الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ابن حزم - المجلد الثاني2»

لا ملخص تعديل
 
(Removing all content from page)
سطر 1: سطر 1:
صلاة الخوف
519 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ حَضَرَهُ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ ظَالِمٍ كَافِرٍ , أَوْ بَاغٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ مِنْ سَيْلٍ , أَوْ مِنْ نَارٍ , أَوْ مِنْ حَنَشٍ , أَوْ سَبُعٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُمْ فِي ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا : فَأَمِيرُهُمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا , كُلُّهَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَدْ بَيَّنَّاهَا غَايَةَ الْبَيَانِ وَالتَّقَصِّي فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِنَّمَا كَتَبْنَا كِتَابَنَا هَذَا لِلْعَامِّيِّ وَالْمُبْتَدِئِ وَتَذْكِرَةً لِلْعَالِمِ , فَنَذْكُرُ هَهُنَا بَعْضَ تِلْكَ الْوُجُوهِ , مِمَّا يَقْرُبُ حِفْظُهُ وَيَسْهُلُ فَهْمُهُ , وَلاَ يَضْعُفُ فِعْلُهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ , فَإِنْ شَاءَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمُوا , ثُمَّ تَأْتِي طَائِفَةٌ أُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ , وَإِنْ كَانَ فِي حَضَرٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , وَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ , وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ , الآُولَى فَرْضُ الإِمَامِ , وَالثَّانِيَةُ تَطَوُّعٌ لَهُ وَإِنْ شَاءَ فِي السَّفَرِ أَيْضًا صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ تُسَلِّمُ تِلْكَ الطَّائِفَةُ وَيُجْزِئُهُمَا , وَإِنْ شَاءَ هُوَ سَلَّمَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ , وَيُصَلِّي بِالآُخْرَى رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ وَيُجْزِئُهُمْ. وَإِنْ شَاءَتْ الطَّائِفَةُ أَنْ تَقْضِيَ الرَّكْعَةَ وَالإِمَامُ وَاقِفٌ فَعَلَتْ , ثُمَّ تَفْعَلُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الآُولَى رَكْعَةً ثُمَّ وَقَفَ ، وَلاَ بُدَّ وَقَضَوْا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا , ثُمَّ تَأْتِي الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ , فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا فَقَضَوْا رَكْعَةً , ثُمَّ سَلَّمَ وَيُسَلِّمُونَ فَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الآُولَى رَكْعَتَيْنِ , فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا فَقَضَوْا رَكْعَةً وَسَلَّمُوا وَتَأْتِي الآُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ , فَإِذَا قَعَدَ صَلُّوا رَكْعَةً ثُمَّ جَلَسُوا وَتَشَهَّدُوا , ثُمَّ صَلَّوْا الثَّالِثَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ , أَوْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُجْزِئُهُ
وَأَمَّا الصُّبْحُ فَاثْنَتَانِ ، وَلاَ بُدَّ , وَالْمَغْرِبُ ثَلاَثٌ ، وَلاَ بُدَّ , وَفِي الْحَضَرِ أَرْبَعٌ ، وَلاَ بُدَّ سَوَاءٌ هَهُنَا الْخَائِفُ مِنْ طَلَبٍ بِحَقٍّ , أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ. فَهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي بِعُمُومِهَا الصِّفَاتِ الَّتِي
قلنا نَصًّا ثُمَّ كُلُّ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَرْغَبَ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ r أَنْ يَقُولَ : قُلْ إنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ ، عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَهُوَ مِنْ مِلَّتِهِ , وَمِلَّتُهُ هِيَ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ فِي بَابِ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَوَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ يُصَلِّي صَلاَةً أُخْرَى فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَجَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ فِي الْخَوْفِ ثُمَّ سَلَّمَ , وَبِطَائِفَةٍ أُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. وَذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ , فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ , وَهَذَا آخِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r ; لإِنَّ أَبَا بَكَرَةَ شَهِدَهُ مَعَهُ وَلَمْ يُسْلِمْ إلاَّ يَوْمَ الطَّائِفِ , وَلَمْ يَغْزُ عليه السلام بَعْدَ الطَّائِفِ غَيْرَ تَبُوكَ فَقَطْ. فَهَذِهِ أَفْضَلُ صِفَاتِ صَلاَةِ الْخَوْفِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ " فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ r فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا , وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ " :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمَ قَالَ : " كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ فَقَالَ : أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r صَلاَةَ الْخَوْفِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَنَا , فَقَامَ حُذَيْفَةُ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً , وَانْصَرَفَ هَؤُلاَءِ إلَى مَكَانِ هَؤُلاَءِ , وَجَاءَ أُولَئِكَ , فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا ". قَالَ سُفْيَانُ : وَحَدَّثَنِي الرُّكَيْنُ بْنُ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِثْلَ صَلاَةِ حُذَيْفَةَ.
قَالَ عَلِيٌّ : الأَسْوَدُ بْنُ هِلاَلٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ , وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَهْدَمٍ أَحَدُ الصَّحَابَةِ حَنْظَلِيٌّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَسَمِعَ مِنْهُ وَرَوَى عَنْهُ. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ , وَأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَأَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّ الْقَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي الآيَةِ عِنْدَ الْخَوْفِ هُوَ هَذَا لاَ كَوْنُ الصَّلاَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَصَحَّ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ , وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِيَ ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَيَّامَ عُثْمَانَ t وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ , لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ , وَعَنْ جَابِرٍ , وَغَيْرِهِ
وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى بِمَنْ مَعَهُ صَلاَةَ الْخَوْفِ , فَصَلاَّهَا بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ ، وَلاَ أَمَرَ بِالْقَضَاءِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : يُومِئُ بِرَكْعَةٍ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ صَلَّى فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إذَا كَانَتْ الْمُسَايَفَةُ فَإِنَّمَا هِيَ رَكْعَةٌ يُومِئُ إيمَاءً حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ , رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ فِي صَلاَةِ الْمُطَارَدَةِ : رَكْعَةٌ
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ مَكْحُولٍ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ : إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الأَرْضِ صَلُّوا عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرُوا فَرَكْعَةٌ وَسَجْدَتَانِ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَخَّرُوا حَيْثُ يَأْمَنُوا
قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا تَأْخِيرُهَا ، عَنْ وَقْتِهَا فَلاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهَا ، وَلاَ رَسُولُهُ r
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَجْلاَنَ الأَفْطَسُ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ : كَيْف يَكُونُ قَصْرٌ وَهُمْ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ , يُومِئُ بِهَا حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ غُرَابٍ كُنَّا مَصَافِّي الْعَدُوِّ بِفَارِسَ , وَوُجُوهُنَا إلَى الْمَشْرِقِ , فَقَالَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ : لِيَرْكَعْ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ رَكْعَةً تَحْتَ جُنَّتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَقَتَادَةَ ، عَنْ صَلاَةِ الْمُسَايَفَةِ فَقَالُوا : رَكْعَةٌ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُ قَوْلِ الْحَكَمِ , وَحَمَّادٍ , وَقَتَادَةَ. وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا قَالَ : فِي الْعَدُوِّ يُصَلِّي رَاكِبًا وَرَاجِلاً يُومِئُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ , وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ تُجْزِئُهُ.
وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
قال علي : وهذانِ الْعَمَلاَنِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَيْنَا , مِنْ غَيْرِ أَنْ نَرْغَبَ ، عَنْ سَائِرِ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. لَكِنْ مِلْنَا إلَى هَذَيْنِ لِسُهُولَةِ الْعَمَلِ فِيهِمَا عَلَى كُلِّ جَاهِلٍ , وَعَالِمٍ , وَلِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَلِكَثْرَةِ مَنْ قَالَ بِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَلِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ بِهِمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَلِمُوَافَقَتِهِمَا الْقُرْآنَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي بِالْكَذِبِ , عَصَبِيَّةً لِتَقْلِيدِهِ الْمُهْلِكِ لَهُ : الأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُمْ قَضَوْا
قال علي : هذا انْسِلاَخٌ مِنْ الْحَيَاءِ جُمْلَةً , وَقَصْدٌ إلَى الْكَذِبِ جِهَارًا ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : الأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُمْ أَتَمُّوا أَرْبَعًا وَقَالَ : لَمْ نَجِدْ فِي الآُصُولِ صَلاَةً مِنْ رَكْعَةٍ وَقُلْنَا لَهُمْ : وَلاَ وَجَدْتُمْ فِي الآُصُولِ صَلاَةَ الإِمَامِ بِطَائِفَتَيْنِ , وَلاَ صَلاَةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ , وَلاَ صَلاَةً يَقْضِي فِيهَا الْمَأْمُومُ مَا فَاتَهُ قَبْلَ تَمَامِ صَلاَةِ إمَامِهِ , وَلاَ صَلاَةً يَقِفُ الْمَأْمُومُ فِيهَا لاَ هُوَ يُصَلِّي مَعَ إمَامِهِ ، وَلاَ هُوَ يَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلاَتِهِ , وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَكُمْ جَائِزٌ فِي الْخَوْفِ , وَلاَ وَجَدْتُمْ شَيْئًا مِنْ الدِّيَانَةِ حَتَّى جَاءَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى , وَالآُصُولُ لَيْسَتْ شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ
فإن قيل : قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَضَاءِ رَكْعَةٍ
قلنا : هَذَا انْفَرَدَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ , وَهُوَ سَاقِطٌ لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا مُنِعَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْضُوا , بَلْ كَانَ يَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزًا
وقال بعضهم : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ حُذَيْفَةَ صَلاَةُ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ
قلنا : هَذَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ شَرِيكٍ , وَهُوَ مُدَلِّسٌ , وَخَدِيجٍ , وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ مَقْصُودًا بِهِ صَلاَةُ إمَامِهِمْ بِهِمْ
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ صُلَيْعٍ السَّلُولِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ حُذَيْفَةَ : ، أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدٍ : مُرْ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِك فَيُصَلُّونَ مَعَكَ , وَطَائِفَةً خَلْفَكُمْ , فَتُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهَكَذَا نَقُولُ : فِي صَلاَةِ الإِمَامِ بِهِمْ
وقال بعضهم : قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى
قلنا : نَعَمْ , إلاَّ مَا جَاءَ نَصٌّ فِيهِ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مَثْنَى , كَالْوِتْرِ , وَصَلاَةِ الْخَوْفِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَثْنَى , كَالظُّهْرِ , وَالْعَصْرِ , وَالْعِشَاءِ.
وقال بعضهم : قَدْ نُهِيَ ، عَنْ " الْبُتَيْرَاءِ "
قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ كِذْبَةٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ. وَمَا نَدْرِي " الْبُتَيْرَاءَ " فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وقال بعضهم : أَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِلإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ إنْ شَاءَ رَكْعَةً وَيُسَلِّمَ , وَإِنْ شَاءَ وَصَلَهَا بِأُخْرَى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ , وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ مَا كَانَ لِلْمَرْءِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ لاَ فَرْضٌ , وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمُحَالٌ أَنْ يَصِلَ فَرْضَهُ بِتَطَوُّعٍ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا سَلاَمٌ
قَالَ عَلِيٌّ : إنَّمَا يَكُونُ مَا ذَكَرُوا فِيمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ,
وَأَمَّا إذَا جَاءَ النَّصُّ فَالنَّظَرُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , لاَ يَحِلُّ بِهِ مُعَارِضَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ r .
ثم نقول لَهُمْ : أَلَيْسَ مُصَلِّي الْفَرْضَ مِنْ إمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَنَا مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " سُورَةً إنْ شَاءَ طَوِيلَةً وَإِنْ شَاءَ قَصِيرَةً وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى " أُمِّ الْقُرْآنِ " فَقَطْ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَسْبِيحَةً تَسْبِيحَةً وَإِنْ شَاءَ طَوَّلَهُمَا فَمِنْ قَوْلِهِمْ : نَعَمْ.
.
فَقُلْنَا لَهُمْ : فَقَدْ أَبَحْتُمْ هَهُنَا مَا قَدْ حَكَمْتُمْ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَمُحَالٌ مَنْ صِلَتُهُ فَرِيضَةٌ بِمَا هُوَ عِنْدَكُمْ تَطَوُّعٌ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ
قَالَ عَلِيٌّ : وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا , بَلْ كُلُّ هَذَا خَيْرٌ فِيهِ الْبِرُّ , فَإِنَّ طَوَّلَ فَفَرْضٌ أَدَّاهُ , وَإِنْ لَمْ يُطَوِّلْ فَفَرْضٌ أَدَّاهُ , وَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ فَهِيَ فَرْضُهُ , وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَهُمَا فَرْضُهُ. كَمَا فَعَلَ عليه السلام وَكَمَا أَمَرَ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنَّ هُوَ إلاَّ وَحَيٌّ يُوحَى لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
قَالَ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرُ أَخَذَ بِبَعْضِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ , وَابْنُ عُمَرَ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ ، رضي الله عنهم ،. وَهَهُنَا أَقْوَالٌ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ أَصْلاً , وَلَكِنْ رُوِيَتْ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r فَمِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ , وَالْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : مَسْرُوقٌ , وَمِنْ الْفُقَهَاءِ : الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَحُمَيْدُ الرُّؤَاسِيُّ صَاحِبُهُ. وَمِنْ جُمْلَتِهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ , رَجَعَ مَالِكٌ إلَى الْقَوْلِ بِهِ , بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي صَحَّتْ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ : أَنْ يَصُفَّ الإِمَامُ أَصْحَابَهُ طَائِفَتَيْنِ , إحْدَاهُمَا خَلْفَهُ , وَالثَّانِيَةُ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ , فَيُصَلِّي الإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا , فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ثَبَتَ وَاقِفًا وَأَتَمَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ لاَِنْفُسِهَا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا , ثُمَّ سَلَّمَتْ وَنَهَضَتْ فَوَقَفَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ , وَالإِمَامُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاقِفٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ , وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَتَصُفَّ خَلْفَ الإِمَامِ وَتُكَبِّرُ , فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِسَجْدَتَيْهَا , هِيَ لَهُمْ أُولَى , وَهِيَ لِلإِمَامِ ثَانِيَةٌ , ثُمَّ يَجْلِسُ الإِمَامُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ , فَإِذَا سَلَّمَ قَامَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَقَضَتْ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَهَا
قال علي : وهذا الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ قَضَاءُ الطَّائِفَةِ الآُولَى وَالإِمَامُ وَاقِفٌ , وَقَضَاءُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ جَمْعُ هَذَيْنِ الْقَضَاءَيْنِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَصْلاً. وَهُوَ خِلاَفُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ; لاَِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلاَِنَّ الطَّائِفَةَ لَمْ تُصَلِّ بَعْضَ صَلاَتِهَا مَعَهُ , وَمَا كَانَ خِلاَفًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ دُونَ نَصٍّ مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ r : " فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ , وَلَيْسَ يُوجِبُ هَذَا الْقَوْلَ قِيَاسٌ , وَلاَ نَظَرٌ ". وَلَيْسَ تَقْلِيدُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ t بِأَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ , مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَاهُ : كَعَمْرٍو , وَابْنِ عَمْرٍو , وَأَبِي مُوسَى , وَجَابِرٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو , وَحُذَيْفَةَ , وَثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ , وَأَنَسٍ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ , وَغَيْرِهِمْ.
فإن قيل : إنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ رَوَى بَعْضَ تِلْكَ الأَعْمَالِ وَخَالَفَهُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ مَا حَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ لاَِمْرٍ عَلِمَهُ هُوَ نَاسِخٌ لِمَا رَوَاهُ
قلنا : هَذَا بَاطِلٌ , وَحُكْمٌ بِالظَّنِّ , وَتَرْكٌ لِلْيَقِينِ , وَإِضَافَةٌ إلَى الصَّاحِبِ t مَا لاَ يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِ , مِنْ أَنَّهُ رَوَى لَنَا الْمَنْسُوخَ وَكَتَمَ النَّاسِخَ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكُمْ هَذَا وَبَيْنَ مِنْ قَالَ : لاَ يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَى , فَالدَّاخِلَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رُوِيَ مِنْهُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ , لاَ فِيمَا رَوَاهُ هُوَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ r .
قَالَ عَلِيٌّ : وَلَسْنَا نَقُولُ : بِشَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , بَلْ نَقُولُ : إنَّ الْحَقَّ أَخْذُ رِوَايَةِ الرَّاوِي , لاَ أَخْذُ رَأْيِهِ , إذْ قَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِمْ , وَقَدْ يَنْسَى , وَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسِخَ وَيَرْوِي الْمَنْسُوخَ ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُوهَمُوا هَهُنَا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ; لإِنَّ ابْنَ عُمَرَ , وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , وَالزُّهْرِيَّ : مُخَالِفُونَ لاِخْتِيَارِ مَالِكٍ , وَمَا وَجَدْنَا مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ إلاَّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : وَمِنْهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , أَخَذَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلاَّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ عَنْهُ : وَهُوَ أَنْ يَصُفَّهُمْ الإِمَامُ صَفَّيْنِ : طَائِفَةٌ خَلْفَهُ , وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ : فَيُصَلِّي بِاَلَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا , فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَفَ , وَنَهَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ فَوَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ , وَهُمْ فِي صَلاَتِهِمْ بَعْدُ. ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَتُكَبِّرُ خَلْفَ الإِمَامِ , وَيُصَلِّي بِهِمْ الإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لَهُ وَهِيَ لَهُمْ الآُولَى , فَإِذَا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ : سَلَّمَ , وَتَنْهَضُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ , وَهُمْ فِي صَلاَتِهِمْ , فَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ صَلَّتْ مَعَ الإِمَامِ الرَّكْعَةَ الآُولَى فَتَرْجِعُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الإِمَامِ , فَتَقْضِي فِيهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَهَا , وَتُسَلِّمُ , ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. وَتَرْجِعُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الإِمَامِ , فَتَقْضِي فِيهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَهَا. إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ زَادَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ زِيَادَةً لاَ تُعْرَفُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ قَبْلَهُ : وَهِيَ أَنَّهُ قَالَ : تَقْضِي الطَّائِفَةُ الآُولَى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِلاَ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهَا. وَتَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا ، وَلاَ بُدَّ
قال علي : وهذا عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ قَطُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ مِمَّا قَدْ يُخَالِفُ كُلَّ أَثَرٍ جَاءَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ , تَأْخِيرُ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا إتْمَامَ الرَّكْعَةِ الْبَاقِيَةِ لَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ , فَتَبْتَدِئُ أُولاَهُمَا بِالْقَضَاءِ , ثُمَّ لاَ تَقْضِي الثَّانِيَةُ إلاَّ حَتَّى تُسَلِّمَ الآُولَى. وَفِيهِ أَيْضًا مِمَّا يُخَالِفُ كُلَّ أَثَرٍ رُوِيَ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ : مَجِيءُ كُلِّ طَائِفَةٍ لِلْقَضَاءِ خَاصَّةً إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الإِمَامِ بَعْدَ أَنْ زَالَتْ عَنْهُ إلَى مُوَاجِهَةِ الْعَدُوِّ
فإن قيل : قَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قلنا : قُلْتُمْ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ , إنَّمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ خَبَرٌ فِيهِ ابْتِدَاءُ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا بِالصَّلاَةِ مَعًا مَعَ الإِمَامِ , وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي صَلَّتْ آخِرًا هِيَ بَدَأَتْ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ الثَّانِيَةِ , وَلَيْسَ هَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَنْتُمْ تُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ , لاَ سِيَّمَا إذَا لَمْ يُرْوَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ
فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا تَخَيَّرْنَا ابْتِدَاءَ طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ اتِّبَاعًا لِلآيَةِ
قلنا : فَقَدْ خَالَفْتُمْ الآيَةَ فِي إيجَابِكُمْ صَلاَةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَمَامِ صَلاَةِ الإِمَامِ , وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ فَخَالَفْتُمْ الْقُرْآنَ , وَجَمِيعَ الآثَارِ ، عَنِ النَّبِيِّ r صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا , وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِلاَ نَظَرٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِنَادِرَةٍ , وَهِيَ : ، أَنَّهُ قَالَ : يَلْزَمُ الإِمَامُ الْعَدْلَ بَيْنَهُمْ , فَكَمَا صَلَّتْ الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ أَوَّلاً فَكَذَلِكَ تَقْضِي أَوَّلاً
قال علي : وهذا بَاطِلٌ , بَلْ هُوَ الْجَوْرُ وَالْمُحَابَاةُ , بَلْ الْعَدْلُ وَالتَّسْوِيَةُ هُوَ أَنَّهُ إذَا صَلَّتْ الْوَاحِدَةُ أَوَّلاً أَنْ تَقْضِيَ الثَّانِيَةُ أَوَّلاً , فَتَأْخُذَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِحَظِّهَا مِنْ التَّقَدُّمِ وَبِحَظِّهَا مِنْ التَّأَخُّرِ
وقال بعضهم : لَمْ نَرَ قَطُّ مَأْمُومًا بَدَأَ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ تَمَامِ صَلاَةِ إمَامِهِ فَقِيلَ لَهُمْ : وَلاَ رَأَيْتُمْ قَطُّ مَأْمُومًا يَتْرُكُ صَلاَةَ إمَامِهِ وَيَمْضِي إلَى شُغْلِهِ وَيَقِفُ بُرْهَةً طَوِيلَةً بَعْدَ تَمَامِ صَلاَةِ إمَامِهِ لاَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْهَا , وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : بِهَذَا بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ قِيَاسٍ , ثُمَّ تَعِيبُونَ مِنْ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ لاَ سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَضَاءِ الطَّائِفَتَيْنِ , إحْدَاهُمَا بِقِرَاءَةٍ وَالآُخْرَى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ , فَمَا عُرِفَ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلاَ يُؤَيِّدُهُ رَأْيٌ سَدِيدٌ , وَلاَ قِيَاسٌ وَمِنْهَا قَوْلٌ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ ,
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ اللُّؤْلُؤِيِّ , وَهُوَ : أَنْ لاَ تُصَلَّى صَلاَةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r .
قال علي : وهذا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
قَالَ عَلِيٌّ : إلاَّ أَنَّ مَنْ قَالَ : إنَّ النِّكَاحَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ r وَالصَّلاَةَ جَالِسًا كَذَلِكَ : لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ هَهُنَا وَمِنْهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ , وَمُجَاهِدٍ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَهُوَ : أَنَّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ تُجْزِئَانِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ
وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنِ الْحَكَمِ , وَمُجَاهِدٍ : تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ وَهَذَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فإن قال قائل : كَيْف تَقُولُونَ بِصَلاَةِ الْخَوْفُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ , وَقَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ مَرَّةً , لَمْ يُصَلِّ بِنَا قَبْلَهَا ، وَلاَ بَعْدَهَا
قلنا : هَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَشَدَّ عَلَيْكُمْ ; لاَِنَّهُ يُقَالُ لَكُمْ : مِنْ أَيْنَ كَانَ لَكُمْ بِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إذْ صَلاَّهَا لاَ سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ بِهَذَا حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا لإِنَّ اخْتِيَارَ هَاتَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ لَمْ يَأْتِ قَطُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَكَيْف وَهَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ , وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي , وَهُوَ مُدَلِّسٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ , فَكَيْف يَسْتَحِلُّ ذُو دِينٍ أَنْ يُعَارِضَ بِهَذِهِ السَّوْءَةِ أَحَادِيثَ الْكَوَافِّ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَجْمَعِينَ : إنَّهُمْ شَهِدُوا صَلاَةَ الْخَوْفِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مَرَّاتٍ : مَرَّةً بِذِي قَرَدٍ , وَمَرَّةً بِذَاتِ الرِّقَاعِ , وَمَرَّةً بِنَجْدٍ , وَمَرَّةً بَيْنَ ضَجَنَانَ وَعُسْفَانَ , وَمَرَّةً بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ , وَمَرَّةً بِنَخْلٍ , وَمَرَّةً بِعُسْفَانَ , وَمَرَّةً يَوْمَ مُحَارَبٍ وَثَعْلَبَةَ , وَمَرَّةً إمَّا بِالطَّائِفِ
وَأَمَّا بِتَبُوكَ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , وَرَوَى ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ أَكَابِرُ التَّابِعِينَ وَالثِّقَاتُ الأَثْبَاتُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ
قَالَ عَلِيٌّ : وَإِنَّمَا
قلنا : بِالصَّلاَةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ خَوْفٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فُرِضَتْ الصَّلاَةُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ r فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا , وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " ، وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ حُكْمِهِ عليه السلام بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
520 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ بِطَائِفَتَيْنِ مَنْ خَافَ مِنْ طَالِبٍ لَهُ بِحَقٍّ , وَلاَ أَنْ يُصَلِّيَ أَصْلاً بِثَلاَثِ طَوَائِفَ فَصَاعِدًا لإِنَّ فِي صَلاَتِهَا بِطَائِفَتَيْنِ عَمَلاً لِكُلِّ طَائِفَةٍ فِي صَلاَتِهَا هِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ إنْ كَانَتْ بَاغِيَةً وَمَنْ عَمِلَ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ , إذْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ
وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى رَاكِبًا , أَوْ مَاشِيًا , أَوْ مُحَارَبًا , أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ , أَوْ قَاعِدًا خَوْفَ طَالِبٍ لَهُ بِحَقٍّ ; لاَِنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَمِلَ عَمَلاً قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فِي صَلاَتِهِ , وَهُوَ فِي كَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ عَامِلٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عَمَلاً أُبِيحَ لَهُ فِي صَلاَتِهِ تِلْكَ وَلَمْ يُصَلِّ عليه السلام قَطُّ بِثَلاَثِ طَوَائِفَ , وَلَوْلاَ صَلاَتُهُ عليه السلام بِطَائِفَتَيْنِ لَمَا جَازَ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ عَمِلَ فِي الصَّلاَةِ , وَلاَ يَجُوزُ عَمَلٌ فِي الصَّلاَةِ , إلاَّ مَا أَبَاحَهُ النَّصُّ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً. وَالْوَاحِدُ مَعَ الإِمَامِ طَائِفَةٌ وَصَلاَةُ جَمَاعَةٍ وَمَنْ صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا هَارِبًا ، عَنْ كَافِرٍ أَوْ ، عَنْ بَاغٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ أَيْضًا , إلاَّ أَنْ يَنْوِيَ فِي مَشْيِهِ ذَلِكَ تَحَرُّفًا لِقِتَالٍ أَوْ تَحَيُّزًا إلَى فِئَةٍ فَتُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ حِينَئِذٍ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ وَلِيَ الْكُفَّارَ ظَهْرَهُ وَالْبُغَاةَ الْمُفْتَرَضُ قِتَالُهُمْ لاَ يَنْوِي تَحَيُّزًا ، وَلاَ تَحَرُّفًا : فَقَدْ عَمِلَ فِي صَلاَتِهِ عَمَلاً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ , فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْفَارُّ ، عَنِ السِّبَاعِ , وَالنَّارِ , وَالْحَنَشِ , وَالْمَجْنُونِ , وَالْحَيَوَانِ الْعَادِي , وَالسَّيْلِ وَخَوْفِ عَطَشٍ , وَخَوْفِ فَوْتِ الرُّفْقَةِ , أَوْ فَوْتِ مَتَاعِهِ , أَوْ ضَلاَلِ الطَّرِيقِ : فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ , لاَِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِي ذَلِكَ إلاَّ مَا أُمِرَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
521 - مَسْأَلَةٌ : الْجُمُعَةُ , هِيَ ظُهْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى إلاَّ بَعْدَ الزَّوَالِ , وَآخِرُ وَقْتِهَا : آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الأَيَّامِ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيلاَنَ قَالَ : شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَخُطْبَتَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَخُطْبَتَهُ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : صَلَّى بِنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْجُمُعَةَ ضُحًى , وَقَالَ : إنَّمَا عَجَّلْت بِكُمْ خَشْيَةَ الْحَرِّ عَلَيْكُمْ
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مُوَطَّئِهِ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت أَرَى طَنْفَسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تُطْرَحُ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ , فَإِذَا غَشَّى الطَّنْفَسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى , ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى
قال علي : هذا يُوجِبُ أَنَّ صَلاَةَ عُمَرَ t الْجُمُعَةَ كَانَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ , لإِنَّ ظِلَّ الْجِدَارِ مَا دَامَ فِي الْغَرْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ , فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَارَ الظِّلُّ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ ، وَلاَ بُدَّ. وَعَنْ مَالِكٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِمَلَلٍ قَالَ ابْنُ أَبِي سَلِيطٍ : وَكُنَّا نُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ عُثْمَانَ وَنَنْصَرِفُ وَمَا لِلْجِدَارِ ظِلٌّ
قَالَ عَلِيٌّ : بَيْنَ الْمَدِينَةِ , وَمَلَلٍ : اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِيلاً , وَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَخْطُبَ وَيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَمْشِيَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ إلاَّ مَنْ طَرَقَ طَرْقَ السَّرَايَا أَوْ رَكَضَ رَكْضَ الْبَرِيدِ الْمُؤَجَّلِ وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقَدْ
رُوِّينَا أَيْضًا هَذَا ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : كُلُّ عِيدٍ حِينَ يَمْتَدُّ الضُّحَى : الْجُمُعَةُ , وَالأَضْحَى , وَالْفِطْرُ , كَذَلِكَ بَلَغَنَا وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كُلُّ عِيدٍ فَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ.
قَالَ عَلِيٌّ : أَيْنَ الْمُمَوِّهُونَ إنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ عَمَلَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَجْمَعِينَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَهَذَا عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ الزُّبَيْرِ , وَطَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لاَ يُبَالُونَ مَا قَالُوا فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ
وَأَمَّا نَحْنُ فَالْحُجَّةُ عِنْدَنَا فِيمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حدثنا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشِ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا , قُلْتُ : أَيُّ سَاعَةٍ قَالَ : زَوَالَ الشَّمْسِ. وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً , فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إلَى الْجُمُعَةِ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَدَنَةً , ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَقَرَةً , ثُمَّ مَثَلُ مَنْ يُهْدِي شَاةً , ثُمَّ مَثَلُ مَنْ يُهْدِي دَجَاجَةً , ثُمَّ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي عُصْفُورًا , ثُمَّ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَيْضَةً , فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ فَجَلَسَ طُوِيَتْ الصُّحُفُ.
وَرُوِّينَا نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r .
قَالَ عَلِيٌّ : فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ : فَضْلُ التَّبْكِيرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الْمَسْجِدِ لاِنْتِظَارِ الْجُمُعَةِ وَبُطْلاَنُ قَوْلِ مِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ لِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ , وَهَذَا بَاطِلٌ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r جَعَلَهَا سَاعَاتٍ مُتَغَايِرَاتٍ ثَانِيَةً , وَثَالِثَةً , وَرَابِعَةً , وَخَامِسَةً , فَلاَ يَحِلَّ لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّهَا سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ
وَأَيْضًا فَإِنَّ دَرَجَ الْفَضْلِ يَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الإِمَامِ , وَخُرُوجُهُ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ النِّدَاءِ , وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ مَعَ النِّدَاءِ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَفِيهِمَا : أَنَّ الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ ; لإِنَّ مَالِكًا ، عَنْ سُمَيٍّ ذَكَرَ خَمْسَ سَاعَاتٍ. وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَاللَّيْثِ ، عَنْ سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : سَاعَةً سَادِسَةً وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ بِخُرُوجِ الإِمَامِ تُطْوَى الصُّحُفُ.فَصَحَّ أَنَّ خُرُوجَهُ بَعْدَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ , وَهُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ , وَوَقْتُ الظُّهْرِ
فإن قيل : " قَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ ظِلًّا نَسْتَظِلُّ بِهِ
قلنا : نَعَمْ , وَلَمْ يَنْفِ سَلَمَةُ الظِّلَّ جُمْلَةً , إنَّمَا نَفَى ظِلًّا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ , وَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ الْخُطْبَةِ , وَتَعْجِيلُ الصَّلاَةِ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ
وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ " وَمَا كُنَّا نُقِيلُ ، وَلاَ نَتَغَدَّى إلاَّ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ " لَيْسَ , فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ يَعْنِي , لِلْجُمُعَةِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ : شَهِدْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إذَا زَالَتْ , الشَّمْسُ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ , عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ ,
وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَإِذْ هِيَ ظُهْرُ الْيَوْمِ فَلاَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ آخِرِ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ اخْتِلاَفِ الأَيَّامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
522 - مَسْأَلَةٌ : وَالْجُمُعَةُ إذَا صَلاَّهَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا رَكْعَتَانِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. وَمِنْ صَلاَّهُمَا وَحْدَهُ صَلاَّهُمَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُسِرُّ فِيهَا كُلَّهَا , لاَِنَّهَا الظُّهْرُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ وُجُوبِ قَصْرِ الصَّلاَةِ مِنْ كِتَابِنَا حَدِيثَ عُمَرَ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ , وَصَلاَةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ , تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ , عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ r .
قال أبو محمد : وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا رَكْعَتَانِ لِلْفَذِّ وَلِلْجَمَاعَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ
قال علي : وهذا خَطَأٌ , لاَِنَّهُ الْجُمُعَةُ : اسْمٌ إسْلاَمِيٌّ لِلْيَوْمِ , لَمْ يَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , إنَّمَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ " الْعُرُوبَةُ " فَسُمِّيَ فِي الإِسْلاَمِ " يَوْمَ الْجُمُعَةِ " ; لاَِنَّهُ يُجْتَمَعُ فِيهِ لِلصَّلاَةِ اسْمًا مَأْخُوذًا مِنْ الْجَمْعِ , فَلاَ تَكُونُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ إلاَّ فِي جَمَاعَةٍ وَإِلاَّ فَلَيْسَتْ صَلاَةَ جُمُعَةٍ , إنَّمَا هُمَا ظُهْرٌ , وَالظُّهْرُ أَرْبَعٌ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَدْ ثَبَتَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِيهَا , وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ , نَقْلُ كَوَافٍ مِنْ عَهْدِهِ عليه السلام إلَى الْيَوْمِ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِهَا
وَأَمَّا الْعَدَدُ الَّذِي يُصَلِّيه الإِمَامُ فِيهِ جُمُعَةٍ رَكْعَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ : فَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : الْجُمُعَةُ تَكُونُ بِخَمْسِينَ رَجُلاً فَصَاعِدًا.
وقال الشافعي : لاَ جُمُعَةَ إلاَّ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً : أَحْرَارًا , مُقِيمِينَ , عُقَلاَءَ , بَالِغِينَ فَصَاعِدًا.
وَرُوِّينَا ، عَنْ بَعْضِ النَّاسِ : ثَلاَثِينَ رَجُلاً. وَعَنْ غَيْرِهِ : عِشْرِينَ رَجُلاً. وَعَنْ عِكْرِمَةَ : سَبْعَةَ رِجَالٍ لاَ أَقَلَّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَزُفَرَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : إذَا كَانَ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ وَالإِمَامُ رَابِعُهُمْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ , وَلاَ تَكُونُ بِأَقَلَّ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : إذَا كَانَ رَجُلاَنِ وَالإِمَامُ ثَالِثُهُمَا صَلَّوْا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ , وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : إذَا كَانَ وَاحِدٌ مَعَ الإِمَامِ صَلَّيَا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا , وَبِهِ نَقُولُ
قَالَ عَلِيٌّ :
فأما مَنْ حَدَّ خَمْسِينَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا حَدِيثًا فِيهِ عَلَى الْخَمْسِينَ جُمُعَةٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ إمَامٌ. وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , وَالْقَاسِمُ هَذَا ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا مَنْ حَدَّ بِثَلاَثِينَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ إذَا اجْتَمَعَ ثَلاَثُونَ رَجُلاً فَلْيُؤَمِّرُوا رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ.
وَأَمَّا مِنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَاللَّيْثِ : فَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ وَقَدْ أَدْرَكَتْ النَّبِيَّ r ، أَنَّهُ قَالَ : الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إلاَّ أَرْبَعَةٌ. وَهَذَا لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ ; لإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى , وَمُعَاوِيَةَ بْنَ سَعِيدٍ : مَجْهُولاَنِ
وَأَيْضًا : فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الْخَبَرَ , لاَِنَّهُ لاَ يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْقُرَى , لَكِنْ فِي الأَمْصَارِ فَقَطْ فَكُلُّ هَذِهِ آثَارٌ لاَ تَصِحُّ , ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إسْقَاطُ الْجُمُعَةِ ، عَنْ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ سَاقِطٌ ، عَنْ رَوْحِ بْنِ غُطَيْفٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمَّا بَلَغُوا مِائَتَيْنِ جَمَّعَ بِهِمْ النَّبِيُّ r فَإِنْ أَخَذُوا بِالأَكْثَرِ فَهَذَا الْخَبَرُ هُوَ الأَكْثَرُ , وَإِنْ أَخَذُوا بِالأَقَلِّ فَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثًا فِيهِ أَقَلُّ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ : فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ , فَسَأَلَهُ ابْنُهُ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ حُرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ , فِي نَقِيعٍ يُعْرَفُ بِنَقِيعِ الْخَضِمَاتِ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلاً.
قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَقُلْ : إنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ , نَعَمْ وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً وَبِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَبِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانِ ، عَنْ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حدثنا قَتَادَةُ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ , وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَقُلْ : إنَّهُ لاَ تَكُونُ جَمَاعَةٌ ، وَلاَ جُمُعَةٌ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ
وَأَمَّا حُجَّتُنَا فَهِيَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ : قَالَ لَهُ : إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا , وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا فَجَعَلَ عليه السلام لِلاِثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلاَةِ
فإن قال قائل : إنَّ الاِثْنَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ثَالِثٌ فَإِنَّ حُكْمَ الإِمَامِ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ عَلَى يَمِينِ الإِمَامِ , فَإِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَقَدْ قِيلَ : يَقِفَانِ ، عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ وَيَسَارِهِ وَقَدْ قِيلَ : بَلْ خَلْفَ الإِمَامِ , وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الأَرْبَعَةِ : أَنَّ الثَّلاَثَةَ يَقِفُونَ خَلْفَ الإِمَامِ , فَوَجَدْنَا حُكْمَ الأَرْبَعَةِ غَيْرَ حُكْمِ الاِثْنَيْنِ
قلنا : فَكَانَ مَاذَا نَعَمْ , هُوَ كَمَا تَقُولُونَ : فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفِ , إلاَّ أَنَّ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبٌ لَهُمَا بِإِقْرَارِكُمْ , وَلَيْسَ فِي حُكْمِ اخْتِلاَفِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْجُمُعَةِ أَصْلاً وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r بِأَنَّ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ ، عَنْ هَذَا الأَمْرِ وَعَنْ هَذَا الْحُكْمِ أَحَدٌ إلاَّ مَنْ جَاءَ نَصٌّ جَلِيٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْهُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ الْفَذَّ وَحْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ابْتَدَأَهَا إنْسَانٌ ، وَلاَ أَحَدَ مَعَهُ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ أَوْ أَكْثَرُ , فَسَوَاءٌ أَتَوْهُ إثْرَ تَكْبِيرِهِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الآُولَى : يَجْعَلُهَا جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ , لاَِنَّهَا قَدْ صَارَتْ صَلاَةَ جُمُعَةٍ , فَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَيْنِ , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ , وَهِيَ ظُهْرُ يَوْمِهِ. فَإِنْ جَاءَهُ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ : فَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ وَيَبْتَدِئُهَا صَلاَةَ جُمُعَةٍ , لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ بِقَطْعِ صَلاَتِهِ الَّتِي قَدْ بَطَلَ حُكْمُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
523 - مَسْأَلَةٌ : وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الْمُسَافِرُ فِي سَفَرِهِ , وَالْعَبْدُ , وَالْحُرُّ , وَالْمُقِيمُ , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا يَكُونُ إمَامًا فِيهَا , رَاتِبًا وَغَيْرَ رَاتِبٍ , وَيُصَلِّيهَا الْمَسْجُونُونَ , وَالْمُخْتَفُونَ رَكْعَتَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُطْبَةٍ كَسَائِرِ النَّاسِ , وَتُصَلَّى فِي كُلِّ قَرْيَةٍ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ , كَانَ هُنَالِكَ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ , وَإِنْ صُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي الْقَرْيَةِ فَصَاعِدًا : جَازَ ذَلِكَ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : أَنْ لاَ جُمُعَةَ عَلَى عَبْدٍ , وَلاَ مُسَافِرٍ.
