الغزو العراقي للكويت

مراجعة 19:43، 5 ديسمبر 2010 بواسطة Taghreed (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'القسوة لدى صدام حسين غزو الكويت - 1، كتابات - د. محمد مجيد "أن زمن الغزو قد تراجع أن لم يكن قد …')

(فرق) → مراجعة أقدم | مراجعة معتمدة (فرق) | النسخة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

القسوة لدى صدام حسين غزو الكويت - 1، كتابات - د. محمد مجيد


"أن زمن الغزو قد تراجع أن لم يكن قد ولى ، وان الرأي العام العالمي أصبح يرفض قولاً وبالتصرف توسع أي دولة على حساب الدول الأخرى لتغيير الخارطة السياسية للدول ، وأن التوسع حتى من قبل الدول العظمى التي تمتلك امكانات وتأثيراً أوسع واكبر كثيراً مما تملكه ايران صار يجري تحت أغطية خاصة وليس بنفس الطريقة التي يعلن عنها حكام ايران ، ومع ذلك فأن فرص نجاحها صارت تضيق في هذا العصر ومن يعتمد هذا الأسلوب أصبح يجد الرفض الواسع من قبل شعوب العالم بما يضعه في مأزق جدي لا يستطيع الخروج منه الا بالتراجع الفعلي عنه."

صدام حسين رسالة الى الشعوب الأيرانية ... ١٠/٢/١٩٨٣


خلال عقد واحد دخل العراق الحرب مرتين. في كلا الحالتين كانت بعض أسباب النزاع المعلنة على الاقل خلافاً على الحدود , نزاع تطور في في حالة الكويت الى خلاف على وجودها كدولة . تلك الخلافات واجهتها الحكومات السابقة لسلطة الرئيس صدام لكن تفردت سلطته عن من سبقتها بأنها كانت الوحيدة التي اختارت الحرب كوسيلة لحل هذا الخلاف. واختيار الحرب كوسيلة لحل الخلافات الخارجية كان نتيجة طبيعية لاستسهال استخدام العنف والقسوة داخل البلاد , فتحولت تلك القاعدة في العمل السياسي المحلي الى قاعدة في ممارسة السياسة الخارجية .

هذا الجزء مخصص لتوثيق مرحلة غزو الكويت الى ابتداء أم المعارك والتي سنفرد لها فصل منفصل.


قرار الغزو

لا يعلم أحد متى وردت فكرة غزو الكويت في ذهن الرئيس صدام وهل كانت وليدة الأسابيع القليلة التي سبقتها أم كانت مبيتة لفترة من الزمن. فالبعض أشار الى معاهدة عدم الأعتداء التي وقعت بين العراق والسعودية في عام ١٩٨٩ على أن الغاية منها ، والتي لم تكن واضحة عند توقيعها ،كانت لتحييد السعودية ولتطمينها عند القيام بعملية غزو الكويت.

وأشار أخرون الى خطابه خلال افتتاح القمة الرابعة لمجلس التعاون العربي في عمان في ٢٥ شباط ١٩٩٠ ، أي قبل حوالي خمسة أشهر من غزو الكويت ، من أن الحرب ممكن أن تكون في مكان غير المكان هجم منه العدو حيث ورد في خطابه

"في السياسة كما في الحرب علمتنا ظروف المسؤولية والتجارب بأن الهجوم المقابل لا يبنغي أن يكون بالضرورة على ذات المحور الذي اختاره العدو دائماً ، خاصة اذا ما كانت المنازلة تمتد الى زمن طويل والاختيار في جبهتها ممكناً على محور أو محاور أخرى. وعلى مكان أو أمكنة غير التي هجم منها العدو ، واعد لها مستلزمات المواجهة ، وتحسب لردود أفعال العرب تجاهها.. وقد يكفي في حالة كهذه أن نشاغل العدو على المحور الذي اختاره للهجوم علينا ونهجم عليه من محور أخر غير هذا. اذا ما كانت النتائج التي نتوخى تحقيقها ممكنة على المحاور الأخرى. وعلى أساس هذا التقدير ، فقد لا يكون الهجوم المباشر على الخطط والوسائل المؤذية التي تستخدمها أميركا، وتستخدمها الصهيونية ضد العرب في ميدان ما، باستخدام كل طاقاتنا مرة واحدة بما يشغلنا عن الميادين الأخرى هو الحل الصحيح دائماً".

قد تكون كل تلك التخمينات صحيحة، لكن ما نعرفه ألان على الاقل هو انعقاد اجتماع ضم حلقة مصغرة قريبة من الرئيس ,قبل اسابيع قليلة من الغزو, ضمت حسين كامل وعلي حسن المجيد وصابر الدوري مدير الأستخبارات العسكرية انذاك نوقش فيه عملية غزو الكويت.

أما التخطيط العسكري لتلك العملية فحسب رواية سعد البزاز في كتاب "الجنرالات أخر من يعلم" فقد ابتدا في يوم السادس عشر من تموز ١٩٩٠ حيث "جرى .. لأول مرة في تاريخ العراق رسم خطتين عسكريتين ، أحداهما سميت الخطة أ والثانية الخطة ب لتحديد حجم العمل العسكري الهادف الى احتلال الكويت أو جزء منها. وتقضي الخطة أ بالسيطرة على جزيرتي وربة وبوبيان والشريط الحدودي بعمق ٣٠-٥٠ كيلومتراً كحد أقصى ، أما الخطة ب فتقضي بالاندفاع لاحتلال كامل الأراضي والجزر الكويتية. وظلت الخطة أ هي المرجحة حتى يوم ٢٩/٧/١٩٩٠ عندما وردت تقارير جهازي المخابرات والاستخبارت العسكرية من داخل الكويت واتفقت على (عدم وجود استعداد للمواجهة العسكرية ) وعلى (أن الولايات المتحدة لاتملك قوات كافية قرب الكويت تستطيع اجهاض عملية واسعة لاحتلالها كاملة) وعلى ذلك تحول القرار لاختيار الخطة ب يوم ٢٩/٧/١٩٩٠."


المشروع ١٧ "خطة الغزو" :

   وضع الفريق اياد فتيح الراوي قائد الحرس الجمهوري انذاك خطة الغزو وأطلق عليها أسم "المشروع ١٧ "وهي , كما وردت في مذكرات الفريق رعد الحمداني " قبل أن يغادرنا التاريخ" التعرض بجبهة اربع فرق (راجع الخريطة المرفقة) :

١- فرقة حمواربي حرس جمهوري (درع) تهاجم على الطريق العام صفوان – العبدلي – المطلاع – الجهراء – الكويت العاصمة يقدمها اللواء المدرع ١٧ حرس جمهوري بالتنسيق مع اللواء السادس عشر قوات خاصة، والقوة الهابطة من الجو في المطلاع من اللواء ٣ قوات خاصة حرس جمهوري كقوة واجب أولى مهمتها احتلال العاصمة الكويت بالتركيز على (قصر السيف الاميري , وقصر بيان مقر مجلس الأمة , وبناية مجلس الوزراء ووزارتي الداخلية والدفاع). تعقبها فرقة نبوخذ نصرحرس جمهوري مشاة بقيادة العميد الركن محمود دهام بديوي على نفس المحور لاحكام السيطرة على العاصمة.

٢-تندفع فرقة الفاو حرس جمهوري مشاة على الطريق الساحلي ام قصر – الطريق الساحلي – شمال الكويت العاصمة , وتمسك بجزيرة بوبيان وتكون بقيادة العميد الركن ميسر فاضل الجبوري.

٣- فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري (دروع) تندفع على محور الرميلة المعبر ١١ – الابرق – قاعدة علي السالم – الاحمدي للسيطرة على منطقة جنوب العاصمة، وتكون بقيادة العميد الركن ضياء ماهر التكريتي.

٤- فرقة توكلنا على الله حرس جمهوري (درع) تندفع على المحور الوسطي منطقة المقالع ما بين فرقة حمورابي حرس جمهوري وفرقة المدينة المنورة حرس جمهوري للسيطرة على المنطقة الغربية من الكويت وتكون بقيادة العميد الركن احمد عبد الله صالح.. اما فرقة عدنان حرس جمهوري مشاة فتندفع بقيادة العميد الركن فوزي التكريتي معقبة فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري للامساك بالمنطقة الساحلية من الاحمدي الى السعودية...

ثم تندفع فرقة بغداد حرس جمهوري بقيادة العميد الركن محمود معقبة على محور العبدلي – الجهراء – العاصمة الكويت – الوفرة للامساك بالقسم الجنوبي من الكويت.... اما لواء الواجبات الخاصة السادس والعشرين (الضفادع البشرية) فهو احتياط مع مقر فرقة القوات الخاصة حرس جمهوري بقيادة العميد الركن وعد الله مصطفى".

أما عن احتلال مدينة الكويت فالخطة كانت تقوم على احتلالها من محورين محور شمالي ومحور جنوبي يطوقان المدينة ككماشة ويلتقيان بمنطقة أبراج الكويت (راجع الخريطة المرفقة).

