الانطلاق الاقتصادي المصري (4) نحو مرحلة عبقرية التخزين والتسعير وإعادة التصدير

مراجعة 17:26، 29 يناير 2016 بواسطة Taghreed (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''الانطلاق الاقتصادي المصري (4) نحو مرحلة عبقرية التخزين والتسعير وإعادة التصدير'''، مقال محم...')

(فرق) → مراجعة أقدم | مراجعة معتمدة (فرق) | النسخة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الانطلاق الاقتصادي المصري (4) نحو مرحلة عبقرية التخزين والتسعير وإعادة التصدير، مقال لمحمود وهبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقال

في بداية الثمانينات كنت أعمل عميداً وأستاذاً لإدارة الأعمال بإحدى الجامعات الأمريكية ، ورغم رونق وظيفة العميد إلا أنها بعد فترة تصبح وظيفة روتينية وليس بها خلق أو إبداع ، وبدأ الملل يصيبني بعد ثلاث سنوات فقررت أن أجرب حظي في مجال الأعمال الحرة وخاصة أن السن – عندئذ – كانت تسمح بشيء من المخاطرة وكأي أستاذ جامعي لجأت إلى استخدام الأساليب العلمية لتحديد المجال الذي أنوي اقتحامه ، وبدأت أعد قائمة بالنشاطات المرغوبة حسب معايير خاصة وقبل أن أنتهي من إعداد القائمة وجدت ما كنت أبحث عنه حسب المعايير التي حددتها، فلقد رأيت لافتة للبيع على مجموعة من مستودعات أو صهاريج البترول على شط أحد الأنهار القريبة من منزلي بإحدى الولايات شمال مدينة نيويورك ، وكان عدد هذه المستودعات تسعة تراوح ارتفاعها ما بين خمسة إلى عشرة طوابق كل منها يماثل عمارة ضخمة ، ولما سألت قيل لي أن شركة أكسون للبترول ( أسو في مصر ) كانت تبيع كل مستودعات البترول في شرق أمريكا لأنها قررت الانسحاب من هذه المنطقة للتركيز عن طريق التقطير في مرحلة تكرير البترول الخام ومنها الديزل ، ووقود الطائرات والكيروسين وزيوت التدفئة وما يماثلها ( ولم تشمل البنزين لأنه يتم انتاجه عن طريق التبخير في مرحلة التكرير ) وهذه المستودعات تتلقى هذه المنتجات البترولية بالسفن ، ثم تقوم بتخزينها وبيعها بواسطة عربات نقل أو مقطورات سكك حديدية خاصة ، وتقدمت بعرض قدره 650.00 دولار وكان هو المبلغ الذي طلبته أكسون بالكامل .

وتم قبول عرضي من بين 37 عرضاً آخر لأنني الوحيد الذي عرض السعر كاملاً . وقبل الاستلام بأيام سألني مدير البنك الذي تعاملت معه . وماذا ستفعل بشأن رأس المال العامل ؟ وفوجئت كأي أستاذ جامعي لم تشغلني مثل هذه الأمور العملية ( ومعذرة للزملاء الأساتذة ) وقدرت أن المبلغ المطلوب لرأس المال العامل هو أربعة ملايين دولار ، ولم يكن بإمكاني تدبير هذا المبلغ تحت أي ظرف من الظروف ، وفهمت أخيراً ! لماذا لم يتقدم غيري بعرض الثمن الذي طلبته أكسون بالكامل ( بالمناسبة أعتقد أن كثيراً من رجال الأعمال في مصر لا يأخذ الحاجة لرأس المال العامل في اعتباره عند بدء مشروعاتهم مثلما فعلت وعادة ما يؤدي ذلك إلى تعثر أو فشل المشروع .