وَاحْتَجَّ لَهُمْ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ لاَ تَصِحُّ : أَحَدُهَا مُرْسَلٌ ,
وَالثَّانِي فِيهِ هُرَيْمٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالثَّالِثُ فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو , وَضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو , وَهُمَا مَجْهُولاَنِ ، وَلاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَوْ شِئْنَا لَعَارَضْنَاهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ , وَخَطَبَهُمْ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا وَلَكِنَّنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي غِنًى بِالصَّحِيحِ عَمَّا لاَ يَصِحُّ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَجْهَرْ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ , وَكَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ
قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَا رَوَى قَطُّ أَحَدٌ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا , وَالْقَاطِعُ بِذَلِكَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ r قَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ بِهِ وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ : إنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ جُمُعَةٍ جَهَرَ الإِمَامُ
قَالَ عَلِيٌّ :
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ , وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْهَرْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ أَصْلاً , لإِنَّ الْجَهْرَ لَيْسَ فَرْضًا , وَمَنْ أَسَرَّ فِي صَلاَةِ جَهْرٍ , أَوْ جَهَرَ فِي صَلاَةِ سِرٍّ , فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ , لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وَلَجَأَ بَعْضُهُمْ إلَى دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مَكَانٌ هَانَ فِيهِ الْكَذِبُ عَلَى مُدَّعِيهِ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ كَذَبَ :
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ : قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ : حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ : وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ : ثُمَّ اتَّفَقَ وَكِيعٌ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ كِلاَهُمَا ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ كَتَبُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُونَهُ ، عَنِ الْجُمُعَةِ وَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ : أَنْ جَمِّعُوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ وَقَالَ وَكِيعٌ : إنَّهُ كَتَبَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ قَالَ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَعَنِ الْقَعْنَبِيِّ ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ وَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ , عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ قَالَ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَعَمَّمَ سَعِيدُ , وَعَمْرٌو : كُلُّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ , وَلَمْ يَخُصَّا عَبْدًا , وَلاَ مُسَافِرًا , مِنْ غَيْرِهِمَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ ، حدثنا صَالِحُ بْنُ سَعْدٍ الْمَكِّيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ مُتَبَدٍّ بِالسُّوَيْدَاءِ فِي إمَارَتِهِ عَلَى الْحِجَازِ , فَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ , فَهَيَّئُوا لَهُ مَجْلِسًا مِنْ الْبَطْحَاءِ , ثُمَّ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ , فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَجَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ , ثُمَّ أَذَّنُوا أَذَانًا آخَرَ , ثُمَّ خَطَبَهُمْ , ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ , فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَأَعْلَنَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ , ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : إنَّ الإِمَامَ يَجْمَعُ حَيْثُمَا كَانَ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ , وَقَالَ , إذَا سُئِلَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ قَرْيَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ فِيهَا قَالَ : إذَا سَمِعَ الأَذَانَ فَلْيَشْهَدْ الْجُمُعَةَ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : إذَا كَانُوا سَبْعَةً فِي سَفَرٍ فَجَمَعُوا يُحْمَدُ اللَّهُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ وَيُخْطَبُ فِي الْجُمُعَةِ , وَالأَضْحَى وَالْفِطْرِ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : أَيُّمَا عَبْدٍ كَانَ يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَرَاجٌ أَوْ شَغَلَهُ عَمَلُ سَيِّدِهِ فَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِ.
قَالَ عَلِيٌّ : الْفَرْقُ بَيْنَ عَبْدٍ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ , وَبَيْنَ عَبْدٍ لاَ خَرَاجَ عَلَيْهِ : دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ فَلَجَئُوا إلَى أَنْ قَالُوا : رُوِيَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : لاَ جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ بِنِيسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَكَانَ لاَ يَجْمَعُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَانَ بِكَابُلَ شِتْوَةً أَوْ شِتْوَتَيْنِ فَكَانَ لاَ يَجْمَعُ.
قَالَ عَلِيٌّ : حَصَلْنَا مِنْ دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى ثَلاَثَةٍ قَدْ خَالَفْتُمُوهُمْ أَيْضًا ; لإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ , وَأَنَسًا رضي الله عنهما كَانَا لاَ يَجْمَعَانِ , وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ : يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ مَعَ النَّاسِ وَيُجْزِئُهُ. وَرَأَى عَلِيٌّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِالنَّاسِ مَنْ يُصَلِّي بِضُعَفَائِهِمْ صَلاَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ : بِهَذَا. وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرَى الْجُمُعَةَ عُمُومًا
قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ :
قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذَا خِطَابٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مُسَافِرٌ ، وَلاَ عَبْدٌ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r
وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r وَحُكْمُهُ وَفِعْلُهُ أَنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ
وَأَمَّا إمَامَةُ الْمُسَافِرِ , وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ : فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيَّ , وَأَبَا سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابَهُمْ قَالُوا : يَجُوزُ ذَلِكَ , وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ : وَهُوَ خَطَأٌ. أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ : إنَّ الْمُسَافِرَ وَالْعَبْدَ إذَا حَضَرَا الْجُمُعَةَ كَانَتْ لَهُمَا جُمُعَةٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جَوَازِ إمَامَتِهِمَا فِيهَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ r وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَ " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ فَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام جُمُعَةً مِنْ غَيْرِهَا , وَلاَ مُسَافِرًا , وَلاَ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ مُقِيمٍ , وَلاَ جَاءَ قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْ الإِمَامَةِ فِيهِمَا , بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ t أَسْوَدُ مَمْلُوكٌ أَمِيرًا لَهُ عَلَى الرَّبَذَةَ يُصَلِّي خَلْفَهُ أَبُو ذَرٍّ t وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا ; لإِنَّ الرَّبَذَةَ بِهَا جُمُعَةٌ
وَأَمَّا قَوْلُنَا : كَانَ هُنَالِكَ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ : فَالْحَاضِرُونَ مِنْ مُخَالِفِينَا مُوَافِقُونَ لَنَا فِي ذَلِكَ إلاَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَفِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ وَقَدْ
قلنا : لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّجْمِيعِ بِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا وَبَيْنَ الإِمَامِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ رَدُّ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً إلَى السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهَا
وَأَمَّا قَوْلُنَا : تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي أَيِّ قَرْيَةٍ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ : فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ t : لاَ جُمُعَةَ ، وَلاَ تَشْرِيقَ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ ,
وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلاَفَ عُمَرَ لِذَلِكَ , وَخِلاَفَهُمْ لِعَلِيٍّ فِي غَيْرِ مَا قِصَّةٍ.
وقال مالك : لاَ تَكُونُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ
قال علي : هذا تَحْدِيدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ , لإِنَّ ثَلاَثَةَ دُورٍ قَرْيَةٌ مُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ , وَإِلاَّ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ تَحْدِيدِ الْعَدَدِ الَّذِي لاَ يَقَعُ اسْمُ قَرْيَةٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ , وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ النَّقْلُ بِهِ مُتَّصِلاً فَيُقَالُ لَهُ : نَعَمْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ , حَتَّى قَطَعَهُ الْمُقَلِّدُونَ بِضَلاَلِهِمْ ، عَنِ الْحَقِّ , وَقَدْ شَاهَدْنَا جَزِيرَةَ " مَيُورْقَةَ " يَجْمَعُونَ فِي قُرَاهَا , حَتَّى قَطَعَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لِمَالِكٍ , وَبَاءَ بِإِثْمِ النَّهْيِ ، عَنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ.
وَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمُرُّ عَلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ وَهُمْ يَجْمَعُونَ فَلاَ يَنْهَاهُمْ ، عَنْ ذَلِكَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَ الْمِيَاهِ أَنْ يَجْمَعُوا , وَيَأْمُرُ أَهْلَ كُلِّ قَرْيَةٍ لاَ يَنْتَقِلُونَ بِأَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ يَجْمَعُ بِهِمْ وَيُقَالُ لَهُمْ : لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا وَصَوَابًا لَجَاءَ بِهِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ , وَلَمَا جَازَ أَنْ يَجْهَلَهُ ابْنُ عُمَرَ , وَقَبْلَهُ أَبُوهُ عُمَرُ , وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ , وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r .
وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ الْجُمُعَةَ جَائِزَةٌ فِي مَسْجِدَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الْقَرْيَةِ : فَإِنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ حَكَمُوا ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهَا لاَ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمِصْرِ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ جَانِبَانِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ , فَيُجْزِئُ أَنْ يَجْمَعَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمَا. وَرَوَوْا ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا : أَنَّ الْجُمُعَةَ تُجْزِئُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ , وَلاَ تُجْزِئُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ وَكِلاَ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ السُّخْفِ حَيْثُ لاَ نِهَايَةَ لَهُ لاَِنَّهُ لاَ يُعَضِّدُهُمَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ وَقَدْ رَوَوْا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمِصْرِ.
فَإِنْ قَالُوا : صَلَّى عَلِيٌّ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى وَاسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى بِالضُّعَفَاءِ فِي الْمَسْجِدِ , فَهُمَا مَوْضِعَانِ وَهَذَا لاَ يُقَالُ : رَأْيًا
قلنا لَهُمْ : فَقُولُوا : إنَّهُ لاَ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي الْمُصَلَّى. وَفِي الْجَامِعِ فَقَطْ , وَإِلاَّ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ , كَمَا خَالَفْتُمُوهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ , إذْ أَمَرَ t الَّذِي اسْتَخْلَفَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ أَرْبَعًا : فَقُلْتُمْ : هَذَا شَاذٌّ فَيُقَالُ لَكُمْ : بَلْ الشَّاذُّ هُوَ الَّذِي أَجَزْتُمْ , وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى آرَاءَكُمْ قِيَاسًا عَلَى الآُمَّةِ , وَلاَ عِيَارًا فِي دِينِهِ وَهَلاَّ قُلْتُمْ , فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا تَقُولُونَ فِي خَبَرِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهِ : هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الآيَةِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِافْتِرَاضِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ , فَصَارَ تَخْصِيصُهُ اعْتِرَاضًا عَلَى الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ شَاذٍّ غَيْرِ قَوِيِّ النَّقْلِ فِي أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجِبُ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : مِنْ التَّجْمِيعِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ. وَرَأَيْنَا الْمُنْتَسِبِينَ إلَى مَالِكٍ يَحُدُّونَ فِي أَنْ لاَ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعِينَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ , وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا التَّحْدِيدُ ، وَلاَ كَيْف دَخَلَ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ حَتَّى يَجْعَلَهُ دِينًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ : فِي مَوْضِعٍ ، وَلاَ مَوْضِعَيْنِ ، وَلاَ أَقَلَّ , وَلاَ أَكْثَرَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ كَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يَشْهَدُونَ مَعَ النَّبِيِّ r الْجُمُعَةَ.
قلنا : نَعَمْ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَجْمَعُونَ مَعَهُ أَيْضًا عليه السلام ,
رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ , وَلاَ يَلْزَمُ هَذَا عِنْدَكُمْ , وَقَدْ كَانُوا يَشْهَدُونَ مَعَهُ عليه السلام سَائِرَ الصَّلَوَاتِ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ سَائِرَ قَوْمِهِمْ لاَ يُصَلُّونَ الْجَمَاعَاتِ فِي مَسَاجِدِهِمْ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَجْمَعُونَ سَائِرَ قَوْمِهِمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ , وَلاَ يَحُدُّونَ هَذَا أَبَدًا وَمِنْ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ السَّعْيَ إلَى صَلاَةِ الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى نَحْوِ نِصْفِ مِيلٍ , أَوْ ثُلُثَيْ مِيلٍ لاَ يُدْرِكُ الصَّلاَةَ أَصْلاً إذَا رَاحَ إلَيْهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّوَاحِ إلَيْهَا. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهُ لاَ بُدَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ مَسْجِدٍ يَجْمَعُونَ فِيهِ إذَا رَاحُوا إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرُوا بِالرَّوَاحِ إلَيْهِ فِيهِ أَدْرَكُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلاَةَ , وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَوْجَبَ الرَّوَاحَ حِينَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَإِيجَابُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا. وَمِنْ أَعْظَمِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَتَى الْمَدِينَةَ وَإِنَّمَا هِيَ قُرًى صِغَارٌ مُفَرَّقَةٌ , بَنُو مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فِي قَرْيَتِهِمْ حَوَالِي دُورِهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَنَخْلُهُمْ , وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فِي دَارِهِمْ كَذَلِكَ , وَبَنُو مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ كَذَلِكَ , وَبَنُو سَالِمٍ كَذَلِكَ , وَبَنُو سَاعِدَةَ كَذَلِكَ , وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ كَذَلِكَ , وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَذَلِكَ , وَبَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ كَذَلِكَ , وَسَائِرِ بُطُونِ الأَنْصَارِ كَذَلِكَ , فَبَنَى مَسْجِدَهُ فِي بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ , وَجَمَعَ فِيهِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَتْ بِالْكَبِيرَةِ , وَلاَ مِصْرَ هُنَالِكَ. فَبَطَل قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنْ لاَ جُمُعَةَ إلاَّ فِي مِصْرٍ , وَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ لاَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ كَافِرٌ , بَلْ هُوَ نَقْلُ الْكَوَافِّ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , " حَيْثُمَا كُنْتُمْ " إبَاحَةٌ لِلتَّجْمِيعِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ
وَرُوِّينَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُجْمَعُ فِيهِ لِلصَّلاَةِ فَلْتُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَصْرَةِ لاَ يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ الأَكْبَرُ كَيْفَ يَصْنَعُونَ قَالَ : لِكُلِّ قَوْمٍ مَسْجِدٌ يَجْمَعُونَ فِيهِ ثُمَّ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُمْ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَبِهِ نَأْخُذُ
524 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ , لاَِنَّهُ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَيْهَا فَسَعْيُهُ إلَيْهَا فَرْضٌ , كَمَا أَنَّ الصَّلاَةَ فَرْضٌ ، وَلاَ فَرْقَ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهِ , قَالَ تَعَالَى ﴿ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ.
525 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمَرَضٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَعْذَارِ , وَلاَ عَلَى النِّسَاءِ , فَإِنْ حَضَرَ هَؤُلاَءِ صَلُّوهَا رَكْعَتَيْنِ. لإِنَّ الْجُمُعَةَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَيُسْقِطُ الإِجَابَةَ مِنْ الأَعْذَارِ مَا يُسْقِطُ الإِجَابَةَ إلَى غَيْرِهَا ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ حَضَرَهَا الْمَعْذُورُ فَقَدْ سَقَطَ الْعُذْرُ , فَصَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَوْ صَلاَّهَا الرَّجُلُ الْمَعْذُورُ بِامْرَأَتِهِ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ ,
وَكَذَلِكَ لَوْ صَلاَّهَا النِّسَاءُ فِي جَمَاعَةٍ.
526 - مَسْأَلَةٌ : وَيَلْزَمُ الْمَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ مِنْهَا بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَقَدْ تَوَضَّأَ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ الطَّرِيقَ إثْرَ أَوَّلِ الزَّوَالِ وَمَشَى مُتَرَسِّلاً وَيُدْرِكُ مِنْهَا وَلَوْ السَّلاَمَ , سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ , فَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ إنْ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا ، وَلاَ السَّلاَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَجِيءُ إلَيْهَا , سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ ,
وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ. وَالْعُذْرُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا كَالْعُذْرِ فِي التَّخَلُّفِ ، عَنْ سَائِرِ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ , كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ , وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى : أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَأْمُرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ أَهْلَ فَاءَيْنِ فَمَنْ دُونَهَا بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ , وَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلاً مِنْ دِمَشْقَ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ مَنْ كَانَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلاً بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ , وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ : تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ الْجَامِعِ بِمِقْدَارِ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ , وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : تُؤْتَى الْجُمُعَةُ مِنْ فَرْسَخَيْنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَنَسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَنَافِعٍ , وَعِكْرِمَةَ , وَالْحَكَمِ , وَعَطَاءٍ , وَعَنِ الْحَسَنِ , وَقَتَادَةَ , وَأَبِي ثَوْرٍ : تُؤْتَى الْجُمُعَةُ مِنْ حَيْثُ إذَا صَلاَّهَا ثُمَّ خَرَجَ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي مَنْزِلِهِ ,
وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ.
وَرُوِيَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ : تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ , وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَكُونُ مِنْ الطَّائِفِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ فَلاَ يَأْتِي الْجُمُعَةَ.
وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ : تُؤْتَى الْجُمُعَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ
وقال مالك , وَاللَّيْثُ : تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْمِصْرِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ , وَلاَ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
وقال الشافعي : تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ عَظُمَ ,
وَأَمَّا مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ , فَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ
وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ : تَلْزَمُ الْجُمُعَةُ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِصْرِ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا ، وَلاَ تَلْزَمُ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ , سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ
قَالَ عَلِيٌّ : كُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ حُجَّةَ لِقَائِلِهَا , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفٍ لَهُ , وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ قِيَاسٍ لاَ سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ مِنْ يَحُدُّ ذَلِكَ بِثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ بِأَنَّ أَهْلَ الْعَوَالِي كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r
قلنا : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَهُ عليه السلام , وَهِيَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ , وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا , بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أُذِنَ لَهُمْ فِي أَنْ لاَ يُصَلُّوهَا مَعَهُ. وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ عُثْمَانَ t :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ : شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ , فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا , وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ , فَقَدْ أَذِنْت لَهُ
قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَذِنَ لَهُمْ فِي تَرْكِهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ : فَإِنَّ النِّدَاءَ قَدْ لاَ يَسْمَعُهُ لِخَفَاءِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ أَوْ لِحَمْلِ الرِّيحِ لَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى , أَوْ لِحَوَالَةٍ رَابِيَةٍ مِنْ الأَرْضِ دُونَهُ مَنْ كَانَ قَرِيبًا جِدًّا , وَقَدْ يَسْمَعُ عَلَى أَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارِ وَالْقَرْيَةُ فِي جَبَلٍ , وَالْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا وَالرِّيحُ تَحْمِلُ صَوْتَهُ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَجِبْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالإِجَابَةِ لِحُضُورِ الصَّلاَةِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهَا , لاَ مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ لاَ يُدْرِكُ مِنْهَا شَيْئًا , هَذَا مَعْلُومٌ يَقِينًا وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ إخْبَارُهُ عليه السلام بِأَنَّهُ يَهُمُّ بِإِحْرَاقِ مَنَازِلِ الْمُتَخَلِّفِينَ ، عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. فَإِذْ قَدْ اخْتَلَفُوا هَذَا الاِخْتِلاَفَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ : فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ. فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى السَّعْيَ إلَيْهَا إذَا نُودِيَ لَهَا , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعَالَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ , وَالنِّدَاءُ لَهَا إنَّمَا هُوَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ , فَمَنْ أَمَرَ بِالرَّوَاحِ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا فَقَدْ افْتَرَضَ مَا لَمْ يَفْتَرِضْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ ، وَلاَ رَسُولُهُ r . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّوَاحِ إلَيْهَا إثْرَ زَوَالِ الشَّمْسِ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَصَحَّ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَضِيلَةٌ لاَ فَرِيضَةٌ , كَمَنْ قَرَّبَ بَدَنَةً , أَوْ بَقَرَةً , أَوْ كَبْشًا , أَوْ مَا ذُكِرَ مَعَهَا وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ r مَنْ مَشَى إلَى الصَّلاَةِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ , وَالسَّعْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ الْمَشْيُ لاَ الْجَرْيُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ السَّعْيَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لاِِدْرَاكِ الصَّلاَةِ لاَ لِلْعَنَاءِ دُونَ إدْرَاكِهَا , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
527 - مَسْأَلَةٌ : وَيَبْتَدِئُ الإِمَامُ بَعْدَ الأَذَانِ وَتَمَامِهِ بِالْخُطْبَةِ فَيَخْطُبُ وَاقِفًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ فَرْضًا , فَلَوْ صَلاَّهَا إمَامٌ دُونَ خُطْبَةٍ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ جَهْرًا ، وَلاَ بُدَّ وَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهُمَا عَلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ مُقْبِلاً عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ , يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى , وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ r وَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِالآخِرَةِ , وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا خَطَبَ بِهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ , وَلَوْ خَطَبَ بِسُورَةٍ يَقْرَؤُهَا : فَحَسَنٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى النَّاسِ إذْ دَخَلَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ إذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ
رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يُسَلِّمَانِ إذَا قَعَدَا عَلَى الْمِنْبَرِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حدثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ , ثُمَّ يَقُومُ , كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ. وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ عُثْمَانَ , وَمُعَاوِيَةَ , أَنَّهُمَا كَانَا يَخْطُبَانِ جَالِسَيْنِ.
قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَإِنَّمَا لَنَا الاِئْتِسَاءُ بِفِعْلِهِ r وَلَيْسَ فِعْلُهُ فَرْضًا
فأما أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ فَقَالاَ : الْخُطْبَةُ فَرْضٌ لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ إلاَّ بِهَا , وَالْوُقُوفُ فِي الْخُطْبَةِ فَرْضٌ , وَاحْتَجَّا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r . ثُمَّ تَنَاقَضَا فَقَالاَ : إنْ خَطَبَ جَالِسًا أَجْزَأَهُ , وَإِنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ , وَإِنْ لَمْ يَخْطُبْ لَمْ يُجْزِهِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّهُ قَالَ " مَنْ أَخْبَرَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَطَبَ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ ".
قال أبو محمد : مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ فِعْلِهِ عليه السلام فَرْضًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ فَرْضٍ.
وقال الشافعي : إنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ. ثُمَّ تَنَاقَضَ فَأَجَازَ الْجُمُعَةَ لِمَنْ خَطَبَ قَاعِدًا , وَالْقَوْلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ فِي إجَازَتِهِمَا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلاَ فَرْقَ وَقَالَ عَطَاءٌ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ : مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ أَرْبَعًا , لإِنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ قَالَ : سَمِعْت طَاوُوسًا , وَعَطَاءً يَقُولاَنِ : مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صَلَّى أَرْبَعًا
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى : حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ : إذَا لَمْ تُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلِّ أَرْبَعًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : الْخُطْبَةُ مَوْضِعُ الرَّكْعَتَيْنِ , فَمَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ صَلَّى أَرْبَعًا
قال أبو محمد : الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ وَأَقْوَى , فَيَلْزَمُهُمْ الأَخْذُ بِقَوْلِ عُمَرَ هَهُنَا , وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا
قال أبو محمد : مَنْ احْتَجَّ فِي إيجَابِ فَرْضِ الْخُطْبَةِ بِأَنَّهَا جُعِلَتْ بَدَلاً ، عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ هَؤُلاَءِ , وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضَ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي إيجَابِ الْخُطْبَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا.
قال أبو محمد : وَهَذَا الاِحْتِجَاجُ لاَ مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ فِي تَصْوِيبِ قَوْلِهِمْ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ قَائِمًا , وَهَكَذَا نَقُولُ , وَإِنَّمَا هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ : إنَّهُمْ تَرَكُوهُ عليه السلام قَاعِدًا , وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , وَلَيْسَ فِي إنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْكِهِمْ لِنَبِيِّهِ عليه السلام قَائِمًا : إيجَابٌ لِفَرْضِ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ , وَلاَ لِفَرْضِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا فَلاَ جُمُعَةَ لَهُ ، وَلاَ لَهُمْ , وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ , فَظَهَرَ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِالآيَةِ عَلَيْهِمْ , وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ لاَِقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَلَى إيجَابِ الْقِيَامِ , وَلَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى إيجَابِ الْخُطْبَةِ , إنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ قِيَامًا فَقَطْ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا تُعْجَلُ مَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : مَنْ لَمْ يَخْطُبْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَدْ قَالَهُ أَيْضًا ابْنُ سِيرِينَ : وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ بِجَارِي عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ إنَّمَا مُرَادُهُ إلَى الْخُطْبَةِ وَجَعَلَ هَذَا حُجَّةً فِي إيجَابِ فَرْضِهَا
قال أبو محمد : وَمَنْ لِهَذَا الْمُقْدِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا الْخُطْبَةَ بَلْ أَوَّلُ الآيَةِ وَآخِرُهَا يُكَذِّبَانِ ظَنَّهُ الْفَاسِدَ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ : إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ. ثُمَّ
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا.
فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا افْتَرَضَ السَّعْيَ إلَى الصَّلاَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا , وَأَمَرَ إذَا قُضِيَتْ بِالاِنْتِشَارِ وَذَكَرَهُ كَثِيرًا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِالسَّعْيِ لَهُ هُوَ الصَّلاَةُ , وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ , وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّمْجِيدِ , وَالْقِرَاءَةِ , وَالتَّشَهُّدِ لاَ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا الْجَاهِلُ لَكَانَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا وَأَدْرَكَ الصَّلاَةَ غَيْرَ مُؤَدٍّ لِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ السَّعْيِ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا , وَقَدْ قَالَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ , فَلاَ يَكْذِبُونَ ثَانِيَةً فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ مُمَوِّهِينَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يُصَلِّهَا عليه السلام قَطُّ إلاَّ بِخُطْبَةٍ
قلنا : وَلاَ صَلاَّهَا عليه السلام قَطُّ إلاَّ بِخُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا , فَاجْعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا لاَ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلاَّ بِهِ , وَلاَ صَلَّى عليه السلام قَطُّ إلاَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى , فَأَبْطِلُوا الصَّلاَةَ بِتَرْكِ ذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلُنَا : مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ فَاقْتِدَاءٌ بِظَاهِرِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r .
وقال أبو حنيفة : تُجْزِئُ تَكْبِيرَةٌ , وَهَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لاِِيجَابِهِ الْخُطْبَةَ فَرْضًا , لإِنَّ التَّكْبِيرَةَ لاَ تُسَمَّى خُطْبَةً , وَيُقَالُ لَهُمْ : إذَا جَازَ هَذَا عِنْدَكُمْ فَلِمَ لاَ أَجْزَأَتْ ، عَنِ الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ فَهِيَ ذِكْرٌ
وقال مالك : الْخُطْبَةُ : كُلُّ كَلاَمٍ ذِي بَالٍ
قال أبو محمد : لَيْسَ هَذَا حَدًّا لِلْخُطْبَةِ , وَهُوَ يَرَاهَا فَرْضًا , وَمَنْ أَوْجَبَ فَرْضًا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَحْدِيدُهُ , حَتَّى يَعْلَمَهُ مُتَّبِعُوهُ عِلْمًا لاَ إشْكَالَ فِيهِ , وَإِلاَّ فَقَدْ جَهِلُوا فَرْضَهُمْ
وَأَمَّا خُطْبَتُهَا عَلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ فَهَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r صَحَّتْ بِذَلِكَ الآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا أَيْضًا فَرْضًا , لاَِنَّهُ مُذْ عُمِلَ الْمِنْبَرُ لَمْ يَخْطُبْ النَّبِيُّ r فِي الْجُمُعَةِ إلاَّ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ خَطَبَ بِسُورَةٍ يَقْرَؤُهَا : فَحَسَنٌ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ ابْنَةٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ " مَا حَفِظْت ق إلاَّ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ r يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ , وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ r وَاحِدًا ".
528 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ إطَالَةُ الْخُطْبَةِ , فَإِنْ قَرَأَ فِيهَا بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ أَوْ آيَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فَيَسْجُدَ وَالنَّاسُ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ حَرَجَ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : قَالَ أَبُو وَائِلٍ : خَطَبَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ , فَلَمَّا نَزَلَ
قلنا : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ , لَقَدْ أَبْلَغْت وَأَوْجَزْت فَلَوْ كُنْت تَنَفَّسْت فَقَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرِ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ , فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ , فَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَحْسِنُوا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَاقْصُرُوا هَذِهِ الْخُطَبَ.
قال أبو محمد : شَهِدْت ابْنَ مَعْدَان فِي جَامِعِ قُرْطُبَةَ قَدْ أَطَالَ الْخُطْبَةَ , حَتَّى أَخْبَرَنِي بَعْضُ وُجُوهِ النَّاسِ أَنَّهُ بَالَ فِي ثِيَابِهِ. وَكَانَ قَدْ نَشِبَ فِي الْمَقْصُورَةِ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السَّلِيمِ الْقَاضِي ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلِمَا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ : أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ فَسَجَدَ بِالنَّاسِ سَجْدَتَيْنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ فَسَجَدُوا مَعَهُ , ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الآُخْرَى فَتَهَيَّئُوا لِلسُّجُودِ , فَقَالَ عُمَرُ عَلَى رِسْلِكُمْ , إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلاَّ أَنْ نَشَاءَ
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ , حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ , حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا , حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ , فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ , وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ : أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ كَانَ يَخْطُبُ فَقَرَأَ " ص وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ , لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ بِالْمَدِينَةِ , وَالْبَصْرَةِ , وَالْكُوفَةِ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفٌ , وَقَدْ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ الْمَشْهُورَةِ , فَأَيْنَ دَعْوَاهُمْ اتِّبَاعَ عَمَلِ الصَّحَابَةِ
529 - مَسْأَلَةٌ : وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ مُدَّةَ خُطْبَةِ الإِمَامِ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ , إلاَّ التَّسْلِيمَ إنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ , وَرَدَّ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ مِمَّنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ , وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إنْ عَطَسَ , وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ إنْ حَمِدَ اللَّهَ , وَالرَّدَّ عَلَى الْمُشَمِّتِ , وَالصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ r إذَا أَمَرَ الْخَطِيبُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ , وَالتَّأْمِينَ عَلَى دُعَائِهِ , وَابْتِدَاءَ مُخَاطَبَةِ الإِمَامِ فِي الْحَاجَةِ تَعِنُّ , وَمُجَاوَبَةَ الإِمَامِ مِمَّنْ ابْتَدَأَهُ الإِمَامُ بِالْكَلاَمِ فِي أَمْرٍ مَا فَقَطْ .
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ حِينَئِذٍ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ : انْصِتْ , وَلَكِنْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يَغْمِزُهُ , أَوْ يَحْصِبُهُ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا ذَاكِرًا عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلاَ جُمُعَةَ لَهُ فَإِنْ أَدْخَلَ الْخَطِيبُ فِي خُطْبَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْكَلاَمُ مُبَاحٌ حِينَئِذٍ ,
وَكَذَلِكَ إذَا جَلَسَ الإِمَامُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَالْكَلاَمُ حِينَئِذٍ مُبَاحٌ , وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ وَابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ أَيْضًا , وَلاَ يَجُوزُ الْمَسُّ لِلْحَصَى مُدَّةَ الْخُطْبَةِ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ زِيَادِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنِ الْقَرْثَعِ الضَّبِّيِّ وَكَانَ مِنْ الْقُرَّاءِ الأَوَّلِينَ ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا أُمِرَ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلاَتَهُ إلاَّ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ.
قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَقْرَأُ سُورَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لاُِبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ أُبَيٌّ , فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لاَِبِي ذَرٍّ : مَا لَكَ مِنْ صَلاَتِكَ إلاَّ مَا لَغَوْتَ , فَدَخَلَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ : صَدَقَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ. وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ : أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ كَانَ بِمَكَّةَ فَجَاءَ كريه وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَقَالَ لَهُ : حَبَسْت الْقَوْمَ قَدْ ارْتَحَلُوا , فَقَالَ لَهُ : لاَ تَعْجَلْ حَتَّى نَنْصَرِفَ , فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : أَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ ,
وَأَمَّا أَنْت فَلاَ جُمُعَةَ لَك
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : أَنَّ رَجُلاً اسْتَفْتَحَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ آيَةً وَالإِمَامُ يَخْطُبُ , فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : هَذَا حَظُّك مِنْ صَلاَتِك
قال أبو محمد : فَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفٌ , كُلُّهُمْ يُبْطِلُ صَلاَةَ مَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الْخُطْبَةِ. وَبِهِ نَقُولُ , وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ , لاَِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ : مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ بَطَلَ أَجْرُهُ
قال أبو محمد : وَإِذَا بَطَلَ أَجْرُهُ فَقَدْ بَطَلَ عَمَلُهُ بِلاَ شَكٍّ
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَصَبَ رَجُلَيْنِ كَانَا يَتَكَلَّمَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَأَنَّهُ رَأَى سَائِلاً يَسْأَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُ , وَأَنَّهُ كَانَ يُومِئُ إلَى الرَّجُلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : أَنْ اُسْكُتْ
وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ الإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ مَدْحَ مَنْ لاَ حَاجَةَ بِالْمُسْلِمِينَ إلَى مَدْحِهِ , أَوْ دُعَاءً فِيهِ بَغْيٌ وَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ , أَوْ ذَمَّ مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ : فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْخُطْبَةِ , فَلاَ يَجُوزُ الإِنْصَاتُ لِذَلِكَ , بَلْ تَغْيِيرُهُ وَاجِبٌ إنْ أَمْكَنَ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُجَالِدٍ قَالَ : رَأَيْت الشَّعْبِيَّ , وَأَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ يَتَكَلَّمَانِ وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ حِينَ قَالَ : لَعَنَ اللَّهُ وَلَعَنَ اللَّهُ , فَقُلْت : أَتَتَكَلَّمَانِ فِي الْخُطْبَةِ فَقَالاَ : لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا وَعَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ : رَأَيْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ يَتَكَلَّمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ زَمَنَ الْحَجَّاجِ
قال أبو محمد : كَانَ الْحَجَّاجُ وَخُطَبَاؤُهُ يَلْعَنُونَ عَلِيًّا , وَابْنَ الزُّبَيْرِ ، رضي الله عنهم ، وَلُعِنَ لاَعِنُهُمْ.
قال أبو محمد : وَقَدْ
رُوِّينَا خِلاَفًا ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لاَ نَقُولُ بِهِ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ ابْنِ نَائِلٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالْكَلاَمِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ.
وَأَمَّا ابْتِدَاءُ السَّلاَمِ وَرَدُّهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رُبَيْعٍ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا بِشْرٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ , فَلَيْسَتْ الآُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الآخِرَةِ
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا.
وَأَمَّا حَمْدُ الْعَاطِسِ وَتَشْمِيتُهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رُبَيْعٍ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ : إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ , وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ , وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ : يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ. وَقَدْ قِيلَ : إنَّ بَيْنَ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ وَبَيْنَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ : خَالِدَ بْنَ عَرْفَجَةَ وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد : حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ , وَيَقُولُ هُوَ : يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.
قال أبو محمد : فإن قيل : قَدْ صَحَّ النَّهْيُ ، عَنِ الْكَلاَمِ وَالأَمْرُ بِالإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ , وَصَحَّ الأَمْرُ بِالسَّلاَمِ وَرَدِّهِ , وَبِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْعُطَاسِ وَتَشْمِيتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَرَدِّهِ , فَقَالَ قَوْمٌ : إلاَّ فِي الْخُطْبَةِ , وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : بِالإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ إلاَّ عَنِ السَّلاَمِ وَرَدِّهِ وَالْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَالرَّدِّ , فَمَنْ لَكُمْ بِتَرْجِيحِ اسْتِثْنَائِكُمْ وَتَغْلِيبِ اسْتِعْمَالِكُمْ لِلأَخْبَارِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ غَيْرِكُمْ وَاسْتِعْمَالِهِ لِلأَخْبَارِ , لاَ سِيَّمَا وَقَدْ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ
قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : قَدْ جَاءَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الصَّلاَةِ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ وَالْقِيَاسُ لِلْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلاَةِ بَاطِلٌ , إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْخُطْبَةَ يَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الْخَطِيبِ بِالْكَلاَمِ وَمُجَاوَبَتِهِ , وَابْتِدَاءُ ذِي الْحَاجَةِ لِلَّهِ بِالْمُكَالَمَةِ وَجَوَابِ الْخَطِيبِ لَهُ , عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا , وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ هُوَ فَرْضًا , بَلْ هُوَ مُبَاحٌ. وَيَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الدَّاخِلِ بِالصَّلاَةِ تَطَوُّعًا.
فَصَحَّ أَنَّ الْكَلاَمَ الْمَأْمُورَ بِهِ مُغَلَّبٌ عَلَى الإِنْصَاتِ فِيهَا , لاَِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ جَوَازُهُ : أَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ الْمُبَاحُ جَائِزًا فِيهَا وَيَكُونُ الْكَلاَمُ الْفَرْضُ الْمَأْمُورُ بِهِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ فِيهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو عَمْرٍو هُوَ الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ r يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلَكَ الْمَالُ , وَجَاعَ الْعِيَالُ , فَادْعُ اللَّهَ لَنَا , فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r يَدَيْهِ , وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ قَالَ : قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ : انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ يَخْطُبُ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ ، عَنْ دِينِهِ , لاَ يَدْرِي مَا دِينُهُ , فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ r وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ , وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا , فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ أَتَى إلَى خُطْبَتِهِ فَأَتَمَّ آخِرَهَا.
قال أبو محمد : أَبُو رِفَاعَةَ هَذَا تَمِيمُ الْعَدَوِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُتَّصِلِ بِهِ كَلاَمَ عُمَرَ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ فَرْضًا. وَذَكَرْنَا قَبْلُ كَلاَمَ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَكَلاَمَ عُثْمَانَ مَعَهُ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فِي أَمْرِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْكَارِ تَرْكِهِ , لاَ يُنْكِرُ الْكَلاَمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , حَتَّى نَشَأَ مَنْ لاَ يَعْتَدُّ بِهِ مَعَ مَنْ ذَكَرْنَا. وَالْعَجِيبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ بِزَعْمِهِمْ قَالَ : لَعَلَّ هَذَا قَبْلَ نَسْخِ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ قَالَ : فِي الْخُطْبَةِ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدَ نَسْخَ الْكَلاَمِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخُطْبَةِ وَمَا الَّذِي أَدْخَلَ الصَّلاَةَ فِي الْخُطْبَةِ وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ فِي أَحْكَامِهَا. وَلَوْ خَطَبَ الْخَطِيبُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمَا ضَرَّ ذَلِكَ خُطْبَتَهُ , وَهُوَ يَخْطُبُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ , فَأَيْنَ الصَّلاَةُ مِنْ الْخُطْبَةِ لَوْ عَقَلُوا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَالدِّينُ لاَ يُؤْخَذُ بِ " لَعَلَّ "
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ يُسَلِّمُ , وَيَرُدُّ السَّلاَمَ , وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُهُ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالاَ : رُدَّ السَّلاَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْمَعْ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، عَنْ رَجُلٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ فَقَالاَ جَمِيعًا : يُسَلِّمُ وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ , وَإِنْ عَطَسَ شَمَّتُوهُ , وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إذَا عَطَسَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى , أَوْ سَلَّمَ وَأَنْت تَسْمَعُهُ وَتَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَشَمِّتْهُ فِي نَفْسِك , وَرُدَّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِك , فَإِنْ كُنْت لاَ تَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَشَمِّتْهُ وَأَسْمِعْهُ , وَرُدَّ عَلَيْهِ , وَأَسْمِعْهُ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ قَالاَ جَمِيعًا فِي الرَّجُلِ يُسَلِّمُ وَهُوَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ أَنَّهُ يَرُدُّ وَيُسْمِعُهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ وَيَرُدَّ السَّلاَمَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ.