المحور الشمالي كان مهمة اللواء ١٦ قوات خاصة حرس جمهوري والجنوبي كان مهمة اللواء المدرع ١٧ حرس جمهوري ورد ذلك في كتاب لواء القوات الخاصة السادس عشر حرس جمهوري بتاريخ ٥/٩/١٩٩٠

"١- يندفع بالساعة ٠٤٠٠ يوم ٢/٨ لواء قوات خاصة ١٦ حرس جمهوري على طريق صفوان العبدلي -مدينة الجهراء- مركز مدينة الكويت-الطريق الساحلي مستشفى الأمراض الصدرية باتجاه ميناء الشويخ شارع الخليج العربي.

وبعد انجاز تلك المهمة " يحتل لواء قوات خاصة ١٦ حرس جمهوري الطريق الساحلي من ميناء الشويخ داخل ولغاية أبراج الكويت داخل، والسيطرة على كافة القصور الحكومية والدوائر الرسمية واعتقال المسؤولين والتحول للدفاع بالمنطقة ومنع اية قوة من التدخل من جهة البحر مهما كلف الثمن."

أما مهمة المحور الجنوبي فكانت" يتقدم لواء ١٧ حرس جمهوري والقطعات الملحقة به بالساعة ٠٢٠٠ يوم ٢/٨ على محور جبل سنام مخفر جنوب العبدلي -مدينة الجهراء لتدمير كافة المقاومات المعادية بدون توقف والاندفاع لاحتلال الطريق الخارجي لمدينة الكويت الطريق رقم ٧ والطريق رقم ٦ وبضمنها احتلال المطار الدولي والمعسكر رقم ٤ والوصول الى ساحل البحر ."

والجزء الأخر من المهمة هو التحول للدفاع في المنطقة المحصورة بين خليج سعود وحتى رأس الأرض شمالاً ومنع أي قوة من التدخل من جهة البحر مهما كلف الثمن."


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التحضير للغزو

لخصت تقاريرمديرية الأستخبارات العسكرية دورها في التحضير لعملية غزو الكويت ونشرت في كتاب The Mother Of All Battles وكانت

" ١- تنفيذاً لاوامر الرئيس صدام حسين الشفهية ووفقاً لكتابنا السري والشخصي بتاريخ ١٢/٧/١٩٩٠، زودت المديرية قائد الحرس الجمهوري بتحليل لساحة العمليات ، وتفاصيل استعدادت القوات الكويتية ، وفيديو للحدود العراقية - الكويتية.

٢- بتاريخ ٢٤/٧ زودت المديرية قائد الحرس الجمهوري بمعلومات عن كافة السفارات ومراكز الاتصالات في الكويت . وكذلك قدمت تقريراً عن القوة الجوية الكويتية والدفاع الجوي.

٣- بتاريخ ٢٥/٧ قدمت المديرية تقريراً لاحتمالية التدخل العسكري الأجنبي في حالة نشوء النزاع العسكري مع الكويت.

٤- بتاريخ ٣١/٧ لخصت المديرية كافة التحركات العسكرية الكويتية للفترة الممتدة ما بين ١٩ الى ٢٩ تموز بالاضافة الى قائمة بكافة الأهداف الحيوية داخل الكويت.

٥- بتاريخ ٣١/٧ زودت الحرس الجمهوري بقائمة مفصلة لاعضاء الحكومة الكويتية ، مجلس الأمة ، وكبار الضباط الكويتيون."

أما بالنسبة لتحضير قوات الحرس الجمهوري لعملية الغزو فابتدأت باجراء تحشد لقواته قرب الحدود الكويتية ويبدو أن الغالبية من ضباط الحرس الجمهوري لم يكونوا على علم بغاية ذلك التحشد فقد ورد في مذكرات الفريق رعد الحمداني " في الساعة ٠٣:٣٠ من يوم ١٥/٧/١٩٩٠ اتصل بي هاتفياً العقيد الركن معتمد التكريتي رئيس أركان فرقة حمورابي حرس جمهوري وطلب مني تهيئة جحفل لوائي - جحفل اللواء المدرع ١٧ حرس جمهوري-- كان معسكره في ذلك الوقت في الكوت- وبانذار قصير وفق أمر من المراجع العليا للحركة نحو القاطع الجنوبي (البرجسية قرب جبل سنام - جنوب غرب البصرة) واخبرني أن ناقلات الدبابات ستصل في الصباح ، وعلى الفور انذرت جحفل اللواء واستدعيت المجازين.... وخلال تفقدي استعدادات وحداتي للحركة ، كنت اضرب أخماساً باسداس للخروج باستنتاج منطقي لهذه الحركة المفاجأة الى منطقة محاذية للكويت، وخلال تبادلي الاحاديث مع مقدم اللواء العقيد الركن شباط مطر علي وبعض آمري الوحدات وكاجابة لاستفسارهم عما أتوقعه أشرت الى أن التلويح بالقوة أو استعراضها هي وسيلة من وسائل السياسة وورقة ضغط تساعد في حل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعاظمت في الفترة الأخيرة مع الكويت ، وبدأت اشرح لهم موضوع الأزمة السياسية وبعض أساليب اداراتها وصولاً لما يسمى بسياسة حافة الحرب التي يلجأ اليها من أجل الوصول الى حلول سلمية لتلك الأزمات ، وقد أشرت الى أن هذه الأزمة في طريقها للحل خلال بضعة اسابيع ، وان الأسرة العربية ستسعى جاهدة لاحتوائها والمساعدة في حلها بالتأكيد......كان ذلك أقصى ما وصل اليه تفكيري وقتها."

بعد أن تحرك لواء الفريق الحمداني قرب الحدود الكويتية لاحظ أن الموضوع زاد حجماً عندما علم أن باقي تشكيلات فرقته قد انذرت بالحركة وشملت أيضاً تشكيلات من فرق أخرى حتى شملت الحركة كافة فرق الحرس الجمهوري.

أعلم ضباط الحرس من قادة الألوية بالغاية الحقيقية من ذلك التحشد بعد ٤ أيام من تحركهم حيث ذكر الحمداني "في الساعة ١١:٠٠ من يوم ١٩/٧/١٩٩٠ طلب حضوري في مقر الفرقة الذي انفتح لتوه في القاطع نفسه ، وحال دخولي على القائد في دائرته المتنقلة وجدت مصحفاً على طاولته بشكل بارز على غير العادة، وبعد تبادل حديث قصير حول عمليات اكمال التحشد، طلب مني أن أقف للقسم على كتمان مشروع يحمل الرقم ١٧ ويتعلق بتحرير الكويت!

وأن مهمة جحفل لوائي تشكل الجزء الاعظم من مهمة الحرس الجمهوري بشكل عام، قوة الواجب الأولى لقوات الحرس الجمهوري وهذا مما تتطلب أعلامي بالمهمة قبل آمري التشكيلات الأخرى، فاصابتني الدهشة لحجم المهمة وعمقها ، فقلت مستغرباً أن تحتل الكويت البلد الشقيق ؟".

بعد ذلك وفي الأيام مابين ٢٠ والى ٣١ تموز ,لكون الخطة ينقصها الكثير من التفاصيل, انشغل الحمداني واخرون من ضباط الحرس لتخطيط تفاصيل تلك المهمة وتوزيع المهام والواجبات.

بالرغم من تلك الاستعدادات فلم تعلم القطاعات بساعة الصفر للهجوم الا قبل يومين منه حيث ورد الأتي في كتاب جحفل للواء المشاة الألي ١٤ حرس جمهوري عن المباغتة والكتمان " "كان للمباغتة والكتمان دوراً متميزاً في معركة يوم النداء واثره كبير في نجاح المعركة واستعادة الكويت السليبة ورجوع الفرع الى الأصل حيث أن كافة القطعات كانت لم تعلم بالواجب الا قبل المعركة بيومين فقط" .

كانت الاستحضارات النهائية يوم ١ آب وكما وردت في كتاب لواء ١٦ قوات خاصة حرس جمهوري

"ا- استطلاع الحدود العراقية-الكويتية وتحديد مايلي:

أولاً. المخافر الحدودية المعادية لكل تشكيل لاحتلالها.

ثانياً. طرق الهجوم للتشكيلات.

ب-اصدار الأوامر التمهيدية.

ج- تدقيق الأتجاهات للتشكيلات نحو اهدافها الاولية واللاحقة.

د. اصدار الأوامر النهائية.

ه- عقد مؤتمر التنسيق وتم فيه

أولاً. عرض خطط التشكيلات واجراء التعديلات عليها.

ثانياً- عرض آمري التشكيلات معاضلهم وكيفية معالجتها

و- اكمال عتاد الخط الاول وخطين ثوان".

كانت السرعة ركناً أساسياً لنجاح الخطة , ولتحقيقها كان لابد من توفر الوقود الكافي والارزاق لكي تنجز القطعات مهمتها وهي قطع مسافة ١٥٠ كيلومتر من الحدود الى ساحل البحر من دون توقف ولذلك تم

"ز. استلام ارزاق المعركة لمدة ٧٢ ساعة.