وذهبت إلى أكسون للبحث عن حل ، وفوجئت أن الحل كان أبسط مما تصورت ولو في الأحلام . فلقد أبلغني المسئولون في أكسون أنهم مستعدون لتخزيم منتجات بترولهم في مستودعات على أن أدفع لهم ثمن كل ما أقوم ببيعه في السوق خلال 48 ساعة من وقت البيع . ولم أصدق هذا العرض العجيب فإنه سمح لي بتمويل رأس المال العامل بلا تكلفة بل وبربح من الإيجار بشرط ألا أحزن أكثر مما أنوى بيعه وأن أسمح لهم بالحفاظ بالملكية القانونية للمخزون ونقله عندما يشعرون بالخطر فسألت عن السبب في هذا الكرم غير المتوقع من أكسون . فشرح لي المسئولون أن معامل التكرير تعمل لمدة 24 ساعة يومياً ولا يمكن إيقافها لأي سبب لأن تكاليف إعادة تشغيلها غير اقتصادية ، ولذلك فإن منتجات معامل التكرير وكذلك البترول الخام يتم تخزينها عادة في مخازن الغير لأن المخازن داخل معامل التكرير لا تكفي لكل ما ينتج أو للمطلوب توفيره من مواد خام . ولذا فهم دائماً يبحثون عن مخازن إضافية ولامانع عندهم أن يستأجروا مخازني التي سأشتريها منهم لأن تأجيرهم للمستودعات أرخص لهم من ملكية وإدارة هذه المخازن بأنفسهم وفجأة تيقظت للمؤامرة فماذا عن السعر ؟ وهل سيبيعون لي هذه المنتجات بأسعار أعلى من السوق ويسرقونني ! فسألت كمن ضبط لصاً وماذا عن الأسعار والتسعير ؟ والحق كانت الإجابة هي بداية لتعليمي الحقيقي بأسلوب التسعير المعاصر للسلع العالمية وما تعلمته منهم عن عبقرية المخازن والتخزين كان درساً عظيماً في حد ذاته ولكن درس عبقرية التسعير كان أعظم فلقد قالوا أنه لا حاجة بنا لأن نتفق أو نتفاوض على أية أسعار وأنه يمكننا كبائع ومشتر أن نلجأ إلى بورصة عقود البترول الآجلة وأن نتبادل العقود فقط مني في هذه الحالة فلا ضرورة لأن نتفق على سعر البورصة لهذه العقود ، فمن جانبهم كبائعين يقومون ببيع عقود تساوي الكمية المخزونة في مستودعات بأي أسعار ترضيهم وفي أي وقت يرضيهم في بورصة ،،،،،،،،،، العقود . ومن ناحيتي كمشتر أقوم بشراء عقود مماثلة لما أبيعه في السوق وما أسحبه من المخازن من منتجات وبالسعر الذي يرضيني وفي الوقت الذي يرضيني في بورصة العقود أيضاً وعندما نتحاسب فإننا نتبادل عقود الشراء بعقود البيع بصرف النظر عن سعر شرائها أو بيعها من جانب الطرفين وكل منا يقبض أو يدفع مباشرة إلى البورصة ما له وما عليه من أموال . ولما كانت أسعار البترول ومنتجاته في بورصة العقود الآجلة تتغير كل دقيقة بل كل ثانية فلقد أصبح هدفي الأوحد في إدارة الشركة بعد ذلك هو أن أشتري هذه العقود بأقل الأسعار في البورصة وأفترض أن هدف أكسون كان العكس أي بيع هذه العقود بأعلى أسعار ، وبدأت أدرس البورصة كمن يدرس لشهادة الدكتوراه حتى أنني تصورت أنني عندئذ أصبحت خبيراً ولو متواضعاً في استخدام البورصة واكتشفت بعد ذلك أنني مازلت أتعلم حتى الآن فاستخدام البورصة يتطلب علماً ومهارات معقدة للغاية ومنها البورصة الحاضرة وبورصة العقود الآجلة ثم بورصة الاختيارات . وبعد شراء المستودعات بدأت في شراء العقود وتبادلها مع أكسون بما يسمح لي بتحقيق هامش مناسب من الربح عندما أبيع المخزون في السوق فعلاً وتبادل عقود الشراء بعقود البيع بصرف النظر عن عن سعر شرائي لها أو سعر بيعهم لها في البورصة واكتشفت أن أكسون تستخدم نفس أسلوب التخزين والتسعير في سلع أخرى مثل الجازولين ، والغاز الطبيعي ومشتقاته والكيماويات والسماد والمبيدات وزيوت التشحيم والفحم والمطاط بل وبعض المحاصيل الزراعية وهذه تشمل بعض من أنشطة أكسون فقط وخلال تسعة شهور بدأت مبيعات شركتي الصغيرة تقفز عن ثلاثة ملايين دولار عندما كانت في يد أكسون إلى 12 مليون دولار وهي في ملكيتي . وبدأت طبعاً في التوسع بسرعة شديدة في شراء مستودعات بترولية أخرى من أكسون وغيرها من كبرى شركات البترول في مناطق عديدة ومتباعدة وبنفس شروط التخزين والتسعير حتى أصبحت شركتي ثالث أكبر شركات أمريكا في مجالها خلال سنوات معدودة وبدأت بعد ذلك في التوسع في نشاطات أخرى مكملة ولكن هذه قصة أخرى أحكيها لأحفادي فقط – ولكن ما رويته للقارئ – حتى الآن يحمل في طياته درساً عظيماً بالنسبة لمصر ، ورغم أنني حكيت قصة شركة خاصة إلا أن ما حدث لم يكن بالمصادفة ولم يتوقف فقط على دراستي أو مهارتي في استخدام المخازن والبورصات فهذا هو دور أية إدارة رشيدة ، ولكنه يعكس تغيرات جوهرية معاصرة في :