530 - مَسْأَلَةٌ : وَالاِحْتِبَاءُ جَائِزٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ,
وَكَذَلِكَ شُرْبُ الْمَاءِ , وَإِعْطَاءُ الصَّدَقَةِ , وَمُنَاوَلَةُ الْمَرْءِ أَخَاهُ حَاجَتَهُ , لإِنَّ كُلَّ هَذَا أَفْعَالُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا نَهْيٌ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَلَوْ كُرِهَتْ أَوْ حَرُمَتْ لَبَيَّنَّ ذَلِكَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r : وَمَا كَانَ رُبُّكَ نَسِيًّا. وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ ، عَنِ الاِحْتِبَاءِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ. وَأَبُو مَرْحُومٍ هَذَا مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلاَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ.
رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَبِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ,
وَكَذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ , وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَمَكْحُولٌ , وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَنُعَيْمُ بْنُ سَلاَمَةَ , وَلَمْ يَبْلُغْنَا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ كَرَّهَهُ , إلاَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ وَحْدَهُ , وَلَمْ تُرْوَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم .
وَرُوِّينَا ، عَنْ طَاوُوس إبَاحَةَ شُرْبِ الْمَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ.
وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ شَرِبَ الْمَاءَ فَسَدَتْ جُمُعَتُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
531 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : إنَّ النَّبِيَّ r خَطَبَ فَقَالَ : إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
قال أبو محمد : هَذَا أَمْرٌ لاَ حِيلَةَ لِمُمَوِّهٍ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا قُتَيْبَةُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ كِلاَهُمَا ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ r يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r أَصَلَّيْتَ قَالَ : لاَ , قَالَ : قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ. هَذَا لَفْظُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ " رَكْعَتَيْنِ ". وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r
وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r .
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالاَ : حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ r يَخْطُبُ , فَقَالَ لَهُ عليه السلام : أَصَلَّيْتَ شَيْئًا قَالَ : لاَ , قَالَ : صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّهُ جَاءَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَقَامَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ , فَأَجْلَسُوهُ , فَأَبَى , وَقَالَ : أَبَعْدَ مَا صَلَّيْتُمُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r " فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِأَصَحِّ أَسَانِيدَ تُوجِبُ الْعِلْمَ بِأَمْرِهِ r مَنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ , وَصَلاَّهُمَا أَبُو سَعِيدٍ مَعَ النَّبِيِّ r وَبَعْدَهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَلاَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ , إلاَّ شُرَطُ مَرْوَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِالْبَاطِلِ وَعَمِلُوا الْبَاطِلَ فِي الْخُطْبَةِ , فَأَظْهَرُوا بِدْعَةً وَرَامُوا إمَاتَةَ سُنَّةٍ وَإِطْفَاءَ حَقٍّ , فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَقْتَدِي بِهِمْ وَيَدَعُ الصَّحَابَةَ وَقَدْ رَوَى النَّاسُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ. فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَخُصَّ إلاَّ مَا خَصَّهُ النَّبِيُّ r مِمَّنْ يَجِدُ الإِمَامَ يُقِيمُ لِصَلاَةِ الْفَرْضُ , أَوْ قَدْ دَخَلَ فِيهَا وَسُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَ هَؤُلاَءِ لِعَكْسِ الْحَقَائِقِ , فَقَالُوا : مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلاَ يَرْكَعْ , وَمَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَلَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ ، وَلاَ رَكَعَ رَكْعَتِي الْفَجْرِ فَلْيَتْرُكْ الْفَرِيضَةَ وَلْيَشْتَغِلْ بِالنَّافِلَةِ فَعَكَسُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r عَكْسًا. وَلَوْلاَ الْبُرْهَانُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِأَنْ لاَ فَرْضَ إلاَّ الْخَمْسُ لَكَانَتْ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فَرْضًا , وَلَكِنَّهُمَا فِي غَايَةِ التَّأْكِيدِ , لاَ شَيْءَ مِنْ السُّنَنِ أَوْكَدُ مِنْهُمَا , لِتَرَدُّدِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِهِمَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ : حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنِ الصَّلاَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ النَّاسَ فَعَلُوهُ كَانَ حَسَنًا وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ : حدثنا بَرِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَالَ : رَأَيْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ يَخْطُبُ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَلَسَ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ : إذَا جِئْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ فَإِنْ شِئْت صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَمَكْحُولٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ , وَالْحُمَيْدِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ كَانَ صَلاَّهُمَا فِي بَيْتِهِ جَلَسَ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهِمَا فِي بَيْتِهِ رَكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ.
وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ يُصَلِّ , قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِمَا فَلْيُتِمَّهُمَا
قال أبو محمد : إنْ كَانَتَا حَقًّا فَلِمَ لاَ يَبْتَدِئُ بِهِمَا فَالْخَيْرُ يَنْبَغِي الْبِدَارُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتَا خَطَأً وَغَيْرَ جَائِزَتَيْنِ فَمَا يَجُوزُ التَّمَادِي عَلَى الْخَطَأِ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.
وَاحْتَجَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمَا بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ : كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ r يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ.
قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ , وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَكَعَهُمَا ثُمَّ تَخَطَّى , وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ يَكُونَ رَكَعَهُمَا , فَإِذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ لاَ أَنَّهُ رَكَعَ , وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ : فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ، وَلاَ عَلَيْهِمْ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدَ الْكَذَّابِينَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ , وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ : لَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَمْرِ النَّبِيِّ r مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بِالرُّكُوعِ , وَمُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ , فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لَهُمْ ، وَلاَ عَلَيْهِمْ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ وَصَحَّ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ. وَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِ عليه السلام مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بِأَنْ يَرْكَعَ , وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ : لِمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّنَا لَمْ نَقُلْ : إنَّهُمَا فَرْضٌ , وَإِنَّمَا
قلنا : إنَّهُمَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا , وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ ، عَنْ صَلاَتِهِمَا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْفَاسِدِ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَبَقِيَ أَمْرُهُ عليه السلام بِصَلاَتِهِمَا لاَ مُعَارِضَ لَهُ وَتَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ " فَذَكَر الْحَدِيثَ. وَفِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطُنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ قَالُوا : فَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r بِالرَّكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ
قال أبو محمد : وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ , لإِنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r بِصَلاَتِهِمَا , وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ اعْتِرَاضٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَفِيهِ قَوْلُهُ عليه السلام : مِنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ.
ثم نقول لَهُمْ : قُولُوا لَنَا : هَلْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ أُمّ بِبَاطِلٍ
فَإِنْ قَالُوا : بِبَاطِلٍ , كَفَرُوا.
وَإِنْ قَالُوا : بِحَقٍّ أَبْطَلُوا مَذْهَبَهُمْ , وَلَزِمَهُمْ الأَمْرُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r وَصَحَّ أَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ , إذْ لاَ يَأْمُرُ عليه السلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلاَّ بِحَقٍّ.
ثم نقول لَهُمْ : إذْ قُلْتُمْ هَذَا فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ بِهِ فَتَأْمُرُونَ مَنْ دَخَلَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَمْ لاَ تَرَوْنَ ذَلِكَ إنْ قَالُوا : نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ تَرَكُوا مَذْهَبَهُمْ.
وَإِنْ قَالُوا : لَسْنَا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ : فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي تَوْجِيهِكُمْ لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وُجُوهًا أَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا , وَعَاصُونَ لِلْخَبَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهَلْ هَهُنَا إلاَّ إيهَامُ الضُّعَفَاءِ الْمُغْتَرِّينَ الْمَحْرُومِينَ أَنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ حُكْمَ الْخَبَرِ وَصَحَّحْتُمْ بِذَلِكَ قَوْلَكُمْ وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِالضِّدِّ , بَلْ هُوَ عَلَيْكُمْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
وقال بعضهم : لَمَّا لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
قال أبو محمد : وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا , وَلاَ قَضَاهَا رَسُولُهُ عليه السلام , بَلْ قَدْ فَرَّقَ عليه السلام بَيْنَهُمَا , بِأَنْ أَمَرَ مَنْ حَضَرَ بِالإِنْصَاتِ وَالاِسْتِمَاعِ , وَأَمَرَ الدَّاخِلَ بِالصَّلاَةِ , فَالْمُعْتَرِضُ عَلَى هَذَا مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عليه السلام , فَالْمُتَطَوِّعُ جَائِزٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ وَلِمَنْ دَخَلَ مَا لَمْ تَقُمْ الإِقَامَةُ لِلصَّلاَةِ
532 - مَسْأَلَةٌ : وَالْكَلاَمُ مُبَاحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا دَامَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الْخَطِيبُ بِالْخُطْبَةِ. وَالْكَلاَمُ جَائِزٌ بَعْدَ الْخُطْبَةِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ الإِمَامُ. وَالْكَلاَمُ جَائِزٌ فِي جِلْسَةِ الإِمَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ , لإِنَّ الْكَلاَمَ بِالْمُبَاحِ مُبَاحٌ إلاَّ حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ , وَلَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ إلاَّ مِنْ الْكَلاَمِ فِي خُطْبَةِ الإِمَامِ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ :
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ , فَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إلَى الْمُصَلَّى فَيُصَلِّي.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ لَهُ بِلاَلٌ : يَا أَبَا بَكْرٍ قَالَ : لَبَّيْكَ , قَالَ : أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ أَمْ لِنَفْسِك قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى , قَالَ : فَأْذَنْ لِي أُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , فَأَذِنَ لَهُ , فَذَهَبَ إلَى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا t.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ بُرْدِ أَبِي الْعَلاَءِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : كَلاَمُ الإِمَامِ يَقْطَعُ الْكَلاَمَ : فَلَمْ يَرَ عُمَرُ الْكَلاَمَ يَقْطَعُهُ إلاَّ كَلاَمُ الإِمَامِ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ أَبِي الصَّعْبَةِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ : هَلْ اشْتَرَيْت لَنَا وَهَلْ أَتَيْتنَا بِهَذَا يَعْنِي الْحَبَّ وَعَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ : رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَالِسًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ وَعُثْمَانُ يَسْأَلُ النَّاسَ ، عَنْ أَسْعَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ. وَعَنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : كَلاَمُ الإِمَامِ يَقْطَعُ الْكَلاَمَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ : قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : كَيْفَ أَصْبَحْت وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : لاَ بَأْسَ بِالْكَلاَمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الإِمَامُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ. وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ مِثْلُهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلُهُ. وَعَنِ الْحَسَنِ : لاَ بَأْسَ بِالْكَلاَمِ فِي جُلُوسِ الإِمَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ.
533 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ رَعَفَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ فَلْيَخْرُجْ
وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَدْعُوهُ إلَى الْخُرُوجِ. وَلاَ مَعْنَى لاِسْتِئْذَانِ الإِمَامِ ,
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ اسْتِئْذَانِ الإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ : فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الإِمَامُ , أَتَرَاهُ يَبْقَى بِلاَ وُضُوءٍ أَوْ هُوَ يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ بِالدَّمِ أَوْ يُضَيِّعُ مَا لاَ يَجُوزُ لَهُ تَضْيِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا
534 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ صَلاَةَ فَرْضٍ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّهَا , سَوَاءٌ كَانَ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ نَامَ ، عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ. وَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَقِيهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا خَطَأٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ نَظَرٌ , وَلاَ مَعْقُولٌ , بَلْ الْحُجَّةُ أَلْزَمُ لِلْفَقِيهِ فِي أَنْ لاَ يُضَيِّعَ دِينَهُ مِنْهَا لِغَيْرِهِ.
فإن قيل : يَرَاهُ الْجَاهِلُ فَيَظُنُّ الصَّلاَةَ تَطَوُّعًا جَائِزَةً حِينَئِذٍ
قلنا : لاَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ لِنَفْسِهِ مُخَالَفَةَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَتَضْيِيعَ فَرْضِهِ خَوْفَ أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ وَلَعَلَّ غَيْرَهُ لاَ يَظُنُّ ذَلِكَ أَوْ يَظُنُّ , فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ.
535 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ إلاَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً , أَوْ الْجُلُوسَ فَقَطْ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَلْيَقْضِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلاَّ الْجُلُوسَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ : إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَضَى إلَيْهَا أُخْرَى , فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلاَّ رَفْعَ الرَّأْسِ مِنْ الرَّكْعَةِ فَمَا بَعْدَهُ صَلَّى أَرْبَعًا. وَقَالَ عَطَاءُ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : مَنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْخُطْبَةِ صَلَّى أَرْبَعًا.
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِأَنَّ الْخُطْبَةَ جُعِلَتْ بِإِزَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ , فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا : أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ الآُولَى وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً , مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ
وَاحْتَجَّ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ.
قال أبو محمد : وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , وَلَيْسَ فِيهِ : أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلاَةَ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ النَّضْرِيُّ ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، حدثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ , وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ , عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ , فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ ، حدثنا شَيْبَانُ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا : اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلاَةِ , قَالَ : فَلاَ تَفْعَلُوا إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ , فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ مَا أَدْرَكَ , وَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ , وَسَمَّاهُ مُدْرِكًا لِمَا أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ , فَمَنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا , أَوْ سَاجِدًا , فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَلْتَزِمَ إمَامَتَهُ , وَيَكُونَ بِذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ دَاخِلاً فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ , فَإِنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ وَيُتِمُّ تِلْكَ الصَّلاَةَ , وَلَمْ تَفُتْهُ إلاَّ رَكْعَتَانِ , وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ فَلاَ تُصَلَّى إلاَّ رَكْعَتَيْنِ. وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى الَّذِي فِيهِ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً " وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُمْ جُلُوسٌ قَالَ : يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ , قَالَ شُعْبَةُ : .
فَقُلْنَا لَهُ : مَا قَالَ هَذَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ إلاَّ حَمَّادٌ قَالَ الْحَكَمُ : وَمَنْ مِثْلُ حَمَّادٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : إنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا فِي آخِرِ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
قال أبو محمد : إلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا , لإِنَّ مِنْ أُصُولِهِمْ الَّتِي جَعَلُوهَا دِينًا أَنَّ قَوْلَ الصَّاحِبِ الَّذِي يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفٌ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى إلَيْهَا أُخْرَى , وَإِنْ وَجَدَ الْقَوْمَ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ , وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفٌ. نَعَمْ , وَقَدْ رُوِيَتْ فِيهِ آثَارٌ لَيْسَتْ بِأَضْعَفَ مِنْ حَدِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ , وَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ , وَالْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ , فَخَالَفُوهَا إذْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ ,
وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدَيْنِ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ
قال أبو محمد :
وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَوْ صَحَّ فِي هَذَا أَثَرٌ ، عَنِ النَّبِيِّ r لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَتَعَدَّهُ
536 - مَسْأَلَةٌ : وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ
وَكَذَلِكَ الطِّيبُ , وَالسِّوَاكُ ,
وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ فَأَغْنَى ، عَنْ تَرْدَادِهِ , إذْ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ , مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، وَلاَ يَتَطَيَّبُ لَهَا الْمُحْرِمُ ، وَلاَ الْمَرْأَةُ ,.
لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي النِّسَاءِ يَحْضُرُونَ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ , وَلاَِنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ ، عَنْ إحْدَاثِ التَّطَيُّبِ , عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَلْزَمُ الْغُسْلُ , وَالسِّوَاكُ : الْمُحْرِمَ , وَالْمَرْأَةَ كَمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ , فَمَنْ عَجَزَ ، عَنِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ , لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ
537 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ امْتَلاََتْ الرِّحَابُ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ صُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي الدُّورِ , وَالْبُيُوتِ , وَالدَّكَاكِينِ الْمُتَّصِلَةِ بِالصُّفُوفِ , وَعَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ , بِحَيْثُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِمَا خَلْفَ الإِمَامِ , لاَ لِلإِمَامِ ، وَلاَ لِمَا أَمَامَ الإِمَامِ أَصْلاً وَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ وَالصُّفُوفِ نَهْرٌ عَظِيمٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ حَائِطٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ , وَصَلَّى الْجُمُعَةَ بِصَلاَةِ الإِمَامِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدٌ ، هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا عَبْدَةُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ , وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ , فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ r فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
قال أبو محمد : حُكْمُ الإِمَامَةِ سَوَاءٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا , وَالنَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحْوَالِ الإِمَامَةِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ جَاءَ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ الاِئْتِمَامِ بِالإِمَامِ إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ , فَلاَ يَجُوزُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا , فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ الصَّلاَةِ فِي مَوْضِعٍ إلاَّ مَوْضِعًا جَاءَ النَّصُّ بِالْمَنْعِ مِنْ الصَّلاَةِ فِيهِ , فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ.
رُوِّينَا ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها : أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي بَيْتِهَا بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ , إذْ صَلَّتْ فِي بَيْتِهَا بِصَلاَةِ النَّبِيِّ r بِالنَّاسِ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الشَّقَرِيُّ قَالَ : رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْبَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ وَعَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ : تُصَلِّي الْمَرْأَةُ بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ بَعْدَ أَنْ تَسْمَعَ التَّكْبِيرَ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ امْتَلاََ فَدَخَلَ دَارَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ , فَصَلَّى مَعَهُمْ وَهُوَ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ. وَعَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي بَيْتِ الْخَيَّاطِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّحْبَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا الْقِبَابُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ : جِئْت أَنَا وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّاسُ عَلَى الْجُدُرِ وَالْكَنَفِ , فَقُلْت لَهُ : أَبَا سَعِيدٍ , أَتَرْجُو لِهَؤُلاَءِ قَالَ : أَرْجُو أَنْ يَكُونُوا فِي الأَجْرِ سَوَاءً
وقال مالك : لاَ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ خَاصَّةً فِي مَكَان مَحْجُورٍ بِصَلاَةِ الإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ ,
وَأَمَّا سَائِرُ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ فِيهَا. وَهَذَا لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَلاَ يُعَضِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ
وقال أبو حنيفة : إنْ كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ صَغِيرٌ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ , فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ تُجْزِهِ. وَهَذَا كَلاَمٌ سَاقِطٌ , لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ وَحَدُّ النَّهْرِ الْكَبِيرِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْرِيَ فِيهِ السُّفُنُ
قال أبو محمد : لَيْتَ شِعْرِي أَيْ السُّفُنُ وَفِي السُّفُنِ مَا يَحْمِلُ أَلْفَ وَسْقٍ , وَفِيهَا زُوَيْرِقٌ صَغِيرٌ يَحْمِلُ ثَلاَثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فَقَطْ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ صَلَّى بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جُدُرٌ أَوْ نَهْرٌ فَلاَ يَأْتَمُّ بِهِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَهْرٍ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ : حدثنا قَتَادَةُ قَالَ : قَالَ لِي زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : لاَ جُمُعَةَ لِمَنْ صَلَّى فِي الرَّحْبَةِ .
وَبِهِ يَقُولُ زُرَارَةُ.
قال أبو محمد : لَوْ كَانَ تَقْلِيدًا لَكَانَ هَذَا لِصِحَّةِ إسْنَادِهِ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَقَالَ : لاَ جُمُعَةَ لَهُمْ , قُلْت : لِمَ قَالَ : لأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا فَلاَ يَفْعَلُونَ.
قال أبو محمد : هَذَا كَمَا قَالَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَصِلَ الصَّفَّ فَلَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّ الْعَجَبَ كُلَّهُ مِمَّنْ يُجِيزُ الصَّلاَةَ حَيْثُ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنِ الصَّلاَةِ فِيهِ كَالْمَقْبَرَةِ , وَمَعْطِنِ الإِبِلِ , وَالْحَمَّامِ , ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْهَا حَيْثُ لاَ نَصَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا , كَالْمَوْضِعِ الْمَحْجُورِ , أَوْ بَيْنَهَا نَهْرٌ كَبِيرٌ وَكُلُّ هَذَا كَمَا تَرَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
538 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَلَوْ إيمَاءً وَعَلَى الرُّكُوعِ كَذَلِكَ : أَجْزَأَهُ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَصْلاً وَقَفَ كَمَا هُوَ , فَإِذَا خَفَّ الأَمْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَجْزَأَهُ. لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهَ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ ، عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِمَرَضٍ أَوْ بِخَوْفٍ أَوْ بِمَنْعِ زِحَامٍ وَقَدْ صَلَّى السَّلَفُ الْجُمُعَةَ إيمَاءً فِي الْمَسْجِدِ , إذْ كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ إلَى قُرْبِ غُرُوبِ الشَّمْسِ
539 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ جَاءَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَقَدْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ صَلَّوْهَا جُمُعَةً , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْجَمَاعَةِ
540 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ فَرَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَحَسَنٌ , لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ,
وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ , فَإِنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ فَصَاعِدًا صَلَّى فِي مَوْضِعِهِ , وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَجِيءُ إلَى الْمَسْجِدِ إلاَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ , وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ , وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَاصَّةً , فَالْمَجِيءُ إلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ : فَضِيلَةٌ : لِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، حدثنا رَوْحٌ ، هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ.
قال أبو محمد : الرِّحْلَةُ هِيَ السَّفَرُ , وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ السَّفَرَ مِيلٌ فَصَاعِدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
541 - مَسْأَلَةٌ : وَالصَّلاَةُ فِي الْمَقْصُورَةِ جَائِزَةٌ , وَالإِثْمُ عَلَى الْمَانِعِ لاَ عَلَى الْمُطْلَقِ لَهُ دُخُولُهَا , بَلْ الْفَرْضُ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ دُخُولُهَا أَنْ يَصِلَ الصُّفُوفَ فِيهَا , لإِنَّ إكْمَالَ الصُّفُوفِ فَرْضٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ فَحَقُّهُ أَطْلَقَ لَهُ , وَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ , وَمَنْ مُنِعَ فَحَقُّهُ مُنِعَ مِنْهُ وَالْمَانِعُ مِنْ الْحَقِّ ظَالِمٌ , وَلاَ إثْمَ عَلَى الْمَمْنُوعِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا
542 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ مِنْ أَثَرِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ , وَمِنْ أَوَّلِ أَخْذِهَا فِي الزَّوَالِ وَالْمَيْلِ إلَى أَنْ تُقْضَى صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ قَدْ مُنِعَ أَهْلُهَا الْجُمُعَةَ أَوْ كَانَ سَاكِنًا بَيْنَ الْكُفَّارِ , وَلاَ مُسْلِمَ مَعَهُ : فَإِلَى أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَ يَوْمِهِ , أَوْ يُصَلُّوا ذَلِكَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ , فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ : فَإِلَى أَنْ يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ أَبَدًا إنْ وَقَعَ ، وَلاَ يُصَحِّحُهُ خُرُوجُ الْوَقْتِ , سَوَاءٌ كَانَ التَّبَايُعُ مِنْ مُسْلِمِينَ , أَوْ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ , أَوْ مِنْ كَافِرِينَ. وَلاَ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ : نِكَاحٌ , وَلاَ إجَازَةٌ , وَلاَ سَلَمٌ , وَلاَ مَا لَيْسَ بَيْعًا
وقال مالك كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ مُسْلِمٌ , وَفِي النِّكَاحِ , وَعَقْدِ الإِجَارَةِ , وَالسَّلَمِ , وَأَبَاحَ الْهِبَةَ , وَالْقَرْضَ , وَالصَّدَقَةَ
وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : الْبَيْعُ , وَالنِّكَاحُ , وَالإِجَارَةُ , وَالسَّلَمُ : جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَوَقْتُ النِّدَاءِ : هُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ , فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلاَةِ وَأَبَاحَهُ بَعْدَهَا , فَهُوَ كَمَا
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ , وَلَمْ يُحَرِّمْ تَعَالَى نِكَاحًا , وَلاَ إجَارَةً , وَلاَ سَلَمًا , وَلاَ مَا لَيْسَ بَيْعًا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الصَّلاَةِ غَيْرَ مُتَشَاغِلٍ بِهَا فَجَازَ كُلُّ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ السَّعْيِ إلَى الصَّلاَةِ. فَظَهَرَ تَنَاقُضُ قَوْلِ مَالِكٍ وَفَسَادُهُ فَإِنْ كَانَ جَعَلَ عِلَّةَ كُلِّ ذَلِكَ : التَّشَاغُلَ , سَأَلْنَاهُمْ عَمَّنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَلْ بَاعَ أَوْ أَنْكَحَ , أَوْ أَجَرَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الْجُمُعَةِ , أَوْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : يُفْسَخُ , فَبَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِالتَّشَاغُلِ , فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلُوا بِالتَّشَاغُلِ فَقَدْ قَاسُوا عَلَى غَيْرِ عِلَّةٍ , وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : بِالْقِيَاسِ , فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لاَ يَقُولُ بِهِ فَإِنْ قَالَ : النِّكَاحُ بَيْعٌ ,
قلنا : هَذَا بَاطِلٌ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بَيْعًا ، وَلاَ رَسُولُهُ r . وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَبِيعَ : فَنَكَحَ أَوْ أَجَرَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ يَحْنَثُ وَاعْتَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ : بِأَنَّ النَّهْيَ ، عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّشَاغُلِ ، عَنِ الْجُمُعَةِ فَقَطْ
قال أبو محمد : وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ , وَقَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يُخْبِرَ ، عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ r . وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى خَطَأِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَنِّهِ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ , فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ
قلنا : وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمُوهُ فَإِنْ ادَّعَيْتُمْ ضَرُورَةً كَذَبْتُمْ , لاَِنَّنَا غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى عِلْمِ ذَلِكَ , وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ , وَإِنْ ادَّعَوْا دَلِيلاً سُئِلُوهُ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ , فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الظَّنُّ وَقَالُوا : نَحْنُ مَنْهِيُّونَ ، عَنِ الْبَيْعِ فِي الصَّلاَةِ , وَلَوْ بَاعَ امْرُؤٌ فِي صَلاَتِهِ : نَفَذَ الْبَيْعُ .
.
فَقُلْنَا لَهُمْ : إنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلاَةِ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ إذَا وَقَعَ عَمْدًا أَبْطَلَهَا , فَلَيْسَ حِينَئِذٍ فِي صَلاَةٍ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ , وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلاَةٍ فَبَاعَ , أَوْ نَكَحَ , أَوْ أَنْكَحَ , أَوْ عَمِلَ مَا لاَ يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; لإِنَّ الْحَالَ الَّتِي هُوَ فِيهَا مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ , وَهِيَ حَالٌ ثَابِتَةٌ , فَمَا ضَادَّهَا فَبَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ , أَوْ نَكَحَ , أَوْ طَلَّقَ , أَوْ أَعْتَقَ , وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ إلاَّ مِقْدَارُ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ , لاَِنَّهُ مَنْهِيٌّ ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ.
وَقَالَ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ أَمْرًا بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ r .
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " لاَ يَصْلُحُ الْبَيْعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى بِالصَّلاَةِ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَاشْتَرِ وَبِعْ ". وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَسَخَ بَيْعًا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ
قال أبو محمد : وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ , وَالْحَنَفِيُّونَ , لأَنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَهَذَا مَكَانٌ لاَ يُعْرَفُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَتَنَاقَضَ الْمَالِكِيُّونَ أَيْضًا , لأَنَّهُمْ حَمَلُوا قوله تعالى : وَذَرُوا الْبَيْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ , وَلَمْ يَحْمِلُوا أَمْرَهُ تَعَالَى بِتَمْتِيعِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى الإِيجَابِ وَقَالُوا : لَفْظَةُ " ذَرْ " لاَ تَكُونُ إلاَّ لِلتَّحْرِيمِ .
فَقُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ فَهَذِهِ لِلْوَعِيدِ لاَ لِلتَّحْرِيمِ
وَأَمَّا مَنْعُنَا أَهْلَ الْكُفْرِ مِنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ : فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِحُكْمِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ ، وَلاَ بُدَّ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
* * *


صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ
543 - مَسْأَلَةٌ : هُمَا عِيدُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ , وَهُوَ : أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ , وَيَوْمُ الأَضْحَى : وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرُهُمَا , إلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الأَضْحَى ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عِيدًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , وَلاَ رَسُولُهُ r .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ يَحْرُمُ الْعَمَلُ , وَلاَ الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ : لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ رَسُولُهُ r ، وَلاَ خِلاَفَ أَيْضًا بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي هَذَا وَسُنَّةُ صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ : أَنْ يَبْرُزَ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ إلَى فَضَاءٍ وَاسِعٍ بِحَضْرَةِ مَنَازِلِهِمْ ضَحْوَةً إثْرَ ابْيِضَاضِ الشَّمْسِ , وَحِينَ ابْتِدَاءِ جَوَازِ التَّطَوُّعِ. وَيَأْتِي الإِمَامُ فَيَتَقَدَّمُ بِلاَ أَذَانٍ ، وَلاَ إقَامَةٍ , فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ , وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ " أُمُّ الْقُرْآنِ " وَسُورَةٌ , وَتُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ فِي الآُولَى " ق ". وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ " أَوْ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ". وَ " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ". وَمَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ. وَيُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الآُولَى إثْرَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ : سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ مُتَّصِلَةٍ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَيُكَبِّرُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ إثْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ : خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ. يَجْهَرُ بِجَمِيعِهِنَّ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلاَّ حَيْثُ يَرْفَعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ. وَلاَ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ إلاَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَقَطْ. فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً , فَإِذَا أَتَمَّهُمَا افْتَرَقَ النَّاسُ. فَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلَيْسَتْ خُطْبَةً , وَلاَ يَجِبُ الإِنْصَاتُ لَهُ , كُلُّ هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ إلاَّ فِي مَوَاضِعَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا : مَا يُقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَفِي صِفَةِ التَّكْبِيرِ وَأَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ : تَأْخِيرَ الْخُرُوجِ إلَى الْعِيدِ , وَتَقْدِيمَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَالأَذَانِ وَالإِقَامَةِ
فأما الَّذِي يُقْرَأُ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " : فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى سُورَةٍ بِعَيْنِهَا. وَشَاهَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ لاَ يَقْرَءُونَ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " " إلاَّ " " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " , وَ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ". وَهَذَانِ الاِخْتِيَارَانِ : فَاسِدَانِ , وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ كَذَلِكَ جَائِزَةً. وَإِنَّمَا نُنْكِرُ اخْتِيَارَ ذَلِكَ , لاَِنَّهُمَا خِلاَفُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى فَقَالَ : كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ.
قال أبو محمد : عُبَيْدُ اللَّهِ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ وَسَمِعَ مِنْهُ , وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ , وَلَمْ يَصِحَّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا وَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلاَنَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ , وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ كِلاَهُمَا ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ : سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وَاخْتِيَارُنَا هُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ وَمِنْهَا التَّكْبِيرُ , فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : يُكَبِّرُ لِلإِحْرَامِ ثُمَّ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ يَجْهَرُ بِهَا , وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ , ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , فَإِذَا قَامَ بَعْدَ السُّجُودِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ لِلإِحْرَامِ ثُمَّ قَرَأَ , فَإِذَا أَتَمَّ السُّورَةَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ كَبَّرَ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ جَهْرًا , يَرْفَعُ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ يَدَيْهِ , ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ.
وقال مالك : سَبْعًا فِي الآُولَى بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ , وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ السَّلَفِ ، رضي الله عنهم ، فَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ t أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى , وَالاِسْتِسْقَاءِ سَبْعًا فِي الآُولَى , وَخَمْسًا فِي الآخِرَةِ , وَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ , وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ , إلاَّ أَنَّ فِي الطَّرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى , وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : أَنَّ عَلِيًّا
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ كِلاَهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الآُولَى سَبْعًا , وَفِي الآُخْرَى خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَهَذَا سَنَدٌ كَالشَّمْسِ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ , وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ , فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ، عَنِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ , ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ , ثُمَّ يَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ , وَقَتَادَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، هُوَ ابْنُ نَوْفَلٍ قَالَ : كَبَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَةِ الآُولَى أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ , ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلاَةِ وَهَذَانِ إسْنَادَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَبِهَذَا تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ ,
قال أبو محمد : أَيْنَ وُجِدَ لِهَؤُلاَءِ ، رضي الله عنهم ، أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مَا قَالَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَوَّذَ إثْرَ الآُولَى ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاَثًا , وَأَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَهُنَّ فَبَطَلَ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِصَاحِبٍ. وَأَطْرَفُ ذَلِكَ أَمْرُهُ بِرَفْعِ الأَيْدِي فِي التَّكْبِيرِ , الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَفَعَ فِيهِ يَدَيْهِ , وَنَهْيُهُ ، عَنْ رَفْعِ الأَيْدِي فِي التَّكْبِيرِ فِي الصَّلاَةِ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ عَكْسَ الْحَقَائِقِ , وَخِلاَفَ السُّنَنِ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ قَالَ : يُكَبِّرُ تِسْعًا أَوْ إحْدَى عَشَرَةَ , أَوْ ثَلاَثَ عَشَرَةَ وَهَذَا سَنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : التَّكْبِيرُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَةِ الآُولَى أَرْبَعًا , وَفِي الآخِرَةِ ثَلاَثًا , وَالتَّكْبِيرُ سَبْعٌ سِوَى تَكْبِيرِ الصَّلاَةِ إلاَّ أَنَّ فِي الطَّرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قال أبو محمد : وَفِي هَذَا آثَارٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا : مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى , فِي الآُولَى : سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ , وَفِي الثَّانِيَةِ : خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الآُولَى وَخَمْسٌ فِي الآخِرَةِ , وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَاهُمَا. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ , وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لاَ يَصِحُّ كَمَنْ يَحْتَجُّ بِابْنِ لَهِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إذَا وَافَقَا هَوَاهُ , كَفِعْلِهِ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَيَرُدُّ رِوَايَتَهُمَا إذَا خَالَفَا هَوَاهُ هَذَا فِعْلُ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ , وَلاَ يُبَالِي بِأَنْ يَضِلَّ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُضِلَّ وَمِنْهَا خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مَكْحُولٍ أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ جَلِيسُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَضَرَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ , وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُكَبِّرُ فِي الأَضْحَى , وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا , تَكْبِيرُهُ عَلَى الْجَنَائِزِ , قَالَ حُذَيْفَةُ : صَدَقَ , قَالَ أَبُو مُوسَى كَذَلِكَ كُنْت أُكَبِّرُ بِالْبَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ.
قال أبو محمد : عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ ثَوْبَانَ ضَعِيفٌ وَأَبُو عَائِشَةَ مَجْهُولٌ , لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ، وَلاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ ، وَلاَ تَصِحُّ رِوَايَةٌ عَنْهُ لاَِحَدٍ , وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّينَ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقُولُونَ مِنْ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ فِي الآُولَى بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ , وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ , وَلاَ أَنَّ الآُولَى يُكَبِّرُ فِيهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ , وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ , بَلْ ظَاهِرُهُ أَرْبَعٌ فِي كِلْتَا الرَّكْعَتَيْنِ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا , كَمَا فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ. وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لإِنَّ تَكْبِيرَ الْجِنَازَةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ , وَهُمْ يَقُولُونَ : بِسِتٍّ فِي كِلْتَا الرَّكْعَتَيْنِ دُونَ تَكْبِيرَتَيْ الإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ , أَوْ بِعَشْرِ تَكْبِيرَاتٍ إنْ عَدُّوا فِيهَا تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ , وَالْقِيَامِ , وَالرُّكُوعِ , وَلَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الأَيْدِي كَمَا زَعَمُوا , فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
قَالَ عَلِيٌّ :
وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِي الآُولَى سَبْعًا بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ , وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ دُونَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ , وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا , لاَِنَّهُ أَكْثَرُ مَا قِيلَ , وَالتَّكْبِيرُ خَيْرٌ , وَلِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ , فَلاَ يُحَقِّرُهَا إلاَّ مَحْرُومٌ , وَلَوْ وَجَدْنَا مَنْ يَقُولُ : بِأَكْثَرَ لَقُلْنَا بِهِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَالتَّكْبِيرُ خَيْرٌ بِلاَ شَكٍّ. وَاخْتِيَارُنَا هُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَمِنْهَا مَا أَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّلاَةِ , وَإِحْدَاثِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ , وَتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ , وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ : ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ يَعْقُوبُ : حدثنا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ عُمَرَ كِلاَهُمَا يَقُولُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَأَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ : شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , كُلُّهُمْ يُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا هِشَامُ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ جَمِيعًا : لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ , وَلاَ يَوْمَ الأَضْحَى
قَالَ عَلِيٌّ : لاَ أَذَانَ ، وَلاَ إقَامَةَ لِغَيْرِ الْفَرِيضَةِ , وَالأَذَانُ وَالإِقَامَةُ فِيهِمَا الدُّعَاءُ إلَى الصَّلاَةِ , فَلَوْ أُمِرَ عليه السلام بِذَلِكَ لَصَارَتْ تِلْكَ الصَّلاَةُ فَرِيضَةً بِدُعَائِهِ إلَيْهَا وَاعْتَلُّوا : بِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا إذَا صَلُّوا تَرَكُوهُمْ وَلَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ , وَذَلِكَ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَلْعَنُونَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ t , فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفِرُّونَ , وَحُقَّ لَهُمْ , فَكَيْفَ وَلَيْسَ الْجُلُوسُ لِلْخُطْبَةِ وَاجِبًا
حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْكَرْمَانِيُّ ، حدثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r الْعِيدَ فَصَلَّى , ثُمَّ قَالَ عليه السلام : قَدْ قَضَيْنَا الصَّلاَةَ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ , وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ.