ح. املاء أحواض الوقود واحتياط يكفي لمسافة ١٥٠ كيلومتر."

لم تعلم تشكيلات الجيش الأخرى بعملية الغزو فلم يعلم وزير الدفاع الفريق عبد الجبار شنشل أقدم ضابط عراقي بها الا بعد وقوع الغزو حيث ذكر سعد البزاز أنه عرف به من الراديو وكذلك لم يعلم به أيضاً رئيس أركان الجيش نزار الخزرجي حيث ذكر في مقابلة معه في كتاب غسان شربل "صدام مر من هنا" " كان عبدالجبار شنشل وزيرا للدفاع وكنت رئيسا للأركان، ولم نفاتح من قريب ولا من بعيد بموضوع اجتياح الكويت.

• متى عرفت بالغزو؟ــــ كنت نائما في منزلي ليلة الأحداث. اتصل بي صباحا سكرتير عام القيادة العامة الفريق علاء الدين الجنابي وطلب مني أن أذهب إلى القيادة العامة، وحين دخلت مكتبه قال: «أكملنا احتلال الكويت». سألت كيف؟ فقال: «الحرس الجمهوري والقوة الجوية وطيران الجيش أنهوا احتلال الكويت». بعد ربع ساعة وصل وزير الدفاع عبدالجبار شنشل وتم إبلاغه بالطريقة نفسها. تصور أن الجيش يدفع في مغامرة من هذا النوع من دون علم وزير الدفاع ورئيس الأركان!

أصبنا بصدمة كبيرة. فالبلد المستهدف بلد عربي مجاور ونحن نقول إننا قاتلنا إيران ليس دفاعاً عن العراق فحسب بل عن العرب أيضاً، ثم إنه كان واضحاً لي أن المسألة لن تمر من دون حساب. خالجني شعور بأن الحساب سيطرح مصير العراق برمته. بعد ثلاثة أو أربعة أيام حصل اللقاء الأول مع صدام حسين. استدعينا، وزير الدفاع وأنا، إلى لقاء ونقلتنا السيارات إلى منطقة الرضوانية. وبعد دوران في شوارع جانبية كان هناك كارافان. دخلناه فوجدنا خرائط معلقة على جدرانه. بعد ربع ساعة دخل صدام حسين. قال: «أرجو ألا تزعلوا، أنا لم أخبركم بعملية تحرير الكويت، وهذا لا يعني أنني لا أثق بكم. فعلت ذلك لسببين: الأول هو أنني لو أبلغتكم لقمتم بسلسلة من الإجراءات من بناء الخطط إلى الاستعداد كوزارة وهيئة أركان، وكان من شأن ذلك أن يلفت النظر ويكشف السر، وأنا أردت أن تكون العملية مفاجئة. الثاني أنني حررت الكويت بالقطعات التابعة لي مباشرة وليس قطعاتكم».



عن اجتماع جدة

بعد أن خرجت الأزمة ما بين العراق والكويت الى العلن في تموز من عام ١٩٩٠ قامت عدة أطراف عربية بمحاولات للوساطة ما بين الطرفين.

كان اخرها استضافة المملكة العربية السعودية للقاء ما بين نائب مجلس قيادة الثورة عزة ابراهيم وما بين ولي العهد الكويتي الشيخ سعد العبدالله الصباح.

قيل بعد الغزو أن المفاوضات فشلت لتعنت الجانب الكويتي وعدم رضوخهم للمطالب العراقية.فمثلاً ذكر الرئيس صدام في حديث مع قادة عسكريين نشر نصه في كتاب سعد البزاز الجنرالات أخر من يعلم

"يحصل الأجتماع في جدة ،ويذهب اليه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة ابراهيم ، ويأتي رئيس وزرائهم السابق سعد، ، وعندما يلتقون لا يأتي بجديد لرفع الغبن والظلم عن العراق...

قال عزة لسعد ، هل أنت مخبل أو مجنون ، تأتي الى الأجتماع ، بدون أي حل لكل القضايا العالقة أو المعلقة، كيف تتصور اذا عدت لبغداد وقلت لهم أنك لم تأت بأي حل ، ألا ترى الجيش الموجود على مقربة منك ... "

لكن مراجعة لوثائق عراقية و كتابات لمسؤولين عراقيين سابقين يتضح أن قرار دخول الكويت قد دخل حيز التنفيذ قبل الأجتماع وكما أشرنا أعلاه. فقد ذكر الفريق رعد الحمداني في مذكراته أن الأوامر النهائية لقوات الحرس الجمهوري قد صدرت يوم ٣١/٧/١٩٩٠ أي أثناء انعقاد الأجتماع حيث كتب " في الساعة ١٨٠٠ يوم ٣١/٧/١٩٩٠ حضرت مؤتمر الأوامر النهائي مع باقي آمري التشكيلات... وحددت العملية في الساعة الرابعة فجرا يوم٢/٨/١٩٩٠... وكان قائد الحرس الجمهوري الفريق اياد قد اصدر الكثير من التعليمات الدقيقة والخاصة بتحديد الاتجاهات وضبط المسير... وفي نفس اليوم حصلنا على وثيقتين هامتين: التصاوير الجوية لعموم نطاق التعرض من خلال آخر استطلاع جوي لطائرة ميغ ٢٣ بتاريخ ٣٠/٧ وخريطة سياحية للعاصمة الكويت"

كذلك ورد في وثيقة لآمر اللواء الرابع عشر المشاة الآلي من فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري مايشير الى أن أوامر اللواء صدرت قبل واثناء انعقاد اجتماع جدة حيث ورد فيه الأتي

" أولاً: بالساعة ١١٣٠ يوم ٣١ تموز ١٩٩٠ ,تم استدعاء آمر اللواء إلى مقر قيادة قوات المدينة المنورة حرس جمهوري، لاستلام الأوامر بالتمرين على الكويت.

ثانياً: بالساعة ١١٤٠ يوم ٣١ تموز ١٩٩٠ تم عقد مؤتمر لآمري الوحدات والصنوف المتجحفلة، وتم إعطاء المهمة لكل واحد منهم، وتحديد الساعة ١٥١٠ لغرض الذهاب للاستطلاع.

ثالثاً: بالساعة ١٥٠٠ يوم ٣١ تموز حركة جماعة الاستطلاع، إلى منطقة التحشد في منطقة (خضر الماء) .

رابعاً: بالساعة ٢٠١٠ يوم ٣١ تموز عودة آمر اللواء، وآمري الوحدات من الاستطلاع.

خامساً: بالساعة ٢٠٢٠ يوم ٣١ تموز ، إصدار الأوامر النهائية للحركة إلى منطقة التحشد في منطقة (خضر الماء).

سادساً: بالساعة ٢٠٣٠ يوم ٣١ تموز عودة جماعة الاستطلاع.

سابعاً: بالساعة ١٠٠ يوم ١ آب ٩٠، شرع اللواء بالحركة من معسكره في البصرة إلى منطقة التحشد في (خضر الماء).

ثامناً: بالساعة ٧٠٠ يوم ١ آب، تكامل وصول لوائنا إلى منطقة التحشد في (خضر الماء) بدون حادث.

تاسعاً: بالساعة ٠٩٣٠ يوم ١ آب ، حركة آمر اللواء، حسب طلب قائد قوات المدينة المنورة حرس جمهوري إلى مقر القيادة الرئيسي في اللحيس.

عاشراً: بالساعة ١٣٤٥ يوم ١ آب ، استلام آمر اللواء للأوامر النهائية في

مقر قيادة قوات المدينة المنورة حرس جمهوري"

كذلك ذكر kevin woods في كتابه " The mother of all battels " عن وثيقة عراقية أن الرئيس صدام اجتمع مع قائد القوة البحرية العراقية يوم ٣١ /٧ /١٩٩٠ طالباً منه مشاركة القوة البحرية العراقية يوم ٢/٨/١٩٩٠.

من الصعب معرفة ما اذا كان الوفد العراقي على علم بأن خطة الغزو دخلت مرحلة التنفيذ أثناء انعقاد المفاوضات ، لكن ماورد في شهادة المسوولين الكويتين للجنة تقصي الحقائق لمجلس الأمة ورواية الشيخ سعد عن تلك المحادثات يثير الشك من أن نائب مجلس قيادة الثورة عزة أبراهيم كان على علم بذلك فقد ورد في التقرير "في الجلسة الإفتتاحية، وبعد كلمات المجاملة، اتضح أنه ليس لدى عزة إبراهيم أي جديد يقدمه سوى أنه قد حضر إلى الاجتماع استجابة لدعوة جلالة الملك فهد، وأن أي مناقشات يمكن أن تستكمل في بغداد. وتلت الجلسة الافتتاحية جلسة مغلقة اقتصرت على رئيسي الوفدين، ولم تسفر هذه الجلسة المغلقة عن أي نتائج".

