القط الأسود ( 1969 ) مكتبة مصر

تم نشر هذه المجموعة من القصص بعد هزيمة 1967 ورغم ذلك فإنها لا تعكس أى إشارات الى اليأس أو الهزيمة ولكنها على النقيض تأكيد من الكاتب على حيوية – حتى - الجماد ! ويربطها جميعا إنهيار ما كان يظن – دائما - أنها .. ثوابت .. .. ولن أقدم مختارات من هذه الأقاصيص ولكن المعنى الرمزى المقصود فيها على النحو التالى :-


القصة الأولى " كلمة غير مفهومة " = مؤامرة ( = التخطيط ) الإستدراج الى النفق المظلم ( = سيناء ) ثم الضرب والإغتيال والهزيمة مع إنهيار وهم القوة بالكلام .


القصة الثانية " الصدى " = مونولوج الإعتراف بالتقصير فى حق الأم ( مصر ) وإهمالها حتى وصولها إلى العجز بالعمى والصمم ( عدم رؤية المخاطر وعدم سماع الرأى الآخر ) .


القصة الثالثة " الخلاء " = بعد عشرين عاما ( 1948- 1967 ) من حرب فلسطين .. وتيجى تصيده يصيدك .


القصة الرابعة " البارمان " = الإنهيار وصل حتى بائع الوهم .. فمن كان بائع الوهم ؟ ! .. الذى تقول عنه القصة فى الجملة الأخيرة .. " هكذا قلنا جميعا ، لم نصدق أعيننا ونحن نراه وهو يتهاوى وراء البار ، وقبيل ذلك بثوان كان يضحك ويتحدث وهو واقف كتمثال ، ولكن بالله خبرنى كيف كان أن يموت رجل فى مثل قوته الا بضربة قاضية ؟! . "


القصة الخامسة " المتهم " = هو الذى يقول  : ص 71 .. " كل شىء يجب أن يعاد التفكير فيه . كل شىء كشىء وككل . يجب أن نبدأ من الألف لنفهم كل شىء ولنسيطر على كل شىء وحتى لا يوجد شىء لا يذكر . وليس الزلزال بمسئول ولكن المسئول هو الجهل . وعليك ألا تذعن بعد اليوم لدكتاتورية المجموعة الشمسية ولا للغة النجوم الغامضة . " ويلاحظ أن كلمة الزلزال لم ترد فى الأحداث فى الأساس فهى مضافة لتأكيد المعنى الرمزى المقصود بالهزيمة .


القصة السادسة " السكران يغنى " = الجعجعة = فاشوش = لا شىء .


القصة السابعة " جنة الأطفال " = بساطة وبراءة وبراعة التفكير المنهجى .. ص 95 .. " وحرك تيار الأسئلة علامات استفهام راسبة فى أعماقه " .


القصة الثامنة " فردوس " = كأننا جزء من الشر الذى نحاربه ..


القصة التاسعة " الرجل السعيد " = الضحك = البكاء .. " لايصح أن تجزع أو أن تحزن .. الجزع ، الحزن ؟! . ابتسم ، اتسعت ابتسامته لغير نهاية ، أفلتت ضحكة منه ، ومالبث أن أغرق فى الضحك . صمم على ضبط نفسه ولكن مقاومته انهارت تماما فراح يقهقه عاليا ..


القصة العاشرة " معجزة " = نحن والآخرين نصنع الوهم الذى لا ندركه بحواسنا ثم نصدق نتائجه القائمة على غير أساس .. ثم نفلسف ( حقائق ! ) الوهم كما فى ص 134 .. " وازدادت معلوماته يوما بعد يوم ولكنه كان يدرك أن جوهر المسألة لا ينهض على العلم وانما على قطع طريق طويلة ، خطوة فخطوة مقاما فمقاما ، وحالا بعد حال . أين يجد الصبر ؟، كيف يسعفه الوقت ، ومن أين له بالقوة والعزم ؟ . " .


القصة الحادية عشر" المجنونة " = إنقياد القطيع إلى حتفه .. آخر جملة فى القصة " بل هو غباء الحارة وهو الأصدق ".


القصة الثانية عشر " خمارة القط الأسود " = خوفنا هو صانع ذلنا .


القصة الثالثة عشر " زيارة " = حرصنا هو صانع خوفنا .


القصة الرابعة عشر " حلم " = أخذوا أموال الأغنياء .. .. ماذا أعطوا للفقراء ؟ = كيف يتم تحقيق حلم العدل ؟ المستحيل !.


القصة الخامسة عشر " رحلة " = الحياة .. وفى لغة علمية بحتة ص 208 .. .. " ولعلها اليوم فى الثمانين من العمر أن تكن معدودة من الأحياء ، أو لعل النباتات والهواء إمتصت مخلفاتها من النتروجين وثانى أكسيد الكربون والماء وبرادة الحديد والنحاس والكالسيوم ، أجل لايبعد أن يكون - هو – قد إستنشق بعضها أو أكل البعض الآخر وهو لا يدرى .. " .


القصة السادسة عشر " المسطول والقنبلة " = الأحساس بالظلم يولد الثورة .


القصة السابعة عشر " صورة " = قوة شريرة خلقت من الشر لتمارس الشر .


القصة الثامنة عشر " صوت مزعج " = هو = الحق والحقيقة .


القصة التاسعة عشر " شهر زاد " = كل ما عداه باطل .. سبحانه وتعالى .


وهكذا يقدم لنا الأستاذ نجيب محفوظ فى هذه المجموعة من الأقاصيص بحثا شاملا عن الأسباب الحقيقية للهزيمة فى عام 1967 بتحليل لقوى الطاقات الفاعلة فى داخل النفس .. ويقول ذلك بكل وضوح لمن يستطيع أن يقرأ فى القصتين الأخيرتين من المجموعة . ولقد طبق نجيب محفوظ معايير التوازن فى نظريتة فى القياس والمقارنة بين الأفعال .. ومن ثم تأثيرها فى الوصول الى النتائج .


23- تحت المظلة ( 1969 ) مكتبة مصر

كتب نجيب محفوظ هذه المجموعة بمداد من المرارة الذى تعبر بصدق وأمانة عن حال مصر فى أعقاب الهزيمة التى يلخصها السطر الأول من المجموعة " انعقد السحاب وتكاثف كليل هابط ثم تساقط الرذاذ ." .. وتخلص كل قصة من المجموعة إلى معنى أو رمز كان من أسباب الهزيمة على النحو التالى : -


القصة الأولى " تحت المظلة " = رمز السلبية على هيئة مجموعة تتجمع تحت المظلة تراقب أحداث القتل والإغتصاب وغيرها بلا رد فعل .. فيأتيهم الشرطى ، الذى كان يقف متفرجا على جميع أنواع الشرور التى أرتكبت ولم يجرؤ على التدخل ، وتغريه سلبيتهم فيستأسد عليهم ويسألهم : - ماذا وراء اجتماعكم هنا ؟

تبادلو نظرات إنكار وقال أحدهم : - لا يعرف أحدنا الآخر !

- كذبة لم تعد تجدى ..

تراجع خطوتين . سدد نحوهم البندقية . أطلق النار بسرعة وإحكام . تساقطوا واحدا فى إثر الآخر جثثا هامدة . انطرحت أجسادهم تحت المظلة أما الرؤوس فتوسدت الطوار تحت المطر .


القصة الثانية " النوم " = الموت .. ص 23 .. " حياه الجرسون وجاءه بالجرائد . اعد له مع القهوة سندوتش فول فبعد أن شبع ثقل رأسه أكثر وأكثر حتى عجب أين كان النوم وهو يستجديه فى فراشه . وتذكر درس المفعول المطلق الذى سيلقيه غدا صباحا على تلاميذه فتذكر بالتالى زميله مدرس التاريخ ، قرينه فى المناقشات الجنونية .

– ولكن ما معنى ذلك ؟

– أنت مدرس عربى ، حسن ، هل عرفت فعلا بلا فاعل .. ؟

– اللغة بحر بلا حدود .

– مات محمد ، محمد فاعل ، ولكن أى فاعل هذا ؟! ، ولذلك فإنى أبحث عما أريد خارج نطاق اللغة .. وجاء الجرسون لينظف الرخامة فسأله :

– كيف تبرر مطالبتك الزبائن بأثمان الطلبات ؟

إبتسم الرجل إبتسامة المعتاد لهذه الأسئلة الغريبة ، ثم تناول قروشه ومضى . وقال لنفسه ( إنه يبتسم ابتسامة العقلاء ، ومع ذلك فما لم نعرف كل شىء فستظل معرفتنا الأشياء الصغيرة القريبة ناقصة وغير مبررة ) " .

ص 30 .. " قال فى التحقيق أنه كان نائما ، أليس عجيبا ألا يوقظه الصراخ والمطاردة والاستغاثة . إنه لعجيب حقا ولكنهم لا يعلمون أنه قضى الليل فى تحضير الأرواح وأحاديث المصير . إعتصر الألم قلبه فتجرع سما بطيئا . "

ص 31 .. " استلقى على الفراش وهو من العناء فى غاية ، ثم غمغم مغمض العينين : - ما أحوجنى إلى نوم طويل ، طويل بلا نهاية .. " .


القصة الثالثة " الظلام " .. كأن كاتب هذه القصة هو آينشتين بنفسه لأنها تناقش " بوضوح كامل " نسبية حواسنا وبالتالى نسبية أحكامنا على مانعتقد أنه حقائق ثابتة .. ولكنها فى حقيقتها أوهام ناتجة عن القصور فى حواسنا ..

تبدأ الحكاية هكذا : ص 35 .. " كثيف الظلام كأنه جدار غليظ لا يمكن أن تخترقه عين . لا يرى شىء ألبتة . إنهم يجتمعون فى عدم . ولا صوت إلا قرقرة الجوزة . والجوزة تدور حتى تتم دورتها فى الظلام فترجع إلى المعلم بطريقة ميكانيكية . وكثيرا ما كان المعلم يقول : - إنى أرى فى الظلام ، أعتدت ذلك لطول معاشرة السجون والخلاء .. "

ص 38 .. " – لكنه لا شىء حقيقى إلا الظلام والصمت ! "

ص 45 .. " - ودققنا الجدار ونادينا بأصوات كالرعد ..

- عجزتم عن ذلك كما تعجزون عنه الآن ، ولكنكم توهمتم أفعالا لم تخرج فى حقيقتها عن نطاق رؤوسكم ، كانت أفعالكم كالظلام الذى يلفكم لا وجود حقيقى لها .. "


القصة الرابعة " الوجه الآخر " .. الحيرة فى الإختيار بين قوى الخير والشر !!

ص 60 / 61 .. " غير أن عواطفى تمردت علىّ واقتتلت بمرارة ومزقتنى تمزيقا . فكلما أحرز رجال الأمن انتصارات حاسمة داخلتنى كآبة وأشفقت من خلو عالمى من رمضان ومرحه وأساطيره ومغامراته فى دنيا الجنس والتحدى . وكلما فاز الرجل فى مطاردة ونشر الرعب من حوله وهدد أخاه انقبض قلبى واستشعرت خوفا من تسلط قوى الهدم والعربدة وتمكنها من تقويض دعائم الأمن والحضارة . وانبهم أمرى على نفسى ولم أعد أدرى أى رجل أكون ، ولا ماذا أروم ، ولا كيف أبلغ التوازن المنشود . هكذا تابعت أنباء المعركة باهتمام وانفعال وخجل وحيرة .

وانتهت المعركة إلى خاتمتها المحتومة . وطلعت علينا الصحف ذات صباح بصورة رمضان وقد خر صريعا مضرجا بدمه . انقضت المطاردة الجهنمية وأيام القلق ولياليه . رنوت إلى الصورة طويلا حتى شعرت بالدمع يدب فى أعماق عينى . وحنقت ، امتلأت بالحنق ، ولكنى لم أدرى علام أحنق . وازدحمت مخيلتى بالقوى الكونية المدمرة كالزلازل والبراكين و الأعاصير والشهب والفياضانات والجراثيم . ولم أدر هل أتذكرها على سبيل التشفى أو لأعرف موضعها بين الخير والشر .

ص 64 .. " – لقد أضعت أيامى فى صحبة العقلاء ، سألهو بالأشياء العميقة ، سأنصب شراعى فى مهب العاصفة . سأسحق مقتنياتى وأقذف بها للرياح ، سأعرض عن العقلاء الشرفاء ، وليجرفنى الدوار ، فليكونوا سعداء نافعين ولأكن مجنونا مخربا وليتقبلنى الشيطان ، وتسألنى عن التقاليد فأقول لك ‘نه لن يعرقلنى شىء ، سأقبض على الأدوات وأدمر كل شىء ! ومضيت بعزم نحو الفتاة العارية وأسدلت الستار ورائى . "


القصة الخامسة " الحاوى خطف الطبق " .. حكاية من ذكريات الطفولة تبدأ هكذا : قالت لى أمى : - آن لك أن تكون نافعا . ولكنها تنتهى بذكرى جريمة كأنها كابوس . وفيما بينهما أحداث محفورة فى الذاكرة ، بل ولعلها الأحداث التى تم بها حفر مسيرة الحياة .. يتذكرها دائما ويكرر تذكر مواقعها فى أعماله السابقة والتالية لها حتى وصلت معه إلى أحلام فترة النقاهة ، آخر ماكتب . وجميعها تؤكد ذلك الشغف ، القديم ، بدقة الملاحظة ودقة تذكر التفاصيل ودقة الربط بين الأحداث حتى ولو كانت غير مفهومة أو غير مبررة فى حينها .