(1) اقتصاديات وتكنولوجيا إنتاج السلع الذي يخلق فجوة زمنية بين زمن الإنتاج وزمن استهلاك.

(2) التغيير في أسلوب تسعير هذه السلع باستخدام البورصات بدلاً من الصفقات وتتيح هذه التغيرات فرصة غير عادية – قد لا تتكر – لمصر في أن تخرج من البر إلى البحر وأن تبدأ رحلة الألف ميل بخطوة تعتمد على عبقرية التخزين والتسعير وتمكن مصر من أن تكون مركزاً بحرياً وتجارياً عالمياً يعتمد على إعادة التصدير للعالم من سلع العالم ويشارك فيها القطاع الخاص من تعاون الدولة.


مصر كمركز تجاري عالمي وإعادة التصدير

من المعروف تاريخياً أن العرض من المحاصيل الزراعية في ذروته عند توقف الحصاد وينخفض السعر عندئذ أما الطلب على المحاصيل فيستمر على مدار العام وتتجه الأسعار إلى الارتفاع كلما ابتعدنا عن وقت الحصاد ومن هنا جاءت الحاجة إلى تخزين هذه السلع بين وقت الحصاد ووقت الاستهلاك لخلق شيء من التماثل بين أسعار السلع في فترة الحصاد وأسعارها على مدار العام وهذا نفسه ما أدى إلى إنشاء بورصات آجلة للسلع يتم فيها البيع والشراء من هذه المخازن على مدار العام أو الأعوام كما سنرى ولقد أدت تكنولوجيا الإنتاج الحديثة للسلع الصناعية إلى خلق فجوة زمنية مماثلة بين وقت الإنتاج ووقت الاستهلاك فاقتصاديات الإنتاج المعاصرة تعتمد على الحجم الكبير والتشغيل المتواصل وبلا توقف لتجنب التكلفة العالية لإعادة التشغيل عند التوقف ومن هنا أيضاً نشأت الحاجة إلى معظم السلع الصناعية وخاصة الوسيطة منها بين وقت الإنتاج ووقت الاستهلاك ولذلك تلعب المخازن والتخزين دوراً يزداد أهمية في الاقتصاد العالمي وحوالي 80% من واردات مصر و90% من صادراتها يمكن تصنيفها كسلع أي يمكن تخزينها ينطبق نفس التعريف على واردات وصادرات الدول المجاورة لمصر وبالتالي يمكن أيضاً تخزينها ، فلماذا لا تخزنها في مصر عند وقت الحصاد والإنتاج ؟ ثم نعيد تصديرها لهم عند وقت الاستهلاك أو الاستيراد ؟ إن موقع مصر البحري والبري يتيح لها أن تكون مركزاً عالمياً لتخزين السلع الزراعية والمواد الأولية والسلع الصناعية الوسيطة لنفسها ولجيرانها بين فترة الإنتاج وفترة الاستهلاك ويرجع ذلك لسبب بسيط أسميه عبقرية السكان وذلك لأن حجم سكان مصر يصبح في هذه الحالة نعمة وليس نقمة ويحقق لها ميزة تنافسية على جميع جيرانها ولا يسمح لأحد من الجيران أن يتحداها ، فما هي الدولة المجاورة التي يصل عدد سكانها إلى 60 مليوناً ويزداد حوالى 2% كل عام ؟ وللأسف فإن مصر تعتمد حالياً على الواردات من العالم للغذاء حسب بعض الإحصائيات ، فمصر تلى الصين والهند والباكستان من حيث ترتيبها مثلاً في استيراد الحبوب والزيوت والسكر ، ومصر هي ثالث أسواق أمريكا للقمح وثامن أسواق أمريكا للحبوب وتستورد بحوالي 8 مليارات دولار كل ما يمكن وصفه بكلمة السلع المشار إليها سابقاً ويصل مجموع الواردات المصرية حوالى 10 مليارات دولار وعن جيرانها فإن الأمر لا يختلف كثيراً ونحن نعيش في عصر ثورة في التجارة العالمية للسلع خاصة بعد اتفاقية " الجات " أو المنظمة الدولية للتجارة فتقدر الأيكونومست أنه بعد عام 2000 فإن حجم التجارة السلعية العالمية سيزداد بأكثر من 200 مليار دولار سنوياً وأن التجارة العالمية تزداد حالياً بأكثر من 4.5% أما التجارة بين أوروبا رغم وحدتها التجارية وأفريقيا وهو ما يجب أن تهدف مصر للاستفادة منه يتوقع أن تزيد بحوالي 8% معظمها واردات للدول الأفريقية أما عن التجارة بين أوروبا وآسيا فيتوقع أن تتزايد بحوالي 6% أيضاً ومصر هي في الوسط ويمكنها أن تستفيد ليس من مرور هذه التجارة فقط بل والمشاركة فيها كوسيط عن طريق إنشاء المخازن والتخزين وما أتحدث عنه هنا هو مخازن للسلع السائلة والجافة الباردة والساخنة والمعمرة وغير المعمرة والخطيرة وغير الخطرة . والكبيرة والصغيرة . والثقيلة والخفيفة . وأتحدث عن مخازن في البحر وتحت البحر ، وعلى الشاطئ وتحت الشاطئ وعلى الأرض وتحت الأرض وبالسفن والشون والصوامع والمستودعات والخزانات والدواليب والمغلفات والمحصنات والمثلجات والمسخنات والمعقمات وهكذا ونتذكر أن مفهوم المخازن والتخزين يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم فالأنابيب تخزن السوائل والكابلات تخزن الكهرباء والألواح المعدنية تخزن الطاقة الشمسية ومكونات الكمبيوتر ( في حجم حبة الرمل ) تخزن المعلومات والأقمار الصناعية تخزن البرامج والاتصالات وهكذا أصبحت المخازن والتخزين من الظواهر الاقتصادية التي لا يمكن الاستغناء عنها وتخلق قيمة مضافة حقيقية لم ينتبه إليها الاقتصاد الكلاسيكي وعبقرية موقع مصر يمكن تحويلها من ميزة نسبية إلى ميزة تنافسية باستخدام المخازن والتخزين لوارداتها وصادراتها وواردات وصادرات جيرانها فإن المنتج يمكنه أن يقوم مباشرة بتخزين سلع بعد إنتاجها في مصر وخاصة أنه يعلم حجم الواردات المصرية وجيرانها من إحصائيات الأعوام الماضية وهو بذلك يوفر النقل والتخزين مرتين فبدلاً من أن يقوم بنقل وبتخزين سلع في مخزن مركزي ثم ينقلها ويعيد تخزينها لمصر فإنه يفضل أن يقوم بتخزينها بمصر مباشرة فكما ذكرت سابقاً فإن المنتج دائماً يبحث عن مخازن لتخزين مواده الخام ومنتجاته لدى الغير وكما ذكرت أيضاً فإنه يقوم بدفع قيمة ايجارية لهذه المخازن ولقد قام أحد كبار البنوك المصرية في الصيف الماضي بالاتصال بمجموعة من موردي السلع الرئيسية لمصر ، وأبدى الجميع رغبته في توفير تكلفة النقل والتخزين مرتين وتفضيله التخزين بمصر بعد الحصاد أو الإنتاج مباشرة إذا توافرت المخازن واحتفظ بحق الملكية القانونية للمخزون ويتم ذلك بسهولة إذا أعطيت هذه المناطق تعريف المنطقة الحرة حتى يتمكن من نقلها إذا رغب في إعادة تصديرها وأبدى بعضهم رغبتهم في تمويل بناء هذه المخازن ووافق بعضهم على استخدام البورصات بدلاً من الصفقات وتبادل عقود البيع والشراء عن طريق البورصة فهل يمكن أن نبدأ بالمرحلة العملية الأولى للخروج من البر إلى البحر والاستفادة من موقع مصر لكي تكون مركزاً عالمياً للتخزين أما المرحلة الثانية فتعتمد على الانتقال من مركز التخزين العالمي إلى مركز بحري عالمي ثم المرحلة الثالثة وهو مركز تجاري عالمي بمعنى أننا ننتقل من التخزين إلى المشاركة في العمليات المساعدة مثل النقل البحري محيطاً وأبحاراً وأنهاراً وقنوات والتعبئة والتغليف وإعادة الشحن والسمسرة والتسهيلات والاتصالات والتأمينات وما إليها ثم ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي المشاركة الكاملة في استيراد وتصدير السلع عن طريق شرائها وحيازتها ثم بيعها ونقلها بين دول العالم الخارجي وليست هذه بدعة فهناك كثير من المواني التي تعد مركزاً للتخزين العالمي بالاستفادة من موقعها مثل روتردام بهولندا ، وأوماكا باليابان وسنغافورة ومن جيراننا هناك جنوة بإيطاليا ومالطة وقبرص ودبي فمتى نضيف الاسكندرية وبورسعيد ودمياط والسويس وبلطيم وعشرات وعشرات غيرها من المواني المصرية إلى هذه القائمة وكيف نربط الاسكندرية على مدخل البحر الأحمر وأفريقيا وآسيا وحتى تنشأ مصر مركزاً عالمياً للتخزين بين ميناءى الاسكندرية وعدن وداخل عمق مصر ولماذا لا تكون مصر مثل بنما وليبيريا التي استطاعت خلق قاعدة اقتصادية مبنية على خفض تكاليف تسجيل السفن وضرائبها وأصبحتا أكبر مراكز العالم للنقل البحري العالمي حتى أن ليبيريا هي أولى بلاد العالم من حيث الدخل من أساطيل النقل البحري بواسطة تسجيل السفن رغم أنها لا تمتلكها .