وورد في رواية الشيخ سعد بتاريخ ٤ أيلول ١٩٩٠ ونشرت في كتاب موسوعة حرب الخليج ,عن تلك الجلسة المغلقة ما يلي

"في الأجتماع جلست بجانب نائب الرئيس العراقي وتحدثنا بشكل شامل وعام من دون أن ندخل في التفاصيل وبدا لي أنه ارتاح من حديثي وقال يا أخ سعد هل عندك مانع أن يسمع الوفد العراقي هذا الكلام ؟

فقلت: أنا لا أتكلم بلهجتين. وليأت أعضاء الوفد العراقي لتسجيل ما يريدون. وقلت لرئيس الوفد العراقي. قلتم بأن أهل الكويت سرقوا نفطكم وهذه الأبار تبعد ٥ كلم عن الحدود الدولية. وعندما بدأنا الضخ كنا نضخ حوالي ١٢ ألف برميل بينما أنتم تنتجون من ٥٠٠ الى ٦٠٠ ألف برميل يومياً . فمن الذي يسرق نحن أم أنتم؟وطالب العراقيون في ذلك الوقت أن ندفع لهم ٢.٦ مليار دولار. فقلت طيب، واضفت: وماهي النقطة الثانية يا أستاذ عزة؟

فقال أنتم زدتم من حصة انتاج النفط وهذا سبب كثيراً من المشاكل واضر بالانتاج العراقي.

فقلت: هناك خبراء عندهم الخبرة الكافية يستطيعون التفتيش على سجلات انتاج النفط ويتأكدون من انتاج الكويت والعراق. فقال عزة: نحن عندنا معلومات.

ثم عدت وسألته: وما النقطة الثالثة ؟

لقد جاء في مذكرتكم أن السلطات الكويتية قامت ببناء مراكز حدود ومنشأة نفطية وانت تعرف يا عزة ابراهيم أثناء زيارتي في شهر يوليو ١٩٧٧ اتفقت معك على ايجاد خط وسط فاصل بين المخافر أو المراكز الكويتية وبين المراكز العراقية، وانت وقعت على المحضر وانا أيضاً ، وقلت لك هذا الأتفاق لا يشمل المراكز التي بنتها السلطات وان ما ترك من مشاكل صغيرة يترك للمسؤول في صفوان والعبدلي، فكيف أسمع منك اننا بنينا منشأت ؟ ولماذا هذا السكوت لمدة سنتين؟

فلم يستطع الرد على هذه التساؤلات.

وتابعت أقول : بامكانك أن ترسل للتأكد من صحة ما ورد وعلى صحة الموافقة العراقية ألان قبل بعد غد ، هل قامت الكويت بانشاء مراكز داخل الأراضي العراقية؟

فتهرب من السؤال.

وقلت له : ما يؤلم انكم اتهمتم الكويت بتنفيذ سياسة تهدف أو تتمشى مع السياسة الأمبريالية والصهيونية. ودعنا نتحدث بصراحة. منذ متى اكتشفتم أن حكومة الكويت تتبنى سياسة بشكل مباشر أو غير مباشر تتماشى مع الصهيونية؟ هل تذكر يا عزة ابراهيم أنك في أحد الأجتماعات عندما كنا في بغداد ، كنت تردد الثناء والمديح لامير الكويت وحكومة الكويت وشعب الكويت؟ وقلت له اذا كنت قد نسيت فانا لن أنسى. وقلت له. كنت تقول بانكم لم تنسوا الدعم الكويتي ولن تنسوا ماقام به الأمير وحكومته وشعبه. بعد عجزه أن يرد على هذه التساؤلات وصلت الى قناعة بأن الرجل أرسل فقط ليقال أنه استجاب لنصيحة الملك فهد ، وانه أرسل بهدف التغرير وتمييع الموقف.

"عرفت أيها الأخوة والاخوات أن رئيس الوفد العراقي لا يملك الصلاحية ولا الحق في استمرار الحوار معي. وانتهينا الى هذا الحد وقبل أن نذهب الى حفل عشاء الملك فهد، قلت لنفسي ليس هناك من ضرر أن اتصل برئيس الوفد العراقي وزرته في جناحه الخاص ، وقلت له دعنا نكسب الوقت ونتكلم لوحدنا بشكل شامل ومسهب وبدون تسجيل أن أن يكون معك أحد.

فقال : أنا مريض ورأسي يوجعني وبأسلوبي الخاص دخلنا الحوار مجدداً ، وكان مرة يقول تعبتني ومرة أخرى يطالع ساعته... لكن سبحانه يعرف ويدري..

بعد الهجوم أخذت أتذكر كيف اننا من ٨ ساعات كنا نتحاور مع بعض ، بينما كان يفكر ويخطط ويريد أن يقتلني".

بعد انتهاء زيارة ولي العهد لعزة ابراهيم في مكان اقامته "اقترح سمو ولي العهد أن يذهبا معا لتلبية دعوة العشاء الذي أقامه جلالة الملك فهد. وساد اللقاء الجانبي بحضور الملك فهد جوا طيبا، ولكن بلا شك كان بالأنفس الشيء الكثير مما لم تفصح عنه المظاهر الخارجية. وفي أثناء ذلك رفض الجانب العراقي اقتراح سمو ولي العهد بأن ينتقل وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود على الطبيعة للتحقق من عدم وجود أي تجاوزات كويتية بإقامة مزارع أو منشآت عسكرية كما يدعى الجانب العراقي. وأصر على أن يكون الاجتماع بروتوكوليا يعقبه إجتماع في بغداد. كما اقترح عقد اجتماع يضم جلالة الملك فهد والرئيس حسني مبارك وصدام حسين دون ذكر لسمو أمير الكويت، وهو ما رفضه الجانب الكويتي رفضا قاطعا، كما رفض الجانب العراقي اقتراح وفد الكويت إصدار بيان مشترك بأن يتم اجتماع في بغداد يليه اجتماع في الكويت.وفي صباح الأربعاء ١/٨/١٩٩٠ غادر موكب عزة إبراهيم جدة متوجها إلى المدينة المنورة دون أن يسمع رد الجانب الكويتي بالرفض القاطع للاجتماع الثلاثي المقترح والذي يغيب عنه صاحب القضية، وهو سمو أمير الكويت، وفي مساء اليوم ذاته عاد الوفد الكويتي إلى الكويت".

وفي جدة مساء يوم الأربعاء الأول من آب من عام ١٩٩٠ ذكر ولي العهد الكويتي "أنه وأثناء توجهه بالسيارة للعشاء بناء على دعوة جلالة الملك فهد، قال لرئيس الوفد العراقي (عزة إبراهيم) وكان يرافقه في السيارة، أنه بعد الاجتماع الثاني في بغداد سيكون الاجتماع الثالث في الكويت. فأجابه عزة إبراهيم (ما أحد قال لنا نشوف القيادة). وأضاف سموه أنه بعد تناول العشاء اجتمع مع جلالة الملك فهد وسمو الأمير عبدالله على انفراد وأخبرهما أنه كل ما فهمه هو أن الوفد العراقي جاء إلى جدة (ليقول كلمتين وبس)".

ما يؤيد ماورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق الكويتية من أن الوفد العراقي أصر على " أن يكون الأجتماع بروتوكوليا يعقبه اجتماع في بغداد" ماورد في تصريح ناطق رسمي عراقي في يوم الجمعة ٢٧ تموز أي قبل الأجتماع " أن العراق وافق على اللقاء بين السيد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس وزراء الكويت تقديراً للجهود الاخوية التي بذلها الملوك والرؤساء العرب.. وخاصة سيادة الرئيس محمد حسني مبارك الذي زار بغداد ..... وان اللقاء المزمع عقده بين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس وزراء الكويت في جدة هو لقاء أولي وبروتكولي وسيعقبه لقاء بينهما في بغداد لمواصلة المباحثات.."

وكذلك ما ورد في محضر لقاء الرئيس صدام مع سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية يوم ٢٥/٧/١٩٩٠ حيث قال الرئيس مخاطباً السفيرة "اتفقنا مع الأخ الرئيس مبارك ، أن يلتقي رئيس وزراء الكويت مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة من عندنا في السعودية.. لأن السعودية كانت البادئة في الأتصال معنا .. ويكمل الرئيس سيعقدون في السعودية اجتماعاً بروتوكولياً.. ثم ينتقل الأجتماع الى بغداد، ليبحثوا أمورهم بعمق بين الكويتيين والعراقيين مباشرة .. ونأمل أن نصل الى نتيجة .. ونأمل أن النظرة البعيدة والمصلحة الحقيقية تتغلب على البخل الكويتي".

على الأرجح أن الغاية الأولى من حضور العراق لاجتماع جدة "البروتكولي" كانت كسب الوقت حيث يتضح من كتاب لآمر اللواء الرابع عشر المشاة الآلي من فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري أن الاستعدادات العسكرية لم تكتمل من أوامر واستطلاع وتحشد للقوات قبل انعقاد الأجتماع والغاية الثانية هي خلق مبرر للغزو بالتعلل بعدم استجابة الكويتيون لمطالب العراق "المشروعة".