قال أبو محمد : إنْ قِيلَ : إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الصَّبَّاحِ أَرْسَلَهُ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى
قلنا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا الْمُسْنِدُ زَائِدٌ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُرْسِلِ , فَكَيْفَ وَخُصُومُنَا أَكْثَرُهُمْ يَقُولُ : إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , قَالَ : لَيْسَ حَقًّا عَلَى النَّاسِ حُضُورُ الْخُطْبَةِ , يَعْنِي فِي الْعِيدَيْنِ وَالآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا
544 - مَسْأَلَةٌ : وَيُصَلِّيهِمَا , الْعَبْدُ , وَالْحُرُّ , وَالْحَاضِرُ , وَالْمُسَافِرُ , وَالْمُنْفَرِدُ , وَالْمَرْأَةُ وَالنِّسَاءُ : وَفِي كُلِّ قَرْيَةٍ , صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ , كَمَا ذَكَرْنَا , إلاَّ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لاَ يَخْطُبُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةٌ فِي الْبُرُوزِ إلَى الْمُصَلَّى صَلُّوا جَمَاعَةً فِي الْجَامِعِ لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي كَلاَمِنَا فِي الْقَصْرِ فِي صَلاَةِ السَّفَرِ وَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ صَلاَةَ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ , فَكَانَ هَذَا عُمُومًا , لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ ,
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَالصَّلاَةُ خَيْرٌ : وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا , إلاَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ لاَ تُصَلَّى إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ إلاَّ شَيْئًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ : لاَ جُمُعَةَ ، وَلاَ تَشْرِيقَ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . فَإِنْ كَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ t حُجَّةً فِي هَذَا فَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ ، عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يُصَلِّيَ بِضَعَفَةِ النَّاسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْعِيدِ فَإِنْ ضَعَّفُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ قِيلَ لَهُمْ : هِيَ أَقْوَى مِنْ الَّتِي تَعَلَّقْتُمْ بِهَا عَنْهُ أَوْ مِثْلُهَا , وَلاَ فَرْقَ , وَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ تُصَلَّى حَيْثُ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلاَتِهَا فِي الْمَوَاطِنِ وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا صَلَّيَا الْعِيدَ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَطَرٍ وَقَعَ يَوْمَ الْعِيدِ , وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَبْرُزُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ , فَهَذَا أَفْضَلُ , وَغَيْرُهُ يُجْزِئُ , لاَِنَّهُ فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
545 - مَسْأَلَةٌ : وَيَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى : النِّسَاءُ حَتَّى الأَبْكَارُ , وَالْحُيَّضُ وَغَيْرُ الْحُيَّضِ , وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى ,
وَأَمَّا الطَّوَاهِرُ فَيُصَلِّينَ مَعَ النَّاسِ , وَمَنْ لاَ جِلْبَابَ لَهَا فَلْتَسْتَعِرْ جِلْبَابًا وَلْتَخْرُجْ , فَإِذَا أَتَمَّ الإِمَامُ الْخُطْبَةَ فَنَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ يَعِظُهُنَّ وَيَأْمُرْهُنَّ بِالصَّدَقَةِ , وَتُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الصَّدَقَةُ يَوْمَئِذٍ بِمَا تَيَسَّرَ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حدثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ : كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِينَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ , فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ قَالَ : وَذَوَاتُ الْخُدُورِ شَكَّ أَيُّوبُ وَالْحُيَّضُ , فَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى , وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا هِشَامُ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى : الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ , وَذَوَاتَ الْخُدُورِ ,
فأما الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ , وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ : لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَامَ النَّبِيُّ r يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى , فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ , ثُمَّ خَطَبَ , فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ , وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ , تُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً. وَقُلْت لِعَطَاءٍ : أَتَرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ , يَأْتِيَهُنَّ وَيُذَكِّرَهُنَّ قَالَ : إنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ , وَمَا لَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَهُ وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : شَهِدْتُ صَلاَةَ الْفِطْرِ مَعَ النَّبِيِّ r وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ , فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ , فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ r كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَ يَجْلِسُ الرِّجَالُ بِيَدِهِ , ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ , حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ , ثُمَّ قَالَ : أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا مِنْهُنَّ : نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ , قَالَ : فَتَصَدَّقْنَ , فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ , ثُمَّ قَالَ : هَلُمَّ فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي , فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ r مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّهُ عليه السلام رَأَى حُضُورَ النِّسَاءِ الْمُصَلَّى , وَأَمَرَ بِهِ , فَلاَ وَجْهَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَهُ ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لِلْمُخَالِفِ إلاَّ رِوَايَةٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَنَعَهُنَّ , وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلاَفُهَا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِابْنِ عُمَرَ إلاَّ أَنَّهُ إذْ مَنَعَهُنَّ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r فَإِذَا بَلَغَهُ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ كَمَا فَعَلَ إذْ سَبَّ ابْنَهُ أَشَدَّ السَّبِّ إذْ سَمِعَهُ يَقُولُ : نَمْنَعُ النِّسَاءَ الْمَسَاجِدَ لَيْلاً ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَوْ ادَّعَى امْرُؤٌ الإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْعِيدَيْنِ , وَأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ : لَصُدِّقَ , لاَِنَّنَا لاَ نَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَوْ بَلَغَهُ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ : فَقَدْ سَلَّمَ وَرَضِيَ وَأَطَاعَ , وَالْمَانِعُ مِنْ هَذَا مُخَالِفٌ لِلإِجْمَاعِ وَلِلسُّنَّةِ
546 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ السَّيْرَ إلَى الْعِيدِ عَلَى طَرِيقٍ وَالرُّجُوعَ عَلَى آخَرَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلاَ حَرَجَ , لاَِنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالْقَوِيَّةِ
547 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ : صُلِّيَ لِلْعِيدِ , ثُمَّ لِلْجُمُعَةِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يَصِحُّ أَثَرٌ بِخِلاَفِ ذَلِكَ لإِنَّ فِي رُوَاتِهِ : إسْرَائِيلَ , وَعَبْدَ الْحُمَيْدِ بْنَ جَعْفَرٍ , وَلَيْسَا بِالْقَوِيَّيْنِ , وَلاَ مُؤْنَةَ عَلَى خُصُومِنَا مِنْ الاِحْتِجَاجِ بِهِمَا إذَا وَافَقَ مَا رَوَيَاهُ تَقْلِيدَهُمَا , وَهُنَا خَالَفَا رِوَايَتَهُمَا
فأما رِوَايَةُ إسْرَائِيلَ , فَإِنَّهُ رَوَى ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ : أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عِيدَيْنِ قَالَ : نَعَمْ صَلَّى الْعِيدَ أَوَّلَ النَّهَارِ , ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ. وَرَوَى عَبْدُ الْحُمَيْدِ بْنُ جَعْفَرٍ : حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ " اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ , ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ فَأَطَالَ , ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَلَمْ يُصَلِّ لِلنَّاسِ يَوْمَئِذٍ الْجُمُعَةَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَصَابَ السُّنَّةَ ".
قال أبو محمد : الْجُمُعَةُ فَرْضٌ وَالْعِيدُ تَطَوُّعٌ , وَالتَّطَوُّعُ لاَ يُسْقِطُ الْفَرْضَ.
548 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّكْبِيرُ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ : فَرْضٌ , وَهُوَ فِي لَيْلَةِ عِيدِ الأَضْحَى : حَسَنٌ. قَالَ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ. فَبِإِكْمَالِ عِدَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَجَبَ التَّكْبِيرُ , وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ تَكْبِيرَةٌ.
وَأَمَّا لَيْلَةُ الأَضْحَى وَيَوْمُهُ , وَيَوْمُ الْفِطْرِ : فَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ , لَكِنَّ التَّكْبِيرَ فِعْلُ خَيْرٍ وَأَجْرٍ
549 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ الأَكْلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ حَرَجَ , مَا لَمْ يَرْغَبْ ، عَنِ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ أَكَلَ يَوْمَ الأَضْحَى قَبْلَ غُدُوِّهِ إلَى الْمُصَلَّى فَلاَ بَأْسَ , وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ فَحَسَنٌ , وَلاَ يَحِلُّ صِيَامُهَا أَصْلاً :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ
قال أبو محمد : يَلْزَمُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يُوجِبَ : التَّمْرَ , دُونَ غَيْرِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ الْمَسْجِدِ , وَلاَ أَعْلَمُهُ أَكَلَ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ , وَالأَسْوَدِ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : لاَ تَأْكُلُوا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا يَوْمَ الْفِطْرِ إنْ شِئْتُمْ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : إنْ شَاءَ طَعِمَ يَوْمَ الْفِطْرِ , وَالأَضْحَى , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَطْعَمْ
550 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَهُمَا فِي الْمُصَلَّى حَسَنٌ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ حَرَجَ , لإِنَّ التَّنَفُّلَ فِعْلُ خَيْرٍ.
فإن قيل : قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا , وَلاَ بَعْدَهُمَا
قلنا : نَعَمْ ; لاَِنَّهُ عليه السلام كَانَ الإِمَامَ , وَكَانَ مَجِيئُهُ إلَى التَّكْبِيرِ لِصَلاَةِ الْعِيدِ بِلاَ فَصْلٍ , وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام قَطُّ لاَ بِإِيجَابٍ ، وَلاَ بِكَرَاهَةٍ ، عَنِ التَّنَفُّلِ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا , وَلَوْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِبَيْنِهَا عليه السلام. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي لَيْلَةٍ عَلَى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , أَفَتَكْرَهُونَ الزِّيَادَةَ أَوْ تَمْنَعُونَ مِنْهَا فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فُرِّقُوا ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ
وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ : كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ , وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , وَالْحَسَنُ , وَأَخُوهُ سَعِيدٌ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ يُصَلُّونَ قَبْلَ خُرُوجِ الإِمَامِ وَبَعْدَهُ : يَعْنِي فِي الْعِيدَيْنِ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ : رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَالْحَسَنَ يُصَلِّيَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيدِ. وَعَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , وَالْحَسَنَ , وَأَخَاهُ سَعِيدًا , وَأَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ : يُصَلُّونَ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ خُرُوجِ الإِمَامِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَتَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لاَ أَكُونُ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى
551 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّكْبِيرُ إثْرَ كُلِّ صَلاَةٍ , وَفِي الأَضْحَى , وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَيَوْمِ عَرَفَةَ : حَسَنٌ كُلُّهُ ; لإِنَّ التَّكْبِيرَ فِعْلُ خَيْرٍ , وَلَيْسَ هَهُنَا أَثَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r بِتَخْصِيصِ الأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهَا.
وَرُوِّينَا ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَأَبِي وَائِلٍ , وَأَبِي يُوسُفُ , وَمُحَمَّدٍ : اسْتِحْبَابَ التَّكْبِيرِ غَدَاةَ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْعَصْرِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ كِلاَهُمَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ صَلاَةَ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ فِي رِوَايَتِهِ : اللَّهُ أَكْبَرُ , اللَّهُ أَكْبَرُ , لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ , اللَّهُ أَكْبَرُ , اللَّهُ أَكْبَرُ , الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ مِثْلُ هَذَا ,
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ : مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قال أبو محمد : مَنْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى تَكْبِيرِ أَيَّامِ مِنًى فَقَدْ أَخْطَأَ , لاَِنَّهُ قَاسَ مَنْ لَيْسَ بِحَاجٍّ عَلَى الْحَاجِّ , وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُمْ لاَ يَقِيسُونَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي التَّلْبِيَةِ , فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّكْبِيرِ. وَلاَ مَعْنَى لِمَنْ قَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي الأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ. وَقَالَ : إنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَمَا بَعْدَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ; لاَِنَّهُ دَعْوَى فَاسِدَةٌ , وَمَا حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذِكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَيَّامِ ، وَلاَ مَعْنَى لِمَنْ اقْتَصَرَ بِالْمَعْلُومَاتِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ ; لإِنَّ النَّصَّ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ , وَأَنَّ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ هُوَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ , فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
552 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ يَوْمَ الْفِطْرِ , وَلاَ يَوْمَ الأَضْحَى لِصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ : خَرَجَ لِصَلاَتِهِمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي , وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ غُدْوَةً خَرَجَ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ , لاَِنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ ,
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلاَلَ بِالأَمْسِ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إلَى مُصَلاَّهُمْ.
قال أبو محمد : هَذَا مُسْنَدٌ صَحِيحٌ , وَأَبُو عُمَيْرٍ مَقْطُوعٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَامِهِ مَنْ صَحَّتْ صُحْبَتُهُ مِمَّنْ لَمْ تَصِحَّ صُحْبَتُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا عِلَّةً مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا , وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، رضي الله عنهم ، , لِثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِي الثَّانِي مِنْ الأَضْحَى وَخَرَجَ فِي الثَّالِثِ فَقَدْ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ , وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ.
553 - مَسْأَلَةٌ : وَالْغِنَاءُ وَاللَّعِبُ وَالزَّفْنُ فِي أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ حَسَنٌ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، وَأَخْبَرَنَا عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ هُوَ يَتِيمُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r ، وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءٍ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ : مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r ، فَقَالَ : دَعْهَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا , وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ , يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ , فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ، وَإِمَّا قَالَ : تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ , فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ , خَدِّي عَلَى خَدِّهِ , وَهُوَ يَقُولُ : دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إذَا مَلِلْتُ قَالَ : حَسْبُكِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : فَاذْهَبِي .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَُيْلِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ , وَرَسُولُ اللَّهِ r مُسَجًّى بِثَوْبِهِ , فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ , فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْهُ وَقَالَ : دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ .
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَدَعَانِي النَّبِيُّ r ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ , فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ , حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ .
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r ، بِحِرَابِهِمْ إذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , فَأَهْوَى إلَيْهِمْ لِيَحْصِبَهُمْ بِالْحَصْبَاءِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ، دَعْهُمْ يَا عُمَرُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَيْنَ يَقَعُ إنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ مِنْ إنْكَارِ سَيِّدَيْ هَذِهِ الأُُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا r - أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ رضي الله عنهما - ؟ وَقَدْ أَنْكَرَ عليه السلام عَلَيْهِمَا إنْكَارَهُمَا , فَرَجَعَا عَنْ رَأْيِهِمَا إلَى قَوْلِهِ عليه السلام
صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ
554 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : إنْ قَحَطَ النَّاسُ أَوْ أَشْتَدَّ الْمَطَرُ حَتَّى يُؤْذِيَ فَلْيَدْعُ الْمُسْلِمُونَ فِي إدْبَارِ صَلَوَاتِهِمْ وَسُجُودِهِمْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ , وَيَدْعُو الإِمَامُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَالَ رَبُّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلَوْلاَ إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ. فَإِنْ أَرَادَ الإِمَامُ الْبُرُوزَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ خَاصَّةً لاَ فِيمَا سِوَاهُ فَلْيَخْرُجْ مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا إلَى مَوْضِعِ الْمُصَلَّى وَالنَّاسُ مَعَهُ , فَيَبْدَأُ فَيَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَةً يُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الاِسْتِغْفَارِ , وَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَظَهْرَهُ إلَى النَّاسِ , فَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى رَافِعًا يَدَيْهِ , ظُهُورُهُمَا إلَى السَّمَاءِ , ثُمَّ يَقْلِبُ رِدَاءَهُ أَوْ ثَوْبَهُ الَّذِي يَتَغَطَّاهُ , فَيَجْعَلُ بَاطِنَهُ ظَاهِرَهُ , وَأَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ , وَمَا عَلَى مَنْكِبٍ مِنْ مَنْكِبَيْهِ عَلَى الْمَنْكِبِ الآخَرِ , وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ. ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ , كَمَا
قلنا فِي صَلاَةِ الْعِيدِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ , بِلاَ أَذَانٍ ، وَلاَ إقَامَةٍ , إلاَّ أَنَّ صَلاَةَ الاِسْتِسْقَاءِ يَخْرُجُ فِيهَا الْمِنْبَرُ إلَى الْمُصَلَّى , وَلاَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ , فَإِذَا سَلَّمَ انْصَرَفَ وَانْصَرَفَ النَّاسُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم ، حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو , ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ , ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي كِنَانَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَقَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا , فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ , لَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي التَّضَرُّعِ , وَالدُّعَاءِ , وَالتَّكْبِيرِ , وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ.
قال أبو محمد : أَمَّا الاِسْتِغْفَارُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا. وَتَحْوِيلُ الرِّدَاءِ يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وقال مالك : بِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ
وقال الشافعي : صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ كَصَلاَةِ الْعِيدِ وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنِ السَّلَفِ خِلاَفَ هَذَا , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r .
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ : أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعَثَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ هُوَ الْخِطْمِيُّ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ , فَخَرَجَ فَاسْتَسْقَى بِالنَّاسِ , وَفِيهِمْ : الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ , وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ , فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ.
قال أبو محمد : لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ هَذَا صُحْبَةٌ بِالنَّبِيِّ r وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ , وَالْفِطْرِ , وَالأَضْحَى سَبْعًا فِي الآُولَى , وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ , وَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ , وَلَكِنْ فِي الطَّرِيقِ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى , وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ.
وَرُوِّينَا : أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَدَعَا فِي الاِسْتِسْقَاءِ , ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ.
قال أبو محمد : وَلاَ يُمْنَعُ الْيَهُودُ , وَلاَ الْمَجُوسُ , وَلاَ النَّصَارَى : مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الاِسْتِسْقَاءِ لِلدُّعَاءِ فَقَطْ , وَلاَ يُبَاحُ لَهُمْ إخْرَاجُ نَاقُوسٍ ، وَلاَ شَيْءَ يُخَالِفُ دِينَ الإِسْلاَمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
﴿صَلاَةُ الْكُسُوف﴾
555 - مَسْأَلَةٌ : صَلاَةُ الْكُسُوفِ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ التَّطَوُّعِ , وَهَذَا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ , وَفِي كُسُوفِ الْقَمَرِ أَيْضًا :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حدثنا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ , حَتَّى انْتَهَى إلَى الْمَسْجِدِ , فَثَابَ النَّاسَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ , فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ , فَقَالَ : إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ , وَإِنَّهُمَا لاَ يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ r مَاتَ , يُقَالُ لَهُ : إبْرَاهِيمُ , فَقَالَ نَاسٌ فِي ذَلِكَ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا يَزِيدُ ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ , فَقَامَ إلَى الْمَسْجِدِ يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنْ الْعَجَلَةِ , فَقَامَ إلَيْهِ النَّاسُ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلُّونَ , فَلَمَّا انْجَلَتْ خَطَبَنَا , فَقَالَ : إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَإِنَّهُمَا لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفَ أَحَدِهِمَا فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ.
وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ. فَأَخَذَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ : صَلَّى فِي الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ :
فإن قيل : قَدْ خَطَّأَهُ أَخُوهُ عُرْوَةُ
قلنا : عُرْوَةُ أَحَقُّ بِالْخَطَأِ ; لإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَاحِبٌ , وَعُرْوَةَ لَيْسَ بِصَاحِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ عَمِلَ بِعِلْمٍ , وَأَنْكَرَ عُرْوَةُ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ.
قال أبو محمد : وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَلَّى لِكُسُوفِ الشَّمْسِ , وَلِكُسُوفِ الْقَمَرِ فِي جَمَاعَةٍ , وَلَوْ صَلَّى ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ تَظْهَرُ مِنْ زَلْزَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَكَانَ حَسَنًا , لاَِنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ , ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ , هَكَذَا حَتَّى يَنْجَلِيَ الْكُسُوفُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ , وَالآيَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، حدثنا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا قَوْلَهُ عليه السلام فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ , كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَأَبِي مَسْعُودٍ , بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَا. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ : عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَالَ الرَّبِيعُ : عَنِ الْحَسَنِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ ، وَإِبْرَاهِيمُ قَالاَ جَمِيعًا فِي الْكُسُوفِ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ , وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَدَعَا بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا , فَإِذَا انْجَلَى الْكُسُوفُ قَرَأَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ هَذَا فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالآيَاتِ أَيْضًا :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْعَلاَءِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : كُنْتُ أَرْمِي بِأَسْهُمٍ لِي فِي الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ , فَنَبَذْتُهَا , وَقُلْتُ : وَاَللَّهِ لاََنْظُرَنَّ إلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ , قَالَ : فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلاَةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ , فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ , وَيُكَبِّرُ , وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا , فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَإِنْ شَاءَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً إنْ كُسِفَتْ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَإِنْ كُسِفَتْ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الظُّهْرِ إلَى أَخْذِهَا فِي الْغُرُوبِ : صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , كَصَلاَةِ الظُّهْرِ , أَوْ الْعَصْرِ وَفِي كُسُوفِ الْقَمَرِ خَاصَّةً : إنْ كُسِفَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ : صَلَّى ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ كَصَلاَةِ الْمَغْرِبِ. وَإِنْ كُسِفَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ إلَى الصُّبْحِ : صَلَّى أَرْبَعًا : كَصَلاَةِ الْعَتَمَةِ :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حدثنا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَخَرَجَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَزِعًا , حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ , فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بِنَا حَتَّى انْجَلَتْ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَالَ : إنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ إلاَّ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ , وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنَّ اللَّهَ إذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلاَةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ.
فإن قيل : إنَّ أَبَا قِلاَبَةَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ قَبِيصَةَ الْعَامِرِيِّ
قلنا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَأَبُو قِلاَبَةَ قَدْ أَدْرَكَ النُّعْمَانَ فَرَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا ، عَنْ آخَرَ فَحَدَّثَ بِكِلْتَا رِوَايَتَيْهِ , وَلاَ وَجْهَ لِلتَّعَلُّلِ بِمِثْلِ هَذَا أَصْلاً ، وَلاَ مَعْنًى لَهُ وَإِنْ شَاءَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ , يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ , فَيَقْرَأُ. ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ أُخْرَى , فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ , كَمَا وَصَفْنَا , ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ , ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي ثَوْرٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ , ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً , ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ , ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ , ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ , ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ , ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ , ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ. وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَهُ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ , يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ : ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ أَيْضًا رَكْعَةً فِيهَا ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا , ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَسْجُدُ , ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. وَقَدْ
رُوِّينَا مَا يُظَنُّ فِيهِ هَذَا الْفِعْلُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : أَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ بِالْبَصْرَةِ , قَامَ بِالنَّاسِ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا , ثُمَّ قَرَأَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْرَأَ , ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ فِي الزَّلْزَلَةِ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ , ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ , ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ , ثُمَّ رَكَعَ , ثُمَّ سَجَدَ , ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ , فَصَارَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. وَقَالَ : هَكَذَا صَلاَةُ الآيَاتِ قَالَ قَتَادَةُ : صَلَّى حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ بِأَصْحَابِهِ مِثْلَ صَلاَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الآيَاتِ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ , وَفَعَلَ فِي الآُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : صَلاَةُ الآيَاتِ سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ , يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ , ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً بِسَوَاءٍ , ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَعَنْ عَلِيٍّ t مِثْلُ ذَلِكَ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، حدثنا حَبِيبُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ , قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ , ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ , ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ , ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ , ثُمَّ سَجَدَ , قَالَ : وَالآُخْرَى مِثْلُهَا.
وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ فَعَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ , وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلَ أَخْبَرَهُ أَنَّ طَاوُوسًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ : صَلَّى إذْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى ظَهْرِ صِفَةِ زَمْزَمَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ , فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ , كَمَا رَوَى. وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً رَكْعَتَيْنِ , فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ رَكَعَاتٍ , يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ , ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ كَذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ فِي صَلاَةِ الآيَاتِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ النَّبِيَّ r صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُبَيَّنًا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ بِصِفَةِ الْعَمَلِ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فُضَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى فِي كُسُوفٍ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ
قال أبو محمد : كُلُّ هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَمَّنْ عَمِلَ بِهِ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ
وَرُوِيَ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدَوِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَنَّ صِفَةَ صَلاَةِ الْكُسُوفِ : أَنْ يَقْرَأَ ثُمَّ يَرْكَعَ فَإِنْ لَمْ تَنْجَلِ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ , فَقَرَأَ هَكَذَا أَبَدًا حَتَّى تَنْجَلِيَ , فَإِذَا انْجَلَتْ سَجَدَ ثُمَّ رَكَعَ الثَّانِيَةَ. وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نَحْوَ هَذَا
قال أبو محمد : لاَ يَحِلُّ الاِقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الآثَارِ دُونَ بَعْضٍ ; لاَِنَّهَا كُلَّهَا سُنَنٌ , وَلاَ يَحِلُّ النَّهْيُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ
فأما مَالِكٌ : فَإِنَّهُ فِي اخْتِيَارِهِ بَعْضِ مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما وَتَقْلِيدُ أَصْحَابِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ : هَادِمُونَ أَصْلاً لَهُمْ كَبِيرًا , وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رَوَيَا مِمَّا اخْتَارَهُ مَالِكٌ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وَمِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ الصَّاحِبَ إذَا صَحَّ عَنْهُ خِلاَفَ مَا رَوَى كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى نَسْخِهِ ; لاَِنَّهُ لاَ يَتْرُكُ مَا رَوَى إلاَّ لإِنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا بِسُنَّةٍ هِيَ أَوْلَى مِنْ الَّتِي تَرَكَ , وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ : فَإِنَّهُمْ عَارَضُوا سَائِرَ مَا رُوِيَ بِأَنْ قَالُوا : لَمْ نَجِدْ فِي الآُصُولِ صِفَةَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَعْمَالِ
قال أبو محمد : وَهَذَا ضَلاَلٌ يُؤَدِّي إلَى الاِنْسِلاَخِ مِنْ الإِسْلاَمِ لأَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنْ لاَ يُؤْخَذَ لِرَسُولِ اللَّهِ r سُنَّةٌ , وَلاَ يُطَاعَ لَهُ أَمْرٌ : إلاَّ حَتَّى يُوجَدَ فِي سَائِرِ الدِّيَانَةِ حُكْمٌ آخَرُ مِثْلُ هَذَا الَّذِي خَالَفُوا , وَمَعَ هَذَا فَهُوَ حُمْقٌ مِنْ الْقَوْلِ. وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ لاَ تُؤْخَذَ لِلَّهِ شَرِيعَةٌ إلاَّ حَتَّى تُوجَدَ أُخْرَى مِثْلُهَا وَإِلاَّ فَلاَ وَمَا نَدْرِي هَذَا يَجِبُ , لاَ بِدَيْنٍ ، وَلاَ بِعَقْلٍ , وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ , وَلاَ بِقَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ , وَمَا هُمْ بِأَوْلَى مِنْ آخَرَ , قَالَ : بَلْ لاَ آخُذُ بِهَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرَيْنِ أَوْ مِنْ ثَالِثٍ قَالَ : لاَ حَتَّى أَجِدَ لَهَا ثَلاَثَ نَظَائِرَ وَالزِّيَادَةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ لاَ دِينَ لَهُ ، وَلاَ عَقْلَ ، وَلاَ حَيَاءَ ثُمَّ نَقَضُوا هَذَا فَجَوَّزُوا صَلاَةَ الْخَوْفِ كَمَا جَوَّزُوهَا , وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا فِي الآُصُولِ نَظِيرًا , فِي أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ فِي الصَّلاَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا مُخْتَارًا لِلْوُقُوفِ , لاَ يُصَلِّي بِصَلاَةِ إمَامِهِ , وَلاَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَجَوَّزُوا الْبِنَاءَ فِي الْحَدَثِ , وَلَمْ يَجِدُوا فِي الآُصُولِ لَهَا نَظِيرًا , أَنْ يَكُونَ فِي صَلاَتِهِ بِلاَ طَهَارَةٍ , ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ عَمَلَ صَلاَتِهِ , وَلاَ هُوَ خَارِجٌ عَنْهَا , وَالْقَوْمُ لاَ يُبَالُونَ بِمَا قَالُوا
وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ يَجْهَرُ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ وَقَالَ مَنْ احْتَجَّ لَهُمْ : لَوْ جَهَرَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ r لَعُرِفَ بِمَا قَرَأَ
قال أبو محمد : هَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ , وَقَدْ عُرِفَ مَا قَرَأَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ هُوَ الرَّازِيّ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا ابْنُ نِمْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَانِ سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنِي أَبِي ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً فَجَهَرَ بِهَا فِي صِفَتِهَا لِصَلاَةِ الْكُسُوفِ
قال أبو محمد : قَطْعُ عَائِشَةَ , وَعُرْوَةَ , وَالزُّهْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ بِأَنَّهُ عليه السلام جَهَرَ فِيهَا : أَوْلَى مِنْ ظُنُونِ هَؤُلاَءِ الْكَاذِبَةِ. وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْ صَلاَةِ الْكُسُوفِ سُورَةً مِنْ الطُّوَلِ.
فإن قيل : إنَّ سَمُرَةَ رَوَى فَقَالَ : إنَّهُ عليه السلام صَلَّى فِي الْكُسُوفِ لاَ نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا
قلنا : هَذَا لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ , وَهُوَ مَجْهُولٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْهَرْ وَإِنَّمَا فِيهِ لاَ نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا وَصَدَقَ سَمُرَةُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ , وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْهُ لَسَمِعَهُ كَمَا سَمِعَتْهُ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، الَّتِي كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ الْقِبْلَةِ فِي حُجْرَتِهَا , وَكِلاَهُمَا صَادِقٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهِ " لَمْ يَجْهَرْ " لَكَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي خَبَرِ سَمُرَةَ , وَالزَّائِدُ أَوْلَى , أَوْ لَكَانَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ جَائِزًا لاَ يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ , فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا
قال أبو محمد : وَلاَ نَعْلَمُ اخْتِيَارَ الْمَالِكِيِّينَ رُوِيَ عَمَلُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِبَيَانِ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ
فإن قيل : كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الأَعْمَالُ صِحَاحًا كُلُّهَا وَإِنَّمَا صَلاَّهَا عليه السلام مَرَّةً وَاحِدَةً إذْ مَاتَ إبْرَاهِيمُ
قلنا : هَذَا هُوَ الْكَذِبُ وَالْقَوْلُ بِالْجَهْلِ :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عُمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى فِي كُسُوفٍ فِي صِفَةِ زَمْزَمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. فَهَذِهِ صَلاَةُ كُسُوفٍ كَانَتْ بِمَكَّةَ سِوَى الَّتِي كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ , وَمَا رَوَوْا قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلاَّ مَرَّةً ". وَكُسُوفُ الشَّمْسِ يَكُونُ مُتَوَاتِرًا , بَيْنَ كُلِّ كُسُوفَيْنِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ , فَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي أَنْ يُصَلِّيَ عليه السلام فِيهِ عَشْرَاتٍ مِنْ الْمَرَّاتِ فِي نُبُوَّتِهِ صُورَةُ الْمَرَاصِدِ الْفَلَكِيَّةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ
وَأَمَّا اقْتِصَارُنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي صَلاَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةً إلاَّ مَثْنَى مَثْنَى , إلاَّ صَلاَةٌ جَاءَ نَصٌّ جَلِيٌّ صَحِيحٌ بِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ مَثْنَى أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَثْنَى , كَمَا جَاءَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ , فَيُوقَفُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَلاَ تُضْرَبُ الشَّرَائِعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ , بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ وَإِنَّمَا
قلنا بِصَلاَةِ الْكُسُوفِ الْقَمَرِيِّ , وَالآيَاتِ فِي جَمَاعَةٍ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَيُصَلِّيهَا : النِّسَاءُ , وَالْمُنْفَرِدُ , وَالْمُسَافِرُونَ , كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
﴿سُجُودُ الْقُرْآنِ﴾
556 - مَسْأَلَةٌ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً
أَوَّلُهَا : فِي آخِرِ خَاتِمَةِ سُورَةِ الأَعْرَافِ ثُمَّ فِي الرَّعْدِ ثُمَّ فِي النَّحْلِ ثُمَّ فِي " سُبْحَانَ " ثُمَّ فِي " كهيعص " ثُمَّ فِي الْحَجِّ فِي الآُولَى وَلَيْسَ قُرْبُ آخِرِهَا سَجْدَةٌ ثُمَّ فِي الْفُرْقَانِ ثُمَّ فِي النَّمْلِ ثُمَّ فِي " الم تَنْزِيلُ " ثُمَّ فِي " ص " ثُمَّ فِي " حم " فُصِّلَتْ ثُمَّ فِي " وَالنَّجْمِ " فِي آخِرِهَا. ثُمَّ فِي " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " عِنْدَ قوله تعالى لاَ يَسْجُدُونَ ثُمَّ فِي " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " فِي آخِرِهَا. وَلَيْسَ السُّجُودُ فَرْضًا لَكِنَّهُ فَضْلٌ وَيَسْجُدُ لَهَا فِي الصَّلاَةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ , وَفِي غَيْرِ الصَّلاَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ , وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَاسْتِوَائِهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَلَى طَهَارَةٍ وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ.
فأما السَّجَدَاتُ الْمُتَّصِلَةُ إلَى " الم تَنْزِيلُ " فَلاَ خِلاَفَ فِيهَا , وَلاَ فِي مَوَاضِعِ السُّجُودِ مِنْهَا , إلاَّ فِي سُورَةِ النَّمْلِ , فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ قَالُوا : مَوْضِعُ السَّجْدَةِ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ قِرَاءَتِك رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ , بَلْ فِي تَمَامِ قِرَاءَتِك وَمَا تُعْلِنُونَ وَبِهَذَا نَقُولُ , لاَِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَوْضِعِ ذِكْرِ السُّجُودِ وَالأَمْرِ بِهِ , وَالْمُبَادَرَةُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ أَوْلَى. قَالَ تَعَالَى ﴿ سَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : فِي الْحَجِّ سَجْدَةٌ ثَانِيَةٌ قُرْبَ آخِرِهَا , عِنْدَ قوله تعالى : وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا فِي الصَّلاَةِ أَلْبَتَّةَ , لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِي الصَّلاَةِ سُجُودٌ لَمْ يَصِحَّ بِهِ نَصٌّ , وَالصَّلاَةُ تَبْطُلُ بِذَلِكَ ,
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ فَهُوَ حَسَنٌ , لاَِنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَإِنَّمَا لَمْ نُجِزْهُ فِي الصَّلاَةِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا سُنَّةٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ أَجْمَعَ عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا أَثَرٌ مُرْسَلٌ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ : السُّجُودُ فِيهَا
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ : حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ يَقُولُ : صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَعَنْ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ : رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وَأَبَاهُ عُمَرَ كَانَا يَسْجُدَانِ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَوْ سَجَدْت فِيهَا وَاحِدَةً لَكَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الآخِرَةِ أَحَبَّ إلَيَّ وَقَالَ عُمَرُ : إنَّهَا فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَأَبِي مُوسَى , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
قال أبو محمد : أَيْنَ الْمُهَوِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ بِتَعْظِيمِ خِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ خَالَفُوا هَهُنَا فِعْلَ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَمَعَهُ طَوَائِفُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا , وَمَعَهُمْ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَطَوَائِفُ مِنْ التَّابِعِينَ وَمِنْ بَعْدِهِمْ .
وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا خِلاَفٌ
قلنا : لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ , إنَّمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : السُّجُودُ عَشْرٌ , وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ : لَيْسَ فِي " ص " سَجْدَةٌ فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ خِلاَفٌ فِي هَذَا. بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ السُّجُودُ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ وَاخْتُلِفَ : أَفِي " ص " سَجْدَةٌ أَمْ لاَ وَإِنَّمَا
قلنا : بِالسُّجُودِ فِيهَا ; لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r السُّجُودُ فِيهَا ,
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا فِي سُجُودِ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي السُّجُودِ فِي " حم ". فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : السَّجْدَةُ عِنْدَ تَمَامِ قوله تعالى : إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلْ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الآيَةَ الَّتِي يَسْجُدُ عِنْدَهَا قَبْلَ الآُخْرَى , وَالْمُسَارَعَةُ إلَى الطَّاعَةِ أَفْضَلُ ,
وَالثَّانِي أَنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ وَاتِّبَاعُ الأَمْرِ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلصَّوَابِ : وَجَدْنَا السُّجُودَ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لاَ فِي مَوْضِعِ الأَمْرِ
قال أبو محمد : وَهَذَا هُوَ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ لاَِنَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ يَسْجُدُونَ فِي الْفُرْقَانِ فِي قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اُسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا وَهَذَا أَمْرٌ لاَ خَبَرٌ وَفِي قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ وَهِيَ إحْدَى الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ : أَلاَ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلَى آخِرِ الآيَةِ , بِتَخْفِيفِ " أَلاَّ " بِمَعْنَى : أَلاَ يَا قَوْمُ اُسْجُدُوا , وَهَذَا أَمْرٌ وَفِي النَّحْلِ عِنْدَ قوله تعالى : وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. وَقَدْ وَجَدْنَا ذِكْرَ السُّجُودِ بِالْخَيْرِ لاَ سُجُودَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ. وَهُوَ قوله تعالى فِي آلِ عِمْرَانَ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. وَفِي قوله تعالى : وَاَلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا
فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْمَ فِي تَخْلِيطٍ لاَ يُحَصِّلُونَ مَا يَقُولُونَ :
وَرُوِّينَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَسْجُدُونَ بِالآُولَى مِنْ الآيَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا لاَ يَرَيَانِ عَزَائِمَ السُّجُودِ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إلاَّ " الم " وَ " حم " وَكَانَا يَرَيَانِهِمَا أَوْكَدُ مِنْ سِوَاهُمَا
وقال مالك : لاَ سُجُودَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : وَخَالَفَهُمَا آخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ , كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , بَعْدَ أَنْ نَقُولَ : صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r السُّجُودُ فِيهَا , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ ، وَلاَ مَعَهُ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ سَمِعْت الأَسْوَدَ بْنَ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَرَأَ : وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا.
حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي : وَالنَّجْمِ وَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ. وَبِهِ يَأْخُذُ جُمْهُورُ السَّلَفِ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ لَهُمْ " وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى " فَسَجَدَ فِيهَا , ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى , وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَرَأَ فِي صَلاَةِ الْعِشَاءِ بِ " وَالنَّجْمِ " فَسَجَدَ فِي آخِرِهَا , ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِ " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ " فَرَكَعَ وَسَجَدَ , فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : الْعَزَائِمُ أَرْبَعٌ : " الم تَنْزِيلُ " " و حم السَّجْدَةُ " " وَالنَّجْمُ " " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ , عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : عَزَائِمُ السُّجُودِ أَرْبَعٌ : الم تَنْزِيلُ " وَحُمَّ " " وَالنَّجْمُ " " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ كِلاَهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا قَرَأَ بِ النَّجْمِ سَجَدَ. وَعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ : سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي النَّجْمِ وَلَمْ أَسْجُدْ وَكَانَ مُشْرِكًا حِينَئِذٍ. قَالَ : فَلَنْ أَدَعَ السُّجُودَ فِيهَا أَبَدًا أَسْلَمَ الْمُطَّلِبُ يَوْمَ الْفَتْحِ. فَهَذَا عُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهُمْ يُشَنِّعُونَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا. وَبِالسُّجُودِ فِيهَا يَقُولُ : عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانُ , وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَدَاوُد , وَغَيْرُهُمْ.
قال أبو محمد :
وَاحْتَجَّ الْمُقَلِّدُونَ لِمَالِكٍ بِخَبَرٍ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
قال أبو محمد : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا , فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ : إنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : لاَ سُجُودَ فِيهَا , وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ : إنَّ السُّجُودَ فَرْضٌ فَقَطْ. وَهَكَذَا نَقُولُ : إنَّ السُّجُودَ لَيْسَ فَرْضًا , لَكِنْ إنْ سَجَدَ فَهُوَ أَفْضَلُ , وَإِنْ تَرَكَ فَلاَ حَرَجَ , مَا لَمْ يَرْغَبْ ، عَنِ السُّنَّةِ
وَأَيْضًا : فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْخَبَرِ قَدْ صَحَّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لاَ يَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَتِهِ ، وَ، هُوَ ابْنُ قُسَيْطٍ فَالآنَ صَارَتْ رِوَايَتُهُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ السُّنَنِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا يَدَّعُونَهُ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ بَكْرٍ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَسْجُدُ بِمَكَّةَ بِالنَّجْمِ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَأَى أَبُو سَعِيدٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّهُ يَكْتُبُ سُورَةَ ص , فَلَمَّا أَتَى عَلَى السَّجْدَةِ : سَجَدَتْ الدَّوَاةُ , وَالْقَلَمُ , وَالشَّجَرُ , وَمَا حَوْلَهُ مِنْ شَيْءٍ. قَالَ : فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ r فَسَجَدَ فِيهَا , وَتَرَكَ النَّجْمَ فَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ ; لإِنَّ بَكْرًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّنْ سَمِعَهُ , إلاَّ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ بُطْلاَنُ هَذَا الْخَبَرِ بِلاَ شَكٍّ لِمَا رُوِّينَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سَجَدَ بِهِمْ فِي النَّجْمِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلاَمِ , وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ , وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ فِيهَا كَانَ إثْرَ قُدُومِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ , وَهَذَا بَاطِلٌ وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ يَذْكُرُهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَسْجُدْ فِي الْمُفَصَّلِ مُذْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَلِمَا نَذْكُرُهُ إثْرَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِلَّةُ هَذَا الْخَبَرِ هُوَ أَنَّ مَطَرًا سَيِّئُ الْحِفْظِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي , وَلاَ عَمَلَ أَقْوَى مِنْ عَمَلِ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ مُرْسَلَةً سَاقِطَةً , لاَ وَجْهَ لِلاِشْتِغَالِ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا
وَأَمَّا إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ , وَمُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالاَ : حدثنا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ , أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ قَالَ : لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ r سَجَدَ لَمْ أَسْجُدْ بِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي : إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.