البورصات بدلاً من المناقصات والمزايدات

إذا استفادت مصر من موقعها وزادت من طاقتها التخزينية فإن موقعها أيضاً يتيح لها ميزة تنافسية إضافية ألا وهي أن تكون مركزاً للتسليم والتسلم لبعض بورصات السلع ، وذلك لأن البورصات تستخدم العديد من المخازن خارج المواني أو داخلها كمركز للتسليم والتسلم في حالة رغبة البائع أو المشتري استلام أو تسلم السلعة وهناك المئات من هذه المراكز في العالم ويتم اختيارها بناء على شروط خاصة يلزم توافرها في هذه المراكز وبناء على اتفاق خاص مع هذه البورصات و ( كمثال على إمكانية ذلك فلقد استطعت أن أدرج مجموعة من مستودعات البترول التي امتلكها كمركز للاستلام والتسلم فما بالك بموقع مصر ومركزها بالقياس إلى استهلاكها واستهلاك جيرانها ) وعندما تصبح مصر مركزاً للاستلام والتسلم فإنها تصبح أيضاً مركزاً لإعادة التصدير للدول المجاورة وبذلك تصبح حقاً وسطاء أو شركاء في حركة التجارة العالمية ويؤدي ذلك أيضاً إلى زيادة الصادرات المصرية نفسها وبالتالي تنمية الموارد الزراعية والصناعية والخدمية المصرية بدلاً من التقليل من شأنها والزيادة من صادرات مصر نفسها وأي برنامج لزيادة الصادرات المصرية لا يعتمد على زيادة الطاقة التخزينية في مصر أو استخدام البورصات لن يحقق الفعالية المرجوة منه ولكن هناك سبب آخر للتخزين في مصر واستخدام البورصات والذي يمكن لمصر أن تستفيد منه وتغري البلدان المجاورة على استخدامه أيضاً وذلك لأن معظم الدراسات الإحصائية لأسعار السلع توضح أن أسعار السلع تتقلب أو تتذبذب بحوالي 25% على مدار عام واحد ومعنى ذلك أن الأمثل يتم فقط عند طريق التسعير بالبورصات وعندئذ توفر مصر 2 مليار دولار في وارداتها وحدها وذلك عن تبادل عقود البيع والشراء بدلاً من التفاوض المباشر على الأسعار ويتطلب أيضاً اتباع الشروط النمطية للعقود والمواصفات والفحص والتنسيق والتسليم والتسلم التي تحددها البورصة دون اتصال مباشر بين البائع أو المشتري أو معرفة موعد الشراء والبيع أو معرفة من يبيع أو يشتري وفضلاً عن ذلك فإن التخزين في مصر يقلل من الاعتماد على رأس المال العامل في شكل تحويلات نقدية أو مستندية ويتم الدفع أو التمويل عند الاستلام أو الاستخدام فقط وليس قبل الشحن أو عند التعاقد وهناك أيضاً عائد اجتماعي وسياسى للتخزين في مصر واستخدام البورصات ويتعلق بنقص السلع الدورى في مصر والاستمرار في رفع أسعارها فإنني عندما أقر هذه الأيام عن نقص السلع واتجاه الأسعار دائماً إلى الارتفاع كان هناك اتجاه واحد للأسعار هو دوماً إلى الأمام سر رغم نقصانها في البورصات العالمية بالارتفاع والانخفاض وعندما أقر أن الدولة تلجأ إلى أسلوب التفتيش والبوليس لتوفير السلع أو تثبيت الأسعار فإنني أستعجب فمن الواضح أن نفس السلع وتقلبات الأسعار تمثل ضغطاً اجتماعياً وسياسياً ويصعب أن تتحمله الدولة والمستهلك وأتساءل لماذا نستمر على نفس المنوال التقليدي في الاستيراد والتصدير رغم أنه من المعروف – وبلا أدنى شك – أن هناك أقلية أجنبية تحتكر الواردات والصادرات المصرية وعندما تعلن مصر عن مناقصة عالمية لاستيراد القمح أو السكر أو الزيوت أو غيرها من عشرات السلع فإن الأسعار دوماً وبلا استثناء ترتفع عالياً حتى تشترى مصر ثم تقوم بالانخفاض بعد الشراء ، ولقد تابعت هذا الموضوع عن كثب ولدى البرهان القاطع وكتبت للمسئولين عنه بالوثائق وعندما تعلن مصر عن مزايدة للتصدير فإن المستوردين الأجانب يوزعون الأدوار بينهم حتى يعرضوا أقل الأسعار وأكرر مؤكداً أن الاستيراد والتصدير في مصر هو في يد أقلية احتكارية أجنبية ورغم كثرة الوسطاء والوكلاء المصريين ويؤدي التفاوض في حالة المناقصات والمزايدات والممارسات المباشرة إلى مرض اجتماعي آخر وهو افساد المصري سواء كان مشترياً أو بائعاً ويتم ذلك على حساب المستهلك وميزانية الدولة ولمصلحة الأقلية على حساب الأغلبية والحل هو أن نلجأ إلى البورصات فكما ذكرت فإن معظم السلع التي تستوردها مصر يتم بيعها وشراؤها عن طريق البورصات وهذا صحيح أيضاً بالنسبة للصادرات المصرية ومازالت هناك سلعاً تضاف للبورصات حتى الآن يوماً بعد يوم ( فمثلاً لقد اشتركت في إنشاء بورصة للبطاطس مشتركة بين أمريكا وأيرلندا هذا العام ) والخلاصة أن تخزين السلع بمصر واستخدام البورصات بدلاً من الصفقات له بعده الاجتماعي للمستهلك المصري فضلاً عن القيمة الاقتصادية المضافة التي تم عرضها فمثلاً يمكن:

1- توفير السلع والخروج من دائرة النقص الدورى للسلع التي يفتعلها التجار المحليون أو المصدرون الأجانب أنفسهم فالسلع تخزن بمصر وبكميات تكفى الاستهلاك السنوى أو أكثر.

2- إمكانية الشراء بأفضل الأسعار أو استخدام أسلوب اخترع حديثاً في التسعير وهو يعتمد على إمكان تثبيت أسعار السلع لمدة سنة أو أكثر في البورصات وفي بعض الحالات يمكن تحديد حد أقصى للسعر مع السماح بالانخفاض في الأسعار للحبوب كالقمح وعدة سلع أخرى مثل السكر والزيت لمدة ثلاث سنوات والبترول لمدة عشر سنوات ويسري على ذلك مئات السلع الأخرى التي تستوردها مصر .

3- تفويت الفرصة على التاجر المحلى الجشع الذي يرفع الأسعار ولا يحفظها لأنه لا يحدد الأسعار مادامت تحددها البورصة وتربطها بالأسعار العالمية ارتفاعاً وانخفاضاً أو تقوم بتثبيت الأسعار لفترة طويلة كما ذكرت .

4- التخلص تماماً من احتكار الأقلية الأجنبية لصارادات وواردات مصر وتلاعبهم بالأسعار وبالعرض والطلب .

5- أن نتجنب الفساد بمختلف أشكاله في حالات التفاوض عن مصر أو معها حول صفقات الاستيراد أو التصدير عن طريق المناقصات والمزايدات والممارسات المباشرة .

6- الاستغناء عن معظم صناديق موازنة الأسعار والدعم حيث أن تقلبات الأسعار ستم التحكم فيها عن طريق البورصات .