كان أقصى مادار بخلد الكويتيين هو حدوث عمل عسكري محدود ولم يتوقعوا أن يكون العمل احتلال الكويت فقد ورد أيضاً في تقرير لجنة تقصي الحقائق " أفاد الشيخ صباح الأحمد النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية انه:«يعني ما كنت يوم من الايام اتصور ان العراق بده يعمل بغض النظر عن اي مذكرة حصلت، لكن قلت يمكن يحصل بوبيان ووربة يحتلها، ولكن ان يصل ان يحتل بلدا بكاملها، واللي ما حطيتها في ذهني، فكذلك قد يكون انا بتصوري غلط، لكن هذا كان احساسي، احساسي مو ان يسوي شيء، يسوي ممكن ما مو سيصل الى الكويت،انه يدخل رأسا الى الكويت ويضمها التاسعة عشر بالسرعة بهذا الشكل، لا كنا متوقعين يدخل ٣ كيلو يأخذ النفط مال الرتقة، يأخذ الجزيرة مالت وربة وبوبيان، ينزل فيها، كل هذا كنت متوقعه، لكن ما توقعت يوم من الأيام ان يصل الى الكويت.... لكن ما كنا يوم من الأيام افكر في ان العراق سيصل الى هذاالحد».

وعندما سئل السيد عبد الرحمن العوضي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك عما اذا كان مجلس الوزراء قد عقد جلسة تساءل فيها الاعضاء عن مبررات الحشود العسكرية، اجاب:«تساءلنا، وتناقشنا بشكل تفصيلي يوم الاحد لدرجة ما كنا نعتقد ان هذا سوف يهاجم، هناك تساؤل لكن استبعد انه يهاجم، ان هذا من ضمن تهديدات صدام العادية لنا. بدأها بخطاب، وبالتالي ما كان نتوقع انه يهجم... للضغط عليها».

وافاد السيد حمد الرومي وكيل وزارة الاعلام آنذاك انه:«لم يكن في ذهننا انه راح يصير غزو في الصورة هذه، نتكلم بصراحة، واي مواطن لا يمكن ان يفكر في احتلال للجزر او منطقة بترولية، هذا كان متوقع، اما بالنسبة لاحتلال الكويت، فهذا لم يكن الواحد في خلده».وأكد كل ذلك ما ذكره سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء امام اللجنة: «انا راح اقول لك الانطباع اللي كان عندي انا. انه اذا حصل هجوم عراقي فقط فيكون محدود في اماكن معينة بأحد حقول نفط في الرتقة. يزيد ويحتل جزيرة بوبيان انما ما تصورت في بالي بأنه سيحتل الكويت. وانا قلت اكثر شيء هو بيعمله انه يعسكر هناك ويساوم»، «احنا كل الانطباع عندنا انه نوع من حرب الاعصاب والنرفزة للكويت».

يوم النداء

وصل عزة ابراهيم مساء الأول من آب الى مطار بغداد عائداً من المدينة المنورة بعد انتهاء اجتماع جدة وذكر سعد البزاز في كتابه الجنرالات أخر من يعلم "كان في استقباله طه ياسين رمضان كما جرت العادة دائماً ، ولم تمض غير دقائق على دخوله صالة الأستقبال حتى تبلغ الحاضرون بأمر من مكتب رئيس الجمهورية يلزمهم بعدم مغادرة المطار وامضوا ساعة كاملة في صالة الأنتظار قبل أن يصل الرئيس صدام حسين دون أن يكون بمعيته موكب رسمي. انفرد الرئيس بنائبه ، ووجه اليه سلسلة من الأسئلة حول ما دار في اجتماع جدة... لم يحدث أن ذهب رئيس الجمهورية ليلاقي أحد مبعوثيه في المطار ، لكن الأمر هذه المرة استوجب وقوع ذلك ، كان هناك سباق مع الزمن ، فقرار عبور الحدود نحو الكويت هو على وشك الدخول الى حيز التنفيذ ، ولعل الرئيس أراد التيقن بأن لقاء جدة قد صار بموجب التعليمات التي كان قد أعطاها لنائبه واعضاء الوفد المرافق له وأن الوفد الكويتي قد عاد معلقاً بين احتمال عقد لقاء آخر وعدم الحصول على نتيجة حاسمة من الأجتماع. في غضون ذلك صدرت أول اشارة دالة على تحول حاسم في الموقف من اجتماع جدة فقد اذيع خبر عبر تلفزيون بغداد عند الساعة الثامنة مساء يشير الى عودة الوفد الحكومي من جدة بعد لقاء مع سمو الشيخ سعد العبدالله ولي عهد الكويت، غير أن الخبر اذيع ثانية في الساعة العاشرة بعد حذف مفردتي سمو الشيخ عن أسم ولي العهد الكويتي ، وقد جرى ذلك بناء على تعليمات سريعة صدرت عن حامد حمادي سكرتير رئيس الجمهورية،..ولم يكن هناك من يلتقط تلك الأشارة في الساعات الأخيرة التي سبقت عبور قوات الحرس الجمهوري الحدود مع الكويت. أمضى عزة ابراهيم وقتاً قصيراً في منزله قبل أن يذهب لحضور الأجتماع الأخير الذي أعطى اشارة البدء لعملية الكويت. كان هناك سبعة أشخاص في انتظاره وهم طارق عزيز وطه ياسين رمضان وحسين كامل ولطيف نصيف جاسم واحمد حسين وحامد حمادي ومرافق الرئيس عبد حمود... بدأ عزة ابراهيم في ايجاز الحاضرين بما جرى في جدة ، قبل أن يدخل الرئيس صدام مكان الأجتماع ليوزع المهمات على الحاضرين ويحدد أسلوب الأعلان عن بدء العمليات العسكرية. لقد تقرر أن يتولى طارق عزيز وحامد حمادي ولطيف نصيف أعداد صيغة بيانين ، الأول يعلن عن وقوع حركة أنقلابية في الكويت ويوقع باسم حكومة الكويت الحرة الموقتة... أما البيان الثاني فيعلن باسم مجلس قيادة الثورة عن الأستجابة لطلب حكومة الكويت الموقتة لتقديم المساندة العسكرية والسياسية. وتقرر أيضاً أن يتعاون الثلاثة (طارق-حامد-لطيف) مع مدير المخابرات وحسين كامل للبحث عن أشخاص كويتيين يشتركون في حكومة تحمل الأسم الذي سيجري توقيع البيان باسمها. كما تقرر أعداد خبر مقتضب يشير الى فشل اجتماع جدة ، على أن يذاع عند الساعة الثانية فجراً في وقت تكون فيه قوات الحرس الجمهوري قد عبرت منطقة الحدود. وكانت أخر جملة قاله الرئيس في ذلك الأجتماع : يا ويل المطلوب لنا... لن تلبس أمه غير السواد..

ولم يسمح للمشاركين في الأجتماع عدا حسين كامل بمغادرة المكان ألا بعد بدء العمليات العسكرية ، وكان الأجراء الوحيد الذي سمح باجرائه هو ابلاغ الأذاعة بنص الخبر الذي جرى اعداده حول فشل اجتماع جدة وتحديد موعد اذاعته متأخراً في آخر نشرة للاخبار قبل انتهاء بث الأذاعة. في غضون ذلك سأل صدام سكرتيره : هل تعتقد أن الكويتيين سيرفعون درجة استعدادهم اذا انتبهوا الى تغيير صيغة الخبر...؟ فأجاب السكرتير : لم يعد هناك ما يكفي من الوقت... فقد بدأ تسلل أفراد الحرس بأسلحتهم الخفيفة ساعة اذاعة الخبر.

كان حسين كامل أول الأشخاص الذين غادروا مكان الأجتماع حيث استقل طائرة هليكوبتر في اتجاه البصرة وكان بمعيته اللواء الطيار الحكم حسن علي التكريتي ليشرف على العمليات العسكرية بعد أن كان قد سبقه الى هناك كل من علي حسن المجيد وسبعاوي ابراهيم مدير المخابرات وصابر الدوري مدير الأستخبارات العسكرية واياد فتيح الراوي قائد الحرس الجمهوري ، وهم الأشخاص الذين شكلوا أول غرفة عمليات في مدينة البصرة ".

وورد أيضاً عن ليلة الغزو في كتاب "المنازلة الكبرى وقائدها " لحميد سعيد ، عبد الجبار محسن ، وعبد الأمير معلة ما يلي" اجتمع السيد الرئيس بالقادة العسكريين يوم بدء العملية بحضور السيد طارق عزيز واعدوا بياناً صدر في ما بعد ، وكانوا يبحثون في المصحف الكريم عن الأية التي يرد ذكر قارون فيها.. للتأكد من صحة ودقة الأية في مسودة البيان.

بعد هذا الأجتماع أعطى السيد الرئيس توجيهاته الكاملة للقادة العسكريين، وبعث الفريق الركن حسين رشيد والمقدم

عبد حميد محمود بطائرة خاصة الى البصرة لمتابعة تفاصيل ومستجدات العملية".

في الوقت الذي كانت فيه القوات العراقية تعبر الحدود كانت أفتتاحية جريدة القبس الكويتية الصادرة صبيحة الغزو وعنوانها "النيات الحسنة " تتحدث عن "الحوار الموضوعي وفق مبادىء حسن الجوار والرغبة في حل المشاكل بالتفاهم والمفاوضات المباشرة ".