القصة السادسة " ثلاثة أيام فى اليمن " .. حكاية مجسمة .. ترويها أربع عيون ورأسان وقلبان .. أديب وجندى .. ولكن برؤية نجيب محفوظ الذى قال :

ص 86 .. " - إنها الحرب ، وهى ككل حدث خطير تدفعنا تدفعنا إلى مواجهة لغز الوجود ، وجها لوجه .. " . .. .. " – ستكون الحرب القادمة خاتمة الحروب ! ." . .. .. " – لكن هل تستمر الحضارة بلا حروب ؟ . " . .. .. " – الحق إن العالم مقبل على عصر عليه أن يخلق فيه كل شىء من جديد . – وربما وجد أن عليه أن يعتاد الحياة بلا معنى ولا آمال كبيرة ! . " . .. .. " – أظنه بسكال الذى قال إننا مبحرون فى هذا العالم ، ليس لنا خيار فى أمر السفر فلم يبق لنا سوى إختيار السفينة .. . .. .. – ولكن كيف نختار سفينة مناسبة إذا لم يكن لدينا فكرة عن الرحلة ؟ .

ص 89 .. " تحرك القطار . اجتاحنى شعور بالغرابة والحيرة . لم أودع خطيبتى ولم أودع أمى . منذ عام كنت موظفا ، مجرد موظف على مكتب . وبفضل شبابى وصحتى أحببت وخطبت ثم جندت . هاهو القطار يحملنا إلى الميدان . سنهبط من الطيارات إلى ميدان حرب حقيقية . لا تمرين ولا مناورة . "

ص 119 .. " وجدتنى طيلة الوقت أقارن بين بين أحاديثنا الفردية وكلماتنا أمام الجمهور . بين تجوالنا فى السوق وموقفنا وراء المنصة . إن الصوت الذى يتحدث أمام الجماهير هو صوت الجماهير . وخيل إلى أننى أدركت شيئا مما ينقصنا . لعله محو التناقض بين ما يقال وما يجب أن يقال . أن نتبنى فى خلوتنا صوت الجماهير . هاهى أشداق مستقبلينا متكورة بالقات إذ قامت الحفلة فى وقت التخزين . هكذا اجتمع خازنو القات بخازنى الهدايا فى سباق الحماس لتقرير المبادىء المثالية للأمة العربية . ".

ص 127 .." دخلنا معركة كلامية ، قلنا لهم ياعبدة الإمام يا أعداء الإصلاح فقالوا لنا ياكفرة يا فجرة يا عبدة الشيوعية ، .. .. "


القصة السابعة " يميت ويحى " .. مسرحية .. ودلالاتها الرمزية هى :

المسرح = أرض مصر ، والفتاة = مصر ، والفتى = جمال عبد الناصر ، والصوت = ترديد الجوامد بلا مشاركة ، والطبيب = التشخيص بلا مسؤلية ، العملاق = روسيا ، الشحاذ = المستغنى الحكيم العاقل . وبحل الرموز نستطيع فهم النص كما أراد له الأستاذ .


القصة الثامنة " التركة " .. مسرحية .. الحوار ( وليس الصراع ) الدائم بين الدين والعلم أو بين الغيب والواقع الذى يعشق أن يديره الأستاذ بتنويعات متباينة .. وفى هذه المسرحية كانت التركة علم ومال .. والوارث إبن عاق لشيخ شهد الجميع بطيبته لأنه كان يهديهم الطمأنينة . أهمل الإبن كتب العلوم الدينية وداستها رفيقته . فجاءه من إستطاع تكبيله وأخذ المال . وتكون الخلاصة فى الحوار مع المهندس أو رمز العلم الحديث ( الذى يريد شراء موقع بيت الشيخ ، متميز الموقع ، ليقيم فى مكانه مصنع للإلكترونيات " ... وحين يسأل عن الأب الشيخ الطيب ص .. 204 " أكنت تؤمن به ؟ فيجيب : كنت أحبه . وحين يعاد السؤال عليه مرة أخرى ص 205 " : ولكنك لم تؤمن به ؟ فيجيب : ( ضاحكا ) كان يقول لى " الطمأنينة هى هدف النفس البشرية " فأقول له " بل التقدم يا مولاى ولو بالجهد والقلق " . ثم حين يلتفت المهندس إلى الوارث إبن الشيخ ويسأله : وأنت .. ما مهنتك ؟ فيجيبه الفتى : ص 206 " صاحب خمارة . فيرد المهندس : ( ضاحكا ) لست مقطوع الصلة بأبيك ، فالناس يقصدون الخمارة طلبا للطمأنينة أيضا . " .. ص 206 الأخيرة .


القصة التاسعة " النجاة " .. مسرحية .. بطلاها إمرأة هاربة .. ورجل آواها . فى ص 215 .. " يقول الرجل : من المؤسف أن عهد الفروسية والملاحم قد ولى .. فتجيبه المرأة : فى حالات اليأس يفزع القلب إلى زمن الأساطير ! " وفى ص 221 .. " يقول الرجل لصديقه : نحن فى زمن الخوف من الشرطة ، أما شهامة الأساطير فقد ولى زمانها ! " .. وفى ص 225 .." تقول المرأة : إذا إنقطع الأمل فعلينا أن نعاشر اليأس معاشرة حسنة . " .. وفى ص 226 .. صراع بين الرجل والمرأة بعد مشاجرة كلامية ثم .. " وبالإستمرار لاتكاد تختلف حركاتهما عن مبادلات العشق . ويتغير مذاق الصراع وحدته . ويخلق جو جديد لم يكن فى الحسبان فتستغله الأعصاب المتوترة اليائسة . وإذا به يضمها بين ذراعيه وينهال عليها تقبيلا ." .. وفى ص 227 " الرجل : ترى ماذا يحدث فى الخارج ؟ .. المرأة : كما يحدث فى الداخل ... الرجل : ماذا تعنين ؟ .. المرأة : جرائم ترتكب باهتمام وجنس يمارس بلا اهتمام ... الرجل : وبلا حب ؟ .. المرأة : لحظات عناق تنتزع من بين الكلمات ولىّ الأذرع . " ثم حين يسألها الرجل عن جريمتها .. تسأله عن جريمته .. وعندما يصنف الرجل الجرائم : من تزييف نقود ؟ .. مخدرات ؟ .. دعارة ؟ .. سياسة ؟ ( لا فرق ) . تجيبه المرأة : جميعها ظاهرات إجتماعية . " . وفى الختام وبعد أن تقتل المرأة نفسها يتضح أن المعركة الدائرة بالخارج لا علاقة لها بجرمها فيحمل الرجل جثتها معتقدا أنها نائمة وأنهما قد نجيا ويقول : سيمسى اليأس فى خبر كان .. نجوت ونجوت وستكونين لى إلى الأبد ." وهذا هو وهم النجاة فى ذهن الغارقين .

مسرحية ملهاة .. كتبت فى ذروة النكسة .. ورمز المرأة الهاربة بجرم والرجل الملجأ والخطيئة ثم ضياع العقل بالسكر والحياة بالموت ورغم كل ذلك الظن بالنجاة ( أو النصر كما كان يقال ) ؟! .


القصة العاشرة " مشروع للمناقشة " .. مسرحية .. يلخص فيها الأستاذ على لسان المؤلف ( أو رمز الزمن ) قصة الخلق كله .. " رجل وإمرأة يلتقيان فى غابة ينصرف همهما لتأمين حياتهما من أخطار متعددة تحيط بهما ولا تنتهى .. ولكن النهاية تأتى وهما يتعانقان فى حرارة فيسقطان جثتين هامدتين "

ولكن النفوس وما تهوى لاترضى بذلك الحتم .. ! يتصور المخرج ( الجهل ) أنه يستطيع تغيير النهاية .. فيجيبه المؤلف ( الزمن ) متهكما : ربما تكون حرا فى كيفية الوصول إلى النهاية التى أختارها ولكن لا حرية لك فى تغييرها . ويتصور الناقد ( الجدل ) أن الرواية تنكبت سبيل الجلال الحق .. فيجيبه المؤلف : ما زلتم تحنون إلى القدر والأبطال الخرافيين وأسطورة المجتمع ، ولكن القدر لم يعد إلا موضة بالية ، والبطولة الخرافية مراهقة ، وهل يتمخض المجتمع إلا عن لعبة عن لعبة يغبث بها أطفال شريرون لن تحسن تربيتهم ؟! . ويتصور الممثل ( الغرور ) أنه البطل .. وأنه المسرح .. وأنه الجمهور .. فيجيبه المؤلف : لست إلا ممثلا .


24- حكاية بلا بداية ولا نهاية ( مجموعة 1971 ) مكتبة مصر

فى هذه المجموعة من القصص التى نشرت بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وفى بدايات فترة حكم الرئيس أنور السادات وفى فترة الإستعداد لحرب التحرير . والقصة الأولى التى تحمل المجموعة إسمها يكتب نجيب محفوظ نفس الحكاية التى لم يمل سردها بقلمه أمام أعيننا مرارا وتكرارا ، لعلنا نعى ولعلنا نسلك الطريق لكى نفهم الحقيقة ؟ ..

ص 9/10 " كل علم فهو من عند الله .. .. ولكن العبرة بالجهاد وعليه يتوقف الطريق .. .. لكى تكون خليفة كما ينبغى لك .. .. إن علوم الدنيا لها نهاية أما جهاد الطريق فلا نهاية له . يا للذكريات ، عرفنا ذات يوم أسماء جذابة كأرشميدس ونيوتن . وحقائق غريبة كالجزىء والحركة . ولم أتصور وقتذاك أنها ستطاردنا بعنف كالزمن . " .

ص.. 16 " – لعلكم تؤمنون بالإنسان ، هكذا يقال كثيرا هذه الأيام ، ولكن ما قيمة الإيمان بالإنسان بغير الإيمان بالبطولة ؟ " ... ... " لا قيمة لشىء بغير البطولة ." .. أى ضمان للبطولة – وهى تضحية بالنفس والمال – بغير إيمان كامل بالله ! " .


ص.. 25 " القلب نبع يفيض بمنصهر المعادن النفيسة والخبيثة . والسرور توأم الحزن . "

ص ..27 " فى الخارج عاصفة ترابية أخشى أن تدفن الحارة دفنا ، فى هذا الجو يضيق الإنسان بالحياة وتضيق الحياة بالإنسان ، وعجيب أن تكون من تراب وتجزع هذا الجزع منه ، .. "

ص .. 34 " ليست الولاية أن ترث العرش ولا أن تقرأ كتب الأقدمين والمحدثين ولكنها طريق طويل شاق لا يقدر عليه إلا أهل الإيمان الحق . "

ص .. 40 " لقد زارونى ، حدثونى عن العلم الذى يؤمنون به فحدثتهم عن العلم الذى أؤمن به ، تبادلنا الاحترام طول الوقت ، قلت إن العالم من رجال الله إلا إذا أراد أن يكون من رجال الشيطان ، قالوا ليس من أهل الطريق من يلهج بالفسق والجشع فقلت ولا من العلماء من يهب قدراته للدمار! "

ص .. 47 " إنك ثعلب ماكر وإنى لفى حاجة إلى كل نقطة مكر فى صدرك ، لا تعن بالمحافظة على المظاهر الرقيقة فقد فاحت روائح الباطن الكريهة ، إلى بجميع الشياطين التى تقيم فى هذا البيت واستعر من تستطيع من شياطين الحى كله ، كفاك خداعا بالفضائل الكاذبة .. واستخرج من قبور قلبك الرذائل الرائعة المخلوقة أصلا للكفاح والنصر ، لنتعرف بسرعة .. وبقوة .. وبلا رحمة ، ليكن سلوكنا كما ينبغى لأناس سادوا بعد هرب موفق من مسرح جريمة بشعة ... ثم هاموا على وجوهم كالوحوش يأكل بعضهم بعضا . ولما شيدوا من أسلاب الضعفاء قصرا جعلوه ميدانا لألعاب الخسة والفسوق ، ياشيخ عمار هلم إلى ساحة الغدر والجريمة والعنف ."

ص .. 53 " ماذا أقول لرجل لم يشعر قلبه بقيمة نبيلة قط ؟ ماذا أقول لرجل يستمد معارفه عن النساء من دنيا الساقطات المحترفات ؟! ماذا أقول لرجل خسيس يخطر فى لباس شيخ طريقة ؟! "

ص .. 63 " ولكن ثمة مجال للعمل ، بم طالبك أبوك قبل وفاته ؟ . ابدأ اجتهادك فى الطريق وسوف يقودك من خير إلى خير . "

ص .. 65 " اعزم ، العمل يقتل الشك ، النجاح يقتلعه من جذوره ، فى وسع أى إنسان أن يكون نافعا للناس ، على ضعفى وعجزى كنت القوة التى أقنعت كثيرين من أولياء الأمور بإرسال أبنائهم إلى المدارس ! "

ص .. 66 " معذرة يابنى فإنى لا أنطق إلا عن صدق ، وأردت القول بأنه لو أنك مارست حياة الطريق الشاقة الطاهرة لما تعرض لك أحد بسوء أو لما باليت بما يتعرضون لك به . "

ص .. 68 " عاصفة تجتاح رأسى ، أحداث تطاردنى فلا تدع لى فرصة لإنعام النظر ، من أسفل يلح نداء ومن أعلى يلح نداء ، وأنا ممزق القلب ، كأنى مطالب بتنظيم الوجود وأنا محاصر فى ركن ضيق يهددنى الموت ! "

ص .. 69 " كلا إن الحياة تتموج أمام بصرك ، الأركان تتهاوى ، أوهام تتبخر ، حقائق تنقض كالقنابل ، عناصر تتحلل مطالبة بتركيب جديد ، أصوات جديدة تحطم جدران الخرس وترتفع ، أناس يتلاحمون ، قوى تنطلق من مخابئها ، والنفس تطالب صاحبها باتخاذ موقف . اثبت .. اهرب .. احى .. مت .. تعقد .. تجدد .. ولكن لا حل إلا أن تخوض أمواج الظلمات وأن تشق طريقك إلى بر النور ."