قال أبو محمد : هَذَا يُكَذِّبُ رِوَايَةَ مَطَرٍ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا
وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ كَالشَّمْسِ , اكْتَفَيْنَا مِنْهَا بِهَذَا. وَبِهَذَا يَأْخُذُ عَامَّةُ السَّلَفِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ , وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ كُلُّهُمْ قَالَ : حدثنا قُرَّةُ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " سَجَدَ : أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ فِي : " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " وَمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمَا " زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ , وَالْمُعْتَمِرُ " وَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَهَذَا أَثَرٌ كَالشَّمْسِ صِحَّةً.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا : عَزَائِمُ السُّجُودِ : " الم " " وَحُمَّ " " وَالنَّجْمُ " " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ".
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ : قَرَأَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ : " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " وَهُوَ يَخْطُبُ , فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَعَنِ الثِّقَاتِ : أَيُّوبَ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْجُدُ فِي : " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " , " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ".
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَشُرَيْحٍ , وَالشَّعْبِيِّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَدَاوُد , وَأَصْحَابِهِمْ , وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ
وَأَمَّا سُجُودُهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ , وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَيْفَ مَا يُمْكِنُ فَلاَِنَّهَا لَيْسَتْ صَلاَةً , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ صَلاَةٌ , كَرَكْعَةِ الْخَوْفِ , وَالْوِتْرِ , وَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ , وَلاَ نَصَّ فِي أَنَّ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ : صَلاَةٌ وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُثْمَانَ رضي الله تعالى عنه , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : تُومِئُ الْحَائِضُ بِالسُّجُودِ قَالَ سَعِيدُ : وَتَقُولُ : رَبِّ لَك سَجَدْت. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ : جَوَازُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
﴿سُجُودُ الشُّكْرِ﴾
557 - مَسْأَلَةٌ : سُجُودُ الشُّكْرِ حَسَنٌ , إذَا وَرَدَتْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَرْءِ نِعْمَةٌ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ السُّجُودُ , لإِنَّ السُّجُودَ فِعْلُ خَيْرٍ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ. وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ ، عَنِ النَّبِيِّ r . بَلْ قَدْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْت الأَوْزَاعِيَّ قَالَ : حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيُّ ، حدثنا مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيُّ قَالَ : لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ , أَوْ قُلْتُ : مَا أَحَبُّ الأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى , فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا دَرَجَةً , وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً قَالَ مَعْدَانُ : ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ.
قال أبو محمد : الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِفَضْلِهِ وَعَمَلِهِ , وَبَاقِي الإِسْنَادِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُمْ وَلَيْسَ لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّ هَذَا السُّجُودَ إنَّمَا هُوَ سُجُودُ الصَّلاَةِ خَاصَّةً , وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r مَا لَمْ يَقُلْهُ , بَلْ كَذَبَ عَلَيْهِ , إذْ أَخْبَرَ ، عَنْ مُرَادِهِ بِالْغَيْبِ وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ. وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ : سَجَدَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ ذُو الثِّدْيَةِ فِي الْقَتْلَى : سَجَدَ , إذْ عَرَفَ أَنَّهُ فِي الْحِزْبِ الْمُبْطِلِ , وَأَنَّهُ هُوَ الْمُحِقُّ وَصَحَّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ تَخَلُّفِهِ ، عَنْ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا تِيبَ عَلَيْهِ : سَجَدَ ، وَلاَ مُخَالِفَ لِهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً , وَلاَ مَغْمَزَ فِي خَبَرِ كَعْبٍ أَلْبَتَّةَ.
* * *
كِتَابُ الْجَنَائِزِ
صَلاَةُ الْجَنَائِزِ وَحُكْمُ الْمَوْتَى
558 - مَسْأَلَةٌ : غُسْلُ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ وَالآُنْثَى وَتَكْفِينُهُمَا : فَرْضٌ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ إلاَّ حَسَنًا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ ,
وَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ , فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَأَمَرَ عليه السلام بِغُسْلِهَا , وَأَمْرُهُ فَرْضٌ , مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ، عَنِ الْفَرْضِ نَصٌّ آخَرُ.
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَإِيجَابُ الْغُسْلِ : هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَدَاوُد : وَالْعَجَبُ مِمَّنْ لاَ يَرَى غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضًا وَهُوَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَمْرُهُ , وَعَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مُذْ أَوَّلِهِ إلَى الآنَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ : أَنَّ النَّبِيَّ r خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ , فَقَالَ : إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ.
وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ : كَانَ يُقَالُ : مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ , فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ : لاَ تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ , اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ نَقِيَّيْنِ.
قال أبو محمد : هَذَا تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ : وَإِنَّمَا كَرِهَ الْمُغَالاَةَ فَقَطْ , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ لاَِنَسٍ , وَابْنِ عُمَرَ وَلِغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r احْمِلُونِي عَلَى قَطِيفَةٍ قَيْصُرَانِيَّةٍ , وَأَجْمِرُوا عَلَيَّ أُوقِيَّةَ مِجْمَرٍ وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي أُصَلِّي فِيهَا , وَفِي قُبْطِيَّةٍ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا وَاَلَّذِي رُوِيَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه فِي أَنْ يُغْسَلَ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُكَفَّنَ فِيهِ وَفِي ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ : تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ , وَحَتَّى لَوْ كَانَ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r .
559 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَمْ يُغَسَّلْ ، وَلاَ كُفِّنَ حَتَّى دُفِنَ : وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ ، وَلاَ بُدَّ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَتَى رَسُولُ اللَّهِ r عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ , فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ , فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ , وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ , وَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا.
قال أبو محمد : أَمْرُ النَّبِيِّ r بِالْغُسْلِ وَالْكَفَنِ لَيْسَ مَحْدُودًا بِوَقْتٍ , فَهُوَ فَرْضٌ أَبَدًا , وَإِنْ تَقَطَّعَ الْمَيِّتُ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْبِلَى وَبَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْجِرَاحِ , وَالْجُدَرِيِّ , لاَ يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ
560 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ أَحَدٌ لَيْلاً إلاَّ عَنْ ضَرُورَةٍ ، وَلاَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ , وَلاَ حِينَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ , وَلاَ حِينَ ابْتِدَاءِ أَخْذِهَا فِي الْغُرُوبِ , وَيَتَّصِلُ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي , وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ كُلِّهَا :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ r فَزَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ إنْسَانٌ لَيْلاً إلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ.
قال أبو محمد : كُلُّ مَنْ دُفِنَ لَيْلاً مِنْهُ عليه السلام , وَمِنْ أَزْوَاجِهِ , وَمِنْ أَصْحَابِهِ ، رضي الله عنهم ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ , مِنْ خَوْفِ زِحَامٍ , أَوْ خَوْفِ الْحَرِّ عَلَى مَنْ حَضَرَ , وَحَرُّ الْمَدِينَةِ شَدِيدٌ , أَوْ خَوْفِ تَغَيُّرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ الدَّفْنَ لَيْلاً , لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَظُنَّ بِهِمْ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفَ ذَلِكَ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حدثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَرِهَ الدَّفْنَ لَيْلاً :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ : ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْهَى أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا أَوْ أَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا : حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ , وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ , وَحِينَ تُضَيِّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ.
قال أبو محمد : قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ الصَّلاَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ إنَّمَا هِيَ التَّطَوُّعُ الْمُتَعَمَّدُ ابْتِدَاؤُهُ قَصْدًا إلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلاَةِ فَرْضٍ مَقْضِيَّةٍ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَذْكُرُهَا فَقَطْ , لاَ كُلُّ صَلاَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
561 - مَسْأَلَةٌ : وَالصَّلاَةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ : فَرْضٌ :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ , فَقَالَ r : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ , فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَهَذَا أَمْرٌ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ عُمُومًا.
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْغَالِّ
562 - مَسْأَلَةٌ : حَاشَا الْمَقْتُولِ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَعْرَكَةِ خَاصَّةً , فَإِنَّهُ لاَ يُغَسَّلُ ، وَلاَ يُكَفَّنُ , لَكِنْ يُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ , إلاَّ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلاَحُ فَقَطْ , وَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ : فَحَسَنٌ , وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ : فَحَسَنٌ , فَإِنْ حُمِلَ ، عَنِ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ : غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ ذَكَرَ قَتْلَى أُحُدٍ وَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ , وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. وَبِهِ أَيْضًا إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ , ثُمَّ أَنْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ :
قال أبو محمد : فَخَرَجَ هَؤُلاَءِ ، عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ r بِالْكَفَنِ , وَالْغُسْلِ , وَالصَّلاَةِ وَبَقِيَ سَائِرُ مَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ , أَوْ بَاغٍ , أَوْ مُحَارِبٌ , أَوْ رُفِعَ ، عَنِ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا عَلَى حُكْمِ سَائِرِ الْمَوْتَى , وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ :
قال أبو محمد : لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ أَحَدُ الأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلآخَرِ , بَلْ كِلاَهُمَا حَقٌّ مُبَاحٌ , وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ ; لإِنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا مَعًا مُمْكِنٌ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّ الْمَبْطُونَ , وَالْمَطْعُونَ , وَالْغَرِيقَ , وَالْحَرِيقَ , وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ , وَصَاحِبَ الْهَدَمِ , وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمْعٍ : شُهَدَاءُ كُلُّهُمْ.
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام كَفَّنَ فِي حَيَاتِهِ , وَغَسَّلَ مَنْ مَاتَ فِيهِمْ مِنْ هَؤُلاَءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ ، رضي الله عنهم ، شُهَدَاءَ , فَغُسِّلُوا , وَكُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ يَصِحُّ فِي تَرْكِ الْمَجْلُودِ أَثَرٌ ; لإِنَّ رَاوِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
563 - مَسْأَلَةٌ : وَإِعْمَاقُ حَفِيرِ الْقَبْرِ : فَرْضٌ , وَدَفْنُ الْمُسْلِمِ : فَرْضٌ وَجَائِزٌ دَفْنُ الاِثْنَيْنِ , وَالثَّلاَثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ , وَيُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، حدثنا أَبِي قَالَ : سَمِعْت حُمَيْدًا ، هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مَنْ أُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَصَابَ النَّاسَ جِرَاحَاتٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا , وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ , وَالثَّلاَثَةَ فِي الْقَبْرِ , وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ أُحُدٍ , .
فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إنْسَانٍ : شَدِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ عليه السلام فِي الإِعْمَاقِ فِي الْحَفْرِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ r يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ , ثُمَّ يَقُولُ : أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ
564 - مَسْأَلَةٌ : وَدَفْنُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ : فَرْضٌ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ. وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ عليه السلام ، عَنِ الْمُثْلَةِ. وَتَرْكُ الإِنْسَانِ لاَ يُدْفَنُ : مُثْلَةٌ. وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ إذْ قَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنْ تُحْفَرَ خَنَادِقُ وَيُلْقَوْا فِيهَا :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ r : إنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَمَنْ يُوَارِيهِ قَالَ : اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : رَجُلٌ فِينَا مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَتَرَكَ ابْنَهُ قَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ وَيَدْفِنَهُ قَالَ سُفْيَانُ : وَسَمِعْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يُحَدِّثُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ أُمَّ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَاتَتْ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ , فَشَيَّعَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ r .
565 - مَسْأَلَةٌ : وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ لِلْمُسْلِمِ : ثَلاَثَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ لِلرَّجُلِ , يُلَفُّ فِيهَا , لاَ يَكُونُ فِيهَا قَمِيصٌ , وَلاَ عِمَامَةٌ , وَلاَ سَرَاوِيلُ , وَلاَ قُطْنٌ. وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ , وَثَوْبَانِ زَائِدَانِ. فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ لَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلاِثْنَيْنِ إلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ : أُدْرِجَا فِيهِ جَمِيعًا. وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ , وَالْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلاَ حَرَجَ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ , كُفِّنَ النَّبِيُّ r فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ ، وَلاَ عِمَامَةٌ :
قال أبو محمد : مَا تَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ إلاَّ أَفْضَلَ الأَحْوَالِ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ : أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ , فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ , وَقَالَ لَهُ : آذِنِّي أُصَلِّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنِ الأَعْمَشِ ، حدثنا شَقِيقٌ ، حدثنا خَبَّابٌ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ , فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ , فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا , مِنْهُمْ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ , قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ , فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إلاَّ بُرْدَةً , إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ , وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ , فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ r أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ , وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الإِذْخِرِ.
قال أبو محمد : هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ مَنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لاَ يَعُمُّهُ كُلَّهُ
قال أبو محمد : وَهَهُنَا حَدِيثٌ وَهَمَ فِيهِ رَاوِيهِ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الأَشْيَبِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، هُوَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ r كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ. وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى , أَوْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ : فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ , فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ , وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ.
قلنا : هَذَا لَيْسَ فَرْضًا , لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ وَشَمْلَةً سَوْدَاءَ : وَ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا الْقَعْنَبِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ زَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قِيلَ لَهُ لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ قَالَ : إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَصْبُغُ بِهَا , وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهَا , وَكَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قُلْتُ لاَِنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ الْحِبَرَةُ.
قال أبو محمد : لاَ يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيثٌ لِحَدِيثٍ , بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ.فَصَحَّ أَنَّ الأَمْرَ بِالْبَيَاضِ نَدْبٌ وَبِاخْتِيَارِنَا هَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَهَا فِي حَدِيثٍ " فِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ يَعْنِي النَّبِيَّ r قَالَتْ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ ، وَلاَ عِمَامَةٌ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : اُنْظُرُوا ثَوْبِي هَذَا فَاغْسِلُوهُ , وَبِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٍ وَاجْعَلُوا مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ ".
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُفِّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ : ثَوْبَيْنِ سُحُولِيَّيْنِ , وَثَوْبٍ كَانَ يَلْبَسُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ لاَِهْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لاَ تُقَمِّصُونِي ، وَلاَ تُعَمِّمُونِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُقَمَّصْ وَلَمْ يُعَمَّمْ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : لاَ يُعَمَّمُ الْمَيِّتُ ، وَلاَ يُؤَزَّرُ ، وَلاَ يُرَدَّى لَكِنْ يُلَفُّ فِيهَا لَفًّا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّنُ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَصْحَابِهِمْ. وَهَكَذَا كُفِّنَ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ , وَقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ : أَفْتَى بِذَلِكَ الْخُشَنِيُّ , وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَضَرَ
وَأَمَّا كَفَنُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ r فَخَرَجَ فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ , فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَ آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ وَقَالَ : أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ.
وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ : دِرْعٍ , وَخِمَارٍ , وَثَلاَثِ لَفَائِفَ وَعَنِ النَّخَعِيِّ : تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ : دِرْعٍ , وَخِمَارٍ , وَلِفَافَةٍ , وَمِنْطَقَةٍ , وَرِدَاءٍ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ : تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ : دِرْعٍ , وَخِمَارٍ , وَلِفَافَتَيْنِ وَخِرْقَةٍ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ , وَالرَّجُلُ فِي ثَلاَثَةٍ
566 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَا تَرَكَ : فَكُلُّ مَا تَرَكَ لِلْغُرَمَاءِ , وَلاَ يَلْزَمُهُمْ كَفَنُهُ دُونَ سَائِرِ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ مِيرَاثًا ، وَلاَ وَصِيَّةً إلاَّ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمَرْءُ بَعْدَ دَيْنِهِ.فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ , وَأَنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِي مِقْدَارِ دَيْنِهِ مِمَّا يَتَخَلَّفُهُ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحَقُّ تَكْفِينِهِ إذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ غَرِيمٍ , أَوْ غَيْرِ غَرِيمٍ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ. فَكُلُّ مَنْ وَلِيَهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِحْسَانِ كَفَنِهِ ,
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ بِذَلِكَ الْغُرَمَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ فَإِنْ فَضَلَ ، عَنِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَالْكَفَنُ مُقَدَّمٌ فِيهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ : لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَفَّنَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ t فِي بُرْدَةٍ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَهَا , فَلَمْ يَجْعَلْهَا لِوَارِثِهِ
567 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ ، عَنْ سَائِرِ النَّاسِ , كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ , وَلاَِنَّ تَكْلِيفَ مَا عَدَا هَذَا دَاخِلٌ فِي الْحَرَجِ وَالْمُمْتَنِعِ , قَالَ تَعَالَى ﴿ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
568 - مَسْأَلَةٌ : وَصِفَةُ الْغُسْلِ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَرَأْسَهُ بِمَاءٍ قَدْ رُمِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ ، وَلاَ بُدَّ , إنْ وُجِدَ , فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْمَاءِ وَحْدَهُ : ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، وَلاَ بُدَّ , يُبْتَدَأُ بِالْمَيَامِنِ , وَيُوَضَّأُ : فَإِنْ أَحَبُّوا الزِّيَادَةَ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا إمَّا ثَلاَثُ مَرَّاتٍ ,
وَأَمَّا خَمْسُ مَرَّاتٍ ,
وَأَمَّا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَيَجْعَلُ فِي آخِرِ غَسَلاَتِهِ إنْ غُسِّلَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ، وَلاَ بُدَّ فَرْضًا , فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلاَ حَرَجَ , لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِذَلِكَ كُلِّهِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا , أَوْ خَمْسًا , أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ لَنَا : ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَبِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ مَا آتَاهَا
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ تَعَالَى سِدْرًا ، وَلاَ كَافُورًا فَلَمْ يُكَلِّفْهُ إيَّاهُمَا :
رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا , كُلُّهُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , فِي كُلِّهِنَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ وَجَسَدُهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : فَقُلْت لَهُ : فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِدْرٌ فَخَطْمِيٌّ قَالَ : لاَ , سَيُوجَدُ السِّدْرُ. وَرَأَى الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ , وَهَذَا رَأْيٌ مِنْهُ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , وَإِبْرَاهِيمَ : غُسْلُ الْمَيِّتِ ثَلاَثُ مَرَّاتٍ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَإِبْرَاهِيمَ : يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ : يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَالثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيهِ كَافُورٌ. وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ , ثُمَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , ثُمَّ بِمَاءٍ وَكَافُورٍ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ : الْمَيِّتُ يُوَضَّأُ كَمَا يُوَضَّأُ الْحَيُّ يُبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ , يَعْنِي فِي الْغُسْلِ
569 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ عُدِمَ الْمَاءُ يُمِّمَ الْمَيِّتُ ، وَلاَ بُدَّ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ.
570 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ لِبَاسُهُ , مِنْ حَرِيرٍ , أَوْ مُذَهَّبٍ , أَوْ مُعَصْفَرٍ. وَجَائِزٌ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ , لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْحَرِيرِ , وَالذَّهَبِ إنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاِِنَاثِهَا.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُعَصْفَرِ : إذْ نَهَى عليه السلام الرِّجَالَ عَنْهُ
571 - مَسْأَلَةٌ : وَكَفَنُ الْمَرْأَةِ وَحَفْرُ قَبْرِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهَا , وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ زَوْجَهَا , لإِنَّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَةٌ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةَ , وَالْكِسْوَةَ , وَالإِسْكَانَ , وَلاَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْكَفَنُ : كِسْوَةً , وَلاَ الْقَبْرُ : إسْكَانًا
572 - مَسْأَلَةٌ : وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ بِإِمَامٍ يَقِفُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ , وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ صُفُوفٌ , وَيَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ عِنْدَ رَأْسِهِ , وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وَسَطِهَا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي , أَوْ الثَّالِثِ.
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا صَلاَةُ قِيَامٍ , لاَ رُكُوعَ فِيهَا , وَلاَ سُجُودَ , وَلاَ قُعُودَ , وَلاَ تَشَهُّدَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ , مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا , فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : صَلَّيْتُ عَلَى جِنَازَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ , وَصَلَّى عَلَيْهِ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ , فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ , فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ , لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ , ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا : يَا أَبَا حَمْزَةَ , الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ , فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا , فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ , ثُمَّ جَلَسَ , فَقَالَ لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ : يَا أَبَا حَمْزَةَ , هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلاَتِكَ , يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا , وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ , وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ : نَعَمْ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ , فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا , وَفِي آخِرِهِ : أَنَّ الْعَلاَءَ بْنَ زِيَادٍ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : احْفَظُوا فَدَلَّ هَذَا عَلَى مُوَافَقَةِ كُلِّ مَنْ حَضَرَ لَهُ , وَهُمْ تَابِعُونَ كُلُّهُمْ. وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَدَاوُد , وَأَصْحَابُهُمْ , وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ.
وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ , بِخِلاَفِ هَذَا , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ دَعْوَى فَاسِدَةً , وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ ; لإِنَّ أَنَسًا صَلَّى كَذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ فِي نَعْشٍ أَخْضَرَ
وقال بعضهم : كَمَا يَقُومُ الإِمَامُ مُوَازٍ وَسَطَ الصَّفِّ خَلْفَهُ كَذَلِكَ يَقُومُ مُوَازٍ وَسَطَ الْجِنَازَةِ فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا بَاطِلٌ , وَقِيَاسٌ فَاسِدٌ ; لاَِنَّهُ إمَامُ الصَّفِّ , وَلَيْسَ إمَامًا لِلْجِنَازَةِ , وَلاَ مَأْمُومًا لَهَا , وَاَلَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ فِي وُقُوفِهِ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ هُوَ الَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ إزَاءَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ , وَإِزَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ , وَهُوَ النَّبِيُّ عليه السلام , الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُ حُكْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
573 - مَسْأَلَةٌ : وَيُكَبِّرُ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ بِتَكْبِيرِ الإِمَامِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ , لاَ أَكْثَرَ , فَإِنْ كَبَّرُوا أَرْبَعًا فَحَسَنٌ , وَلاَ أَقَلَّ , وَلاَ تُرْفَعُ الأَيْدِي إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ , فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيرُ الْمَذْكُورُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَسَلَّمُوا كَذَلِكَ , فَإِنْ كَبَّرَ سَبْعًا كَرِهْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ ,
وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَ ثَلاَثًا , فَإِنْ كَبَّرَ أَكْثَرَ لَمْ نَتَّبِعْهُ , وَإِنْ كَبَّرَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ لَمْ نُسَلِّمْ بِسَلاَمِهِ , بَلْ أَكْمَلْنَا التَّكْبِيرَ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا , وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا , فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُكَبِّرُهَا. وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ كَبَّرَ أَيْضًا أَرْبَعًا , كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قال أبو محمد :
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ " جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ , فَقَالُوا : كَبَّرَ النَّبِيُّ r سَبْعًا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا , فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ كَأَطْوَلِ الصَّلاَةِ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَذَكَرَهُ. قَالُوا : فَهَذَا إجْمَاعٌ , فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ
قال أبو محمد : وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , أَوَّلَ ذَلِكَ : أَنَّ الْخَبَرَ لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ شَقِيقٍ فَلاَ يُدْرَى فِي الْعَالَمِ مَنْ هُوَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَشِيرَ عُمَرُ t فِي إحْدَاثِ فَرِيضَةٍ بِخِلاَفِ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ r أَوْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ مَا فَعَلَهُ عليه السلام , وَمَاتَ وَهُوَ مُبَاحٌ , فَيُحَرِّمُ بَعْدَهُ , لاَ يَظُنُّ هَذَا بِعُمَرَ إلاَّ جَاهِلٌ بِمَحَلِّ عُمَرَ مِنْ الدِّينِ وَالإِسْلاَمِ , طَاعِنٌ عَلَى السَّلَفِ ، رضي الله عنهم ، وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ , أَرْبَعًا وَخَمْسًا , فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ , يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَبِهِ إلَى شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ , فَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ , فَكَبَّرَ عَلَيْهَا خَمْسًا , فَضَحِكُوا مِنْهُ , فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ , قَدْ كُنَّا نُكَبِّرُ أَرْبَعًا , وَخَمْسًا , وَسِتًّا , وَسَبْعًا , فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوَهُ :
وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ : أَرْبَعٌ , وَخَمْسٌ يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ. قَالَ سَعِيدٌ : فَأَمَرَ عُمَرُ النَّاسَ بِأَرْبَعٍ قَالُوا : فَهَذَا إجْمَاعٌ :
قال أبو محمد : هَذَا الْكَذِبُ لإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَسَعِيدٌ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ عُمَرَ إلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ , فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ , لَكَانَ مَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ مُكَذِّبًا لِدَعْوَاهُمْ فِي الإِجْمَاعِ ; لإِنَّ صَاحِبَ مُعَاذٍ الْمَذْكُورَ كَبَّرَ خَمْسًا , وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ كَبَّرَ بَعْدَ عُمَرَ خَمْسًا :
حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا , ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ : إنَّهُ بَدْرِيٌّ قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَقَدِمَ عَلْقَمَةُ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ : إنَّ إخْوَانَك بِالشَّامِ يُكَبِّرُونَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ خَمْسًا , فَلَوْ وَقَّتُّمْ لَنَا وَقْتًا نُتَابِعُكُمْ عَلَيْهِ فَأَطْرَقَ عَبْدُ اللَّهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : اُنْظُرُوا جَنَائِزَكُمْ , فَكَبِّرُوا عَلَيْهَا مَا كَبَّرَ أَئِمَّتُكُمْ , لاَ وَقْتَ ، وَلاَ عَدَدَ :
قال أبو محمد : ابْنُ مَسْعُودٍ مَاتَ فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما , فَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلْقَمَةُ مَا ذَكَرَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، الَّذِينَ بِالشَّامِ , وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ; لإِنَّ الشَّعْبِيَّ أَدْرَكَ عَلْقَمَةَ وَأَخَذَ عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ :
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : رَأَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَلْعَدَانَ فَخْذٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا مَعْبَدٍ يَقُولُ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا. وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي شَيْبَةُ بْنُ أَيْمَنَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ ثَلاَثًا وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قِيلَ لاَِنَسٍ : إنَّ فُلاَنًا كَبَّرَ ثَلاَثًا , يَعْنِي عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ أَنَسٌ : وَهَلْ التَّكْبِيرُ إلاَّ ثَلاَثًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ : إنَّمَا كَانَ التَّكْبِيرُ ثَلاَثًا فَزَادُوا وَاحِدَةً يَعْنِي عَلَى الْجِنَازَةِ
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَلاَلِ الْعَتَكِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَمَرَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاَثًا
قال أبو محمد : أُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يُخْرَجُ عَنْهُ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَالصَّحَابَةُ بِالشَّامِ ، رضي الله عنهم ، , ثُمَّ التَّابِعُونَ بِالشَّامِ , وَابْنُ سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَيَدَّعِي الإِجْمَاعَ بِخِلاَفِ هَؤُلاَءِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ , فَمَنْ أَجْهَلُ مِمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ فَمَنْ أَخْسَرُ صَفْقَةً مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي عَقْلِهِ أَنَّ إجْمَاعًا عَرَفَهُ : أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَخَفِيَ عِلْمُهُ عَلَى : عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ , وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , حَتَّى خَالَفُوا الإِجْمَاعَ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا ، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ أَرْبَعًا , وَعَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى ابْنِ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا , وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَبَّرَ عَلَى أُمِّهِ أَرْبَعًا , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَبَّرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَرْبَعًا , وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَبَّرَ أَرْبَعًا , وَأَنَسًا كَبَّرَ أَرْبَعًا : فَكُلُّ هَذَا حَقٌّ وَصَوَابٌ , وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ صَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ تَكْبِيرِ خَمْسٍ أَصْلاً , وَحَتَّى لَوْ وُجِدَ لَكَانَ مُعَارِضًا لَهُ قَوْلُ مَنْ أَجَازَهَا , وَوَجَبَ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ , مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَبَّرَ خَمْسًا وَأَرْبَعًا , فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ أَحَدِ عَمَلَيْهِ لِلآخَرِ وَلَمْ نَجِدْ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ تَكْبِيرًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ , وَلاَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ , فَمَنْ زَادَ عَلَى خَمْسٍ وَبَلَغَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَمْ يَصِحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَطُّ , فَكَرِهْنَاهُ لِذَلِكَ , وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام عَنْهُ فَلَمْ نَقُلْ : بِتَحْرِيمِهِ لِذَلِكَ ,
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ : فِيمَنْ كَبَّرَ ثَلاَثًا
وَأَمَّا مَا دُونَ الثَّلاَثِ وَفَوْقَ السَّبْعِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r ، وَلاَ عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ بِهِ , فَهُوَ تَكَلُّفٌ , وَقَدْ نُهِينَا أَنْ نَكُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ , إلاَّ حَدِيثًا سَاقِطًا وَجَبَ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يُغْتَرَّ بِهِ , وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ t يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعِينَ صَلاَةً وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا رَفْعُ الأَيْدِي فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ رَفَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ , فَلاَ يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ , لاَِنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ , وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ , وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعٌ ، وَلاَ خَفْضٌ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : بِرَفْعِ الأَيْدِي فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَمَنْعِهِ مِنْ رَفْعِ الأَيْدِي فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r
وَأَمَّا التَّسْلِيمَتَانِ فَهِيَ صَلاَةٌ , وَتَحْلِيلُ الصَّلاَةِ : التَّسْلِيمُ , وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ ذِكْرٌ وَفِعْلُ خَيْرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
574 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا كَبَّرَ الآُولَى قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ ، وَلاَ بُدَّ , وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَإِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ , ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي بَاقِي الصَّلاَةِ أَمَّا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سَمَّاهَا صَلاَةً بِقَوْلِهِ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ.
وَقَالَ عليه السلام لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ سَعْدٍ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ " صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ , فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ : لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ , قَالَ الضَّحَّاكُ , وَأَبُو أُمَامَةَ : السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرِ مُخَافَتَةً , ثُمَّ يُكَبِّرَ , وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الآخِرَةِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِ أُمِّ الْكِتَابِ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : يَقْرَأُ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ الآُولَيَيْنِ : فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ : أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً , رَفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : لاَ أَجْهَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلاَةُ عَجْمَاءَ , وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ أَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً.
قال أبو محمد : فَرَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ , وَالْمِسْوَرُ : الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الثَّلاَثِ فِي الْجِنَازَةِ , ثُمَّ يُكَبِّرُونَ وَيَنْصَرِفُونَ ، وَلاَ يَقْرَءُونَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ : السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ تُكَبِّرَ , ثُمَّ تَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ تُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ r ثُمَّ تُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ , وَلاَ تَقْرَأُ إلاَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى , ثُمَّ يُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ ، عَنْ يَمِينِهِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ : الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الصَّلاَةِ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ : يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ r ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاءً. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا.
قال أبو محمد :
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا بِأَنْ قَالُوا : رُوِيَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : أَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ.
قال أبو محمد : هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ , مَا رُوِيَ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ يُشْتَغَلُ بِهَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا مَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي إخْلاَصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَهْيٌ ، عَنِ الْقِرَاءَةِ , وَنَحْنُ نُخْلِصُ لَهُ الدُّعَاءَ وَنَقْرَأُ كَمَا أُمِرْنَا وَقَالُوا : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَذَكَرَ دُعَاءً وَلَمْ يَذْكُرْ قِرَاءَةً وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ : أَيَقْرَأُ فِي الْجِنَازَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ : لاَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ.
قال أبو محمد : .
فَقُلْنَا لَيْسَ ، عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَنَعَمْ , نَحْنُ نَقُولُ : لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلاَ يَصِحُّ خِلاَفٌ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ مَنْ صَرَّحَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , كَابْنِ عَبَّاسٍ , وَالْمِسْوَرِ , وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَأَنَسٍ , لاَ سِيَّمَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ تَكْبِيرًا ، وَلاَ تَسْلِيمًا. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهِ مُتَعَلَّقٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْجِنَازَةِ , فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَالُوا : لَعَلَّ هَؤُلاَءِ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ .
فَقُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ ; لأَنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الأَمْرُ بِقِرَاءَتِهَا , وَأَنَّهَا سُنَّتُهَا , فَقَوْلُ مَنْ قَالَ : لَعَلَّهُمْ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهَا دُعَاءٌ : كَذِبٌ بَحْتٌ ثُمَّ لاَ نَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَتِهَا حَتَّى يَتَقَحَّمُوا فِي الْكَذِبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ , وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا صَلاَةٌ , وَيُوجِبُونَ فِيهَا : التَّكْبِيرَ , وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ , وَالإِمَامَةَ لِلرِّجَالِ , وَالطَّهَارَةَ , وَالسَّلاَمَ , ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْقِرَاءَةَ
فَإِنْ قَالُوا : لَمَّا سَقَطَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ : سَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ
قلنا : وَمِنْ أَيْنَ يُوجَبُ هَذَا الْقِيَاسُ دُونَ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ بَلْ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ قِيَاسُ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى عَمَلِ الْجَسَدِ , وَلَكِنْ هَذَا عِلْمُهُمْ بِالْقِيَاسِ وَالسُّنَنِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ , وَهَهُنَا أَرَيْنَاهُمْ عَمَلَ الصَّحَابَةِ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي أُمَامَةَ , وَالزُّهْرِيِّ , عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَخَالَفُوهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
575 - مَسْأَلَةٌ : وَأَحَبُّ الدُّعَاءِ إلَيْنَا عَلَى الْجِنَازَةِ هُوَ مَا : حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r وَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ , وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ , وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ , وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ , وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ , وَثَلْجٍ , وَبَرَدٍ , وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ , وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ , وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ , وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ , وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ , وَعَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ. وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الرَّقِّيُّ ، حدثنا شُعَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا , وَمَيِّتِنَا , وَصَغِيرِنَا , وَكَبِيرِنَا , وَذَكَرِنَا , وَأُنْثَانَا , وَشَاهِدِنَا , وَغَائِبِنَا , اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ , وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلاَمِ اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ , وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلْيَقُلْ " اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِك " لِلأَثَرِ الَّذِي صَحَّ أَنَّ الصِّغَارَ مَعَ إبْرَاهِيمَ r فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. وَمَا دَعَا بِهِ فَحَسَنٌ
576 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ اللَّحْدَ , وَهُوَ الشَّقُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْقَبْرِ , وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الضَّرِيحِ , وَهُوَ الشَّقُّ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ. وَنَسْتَحِبُّ اللَّبِنَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ , وَنَكْرَهُ الْخَشَبَ , وَالْقَصَبَ , وَالْحِجَارَةَ. وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِيُّ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ : أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ " أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا , وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا , كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ r "
577 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ , وَلاَ أَنْ يُجَصَّصَ , وَلاَ أَنْ يُزَادَ عَلَى تُرَابِهِ شَيْءٌ , وَيُهْدَمُ كُلُّ ذَلِكَ , فَإِنْ بُنِيَ عَلَيْهِ بَيْتٌ أَوْ قَائِمٌ : لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَشَ اسْمَهُ فِي حَجَرٍ : لَمْ نَكْرَهْ ذَلِكَ :
رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ , فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا , فَأَمَرَ فُضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ , وَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا : وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إلاَّ طَمَسْتَهُ , وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلاَّ سَوَّيْتَهُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَنْهَى ، عَنْ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ , وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا , وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا.
قال أبو محمد : قَدْ أَنْذَرَ عليه السلام بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ بِقَوْلِهِ مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِي بَيْتِهِ بِذَلِكَ. وَلَمْ يُنْكِرْ عليه السلام كَوْنَ الْقَبْرِ فِي بَيْتٍ , وَلاَ نَهَى ، عَنْ بِنَاءٍ قَائِمٍ , وَإِنَّمَا نَهَى ، عَنْ بِنَاءٍ عَلَى الْقَبْرِ : قُبَّةٍ فَقَطْ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَسَنِ : كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ أَوْ تُطَيَّنَ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَفِيرِهَا وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ : تَسْوِيَةُ الْقُبُورِ مِنْ السُّنَّةِ وَعَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ t أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ , وَأَنْ تُرْفَعَ مِنْ الأَرْضِ شِبْرًا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَقَطَ الْحَائِطُ الَّذِي عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ r فَسُتِرَ , ثُمَّ بُنِيَ , فَقُلْت لِلَّذِي سَتَرَهُ : ارْفَعْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ , فَنَظَرْت إلَيْهِ , فَإِذَا عَلَيْهِ جَبُوبٌ وَرَمْلٌ , كَأَنَّهُ مِنْ رَمْلِ الْعَرْصَةِ
حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت : يَا أُمَّهُ , اكْشِفِي لِي ، عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي ، عَنْ ثَلاَثَةِ قُبُورٍ , لاَ لاَطِئَةٍ ، وَلاَ مُشْرِفَةٍ , مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ , فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ r مُقَدَّمًا , وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ , وَرِجْلاَهُ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ r وَرَأَيْت عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما.
578 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَيْنَ يَجْلِسُ : فَلْيَقِفْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ , وَلَوْ اسْتَوْفَزَ وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ يَبْنِ أَنَّهُ يُحْرَجُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ , كِلاَهُمَا : عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r .
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r النَّهْيَ ، عَنِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ :
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ ، وَلاَ تُصَلُّوا إلَيْهَا. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ، رضي الله عنهم ، , مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاََنْ أَطَأَ عَلَى رَضْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لاََنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَعَمَّدَ وَطْءَ قَبْرٍ لِي عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : لاََنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. فَقَالَ قَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ , وَحَمَلُوا الْجُلُوسَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَائِطِ خَاصَّةً وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ لِوُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَصَرْفٌ لِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنْ وَجْهِهِ , وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَثَانِيهَا أَنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا , بِقَوْلِهِ عليه السلام لاََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ : خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ. وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ : أَنَّ الْقُعُودَ لِلْغَائِطِ لاَ يَكُونُ هَكَذَا أَلْبَتَّةَ , وَمَا عَهِدْنَا قَطُّ أَحَدًا يَقْعُدُ عَلَى ثِيَابِهِ لِلْغَائِطِ إلاَّ مَنْ لاَ صِحَّةَ لِدِمَاغِهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْخَبَرِ لَمْ يَتَعَدَّوْا بِهِ وَجْهَهُ مِنْ الْجُلُوسِ الْمَعْهُودِ , وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي اللُّغَةِ جَلَسَ فُلاَنٌ بِمَعْنَى تَغَوَّطَ , فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْرِيمَ الصَّلاَةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحْمُودٌ
579 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ سِبْتِيَّتَيْنِ وَهُمَا اللَّتَانِ لاَ شَعْرَ فِيهِمَا , فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ : جَازَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِشَعْرٍ , وَالآُخْرَى بِلاَ شَعْرٍ : جَازَ الْمَشْيُ فِيهِمَا :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَعْبَانَ وَكَانَ ثِقَةً ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ ، عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَ، هُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَرَأَى رَجُلاً يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ , فَقَالَ : يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا وَحَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَحْمٌ , فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ r بَشِيرًا قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي بَيْنَ الْمَقَابِرِ وَعَلَيَّ نَعْلاَنِ , إذْ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ r يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ , يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ , إذَا كُنْت فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ , قَالَ : فَخَلَعْتُهُمَا.