١- هجوم قوات الحرس الجمهوري ابتدأت عملية الغزو بتسلل سرايا من مغاوير الحرس الجمهوري للاستيلاء على المخافر الحدودية الكويتية.

احدها كان الأستيلاء على مخفر قلعة السديرية من قبل مغاوير تابعة للواء المدرع ١٧ من فرقة المدينة المنورة حرس جمهوري في الساعة الواحدة من صباح يوم الثاني من آب.

لم تستغرق العملية أكثر من ساعتين ، حيث شاهد العميد الركن رعد الحمداني ثلاثة طلقات تنوير خضراء تشير الى احتلال القلعة من قبل السرية.

فأصدر الأمر الى اللواء الذي قسم الى رتلين متوازين للتقدم لعبور الحدود الكويتية.

في الساعة الثالثة صباحاً كانت طليعة قوات الحرس الجمهوري داخل الكويت تتقدم بسرعة ثلاثين كيلومتراً في الساعة وهدفها مدينة الكويت.

"بالرغم من ضوضاء محركات دروعنا الهادرة ، والغبار المتصاعد من سرافها والذي شكل خطاً سميكاً وطويلاً في السماء الصافية ,كنا نشعر بصمت رهيب، حيث لم نلتقط أية اشارة على الأجهزة اللاسلكية ذات التردد العالي من مقرنا الأعلى أو من التشكيلات الأخرى مما حدا بالرائد الركن ابراهيم الجبوري ضابط الركن المرافق لي الى الاعتقاد الجازم بالغاء المهمة وأن لواءنا وحده في الطريق الى الكويت, فطمأنته وطمأنت نفسي بالقاعدة الفقهية العسكرية (الأمر لا يلغيه إلا أمر) فليس لنا أية حجة للاجتهاد."

وعند فجر الخميس حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحاً اجتازت طائرات الهيلكوبتر العراقية ،وعلى متنها لواء ٣ قوات خاصة مهمتها القبض على أمير الكويت ، طليعة اللواء المدرع ١٧.

في الساعة السادسة صباحاً وعلى مسافة قريبة من شمال مضيق المطلاع فتحت النار على دبابات العميد رعد الحمداني من قبل لواء المشاة الألي السادس الكويتي وكانت قوة صغيرة. بالرغم من اصابة دبابة في طليعة رتل اللواء لم تؤثر تلك الضربة في تعطيل تقدم اللواء.

حيث انحرف الرتل الأيسر من اللواء عن الطريق العام ليواجه القوة الكويتية "فجرت معركة سريعة معه انسحب بعدها الى الفور وترك مواضعه".

في هذه الاتناء كان الرتل الأيمن من اللواء يواصل تقدمه باقصى سرعة لاجتياز الهدف الأول.. مضيق المطلاع..

لاشك أن سائقي الشاحنات التي عبرت مضيق المطلاع قد اصيبوا بالدهشة لمشاهدة الدبابات العراقية وهي تعبر ذلك المضيق.

وعلى الأغلب أن الدهشة والمفاجأة اصابت سرية من اللواء المدرع ٣٥ الكويتي وهي تتجمع للتحرك شمالاً لغلق المضيق بوجه القوات العراقية . ذكر الحمداني في مذكراته

"وما أن شاهدتنا تلك السرية بعد أن اطلقت دباباتنا الأمامية بعض مقذوفات المهداد التحذيرية على جوانبها حتى لذت طوائفها بالهرب، وترك جنودها دباباتهم وهي في حالة اشتغال وبسرعة اجتزنا ذلك المضيق، حيث تنفست الصعداء، وحمدت الله كثيراً ، لاننا انجزنا المرحلة الأولى بنجاح كبير.... وحينما التفت الى اليسار رصدت بمنظاري مجاميع من لواء المغاوير رقم ٨٠ الكويتي تلوذ بالفرار.. وأخرين يفترشون الارض جلوسا... فأشرنا لهم بالاعلام بترك المكان... ففعلوا... "

بعد أن اجتاز اللواء ١٧ المضيق في الساعة السادسة والاربعين دقيقة صباحاً

توحد رتلا اللواء لفترة قصيرة قبل أن ينقسما مرة أخرى ليقوما بمهمة تطويق مدينة الكويت.

فانطلق جحفل الفارس باتجاه على الطريق الدائري الخامس نحو ميناء الشيوخ ورأس الأرض الى أقصى الشرق من مدينة الكويت. أما جحفل ١٧ تموز مع قوة الحمداني فقد استمرا باتجاه الطريق الدائري السادس وهدفه احتلال المطار الدولي.

وعن سير العمليات في قاطع عمليات لواء قوات خاصة ١٦ حرس جمهوري المكلف باحتلال القسم الشمالي من مدينة الكويت ورد في كتاب ذلك اللواء ما يلي

١- بالساعة ٠٤٠٠ شرعت سرية قوات خاصة من اللواء ١٦ حرس جمهوري باحتلال كمرك العبدلي وازاحة المقاومة واسر كل من فيه وقطع المواصلات باتجاه مدينة الكويت

٢- الساعة ٠٤٠٠ شرعت وحدات اللواء بالتقدم على طريق العبدلي -الجهراء-الكويت.

٣- بالساعة ٠٤٤٥ وصل اللواء الى سيطرة المطلاع وتم معالجتها من خلال الحركة.

٤- بالساعة ٠٥٠٠ وخلال حركة اللواء فتحت النار عليه من تحت جسر الجهراء وتم معالجتها من خلال الحركة.

٥- بالساعة ٠٥٤٠ تم الوصول الى تقاطع مجمع المواصلات -شارع جمال عبد الناصر- واستمر الفوج الثاني الذي يقود التقدم الى الأمام باتجاه الطريق الدائري (ساحة تقاطع فندق شيراتون) الى الطريق الساحلي باتجاه القصر الأميري واندفع فوج ١ باتجاه الطريق الدائري الأول وفوج ٣ بأتجاه تقاطع فندق شيراتون الى شارع أحمد الجابر مع اللواء على تقاطع مجمع المواصلات.

٦- بالساعة ٠٥٥٠ اصطدم فوج ٢ بمقاومة (عجلة شرطة) قرب مستشفى الأميري وترجل واندفع بعد احتلال المجلس الوطني ومجلس الوزراء ووزارة التخطيط والملحق الأميري الى السفارة البريطانية والقصر الأميري كما اصطدم بنفس الوقت فوج ١ بمقاومة من رئاسة أركان الجيش وتم القضاء عليها وبعدها احتل وزارة الأعلام بدون مقاومة كما اصطدم فوج ٣ بمقاومة من قبل عجلات شرطة في تقاطع ساحة فندق شيراتون وتم معالجتها واسر أفراد الشرطة والسيطرة على تقاطع فندق شيراتون.

٧- بالساعة ٠٦١٥ تم تطويق القصر الأميري من قبل س ٣ فوج ٢ وتطويق السفارة البريطانية ..وتم احتلال وزارة الداخلية بفوج ١ واحتلال مبنى الأذاعة

وبرج الأتصالات ومجمع الوزارات بفوج ٣. ٨- بالساعة ٠٦٣٠ حصل اشتباك مع حرس الشيخ فهد الأحمد عندما كان خارجاً من القصر الأميري محاولاً الفرار باتجاه الطريق الساحلي وتم أصابته واسر أثنان من حمايته احدهم برتبة ملازم أول.

٩- بالساعة ٠٨٣٠ حصل اشتباك مع مجموعة مدرعات كانت تخرج من الباب الشرقي للقصر الأميري باتجاه الأبراج وتم معالجتها واحرقت احداها والباقي لاذت بالفرار بمن فيها.

١٠- بالساعة ٠٩٠٠ تم الأتصال بقائد قوات حمورابي حرس جمهوري واعطاءه الموقف باحتلال الأهداف المخصصة الى لوائنا بالساعة ٠٦١٠.

١١- بالساعة ١١٣٠ زار قائد قوات حمورابي حرس جمهوري مقر اللواء في تقاطع فندق شيراتون ووصول كتيبة دبابات الفارس ومسكت الطريق الساحلي في منطقة الأبراج".

كانت الوية الحرس الجمهوري الأخرى تعقب رأسي رمح الهجوم لتحكم السيطرة وتكمل احتلال الكويت مساء يوم ٢ آب.

في بغداد وبعد أن تسللت سرايا المغاوير حدود الكويت " أطلع الرئيس على البيان بعد وروده من الطابعة وقد هبت نسمات لطفت ليل آب الساخن ، وفي الساعة الرابعة والنصف صباحاً وكان السيد الرئيس يتمشى متأملاً صفاء السماء وانوار بغداد اذاً ، ولم ينم الرئيس صدام حسين في تلك الليلة ، كان ساهراً ، وعلى مقربة يقف منه النقيب عامر ياسين محمود (من الحماية) . في هدأة سكون الليل ، فجأة ، التفت الرئيس صدام الى النقيب، والتماعة عينيه تزداد توهجاً :

وقال : اخوانك ألان في الكويت، أن شاء الله.