ص .. 77 " وقد اخترت سبيلى ، فاضت من قلبى قرارات عنيدة غير متوقعة كضربات المطارق المنهالة على رأسى اكتسحت نداءات الدعارة اللزجة اللينة ، فرفضت الهزيمة ومججت الهناء السهل ، والظاهر أن إيمانى بجوهر جدى كان أكبر من إيمانى بمعجزاته ."


وفى القصة التالية من المجموعة " حارة العشاق " يقدم الأستاذ بحثا جديدا عن السعادة وراحة البال بعيدا عن الشك والحيرة . فيجد البطل الحل - غير الكامل - على يد رجل الدين الشيخ مروان عبد النبى أو رجل العلم الأستاذ عنتر عبد العظيم أو شيخ الحارة عم مراد عبد القوى ( يلاحظ براعة إختيار الأسماء ومدلولاتها ) .. ويصل فى النهاية إلى أن : - ص 117 " لكل إنسان مزاياه ونقائصه ، هذا قانون ينطبق على الإمام والمدرس وشيخ الحارة ، فشيخ الحارة ليس بالإنسان الكامل ولكن الأمر لم يكن يقتضى القبض على الرجلين المحترمين . " .. ولعل بعض المختارات من الحوار توضح البحث ونتائجه :

ص 88 .. " خطر لى أنه من المفيد أن نتعاون على محاربة ذلك العدو المدعو الحزن . " .. .. " لا تنس الإيمان بالله هو الملاذ الأخير من جميع الأحزان . " ..

ص 89/90 .. " لا أدرى من أين أبدأ أأقول لك إن لرجال الله خواطرهم القلبية التى تفوق فى قدرتها براهين العقول ؟! ، ولكنى أخاف ألا يكون إيمانك بالقوة التى تتخيلها ، كثيرون يعتقدون أنهم مؤمنون ثم تراهم ينهارون لدى أول تجربة ، المؤمن الحقيقى ياعبد الله يحرك الجبل ويزلزل الحياة ويقهر الموت . "

ص92 .. " حواسنا ؟! ، عليها اللعنة ، تلك المرايا المشوهة التى لم تخلق إلا لتشهد بكذبها بصدق حدس القلب ."

ص94 .. " – آن لك أن تؤمن كما يؤمن الإنسان الكامل ، وسوف تعرف الروح وبهجتها ، ومعنى الحياة الزوجية ومسراتها الحقيقية ، وستعرف إلى ذلك كله كيف تهزم الشيطان إذا تصدى لك بلعبة من ألاعيبه ! ."

ص95 .. " لا أذكر أننى كنت مبهورا به ، ولكنه مضى يتكشف لى على حقيقته ، قاومت الملل شهورا ، انتظرت عبثا أن يقول شيئا جديدا ، ولكن لا جديد ، رجل يؤدى وظيفته بلا روح ، ينادى على بضاعته كبياع البطاطة . "

ص 103 .. " هل خطر لك يوما أن تسأل نفسك عن معنى حياتك ؟ .. .. " ما معنى الحياة ، ما معنى الإنسان . وما معنى الحب ، ما معنى الخيانة ، أدركت ما أعنى ؟ " .. .. .. " الثقافة أن تعرف نفسك ، أن تعرف الناس ، أن تعرف الأشياء والعلاقات ، ونتيجة لذلك ستحسن التصرف فيما يلم بك من أطوار الحياة ! " .. .. " لقد ضيعت فى الأرشيف عمرا ! وفى المقهى عمرا . وفى الزاوية عمرا . ومن حق الثقافة عليك أن تهبها بعض عمرك ..."

ص 108 .. " صديقى عبد الله ، ليحفظك الله من كل سوء ، ليجعل لك من عقلك مرشدا . "

ص 122 .. " يهمنى جدا أن أعرف الأسباب التى أدت إلى القبض على الشيخ مروان عبد النبى والأستاذ عنتر عبد العظيم .. "

ص127/128 .. " فتفكر عبد الله وقتا ثم قال : - لئن تكن زوجتى مذنبة بنسبة 50% فهى بريئة فى الوقت نفسه بنسبة 50% . - وإذن ؟ - ولأنى أحبها أكثر من الدنيا نفسها ، ولأنه لا بديل عنها إلا الجنون أو اإنتحار ، فإننى سأسلم بإحتمال البراءة .. فابتسم شيخ الحارة ومضى إلى الباب . وتصافحا . ثم سأله وهو يهم بالذهاب : - وهل أنت سعيد ؟ فابتسم عبد الله ابتسامة لا تخلو من حزن وقال : - بنسبة لا تقل عن 50 % . "


وفى القصة الثالثة " روبابيكيا " وهى بحث عن نهاية للعجز .. وعن المعجزة ! ، يقول الأستاذ : - ص 152 .. " لكل شىء نهاية . ويرد – ليس كل شىء له نهاية . "

ص 154 .. " – صحة الضعف البشرى .. – وليدم إلى الأبد ! "

ص 160.. " تاجرت بالخطايا ، وحولت ثروتك الهائلة إلى تحف نادرة كما أرى . "

ص 161 .. " استعضت عن الحب بالثروة ثم حولت الثروة إلى طعام ، وشراب وتحف . "

ص 164 .. " توجد تحفة قديمة لم يصبها التدمير ." .. .. " هى التحفة القديمة الوحيدة التى لم تمس . " .. ..

ص 165 .. " دفع التاجر العربة والرجل راقد فيها بين الأشياء القديمة وكان يصيح بصوته الأجش بين آونة وأخرى ( روبا بيكيا ) .. " .


وفى القصة الرابعة " الرجل الذى فقد ذاكرته مرتين " يقول الأستاذ على لسان البطل : " بأننى لا شىء ينحدر من لا شىء ، ماض إلى لا شىء . " و .. كفى .


وفى القصة الخامسة " عنبر لولو " إنه بحث فى الصراع .. حتى يصل إلى القول : - ص 223 .. " – وأكثر ياعزيزتى ، إنك تدعيننا للإيمان بإبليس كما آمن إبليس بنفسه ، إنك تنبذين آدم مخلوق الخطيئة والاستغفار ، وتعشقين إبليس مخلوق الإبداع والكبرياء ، إنك تعيدين للنار كرامتها حيال التراب . "

ص232 .. " عنبر لولو ، جنة الأحلام ، ما قيمتها بلا رقص وغناء ومرح ؟؟ .. .. " أنا مولع بالقتل من قديم الزمان .. " .. .. " سأطلق الرصاص فى جميع الجهات وسنرقص ونغنى ونمرح .. "


25- شهر العسل ( 1971 ) مكتبة مصر


26- "المرايا " ( 1972 ) مكتبة مصر

بلورة الحقائق .. بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر وتغير نظام الحكم وإتجاهاته ومعاييره فى قضايا العدالة الإجتماعية والحرية الفكرية .


ص 3 .. .. " إبراهيم عقل بإعتباره عقلا فذا بشر فى وقت ما بثورة فكرية .. .. "


ص 13 .. .. " الحقيقة ، أعبدوا الحقيقة عبادة ، ليس ثمة ما هو أثمن ولا أجل منها فى الوجود ، أعبدوها واكفروا بأى شىء يتهددها بالفساد ."


ص 16 .. .. " وأثار مسلكه الكثير من الجدل عن الإيمان بصفة عامة ، والإيمان بالنشأة ، والإيمان بالإقتناع ، والإيمان بسبب الكوارث ، وإيمان الفلاسفة وإيمان العجائز ، .. .. "


ص 18 .. .. " وهو الوحيد فى مصر الذى يتمتع بعقل فلسفى ، بالنظرة الشاملة للأشياء ..


ص 54 .. .. " لا منقذ لنا سوى العلم ، لا الوطنية ولا الإشتراكية ، العلم والعلم وحده ، وهو يواجه المشكلات الحقيقية التى تعترض مسير الإنسانية ، أما الوطنية الإشتراكية والرأسمالية فتخلق كل يوم مشكلات نابعة من أنانيتها وضيق نظرها وتبتكر لها من الحلول ما يضاعف فى النهاية من حصيلة المشكلات الحقيقية . "


ص 56 .. .. " – الحق إنى أحلم بهيئة علمية تحكم العالم . فسألته : - وماذا عن القيم ؟ .. العلم لا يتعامل معها ، وحاجة الإنسان إليها لا تقل عن حاجته إلى الحقائق .. فنظر إلى فيما يشبه العجز ثم قال : - يجب ألا يعنى ذلك التمسك البائس عديم الجدوى بقيم بالية ، إنكم لا تتمسكون بها إلا خوف المغامرة بالبحث عن غيرها ، والعلم لايعطى قيما ولكنه يضرب مثالا حسنا فى الشجاعة ، فعندما تهاوت الحتمية الكلاسيكية كيف تفسه برشاقة فوق أرض الإحتمال وتقدم لا ينظر إلى الوراء .. "


ص58 .. .. " حتى إقتنعت فى النهاية بأنه لا نجاة للجنس البشرى إلا بالقضاء على قوى الإستغلال التى تستخدم أسمى ما وصل إليه فكر الإنسان فى إستعباد الإنسان وخلق صراعات مفتعلة سخيفة تستنفذ خير ما فيه من إمكانيات رائعة ، وذلك كخطوة أولى لجمع العالم فى وحدة بشرية ، تستهدف خيرها معتمدة على الحكمة والعلم ، فتعيد تربية الإنسان بإعتباره مواطنا فى كون واحد ، وتهيىء لجسمه السلامة ولقواه الخلاقة الإنطلاق ليحقق ذاته ويبدع قيمه ويمضى بكل شجاعة نحو قلب الحقيقة الكامنة فى ذلك الكون الباهر الغامض . إما ذلك وإما مستقبل جعلنى أشعر بالإمتنان لكونى من جيل يوشك أن يختم رحلته هذه فى الحياة العجيبة التى تدور بخيرها وشرها فوق فوهة بركان ".


ص 120 .. .. " النفاق أن تبطن الكفر وتعلن الإيمان ولكنه أغبى من أن يكون كافرا ، أنا لا أشك فى إيمانه .. " .


ص 121 .. .. " وكنت أتابعهم وهم يصلون فى المقهى بعين متأملة ساخرة ، يركعون ويسجدون ويسدلون جفونهم خشوعا وإمتثالا ، وإتذكر كم أنهم أوغاد لصوص لا يحق لهم أن يبقوا ساعة واحدة فوق سطح الأرض . ولم أجد جدوى فى مناقشته فدائما أراه مطمئنا واثقا من نفسه ، يؤمن بالشر كما يؤمن بالخير، ويطيع الشيطان كما يطيع الله ، ويتردد بينهما تردد التاجر الماهر فى السوق الحرة الذى يحرص فى النهاية على أن يزيد دخله على منصرفه ."


ص 145 .. .. " وألف سالم جبر كتابا عن الدين المقارن قبيل الحرب العظمى الثانية ، عرض فيه الأديان بأسلوب علمى موضوعى ، فأثار الكتاب ضجة ، وأتهم صاحبه بالإفتراء على الدين الإسلامى ، ومن أجل ذلك قدم الأستاذ للمحاكمة ، ولكن المحكمة برأته وصادرت الكتاب . وفى أثناء الحرب شن حملات صادقة على النازية والفاشستية كان لها صدى حسن فى دار السفير البريطانى .. " .


ص 151 .. .. " وركز فى الأيام الأخيرة على الإيمان بالعلم ، إيمانا نسخ إيمانه القديم بالأيديولوجية ، ويتساءل مرارا : - متى يحكم العلم ؟ .. متى يحكم العلماء ؟ ! .. هذه هى آخر هتافاته ، وهى خليقة بإشباع معارضته الأزلية لجميع أنواع الدول ، حتى قال رضا حمادة : - إنه رجل مجنون ، هذه هى الحقيقة ! فقلت : - وثمة حقيقة أخرى وهى أن أقواله التى تنكر لها خلقت فى أجيال أثرا لا يمحى ! .


وقوله فى ص 158 .. .. " فأدركت أنه مهما يكن من علم الإنسان أو أخلاقه فلا غنى له عن الوعى الثقافى المتضمن طبعا الوعى السياسى . وأنه مهما يكن تفوقه وبراعته وفائدته فلن يعتصر من ذاته إمكاناتها الإنسانية حتى ينظر إلى نفسه لا بإعتباره جوهرا فردا مستقلا ولكن بإعتباره خلية لا تتحقق لها الحياة إلا بوجودها التعاونى فى جسد البشرية الحى .. .. "


ص 159 .. .. " تغير مفهوم الوطن ومضمونه ، فلم يعد أرضا ذات حدود معينة ولكنه بيئة روحية تحدها الآراء والمعتقدات ! ."


ص 231 .. .. " وإقترح على إقتراحا عجيبا ونحن جالسان فى قهوة الفيشاوى ، قال :

- علينا أن نبدأ من العدم !

- من العدم ؟

فقال بثقة لا تتفق مع إنهيارنا :

- لاسبيل إلى مواجهة هذا العذاب إلا أن نبدأ من الصفر .. ورمقته بنظرة متسائلة بالرغم من أننى أدركت ما يعنيه فقال :

- من الصفر ، ثم نستعيد قصة الحضارة من جديد معتمدين على نور العقل وحده ..