قال أبو محمد :
فإن قيل فَهَلاَّ مَنَعْتُمْ مِنْ كُلِّ نَعْلٍ , لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
قلنا : مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا دَعَا صَاحِبَ سِبْتِيَّتَيْنِ , بِنَصِّ كَلاَمِهِ , ثُمَّ أَمَرَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ
وَالثَّانِي مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ ، حدثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا شَيْبَانُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ r : إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قال أبو محمد : فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ عليه السلام بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ , وَأَنَّ النَّاسَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَيَلْبَسُونَ النِّعَالَ فِي مَدَافِنِ الْمَوْتَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , عَلَى عُمُومِ إنْذَارِهِ عليه السلام بِذَلِكَ , وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ , وَالأَخْبَارُ لاَ تُنْسَخُ أَصْلاً. فَصَحَّ إبَاحَةُ لِبَاسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ , وَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ السِّبْتِيَّةِ مِنْهَا , لِنَصِّهِ عليه السلام عَلَيْهَا
قال أبو محمد : وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فَقَالَ : لَعَلَّ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ
قال أبو محمد : مَنْ قَطَعَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r إذْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ , وَمَنْ لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ فَقَدْ حَكَمَ بِالظَّنِّ , وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَكِلاَهُمَا خُطَّتَا خَسْفٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : فَهَبْكَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَتَقُولُونَ : بِهَذَا أَنْتُمْ فَتَمْنَعُونَ مِنْ الْمَشْيِ , بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ فِيهِمَا قَذَرٌ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ فَيُقَالُ لَهُمْ : فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لِمَ تَقُولُوا بِهَا , وَلَبَقِيتُمْ مُخَالِفِينَ لِلْخَبَرِ بِكُلِّ حَالٍ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : وَلَعَلَّ الْبِنَاءَ فِي الرُّعَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّمِ الأَسْوَدِ لِشَبَهِهِ بِدَمِ الْحَيْضِ , وَلَعَلَّ فَسَادَ صَلاَةِ الرَّجُلِ إلَى جَنْبِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ شَابَّةً خَوْفَ الْفِتْنَةِ , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ
580 - مَسْأَلَةٌ : وَيُصَلَّى عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ , وَلَوْ أَنَّهُ ظُفْرٌ أَوْ شَعْرٌ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ , وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَهِيدٍ فَلاَ يُغَسَّلُ , لَكِنْ يُلَفُّ وَيُدْفَنُ وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لاَ يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ عُضْوٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا غُسِّلَ أَيْضًا , وَكُفِّنَ , وَدُفِنَ , وَلاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ ثَانِيَةً , وَهَكَذَا أَبَدًا بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وُجُوبَ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ.
فَصَحَّ بِذَلِكَ غُسْلُ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَسَتْرُ جَمِيعِهَا بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ , فَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ عَمَلُهُ فِيمَا أَمْكَنَ عَمَلُهُ فِيهِ , بِالْوُجُودِ مَتَى وُجِدَ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ ذَلِكَ فِي الأَعْضَاءِ الْمُفَرَّقَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ وَيَنْوِي بِالصَّلاَةِ عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ الصَّلاَةُ عَلَى جَمِيعِهِ : جَسَدِهِ , وَرُوحِهِ
وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : إنْ وُجِدَ نِصْفُ الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ , أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرَّأْسُ : غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ النِّصْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الرَّأْسُ , أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ : لَمْ يُغَسَّلْ , وَلاَ كُفِّنَ , وَلاَ صُلِّيَ عَلَيْهِ
قال أبو محمد : وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيَك بِهِ وَقِيلَ لَهُمْ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَاجِبَةٌ , وَعَلَى نِصْفِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنْتُمْ قَدْ جَعَلْتُمْ الرُّبْعَ فِيمَا أَنْكَشَفَ مِنْ بَطْنِ الْحُرَّةِ وَشَعْرِهَا كَثِيرًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ , وَجَعَلْتُمْ الْعُشْرَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِكُمْ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ وَهُوَ مِنْ حَلْقِ عُشْرِ رَأْسِهِ , أَوْ عُشْرِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , فَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا صَلَّيَا عَلَى رِجْلِ , إنْسَانٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا.
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عِظَامٍ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَأْسٍ
وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ قَاطِعٌ , أَغْنَى ، عَنِ النَّظَرِ , وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ تَجِبُ بِهِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ ; لإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَائِبُ وَالْحَاضِرُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا , بَلْ فَرْضٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلاَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , لاَِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ , وَهِيَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ نَدْبٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ " قَالَ النَّبِيُّ r قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ , فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ , فَصَفَفْنَا , فَصَلَّى النَّبِيُّ r وَنَحْنُ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُسَدَّدٌ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ. قَالَ جَابِرٌ : فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ قَوِيَّةٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنِ النَّبِيِّ r . فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَمَلُهُ وَعَمَلُ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ , فَلاَ إجْمَاعَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا , وَآثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كَمَا أَوْرَدْنَا وَمَنَعَ مِنْ هَذَا : مَالِكٌ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَادَّعَى أَصْحَابُهُمَا الْخُصُوصَ لِلنَّجَاشِيِّ , وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا : هَلْ فَعَلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r
قلنا لَهُمْ : وَهَلْ جَاءَ قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ زَجَرَ ، عَنْ هَذَا أَوْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ r . قَالَ تَعَالَى ﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
581 - مَسْأَلَةٌ : وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَبْرِ , وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ
وقال أبو حنيفة : إنْ دُفِنَ بِلاَ صَلاَةٍ : صُلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ مَا بَيْنَ دَفْنِهِ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَإِنْ دُفِنَ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ عَلَى قَبْرِهِ
وقال مالك : لاَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ , وَرَوَى ذَلِكَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
وقال الشافعي , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ , وَقَدْ رُوِيَ هَذَا ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ
وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ , وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ إِسْحَاقُ : يُصَلِّي الْغَائِبُ عَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ , وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْحَاضِرُ إلَى ثَلاَثٍ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا , فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ , فَقَالُوا : مَاتَ , فَقَالَ : أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ , فَقَالَ : دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ , فَدَلُّوهُ , فَصَلَّى عَلَيْهَا , ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا , وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ. فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْهُ عليه السلام دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ
قال أبو محمد : وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا , وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْكَلاَمِ بَرَكَةُ صَلاَتِهِ عليه السلام وَفَضِيلَتُهَا عَلَى صَلاَةِ غَيْرِهِ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيُ غَيْرِهِ ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَصْلاً , بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ دَعْوَى الْخُصُوصِ هَهُنَا مَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ انْتَهَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ , فَصَلَّى عَلَيْهِ , وَصَفُّوا خَلْفَهُ , وَكَبَّرَ أَرْبَعًا قَالَ الشَّيْبَانِيُّ : قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ : مَنْ حَدَّثَك قَالَ : الثِّقَةُ , مَنْ شَهِدَهُ , ابْنُ عَبَّاسٍ. فَهَذَا أَبْطَلَ الْخُصُوصَ , لإِنَّ أَصْحَابَهُ عليه السلام , وَعَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ صَلَّوْا مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ , فَبَطَلَتْ دَعْوَى الْخُصُوصِ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْعُرَةَ السَّامِيِّ ، حدثنا غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r صَلَّى عَلَى قَبْرٍ.
قال أبو محمد : فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُصَلِّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبْرِهِ
قال أبو محمد : مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، نَهَى ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام , فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ , وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ فِعْلُ خَيْرٍ , وَالدَّعْوَى بَاطِلٌ إلاَّ بِبُرْهَانٍ
وقال بعضهم : نَهْيُ النَّبِيِّ r ، عَنِ الصَّلاَةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَى الْقَبْرِ مَانِعٌ مِنْ هَذَا
قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا عَكَسَ الْحَقَّ عَكْسًا ; لاَِنَّهُ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r النَّهْيُ ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ , أَوْ إلَيْهِ. أَوْ فِي الْمَقْبَرَةِ , وَعَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ , فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : كُلُّ هَذَا مُبَاحٌ وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ , فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ
وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ ، عَنِ الصَّلاَةِ مُطْلَقًا فِي مَنْعِهِ مِنْ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ ,
وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرَامَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَقْبَرَةِ , وَإِلَى الْقَبْرِ , وَعَلَيْهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
وقال بعضهم : كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ
قلنا : نَعَمْ , كَانَ لاَ يُصَلِّي سَائِرَ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْقَبْرِ , وَيُصَلِّي صَلاَةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَبَدًا
قال أبو محمد : وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَدْ صَحَّ مَا يُعَارِضُهُ , وَهُوَ أَنَّهُ t صَلَّى صَلاَةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ , ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا عَنْهُ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا صَحَّ ، عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ , فَكَيْفَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَلاَ يَصِحُّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ مَا ذَكَرْنَاهُ
وَرُوِّينَا ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ , فَحَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ مَكَّةَ فَدَفَنَّاهُ , فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ : أَيْنَ قَبْرُ أَخِي فَدَلَلْنَاهَا عَلَيْهِ , فَوَضَعَتْ فِي هَوْدَجِهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَدِمَ وَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ عَاصِمٌ , فَقَالَ : أَيْنَ قَبْرُ أَخِي فَدُلَّ عَلَيْهِ , فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ.
قال أبو محمد : هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا صَلاَةُ الْجِنَازَةِ , لاَ الدُّعَاءُ فَقَطْ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِقَوْمٍ جَاءُوا بَعْدَمَا دُفِنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حدثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ : أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ ذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إبَاحَةُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَيْهَا. فَهَذِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ
وَأَمَّا أَمْرُ تَحْدِيدِ الصَّلاَةِ بِشَهْرٍ أَوْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَخَطَأٌ لاَ يُشْكِلُ , لاَِنَّهُ تَحْدِيدٌ بِلاَ دَلِيلٍ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِهَذَا , أَوْ مَنْ حَدَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
582 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَزَوَّجَ كَافِرَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَمَاتَتْ حَامِلاً : فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ : دُفِنَتْ مَعَ أَهْلِ دِينِهَا , وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالرُّوحُ قَدْ نُفِخَ فِيهِ : دُفِنَتْ فِي طَرَفِ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ ; لإِنَّ عَمَلَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r أَنْ لاَ يُدْفَنَ مُسْلِمٌ مَعَ مُشْرِكٍ :
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ وَكَانَ ثِقَةً ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ ، عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَ، هُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ : لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ شَرًّا كَثِيرًا , ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا. فَصَحَّ بِهَذَا تَفْرِيقُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ ، عَنْ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ. وَالْحَمْلُ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّمَا هُوَ بَعْضُ جِسْمِ أُمِّهِ , وَمِنْ حَشْوَةِ بَطْنِهَا , وَهِيَ مَدْفُونَةٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ , فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ خَلْقٌ آخَرُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ , فَهُوَ حِينَئِذٍ إنْسَانٌ حَيٌّ غَيْرُ أُمِّهِ , بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى ، وَ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ فَلَهُ حُكْمُ الإِسْلاَمِ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ , وَهِيَ كَافِرَةٌ , فَلاَ تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ , فَوَجَبَ أَنْ تُدْفَنَ بِنَاحِيَةٍ لاَِجْلِ ذَلِكَ
رُوِّينَا ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى : أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ r دَفَنَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً مَاتَتْ حُبْلَى مِنْ مُسْلِمٍ : فِي مَقْبَرَةٍ لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةِ النَّصَارَى , وَلاَ بِمَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهَا تُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهَا
583 - مَسْأَلَةٌ : وَالصَّغِيرُ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ دُونَهُمَا فَيَمُوتُ : فَإِنَّهُ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ , قَالَ تَعَالَى ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ , إلاَّ مَنْ أَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ , وَلَيْسَ إلاَّ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ كَافِرَيْنِ , أَوْ حَرْبِيَّيْنِ كَافِرَيْنِ , وَلَمْ يُسْبَ حَتَّى بَلَغَ , وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَمُسْلِمٌ
584 - مَسْأَلَةٌ : وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ : الأَوْلِيَاءُ : وَهُمْ : الأَبُ وَآبَاؤُهُ , وَالاِبْنُ وَأَبْنَاؤُهُ , ثُمَّ الإِخْوَةُ الأَشِقَّاءُ , ثُمَّ الَّذِينَ لِلأَبِ , ثُمَّ بَنُوهُمْ , ثُمَّ الأَعْمَامُ لِلأَبِ وَالآُمِّ , ثُمَّ لِلأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ , ثُمَّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ , إلاَّ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ , فَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ الزَّوْجُ , ثُمَّ الأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي , فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا أَجْزَأَ : بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ , وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : لاَ يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ يَدْخُلُ فِيهِ : ذُو الرَّحِمِ , وَالزَّوْجُ , فَإِذَا اجْتَمَعَا فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحَدِيثِ , فَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ وَذُو الرَّحِمِ أَوْلَى بِالآيَةِ , ثُمَّ الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالْحَدِيثِ رُوِّينَاهُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : ، أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ : أَبٌ , أَوْ ابْنٌ , أَوْ أَخٌ : أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ : الْوَلِيُّ دُونَ الزَّوْجِ وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ : الأَخُ أَحَقُّ مِنْ الزَّوْجِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَسَنِ : كَانُوا يُقَدِّمُونَ الأَئِمَّةَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ , فَإِنْ تَدَارَءُوا فَالْوَلِيُّ , ثُمَّ الزَّوْجُ.
فإن قيل : قَدْ قَدَّمَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ : سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ عَلَى وَلِيٍّ لَهُ وَقَالَ : لَوْلاَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَا قَدَّمْتُك وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ لاِِخْوَةِ زَوْجَتِهِ : أَنَا أَحَقُّ مِنْكُمْ
قلنا : لَمْ نَدَّعِ لَكُمْ إجْمَاعًا فَتُعَارِضُونَا بِهَذَا , وَلَكِنْ إذَا تَنَازَعَ الأَئِمَّةُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا أَوْرَدْنَا , وَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ فِي التَّنَازُعِ إلَى غَيْرِ كَلاَمِهِ وَحُكْمِ نَبِيِّهِ r .
وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : الأَوْلِيَاءُ أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ , إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إنْ كَانَ وَلَدُهَا ابْنَ زَوْجِهَا الْحَاضِرُ فَالزَّوْجُ أَبُو الْوَلَدِ أَحَقُّ وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ , لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ
585 - مَسْأَلَةٌ : وَأَحَقُّ النَّاسِ بِإِنْزَالِ الْمَرْأَةِ فِي قَبْرِهَا مَنْ لَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ , وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا , حَضَرَ زَوْجُهَا أَوْ أَوْلِيَاؤُهَا أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا , وَأَحَقُّهُمْ بِإِنْزَالِ الرَّجُلِ أَوْلِيَاؤُهُ أَمَّا الرَّجُلُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَهَذَا عُمُومٌ , لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلاَّ بِنَصٍّ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ r وَرَسُولُ اللَّهِ r جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ , فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ , فَقَالَ : هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَنَا , قَالَ : فَانْزِلْ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، حدثنا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ ابْنَتُهُ ، رضي الله عنها ، لاَ يَدْخُلْ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ , فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ
قال أبو محمد : الْمُقَارَفَةُ الْوَطْءُ , لاَ مُقَارَفَةُ الذَّنْبِ. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَزَكَّى أَبُو طَلْحَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ r بِأَنَّهُ لَمْ يُقَارِفْ ذَنْبًا.
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْلَى مِنْ الأَبِ وَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِمَا
586 بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ : الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ :
قال أبو محمد : وَاسْتَدْرَكْنَا الْوَصِيَّةَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمُوصِي غَيْرُ الْوَلِيِّ وَغَيْرُ الزَّوْجِ , وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُحْتَضَرِ قَالَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ أَمِيرٍ ، وَلاَ وَلِيٍّ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا ، وَلاَ مِنْ قَوْمِهَا , وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ : أَنَّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ وَلَيْسَ مِنْ قَوْمِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ : أَنَّ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ.
587 - مَسْأَلَةٌ : وَتَقْبِيلُ الْمَيِّتِ جَائِزٌ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ أَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r أَخْبَرَتْهُ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ تَعْنِي إذْ مَاتَ عليه السلام قَالَتْ : فَكَشَفَ ، عَنْ وَجْهِهِ , ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ , ثُمَّ بَكَى وَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
588 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسَجَّى الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ مَا يَمْنَعُ انْتِفَاخَهُ : أَمَّا التَّسْجِيَةُ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي رَسُولِ اللَّهِ r وَكُلُّ مَا فُعِلَ فِيهِ r فَهُوَ حَقٌّ , لقوله تعالى : وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا عُمُومٌ , لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلاَّ بِنَصٍّ
وَأَمَّا قَوْلُنَا : يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَكُلُّ مَا فِيهِ رِفْقٌ بِالْمُسْلِمِ وَدَفْعٌ لِلْمَثُلَةِ عَنْهُ , فَهُوَ بِرٌّ وَتَقْوَى
589 - مَسْأَلَةٌ : وَالصَّبْرُ وَاجِبٌ , وَالْبُكَاءُ مُبَاحٌ , مَا لَمْ يَكُنْ نَوْحٌ , فَإِنَّ النَّوْحَ حَرَامٌ , وَالصِّيَاحَ , وَخَمْشَ الْوُجُوهِ وَضَرْبَهَا , وَضَرْبَ الصَّدْرِ , وَنَتْفَ الشَّعْرِ وَحَلْقَهُ لِلْمَيِّتِ : كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ ,
وَكَذَلِكَ الْكَلاَمُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي هُوَ تَسَخُّطٌ لاَِقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى , وَشَقُّ الثِّيَابِ :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ r بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ , فَقَالَ : اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ : سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الآُولَى. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنِي قُرَيْشٌ ، هُوَ ابْنُ حَيَّانَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ , فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ r تَذْرِفَانِ , فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ عَوْفٍ , إنَّهَا رَحْمَةٌ , الْعَيْنُ تَدْمَعُ , وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ , وَلاَ نَقُولُ إلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا , وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ. فَهَذَا إبَاحَةُ الْحُزْنِ الَّذِي لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ , وَ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَفِيهِ إبَاحَةُ الْبُكَاءِ , وَتَحْرِيمُ الْكَلاَمِ بِمَا لاَ يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ ، حدثنا أَبَانُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلاَمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ , وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ , وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ , وَالنِّيَاحَةُ , النَّائِحَةُ إذَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ , وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالاَ : أرنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَنَا أَبُو عُمَيْسٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا صَخْرَةَ يَذْكُرُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالاَ جَمِيعًا : أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ , فَأَفَاقَ قَالَ : أَلَمْ تَعْلَمِي وَكَانَ يُحَدِّثُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا أَصْبَغُ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَعَادَهُ النَّبِيُّ r مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَاشِيَتِهِ فَبَكَى النَّبِيُّ r فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ r بَكَوْا , فَقَالَ : أَلاَ تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ , وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ , وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.
قال أبو محمد هَذَا الْخَبَرُ بِتَمَامِهِ يُبَيِّنُ مَعْنَى مَا وَهَلَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام : إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. وَلاَحَ بِهَذَا أَنَّ هَذَا الْبُكَاءَ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي لاَ يُعَذَّبُ بِهِ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ , وَحُزْنِ الْقَلْبِ. فَصَحَّ أَنَّهُ الْبُكَاءُ بِاللِّسَانِ , إذْ يُعَذِّبُونَهُ بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي جَارَ فِيهَا فَعُذِّبَ عَلَيْهَا , وَشَجَاعَتِهِ الَّتِي يُعَذَّبُ عَلَيْهَا , إذْ صَرَفَهَا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى , وَبِجُودِهِ الَّذِي أَخَذَ مَا جَادَ بِهِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ , وَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ فَأَهْلُهُ يَبْكُونَهُ بِهَذِهِ الْمَفَاخِرِ , وَهُوَ يُعَذَّبُ بِهَا بِعَيْنِهَا , وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِمَنْ يَتَكَلَّفُ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ , وَقَالَ : اللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى
590 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ كَانَ حَاجًّا , أَوْ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ , إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا : فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ فَقَطْ إنْ وُجِدَ السِّدْرُ. وَلاَ يُمَسُّ بِكَافُورٍ ، وَلاَ بِطَيِّبٍ , وَلاَ يُغَطَّى وَجْهُهُ , وَلاَ رَأْسُهُ ، وَلاَ يُكَفَّنُ إلاَّ فِي ثِيَابِ إحْرَامِهِ فَقَطْ , أَوْ فِي ثَوْبَيْنِ غَيْرَ ثِيَابِ إحْرَامِهِ. وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَكَذَلِكَ , إلاَّ أَنَّ رَأْسَهَا تُغَطَّى وَيُكْشَفُ وَجْهُهَا , وَلَوْ أُسْدِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا فَلاَ بَأْسَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَنَّعَ فَمَنْ مَاتَ مِنْ مُحْرِمٍ , أَوْ مُحْرِمَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَسَائِرِ الْمَوْتَى , رَمَى الْجِمَارَ أَوْ لَمْ يَرْمِهَا
وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : هُمَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى فِي كُلِّ ذَلِكَ : بُرْهَانُ قَوْلِنَا : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ سَمِعْت أَبَا بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ ، عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ , خَارِجَ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ , فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الْحَفْرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r غَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَكَفِّنُوهُ فِي ثِيَابِهِ , وَلاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ ، وَلاَ رَأْسَهُ , فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِعَرَفَةَ , إذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ , وَلاَ تُحَنِّطُوهُ , وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ , فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مُحْرِمٌ , فَقَالَ النَّبِيُّ r : اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ , وَلاَ تَمَسُّوهُ طِيبًا , وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ , فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ ، وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ ، وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا , فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ. فَهَذَا لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ , لاَِنَّهُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً , رَوَاهُ شُعْبَةُ , وَسُفْيَانُ , وَأَبُو عَوَانَةَ , وَمَنْصُورٌ , وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَرَوَاهُ قَبْلَهُمْ أَبُو بِشْرٍ , وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَالْحَكَمُ , وَأَيُّوبُ , وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَهِدَ الْقِصَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ , آخِرَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَصَحَّتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْخَبَرِ كُلُّهَا , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا , وَأَمَرَ عليه السلام بِذَلِكَ فِي مُحْرِمٍ سُئِلَ عَنْهُ , وَالْمُحْرِمُ يَعُمُّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ , وَالْبَعْثُ وَالتَّلْبِيَةُ يَجْمَعُهُمَا , وَبِهِمَا جَاءَ الأَثَرُ , وَالسَّبَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ.
فإن قيل : إنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِلْمُحْرِمِ الْحَقَّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ , وَتَمْنَعُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ
قلنا : نَعَمْ , لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ يَحِلُّ الاِعْتِرَاضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَلَمْ يَأْمُرْ الْمُحْرِمَ الْحَيَّ بِكَشْفِ وَجْهِهِ , وَأَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ , فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ عليه السلام , وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ لاَ يُفَرِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ وَجَدُوا ذَلِكَ أَمْ فِي أَيِّ دَلِيلِ عَقْلٍ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ قَائِلِينَ بِهَذَا نَفْسِهِ , فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ , وَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ r .
وقال بعضهم هَذَا : خُصُوصٌ لِذَلِكَ الْمُحْرِمِ. .
فَقُلْنَا : هَذَا الْكَذِبُ مِنْكُمْ ; لإِنَّ النَّبِيَّ r إنَّمَا أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ إذْ سُئِلَ عَنْهُ , كَمَا أَفْتَى فِي الْمُسْتَحَاضَةِ , وَكَمَا أَفْتَى أُمَّ سَلَمَةَ فِي أَنْ لاَ تَحِلَّ ضَفْرَ رَأْسِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسَائِرِ مَا اُسْتُفْتِيَ فِيهِ عليه السلام فَأَفْتَى فِيهِ فَكَانَ عُمُومًا.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ عليه السلام فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدًا " وَيُلَبِّي " " وَيُهِلُّ " فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ , وَأَوْقَفُوهُ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ , وَأَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ عليه السلام مِنْ الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ , وَالْمِلْحِ , وَالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ : فَتَعَدَّوْا بِحُكْمِهَا إلَى مَا لَمْ يَحْكُمْ عليه السلام قَطُّ بِهَذَا الْحُكْمِ فِيهِ فَإِنَّمَا أَوْلَعُوا بِمُخَالَفَةِ الأَوَامِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا
وقال بعضهم : قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عُمَرَ : تَحْنِيطُ الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ , وَتَطْيِيبُهُ , وَتَخْمِيرُ رَأْسِهِ
قلنا : وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ , وَغَيْرِهِ خِلاَفُ ذَلِكَ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ , فَمَاتَ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ , فَلَمْ يُغَيِّبْ عُثْمَانُ رَأْسَهُ , وَلَمْ يُمْسِسْهُ طِيبًا , فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ :
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا أَبِي قَالَ : تُوُفِّيَ عُبَيْدُ بْنُ يَزِيدَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يُغَيِّبْ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ رَأْسَهُ فِي النَّعْشِ :
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ , يُغْسَلُ رَأْسُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ , وَلاَ يُغَطَّى رَأْسُهُ , وَلاَ يَمَسُّ طِيبًا
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمْ وَالْعَجَبُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ , وَهُمْ يَدَّعُونَ الإِجْمَاعَ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كَدَعْوَاهُمْ فِي الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ : ثَمَانِينَ , وَغَيْرَ ذَلِكَ
فإن قيل : قَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ , فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا
قلنا : وَقَدْ خَالَفَ : عُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَالْحَسَنُ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : فِي حَدِّ الْخَمْرِ بَعْدَ عُمَرَ , فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ فَالْفَرْضُ عَلَيْنَا رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَهُمَا وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ خَمِّرُوا وُجُوهَهُمْ , وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ. وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ
وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ لَوْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُحْرِمِ أَصْلاً , بَلْ كَانَ يَكُونُ فِي سَائِرِ الْمَوْتَى وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ عليه السلام أَصْلاً ; لاَِنَّهُ عليه السلام لاَ يَقُولُ إلاَّ الْحَقَّ , وَالْيَهُودُ لاَ تَكْشِفُ وُجُوهَ مَوْتَاهَا. فَصَحَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ , سَمِعَهُ عَطَاءٌ مِمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ أَوْ مِمَّنْ وَهَمَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا فِي الْمُحْرِمِينَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لإِنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الآخَرُ بِلاَ شَكٍّ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقُولَ عليه السلام فِي أَمْرٍ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ , وَجَائِزٌ أَنْ يَنْهَى ، عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ , ثُمَّ يَأْمُرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ , لاَ تَشَبُّهًا بِهِمْ كَمَا قَالَ عليه السلام فِي قَوْلِ الْيَهُودِيَّةِ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ , ثُمَّ أَتَاهُ الْوَحْيُ بِصِحَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ , وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ , وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ. وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً ; لاَِنَّهُ إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ , وَهَكَذَا نَقُولُ , وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَمَلُ غَيْرِهِ فِيهِ , بَلْ غَيْرُهُ مَأْمُورٌ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مُفْتَرَضَةٍ , مِنْ غُسْلٍ , وَصَلاَةٍ , وَدَفْنٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَهَذَا الْعَمَلُ لَيْسَ هُوَ عَمَلُ الْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ , إنَّمَا هُوَ عَمَلُ الأَحْيَاءِ فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى وَهَذِهِ إحَالَةٌ مِنْهُمْ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ , وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ : إنَّ هَذَا مِنْ سَعْيِ الْمَيِّتِ , وَلَكِنَّهُ مِنْ سَعْيِ الأَحْيَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا أُمِرْنَا بِأَنْ لاَ نُغَسِّلَ الشَّهِيدَ ، وَلاَ نُكَفِّنَهُ , وَأَنْ نَدْفِنَهُ فِي ثِيَابِهِ , وَلَيْسَ هُوَ عَمَلُ الشَّهِيدِ ، وَلاَ سَعْيُهُ , لَكِنَّهُ عَمَلُنَا فِيهِ وَسَعْيُنَا لاَِنْفُسِنَا الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ فِيهِ ، وَلاَ فَرْقَ وَالْقَوْلُ مُتَحَكِّمُونَ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ ، وَلاَ مَزِيدَ إلاَّ إنْ كَانُوا يَحُومُونَ حَوْلَ أَنْ يَعْتَرِضُوا بِهَذَا كُلِّهِ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ r : فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدًا " يُلَبِّي " " وَيُهِلُّ " فَهَذَا رِدَّةٌ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عليه السلام إنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي وَيُهِلُّ وَمُلَبِّدًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ عليه السلام إنَّ مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَثْعَبُ دَمًا , اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ , وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ. وَكُلُّ هَذِهِ فَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ ، وَلاَ تُرَدُّ , وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَالُوا : الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَالْمَيِّتُ مُحْرِمًا : كِلاَهُمَا مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , وَحُكْمُ أَحَدِهِمَا خِلاَفُ حُكْمِ الْمَوْتَى , فَكَذَلِكَ الآخَرُ وَلَكِنَّهُمْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ , وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الشَّبَهَ بَيْنَ الْجِهَادِ , وَالْحَجِّ أَقْرَبُ مِنْ الشَّبَهِ بَيْنَ السَّرِقَةِ , وَالنِّكَاحِ
591 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ إذَا رَآهَا الْمَرْءُ وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ حَتَّى تُوضَعَ أَوْ تَخْلُفَهُ , فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَلاَ حَرَجَ لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يَخْلُفَهَا أَوْ تَخْلُفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْلُفَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ , وَابْنِ جُرَيْجٍ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ , كُلِّهِمْ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا.
وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا مُسْلِمٌ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا , فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ فُضَالَةَ ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَرَّ بِنَا جِنَازَةٌ , فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ r وَقُمْنَا بِهِ .
فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ : فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو سَعِيدٍ وَيَرَاهُ وَاجِبًا ، وَابْنُ عُمَرَ , وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ , وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ , وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ , وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ , وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ , وَقَتَادَةُ , وَابْنُ سِيرِينَ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ قَعَدَ يَعْنِي لِلْجِنَازَةِ فَكَانَ قُعُودُهُ r بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ , وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَسْخًا ; لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُ سُنَّةٍ مُتَيَقَّنَةٍ إلاَّ بِيَقِينِ نَسْخٍ , وَالنَّسْخُ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالنَّهْيِ , أَوْ بِتَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ
فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ : قُمْت إلَى جَنْبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي جِنَازَةٍ , فَقَالَ لِي : حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ الْحَكَمِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r بِالْقِيَامِ. ثُمَّ أَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ فَهَلاَّ قَطَعْتُمْ بِالنَّسْخِ بِهَذَا الْخَبَرِ
قلنا : كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ , لَوْلاَ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الأَعْوَرُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالاَ جَمِيعًا : مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ r شَهِدَ جِنَازَةً قَطُّ فَجَلَسَ حَتَّى تُوضَعَ. فَهَذَا عَمَلُهُ عليه السلام الْمُدَاوِمُ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ مَا فَارَقَاهُ عليه السلام حَتَّى مَاتَ.فَصَحَّ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْجُلُوسِ إبَاحَةٌ وَتَخْفِيفٌ , وَأَمْرَهُ بِالْقِيَامِ وَقِيَامَهُ نَدْبٌ وَمِمَّنْ كَانَ يَجْلِسُ : ابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ.
592 - مَسْأَلَةٌ : وَيَجِبُ الإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ , وَنَسْتَحِبُّ أَنْ لاَ يَزُولَ عَنْهَا مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ , فَإِنْ انْصَرَفَ قَبْلَ الدَّفْنِ فَلاَ حَرَجَ , وَلاَ مَعْنَى لاِنْتِظَارِ إذْنِ وَلِيِّ الْجِنَازَةِ أَمَّا وُجُوبُ الإِسْرَاعِ ,
فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ , فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ , وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا تَضَعُونَهُ ، عَنْ رِقَابِكُمْ. وَهُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ ,
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ وَهُشَيْمٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَإِنَّا لَنَكَادُ نَرْمُلُ بِالْجِنَازَةِ رَمَلاً.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ , فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا صَحِيحًا
قال أبو محمد : الإِسْرَاعُ بِهَا أَمْرٌ , وَهَذَا الآخَرُ نَدْبٌ , وَفِي إبَاحَتِهِ عليه السلام لِمَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ لاَ يَشْهَدَ دَفْنَهَا وَجُعِلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ قِيرَاطُ أَجْرٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ : بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لاِِذْنِ صَاحِبِ الْجِنَازَةِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : إذَا صَلَّيْت عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَدْ قَضَيْت الَّذِي عَلَيْك , فَخَلِّهَا وَأَهْلَهَا , وَكَانَ يَنْصَرِفُ ، وَلاَ يَسْتَأْذِنُهُمْ وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ ، وَلاَ يَنْتَظِرُ إذْنَهُمْ , يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ مَعْمَرٌ. قَالَ مَعْمَرٌ :
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ , وَقَتَادَةَ. وَصَحَّ ، عَنِ الْقَاسِمِ , وَسَالِمٍ ,
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
593 - مَسْأَلَةٌ : وَيَقِفُ الإِمَامُ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ قُبَالَةَ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ قُبَالَةَ وَسَطِهَا : قَالَ مَالِكٌ , وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ قُبَالَةَ وَسَطِهِ , وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبِهَا.
وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا : يَقِفُ قُبَالَةَ الصَّدْرِ مِنْ كِلَيْهِمَا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ نَافِعٍ قَالَ شَهِدْت جِنَازَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ , فَصَلَّى عَلَيْهَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ , فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ , ثُمَّ قَالُوا : يَا أَبَا حَمْزَةَ , الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ , فَقَامَ عَلَيْهَا عِنْدَ عَجِيزَتِهَا , فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ : يَا أَبَا حَمْزَةَ , هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلاَتِكَ , يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا , وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ : نَعَمْ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا , وَفِي آخِرِهِ : فَأَقْبَلَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : احْفَظُوا
قال أبو محمد : هَذَا مَكَانٌ خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ أُصُولَهُمْ ; لأَنَّهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ , وَهَذَا صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَقَدْ خَالَفُوهُ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ ، وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ : يَقِفُ فِي كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْوَسَطِ : حُجَّةً , إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى وُقُوفِ الإِمَامِ مُقَابِلَ وَسَطِ الصَّفِّ خَلْفَهُ , وَهَذَا أَسْخَفُ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ ; لإِنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مَأْمُومًا لِلإِمَامِ فَيَقِفُ وَسَطَهُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ : يَقِفُ عِنْدَ الصَّدْرِ أَنَّهُمْ قَالُوا : كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ اتِّخَاذِ النُّعُوشِ , فَيَسْتُرُ الْمَرْأَةَ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا بَاطِلٌ , وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. ثُمَّ مَعَ كَذِبِهِ بَارِدٌ بَاطِلٌ , لاَِنَّهُ وَإِنْ سَتَرَ عَجِيزَتَهَا ، عَنِ النَّاسِ لَمْ يَسْتُرْهَا ، عَنْ نَفْسِهِ , وَهُوَ وَالنَّاسُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ
594 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ سَبُّ الأَمْوَاتِ عَلَى الْقَصْدِ بِالأَذَى ,
وَأَمَّا تَحْذِيرٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ مِنْ عَمَلٍ فَاسِدٍ : فَمُبَاحٌ , وَلَعْنُ الْكُفَّارِ : مُبَاحٌ لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا آدَم ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ r : لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا. وَقَدْ سَبَّ اللَّهُ تَعَالَى أَبَا لَهَبٍ , وَفِرْعَوْنَ , تَحْذِيرًا مِنْ كُفْرِهِمَا
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي غَلَّهَا مِدْعَمٌ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا , وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ
595 - مَسْأَلَةٌ : وَيَجِبُ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الَّذِي يَمُوتُ فِي ذِهْنِهِ وَلِسَانُهُ مُنْطَلِقٌ أَوْ غَيْرُ مُنْطَلِقٍ شَهَادَةَ الإِسْلاَمِ , وَهِيَ " لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ,
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : لَقِّنُونِي لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَسْرِعُوا بِي إلَى حُفْرَتِي
وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي ذِهْنِهِ فَلاَ يُمْكِنُ تَلْقِينُهُ , لاَِنَّهُ لاَ يَتَلَقَّنُ
وَأَمَّا مَنْ مُنِعَ الْكَلاَمَ فَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ , نَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَقَامِ
596 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ إذَا قَضَى لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَغْمِيضِ أَعْيُنِ الْمَوْتَى
597 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُصَابُ " إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ". لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ , اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.
598 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ الصَّلاَةَ عَلَى الْمَوْلُودِ يُولَدُ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتُ اسْتَهَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَلَيْسَ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَرْضًا مَا لَمْ يَبْلُغْ أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا فِعْلُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ أَمَّا تَرْكُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فَلِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَ، هُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا , فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r . هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ إنَّمَا فِيهِ تَرْكُ الصَّلاَةِ , وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْهَا , وَقَدْ جَاءَ أَثَرَانِ مُرْسَلاَنِ بِأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِ , وَالْمُرْسَلُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ , وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا , وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَبِهَذَا يَأْخُذُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ : أَحَقُّ مَنْ صَلَّيْنَا عَلَيْهِ أَطْفَالُنَا :
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَنْفُوسٍ إنْ عَمِلَ خَطِيئَةً قَطُّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا تَمَّ خَلْقُهُ فَصَاحَ : صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ : حدثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ : قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي لَيْلَى : أَدْرَكْت بَقَايَا الأَنْصَارِ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ يَحْيَى : حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ , ثُمَّ اتَّفَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ , وَأَيُّوبُ كِلاَهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سِقْطٍ لَهُ لاَ أَدْرِي اسْتَهَلَّ أَمْ لاَ هَذَا لَفْظُ أَيُّوبَ , وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : " مَوْلُودٍ " مَكَانَ " سِقْطٍ ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لاَِبَوَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ :
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو عَلَى الصَّغِيرِ كَمَا يَدْعُو عَلَى الْكَبِيرِ , فَقِيلَ لَهُ : هَذَا لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ فَقَالَ : وَالنَّبِيُّ r قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ , وَأَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ , قَالَ قَتَادَةُ : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ أَيُّوبُ : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالاَ جَمِيعًا : إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ : صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ
وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي السِّقْطِ لاَِرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ قَتَادَةُ : وَيُسَمَّى , فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أَوْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاسْمِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى , وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَإِبْرَاهِيمُ : يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا اسْتَهَلَّ
قال أبو محمد : لاَ مَعْنَى لِلاِسْتِهْلاَلِ , لاَِنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ وَقَالَ حَمَّادٌ : إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ مِنْ السَّبْيِ لَيْسَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ
وَرُوِيَ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ مَاتَ لَهُ ابْنٌ قَدْ لَعِبَ مَعَ الصِّبْيَانِ وَاشْتَدَّ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ , اسْمُهُ عُمَرُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : لاَ يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ
599 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ نَكْرَهُ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ , وَلاَ نَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ جَاءَتْ فِي النَّهْيِ ، عَنْ ذَلِكَ آثَارٌ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ , لاَِنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةً ,
وَأَمَّا ، عَنْ مَجْهُولٍ ,
وَأَمَّا عَمَّنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَأَشْبَهَ مَا فِيهِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ حَفْصَةَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ نُهِينَا ، عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ , وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ ; لاَِنَّنَا لاَ نَدْرِي مَنْ هَذَا النَّاهِي وَلَعَلَّهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ , بَلْ كَانَ يَكُونُ كَرَاهَةً فَقَطْ. بَلْ قَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً , فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ , وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ , وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ
600 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ , وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً ، وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَزُورَ الْمُسْلِمُ قَبْرَ حَمِيمِهِ الْمُشْرِكِ , وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ هُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ , عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ زَارَ النَّبِيُّ r قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ , فَقَالَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي , وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي , فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عُمَرَ , وَغَيْرِهِمَا : زِيَارَةُ الْقُبُورِ
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ النَّهْيُ مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ يَصِحَّ
601 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ لِمَنْ حَضَرَ عَلَى الْقُبُورِ أَنْ يَقُولَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ , فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ.