وجد النقيب عامر نفسه يسأل : من سيدي؟

بصوته الهادىء وبالنبرة نفسها أعاد السيد الرئيس ما قاله. وما أن تأكد النقيب عامر من أن أذنيه لم تخوناه حتى صرخ باعلى صوته:

- اللهم صل على محمد.

بعد هذا التوقيت ، يكلف السيد الرئيس المرافقين للاتصال بالقطعات العسكرية التي دخلت الكويت لمعرفة الموقف ، وكان التشويش قوياً على أجهزة الأتصالات ، لكن متابعة تقدم القطعات تتم عبر ما تبثه سيارات النجدة الكويتية التي كانت تبلغ عن تقدم القوات العراقية ومواقع تواجدها."


٢-دور طيران الجيش

عن دور طيران الجيش في عملية الغزو كتب سعد البزاز في كتابه " الجنرالات أخر من يعلم "

"بحث الرئيس صدام حسين فجر الخميس الثاني من آب ١٩٩٠ عن مدير طيران الجيش العميد الطيار حسين الزبن لأنه كان يعتقد بأن احتلال الكويت لن

يتحقق ما لم تستخدم طائرات الهليكوبتر على نطاق واسع في غارات ليلية ، مستفيداً من التقديرات السائدة لدى العسكريين بعدم جواز استخدام هذه الطائرات في عمليات ليلية لكي يحقق عنصر المباغتة ، ولم يعثر الرئيس على الضابط الذي كان قد تولى مسؤوليته منذ سنة ونصف بعد أن شغل موقع آمر الجناح الأول في البصرة أخريات سنوات الحرب مع ايران.

بكثير من البساطة لم يكن هذا الطيار (الذي تأتمر به ٤٥٠ طائرة هليكوبتر متنوعة الاستخدامات) على علم بموعد دخول الكويت ، وكان كل ما استشعره في الساعات الثماني والاربعين الماضية هو تلقيه تعليمات سريعة ومتناقضة من القائد العام للقوات المسلحة للتنقل بطائراته وطياريه على رقعة القواعد الجوية المنتشرة في شمال البلاد ووسطها وجنوبها ، ثم كانت آخر تلك التعليمات ، التي صدرت صباح الأول من آب ١٩٩٠ ، تقضي بتحشيد ثلث طائرات الهليكوبتر الهجومية في قواعد الجنوب (البصرة والناصرية) ، وقد يكون العميد الزبن أستنتنج بأن تلك الحركات السريعة في اتجاهات مختلفة هي جزء من مناورة عامة بدأتها قوات الحرس الجمهوري في الجنوب وقرب الحدود مع الكويت ، دون أن يتيقن بأن الهدف في النهاية سيكون مهاجمة الكويت واحتلالها، وربما لذلك لم يجد سبباً يضطره للبقاء في حالة أنذار وانتظار لتوجيهات اسثنائية ، فقد استمع مثل سواه من مواطني العراق أخباراً عادية عن اجتماع جدة بين الوفدين العراقي والكويتي وخلد الى النوم في مكان ما من مدينة العمارة.

لذلك لم يعثر الرئيس على هذا الضابط لكي يحمله قسطاً أساسياً من المسوولية في هذه العملية ، لكن الأمر لم يكن ليتوقف بسبب غياب الزبن... فقد صدرت التعليمات الى آمري الأجنحة ليكونوا على استعداد للقيام بمهمات قتالية في الساعة الثانية فجراً.. ولم يقولوا لهم صراحة أن تلك المهمات ستكون في سماء الكويت.

..عند الواحدة وخمسين دقيقة من فجر الخميس الثاني من آب كانت ثمانون طائرة هليكوبتر قد غادرت مهاجعها في مطار الشعيبة في البصرة وقاعدة الأمام علي الجوية في الناصرية في اتجاه المجال الجوي الكويتي ، ولم تكن لدى طياريها ، ومعظمهم من الرتب الصغيرة ، صورة واضحة عن الأهداف التي ينبغي عليهم مهاجمتها في طيران ليلي محفوف بالمخاطر لم يكن ليتم بنجاح على ذلك النطاق الواسع وفي جبهة عسكرية لم يكن الطيارون مهيئين من الناحية النفسية والعملية للخوض فيها لقد قيل لهم أن مهمتهم الأولى هي انزال قوات محمولة جواً (من عناصر الحرس الجمهوري) فوق مبان حكومية في الجهراء أولاً ثم في مدينة الكويت ، ولم تكن معهم خرائط واضحة المعالم للاهداف التي ذهبوا اليها ولذلك صاروا يدورون حول أنفسهم فوق مدينة الجهراء ، وعندما حاولت أول طائرتين الهبوط في أحدى الساحات العامة تصادمت احداهما بأعمدة الكهرباء والاخرى بمبنى لأحد المخازن مما أدى الى اشتعال النيران فيهما وارتطامهما بالأرض واصابة معظم الذين كانوا فيهما ، ثم وقعت حالات أخرى أدى الى سقوط خمس عشرة طائرة خلال ساعة واحدة ، وهو رقم كبير جداً في حال غياب نيران المقاومات الأرضية... عندئذ لم يكن أمام ما تبقى من الطائرات الا العودة الى قواعدها في جنوب العراق. أما الدفعة الثانية من طائرات الهليكوبتر فقد عادت للتحليق تتقدمها طائرة استقلها أحد عقداء الأستخبارات من الذين استكشفوا الأهداف الحكومية والعسكرية والاقتصادية في الكويت على مدى اسبوعين قبل تنفيذ الخطة، لكن حظ هذه الطائرات لم يكن أفضل من سابقاتها فقد تصادمت ببعضها البعض هذه المرة وانفجرت ست طائرات في الجو ، ولم يجد عقيد الأستخبارات ومن معه غير الطلب من الطيارين الهبوط في اية مساحة متاحة على الأرض من ساحات عامة أو مناطق ترابية أو شوارع عريضة حيث ترجل منها العسكريون ورجال الأستخبارات واستوقفوا بضعة أشخاص من المقيمين في الكويت كانوا في الطريق الى أعمالهم وصاروا يحققون معهم حول عناوين ومواقع عدد من

الأهداف كانت مكتوبة على أوراق يحملونها معهم ، ثم عاودوا الطيران بعدئذ بحثاً عن اهدافهم بموجب ما حصلوا عليه من معلومات المارة والعابرين في تلك الساعة المبكرة من فجر الخميس.

عند الخامسة فجراً أدرك آمرو الجناح الأول لطيران الجيش في البصرة أن عدد الطائرات التي سقطت وتضررت في ثلاث ساعات من العمليات قد بلغ خمسين طائرة هليكوبتر".

كنتيجة للعجالة ولعدم وجود الوقت الكافي للتخطيط والتدريب على تلك العملية قتل ٦٠ من رجال القوات الخاصة في حوادث تصادم طائرات الهليكوبتر في صبيحة الغزو.


٣-دور القوة الجوية

قامت القوة الجوية العراقية بمهمات أستطلاعية قبل الغزو حيث قامت بتصوير جوي لمواقع حيوية للعاصمة الكويتية، أما بعد الغزو فمهمتها كانت قصف بطاريات الدفاع الجوي الكويتية والمطارات الكويتية لتحييد القوة الجوية الكويتية.

طلب من بعض الطياريين ماطلب من ضباط الحرس الجمهوري وهو القسم على القران لكتمان المهمة المطلوب منهم تنفيذها وذكر احدهم أنه لم يبلغ بها الا قبل يوم من المهمة.

في حين كتب سعد البزاز "قبل الرابعة فجراً ، صدرت تعليمات الى أول طائرة من نوع ميراج لمغادرة قاعدة الشعيبة ، وكان على متنها العقيد الطيار (م.ف) الذي دخل الى قمرة القيادة دون أن يعرف الأهداف التي سيهاجمها ، وانطلق خلال دقائق في اتجاه الجنوب ، وصار يستمع ، بعدئذ ، الى آمر القاعدة الجوية وهو يقول له : استمر جنوباً ، فأجاب لقد عبرت الأجواء الكويتية.. فجاءه الجواب : استمر نحو مدينة الكويت. وخلال أربع دقائق أبلغ القاعدة الجوية أنه بات فوق المدينة ، فجاءه الآمر واضحاً هذه المرة : اقصف مدارج مطار الكويت الدولي.. عندئذ استدار يبحث عن موقع مناسب لضرب المطار واطلق ثلاثة صواريخ في اتجاهه ثم حول اتجاهه شمالاً ليعود الى قاعدة الشعيبة.

لم تصب الصواريخ الثلاثة مدارج المطار مباشرة وكان ذلك يعني أن المطار ما يزال صالحاً لاستقبال الطائرات وهو أمر كان ينبغي منعه على الفور وبأي ثمن ، فصدرت الأوامر هذه المرة الى العميد الطيار (م.ن) للقيام بغارة أخرى على المطار لتصحيح الضربة الأولى وقد تزود بخارطة جوية مفصلة لكي تكون اصاباته مباشرة على مدرج المطار حيث نجح في شل حركة الطيران من المدينة واليها.