فسألته :

- وإن صادفتنا أشياء لايفصل فيها العقل بحكم ؟

فقال بحماس :

- لنبدأ بالعقل بإعتباره الإنسان ولننظر أين يذهب بنا .


ص 345 .. .. " وقد يتعذر تعريفه على ضوء المبادىء العالمية ولكن يمكن تعريفه بدقة على ضوء الميثاق ، فهو يؤمن بالعدالة الإجتماعية إيمانه بالملكية الخاصة والحوافز ، ويؤمن بلإشتراكية العلمية إيمانه بالدين ، ويؤمن بالوطن إيمانه بالوحدة العربية ، ويؤمن بالتراث إيمانه بالعلم ، ويؤمن بالقاعدة الشعبية إيمانه بالحكم المطلق ، وعندما يقدم على وهو يعرج ويطالعنى بعينه الباقية ينبض قلبى بالمودة والإكبار .


ص 369 .. .. " قولوا فى الدنيا ماشئتم ، لا جديد فى التشاؤم ولكن الحياة فى صالح الإنسان وإلا ما زاد عدده بإطراد ، وما زادت سيطرته على دنياه .


ص387 / 388.. .. " حضارتنا مادية ، وهى تحقق بالعلم – كل يوم – إنتصارات مذهلة وتمهد لسيطرة الإنسان على دنياه ولكن ما جدوى أن تملك الدنيا وتفقد نفسك ؟ . فقلت بحذر : - على الإنسان أن يملك الإثنين ! . فإبتسم بعذوبة وقال : - لعلك لا تؤمن بقولى ، أو لعلك تؤمن به كل الإيمان ، ولكن ثق من أن عالم الروح حافل بالمجاهل كعالم المادة ، وأن التنقيب فيه يعد الإنسان بإنتصارات مذهلة لا تقل عن إنتصاراته فى غزو الفضاء ، وأنه لا ينقصنا إلا أن نؤمن بمنهج روحى كما نؤمن بالمنهج العلمى ، وأن نؤمن أيضا بأن الحقيقة الكاملة هى ملتقى طريقين لا غاية طريق واحد .. .. ..

– حكمة معقولة ..


27- الحب تحت المطر ( 1972 ) مكتبة مصر


28- الجريمة ( مجموعة قصصية 1973 ) مكتبة مصر

صدرت هذه المجموعة قبل العبور .. وتبدأ بمسرحية المطاردة وهى الشكل الأدبى النادر فى تجارب إنتاج نجيب محفوظ وقد سبق إختياره فى مجموعة تحت المظلة للتعبير عن آراءه فى المرحلة التى كتبت فيها تلك المسرحيات .


رابعا : مرحلة الإنتاج الرمزى المرير :


29- الكرنك ( 1974 ) مكتبة مصر


30- حكايات حارتنا ( 1975 ) مكتبة مصر


31- قلب الليل ( مجموعة قصصية 1975 ) مكتبة مصر

صدرت هذه المجموعة بعد حرب أكتوبر 1973 وأصبح الأمل فى مستقبل أفضل للحرية يراود الجميع ، ويبدأ الأستاذ نجيب محفوظ - من جديد - فى طرح منهجه وأفكاره ورؤاه الأولية ، وكانت قلب الليل مونولوج آخر لباحث عن الحرية وهارب من السلطة الأبوية والأموية فى إطار ساحرى عبقرى جميل من السرد الموحى الآثر للألباب بإيقاع سريع لا يدع للقارىء فرصة إلتقاط الأنفاس :


ص .. 40 " إنى أرى الإنسان نوعين : إنسان إلهى وإنسان دنيوى ، الإنسان الإلهى هو من يعايش الله فى كل حين ولو كان قاطع طريق ، والدنيوى هو من يعايش الدنيا ولو كان ن رجال الدين ."


ص .. 42 " سر متأبطا ذراع الحكمة وإفعل ما تشاء .. .. مبارك من يتحلى بوحى الله ، وأمام المجتهد وسيلة ليتبوأ العرش .. .. خطواتك فى الحياة مباركة " .

ص .. 51 " الغيرة رذيلة لك عليها فى مثل سنك عذر أما الكذب فلا عذر لك فيه لا تكذب ياجعفر ، كن دائما صادقا ، لا تغضب جدك فهو يحب النقاء ، وقد وهبك الله عقلا راجحا كما وهب صديقك صوتا عذبا فانعم بما وهبك ولا تنغص صفوك بما تفتقد ، .. "


ص .. 69/70 الحوار "- جدى .. إنى أرفض . - ترفض نعمتى ؟ . - أرفض القهر . - ولو كان منى ؟ - ولو كان  ! . - أنت عاق تخون الجمال والنقاء ، فى سبيل ماذا ؟ - الحرية ! – راعية الغنم . - الدم والتشرد والهواء النقى . - إنه الحيوان الذى يخرج به الممسوسون من بيتى العتيق . - النعيم الحق فى الحيوان . - إنك إبن والديك . - وإننى أعتز بذلك إلى الأبد . - نصفك يود الإنتقام منى . - لا أريد أن أفكر فدعنى أفعل . - والجبة والقفطان ؟ - سأخلعهما من توى . - إذن كفرت ؟ - لا أريد الدين مهنة . - ماذا تريد أن تفعل ؟ - أريد أن أمارس الحب والجنون والقتل !

( بين من ؟ .. ومن ؟ دار أو يدور مثل هذا الحوار ؟ )


ص .. 71 " لا بقاء فى بيت جدى إلا لإنسان الهى .. .. أما الأزهر فإننى ما وددت مهنته قط .. والإيمان لا يحتاج لكل هذه التعقيدات " .


ص .. 74 " أرفض هذا التفسير أيضا ، قلت لك انها كانت انطلاقة ملائكية ، مثل أغنية الفجر ، قدح الحب الشرارة فكشف ضوءها عن حلم يتجسد ويتوثب لتحطيم جدار القصر والإنطلاق متحديا الجاه والقيود للتمرغ فى تراب الأم الخالدة ، كما هجر بوذا قصره ذات يوم اغير ما سبب مقنع لأحد من الناس .. ويحدث ذلك فجأة ، وليس التطور الذى يملأ دماغك الا الترسيخ العملى للفجاءة المبدعة ، واليك مثالا حيا حدث هذه اللحظة فجأة ، لقد قررت الآن ألا أكتب الإلتماس .. "


ص .. 113 " مارست حياة رائعة ، استعادت من ناحية سعادتى فى أسطورة أمى ، كما استعادت من ناحية أخرى النقاء الذى نعمت به فى بيت جدى ولكن تفشى فيها القلق المنبعث من رغبة جادة فى تحقيق الذات . "


ص .. 114 " تصور الرحلة من أحلام العفاريت إلى حب الحقيقة ! .. ما رأيك ؟ .


ص .. 117 " لقد إنتقلت من الفوضى والمخدرات إلى حياة زوجية نقية وتحصيل للمعرفة بلا حدود ، فى نظام دقيق أفقدنى الكثير من مظاهر الحرية السطحية ، ولكنه فتح لى أبواب الحرية المضيئة التى يسمو به الإنسان الحر حتى وان أبصر بقوة أكثر مأساة الحياة الخافية ."


ص .. 117/118" لقد عشقت العقل وقدسته فأحببت تبعا لذلك الحقيقة ، العقل هو ما يعمل بالمنطق والملاحظة والتجربة ليصل الى حكم نقى تماما مما يخل بالمنطق والملاحظة والتجربة ، وهو ما أسميته بالحقيقة . وهذا العقل يعتبر مخلوقا حديثا نسبيا اذا قيس بالغرائز والعواطف ، فالذى يربط الإنسان بالحياة غريزة ، والذى يربطه بالتكاثر غريزة ، ودور العقل فى كل أولئك هو دور الخادم الذكى .. "


ص .. 137 " عرضت تاريخا موجزا للمذاهب السياسية والإجتماعية ، من الإقطاع حتى الشيوعية ، ثم عرضت مشروعى الذى يقوم على اسس ثلاثة ، أساس فلسفى ، مذهب اجتماعى ، أسلوب فى الحكم ، أما الأساس الفلسفى فمتروك لاجتهاد المريد ، له أن يعتنق المادية أو الروحية أو حتى الصوفية ، والأساس الإجتماعى شيوعى فى جوهره يقوم على الملكية العامة والغاء الملكية الخاصة والتوريث والمساواة الكاملة والغاء أى نوع من للاستغلال وأن يكون مثله الأعلى فى التعامل " كل على قدر طاقته ولكل على قدر حاجته " ، أما أسلوب الحكم فديموقراطى يقوم على تعدد الأحزاب وفصل السلطات وضمان كافة الحريات – عدا حرية الملكية – والقيم الإنسانية ، وبصفة عامة يمكن أن تقول ان نظامى هو الوريث الشرعى للاسلام والثورة الفرنسية والثورة الشيوعية ..".


32- حضرة المحترم ( 1975 ) مكتبة مصر


33- ملحمة الحرافيش ( 1977 ) مكتبة مصر


شعرت – بقلب صادق وعقل واع – وأنا أقرأ هذه الرواية أنني أعيد قراءة " أولاد حارتنا " للتشابه الذي يصل إلى حد التطابق في البناء الهيكلي والبيئة العامة للروايتين ، وإثارته لذات القضايا الفكرية ورؤياه فيهما . وأعتقد أن "الحرافيش" تنويعات على نفس الألحان الرئيسية التي سبق أن عزفها في "أولاد حارتنا" مستفيدا ببصيص " الحرية " التي سادت في تلك المرحلة الانفتاحية من حكم الرئيس السادات . ولعل السطور الأولى من الحكاية الأولى "عاشور الناجي" تلخيص بليغ واف بلحظة "صنع " عاشور لتبدأ أحداث الملحمة ، بل وجميع الملاحم ، التي تسرد التاريخ الإنساني من لحظة الشبق حتى انحسار الغسق :

" في ظلمة الليل العاشقة ، في الممر العابر بين الموت والحياة، على مرأى من النجوم الساهرة ، على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة ، طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا " .

ثم قوله في صفحة 19 من الرواية بداية الفصل 8 من الحكاية الأولى كأنه يلخص قصة الإنسان الأول : " هام عاشور على وجهه . مأواه الأرض . هي الأم والأب لمن لا أم ولا أب له . يلتقط الرزق حيثما اتفق . في الليالي الدافئة ينام تحت سور التكية . في الليالي الباردة ينام تحت القبو . ما قاله درويش عن أصله قد صدقه . طاردته الحقيقة المرة وأحدقت به . لقد عرف من حقائق الدنيا على يد درويش في ليال ما لم يعرفه طيلة عشرين عاما في كنف الشيخ الطيب عفرة زيدان . الأشرار معلمون قساة وصادقون . خطيئة أوجدته ، توارى الخطاة ، هاهو يواجه الدنيا وحده ، ولعله يعيش الآن ذكرى محرقة في قلب مؤرق ."

وقوله صفحة 24 : وقال لنفسه :

- كل شئ يتحرك فلابد أن تحدث أمور . وقال لنفسه أيضا :

- ليكن الطيب حليفي جزاء نيتي البيضاء .

وقوله صفحة 35 .. عن أثر البيئة في النشوء والتطور : " وفكر عاشور في أمر أولاده بقلق . لم يفلح أحدهم في الكتاب . لم يجد أحد منهم عناية من والديه لانشغالهما بعملهما المتواصل . لم يحظوا بما حظي هو به في كنف الشيخ عفرة . تشربوا بعنف الحارة وخرافاتها وغابت عنهم فضائلها . حتى قوته لم يرثها أحد منهم . لم يتعلق أحدهم به أو بأمه ، حبهم سطحي متقلب ، قلوبهم متمردة من قديم وإن لاذت بالصمت . لا موهبة ولا ميزة ، سيظلون صبيانا ولن يترقى أحد منهم إلى درجة معلم أبدا . وهاهم يهرعون إلى البوظة عند أول إشارة ، ولن يقفوا عند حد ."

وفي صفحة 44 يعود الأستاذ لتفصيل ما أوجز في الافتتاحية كأن الذكريات تتداعى في نفسه ليبرر لها ما اعتزم .." خرج من القبو إلى التكية والجدار العتيق والسماء المرصعة بالنجوم . جلس القرفصاء دافنا وجهه بين ركبتيه ، منذ نيف وأربعين عاما تسللت به أقدام خاطئة لتواري خطيئتها في ظلمة الممر . كيف وقعت تلك الخطيئة القديمة ؟. أين ، في أي ظروف ، ألم يكن لها ضحية سواه ؟.. تخيل إن استطعت كلما التغرير المعسولة ، استحضر اللحظة الحاسمة التي تقررت بها مصائر . كان يقف إلى جانبهما ملاك وشيطان ولكن الرغبة تهزم الملائكة . تخيل صورة أمك .. لعلها مثل ..؟!. لكي تحتدم المعركة لا بد من الرشاقة والسحر وعذوبة الصوت . وقبل ذلك لا بد من القوى الخفية المتدفقة المناسبة الغادرة المغتصبة بلا ضمير . والطعم الفواح تضعه الحياة في الفخ وتنتظر . وتودع ذلك كله خمسة عشر عاما من عمر البشر . لذلك دق باب الأناشيد ولكنه لم ينفتح . الحق كان بوسعك أن تدفعه بقوتك ولكنك لم ترد . ومن يتزوج الحياة فليحتضن ذريتها المعطرة بالشيق . ولكن لا مفر من أن تعترف بأن ما يحدث لا يمكن أن يصدق . وأن تعاني إحساس المطارد إذا سبق . فالبسمة قدر والدمعة قدر . وهاهو مخلوق جديد يولد مكللا بالطموح الأعمى والجنون والندم . ويسأل الغوث من الرحمن فتنسكب عليه خمر الفتن . وثق رأسه فغفا .

وقوله صفحة 46 وهو يصف لحظة المواجهة وكيف تمكنت "الرغبة" من قلبه : " قطرت السماء فرحة من أفراح الطفولة ولكن عضلات وجهه تصلبت أكثر . ولم تعد ملابسه تحجب عريه عن الأعين . واختصر طريق حياته بين زاوية الممر وهذا المجلس بالبوظة . ما عدا ذلك طوي وتلاشى في نغمة جديدة غامرة .. وسرعان ما استنام إلى الهزيمة جذلان بإحساس الظفر ."

وفي صفحة 64 .. " ولاحت له حارته مثل جوهرة غارقة في الوحل . إنه الآن يحبها حتى بسوءاتها ! . ولكن ثمة فكرة تتسلل إليه خلال عباداته المتواصلة بأن الإنسان يستحق ما يعانيه !. الوجهاء والحرافيش ودرويش يدورون حول محور منحرف يرغب حقيقة في القبض على سره الماكر العسير . وهاهو الله يعاقبهم جميعا كأنما قد ضاق بهم !. ورغم ذلك يثمل الفجر بغبطته الوردية ، ويرقص شعاع الضياء في مرح أبدي !. إنه على وشك أن يسمع أصواتا ، ويرى أشباحا ، إنه يتمخض عن ميلاد جديد ."

ثم في نفس الصفحة .. " وثمة فرصة ليملأ قلب فلة بالإيمان . إنها امرأة صغيرة جميلة لا دين لها . لا تعرف الله ولا الأنبياء ولا الثواب ولا العقاب . يحفظها في هذه الدنيا المرعبة حبها وأمومتها . حسن ، إنه يلقى عناء في تعليمها . ولولا ثقتها فيه ما صدقت كلمة واحدة مما يقول . تحفظ سور الصلاة في عناء . يغلبها الضحك فتخرج من الصلاة . وتصلي اتقاء لغضبه واستجلابا لمرضاته ."

صفحة 74 .. : " وشاع أنه الوحيد الذي نجا من الشوطة

34- الحب فوق هضبة الهرم ( مجموعة 1979 ) مكتبة مصر


35- الشيطان يعظ ( 1979 ) مكتبة مصر


36- عصر الحب ( 1980 ) مكتبة مصر


37- أفراح القبة ( 1981 ) مكتبة مصر


38- ليالى ألف ليلة ( 1982 ) مكتبة مصر


39- رأيت فيما يرى النائم ( مجموعة 1982 ) مكتبة مصر


40- الباقى من الزمن ساعة ( 1982 ) مكتبة مصر


41- أمام العرش ( 1983 ) مكتبة مصر


42- رحلة ابن فطومة ( 1983 ) مكتبة مصر


43- التنظيم السرى ( مجموعة 1984 ) مكتبة مصر


44- العائش فى الحقيقة ( 1985 ) مكتبة مصر


45- يوم قتل الزعيم ( 1985 ) مكتبة مصر


46- حديث الصباح والمساء ( 1987 ) مكتبة مصر


47- صباح الورد ( 1987 ) مكتبة مصر


48- قشتمر ( 1988 ) مكتبة مصر

وهى الرواية التى تحكى طرفا من قصة الأصدقاء الخمسة " أو الحرافيش الخمسة " وفى ظنى أنهم جميعا كانوا شريكا مؤثرا ومصدرا ثريا للمعلومات والخبرات والتجارب فيما كتب الأستاذ سواء بالحوار المؤيد أو المعارض ، وبالضحكات والنوادرالمتبادلة والرؤى المشتركة أو المتباينة . بل ولعل بعض الحوارات التى كتبها ونشرها الأستاذ كانت تسجيل لحوارات حقيقية دارت على القهوة أو" القهاوى " . وبدأ ذلك منذ الأيام المبكرة للتجارب الأولى فى التشبه بالكبار فى شرب القهوة ثم تدخين الشيشة وهم جلوس بالجلاليب والقباقيب فى حميمية نادرة لا تنسى ، فيتنامى إلى سمعهم – بقصد أو بدون - نبض الشارع وأحداثه على مسرح الحياة فى " فيشاوى " .. خان الخليلى أو " قشتمر " .. العباسية أ و" ريش " .. وسط القاهرة ثم على ضفاف النيل فى " كازينو قصر النيل " وغيرها .. وغيرها .. ولعل المختارات التالية تؤكد ذلك :


ص.. 5 " الخمسة واحد والواحد خمسة ، من الطفولة الخضراء وحتى الشيخوخة المتهاوية ، حتى الموت " .


ص .. 140 " – أأنت دارس محب للإستطلاع أم تبغى السير فى الطريق ؟ ..

ياله من سؤال يطرح على رجل يؤمن الإيمان كله بالعقل والعلم ولا يستطيع أن يتخلى عنهما . وأجاب :

- الإلهام وسيلة للمعرفة كالعقل ولكل منهما مجاله ..

فقال طاهر : أما العقل فنعرفه معرفة حميمة ، أما الإلهام فنسمع عنه فقط ..

- ويمكن أن نعرفه أيضا ، وقد عرفه الكثيرون .. فابتسم طاهر فى استهانة وقال ساخرا :

- علينا أن نتوقع أن تجيئنا يوما مرتديا خرقة معرضا عن الدنيا وما فيها .. فقال بحزم :

- كلا ، لست من هؤلاء ، السر يوجد فى الدنيا كما يوجد وراءها ، والسماء والأرض والأشياء تخاطبنا فى كل حين ، وعلينا أن نعى ما تقول ، فأنا أعشق السر كما يتجلى فى هذه الدنيا ، كما سأعشق وجوده الآخر بعد الموت .. ويضحك طاهر قائلا :

- إنها الشيخوخة والخوف من الموت .. فيقول إسماعيل باسما :

- إنه الحب ، وهو أكبر من الشيخوخة والخوف ..

- جميل أن تبرر تعلقك بالدنيا على هذا النحو ..

- فهتف : كلا إنه تعلق من نوع خاص ، تعلق مقدس ، ولا يخجل من الاعتراف بأن قمة الجمال فى الدنيا يتركز فى المرأة ! .. "


.. ص 145 " وتسير الأيام بلا توقف ، لاتعترف بهدنة أو إستراحة ، نحن نكبر وحبنا يكبر ، إن غاب أحدنا ليلة لعذر قهرى قلقنا وتكدرنا . وفى لحظة الإحساس الفائق يسمعنا الزمن صلصلة عجلاته ، ويرينا قبضته وهى تطوى الصفحات الأخيرة ."


.. ص 147 الأخيرة " ينطوى التاريخ بما يحمل ويبقى الحب جديدا إلى الأبد .. "


وختاما ، أذكر هنا رأى فى الحياة للأستاذ / صلاح جاهين الشاعر الفيلسوف الرسام الضاحك الساخر ، وهو أحد المؤسسين لمجموعة الحرافيش ( وقد يكون لأحد أبطال الرواية " طاهر " بعض سماته الشخصية ) ولاحظ تطابق المعنى مع ما سبق :

سعدك ويأسك

بين إيديك وانت حر

تيأس ما تيأس

الحياه راح تمر .


49- الفجر الكاذب ( 1989 ) مكتبة مصر



خامسا : مرحلة الإنتاج الشفاهى


حوارات نجيب محفوظ مع الأستاذ محمد سلماوى كل صباح خميس فى زاوية وجهة نظر بجريدة الأهرام اليومية الصباحية منذ / / 1995 ؟ وحتى اليوم وقد جمعها ونشرها الأستاذ سلماوى فى ... ؟

ومنها على سبيل المثال ماكتبه الأستاذ محمد سلماوى فى حوارات نجيب محفوظ بوجهة نظر أهرام أول خميس من أبريل 1997 تحت عنوان الإستنساخ مانصه :-

" .. وتحدث الأستاذ نجيب محفوظ عن ظاهرة الإستنساخ فقال : فى الحقيقة اننى ضد من يعارضون الإستنساخ ليس فى مصر وحدها وإنما فى الدول المتقدمة نفسها ، فالعلم لا يعامل أبدا بهذه الطريقة . ولا يجب أبدا أن نخشى من بعض النتائج السيئة لأى إكتشاف علمى وإنما واجبنا أن نترك للعلماء الحرية الكاملة أن يعملوا ويكتشفوا وهذا لايخيف فى شىء ، وإذا كانت مثل هذه التجارب جائزة فى المحاصيل والنباتات التى خلقها الله فلماذا لا تكون جائزة فى الحيوان أيضا وفى الإنسان ، فقد تكون نتيجة ذلك ليس فقط أن نستنسخ مخلوقا يحمل نفس صفات مخلوق آخر وإنما قد يكون خاليا أيضا من عيوبه وهذا تقدم علمى لا ينبغى الحجر عليه ، فليس فيه شىء ضد الدين والأخلاق .

فقلت : إن من يعارضون ذلك يقولون إن الخلق من صفات الله وحده .

فقال الأستاذ : والعدل أيضا من الصفات الإلهية والرحمة والكرم ، فهل يعنى هذا ألا يكون الإنسان عادلا أو رحيما أو كريما ؟ ! إن هذه الصفات عند الله شىء وعند الإنسان شىء آخر . ويضيف : ثم إن المسألة ليس فيها خلق ولا يحزنون ، فهى عبارة عن تلقيح بويضة مفرغة من خصائصها الوراثية بخلية بشرية تحمل صفات إنسان معين ، ثم يتم وضع هذه البويضة فى رحم إمرأة إلى أن تتحول إلى جنين بالطريقة المعتادة ، فالعملية إذن هى أقرب للتلقيح الصناعى الذى يمارس الآن فى كل العالم وليس فيها خلق على الإطلاق ، إنها فى الحقيقة محاولة للتحكم فى الصفات الوراثية للجنين من أجل الحصول على ذرية أفضل . تماما كما يحدث فى عمليات التهجين المعتادة ولكن بطريقة أكثر تقدما .

إنى لا أرى فى ذلك شيئا ضد الدين لأن ، من يقوم بالإستنساخ هو مخلوق من الله ، وفى علم الله سبحانه أن الإنسان يستطيع أن يقوم بإستنساخ إنسان ، وقد خلقه الله على هذا الأساس . إذن فإستنساخ الإنسان ليس ضد الإرادة الإلهية ولا هو تحد لها . "

وفى رأيى أن هذا القول يعتبر ورقة علمية بحتة للأستاذ وترقى للنشر فى الدوريات العلمية المتخصصة . وأن مثل هذه الآراء قد رددها الأستاذ فى أدبياته كثيرا على لسان أبطاله ولعل أكثرها تطابقا أحلام عرفة فى مستقبل السحر ( = العلم ) حين قال : - " نحن نعرف من أين يبدأ السحر لكن لا نستطيع أن نتخيل أين ينتهى " بالفصل رقم 112 من أولاد حارتنا .

ولعلى لا أكون بالبيداء وحيدا إذ أننى آنست نورا فيما كتبه الدكتور نبيل راغب فى كتابه قضية الشكل عند نجيب محفوظ :- .." وإذا كان العلم بقادر على منهجة حركة الكون والأحياء فالفن قادر على تجسيد هذه الحركة الميتافيزيفية وتحويلها إلى كيان ملموس وتجربة نفسية تهز وجدان القارىء وتجدد من نظرته إلى الحياة وهذا ما حاوله نجيب محفوظ فى أولاد حارتنا من خلال المنهج الرمزى الذى سيطر على كل جزئيات الشكل الفنى للرواية . ص 227 " .


سادسا : مرحلة الخلاصة :


50- معادلاته فى أصداء السيرة الذاتية ( 1995 )

يقدم الأستاذ فى " الأصداء " خلاصة الخلاصة .. وهى معجم مصطلحات نجيب محفوظ .. والمعانى الجوهرية فى فكره ومنهجه التى أنطق بها أبطاله . وهى أيضا القضايا التى شغلته كإنسان عرف للحياة غايتها .. وعرف للإنسان قدره وقيمته ككون وسيط بين الكون الأصغر والكون الأكبر . وعبر فى الأصداء عما يمكن أن نعتبره الشكل الرياضى للأفكار البحتة كمثل : قوة الثبات = الإتزان الأعظم = الإيمان . وفيما يلى الأصداء مرتبة ومرقمة بالتسلسل كما وردت بالكتاب الصادر عن كتبة مصر وللتيسير لا يقرأ التفسير إلا مع أصل الكتاب .


1- ومن صميم قلبى دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد ( الثورة = الحرية ) .


2- وإندلعت فى باطنى ثورة مباغتة متسمة بالعنف متعطشة للجنون . وقبضت على يدها وجذبتها إلى صدرى بكل ما يموج فيه من حزن وخوف .. ( لهيب ثورة العقل = نشوة الحياة = الحزن الخوف ) .


3- إذا كان الإجتهاد مفتاح السعادة فلأجتهد مهما كلفنى ذلك من عناء . وجعلت أثب من نجاح إلى نجاح ، وأصبح الجميع أصدقائى وأحبائى ( الهدف = السعادة والوسيلة = الإجتهاد ) .


4- لم لم تهيىء نفسك لها وأنت تعلم أنها مصير لا مفر منه ؟ ( النهاية = النهاية ) .


5- وأصبح يثير حب إستطلاعى أكثر من البيه نفسه ( حب الإستطلاع = منابع المعرفة ) .


6- هل تذكر أيامنا الحلوة ؟! ( إنهيار العقل بمرض البدن = إنهيارالنفس بالكامل ) .


7- أما هو فقد نسى الأهل والجيران والتلاميذ وقواعد النحو ( إنهيار النفس = إنهيار العقل إنهيار البدن ) .


8- ومضى الشاب هانئا تتبعه نداءات الحب والموت ( الحب = هناء نفس شقاء نفس ) .


9- والأرملة تسأل الله أن يطيل عمر الأخرى حتى لاتتركها للوحدة والوحشة ( التعايش ) .


10- ويوافينى الآن قول الصديق الحكيم : " مالحب الأول إلا تدريب ينتفع به ذوو الحظ من الواصلين " ( التدريب = النجاح ) .


11- قلت لنفسى : ياله من نسيان كالعدم . بل هو العدم نفسه . ولكننى كنت وما زلت أحب سماع التواشيح ( العدم لا = صفر بفضل الفكر ) .


12- وتذكرت قول الصديق الحكيم : " قوة الذاكرة تنجلى فى التذكر كما فى النسيان " . ( زائد ناقص = الحياة ) .


13- وسوف أرجع وحيدا كما بدأت . ( مركز الدائرة )


14- أخيرا ، هلّ النعش فوق الأعناق فتخطى الجميع وذهب ( من المركز إلى خارج المحيط ) .


15- إنه الحب ، ولا شىء سواه ( محيط الدائرة ) .


16- فمن يستطيع أن يثبت أن السعادة كانت واقعا حيا ، لا حلما ولا وهما ( مسألة ) .


17- ولا تنس أننى مجنون مثلكما ( مجنون = مغرور ) .


18- وبقوة سحرية زحف نحو الماء وعيناه لا تتحولان عن وجهها ( العشق = الذوبان ) .


19- تساءلت وأنا أرتجف عما يخبئه النهار لمدينتى النائمة .. ( الخوف = الجهل ) .


20- ذهبت كثرة إلى قطارالقناطر، وقلة جرت وراء المجهول ( ضياع النفس والثقة = ضياع العقل والإختيار ) .


21- وكان لا بد من معجزة لتشرق الشمس من جديد ( المعجزة الكبرى = كن ) .


22- أسرته هى ما يهمه حتى لو كان الإنتحار هو الحل ( جزء من الموت = جزء من الحياة ) .


23- أى نعم الإغراق فى المرح ( إشكالية الحزن والمرح ) .


24- فرصة العمر أفلتت ، ياللخسارة ! ( الفرصة = خبط عشواء ) .


25- وشرعت فى الكتابة ، ولكننى توقفت وفتر حماسى أن يكون قد نسى ذلك العهد وأهله أو أنه لم يعد يبالى بهذه العواطف ( المرايا ) .


26- ولم تحل تلك الصعوبات بين الرجل ورغبته فمضى من فوره إلى الإمام ، كان يقوده شعور قوى بالوفاء ، وبأنه ذاهب إلى غير رجعة .. ( السراب ) .


27- كلما إشترى ورقة غمغم : " رحمتك يارب " . فيخفق قلب المرأة رعبا وتغمغم " رحمتك يارب " ( توافق الكلمات وتباين النيات ) .


28- الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( النفس وما تهوى ؟ ) .


29- من حقك على أن أصارحك بالحقيقة ، كنت أبيع الحب بأرباح وفيرة ، فأمسيت أشتريه بخسائر فادحة ، ولا حيلة لى مع هذه الدنيا الشريرة الفاتنة ( زائد ناقص = الحياة ) .


30- إليك – على سبيل المثال لا الحصر – الأطفال والمعتوهين والمجانين ، فالدنيا ما زالت بخير ( الفطرة = الطهارة ) .


31- .. ولكن من المؤكد أن ما خرجت لشرائه لا يساوى أكثر من مليم .. ( جدلية النسبية ) .


32- يا صديقى الوحيد ، فى عز النصر والرخاء ، كثيرا ما بكيت الكرامة الضائعة ( الذل = لقمة العيش ! ) .


33- ثم تفرقوا تفرق الشهداء ( الكل = مفعول به ) .


34- ويتسول النسيان ( اللا إرادة ) .


35- وتتقدم بها السن وهى وحيدة ترمقها ثقوب الكون برثاء ( وحدة الكل ) .


36- فى نهاية هذا العام يبلغ الثلاثين من عمره .. ( الزمن = معيار الحادثة ! ) .


37- أعتقد أنها ما زالت تقيم فى البيت القديم ! ( ويتسول النسيان ) .


38- أما وقائع الحلم فقد تلاشت بعد إستيقاظى مباشرة ( حق ) .


39- إنه رحمة للعالمين ( = -  ! ) .


40- وهو الذى جعلنى أتوق إلى حياة لا يوجد بها ساعة تدق ( وهم المطلق والخلود ) .


41- لذلك أقول لك إنها سر الحياة ونورها ( النشوة = صحو الحياة = صحو العقل ) .


42- وأفقت من غشيتى ، وحملت الأصغر بين يدى ، وتقدمت أسرتى أشق لها طريقا وسط الزحام ( الإفاقة = الرضا ) .


43- كان يعبر الميدان ليحجز مقعدا فى قطار الصعيد ( عبثية الزمن والحادثة ومن يحجز لمن ؟! ) .


44- قوم قالوا : إنه ولى من الأولياء . وقوم قالوا ما هو إلا عميل من العملاء ( الجهل الجهل = الجهل = صفر ) .


45- هدية لا يستحقها إلا العابدون الصادقون ! ( العبادة الصادقة = الفوز الواجب ) .


46- هنيئا لمن كانت نشأته فى بوتقة الهجران ( هزة فى القلب جارحة " قصر الشوق " ) .


47- وعزمت على أن أبدأ الإجراءات ليكون لى مدفن فى هذه المدينة المترامية ( وهيمان تسرح الروح على أثيره حتى تعانق السماوات " قصر الشوق " ) .


48- وكلانا لم يعرف اليأس بعد ( القرين أنا = هو ) .


49- وإندمجت فيم أنا مندمج فيه حتى آمنت بأنها الوعد المنشود ( وعد من لمن ؟ أنا ونفسي ) .


50- وخاضا فى الماء معا دون أن يلقيا على ما وراءهما نظرة واحدة ( أنا و هي = ذوبان العشق ).


51- لتهنأ بمصيرك فإننى أقبل التوبة ( عن مرحلة السكون الساذج مابين الثلاثية وأولاد حارتنا ؟ ) .


52- كلما واتته فرصة قضى على رجل أو إمرأة وهو يسبح الله ( عباس إبن أم عباس .. أو يا فرعون مين فرعنك ؟! ) .


53- نحن قوم نعمل لنرتزق ولا نتسول ، نقبل على دنيا الله ولا نعرض عنها ، قرة أعيننا فى العشق والسكر وسياحتنا الليلية فى التأمل والذكر ( قاسم " أولاد حارتنا " ) .


54- لايريد الحظ أن يبتسم بعد ( السعى = الأمل ) .


55- وأغمضت عينى من التأثر ، فرأيت جنازتى تسير وأنا فى مقدمها أسير حاملا كأسا كبيرة مترعة برحيق الحياة ( الحياة = الموت رحيق الحياة ) .


56- حقا لقد غادرت الدنيا أيها العزيز ، كما أنها قد غادرتك ( 1 – 1 = صفر ) .


57- وحتى اليوم يرمقنى هيكلها العظمى ساخرا ( ويتسول النسيان ) .


58- لست وحدك يا فاجرة ( الحقيقة ) .


59- لا يوجد ما هو أطهر من عرق المرأة ( سرالحياة ) .


60- ومنذ تلك اللحظة وأنا أحوم بروحى حول سر الحياة ! ( اللذة ) .


61- لابد من إنجاز المهمة ( الكأس الأخير ) .


62- إليك هذا اللحن ، إحفظه منى جيدا ، وترنم به عند الحاجة ، وستجد فيه الشفاء من كل هم وغم ( طرب النفس = النجاة ) .


63- ولكنى أخاف الفتنة ( = الرغبة ) .


64- عند ذاك وليتهم ظهرى وذهبت ( × - = - ) .


65- ووقف المؤلف فى زاوية بعيدا عن الأضواء ويتابع ، لا يبالى به أحد ( المؤلف = الزمن )


66- وترك الغائب فى كل قلب لوعة .. ( النفس - العقل = جثة ) .


67- ونظرت حولى فرأيت جميع الزبائن يغطون فى النوم ( اليقظان = 1 ) .


68- ولكن اليأس لم يعرف سبيله إلى قلبى ( البدن العقل = النفس ) .


69- رغم كل شىء إعتبرت اللقاء مصادفة سعيدة ( الماضى = الوفاء = الجذور ) .


70- لكل إمرىء ساعة يحن فيها إلى الخلاء ( الخلاء = الفكر ) .


71- ولكنها كانت شديدة الإيمان بالغفور الرحيم ( النفس ) .


72- وكأنه حرص على أن تبقى الواقعة سرا لا يدرى به أحد ( إشباع الحاجة = حق ! ) .


73- لماذا تفرطون فى الأيام المتاحة الطيبة ؟ ( أطفىء لظى القلب بشهد الرضا !) .


74- أنا النسيان فكيف نسيتنى ؟ ( 1 على 1 = 1 )


75- ترى ما قولكم اليوم عن الدعارة ؟ ( دعارة العقل = دعارة الجسد ) .


76- ولكن لسحرها الغريب الغامض جن أناس .. وثمل آخرون بسعادة لا توصف ( والجمال كالسراب لايرى إلا من بعيد " ياسين فى بين القصرين " ) .


77- ولكنها لاتعثر لها على أثر فى غير دنيا الطرب .. لقد إختارت قلب الطرب مقاما لها لا تبرحه ( النشوة = طرب النفس ) .


78- وأقبل المساء وأخذت الكائنات تتلاشى , ولكننى لم أكف عن التطلع أو السير أو النداء ( النفس - العقل = جثة = الحقيقة الغائبة = الجهل ) .


79- إن الذى أودع فى سر النشوة المبدعة قادر على كل شىء فلا تيأس أبدا ( النفس = البدن العقل = الحقيقة الحاضرة ) .


80- ورجعت من عنده وسط جموع قد إنبهرت بما سمعت لحد الجنون ( الجهل = الإنبهار ) .


81- كلما خطرت ذكراها على القلوب أكلتها الحسرة .. ( الحسرة = الحقيقة العارية الغائبة ) .


82- هو كذلك ، والله غفور رحيم ! ( ذكريات الحيرة الأولى ) .


83- ثم لاح الغفران فى الأفق ( النفس - العقل = جثة = ضياع الحق ) .


84- الحق دائما معك ! ( النظام اللانظام = 1 ) .


85- وقال لى قلبى : إستقر فى ظله ، وليحفظه الصمد .. ( ظله = ظل العقل .. والحدوتة فى رداء رحلة اليمن وما بعدها ) .


86- وتلاشت وجوه الحب وعبق الجو بالشذا الطيب ( العبق = الكون المطلق ) .


87- أما الزمان والمكان فلا ثبات لهما ، وأما الشوق فلا يورث إلا الحزن ( نيوتن أينشتين هما الزمكان داروين هو تطور الحياة = ثابت نجيب محفوظ = الحقيقة والحزن النبيل ) .


88- وكانت أمى ترد على خاطرى أحيانا ، فأتخيلها وهى تنتظر ( الأمانة = العقل ) .


89- ليس فى الدنيا ما هو أجمل من الصحة وخلو البال ( الإيمان = الصحة وخلو البال ) .


90- إنى أعرف ما يتهامسون به ، فقد طالما فعلت ذلك وأنا أتابع السابقين ( أنتم السابقون ونحن اللاحقون = دائرة الحتمية ) .


91- فقلت مشهدا الكون على إستسلامى المطلق " لتكن مشيئة الله " ..( التسليم = الإيمان بالثابت المطلق ) .


92- وربما حلا لنا فى بعض أوقات الفراغ أن نذكره فى سياق الدعابة والعبث ، ولكن هيهات أن ينكر عاقل فضله .. ( العقل = نور البصيرة ، وأكل العيش = هوى النفس ) .


93- وقلت لنفسى وأنا أرتعد من الرعب " سعيد من يستطيع أن يسلم نفسه " .. ( اللص والكلاب ) .


94- بعد الخروج من السجن ‍.. ( مذلة النفس = السجن ) .


95- وتساءلت مذهولا : أين ضاعت تلك الحياة الجميلة ‍‍.. ( ذكريات عواطف لا تفنى ) .


96- كن مع العقل وإلا تعرضت لتجربتنا القاسية . وإشتد المطر ، فسكت الصوت كأنما قد ذاب فيه . ( العقل = السلامة ) .


97- أهملت العجوز الباكى فأضعت فرصة للخير لن تحظى بمثلها بإستماعك إلى درس اليوم .. ( الإهمال = الفشل ) .


98- من خواطر جنين فى نهاية شهره التاسع .. ( 1 – 1 = 0 )


99- خلت الشرفة من الحنان . وأدخل الصبى داخل حارة فلم يرجع .. ( نهاية الحب = نهاية الحياة )


100- ومن يومها كلما جاء الزمان بساعة طيبة ، أبيت أن أغيب عنها بشىء مضى أو بشىء آت .


101- والله ما أسقمنى إلا الشفاء .. ( الفكر = الصحة ) .


102- وتبين لى أن بينى وبين الموت عتابا ، ولكننى مقضى على بالأمل ( الحقيقة = وهم ، وهل صفر لا = صفر ؟ ) .


103- وبلغ به المرض مداه فنسى شخصه ولم يعد يعرف من هو ، وبذلك تسنم قمة الراحة ، هكذا أفلت من قبضة الحياة القاسية حتى غبطه من كان يرثى له ( النفس – العقل = جثمان يمشى ) .


104- أنت تتوهم أن سلوكهم معى صادر من قسوة وأنانية ، الحقيقة أنه صادر من حبهم الشديد لأبنائهم ، وهكذا كنت أحبهم ، ومن أجل ذلك قد صفح قلبى عنهم . ( مصر وأبنائها ) .


105- ونشطت قدماى إلى حيث المجلس ، وقدح الماء المثلج والقهوة المحوجة ، ومناجاة اللاحقين عن السابقين . ( الموت ذريعة للتفكير فى الحياة أو كفى بالموت واعظا ) .


106- إنها لا ترحب بمن يجيئون إليها هاجرين عملهم فى السوق .. ( المعرفة ) .


107- ولم أر بدا من الخروج لأجد نفسى فى خلاء مطبق وكرب مقيم ( ذل السؤال = سجن الحياة ) .


108- وما زلت أدور فى الظلام مناديا حتى بح صوتى .. ( الشك = الحقيقة الغائبة ) .


109- ويندر أن أطرد عنى الهواجس حتى فى الأحضان الدافئة .. ( الحياة .. الحياة ) .


110- وجاء الإدراك متعثرا من خلال الأعوام الحامية ..


111- ومرة والشمس تغيب عنه فبدا ضئيلا مسكينا يهرول فى أسمال بالية ، يتكلم فيجد السامع الإبتذال فيما يفهمه من كلامه ، والبلاهة فيما لايفهمه . ( الشفاه للقول والأذن للسمع والعقل لمعنى الحياة ) .


112- وعند ذاك دوى الصوات فى قاعة الجلسة . ( من يحاكم من ؟ ) .


113- واليوم الذى لا تجد هذه الذكريات من يتذكرها . ( الفعل والفاعل والمفعول المطلق ) .


114- نعم الرفيق الشغف والمنازل . ( الحياة )


115- هل حقا عاش أولئك جميعا ، وتبادلو المودة والأمل ؟! ( رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطىء يعمر فيهرم ) .


116- فلتنظر إليه ما طاب لها النظر ، وليجر هو حتى تخور قواه فيخمد .. ( النواة والإلكترون .. وحدة السكون والحركة .. وحدة الخلق ) .


117- وفى أوقات الفراغ أتطلع إلى جماعات العصافير فوق الشجرة سعيدة بين الشدو والطيران ، ولكن لا شدوها ولا طيرانها بشىء يذكر إلى جانب قرب الحبيب . ( شعور وشعر ) .


118- عبد ربه التائه .. .. .. ومذعرفته داومت على لقائه ما وسعنى الوقت واذن لى الفراغ ، وإن فى صحبته مسرة ، وفى كلامه متعة ، وإن إستعصى على العقل أحيانا .


119- دخلوا قلبى بلا وسيط ، عروتهم ( صحبتهم ) ساحرة ، أصواتهم عذبة ، والمكان جذاب هادىء ورائحته زكية .. ( الأفكار ) .


120- حب الدنيا محور طريقتنا وعدونا الهروب . وشعرت بأننى أنطلق من مقام الحيرة ( النشوة ) .


121- أغلب أحاديثهم وأغانيهم عن المرأة الجميلة ، ينتظرون الرضا ولا يعرفون اليأس ( العشق ) .


122- فهللنا وكبرنا . ومن ساعتها وهو مندمج فى مودتنا . وفى المواسم يغنى ويرقص حتى مطلع الفجر .


123- ثمل الجميع بسعادة شاملة وأنشدنا معا : بشرى لنا نلنا المنى .. ( النشيد الدائم لوهم تحقيق السعادة المرجوة يكرره الأستاذ كثيرا فى أعماله ومنها مثلا أولاد حارتنا و مسرحية المطاردة فى المجموعة القصصية "الجريمة" .. وهو دائما فى لحظة الهروب أو التهرب من قهر المجهول ) .


124- فأجاب متجاهلا سؤالى : " الحياة فيض من الذكريات تصب فى بحر النسيان . أما الموت فهو الحقيقة الراسخة " .


125- وإنطلقوا فى الأسواق يحملون على كل خسيس ومنكر . وغضب السادة ، فزمجروا بالغضب ، ولوحوا بالعصى .


126- رأيت علىسطحها رجلا وامرأة يرقصان ، وسمعت صوتهما قائلا : - متى تصعد يا عبد ربه !


127- وردد أحدهم ما قاله لى مرارا: " لا أغير ريقى قبل أن أسمع أغنية الصباح فى الإذاعة " ؟ !.


128- كنت سيد الوجود ، ألم تر تمثالى العظيم ؟ ومع كل شمس أبكى أيامى الضائعة وبلدانى الذاهبة ، وآلهتى الغائبة ! . ( الإنسان المغرور الفانى )


129- فقال بهدوء شديد : - جئت لأضع فوق عملى نقطة الكمال . ( الموت )


130- فأشرت إلى ذم الأولياء للدنيا ، فقال : - إنهم يذمون ما ران عليها من فساد . ( نعم ) .


131- وحذره محبوه من المشى فى الظلام ، فقال : - حراس من الملائكة يحيطون بى ، ويشع من رأسى نور يضىء المكان .. ( نور العقل )


132- ما أجمل قصص الحب ، عفا الله عن الزمن الذى يحييها ويميتها . ( الحياة الحب × الزمن = الموت - الجمال × الزمن ) .


133- علامة الكفر الضجر .


134- وظلت الكآبة كامنة فى الأعماق حتى هلت ليالى القمر .


135- عند ذاك همس فى أذنى صوت " لا بارك الله فى الهاربين " .


136- عندما يومن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة ..


137- وهتف عبد ربه " العقبى للصابرين " .


138- الله بينى وبينك !.


139- لولا أنه رحمن رحيم ما وقعت !.


140- لا تعرض عنى ، فتندم مدى العمر على ضياع النعمة الكبرى .


141- ويوما جاء صاحب الحظيرة يتبعه الجزار حاملا سكينه .


142- إن خرجنا سالمين فهى الرحمة ، وإن خرجنا هالكين فهى العدل .


143- فقلت له :" سبق أن صدق أبوك ما لا يجب تصديقه فخسر الراحة والنعيم " .


144- وإهتز فؤادى وقلت " سبحانك يا مالك الملك ، تعلم ما لا نعلم . وربما جاءت الصحوة بإذنك من حيث لا يدرى أحد " .


145- " اللهم من عليه بحسن الختام ، وهو العشق " .


146- وفى ليلة الدخلة جاءت كوكبة من الملائكة فبخرته ببخور من جبل قاف .


147- كنت أقاتل قوة جاءت تروم القضاء على الناس ولكن لم يفهم عملى أحد ولم يعاونى أحد .


148- عند ذاك إنكشف لى سر حبى الأول .


149- لايحلو لكم الكلام إلا عن الموت والأموات ، وقد مللت ذلك .


150- ولم يبق من دليل يا قلبى على حقيقة ما كان ، إلا دموع تفجرت فى الهواء ، وتلاشت فى الفضاء .


151- رجل نبيل وما أندر الرجال النبلاء . أبى رغم طعونه فى العمر أن يقلع عن الحب حتى هلك .


152- حب الدنيا آية من آيات الشكر ، ودليل ولع بكل جميل ، وعلامة من علامات الصبر .


153- واستغفر الله طويلا ثم غمغم : " شد ما تشربت عمق التسبيح فى مقام الحيرة " .

154- ليت العمر يمتد بك ياعبد ربه لتعيش ولو يوما واحدا فى المدينة الآتية .


155- حذار .. فإننى لم أجد تجارة هى أربح من بيع الأحلام .


156- نحن الأيام القليلة الحلوة التى مرت فى غاية من البهاء والصفاء ولم يشبها كدر .


157- ما روعنى شىء كما روعنى منظر الحياة وهى تراقص الموت على الإيقاع المؤثر الذى لا نسمعه إلا مرة واحدة فى العمر كله .


158- هو يطاردنى من المهد إلى اللحد ، ذلك هو الحب .


159- وعند قدميها تهاوى قرينا للوجد فريسة للتعب . وظل يرنو إليها فى طمأنينة حتى لعب النعاس بأجفانه .


160- ثم تجىء هى متعثرة فى الحياء فأسقط فى الهاوية .


161- تجود بكل ثمين ولكنها من الكلام تجفل .


162- ولما رجعت وجدت البيت خاليا ، فلا أثر للضيف ، ولا للأحباب .


163- نعم إذا كان من عشاقها المخلصين . ( الإخلاص شرط الوصول )


164- هنيئا لمن عاش ومات فى بوتقة الحرمان . ( من الطمع ! )


165- الكمال حلم يعيش فى الخيال ، ولو تحقق فى الوجود ما طابت الحياة لحى . (الكمال = الجمود)


166- تبدو الحياة سلسلة من الصراعات والدموع والمخاوف ، ولكن لها سحر يفتن ويسكر .


167- لا هى تشبع ، ولا عشاقها يتعظون . ( مغفلون )


168- طبعنا على حب الحياة وكره الموت . ( جهالة )


169- بعض أكاذيب الحياة تتفجر صدقا . ( نسبية )


170- فى الكون تسبح المشيئة ، وفى المشيئة يسبح الكون . ( كن ) .


171- إنهما إثنان ، بقوته خلق الأول الآخر ، وبضعفه خلق الآخر الأول . ( 1 و - 1 = صفر )


172- لقد فتح باب اللانهاية عندما قال : " أفلا تعقلون ؟ " . ( العقل = تراث الوجود ومستقبله )


173- فى إحدى ليالى الكهف التى لاتنسى غلبنى السكر بعد أرق وحيرة . وإذا بذرة هائمة فى أعماق الكون تهمس فى وجدانى أن أطمئن . ( وحدة الكل ) .


174- ورجوتها أن تقف لحظة ، وركعت أمامها فى خشوع ، وأحطتها بذراعى . ( عشق )


175- مع شهيق الكون وزفيره تهيم جميع المسرات والآلام . ( الوحدة الكبرى )


176- أقرب ما يكون الإنسان إلى ربه وهو يمارس حريته بالحق . ( الحرية = الفطرة ) .


177- الحب مفتاح أسرار الوجود . ( صدق )


178- " لو كففت عن عملى عاما واحدا لإنتزعت منكم الإقرار بفضلى " . ( الموت )


179- لأننا مازلنا نعجب بالأقوال الجميلة ، حتى وإن لم نعمل بها . ( إنفصام )


180- " إفعل ما تشاء بشرط ألا تنسى وظيفتك الأساسية وهى الخلافة ". ( الإنسان الحق )


181- من خسر إيمانه خسر الحياة والموت . ( حق )


182- ما نكاد نفرغ من إعداد المنزل حتى يترامى إلينا لحن الرحيل . ( دائرة )


183- خسرت هذه الجولة فالعب غيرها . ( الغواية )


184- يامن أيقظتن الفؤاد فى دار الفناء أشهد بأنكن خلقتن الخصم القوى الذى يتحدى الموت . (الحب)


185- " لقد أعدنى ذو الجلال للحب والإنجاب ، ولن أخالف مشيئته .. " ( إسلام وتسليم )


186- وجدتنى فى بحر تتلاطم فيه أمواج الأفراح والأكدار . ( الحياة )


187- الحمد لله الذى أنقذنا وجوده من العبث فى الدنيا ومن الفناء فى الآخرة . ( نعمة الإيمان )


188- خفقة واحدة من قلب عاشق جديرة بطرد مائة من رواسب الأحزان . ( توازن الندرة والوفرة)


189- " أنا الحب ، لولاى لجف الماء ، وفسد الهواء ، وتمطى الموت فى كل ركن ". ( حق )


190- حاولت يوما العزلة ، ولكن تنهدات البشر اقتحمت خلوتى . ( الكل فى واحد )


191- قد تغيب الحبيبة عن الوجود ، أما الحب فلا يغيب . ( السبب )


192- لاتلعنوا الدنيا فهى تكاد ألا يكون لها شأن بما يقع فيها . ( الوسيلة )


193- سأزورك يوم تشبع ، لأقدم لك واجب العزاء . ( الشبع = الموت )


194- إذا أحببت الدنيا بصدق ، أحبتك الآخرة بجدارة . ( مكافأة )


195- الصديق الذى يندر أن نرحب به ، هو الموت . ( غفلة )

196- كما تحب تكون . ( حق )


197- أما أنا فقد استقر موضعى فى الوسط . ( مابين الكون الأصغر والكون الأكبر ) .


198- كتب على الإنسان أن يسير مترنحا بين اللذة والألم . ( السير = الحياة )


199- جوهران موكلان بالباب الذهبى يقولان للطارق : تقدم فلا مفر ، هما الحب والموت . ( حتم )


200- " يتنافسون على لقمتى اليومية . وما فعلت سوى أن استرددت ما سبق أن وهبت " . ( حق )


201- فقالت بحياء : إن أبنائى يسألوننى ، فلا يجدون عندى إلا السؤال.( ضعف الطالب والمطلوب )


202- اعتبره آخر ما تبقى لك من وقت . ( مهلة )


203- إن مسك الشك فانظر فى مرآة نفسك مليا . ( وفى أنفسكم أفلا تبصرون )


204- نسمة حب تهب ساعة تكفر عن سيئات رياح العمر كله . ( نعمة الحب )


205- أسكت أنين الشكوى من الدنيا ، لا تبحث عن حكمة وراء المحير من فعالها ، وفر قواك لما ينفع ، وارض بما قسم ، وإذا راودك خاطر اكتئاب فعالجه بالحب والنغم . ( نعمة الرضا )


206- يحق للزمن أن يتصور أنه أقوى من أية قوة مدمرة ، ولكنه يحقق أهدافه دون أن يسمع له صوت . ( الزمن نتيجة .. لا سبب ) .


207- أشمل صراع فى الوجود هو الصراع بين الحب والموت . ( صراع الخالدين ) .


208- أطبق الشر على الإنسان من جميع النواحى ، فأبدع الإنسان الخير فى جميع المسالك . (الجهاد )


209- " قد يدرك المعمر يوما أنه أطول عمرا من أجمل رموز الحياة ! " . ( زفرة قلب فى نبضة أو بسمة عين فى لمحة ) .


210- أحببت حتى الذروة ، وحلقت بجناحى النجاح ، وأطربنى الغناء فى الليالى البدرية . وعند المغيب هبط الطائر الأخضر ، فغرد وأشجانى دون أن أفقه له معنى . ( تناغم الحب والحياة والجمال )


211- مابين كشف النقاب عن وجه العروس وإسداله على جثتها إلا لحظة مثل خفقة قلب . ( خفقة قلب = نبض الحياة ) .


212- جاءنى قوم وقالوا إنهم قرروا التوقف حتى يعرفوا معنى الحياة ، فقلت لهم تحركوا دون إبطاء ، فالمعنى كامن فى الحركة . ( أرسطو ابن رشد داروين آينشتين محفوظ زويل …) .


213- اخفق ياقلبى واعشق كل جميل وابك بدمع غزير إذا شئت ولكن لا تندم . ( ما كان .. كان ) .


214- ما أجمل أن تودعها وقد إزداد كل منكما بصاحبه رفعة . ( الرقى = الجهاد = العمل الطيب )


215- الله يديم دولة حسنك . ( الدوام = الكمال )


216- لولا همسات الأسرار الجميلة السابحة فى الفضاء . لانقضت الشهب على الأرض بلا رحمة . ( طاقات الحب لا تفنى ) .


217- كابدت من الشوق ما جعل حياتى لهفة مكنونة فى حنين . ( الشوق عشق ناعم )


218- لا يوجد أغبى من المؤمن الغبى ، إلا الكافر الغبى . ( الغباء بدن بلا عقل )


219- الغناء حوار القلوب العاشقة . ( الغناء = لسان الخلود )


220- الحاضر نور يخفق بين ظلمتين . ( الرحم والقبر )


221- الحياة دين ثقيل ، رحم الله من سدده . ( بالعمل الطيب ! )


222- أقوى الأقوياء من يصفحون . ( عند المقدرة )


223- عندما يلم الموت بالآخر ، يذكرنا بأننا ما زلنا نمرح فى نعمة الحياة . ( كفى بالموت واعظا ) .


224- فى الصحراء واحة هى أمل الضال . ( والعقل هو الدليل إلى راحة البال )


225- ما أجمل راحة البال فى حديقة الورد . ( جنة الإيمان )


226- وفى لهفتنا ، رأته البصيرة وسمعته السريرة . ( الوصول .. يافرحنا .. نلنا المنى )


45 - القرار الأخير ( 1996 ) مكتبة مصر

مجموعة قصصية نشرت بعد محاولة الإغتيال ولكنها كتبت قبل ذلك ولعلها كتبت حتى قبل الأصداء لأنها تقدم إستمرار للخط الفكرى الرمزى الإنتقادى المر السابق وتقدم – أيضا - بدايات للرمز المركز الذى إتبعه فى كتاباته التالية لها وهى الأصداء قبل المحاولة والأحلام بعد المحاولة .. كما يتضح مما يلى :


1- المهد : يبوح نجيب محفوظ فى هذه الحكاية بأسرار نشأة حبه للحكى ، وكيف نمت فى نفسه المشاعر الإنسانية الرقيقة المستمرة حتى الآن ومصادر المعارف الأساسية التى كانت كالأساطير ، ويقول فى ختامها .. ص 17 " هى فترة قصيرة ولكنها تحمل أجنة إحتمالات لاتعد ، تشهد مولد الأسئلة الخالدة ، والحب والجنس ، والصداقة ، والقيم ، والحياة ، والموت ، فى رحاب ذى الجلال . ألحان أساسية تنمو وتتنوع مع العمر ، تتلقى من البحر الثرى أمواجا متدافعة وآفاقا مترامية . توزعنا الأهواء والتأملات ، الحلم والأفعال ، الإنكماش والإندفاع ، ولا نتخلى عن الرغبة الأبدية فى الإهتداء إلى مصباح يضىء لنا طريق المصير .. " .

2- دخان الظلام : الحيرة التى لم تصل إلى تمام الضلال والضياع . وقد كتبها برمزية غاية فى التركيب والصعوبة كأنها تهويمات درويش .. حتى يقول فى نهايتها .. ص 25 " .. وفجأة تلاشى الجحيم فيما يشبه المعجزة . تلاشى فجأة وبلا تدرج . هبطت اليقظة من مملكتها الحرة بالسماء .. يقظة مضيئة مفعمة بالعذوبة والسلام والطمأنينة ، مرحة ، مريحة ، سعيدة تنضح بالمودة والهناء . مددت بصرى نحو النافذة فرأيت الأفق يزدهر بحديقة الشمس المشرقة .

3- اليمامة : كأنها المرام المحبوب البعيد .. الذى لم يصل إليه أبدا .. رغم دخوله إلى القرافة !.

4- القرار الأخير : المواجهة .. رغم قسوتها ونتائجها المؤلمة .. إلا أنها الأسلوب الوحيد لإدراك التغيير وتحقيقه .

5- الخنافس : الحادثة واحدة .. وإختلاف الرؤى فى تفسيرها ومن ثم فى مواجهتها .. فينقسم الناس إلى فاعلون وهاربون وإتكاليون أو إلى ( و - و صفر ) .. ولكن الزمن جاء بالكلمة الفصل .

6- وراء العامود : كأنه يصف أستاذا ( أعرفه ) وله عامود ثابت فى الصفحة الأخيرة لصحيفة يومية كبيرة . وكأن الأستاذ نجيب هو المراقب الذى يصف أفعال ذلك الرجل وكيف يزين الرزائل ويزور التاريخ ويفشى الأسرار . وقد رأى له الأستاذ رؤية ( سوداء ) بأن مصيره القتل لأنه أشد الجميع إجراما بما زين لهم من سيئات أعمالهم .. ولأنه مؤرخ خبير بالصفقات المريبة وأساليب السلب والنهب .

7- تيزه أم عزيز : .. ص 56 " .. اليوم يا تيزة تعلمت أن المآسى قد تحكى فى كلمات ولكنها تعاش على أنات الكدر وعذاب المعاناة وفى غيابات القهر" .. وص57 " أو لعل ذاكرتى أبت أن تحفظ من ذكراك إلا صورة السيدة القوية المرحة ذات العينين النافذتين والوشم المطل من غمازة الذقن . صورة من الصبر الجميل والحب العميم ." .

8- حملة القماقم والمباخر : .. " حكاية ست بطه تذكرنى بحكاية ست أوسة ! . وتذكرنى بإمرأة العزيز . كفايه .. كفايه دعوها الآن بين يدى من لا يظلم . " شهوة الجسد أقوى من سلطان العقل – أحيانا – وكأن الأستاذ يقول : " من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر" .. ويلاحظ أن لهذه الحكاية سابقة فى السكرية .؟؟

9- الغد قادم أيضا : .. ص 72 " قمة اليأس .. وقمة السعادة ! " .. " صدقونى ، أشعر أحيانا بأننى نلت فوق ما أتمنى ، وأتمنى ولو للحظة عابرة أن يأخذنى الله من فوق قمة السعادة ! .

11- مؤامرة : إنها مؤامرة الشياطين فى غواية البشر إلى الصلاح بدلا عن الفساد كما إقترحها إبليس سيدهم .. ولكن تكمن المفارقة فى لحظة غواية ! المسؤلين إلى الصلاح لكى يتم حل جميع الأزمات التى يواجهها الناس إذ بإبليس يخاطب صاحب الإقتراح قائلا : أسكت يا قصير النظر ، إن إقتراحك يفضى بنا إلى خلق مجتمع صالح ومناخ نقى يتعذر علينا فيه إغواء أحد من البشر إلا بطلوع الروح ، لنترك القلة الصالحة فى صراعها مع الكثرة الفاسدة . ( راجع الشر المعبود فى همس الجنون .. و أولاد حارتنا ) .

12- طبقات السعادة : .. " عقيدة غريبة تسيطر على المسؤلين بأن شعبنا غير الشعوب الأخرى ! ؟ ولا يستحق أن يعامل طبقا للقانون ! وأن العقوبة الوحيدة المجدية هى ما قبل العقوبة الرسمية أعنى الضرب والشتم والإهانة .. وخلاصة الحكاية .. " كنت أتصور أننى ملم بتعاسة شعبنا ، ولكننى لم أعرف مداها إلا الساعة .

13- مسافر بحقيبة يد : الرحيل بلا متاع .. ! موت أم حياة أخرى ؟ .

14- رجل أفلس : سبب الإفلاس الوحيد الفساد .. " أى إنسان فاسد ذلك الصديق الذى لم أعرفه على حقيقته من قبل ، لا عجب أن يفلس ، ولا عجب ألا يكون جديرا بأى ضمان ! " .

15- لحظة عابرة : هو وفاقد العقل واحد ! .. الأحداث التى عاصرها .. الحروب ، والمآسى ، الغلاء ، الديون ، الفساد ؟ . و .. كل شىء جميل إلا الناس . و .. مجرد لحظة عابرة .

16- عودة القرين : دائرة الأخذ والعطاء والأخذ والعطاء .. بلا نهاية .

17- الرجل الوحيد : .. ص 122 " اللصوص آمنون ، يعبثون فوق القانون ، القانون مسكين ولا يطبق إلا على المساكين . – الأبواب مفتحة لأبنائهم ، ولهم وحدهم الفرص الطيبة . – ولنا المعاناة والكلمات الكاذبة المعسولة . – أبونا رجل شريف ، وقاض شريف أضعف من مجرم غنى .. ! – هذا الرجل زهّد إبليس فى القيام بواجبه .

18- العودة : .. ص 128 " توجد مهنة وحيدة ، شريفة وميسرة للرزق .. " يعنى مسح الأحذية . .. " لو علم الظالم النهاية .. ما ظلم أحد فى البداية " .

19- بيت المستشار : نسبية القيم فى التفاعل بين الثوابت والمتغيرات ومع تغير المواضع وزوايا الرؤية والمواقف .

20- الرجل القوى : نموذج فريد للرمز الإنتقادى .. ولكن فى النهاية الكمال غير مكتمل كشأن الخلق كله .. فأين طابع الكمال أين ؟ ! .

21- البهو : الحياة .... وإنتظار القبض ! .

22- ذوو الدخل المحدود : يصرخ الأستاذ .. ألا يوجد وسط بين الإنغلاق والإنفتاح ؟ .. ألا توجد إستراحة لذوى الدخل المحدود ؟ .

23- الحزن له أجنحة : .. ص 158 " صدقنى ، لا شىء يستحق الحزن ، دع الحزن للحمقى ، أنا الآن مثل طير لا تربطه علاقة بالأرض ، إنى أيضا أتذوق الطعام وأحبه ، وأسمع الأغانى الحلوة حتى الثمالة ، ويخيل إلى أننى لم أعرف السعادة من قبل كما أعرفها الآن .. ثم يكتب فى ص 159 .. إنه يحظى بحرية لا يعرفها إلا قلة من البشر ( كأنه يعنى نفسه ) .

24- العود والنارجيلة : مرة ثانية يعود بنا الأستاذ إلى البذور فى النشأة الأولى أوأصول الأحاسيس الجميلة وكيف أصبحت فى النهايات مع مقارنتها بالبدايات وكيف كانت .

25- لقاء خاطف : رغم أنه خاطف إلا أنه يثير تاريخ كامل .



46- أحلام فترة النقاهة ( 2000/2001 ) مجلة نصف الدنيا

تغيرت ثوابت كثيرة فى برامج حياة الأستاذ / نجيب محفوظ بعد محاولة الإغتيال التى تعرض لها أمام باب بيته بطعنة سكين أثرت على حركة ذراعه الأيمن وبالتالى على قدرته فى الإمساك بالقلم وحرم من متعة الكتابة . وبعد تمام الشفاء كان لابد من إعادة تدريب اليد والأصابع على الكتابة من جديد وكانت أحلام فترة النقاهة حصيلة هذه التدريبات وهى إمتداد طبيعى وتاريخى وبنفس المقدرة الفذة على الرمز والكناية التى بدأها فى أصداء السيرة الذاتية . وهى فى رأيى خلاصة الخلاصة من الفن الروائى الراقى والرائق ، المعتق والمصفى . وأجتهد فى تفسيرها على النحو التالى :-


الحلم 1 : أسرع إلى كبابجى الشباب لعلك تدركه قبل أن يشطب ، ولم أضيع وقتا فرجعت إلى ساعة الميدان ولكننى لم أجد الدراجة والصديق . = كان الطعام فى الشباب كباب شهى ، أو حوارات ثرية بين أساتذة عظام فى مناخ الحرية الكاملة للفكر ، لكن اليوم طعام العائلات نفايات .. لا نفع فيها .. بتكلفة عالية و مظهر فخم .. وفى ميدان الزمن المعاصر ضاعت الوسيلة الحرة ( الدراجة ) وإنعدمت الأمانة والصداقة والثقة ! .

الحلم 2 : وملت إلى الإعتقاد بالخطأ متذكرا أنه توجد ثلاث عمارات متشابهة فى صف واحد وهبطت السلم بسرعة وفى الطريق رأيت الفتاة تسير فى طرفه المفضى إلى ميدان مكتظ بالسيارات والبشر فجريت نحوها حتى أدركها قبل أن تذوب فى الزحام . =