602 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَصَاعِدًا لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا سَلاَّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ : إلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ. قَالَ : فَحَدَّثْت بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ : حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r .
قال أبو محمد : الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ يُصَلِّي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ رَوَاهُ شُرَيْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ
قال أبو محمد : الشَّفِيعُ يَكُونُ بَعْدَ الْعِقَابِ , إلاَّ أَنَّهُ مُخَفِّفٌ مَا قَدْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلاَ الشَّفَاعَةُ لَمْ يُخَفِّفْ , وَشَفَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ الشَّفَاعَاتِ تَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ وَبَعْدَ دُخُولِ النَّارِ كَمَا جَاءَتْ الآثَارُ , نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ
603 - مَسْأَلَةٌ : وَإِدْخَالُ الْمَوْتَى فِي الْمَسَاجِدِ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ حَسَنٌ كُلُّهُ , وَأَفْضَلُ مَكَان صُلِّيَ فِيهِ عَلَى الْمَوْتَى فِي دَاخِلَ الْمَسَاجِدِ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا :
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حدثنا بَهْزُ ، هُوَ ابْنُ أَسَدٍ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، هُوَ ابْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ r أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ , فَفَعَلُوا , فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ , وَقَالُوا : مَا كَانَتْ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِالْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ , وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إلاَّ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ , وَأَخِيهِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , كِلاَهُمَا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ , فَقَالَ : مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إلاَّ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ , لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُ هَذَا أَصْلاً
قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ شَهِدَ الصَّلاَةَ عَلَيْهَا خِيَارُ الآُمَّةِ , فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ , فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ :
وَاحْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ. قَالَ : وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا تَضَايَقَ بِهِمْ الْمَكَانُ رَجَعُوا وَلَمْ يُصَلُّوا
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَيْمَنَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاََعْرِفَنَّ مَا صَلَّيْت عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ
وقال بعضهم : الْمَيِّتُ جِيفَةٌ , وَيَنْبَغِي تَجْنِيبُ الْجِيَفِ الْمَسَاجِدَ مَا نَعْلَمُ لَهُ شَيْئًا مَوَّهُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا , وَهُوَ كُلُّهُ لاَ شَيْءَ أَمَّا الْخَبَرُ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَأَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلاَّ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ , وَهُوَ سَاقِطٌ
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَقْلِيدُ الْمَالِكِيِّينَ مَالِكًا دِينَهُمْ , فَإِذَا جَاءَتْ شَهَادَتُهُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ رَدُّهَا لِثِقَتِهِ اطَّرَحُوهَا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهَا فَوَاخِلاَفَاهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ : حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ : سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَقَالَ : لَيْسَ بِثِقَةٍ. فَكَذَّبُوا مَالِكًا فِي تَجْرِيحِهِ صَالِحًا وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ صَالِحٍ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ
وَأَمَّا الْمُنْكِرُونَ إدْخَالَ سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ إلاَّ تَجْهِيلُهُمْ , وَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ.
فَصَحَّ أَنَّهُمْ عَامَّةٌ جُهَّالٌ أَوْ أَعْرَابٌ كَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ يَصِحُّ لِكَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ صُحْبَةٌ
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : الْمَيِّتُ جِيفَةٌ , فَقَوْلُهُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ , بَلْ لَعَلَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ خَرَجَ إلَى الْكُفْرِ , لاَِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ فَبَطَلَ قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ. وَصَحَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ : طَاهِرٌ طَيِّبٌ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
604 - مَسْأَلَةٌ ، وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبْسَطَ فِي الْقَبْرِ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا أَبُو جَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بُسِطَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ r قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَكِيعٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُكْسَاهُ الْمَيِّتُ فِي كَفَنِهِ , وَقَدْ تَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعَمَلَ فِي دَفْنِ رَسُولِهِ الْمَعْصُومِ مِنْ النَّاسِ. وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ , وَفَعَلَهُ خِيَرَةُ أَهْلِ الأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ , لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْمَالِكِيُّونَ , وَهُمْ يَدَعُونَ فِي أَقَلِّ مِنْ هَذَا عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَرَكُوا عَمَلَهُمْ هُنَا , وَفِي الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ , وَفِي حَدِيثِ صَخْرٍ أَنَّهُ عَمَلُهُمْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
605 - مَسْأَلَةٌ : وَحُكْمُ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا , وَأَنْ يَكُونَ الْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ , عَنْ يَمِينِهَا أَوْ شِمَالِهَا أَوْ أَمَامِهَا أَوْ خَلْفِهَا , وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيْنَا خَلْفُهَا بُرْهَانُ ذَلِكَ :
مَا رُوِّينَا آنِفًا فِي بَابِ الصَّلاَةِ عَلَى الطِّفْلِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ , وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ : سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ.
قال أبو محمد : فَلَفْظُ الاِتِّبَاعِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى التَّالِي , وَلاَ يُسَمَّى الْمُتَقَدِّمُ تَابِعًا , بَلْ هُوَ مَتْبُوعٌ , فَلَوْلاَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا , وَالْخَبَرُ الَّذِي
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ، حدثنا أَبِي ، حدثنا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، حدثنا سُفْيَانُ وَمَنْصُورٌ وَزِيَادٌ كُلُّهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ r وَأَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ : لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا فَرْضًا لاَ يُجْزِي غَيْرُهُ , لِلأَمْرِ الْوَارِدِ بِاتِّبَاعِهَا , وَلَكِنْ هَذَانِ الْخَبَرَانِ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا نَدْبٌ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا بِنَسْخٍ , لإِنَّ اسْتِعْمَالَ كُلِّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ. وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : أَنَّ خَبَرَ هَمَّامٍ هَذَا خَطَأٌ , وَلَكِنَّا لاَ نَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَى الْخَطَأِ فِي رِوَايَةِ الثِّقَةِ إلاَّ بِبَيَانٍ لاَ يُشَكُّ فِيهِ وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحُمَيْدِ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِيهَا إيجَابُ الْمَشْيِ خَلْفَهَا , لاَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا ; لإِنَّ فِيهَا أَبَا مَاجِدٍ الْحَنَفِيَّ , وَالْمُطَرِّحَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زُحَرٍ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ. وَفِي الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَا كِفَايَةٌ , وَبِكُلِّ ذَلِكَ قَالَ السَّلَفُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ أَوْسٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي جِنَازَةٍ , وَعَلِيٌّ آخِذٌ بِيَدِي , وَنَحْنُ خَلْفَهَا , وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمَامَهَا ,
فَقَالَ عَلِيٌّ : إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الَّذِي يَمْشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلاَةِ الْفَذِّ , وَإِنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَعْلَمُ , وَلَكِنَّهُمَا يُسَهِّلاَنِ عَلَى النَّاسِ وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ , وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ : سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَقَدْ سُئِلَ ، عَنِ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ : إنَّمَا أَنْتَ مُشَيِّعٌ , فَامْشِ إنْ شِئْت أَمَامَهَا , وَإِنْ شِئْت خَلْفَهَا , وَإِنْ شِئْت ، عَنْ يَمِينِهَا وَإِنْ شِئْت ، عَنْ يَسَارِهَا
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : الْمَشْيُ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ خَيْرٌ أَمْ أَمَامَهَا قَالَ : لاَ أَدْرِي.
قال أبو محمد : قَالَ مَالِكٌ : الْمَشْيُ أَمَامُ أَفْضَلُ ,
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ : وَعَلِيٌّ , قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ , فَجَعَلُوا ظَنَّ مَالِكٍ أَصْدَقَ مِنْ خَبَرِ عَلِيٍّ
606 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ بَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً : شُقَّ بَطْنُهُ عَنْهَا , لِصِحَّةِ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ عَيْنِ مَالِهِ , مَا دَامَ عَيْنُ مَالِهِ مُمْكِنًا , لإِنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَلَوْ بَلَعَهُ وَهُوَ حَيٌّ حُبِسَ حَتَّى يَرْمِيَهُ , فَإِنْ رَمَاهُ نَاقِصًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ , فَإِنْ لَمْ يَرْمِهِ : ضَمِنَ مَا بَلَعَ ، وَلاَ يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْحَيِّ , لإِنَّ فِيهِ قَتْلَهُ , وَلاَ ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَلاَ يَحِلُّ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ بِلاَ مَعْنًى ; لاَِنَّهُ تَعَدٍّ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَعْتَدُوا.
فإن قيل : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا.
قلنا : نَعَمْ , وَلَمْ نَكْسِرْ لَهُ عَظْمًا , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ r النَّهْيَ ، عَنْ غَيْرِ كَسْرِ الْعَظْمِ فَلاَ يَذْكُرُ ذَلِكَ وَيَذْكُرُ كَسْرَ الْعَظْمِ , وَلَوْ أَنَّ امْرَأً شَهِدَ عَلَى مَنْ شَقَّ بَطْنَ آخَرَ بِأَنَّهُ كَسَرَ عَظْمَهُ لَكَانَ شَاهِدَ زُورٍ , وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الاِحْتِجَاجِ , وَلِهَذَا الْقِيَاسِ , فَلاَ يَرَوْنَ الْقَوَدَ , وَلاَ الأَرْشَ عَلَى كَاسِرِ عَظْمِ الْمَيِّتِ بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ فِي عَظْمِ الْحَيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
607 - مَسْأَلَةٌ : وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَالْوَلَدُ حَيٌّ يَتَحَرَّكُ قَدْ تَجَاوَزَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُشَقُّ بَطْنُهَا طُولاً وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ. وَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِ أَحْمَدَ رحمه الله : تُدْخِلُ الْقَابِلَةُ يَدَهَا فَتُخْرِجُهُ , لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُحَالٌ لاَ يُمْكِنُ , وَلَوْ فُعِلَ ذَلِكَ لَمَاتَ الْجَنِينُ بِيَقِينٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ , وَلَوْلاَ دَفْعُ الطَّبِيعَةِ الْمَخْلُوقَةِ الْمَقْدُورَةِ لَهُ وَجُرَّ لِيَخْرُجَ لَهَلَكَ بِلاَ شَكٍّ.
وَالثَّانِي أَنَّ مَسَّ فَرْجِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ.
608 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَخَبَّابٍ
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ يُوسُفَ عليه السلام : تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَوْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ , لَكِنْ عَلَى الدُّعَاءِ بِأَنْ لاَ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَوَفَّاهُ إلاَّ مُسْلِمًا , وَهَذَا ظَاهِرُ الآيَةِ الَّذِي لاَ تَزَيُّدَ فِيهِ
609 - مَسْأَلَةٌ : وَيُحْمَلُ النَّعْشُ كَمَا يَشَاءُ الْحَامِلُ , إنْ شَاءَ مِنْ أَحَدِ قَوَائِمِهِ , وَإِنْ شَاءَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال أبو حنيفة : يَحْمِلُهُ مِنْ قَوَائِمِهِ الأَرْبَعِ.
وَاحْتَجَّ بِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ قَالَ : رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الأَرْبَعِ , ثُمَّ تَنَحَّى
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا حُمَيْدٍ ، عَنْ مِنْدَلٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنْ اسْتَطَعْت فَابْدَأْ بِالْقَائِمَةِ الَّتِي تَلِي يَدَهُ الْيَمِينَ , ثُمَّ أَطِفْ بِالسَّرِيرِ , وَإِلاَّ فَكُنْ قَرِيبًا مِنْهَا
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي أَبَاهُ : مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا , فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ بَعْدُ إنْ شَاءَ أَوْ لِيَدَعْ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَبْدَأُ بِمَيَامِنِ السَّرِيرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْيُمْنَى مِنْ مُقَدَّمِهِ , ثُمَّ الرِّجْلِ الْيُمْنَى , ثُمَّ الرَّجُلِ الْيُسْرَى , ثُمَّ الْيَدِ الْيُسْرَى
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، عَنْ ثَوْرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ جُشَيْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالُوا : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ تَمَامِ أَجْرِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُشَيِّعَهَا مِنْ أَهْلِهَا , وَأَنْ يَحْمِلَهَا بِأَرْكَانِهَا الأَرْبَعِ , وَأَنْ يَحْثُوا فِي الْقَبْرِ
وَرُوِّينَا أَيْضًا ذَلِكَ ، عَنِ الْحَسَنِ. قَالُوا : فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ , وَأَبُو الدَّرْدَاءِ : إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ , وَلاَ يُقَالُ : هَذَا إلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ
قال أبو محمد : أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَفَاسِدٌ , لإِنَّ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ يَأْتُوا إلَى قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ , فَلاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْقَطْعِ بِالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِمِثْلِهِ , ثُمَّ لاَ يَلْتَفِتُونَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتِ عَنْهُ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ إنَّهَا السُّنَّةُ. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r تَصْدِيقُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا , بِقَوْلِهِ عليه السلام : لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ .
وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَوْلاً بِالظَّنِّ فَيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ إلاَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَنْ مِنْدَلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَأَمَّا خَبَرَا ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُنْقَطِعَانِ ; لإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لاَ يَذْكُرُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا , وَعَامِرُ بْنُ جُشَيْبٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَغَيْرِهِ : خِلاَفُ هَذَا
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكَ قَالَ : خَرَجْت مَعَ جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْت ابْنَ عُمَرَ جَاءَ فَقَامَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ فِي مُقَدَّمِ السَّرِيرِ , فَوَضَعَ السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ , فَلَمَّا وُضِعَ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ خَلَّى عَنْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي الْمِهْزَمِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ ثَلاَثًا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ. فَإِذْ لَيْسَ فِي حَمْلِهَا نَصٌّ ثَابِتٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَلاَ اخْتِيَارَ فِي ذَلِكَ. وَكَيْفَمَا حَمَلَهَا الْحَامِلُ أَجْزَأَهُ.
610 - مَسْأَلَةٌ : وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ بِإِمَامٍ وَجَمَاعَةٍ. قَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى النَّجَاشِيِّ t وَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَصَلَّى مَعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ صُفُوفًا , وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ
611 - مَسْأَلَةٌ : وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , بَرٍّ , أَوْ فَاجِرٍ , مَقْتُولٍ فِي حَدٍّ , أَوْ فِي حِرَابَةٍ , أَوْ فِي بَغْيٍ , وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ الإِمَامُ , وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَنَّهُ شَرُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ , إذَا مَاتَ مُسْلِمًا لِعُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ r بِقَوْلِهِ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ وَالْمُسْلِمُ صَاحِبٌ لَنَا. قَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. فَمَنْ مَنَعَ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَدْ قَالَ قَوْلاً عَظِيمًا , وَإِنَّ الْفَاسِقَ لاََحْوَجُ إلَى دُعَاءِ إخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْفَاضِلِ الْمَرْحُومِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُصَلِّ عَلَى " مَاعِزٍ "
قلنا : نَعَمْ , وَلَمْ نَقُلْ إنَّ فَرْضًا عَلَى الإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ رُجِمَ , إنَّمَا
قلنا : لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَوْتَى , وَلَهُ أَنْ يُتْرَكَ كَسَائِرِ الْمَوْتَى , وَلاَ فَرْقَ وَقَدْ أَمَرَهُمْ عليه السلام بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَرْجُمْهُ مِمَّنْ رَجَمَهُ وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ , قَالَ مَاتَ رَجُلٌ بِخَيْبَرَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ , إنَّهُ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , قَالَ : فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ , فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ , لاَ يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ.
قال أبو محمد : وَهَؤُلاَءِ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ لاَ يَرَوْنَ امْتِنَاعَ النَّبِيِّ r مِنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْغَالِّ حُجَّةً فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ الإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ , فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ عليه السلام أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى " مَاعِزٍ " حُجَّةً فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَرْجُومِ الإِمَامُ وَكِلاَهُمَا تَرْكٌ وَتَرْكٌ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى عَلَى مَنْ رُجِمَ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ ، حدثنا خَالِدُ ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ : إنِّي زَنَيْتُ وَهِيَ حُبْلَى فَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّهَا , وَقَالَ لَهُ : أَحْسِنْ إلَيْهَا , فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا , فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا , ثُمَّ رَجَمَهَا , ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ قَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ , وَهَلْ وَجَدَتْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا. فَقَدْ صَلَّى عليه السلام عَلَى مَنْ رُجِمَ
فإن قيل : تَابَتْ
قلنا : وَ " مَاعِزٌ " تَابَ أَيْضًا ، وَلاَ فَرْقَ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ مَنْعِهِمْ الإِمَامَ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ أَمَرَ بِرَجْمِهِ , وَلاَ يَمْنَعُونَ الْمُتَوَلِّينَ لِلرَّجْمِ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ : فَأَيْنَ الْقِيَاسُ لَوْ دَرَوْا مَا الْقِيَاسُ
وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ إذْ رَجَمَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ قَالَ لاَِوْلِيَائِهَا : اصْنَعُوا بِهَا كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى وَلَدِ الزِّنَى , وَعَلَى أُمِّهِ , وَعَلَى الْمُتَلاَعِنَيْنِ , وَعَلَى الَّذِي يُقَادُ مِنْهُ , وَعَلَى الْمَرْجُومِ , وَاَلَّذِي يَفِرُّ مِنْ الزَّحْفِ فَيُقْتَلُ. قَالَ عَطَاءٌ : لاَ أَدَعُ الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ. قَالَ تَعَالَى ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ قَالَ عَطَاءٌ : فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلاَءِ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : فَسَأَلْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ فَقَالَ : مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَكُونُوا يَحْجُبُونَ الصَّلاَةَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ , وَاَلَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَ، أَنَّهُ قَالَ : السُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ. فَلَمْ يَخُصَّ إمَامًا مِنْ غَيْرِهِ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ : صَلِّ عَلَى مَنْ قَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ , فَإِنْ كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ جِدًّا فَقُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ , وَالْمُسْلِمَاتِ , وَالْمُؤْمِنِينَ , وَالْمُؤْمِنَاتِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اجْتَنَبَ الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ قَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَتَأَثَّمُ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَصَحَّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ قَالَ : يُصَلَّى عَلَى مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَصَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ , إنَّمَا هِيَ شَفَاعَةٌ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ قُلْت لاَِبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ : الرَّجُلُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ , أَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ : نَعَمْ , لَعَلَّهُ اضْطَجَعَ مَرَّةً عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ , فَغُفِرَ لَهُ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ : أَيُصَلَّى عَلَيْهِ فَقَالَ : لَوْ كَانَ يَعْقِلُ مَا قَتَلَ نَفْسَهُ وَصَحَّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ : مَا مَاتَ فِيكُمْ مُذْ كَذَا وَكَذَا أَحْوَجُ إلَى اسْتِغْفَارِكُمْ مِنْهُ وَقَدْ
رُوِّينَا فِي هَذَا خِلاَفًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى عَلَى وَلَدِ زِنًى , فَقِيلَ لَهُ : إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ , وَقَالَ : هُوَ شَرُّ الثَّلاَثَةِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : هُوَ خَيْرُ الثَّلاَثَةِ وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُصَلِّي عَلَى وَلَدِ زِنًى , صَغِيرٍ ، وَلاَ كَبِيرٍ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ : لاَ يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ , وَيُصَلَّى عَلَى الَّذِي يُقَادُ مِنْهُ , إلاَّ مَنْ أُقِيدَ مِنْهُ فِي رَجْمٍ فَلَمْ يَخُصَّ الزُّهْرِيُّ إمَامًا مِنْ غَيْرِهِ
وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي فَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَلَفًا مِنْ صَاحِبٍ , أَوْ تَابِعٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ
قال أبو محمد : لَقَدْ رَجَّانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَفْوِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى نَقُولَ قَدْ فُزْنَا. وَلَقَدْ خَوَّفَنَا عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ هَلَكْنَا , إلاَّ أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنْ لاَ خُلُودَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي النَّارِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ خَيْرًا قَطُّ غَيْرَ شَهَادَةِ الإِسْلاَمِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ , وَلاَ امْتَنَعَ مِنْ شَرٍّ قَطُّ غَيْرَ الْكُفْرِ , وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ , فَسَبَقَ الْمُجْتَهِدِينَ , أَوْ لَعَلَّ لَهُ حَسَنَاتٍ لاَ نَعْلَمُهَا تَغْمُرُ سَيِّئَاتِهِ فَمَنْ صَلَّى عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ , أَوْ عَلَى ظَالِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ مُتَبَلِّغٍ فِيهِمْ , أَوْ عَلَى مَنْ لَهُ قِبَلَهُ مَظَالِمُ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَغْفِرَهَا لَهُ : فَلْيَدْعُ لَهُ كَمَا يَدْعُو لِغَيْرِهِ , وَهُوَ يُرِيدُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ بَعْدَ الْقِصَاصِ , وَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ خُذْ لِي بِحَقِّي مِنْهُ
612 - مَسْأَلَةٌ : وَعِيَادَةُ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً عَلَى الْجَارِ الَّذِي لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ عِيَادَتُهُ , وَلاَ نَخُصُّ مَرَضًا مِنْ مَرَضٍ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُحَمَّدُ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي , سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلاَمِ , وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ , وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ , وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ , وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي وَقَدْ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ r عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلاَمًا مِنْ الْيَهُودِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ r يَعُودُهُ , فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ , فَقَالَ لَهُ : أَسْلِمْ , فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ : أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ , فَقَامَ النَّبِيُّ r وَهُوَ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ. فَعِيَادَةُ الْكَافِرِ فِعْلٌ حَسَنٌ
613 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَهْرُبَ أَحَدٌ ، عَنِ الطَّاعُونِ إذَا وَقَعَ فِي بَلَدٍ هُوَ فِيهِ وَمُبَاحٌ لَهُ الْخُرُوجُ لِسَفَرِهِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّاعُونُ ، وَلاَ يَحِلُّ الدُّخُولُ إلَى بِلاَدٍ فِيهِ الطَّاعُونُ لِمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ حَتَّى يَزُولَ وَالطَّاعُونُ هُوَ الْمَوْتُ الَّذِي كَثُرَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ كَثْرَةً خَارِجَةً ، عَنِ الْمَعْهُودِ : لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ , وَإِذَا وَقَعَ فِي أَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ.
قال أبو محمد : فَلَمْ يَنْهَ عليه السلام ، عَنِ الْخُرُوجِ إلاَّ بِنِيَّةِ الْفِرَارِ مِنْهُ فَقَطْ وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، إبَاحَةَ الْفِرَارِ عَنْهُ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r .
614 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَ الدَّفْنِ وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً , مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغْيِيرُ ، لاَ سِيَّمَا مَنْ تَوَقَّعَ أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ الاِثْنَيْنِ ضَحْوَةً , وَدُفِنَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الأَرْبِعَاءِ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ سَالِمٍ الْخَيَّاطِ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : يُنْتَظَرُ بِالْمَصْعُوقِ ثَلاَثًا.
615 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْيَمِينِ , وَوَجْهُهُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ , وَرَأْسُهُ وَرِجْلاَهُ إلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ , وَيَسَارِهَا , عَلَى هَذَا جَرَى عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى يَوْمِنَا هَذَا , وَهَكَذَا كُلُّ مَقْبَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ
616 - مَسْأَلَةٌ : وَتَوْجِيهُ الْمَيِّتِ إلَى الْقِبْلَةِ حَسَنٌ , فَإِنْ لَمْ يُوَجَّهْ فَلاَ حَرَجَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيَّ , عَنِ الْمَيِّتِ يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَقَالَ : إنْ شِئْت فَوَجِّهْهُ , وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُوَجِّهْهُ , وَلَكِنْ اجْعَلْ الْقَبْرَ إلَى الْقِبْلَةِ , قَبْرُ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ , وَقَبْرُ عُمَرَ إلَى الْقِبْلَةِ :
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ : أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ فَقَالَ : وَجِّهُوهُ إلَى الْقِبْلَةِ , فَغَضِبَ سَعِيدٌ وَقَالَ : أَلَسْت إلَى الْقِبْلَةِ
617 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ أَنْ تُغَسِّلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا , وَأُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا , وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلاَدَةِ , مَا لَمْ تُنْكَحَا , فَإِنْ نُكِحَتَا لَمْ يَحِلَّ لَهُمَا غُسْلُهُ إلاَّ كَالأَجْنَبِيَّاتِ وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ , وَأُمَّ وَلَدِهِ , وَأَمَتَهُ , مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ حَرِيمَتَهَا , أَوْ يَسْتَحِلَّ حَرِيمَتَهَا بِالْمِلْكِ , فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ غَسْلُهَا وَلَيْسَ لِلأَمَةِ أَنْ تُغَسِّلَ سَيِّدَهَا أَصْلاً , لإِنَّ مِلْكَهَا بِمَوْتِهِ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ : فَسَمَّاهَا زَوْجَةً بَعْدَ مَوْتِهَا وَهِيَ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ امْرَأَتُهُ فِي الْجَنَّةِ ,
وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ , وَأَمَتُهُ , وَكَانَ حَلاَلاً لَهُ رُؤْيَةُ أَبْدَانِهِنَّ فِي الْحَيَاةِ وَتَقْبِيلُهُنَّ وَمَسُّهُنَّ , فَكُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى التَّحْلِيلِ فَمَنْ ادَّعَى تَحْرِيمَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَقَوْلٌ بَاطِلٍ إلاَّ بِنَصٍّ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ
وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَ حَرِيمَتَهَا , أَوْ تَمَلَّكَهَا , أَوْ تَزَوَّجَتْ هِيَ : فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الاِطِّلاَعُ عَلَى بَدَنَيْهِمَا مَعًا , لاَِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَكَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّلَذُّذُ بِرُؤْيَةِ بَدَنِ رَجُلَيْنِ مَعًا وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ
وقال أبو حنيفة : تُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا ; لاَِنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ , وَلاَ يُغَسِّلُهَا هُوَ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيِّ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الرَّجُلُ أَحَقُّ بِغُسْلِ امْرَأَتِهِ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ : إنِّي لاَُغَسِّلُ نِسَائِي , وَأَحُولُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِنَّ وَبَنَاتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ سَمِعْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَقُولُ : إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الْقَوْمِ فَالْمَرْأَةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا , وَالرَّجُلُ امْرَأَتَهُ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : الرَّجُلُ أَحَقُّ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ مِنْ أَخِيهَا
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : يُغَسِّلُهَا زَوْجُهَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُغَسِّلُهَا
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : يُغَسِّلُ كُلٌّ صَاحِبَهُ يَعْنِي الزَّوْجَ , وَالزَّوْجَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عَوْفٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ شَهِدَ قَسَامَةَ بْنَ زُهَيْرٍ وَأَشْيَاخًا أَدْرَكُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَدْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ امْرَأَتَهُ مَاتَتْ فَأَمَرَتْهُ أَنْ لاَ يُغَسِّلَهَا غَيْرُهُ فَغَسَّلَهَا , فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أَنْكَرَ ذَلِكَ
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، أَنَّهُ قَالَ : يُغَسِّلُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ : إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَإِنَّ زَوْجَهَا يُغَسِّلُهَا وَالْحَنَفِيُّونَ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَقَدْ خَالَفُوهُ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ غَسَّلَ فَاطِمَةَ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَاعْتَرَضُوا عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ لاَ تَصِحُّ : أَنَّهَا ، رضي الله عنها ، اغْتَسَلَتْ قَبْلَ مَوْتِهَا وَأَوْصَتْ أَلاَّ تُحَرَّكَ , فَدُفِنَتْ بِذَلِكَ الْغُسْلِ. وَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذَا أَيْضًا عَلِيًّا , وَفَاطِمَةَ , بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ
فَإِنْ ذَكَرُوا
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : مَاتَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ , فَقَالَ : أَنَا كُنْت أَوْلَى بِهَا إذْ كَانَتْ حَيَّةً ,
فأما الآنَ فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِهَا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لاَِنَّهُ إنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ , أَوْلِيَاءَهَا فِي إدْخَالِهَا الْقَبْرَ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهَا ,
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الأَوْلِيَاءَ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ غَسْلُهَا , وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِلَفْظِ خِطَابِ الْمُذَكَّرِ , وَلَوْ خَاطَبَ النِّسَاءَ لَقَالَ : أَنْتُنَّ أَوْلَى بِهَا , وَعُمَرُ لاَ يَلْحَنُ
618 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ , أَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ لاَ نِسَاءَ مَعَهُمْ : غَسَّلَ النِّسَاءُ الرَّجُلَ وَغَسَّلَ الرِّجَالُ الْمَرْأَةَ عَلَى ثَوْبٍ كَثِيفٍ , يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ دُونَ مُبَاشَرَةِ الْيَدِ , لإِنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ كَمَا قَدَّمْنَا , وَهُوَ مُمْكِنٌ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ مُبَاشَرَةٍ , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ , وَلاَ كَرَاهَةَ فِي صَبِّ الْمَاءِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَ التَّيَمُّمَ مِنْ الْغُسْلِ إلاَّ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَرُوِّينَا أَثَرًا فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : يُيَمَّمَانِ وَهَذَا مُرْسَلٌ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ , فَهُوَ سَاقِطٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ قَالاَ جَمِيعًا : تُغَسَّلُ وَعَلَيْهَا الثِّيَابُ , يَعْنِيَانِ فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ لاَ امْرَأَةَ مَعَهُمْ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ , وَزِيَادٍ الأَعْلَمِ , وَالْحَجَّاجِ : قَالَ حُمَيْدٍ , وَزِيَادٌ : عَنِ الْحَسَنِ , وَقَالَ الْحَجَّاجُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ : أَنَّهَا يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَائِلِينَ أَنَّهَا تُيَمَّمُ : فَرُّوا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ خَلْفَ ثَوْبٍ وَأَبَاحُوهَا عَلَى الْبَشَرَةِ وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
619 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تُرْفَعُ الْيَدَانِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إلاَّ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِرَفْعِ الأَيْدِي فِيمَا عَدَا ذَلِكَ نَصٌّ
وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا هَذَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفْعُ الأَيْدِي لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَرْفَعَهَا فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ قِيَاسًا عَلَى التَّكْبِيرَةِ الآُولَى.
620 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ كَانَتْ أَظْفَارُ الْمَيِّتِ وَافِرَةً , أَوْ شَارِبُهُ وَافِيًا , أَوْ عَانَتُهُ : أَخَذَ كُلَّ ذَلِكَ ; لإِنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ وَصَحَّ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْفِطْرَةِ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجَهَّزَ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى إلاَّ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ : أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَلَقَ عَانَةَ مَيِّتٍ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهَذَا صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : فِي شَعْرِ عَانَةِ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ وَافِرًا , قَالَ : يُؤْخَذُ مِنْهُ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : فَإِنْ كَانَ أَقْلَفَ أَيُخْتَنُ
قلنا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَالْخِتَانُ مِنْ الْفِطْرَةِ
فإن قيل : فَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ أَنْ يُطَهَّرَ لِلْجَنَابَةِ إنْ مَاتَ مُجْنِبًا , وَلاَ لِلْحَيْضِ إنْ مَاتَتْ حَائِضًا , وَلاَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَمَا الْفَرْقُ
قلنا : الْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الأَغْسَالَ مَأْمُورٌ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ , وَلاَ تَلْزَمُ مَنْ لاَ يُخَاطَبُ : كَالْمَجْنُونِ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ , وَالصَّغِيرِ. وَقَدْ سَقَطَ الْخِطَابُ ، عَنِ الْمَيِّتِ
وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ , وَحَلْقُ الْعَانَةِ , وَالإِبْطِ , وَالْخِتَانِ : فَالنَّصُّ جَاءَنَا بِأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ , وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهَا الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ , بَلْ الْكُلُّ مَأْمُورُونَ بِهَا , فَيَعْمَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْمَجْنُونِ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ , وَالصَّغِيرِ
621 - مَسْأَلَةٌ : وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ كَيْفَ أَمْكَنَ , إمَّا مِنْ الْقِبْلَةِ , أَوْ مِنْ دُبُرِ الْقِبْلَةِ , أَوْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ , إذْ لاَ نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَزِيدَ بْنَ الْمُكَفَّفِ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ أَدْخَلَ الْحَارِثَ الْخَارِفِيَّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْقَبْرِ. وَرَوَى قَوْمٌ مُرْسَلاَتٍ لاَ تَصِحُّ فِي إدْخَالِ النَّبِيِّ r : فَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ عليه السلام أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , وَأَبِي الزِّنَادِ , وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ عليه السلام أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ. وَكُلُّ هَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ تَقُمْ بِهِ حُجَّةٌ فِي الْوُجُوبِ , فَكَيْفَ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِمَّا سِوَاهُ.
622 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ التَّزَاحُمُ عَلَى النَّعْشِ , لاَِنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ , وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالرِّفْقِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، حدثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّحَامَ عَلَى السَّرِيرِ , وَكَانَ إذَا رَآهُمْ يَزْدَحِمُونَ قَالَ : أُولَئِكَ الشَّيَاطِينُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : ، أَنَّهُ قَالَ : شَهِدْت جِنَازَةً فِيهَا أَبُو السِّوَارِ هُوَ حُرَيْثُ بْنُ حَسَّانَ الْعَدَوِيُّ فَازْدَحَمُوا عَلَى السَّرِيرِ , فَقَالَ أَبُو السِّوَارِ : أَتَرَوْنَ هَؤُلاَءِ أَفْضَلَ أَوْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا رَأَى مَحْمَلاً حَمَلَ , وَإِلاَّ اعْتَزَلَ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا.
623 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَبَّرَ سَاعَةَ يَأْتِي , وَلاَ يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الإِمَامِ , فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَتَمَّ هُوَ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ , يَدْعُو بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَعَ الإِمَامِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَنْ أَتَى إلَى الصَّلاَةِ أَنْ يُصَلِّيَ مَا أَدْرَكَ وَيُتِمَّ مَا فَاتَهُ , وَهَذِهِ صَلاَةٌ , وَمَا عَدَا هَذَا فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , لاَ مِنْ نَصٍّ ، وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
﴿كِتَابُ الاِعْتِكَافِ﴾
الاِعْتِكَافُ : هُوَ الإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً فَمَا فَوْقَهَا , لَيْلاً , أَوْ نَهَارًا
624 - مَسْأَلَةٌ : وَيَجُوزُ اعْتِكَافُ يَوْمٍ دُونَ لَيْلَةٍ , وَلَيْلَةٍ دُونَ يَوْمٍ , وَمَا أَحَبَّ الرَّجُلُ , أَوْ الْمَرْأَةُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ , وَأَنَّهُ عليه السلام قَالَ : مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ. فَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ , وَبِالْعَرَبِيَّةِ خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r . وَالاِعْتِكَافُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ : الإِقَامَةُ , قَالَ تَعَالَى ﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ بِمَعْنَى مُقِيمُونَ مُتَعَبِّدُونَ لَهَا. فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا , فَكُلُّ إقَامَةٍ فِي مَسْجِدٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ : اعْتِكَافٌ , وَعُكُوفٌ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا , فَالاِعْتِكَافُ يَقَعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا قَلَّ مِنْ الأَزْمَانِ أَوْ كَثُرَ , إذْ لَمْ يَخُصَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ , وَلاَ وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ , وَمُدَّعِي ذَلِكَ مُخْطِئٌ ; لاَِنَّهُ قَائِلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَالاِعْتِكَافُ : فِعْلٌ حَسَنٌ , قَدْ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَزْوَاجُهُ وَأَصْحَابُهُ ، رضي الله عنهم ، بَعْدَهُ وَالتَّابِعُونَ وَمِمَّنْ قَالَ بِمِثْلِ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : كَمَا أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدٍ الْبُصَيْرِيُّ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ : مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ طَاهِرٌ فَهُوَ عَاكِفٌ فِيهِ , مَا لَمْ يُحْدِثْ :
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : سَمِعْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُخْبِرُ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : إنِّي لاََمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ سَاعَةً وَمَا أَمْكُثُ إلاَّ لاَِعْتَكِفَ. قَالَ عَطَاءٌ : حَسِبْت أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَنِيهِ قَالَ عَطَاءٌ : هُوَ اعْتِكَافٌ مَا مَكَثَ فِيهِ , وَإِنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ احْتِسَابَ الْخَيْرِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ , وَإِلاَّ فَلاَ
قال أبو محمد : يَعْلَى صَاحِبٌ , وَسُوَيْدٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ , أَفْتَى أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , لاَ يُعْرَفُ لِيَعْلَى فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
فإن قيل : قَدْ جَاءَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ , وَهَذَا خِلاَفٌ لِقَوْلِ يَعْلَى
قلنا : لَيْسَ كَمَا تَقُولُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَمَّنْ ذَكَرْت : لاَ اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ كَامِلٍ , إنَّمَا جَاءَ عَنْهُمْ : أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ فِي حَالِ الاِعْتِكَافِ فَقَطْ , وَلاَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمَرْءُ عَلَى هَذَا سَاعَةً فِي يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ.
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , فَبَطَلَ مَا أَوْهَمْتُمْ بِهِ
وَقَوْله تَعَالَى وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ. فَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ عليه السلام بِالأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ فِي الاِعْتِكَافِ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ , فَبَطَلَ قَوْلٌ خَالَفَ قَوْلَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقُلْنَا : هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال أبو حنيفة : لاَ يَجُوزُ الاِعْتِكَافُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ
وقال مالك : لاَ اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : لاَ اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ. وَلَهُ قَوْلٌ : لاَ اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ لَيَالٍ , مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَكُلُّ هَذَا قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ.
فإن قيل : لَمْ يَعْتَكِفْ رَسُولُ اللَّهِ r أَقَلَّ مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ
قلنا : نَعَمْ , وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ,
وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَعْتَكِفْ قَطُّ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , فَلاَ تُجِيزُوا الاِعْتِكَافَ فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ عليه السلام , وَلاَ اعْتَكَفَ قَطُّ إلاَّ فِي رَمَضَانَ , وَشَوَّالٍ , فَلاَ تُجِيزُوا الاِعْتِكَافَ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ وَالاِعْتِكَافُ فِي فِعْلِ خَيْرٍ , فَلاَ يَجُوزُ الْمَنْعُ مِنْهُ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ بِالْمَنْعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا عَلَى مَسْجِدِهِ عليه السلام سَائِرَ الْمَسَاجِدِ قِيلَ لَهُمْ : فَقِيسُوا عَلَى اعْتِكَافِهِ عَشْرًا , أَوْ عِشْرِينَ : مَا دُونَ الْعَشْرِ. وَمَا فَوْقَ الْعِشْرِينَ , إذْ لَيْسَ مِنْهَا سَاعَةٌ ، وَلاَ يَوْمٌ إلاَّ وَهُوَ فِيهِ مُعْتَكِفٌ
625 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ الصَّوْمُ مِنْ شُرُوطِ الاِعْتِكَافِ , لَكِنْ إنْ شَاءَ الْمُعْتَكِفُ صَامَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ. وَ اعْتِكَافُ : يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى , وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ : حَسَنٌ.
وَكَذَلِكَ اعْتِكَافُ : لَيْلَةٍ بِلاَ يَوْمٍ , وَيَوْمٍ بِلاَ لَيْلَةٍ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي اعْتِكَافٌ , فَسَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْهَا صِيَامٌ إلاَّ أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : لاَ , قَالَ : فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَعَنْ عُمَرَ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَأَظُنُّهُ قَالَ : فَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ : لاَ. قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ : لَقِيت طَاوُوسًا , وَعَطَاءً , فَسَأَلْتهمَا فَقَالَ طَاوُوس : كَانَ فُلاَنٌ لاَ يَرَى عَلَيْهَا صِيَامًا إلاَّ أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا , وَقَالَ عَطَاءٌ : لَيْسَ عَلَيْهَا صِيَامٌ إلاَّ أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ : حدثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا لَيْثٌ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ : أَنَّ عَلِيًّا , وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالاَ جَمِيعًا : الْمُعْتَكِفُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , كَمَا
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُحَمَّدٌ الْقَلَعِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّوَّافُ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ عُمَيْرَةَ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، حدثنا أَبُو سُهَيْلِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : اجْتَمَعْت أَنَا ، وَابْنُ شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَكَانَ عَلَى امْرَأَتِي اعْتِكَافُ ثَلاَثٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : لاَ يَكُونُ اعْتِكَافٌ إلاَّ بِصَوْمٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : لاَ. قَالَ : فَمِنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَمِنْ عُمَرَ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَمِنْ عُثْمَانَ قَالَ : لاَ. قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ : فَانْصَرَفْت فَلَقِيت طَاوُوسًا , وَعَطَاءً , فَسَأَلْتهمَا ، عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ طَاوُوس : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامًا إلاَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ عَطَاءٌ : ذَلِكَ رَأْيِي
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْمُعْتَكِفُ إنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا عَبْدَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ لاَ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ
وقال أبو حنيفة , وَسُفْيَانُ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَمَالِكٌ , وَاللَّيْثُ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , وَالزُّهْرِيِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَنْ طَاوُوس وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَصَحَّ عَنْهُمَا كِلاَ الأَمْرَيْنِ كَتَبَ إلَى دَاوُد بْنِ بَابْشَاذَ بْنِ دَاوُد الْمَصْرِيِّ قَالَ : حدثنا عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ ، حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ قَالاَ جَمِيعًا : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ
وَرُوِيَ ، عَنْ عَائِشَةَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ.
قال أبو محمد : شَغِبَ مَنْ قَلَّدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ بِأَنْ قَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ، وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ. قَالُوا : فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الاِعْتِكَافَ إثْرَ ذِكْرِهِ لِلصَّوْمِ , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَكُونَ الاِعْتِكَافُ إلاَّ بِصَوْمٍ
قال أبو محمد : مَا سُمِعَ بِأَقْبَحَ مِنْ هَذَا التَّحْرِيفِ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَالإِقْحَامِ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَمَا عَلِمَ قَطُّ ذُو تَمْيِيزٍ : أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى شَرِيعَةً إثْرَ ذِكْرِهِ أُخْرَى مُوجِبَةٌ عَقْدَ إحْدَاهُمَا بِالآُخْرَى. ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : بَلْ لَمَّا ذَكَرَ الصَّوْمَ ثُمَّ الاِعْتِكَافَ : وَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ صَوْمٌ إلاَّ بِاعْتِكَافٍ
فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ
قلنا : فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلاَنِ حُجَّتِكُمْ , وَعَلَى أَنَّ ذِكْرَ شَرِيعَةٍ مَعَ ذِكْرِ أُخْرَى لاَ يُوجِبُ أَنْ لاَ تَصِحَّ إحْدَاهُمَا إلاَّ بِالآُخْرَى.
وَأَيْضًا : فَإِنَّ خُصُومَنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ : هُوَ بِاللَّيْلِ مُعْتَكِفٌ كَمَا هُوَ بِالنَّهَارِ , وَهُوَ بِاللَّيْلِ غَيْرُ صَائِمٍ. فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الاِسْتِدْلاَل لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ الاِعْتِكَافُ إلاَّ بِالنَّهَارِ الَّذِي لاَ يَكُونُ الصَّوْمُ إلاَّ فِيهِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِإِيرَادِ هَذِهِ الآيَةِ , حَيْثُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ وَذَكَرُوا
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد قَالَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيم ، حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ , فَسَأَلَ النَّبِيَّ r فَقَالَ : اعْتَكِفْ وَصُمْ.
قال أبو محمد : هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ , لإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَيْلٍ مَجْهُولٌ ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ مُسْنَدِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَصْلاً , وَمَا نَعْرِفُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلاَّ ثَلاَثَةً , لَيْسَ , هَذَا مِنْهَا : أَحَدُهَا : فِي الْعُمْرَةِ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
وَالثَّانِي : فِي صِفَةِ الْحَجِّ. وَالثَّالِثُ : لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ. فَسَقَطَ عَنَّا هَذَا الْخَبَرُ , لَبُطْلاَنِ سَنَدِهِ ثُمَّ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ فِي الاِعْتِكَافِ وَمُخَالَفَتُهُمْ إيَّاهُ فِي إيجَابِ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَهُ الْمَرْءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَهَذِهِ عَظِيمَةٌ لاَ يَرْضَى بِهَا ذُو دِينٍ
فَإِنْ قَالُوا : مَعْنَى قَوْلِهِ " فِي الْجَاهِلِيَّةِ " أَيْ أَيَّامِ ظُهُورِ الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ إسْلاَمِهِ
قلنا لِمَنْ قَالَ هَذَا : إنْ كُنْت تَقُولُ هَذَا قَاطِعًا بِهِ فَأَنْتَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ , لِقَطْعِك بِمَا لاَ دَلِيلَ لَك عَلَيْهِ , وَلاَ وَجَدْت قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ , وَإِنْ كُنْت تَقُولُهُ ظَنًّا , فَإِنَّ الْحَقَائِقَ لاَ تُتْرَكُ بِالظُّنُونِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ كَذِبُ هَذَا الْقَوْلِ ,
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ r بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ , فَأَمَرَنِي أَنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي. وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , لاَ كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ الذَّاهِبِ فِي الرِّيَاحِ فَهَلْ سَمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَزَالُونَ يَأْتُونَ بِالْخَبَرِ يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ يُصَحِّحُهُ فِيمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ , وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِيمَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ : فَكَيْفَ يَصْعَدُ مَعَ هَذَا عَمَلٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ , فَعَادَ خَبَرُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لاَ عَلَيْنَا , وَلَوْ صَحَّ , وَرَأَيْنَاهُ حُجَّةً لَقُلْنَا : بِهِ وَمَوَّهُوا بِأَنَّ هَذَا رُوِيَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. قَالُوا : وَمِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ. .
فَقُلْنَا : أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ.
فَصَحَّ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا. وَقَدْ
رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ : عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يَقُولُ : إنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا اعْتِكَافٌ , فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : اعْتَكِفْ عَنْهَا وَصُمْ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُجَّةً فِي إيجَابِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُعْتَكِفِ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَصِرْ حُجَّةً فِي إيجَابِهِ عَلَى الْوَلِيِّ قَضَاءُ الاِعْتِكَافِ ، عَنِ الْمَيِّتِ وَهَلاَّ قُلْتُمْ هَاهُنَا : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ : بِالرَّأْيِ وَعَهِدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَ فُلاَنٍ صَحِيحًا مَا تَرَكَهُ. أَوْ يَقُولُونَ : لَمْ يَتْرُكْ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ لِمَا هُوَ أَصَحُّ عِنْدَهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ عَطَاءٍ آنِفًا أَنَّهُ لَمْ يَرَ الصَّوْمَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ , وَسَمِعَ طَاوُوسًا يَذْكُرُ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَهَلاَّ قَالُوا : لَمْ يَتْرُكْ عَطَاءٌ مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ إلاَّ لِمَا هُوَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْهُ , وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلاَعِبُونَ
وَأَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ
رُوِّينَا عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا خَالِدٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا " قَالَتْ : السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ لاَ يَعُودُ مَرِيضًا , وَلاَ يَشْهَدُ جِنَازَةً , وَلاَ يَمَسُّ امْرَأَةً ، وَلاَ يُبَاشِرُهَا , وَلاَ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ إلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ , وَلاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ قَوْلُهَا فِي إيجَابِ الاِعْتِكَافَ حُجَّةً , وَلَمْ يَصِرْ قَوْلُهَا " لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ " حُجَّةً
وَرُوِّينَا عَنْهَا ، عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , وَمَعْمَرٍ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ : أَنَّ عَائِشَةَ نَذَرَتْ جِوَارًا فِي جُودِ ثَبِيرٍ مِمَّا يَلِي مِنًى. وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : اعْتَكَفَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ حِرَاءَ , وَثَبِيرٍ , فَكُنَّا نَأْتِيهَا هُنَالِكَ. فَخَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا أَيْضًا , وَهَذَا عَجَبٌ
وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اعْتَكَفَ ضَرَبَ فُسْطَاطًا , أَوْ خِبَاءً يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ , وَلاَ يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ حُجَّةً فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ بِصَوْمٍ , وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي أَنَّهُ كَانَ إذَا اعْتَكَفَ لاَ يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ
فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا يُمَوِّهُونَ بِذِكْرِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ إيهَامًا ; لأَنَّهُمْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلاَفِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوَافِقْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ وَأَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ حُجَّةً إلاَّ إذَا وَافَقَتْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ فَقَطْ , وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ , لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا , وَمِنْ الْهَوَسِ قَوْلُهُمْ : لَمَّا كَانَ الاِعْتِكَافُ لُبْثًا فِي مَوْضِعٍ : أَشْبَهَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ , وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لاَ يَصِحُّ إلاَّ مُحْرِمًا , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَصِحَّ الاِعْتِكَافُ إلاَّ بِمَعْنًى آخَرَ , وَهُوَ الصَّوْمُ. فَقِيلَ لَهُمْ : لَمَّا كَانَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ لاَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الاِعْتِكَافُ لاَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ
قال أبو محمد : مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا اعْتِكَافُ النَّبِيِّ r فِي رَمَضَانَ , فَلاَ يَخْلُو صَوْمُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِرَمَضَانَ خَالِصًا
وَكَذَلِكَ هُوَ فَحَصَلَ الاِعْتِكَافُ مُجَرَّدًا ، عَنْ صَوْمٍ يَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ , وَإِذَا لَمْ يَحْتَجْ الاِعْتِكَافُ إلَى صَوْمٍ يَنْوِي بِهِ الاِعْتِكَافَ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ مِنْ شُرُوطِ الاِعْتِكَافِ وَصَحَّ أَنَّهُ جَائِزٌ بِلاَ صَوْمٍ , وَهَذَا بُرْهَانُ مَا قَدَرُوا عَلَى اعْتِرَاضِهِ إلاَّ بِوَسَاوِسَ لاَ تُعْقَلُ. وَلَوْ قَالُوا : إنَّهُ عليه السلام صَامَ لِلاِعْتِكَافِ لاَ لِرَمَضَانَ , أَوْ لِرَمَضَانَ , وَالاِعْتِكَافِ لَمْ يَبْعُدُوا ، عَنِ الاِنْسِلاَخِ مِنْ الإِسْلاَمِ
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الاِعْتِكَافَ هُوَ بِاللَّيْلِ كَهُوَ بِالنَّهَارِ , وَلاَ صَوْمَ بِاللَّيْلِ.فَصَحَّ أَنَّ الاِعْتِكَافَ لاَ يَحْتَاجُ إلَى صَوْمٍ. فَقَالَ مُهْلِكُوهُمْ هَهُنَا : إنَّمَا كَانَ الاِعْتِكَافُ بِاللَّيْلِ تَبَعًا لِلنَّهَارِ .
فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : بَلْ إنَّمَا كَانَ بِالنَّهَارِ تَبَعًا لِلَّيْلِ , وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ. فَقَالُوا : إنَّمَا
قلنا : إنَّ الاِعْتِكَافَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ صَوْمٍ. .
فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَلَمَّا كَانَ الاِعْتِكَافُ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لاَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ صَوْمٌ يَنْوِي بِهِ الاِعْتِكَافَ صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الاِعْتِكَافَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ , وَلاَ مِنْ صِفَاتِهِ , وَلاَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ صَوْمٌ , وَقَدْ جَاءَ نَصٌّ صَحِيحٌ بِقَوْلِنَا كَأَنْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد : حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ , قَالَتْ : وَإِنَّهُ أَرَادَ مَرَّةً أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ , قَالَتْ : فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَمَرْتُ بِبِنَائِي فَضُرِبَ , وَأَمَرَ غَيْرِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r بِبِنَائِهِنَّ فَضُرِبَ , فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ نَظَرَ إلَى الأَبْنِيَةِ , فَقَالَ : مَا هَذَا آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَقُوِّضَ , وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَقَوَّضْنَ ثُمَّ أَخَّرَ الاِعْتِكَافَ إلَى الْعَشْرِ الآُوَلِ , يَعْنِي مِنْ شَوَّالٍ
قال أبو محمد : فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ r قَدْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الآُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ وَفِيهَا يَوْمُ الْفِطْرِ , وَلاَ صَوْمَ فِيهِ وَمَالِكٌ يَقُولُ : لاَ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ اعْتِكَافِهِ إلاَّ حَتَّى يَنْهَضَ إلَى الْمُصَلَّى. فَنَسْأَلُهُمْ : أَمُعْتَكِفٌ هُوَ مَا لَمْ يَنْهَضْ إلَى الْمُصَلَّى , أَمْ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ
فَإِنْ قَالُوا : هُوَ مُعْتَكِفٌ , تَنَاقَضُوا , وَأَجَازُوا الاِعْتِكَافَ بِلاَ صَوْمٍ بُرْهَةً مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ.
وَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ مُعْتَكِفًا
قلنا : فَلِمَ مَنَعْتُمُوهُ الْخُرُوجَ إذَنْ
626 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ , وَلاَ لِلْمَرْأَةِ مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ فِي حَالِ الاِعْتِكَافِ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِسْمِ , إلاَّ فِي تَرْجِيلِ الْمَرْأَةِ لِلْمُعْتَكِفِ خَاصَّةً , فَهُوَ مُبَاحٌ , وَلَهُ إخْرَاجُ رَأْسِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلتَّرْجِيلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ عُمُومِ الْمُبَاشَرَةِ ذَاكِرًا لاِعْتِكَافِهِ فَلَمْ يَعْتَكِفْ كَمَا أُمِرَ , فَلاَ اعْتِكَافَ لَهُ , فَإِنْ كَانَ نَذْرًا قَضَاهُ , وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَوْله تَعَالَى وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , فَحُرِّمَتْ الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ , فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. فَخَرَجَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ عُمُومِ نَهْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
627 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا شَاءَ مِنْ الْمُبَاحِ وَالْخُرُوجِ لَهُ , لاَِنَّهُ بِذَلِكَ إنَّمَا الْتَزَمَ الاِعْتِكَافَ فِي خِلاَلِ مَا اسْتَثْنَاهُ , وَهَذَا مُبَاحٌ لَهُ , أَنْ يَعْتَكِفَ إذَا شَاءَ , وَيَتْرُكَ إذَا شَاءَ , لإِنَّ الاِعْتِكَافَ طَاعَةٌ , وَتَرْكُهُ مُبَاحٌ , فَإِنْ أَطَاعَ أُجِرَ , وَإِنْ تَرَكَ لَمْ يَقْضِ وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرَ مِمَّنْ لاَ يُجِيزُ هَذَا الشَّرْطَ وَالنُّصُوصُ كُلُّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُوجِبَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا , ثُمَّ يَقُولُ : بِلُزُومِ الشُّرُوطِ الَّتِي أَبْطَلَهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ , مِنْ اشْتِرَاطِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا , أَوْ تَسَرَّى فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا , وَالدَّاخِلَةُ بِنِكَاحٍ طَالِقٌ , وَالسَّرِيَّةُ حُرَّةٌ , وَهَذِهِ شُرُوطُ الشَّيْطَانِ , وَتَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ
628 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ فَرْضٍ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الاِعْتِكَافَ لاَ يَمْنَعُ مِنْهُ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ , وَلاَ يَضُرُّ ذَلِكَ بِاعْتِكَافِهِ ,
وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ , مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ , وَغُسْلِ الاِحْتِلاَمِ , وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ , وَمِنْ الْحَيْضِ , إنْ شَاءَ فِي حَمَّامٍ أَوْ فِي غَيْرِ حَمَّامٍ. وَلاَ يَتَرَدَّدُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ تَمَامِ غُسْلِهِ , وَقَضَاءِ حَاجَتِهِ , فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لاِبْتِيَاعِ مَا لاَ بُدَّ لَهُ وَلاَِهْلِهِ مِنْهُ , مِنْ الأَكْلِ وَاللِّبَاسِ , وَلاَ يَتَرَدَّدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ , فَإِنْ تَرَدَّدَ بِلاَ ضَرُورَةٍ : بَطَلَ اعْتِكَافُهُ , وَلَهُ أَنْ يُشَيِّعَ أَهْلَهُ إلَى مَنْزِلِهَا. وَإِنَّمَا يُبْطِلُ الاِعْتِكَافَ : خُرُوجُهُ لِمَا لَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا مُحَمَّدٌ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلاَمِ , وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ , وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ , وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ , وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. وَأَمَرَ عليه السلام مَنْ دُعِيَ إنْ كَانَ مُفْطِرًا : فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ , بِمَعْنَى أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا.
وَقَالَ تَعَالَى ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً. فَهَذِهِ فَرَائِضُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا لِلاِعْتِكَافِ , وَبِلاَ شَكٍّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَدَّى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. فَفَرَضَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ مَرَّةً وَاحِدَةً , يَسْأَلُ ، عَنْ حَالِهِ وَاقِفًا وَيَنْصَرِفُ لإِنَّ مَا زَادَ ، عَنْ هَذَا فَلَيْسَ مِنْ الْفَرْضِ , وَإِنَّمَا هُوَ تَطْوِيلٌ , فَهُوَ يُبْطِلُ الاِعْتِكَافَ
وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِشُهُودِ الْجِنَازَةِ , فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهَا انْصَرَفَ , لاَِنَّهُ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ , وَمَا زَادَ فَلَيْسَ فَرْضًا , وَهُوَ بِهِ خَارِجٌ ، عَنِ الاِعْتِكَافِ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ : أَنْ يَخْرُجَ إذَا دُعِيَ , فَإِنْ كَانَ صَائِمًا بَلَغَ إلَى دَارِ الدَّاعِي وَدَعَا وَانْصَرَفَ , وَلاَ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ : أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ , فَإِذَا سَلَّمَ رَجَعَ , فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ الاِعْتِكَافِ , فَإِنْ خَرَجَ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ رَأَى أَنَّ فِي الْوَقْتِ فُسْحَةً فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ ثُمَّ خَرَجَ أَدْرَكَ الْخُطْبَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ , وَإِلاَّ فَلْيَتَمَادَ ,
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ حَرَجٌ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِلشَّهَادَةِ إذَا دُعِيَ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الشُّهَدَاءَ بِأَنْ لاَ يَأْبَوْا إذَا دُعُوا , وَلَمْ يَشْتَرِطْ مَنْ يَقْبَلُ مِمَّا لاَ يَقْبَلُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًا إذَا أَدَّاهَا رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ ، وَلاَ يَتَرَدَّدُ , فَإِنْ تَرَدَّدَ : بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمُرَةَ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إذَا اعْتَكَفَ الرَّجُلُ فَلْيَشْهَدْ الْجُمُعَةَ وَلْيَحْضُرْ الْجِنَازَةَ وَلْيَعُدْ الْمَرِيضَ وَلْيَأْتِ أَهْلَهُ يَأْمُرُهُمْ بِحَاجَتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ : حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَعَانَ ابْنَ أُخْتِهِ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَطَائِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خَادِمًا , فَقَالَ : إنِّي كُنْت مُعْتَكِفًا , فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : وَمَا عَلَيْك لَوْ خَرَجَتْ إلَى السُّوقِ فَابْتَعْت وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ : حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّهَا كَانَتْ لاَ تَعُودُ الْمَرِيضَ مِنْ أَهْلِهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَكِفَةً إلاَّ وَهِيَ مَارَّةٌ وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ : حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ هَذِهِ الْخِصَالَ وَهُنَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ : عِيَادَةَ الْمَرِيضِ , وَلاَ يَدْخَلُ سَقْفًا , وَيَأْتِي الْجُمُعَةَ , وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ , وَيَخْرُجُ إلَى الْحَاجَةِ قَالَ إبْرَاهِيمُ : وَلاَ يَدْخَلُ الْمُعْتَكِفُ سَقِيفَةً إلاَّ لِحَاجَةٍ وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ : أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ , وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ , وَيُجِيبُ الإِمَامَ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يُرَخِّصُ لِلْمُعْتَكِفِ : أَنْ يَتْبَعَ الْجِنَازَةَ , وَيَعُودَ الْمَرِيضَ ، وَلاَ يَجْلِسَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُعْتَكِفُ يَدْخَلُ الْبَابَ فَيُسَلِّمُ ، وَلاَ يَقْعُدُ , يَعُودُ الْمَرِيضَ وَكَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا إذَا خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ فَيُسَائِلُهُ
قال أبو محمد : إنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ , أَوْ سَأَلَهُ ، عَنْ سُنَّةٍ مِنْ الدِّينِ , وَإِلاَّ فَلاَ
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَعُودَ الْمَرِيضَ , وَيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ , وَيَأْتِيَ إلَى الْجُمُعَةِ , وَيُجِيبَ الدَّاعِيَ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : إنْ نَذَرَ جِوَارًا أَيَنْوِي فِي نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَصُومَ , وَأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَبْتَاعُ , وَيَأْتِي الأَسْوَاقَ , وَيَعُودُ الْمَرِيضَ , وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَإِنْ كَانَ مَطَرٌ : فَإِنِّي أَسْتَكِنُ فِي الْبَيْتِ. وَإِنِّي أُجَاوِرُ جِوَارًا مُنْقَطِعًا , أَوْ أَنْ يَعْتَكِفَ النَّهَارَ وَيَأْتِيَ الْبَيْتَ بِاللَّيْلِ قَالَ عَطَاءٌ : ذَلِكَ عَلَى نِيَّتِهِ مَا كَانَتْ , ذَلِكَ لَهُ
وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ أَيْضًا
وَرُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرْضَى وَيَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ , وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ
وَرُوِّينَا ، عَنْ مُجَاهِدٍ , وَعَطَاءٍ , وَعُرْوَةَ , وَالزُّهْرِيِّ : لاَ يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ مَرِيضًا , وَلاَ يَشْهَدُ الْجِنَازَةَ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَاللَّيْثِ. قَالَ مَالِكٌ : لاَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ
قال أبو محمد : هَذَا مَكَانٌ صَحَّ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مَا أَوْرَدْنَا , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً , فَحَدَّثْتُهُ , ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ , فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ
قال أبو محمد : فِي هَذَا كِفَايَةٌ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا حُجَّةً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ. وَنَسْأَلُهُمْ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا أَبَاحُوا لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَابْتِيَاعِ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ , وَبَيْنَ خُرُوجِهِ لِمَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ
وقال أبو حنيفة : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ الْمَرِيضَ , وَلاَ أَنْ يَشْهَدَ الْجِنَازَةَ , وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ , وَلَهُ أَنْ يَبْقَى فِي الْجَامِعِ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ , فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرَ , أَوْ خَرَجَ لاَِكْثَرَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ , فَإِنْ خَرَجَ لِجِنَازَةٍ , أَوْ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ : بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِكُلِّ ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ لُبْثِهِ فِي خُرُوجِهِ لِذَلِكَ نِصْفَ يَوْمٍ فَأَقَلَّ لَمْ يَضُرَّ اعْتِكَافَهُ ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ : بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
قال أبو محمد : إنَّ فِي هَذِهِ التَّحْدِيدَاتِ لَعَجَبًا وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْمَحُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يُشَرِّعَ فِي دِينِ اللَّهِ هَذِهِ الشَّرَائِعَ الْفَاسِدَةَ فَيَصِيرُ مُحَرِّمًا مُحَلِّلاً مُوجِبًا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا هُوَ إلاَّ مَا جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ , قَلَّ أَمَدُهُ أَوْ كَثُرَ أَوْ مَا جَاءَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ حَرَامٌ قَلَّ أَمَدُهُ أَوْ كَثُرَ أَوْ مَا جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْدِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَسَمْعًا وَطَاعَةً
629 - مَسْأَلَةٌ : وَيَعْمَلُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ كُلَّ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ مُحَادَثَةٍ فِيمَا لاَ يَحْرُمُ , وَمِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ , وَمِنْ خِيَاطَةٍ , وَخِصَامٍ فِي حَقٍّ , وَنَسْخٍ , وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ , وَتَزَوُّجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لاَ يَتَحَاشَ شَيْئًا , لإِنَّ الاِعْتِكَافَ : هُوَ الإِقَامَةُ كَمَا ذَكَرْنَا , فَهُوَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَتْرُكْ الاِعْتِكَافَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً فِي ذَلِكَ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ مِنْ التَّابِعِينَ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ
وأعجب مِنْ ذَلِكَ مَنْعُهُ طَلَبَ الْعِلْمِ فِي الْمَسْجِدِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، تُرَجِّلُ شَعْرَهُ الْمُقَدَّسَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ , وَكُلُّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ مَعْصِيَةً , لَكِنَّهُ إمَّا طَاعَةً
وَأَمَّا سَلاَمَةً
630 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُبْطِلُ الاِعْتِكَافَ شَيْءٌ إلاَّ خُرُوجُهُ ، عَنِ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَامِدًا ذَاكِرًا , لاَِنَّهُ قَدْ فَارَقَ الْعُكُوفَ وَتَرَكَهُ , وَمُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ التَّرْجِيلِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ. وَتَعَمُّدُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ , لإِنَّ الْعُكُوفَ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ هُوَ الَّذِي لاَ يَكُونُ عَلَى مَعْصِيَةٍ , وَلاَ شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْعُكُوفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ عَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَقَدْ تَرَكَ الْعُكُوفَ عَلَى الطَّاعَةِ فَبَطَلَ عُكُوفُهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ
وقال مالك : الْقُبْلَةُ تُبْطِلُ الاِعْتِكَافَ
وقال أبو حنيفة : لاَ يُبْطِلُ الاِعْتِكَافَ مُبَاشَرَةٌ ، وَلاَ قُبْلَةٌ إلاَّ أَنْ يَنْزِلَ , وَهَذَا تَحْدِيدٌ فَاسِدٌ , قِيَاسٌ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ , وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ
631 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ عَصَى نَاسِيًا , أَوْ خَرَجَ نَاسِيًا , أَوْ مُكْرَهًا , أَوْ بَاشَرَ , أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا , أَوْ مُكْرَهًا : فَالاِعْتِكَافُ تَامٌّ لاَ يَكْدَحُ كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ شَيْئًا , لاَِنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ إبْطَالَ اعْتِكَافِهِ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم رُفِعَ ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.
632 - مَسْأَلَةٌ : وَيُؤَذِّنُ فِي الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي صَحْنِهِ , وَيَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ , لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَسْجِدِ , فَإِنْ كَانَ بَابُ الْمِئْذَنَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال أبو حنيفة : لاَ يَبْطُلُ وَهَذَا خَطَأٌ ; لإِنَّ الْخُرُوجَ ، عَنِ الْمَسْجِدِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مُفَارَقَةٌ لِلْعُكُوفِ وَتَرْكٌ لَهُ , وَالتَّحْدِيدُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ بَاطِلٌ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ خُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ إلَى مِائَةِ أَلْفِ خُطْوَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
633 - مَسْأَلَةٌ : وَالاِعْتِكَافُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ جُمِعَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْ لَمْ تُجْمَعْ , سَوَاءٌ كَانَ مُسْقَفًا أَوْ مَكْشُوفًا , فَإِنْ كَانَ لاَ يُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةً ، وَلاَ لَهُ إمَامٌ : لَزِمَهُ فَرْضًا الْخُرُوجُ لِكُلِّ صَلاَةٍ إلَى الْمَسْجِدِ تُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةً إلاَّ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ بُعْدًا يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ فَلاَ يَلْزَمُهُ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لاَ يَلْزَمُهَا فَرْضُ الْجَمَاعَةِ فَتَعْتَكِفُ فِيهِ ، وَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِكَافُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ إلاَّ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ. وَلاَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ , وَلاَ لِلرَّجُلِ : أَنْ يَعْتَكِفَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدِ دَارِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فَعَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ :
فإن قيل : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
قلنا : نَعَمْ , بِمَعْنَى أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهِ , وَإِلاَّ فَقَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ جَائِزٌ فِيمَا عَدَا الْمَسْجِدَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا عَدَا الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. فَصَحَّ أَنْ لاَ طَاعَةَ فِي إقَامَةٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ. فَصَحَّ أَنْ لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدٍ , وَهَذَا يُوجِبُ مَا
قلنا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ r .
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ , أَحْسِبُهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ r .
قال أبو محمد : إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلَ سَعِيدٍ فَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ , لاَ شَكَّ فِي أَحَدِهِمَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَقَطْ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لاَ جِوَارَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ , وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , قُلْت لَهُ : فَمَسْجِدُ إِيلِيَا قَالَ : لاَ تُجَاوِرُ إلاَّ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ , وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ : أَنَّ الْجِوَارَ هُوَ الاِعْتِكَافُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ , أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : جَاءَ حُذَيْفَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ : أَلاَ أَعْجَبُك مِنْ نَاسٍ عُكُوفٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت , فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ : مَا أُبَالِي , أَفِيهِ أَعْتَكِفُ , أَوْ فِي سُوقِكُمْ هَذِهِ , إنَّمَا الاِعْتِكَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ : مَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى قَالَ إبْرَاهِيمُ : وَكَانَ الَّذِينَ اعْتَكَفُوا فَعَابَ عَلَيْهِمْ حُذَيْفَةُ : فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ الأَكْبَرِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ : قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : قَوْمٌ عُكُوفٌ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى , أَلاَّ تَنْهَاهُمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت , وَحَفِظُوا وَنَسِيت , فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ : مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , وَمَسْجِدِ مَكَّةَ , وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ
رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلَيْهِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَمَعْمَرٍ , قَالَ سُفْيَانُ : عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَقَالَ مَعْمَرٌ : عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , وَرَجُلٍ , قَالَ هِشَامٌ : عَنْ أَبِيهِ , وَقَالَ يَحْيَى : عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَقَالَ الرَّجُلُ : عَنِ الْحَسَنِ , قَالُوا كُلُّهُمْ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلاَبَةَ : إبَاحَةُ الاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لاَ تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ ,
وَهُوَ قَوْلُنَا , لإِنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ بُنِيَ لِلصَّلاَةِ فَإِقَامَةُ الصَّلاَةِ فِيهِ جَائِزَةٌ فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الاِعْتِكَافُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ , وَيَعْتَكِفُ الرَّجُلُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ
رُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إسْرَائِيل ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يَعْتَكِفَ الرَّجُلُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ , وَأَبُو حَنِيفَةَ : تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا
وَقَالَ أبو محمد : أَمَّا مَنْ حَدَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَحْدَهُ , أَوْ مَسْجِدَ مَكَّةَ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ , أَوْ الْمَسَاجِدَ الثَّلاَثَةَ , أَوْ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ فَأَقْوَالٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا فَلاَ مَعْنَى لَهَا هُوَ تَخْصِيصٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.
فإن قيل : فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : قَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ أَوْ قَالَ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ
قلنا : هَذَا شَكٌّ مِنْ حُذَيْفَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ , وَلاَ يُقْطَعُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِشَكٍّ , وَلَوْ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : " لاَ اعْتِكَافَ إلاَّ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ " لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا , وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ شَكًّا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ
فإن قيل : فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا جُوَيْبِرٌ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ مَسْجِدٍ فِيهِ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ فَالاِعْتِكَافُ فِيهِ يَصْلُحُ.
قلنا : هَذِهِ سَوْأَةٌ لاَ يَشْتَغِلُ بِهَا ذُو فَهْمٍ , جُوَيْبِرٌ هَالِكٌ , وَالضَّحَّاكُ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُدْرِكْ حُذَيْفَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , فَخَطَأٌ , لإِنَّ مَسْجِدَ الْبَيْتِ لاَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْجِدٍ ,
وَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ , وَفِي أَنْ يُجْعَلَ كَنِيفًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ r اعْتَكَفْنَ فِي الْمَسْجِدِ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لاَِنَّهُنَّ كُنَّ مَعَهُ عليه السلام .
فَقُلْنَا : كَذِبَ مَنْ قَالَ هَذَا وَافْتَرَى بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَأَثِمَ
وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ : لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا صَنَعَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ بُطْلاَنَ التَّعَلُّقِ بِهَذَا الْخَبَرِ , وَأُقَرِّبُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ النَّبِيُّ r ، وَلاَ الْمَنْعُ مِمَّا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ عليه السلام : لِظَنِّ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَتَرَكَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ , وَهَذَا إحْدَاثُ شَرِيعَةٍ فِي الدِّينِ , وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ الْقَائِلَةُ هَذَا لَمْ تَرَ قَطُّ مَنْعَ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
634 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ أَقَامَتْ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا هِيَ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى ,
وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ , فَإِنَّهَا إنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْخُرُوجِ خَرَجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إذَا قَدَرَتْ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ , وَلاَ يَجُوزُ مَنْعُهَا مِنْهُ إذْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ لَهَا مِنْهُ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ , فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ , فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي.
635 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ اعْتِكَافٍ : قَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , أَوْ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ , لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. وَلِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : اقْضِهِ عَنْهَا وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ طَاعَةٍ , فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ هَلْ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ أَمْ لاَ , قَبْلَ فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَضَاءِ نَذْرِ الاِعْتِكَافِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ : " اعْتَكَفَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ أَخِيهَا بَعْدَ مَا مَاتَ " وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ : اعْتَكَفَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ قَالَ : وَمَنْ نَذَرَ صَلاَةً فَمَاتَ : صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَيُصَلِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا نَذَرَ صَلاَةً أَوْ اعْتِكَافًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : الإِطْعَامُ عَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ
وَقَالَ أبو محمد : هَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ , وَمَا لِلإِطْعَامِ مَدْخَلٌ فِي الاِعْتِكَافِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ , وَقَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عَائِشَةَ , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم وَقَوْلُهُمْ فِي هَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ , بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَمْ يَصِحَّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَمْ يَعِشْ إثْرَ نَذْرِهِ إلاَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ ثَلاَثُونَ مِسْكِينًا , وَقَدْ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ. قَالَ : فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا لَزِمَهُ يَوْمٌ بِلاَ لَيْلَةٍ. فَإِنْ
قَالَ عَلِيٌّ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ يَوْمَانِ وَمَعَهُمَا لَيْلَتَانِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ يَوْمَانِ وَلَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ , كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ ، وَلاَ فَرْقَ. فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ
636 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ مُسَمَّاةٍ , أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا : فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي اعْتِكَافِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ , وَيَخْرُجُ إذَا غَابَ جَمِيعُ قُرْصِ الشَّمْسِ , سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيَالٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا : فَإِنَّهُ يَدْخُلُ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ , وَيَخْرُجُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ , لإِنَّ مَبْدَأَ اللَّيْلِ إثْرَ غُرُوبِ الشَّمْسِ , وَتَمَامُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ , وَمَبْدَأُ الْيَوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ , وَتَمَامُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كُلِّهَا , وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ إلاَّ مَا الْتَزَمَ أَوْ مَا نَوَى فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوْ أَرَادَهُ تَطَوُّعًا : فَمَبْدَأُ الشَّهْرِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَيَدْخُلُ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ , وَيَخْرُجُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ كُلُّهَا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ , سَوَاءٌ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ. لإِنَّ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَأْنَفَةَ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي نَذَرَ اعْتِكَافَهُ أَوْ نَوَى اعْتِكَافَهُ. فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ : دَخَلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ عَشْرَ. لإِنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً , فَلاَ يَصِحُّ لَهُ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ إلاَّ كَمَا
قلنا , وَإِلاَّ فَإِنَّمَا اعْتَكَفَ تِسْعَ لَيَالٍ فَقَطْ , فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلاَثِينَ عَلِمَ أَنَّهُ اعْتَكَفَ لَيْلَةً زَائِدَةً , وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ اعْتِكَافَ اللَّيْلَةِ الآخِرَةِ لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ , إلاَّ مَنْ عَلِمَ بِانْتِقَالِ الْقَمَرِ , فَيَدْخُلُ بِقَدْرِ مَا يَدْرِي أَنَّهُ يَفِي بِنَذْرِهِ. وَاَلَّذِي قلنا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ هَارُونَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَهُ اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ , فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ. وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ هُوَ الزُّبَيْدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ , والدَّراوَرْدِيُّ , كِلاَهُمَا ، عَنْ يَزِيدَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ , فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَيَسْتَقْبِلُ إحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إلَى مَسْكَنِهِ , وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ.
وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا , إلاَّ أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَبْقَى يَوْمَهُ إلَى أَنْ يُمْسِيَ وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنَّهُ تَنَفُّلٌ مِنْهُ عليه السلام.
وَأَمَّا أَنَّهُ عليه السلام نَوَى أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ اللَّيَالِيَ بِعَشْرَةِ أَيَّامِهَا وَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ مَالِكٌ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ , فَوَقَعَ فِي لَفْظِهِ تَخْلِيطٌ وَإِشْكَالٌ لَمْ يَقَعَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ إلاَّ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّنَا
رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ , فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ : مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ , فَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا , وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا , فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ , وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ , فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ , وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ , فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ.
قال أبو محمد : مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ , وَيُنْذِرُ بِسُجُودِهِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ , وَيَكُونَ ذَلِكَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ الَّتِي مَضَتْ.فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الرَّاوِي , " حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ " أَرَادَ اسْتِقْبَالَ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ , وَبِهَذَا تَتَّفِقُ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَعَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ , كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , وَرِوَايَةُ الدَّرَاوَرْدِيِّ , وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ , وَمَالِكٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ التَّيْمِيِّ :
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ r يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ , فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ.
قال أبو محمد : هَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُ عليه السلام , وَلَيْسَ أَمْرًا مِنْهُ وَمَنْ زَادَ فِي الْبِرِّ زَادَ خَيْرًا. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ وَالْمُعْتَكِفَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ خِبَاءٌ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ , ائْتِسَاءً بِالنَّبِيِّ r وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
* * *
[[تصنيف:محلى ابن حزم]]

مراجعة 04:20، 28 ديسمبر 2006