في تلك الأثناء أنسحب الطيار الأول الى صالة الاستراحة ليروي لزملائه كيف كان يحلق في اتجاه الجنوب دون أن يعرف بأن هدفه سيكون في.. الكويت".

كنتيجة للسرية وربما لغياب التنسيق مع القوات البرية لم تفلح القوة الجوية في تنفيذ المهمة مما فسح المجال للقوة الجوية الكويتية بالقيام بطلعات هجومية ضد قوات الحرس الجمهوري , ولم تتوقف تلك الهجمات الا بعد احتلال قوات الحرس للقواعد الجوية الكويتية .

٤- دور القوة البحرية

على العكس من قوات الحرس الجمهوري لم تعطى القوة البحرية الوقت الكافي للتخطيط والاستعداد لعملية غزو الكويت حيث لم يعلم بها قائد القوة البحرية غائب حسن إلا صباح ٣١ تموز من عام ١٩٩٠ عندما استدعاه الرئيس صدام لاجتماع مفاجىء ، خلاله أعطاه الرئيس خلاصة عن المشروع ١٧ وبعد أن أكد على أهمية المحافظة على سرية المهمة المطلوب عليه تنفيذها ، قدمت له قائمة بالمهمات العسكرية .

وكانت منها

١- تحرير جزيرة فيلكة والدفاع عنها.

٢- أن تتهيأ القوة البحرية لاستلام قيادة القواعد البحرية الكويتية من الحرس الجمهوري والدفاع عنها.

٣- منع أي سفينة دخول أو الخروج من المياه الكويتية.

٤-اعتبار الخليج العربي ساحة عمليات جديدة لمنع تقدم العدو.

٥- عدم اعتراض الملاحة الأيرانية.

٦- الأستفادة من السفن الكويتية بعد السيطرة عليها.

بعد ذلك وضع قائد القوة البحرية خطته بعجالة لتنفيذ المهمة المطلوب من القوة البحرية تنفيذها. وللمحافظة على سرية المهمة والتموية ارسلت برقية من الأستخبارات العسكرية الى القوة البحرية تطلب منهم البقاء في حالة أنذار لتوقع هجوم اسرائيلي معادي خلال الأيام المقبلة.

اجتمع قائد القوة البحرية في اليوم التالي بعدد من ضباط القوة البحرية في اليوم التالي ١ آب ١٩٩٠ في البصرة ليخبرهم بأن حقيقة المهمة هي غزو الكويت والتي ستدخل حيز التنفيذ باقل من ٢٤ ساعة.

قسم الضباط العملية بينهم قوة رئيسية تقوم بمهمة احتلال قاعدة القليعة البحرية والتي تبعد حوالي ١٠٠ كيلومترا عن ميناء البكر ومهمة القوة الثانية تكون استلام ما تحصل عليه القوة الأولى من معدات بعد نجاح مهمتها.

اضطلع بالمهمة الرئيسية العقيد مزاحم مصطفى حيث أبحرت سفينته مع مجموعة من مشاة البحرية في الساعة ٢٣:٣٠ ليلة ١ آب من ميناء أم قصر باتجاه ميناء البكر واستغرت الرحلة ثلاثة ساعات.

وبعد وصول تلك القوة ميناء البكر غادرته في الساعة ٠٤:٣٠ من صباح ٢ آب باتجاه جنوب الكويت. واجهت القوة عدة صعوبات منها اصابة زورق بعطب في جهازه الملاحي أجبره على التوقف حتى تم اصلاحه ، كذلك عانى زورق أخر من مشاكل في جهازه الملاحي أيضاً.

بالرغم من ذلك استطاع العميد مصطفى من توجيه الزورق الثاني بالراديو لتصبح في الساعة ٠٦:٠٠ أي بعد أربع ساعات من بدء الهجوم البري ، على مقربة من هدفها.

وعند اقتراب القوة الرئيسية من الساحل الكويتي اطلقت عليها النار من زورقين كويتيين ، وعلى الرغم من اصابة السفينة بقذيفتين فقد استطاعت بعد مناورة في البحر من الوصول الى ميناء القاعدة, بعد ذلك انتشر مشاة البحرية في القاعدة ولم يواجهوا سوى مقاومة ضعيفة تم التغلب عليها بسهولة نسبية ليتسنى لهم احتلال القاعدة.

عدم التنسيق بين قطعات الجيش في عملية الغزو تمثل في مهاجمة قوات الحرس في اليوم التالي ٣ آب للقاعدة التي احتلت من القوة البحرية العراقية ، ولم يتوقف الهجوم ألا بعد أن رفع مشاة البحرية العلم العراقي على القاعدة.

نفذت القوة البحرية أيضاً مهمة احتلال جزيرة فيلكة واستطاعت احتلالها ،بقوة غادرت ميناء أم قصر صباح الثاني من آب ، في منتصف تلك الليلة

من دون أن تواجه أي مقاومة تذكر ، كان أهم نتيجة من تلك العملية هي الأستيلاء على مرسلات اذاعة الكويت كانت لازالت تبث نداء لانقاذ الكويت من الغزو.

عدا احتلال الكويت كان هناك هدفاً أستتراجياً لخطة الغزو وهو قتل أو اعتقال الحكومة الكويتية ولم تفلح القوات العراقية في تنفيذه حيث بعد فترة قصيرة من اجتياز القوات العراقية للحدود الكويتية علم أفراد الحكومة الكويتية ببدء الغزو فقد ذكر الشيخ سعد "في تمام الساعة الواحدة والنصف من فجر يوم الخميس أيقظني الأخ وزير الدفاع وقال : يؤسفني ويؤلمني أن أقول لك بان القوات العراقية زحفت ألان واحتلت المراكز الكويتية، قلت أنا في انتظارك ألان ، ولنتقل لغرفة العمليات العسكرية. وفعلاً جاء وزير الدفاع وطلبت حضور جميع الوزراء الى غرفة العمليات. وبدأنا نتابع زحف القوات العسكرية داخل الحدود وتمكنا وبسرعة وفي وقت قصير أن ننشر القوات العسكرية الكويتية، ولم نكن نظن بأن صدام الذي تحدث عن التآخي وتحدث عن الجيرة معي ومع كل زائر عربي وتحدث عن المبادىء أن يقوم بهذا العدوان. كنت أتابع عن كثب سير دخول القوات العراقية حتى وصلت لمكان قريب من الاخوة، نتابع سير المعركة، قلت هذا المكان ساقط عسكرياً.. فلننتقل لمكان آخر ونكمل عملياتنا. وفي الطريق الى المكان المتفق عليه، لا أدري ماذا حصل . لكنني أحسست أن هناك نية مبيت لالقاء القبض على الأمير وتصفية السلطة، وعند ذلك لن يكون هناك شرعية، وهذا مايريده نظام صدام. لكن ربي ألهمني في الطريق فاتصلت بسمو الأمير وقلت له أن العملية ليست احتلال بعض الأرض بل أكبر من ذلك بكثير. فغيرت مجرى السيارة باتجاه قصر دسمان لاصطحاب صاحب السمو، لم أعرف أي طريق اسلك. وقلت للسائق اتجه مخفر النويصيب وهذا الهام من الله. مساء يوم الخميس سيطرت الدبابات العراقية على المنطقة بعد تركنا لها بساعات واتجهنا الى مركز الخفجي السعودي."

على الرغم من نجاح الحرس الجمهوري في تنفيذ عملية الغزو فقد عبر الفريق رعد الحمداني عن مشاعره وهي بلا شك مشاعر ضباط اخرين شاركوا في تنفيذها قائلاً "وللحقيقة أقول لقد ارتكبت القيادة العراقية أكبر ألاخطاء الاستتراتجية باحتلالها للكويت ، وللحقيقة أيضاً أقول أنه لم تتوفر الحكمة الكافية لدى القيادة الكويتية للمساعدة على تجنب ما حدث. فلن يغفر لنا التاريخ أبداً. وان معظم المظاهر المشينة التي حدثت هناك من الأحتلال وما ترتب بعده يتحملها بالتأكيد صانع هذا القرار الكارثي ومن شاركه أو شجعه عليه وهم قليلون كما يتحملها بعض كبار المسؤولين السياسيين والامنيين ، وقلة من المسؤولين العسكريين وقد يكون أحد قادة فرق الحرس الجمهوري من ضمنهم. وعلى الرغم من كثرة الأخيار والاشراف في جيشنا قيادة، وتشكيلات ، وفي الحرس الجمهوري وعلى رأسهم قائد الحرس الجمهوري الفريق الركن اياد أفتيح الراوي ألا أن سمعتنا كحرس جمهوري وجيش عراقي قد لوثتها تلك القلة المجرمة التي لم تراع حقوق الله ، والعباد ، وشرف المسؤولية ، والشرف العسكري وستظل صفحة سوداء في تاريخنا يصعب على أي منا تبرئة نفسه منها ".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر